logo
السلور الأفريقي.. سمك دخيل يهدد التنوع البيئي بالعراق

السلور الأفريقي.. سمك دخيل يهدد التنوع البيئي بالعراق

الجزيرةمنذ 3 أيام

مع ظهور سمك السلور الأفريقي (Clarias gariepinus) في المياه العراقية حذر خبراء البيئة من انتشار هذا النوع الدخيل على المياه العراقية، نظرا لخطورته على التنوع البيولوجي، وعلى التوازن البيئي الهش في المسطحات المائية بالعراق، وخصوصا في الأهوار.
ويتميز سمك السلور الأفريقي بخصائص تجعله شديد الخطورة، فهو ذو جسم أسطواني خالٍ من الحراشف ورأس عظمي كبير و4 أزواج من الشوارب، ويمكنه الوصول لأحجام ضخمة، تصل إلى 1.7 متر و60 كيلوغراما، كما أن قدرته على التنفس الهوائي تسمح له بالبقاء خارج الماء والعيش في بيئات قليلة الأكسجين.
يُعرف السلور بقدرته على التغذي على كل شيء تقريبا، ويمكنه الزحف على اليابسة، وينمو بسرعة ويتكاثر بغزارة ويتحمل الظروف البيئية القاسية، كما يتراكم فيه الزئبق، الذي يعد من المعادن الثقيلة ذات التأثيرات الصحية والبيئية الخطيرة.
وتعد بعض أنواع السلور، من الأنواع الغازية التي تنتشر بسرعة وتنافس الأنواع المحلية على الموارد، كما قد تصبح تلك الأسماك المحلية وبيضها ويرقاتها طعاما لها، مما يؤثر على تكاثرها وتعدادها.
ورغم أن أسماك السلور بشكل عام تقوم بدور بيئي مهم في السيطرة على بعض الأنواع وتحجيم أعدادها وتحسين جودة المياه، فإن فرط انتشارها قد يؤدي إلى اختلالات في التركيبة البيئية والتنوع البيولوجي، خصوصا في بيئة فقيرة وهشة.
نوع دخيل
يحذر رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، رعد حبيب الأسدي، من الانتشار المتزايد لسمكة السلور الأفريقية في البيئة المائية العراقية، مؤكدا أنه يهدد التوازن البيئي على المدى البعيد.
وقال الأسدي للجزيرة نت إن سمكة السلور تعتبر دخيلة على البيئة العراقية، حيث دخلت حديثا لتنافس الأنواع المحلية على الغذاء، مما ينذر بحدوث خلل في النظام البيئي المائي، مشيرا إلى أنه تم توثيق وجود نموذج واحد من هذا النوع في الناصرية، بالإضافة إلى نماذج أخرى تم توثيقها في بغداد وهور الحويزة.
وعزا الأسدي دخول هذه الأسماك إلى العراق لعدة أسباب، منها قيام بعض دول الجوار مثل سوريا وتركيا باستزراع هذه الأنواع في نهري دجلة والفرات، لافتا إلى إمكانية دخولها عبر الأحواض أو مع أسماك الزينة، خصوصا أن هناك أنواعا عديدة من أسماك الزينة تباع في الأسواق، مما قد يساهم في انتشار هذا النوع الغازي.
وأعرب عن أسفه لعدم وجود خطة حالية للسيطرة على انتشار هذا النوع في الأهوار العراقية، مشيرا إلى عدم وجود اهتمام أو تفاعل من قبل الجهات المعنية، داعيا إلى ضرورة المتابعة وتشكيل فرق متخصصة لمتابعة الأنواع الغازية والدخيلة على البيئة المائية العراقية للحد من انتشارها.
وأشار الأسدي إلى عام 2008 إذ شهد انتشارا لأسماك البلطي الغازية، التي تسببت في القضاء على العديد من أنواع الأسماك الأخرى، وانتشرت بشكل كبير، مما دمر المناطق الطبيعية للأسماك المحلية ونافسها بشدة.
وأكد أن "هذه الأسماك تعتبر كارثة بيئية وخطرا يهدد الأسماك المستوطنة في البيئة العراقية".
خطيرة وغير آمنة
أكد الخبير البيئي علاء هاشم البدراني، اليوم الأحد، تسجيل ظهور أسماك السلور الأفريقية لأول مرة في شمال العراق، مشيرا إلى أنها بلغت أحجاما كبيرة في تلك المناطق.
وقال البدراني للجزيرة نت إن مدى مقاومة هذه الأسماك للظروف البيئية القاسية في جنوب العراق، وخاصة في مناطق الأهوار التي تعاني من التلوث وارتفاع نسبة الملوحة، لا يزال غير معلوم بشكل مؤكد علميا حتى الآن.
إعلان
وبشأن المخاطر المحتملة، بيّن البدراني أن تقييم الأضرار والمخاطر بشكل ثابت وواضح للنوعيات المكتشفة في العراق يتطلب وقتا إضافيا. إلا أنه أشار إلى أن الطبيعة العامة لجميع أنواع أسماك السلور تتسم بتراكم كميات كبيرة من الزئبق في أجسامها.
ولفت إلى أن هذا الأمر هو سبب تحريم تناولها لدى بعض الطوائف الإسلامية لوجود خطر فيها، كما أنها تعتبر غير آمنة للاستهلاك البشري، نظرا لعيشها في المياه الملوثة والقذرة، بما في ذلك مياه الصرف الصحي.
وأوضح البدراني أنها تنتمي إلى فئة "سمكة القط" (catfish)، وهي نفس صنف سمكة "الجري" المتوطنة والموجودة في البيئة المائية العراقية منذ آلاف السنين.
صعوبة حصر الأعداد
من جانبه، فقد استبعد الخبير العراقي في التنوع الأحيائي، مظفر عبد الباقي سالم، إمكانية الاستفادة من هذا النوع تجاريا أو للاستهلاك البشري أو كأعلاف حيوانية، مشيرا إلى أنه أقرب للسلور العراقي الأصيل في المياه المحلية والذي لم يتم استغلاله لهذه الأغراض.
وقال سالم للجزيرة نت إن سمكة السلور الأفريقية سُجلت لأول مرة في العراق عام 2022، حيث تم جمع 6 عينات منها في نهر دجلة بالقرب من قضاء الزبيدية في محافظة واسط، وفيما يتعلق بوجودها في أهوار ذي قار، أكد سالم أن أعدادها لا تزال غير معروفة بسبب حداثة ظهورها.
وشدد على أنه لا يمكن إعطاء وصف دقيق لخارطة انتشاره هذا النوع، بناء على الأعداد القليلة المرصودة حاليا، ما لم يتم جمع عينات إضافية من بيئات مائية أخرى لتحديد خريطة وكثافة انتشارها على الصعيد العالمي.
وأشار سالم إلى أن هذا النوع يصنف من الأنواع الغازية على الصعيد العالمي، نظرا لقدرته على الانتشار خارج نطاقه الطبيعي، وقدرته على التكيف وإنشاء بيئات تكاثر ناجحة في الأماكن الجديدة.
وفي الحالة العراقية، أكد الخبير العراقي أنه لا يمكن حتى الآن تصنيف سمك السلور الأفريقي كنوع غاز، وقد يحصل ذلك متى تم رصده بكثافة وبأعداد لافتة في جميع المياه العراقية، معتبرا أنه يعد حاليا مجرد "نوع دخيل".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة
الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة

كان عقد السبعينيات من القرن العشرين عقدًا ثوريًا فيما يتعلق بالبيئة وقضاياها؛ فلم يكن مصطلح "البيئة" قبل ذلك بذات الدلالة التي يمثلها اليوم، ولم تكن الأنشطة البشرية بتلك الخطورة التي تمثلها على الكوكب وأنظمته الإيكولوجية كما نراها حاليًا. فتقنيات الرصد والتحليل الخاصة بالبيئة لم تكن كما نشهدها اليوم من حيث الدقة والاهتمام، وإن كان الحديث عن التلوث وآثار النشاط الصناعي ليس وليد اليوم، بل يعود ذلك إلى بدايات الحقبة الثورية الصناعية. إذ طالما كتب العديد من المفكرين والأدباء عن هواء المدينة الملوث، وما سببته عوادم المصانع من مخاطر على الهواء ومصادر المياه ومجاريها، بل واشتهر تيار أدبي في تلك الفترة بالدعوة إلى الطبيعة وبساطة الريف وحياته، وانتشرت الكتابات النقدية التي تتعرض للمجتمع الصناعي وتعقيداته، وما سببه من أضرار للطبيعة. أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه بيد أن ذلك بقي في نطاقات ضيقة ومحدودة وأقرب إلى المحلية، حتى جاء القرن العشرون، ومعه ذلك الطوفان الشرس من الأنشطة الصناعية والعمرانية، والأنشطة العسكرية بأسلحتها الفتاكة، وأدخنة المصانع وعوادم المركبات المتزايدة يومًا بعد يوم بشكل جنوني مع ما تحمله من الغازات الدفيئة، والقطع الجائر للغابات والأشجار، واستخدام الكيماويات والمبيدات الحشرية القاتلة لكل صور الحياة في البر والبحر والجو، إضافة إلى الأنشطة الإشعاعية والتجارب النووية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما نلقيه في البحار والمحيطات من نفايات بلاستيكية بالأطنان، وما يسببه الاحتباس الحراري من مخاطر على صحة الشعاب المرجانية وقدرة المحيطات على التوازن الحراري والتحكم في المناخ. حتى إذا كان عقد السبعينيات، بدأنا نحصد تلك الآثار المتراكمة ببطء مع مرور الزمن، ليس فقط على مستوى المجتمعات المحلية، بل امتدت تلك الآثار إلى الدول المتجاورة، بل واتسع نطاق التأثيرات الضارة إقليميًا وقاريًا، حتى صار اليوم دوليًا عبر البحار والتربة والهواء والغذاء. وأصبح مصطلح "البيئة" مصطلحًا خطيرًا، فرض نفسه بقوة ليس فقط في الأكاديميات العلمية والهيئات البحثية، بل على مائدة السياسة الدولية وعلى مستوى القادة وصناع القرار، وصار رقمًا صعبًا في معادلات الاقتصاد والتنمية. لم يكن ذلك في الحسبان حتى بدأ النزيف البيئي يعلن عن وجوده الصارخ؛ فقد أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه، وأن نبحث سبل إنقاذ كوكبنا المريض قبل أن تصبح الأوضاع كارثية وتتجاوز قدرتنا على الحل.. بل إنها بدأت تأخذ هذا المنحى بالفعل. كانت الأزمات البيئية تأخذ طابع الصدام والصراع؛ فالتنافس على الموارد الطبيعية كان أحد دوافع الحروب قديمًا وحديثًا، والتعامل مع الموارد يتم بصيغة السيادة والسيطرة، إلا أن المخاطر المتتالية فرضت على أجندة القادة حتمية اللجوء إلى التفاوض والحوار، وإيجاد سبيل آخر غير الصدام الذي يفاقم الكارثة والأزمة ولا يحلها. مثال ذلك في الصراع الذي شهدناه مؤخرًا بين باكستان والهند، وخلافهما القديم بسبب موارد المياه وخاصة مياه نهر السند، رغم أنه في عام 1960 تم توقيع اتفاقية بينهما، خففت كثيرًا من حدة الصراع، وأثبتت أن التفاوض حل لا بديل عنه من أجل العيش المشترك وتقاسم الموارد. ويزيد الصراع الخطورة أكثر وأكثر على أنظمتنا البيئية الهشة، التي بدأت تعاني بشدة تحت وطأة تطرف أنشطتنا البشرية من أجل المزيد والمزيد من جني الأرباح بأي ثمن، حتى لو كان الثمن نفاد تلك الموارد، أو انهيار البيئات التي أنتجتها عبر ملايين السنين منذ نشأة الارض. فبرزت الدبلوماسية التي تدعو إلى التفاوض السياسي من أجل وقف الحروب أو فض النزاعات، وإقرار صيغ مناسبة لتقاسم الثروات، وتحديد مناطق النفوذ، وتقليل فرص الصدام المهلك؛ فصارت البيئة مكونًا أساسيًا جديدًا في الدبلوماسية، وعلى مائدة التفاوض بين الدول. ورغم حداثة المفاوضات الخاصة بالمخاطر التي تهدد الأنظمة البيئية، فإن لها جذورًا قديمة وسوابق دبلوماسية، كما حدث في القرن الثامن عشر أثناء النزاع الأوروبي، وحروب الوراثة التي دارت بين روسيا بقيادة فريدريك الأكبر من جهة والنمسا وساكسونيا وحلفائهما من جهة أخرى، حيث تفاوض فريدريك على معاهدة سلام مع مملكة ساكسونيا عام 1748، واتفق الطرفان على الحفاظ على غاباتهما المشتركة. كانت هذه المعاهدة من أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرت بأهمية حماية البيئة، وقد شكلت هذه الاتفاقية سابقة للجهود الدبلوماسية المستقبلية، وأظهرت قوة الدبلوماسية البيئية في حل النزاعات وتعزيز التعاون بين الدول. كان الحدث الأبرز والثوري بالنسبة للدبلوماسية البيئية هو مؤتمر ستوكهولم في سبعينيات القرن المنصرم؛ حيث شجعت السويد على عقد قمة هي الأولى من نوعها في تخصيص اجتماع دولي لقضايا البيئة. كانت تلك الدعوة أقرب إلى إعلان حالة طوارئ بيئية لإنقاذ كوكب معتل، بدأت ظواهر مرضه تتضاعف وتصيب الجميع، بلا تفرقة ولا اعتراف بحدود سياسية ولا انتماءات عرقية، وهو ما جعل مهمة الحوار الدولي أسهل من أجل حماية بيئة الكوكب، باعتبارها البيت الذي يؤوينا جميعًا. من منظور دبلوماسي، كان مؤتمر ستوكهولم عام 1972 إنجازًا كبيرًا.. لقد تجاوز حدود نظام الأمم المتحدة الذي اعتمد على مفهوم سيادة الدولة، وشدّد على أهمية العمل المشترك من أجل الصالح العام. وأصدر المؤتمر إعلانًا تضمن مبادئ لتوجيه الإدارة البيئية العالمية مستقبلًا، ومهد الطريق من أجل اتفاقات ومفاوضات أخرى جاءت بعده، مثل مؤتمر الأرض وبروتوكول مونتريال، الذي يعد أحد أنجح الاتفاقيات في تاريخ الأمم المتحدة والدبلوماسية الدولية بصفة عامة؛ حيث التزمت الدول التي وقعت عليه بالاتفاقية من أجل إنقاذ طبقة الأوزون، وإيقاف استخدام مركبات الكلورفلوركربون، التي تسبب تآكل تلك الطبقة الحامية للكوكب من مخاطر أشعة الشمس. لقد شعر الجميع بالخطر، وبدأنا بالتحرك.. واعتبر البعض تلك الفترة وبعض نجاحاتها بمثابة عصر صعود للدبلوماسية البيئية، إلا أن الخطر عاد من خلال المصالح الرأسمالية الضيقة، وصعود أيديولوجيات يمينية لا تقيم للبيئة اعتبارًا، مثلما نرى الآن في الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وانسحاب الولايات المتحدة -وهي واحدة من الدول الكبرى المتسببة بأضرار هائلة لبيئة الأرض- من اتفاقيات بيئية دولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من الالتزامات البيئية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، المتهم الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وهذا الأمر شجع دولًا أخرى على الانسحاب والتنصل من الالتزامات البيئية، وعدم أخذ العلم ودراسات العلماء والباحثين على محمل الجد، بل والتشكيك فيها. لقد شكل ذلك تراجعًا خطيرًا، وتحديًا هائلًا أمام الدبلوماسية البيئية الدولية لتخوض معارك من أجل حماية الكوكب، ومستقبل الحياة عليه لنا وللأجيال القادمة، والالتزام البيئي في قرارات الساسة، والوقوف أمام الدول المارقة والشركات الكبرى وأصحاب المصالح المتربحين من الكوارث، والذين لا يعبؤُون بشيء سوى الربح والمزيد من الربح، ولو أدى ذلك إلى انهيار الكوكب كله فوق رؤوسنا جميعًا.

زلزال 2017 كان تحذيرا.. اكتشاف "صدع خفي" يهدد العراق
زلزال 2017 كان تحذيرا.. اكتشاف "صدع خفي" يهدد العراق

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

زلزال 2017 كان تحذيرا.. اكتشاف "صدع خفي" يهدد العراق

في صبيحة 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هز زلزال عنيف بلغت قوته 7.3 درجات على مقياس ريختر الحدود الجبلية بين العراق وإيران، مخلفا مئات القتلى وآلاف الجرحى، في واحدة من أعنف الهزات الأرضية التي شهدها الإقليم خلال العقود الأخيرة. وبعد مرور سنوات على الكارثة، يعود فريق من الباحثين العراقيين، للكشف عن المسبب الحقيقي لهذا الزلزال، وهو "صدع خفي"، بات يعرف علميا باسم "صدع خانقين"، وهو اكتشاف يمكن أن يكون له انعكاس في تحسين البنية التحتية وتعزيز الدراسات الإحصائية لرصد الزلازل في المنطقة، كما يقول الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز، أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات في كلية الهندسة جامعة القاهرة، والذي لم يشارك بالدراسة في تصريحات خاصة للجزيرة نت. ما "صدع خانقين"؟ و"صدع خانقين"، هو تصدع جيولوجي يمتد بطول 125 كيلومترا من شمال العراق حتى غرب إيران، ويتبع نظاما جيولوجيا يُعرف بـ"الصدوع الدثرية"، وهي صدوع تحدث نتيجة ضغط هائل يدفع الصخور الأقدم فوق الأحدث بزاوية منخفضة، ورغم أنه يمتد في الغالب داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن الباحثين يُطلقون عليه اسم "خانقين" نسبة إلى مدينة خانقين الواقعة شرق العراق. وبحسب الدراسة المنشورة بدورية " جورنال أوف آسيان إيرث ساينس"، والتي قادها الدكتور فاروجان خاجيك سيساكيان، من قسم هندسة البترول بجامعة كومار للعلوم والتكنولوجيا بإقليم كردستان العراق، فإن هذا الصدع لم يكن مرئيا بوضوح على السطح قبل وقوع الزلزال. ويطلق عليه مجازيا "الصدع الخفي" لأنه مغطى بطبقات من الصخور يصعب تمييزها بالعين المجردة، ولا تظهر عليه إشارات سطحية واضحة مثل الانكسارات أو الانهيارات الظاهرة، ولم يكن محددا بدقة على الخرائط الجيولوجية سابقا، قبل أن يكشفه الزلزال المدمر، ويدفع العلماء إلى إعادة النظر في النشاط الزلزالي الكامن في هذه المنطقة. زلزال 2017 الكاشف وضرب الزلزال في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بقوة 7.3 درجات وعلى عمق 19 كيلومترا، وكان مركزه قرب مدينة "سربل ذهاب" الإيرانية، وعلى بُعد نحو 81 كلم من مدينة خانقين العراقية. وقد تسبب الزلزال في وفاة أكثر من 630 شخصا (معظمهم في إيران)، إصابة 8100 آخرين، تضرر البنية التحتية في مدن مثل داربندخان وحلبجة بكردستان العراق، وتوقف محطة مياه حلبجة عن العمل بنسبة 50%، وتسجيل أكثر من 240 هزة ارتدادية. واعتمد الباحثون في دراستهم على مجموعة أدوات وتقنيات متقدمة شملت صور الأقمار الصناعية لرصد التشققات وتغيرات الأرض، خرائط جيولوجية متعددة المقاييس لتحديد التكوينات الصخرية المتداخلة، مراجعة أرشيف الزلازل في المنطقة منذ أكثر من 100 عام، تحليل آثار الحركة التكتونية الحديثة (النشاط النيوتيكتوني)، وقادهم كل ذلك إلى أدلة واضحة على أن صدع خانقين الخفي لا يزال نشطا، ويتحرك بشكل دوري منذ آلاف السنين. الانقلاب الطبقي.. أبرز الأدلة وكان أحد أبرز الأدلة التي كشفت عن النشاط المستمر لصدع خانقين هو ما لاحظه الباحثون من حركات انزلاقية للصخور على جانبي الصدع، فقد تبين أن الصخور الجيرية القديمة، التي تشكلت قبل ملايين السنين، قد اندفعت بقوة فوق الصخور الأحدث منها زمنيا، وهذه الظاهرة، التي تُعرف باسم "الانقلاب الطبقي"، تحدث نتيجة لضغط هائل ناتج عن تحركات الصدع، وتترك بصماتها بوضوح في هيئة طيات (انحناءات) وانكسارات (كسور) في الصخور يمكن رؤيتها على سطح الأرض. ولتقريب هذا المشهد، يمكنك تخيل أنك وضعت عدة أوراق فوق بعضها، بحيث تمثل كل ورقة طبقة من الصخور، مرتبة زمنيا من الأقدم إلى الأحدث. الآن، إذا دفعت هذه الأوراق، وخاصة السفلية منها، أفقيا أو من الجهة السفلية بقوة ضاغطة، سواء جانبيا أو نحو الأعلى، فقد تنزلق الأوراق الأقدم فوق الأوراق الأحدث، مما يسبب طيات نائمة، وتموجات شديدة الميل، وربما حتى تمزقات في الأوراق العليا إذا كانت لَدْنة بدرجة كافية، وهذا يشبه تماما ما يحدث في الطبيعة بفعل الصدوع الدثرية، لكن بدلا من الأوراق، نحن نتحدث عن طبقات صخرية ممتدة تتحرك تحت تأثير ضغوط هائلة في باطن الأرض. ووفق الدراسة فإن "هذا النوع من الانزلاقات يُعد من أقوى الأدلة على أن الصدع ما زال نشطا، لأن مثل هذه التحركات لا تحدث إلا عندما تكون هناك قوى تكتونية لا تزال تعمل في باطن الأرض، مما يشير إلى احتمالية حدوث زلازل في المستقبل". 3 مؤشرات تكتونية حديثة وبالإضافة للانزلاقات، رصد الباحثون 3 مؤشرات حديثة للنشاط التكتوني، أولها وجود "انقطاعات مفاجئة في التلال"، ويعني ذلك ظهور حواف أو جوانب تلال وكأنها قُطعت بشكل مفاجئ ومستقيم، وكأن "سكينا" ضخمة فصلت جزءا من التل. ويشير ذلك إلى أن صدعا نشطا "قص" التل أثناء حركته، وهذا النوع من التكوين لا يحدث بفعل عوامل التعرية الطبيعية فقط، بل يرتبط مباشرة بالحركات الأرضية النشطة. ولتوضيح هذا التأثير، يمكنك تخيل سلسلة من التلال المتصلة مثل سلسلة من الكراسي المتجاورة، فإذا دفع أحدهم فجأة الكرسي الأوسط جانبا، ستبدو السلسلة وكأنها "انقطعت" عند ذلك الموضع، وهذا تماما ما يفعله الصدع. أما المؤشر الثاني، فهو رصد ما يعرف بـ "الالتواءات في التكوينات الصخرية"، وهي انحناءات أو التواءات في طبقات الصخور التي من المفترض أن تكون أفقية ومستقيمة، وتشير هذه الالتواءات إلى تعرض الصخور لضغط مستمر من الأسفل أو من الجوانب، مما يؤكد أن هناك حركة تكتونية ما زالت تحدث وتضغط على الصخور ببطء. وهو أمر يمكن تقريبه، بكتاب ذي صفحات مستقيمة، ثم يتم الضغط من الطرفين، فتكون نتيجة ذلك ثني بعض الصفحات، وهذه الانحناءات تشبه تماما ما يحدث للصخور عند تحرك الصدوع. وأخيرا، فإن المؤشر الثالث، هو رصد مراوح طميِيّة قديمة متوقفة، وهذه المراوح هي تجمع للمياه والسيول في شكل يشبه المروحة على أطراف الجبال، وتتكون من ترسبات الطين والحصى، وعندما تتوقف عن استقبال المياه أو يتغير مسار السيل بعيدا عنها، تُصبح "مهجورة"، ووجودها يشير إلى أن مجاري السيول تغيرت بفعل ارتفاع الأرض أو انحرافها، وهي علامة مباشرة على وجود نشاط تكتوني حديث. طاقة باتجاه الجنوب ومن أبرز ما رصدته نتائج هذه الدراسة، إلى جانب دلائل النشاط التكتوني الحديث، تأكيد أن زلزال نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بدأ في الشمال واتجه نحو الجنوب، أي أن الطاقة الكبرى اندفعت باتجاه الجنوب، وهو ما يُفسر الأضرار الواسعة التي شهدتها إيران مقارنة بالعراق، وتُعرف هذه الظاهرة علميا باسم "توجيه التمزق". وتحدث هذه الظاهرة عندما تتحرك الجبهة التي تُطلق الطاقة الزلزالية في اتجاه معين أثناء الزلزال، ويُشبه الأمر تفجيرا يحدث بشكل متتابع من نقطة إلى أخرى، بدلا من أن ينفجر في جميع الاتجاهات في وقت واحد. وعندما تتحرك هذه الجبهة باتجاه معين (مثلا من الشمال إلى الجنوب)، فإن المناطق الواقعة في اتجاه الحركة (الجنوب في هذه الحالة) تستقبل طاقة زلزالية أكبر وأقوى، وبما أن الجبهة الزلزالية تحركت من الشمال نحو الجنوب، فقد كانت الطاقة الكبرى للزلزال تتجه نحو إيران الواقعة جنوب مركز الزلزال، وليس نحو العراق الواقعة شماله، ولذلك كانت الأضرار أكبر والخسائر أعنف في إيران، حتى وإن كانت بعض المناطق العراقية أقرب إلى مركز الزلزال. تحذير واضح للمستقبل وفق هذه النتائج، تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها لا تقتصر على شرح زلزال ماض فحسب، بل تحمل تحذيرا واضحا للمستقبل، كما يؤكد الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز. ويشرح أن هذا التحذير يتلخص في أن صدع خانقين لا يزال نشطا، ويعيش على جانبيه ملايين الأشخاص بالقرب من الحدود، لذا فإن الكشف عن طبيعته الخفية قد يُنقذ أرواحا مستقبلا من خلال تحسين البنية التحتية. ويضيف "بمعرفة معلومات جديدة عن نشاط الصدع، مثل اتجاه الحركة الزلزالية (مثلا من الشمال إلى الجنوب)، يمكن تصميم المباني لتحمل القوى الأكثر تأثيرا في ذلك الاتجاه، فعلى سبيل المثال، يمكن تقوية الجدران والأعمدة المواجهة لاتجاه الحركة لتقليل الضرر، كما يمكن توجيه البنية التحتية الحيوية بعيدا عن هذا الاتجاه أو تجهيزها بتحسينات مقاومة للزلازل". ويشير أيضا إلى أن "من فوائد هذه الدراسة توثيق النشاط التكتوني في الصدع الخفي، مما قد يسهم في تطوير قواعد بيانات إحصائية أدق تساعد في تحليل احتمالات حدوث الزلازل وتكرارها، الأمر الذي يدعم اتخاذ قرارات أفضل في مجال الوقاية والتأهب".

بالإنفوغراف.. تعرّف على صواريخ إيران المواجهة للدفاعات الإسرائيلية
بالإنفوغراف.. تعرّف على صواريخ إيران المواجهة للدفاعات الإسرائيلية

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

بالإنفوغراف.. تعرّف على صواريخ إيران المواجهة للدفاعات الإسرائيلية

في ظل الحرب المستمرة بين إسرائيل و إيران وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط ،، برزت مكانة إيران الصاروخية، كلاعب رئيسي، معتمدة على برامج تطوير امتدت لعقود، بحسب تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سي أس آي أس". وتمتد الترسانة الإيرانية من أنظمة قصيرة المدى وصولا إلى صواريخ بعيدة المدى عالية الدقة، مستفيدة من الخبرات المحلية والتقنيات المستوردة سابقا. وبدأت إيران تطوير برنامجها الصاروخي في الثمانينيات خلال حربها مع العراق، حيث ظهر أول صاروخ شهاب-1، الذي استنسخ بشكل رئيسي من الصاروخ السوفيتي سكود- بي (Scud-B). ورغم بساطته التقنية مقارنة بالجيل اللاحق، إلا أن شهاب-1 ما زال يشكل جزءا من منظومة الردع التكتيكي بفضل سهولة نشره من منصات متحركة وبنيته القابلة للتخزين طويل الأمد. وفي خطوة تطويرية لرفع سرعة الإطلاق وتقليل الاعتماد على الوقود السائل، برز صاروخ فاتح-110 الذي يمثل انتقال إيران إلى استخدام الوقود الصلب، ما يتيح له الجاهزية السريعة والتشغيل الآمن. وقد طُورت منه نسخ حديثة مزودة بأنظمة تصحيح مسار باستخدام الأقمار الصناعية، لتقليص هامش الخطأ في الإصابة الميدانية. ولاحقا، جاء صاروخ شهاب-2، الذي وفر لطهران نطاق تغطية أوسع للأهداف القريبة من حدودها الإقليمية، مع تطوير محدود في أنظمة الملاحة. ويمتلك هذا الطراز قدرة حمل أنواع متعددة من الرؤوس التقليدية وشبه الخارقة للتحصينات، لاستخدامه ضد منشآت محصنة بدقة منخفضة نسبيا. أما ذو الفقار، فقد أدخل بعدا جديدا إلى ساحة العمليات التكتيكية الإيرانية، إذ يمتلك تقنيات انفصال متأخر للرأس الحربي، مما يزيد من صعوبة اعتراضه من الأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية الإسرائيلية أو باتريوت الأميركي. كما أنه يستخدم بشكل متكرر في المناورات الحية للحرس الثوري لاستعراض دقة الإصابة في الأهداف الثابتة. إعلان وفي المقابل، يتميز صاروخ قيام-1 بإلغاء الزعانف الجانبية الخارجية، ما يقلل بصمته الرادارية ويجعله أقل عرضة للرصد المبكر. وهو مصمم للضربات البرية الدقيقة ضد القواعد العسكرية والبنى التحتية الحيوية، مع إمكانيات تعديل ميدانية لنوع الرأس الحربي حسب طبيعة الهدف. وفي الشريحة متوسطة إلى بعيدة المدى، يشكل كل من شهاب-3 ونسختيه المطورتين قدر (Ghadr) وعماد (Emad) نواة القدرات الإستراتيجية البعيدة لإيران. ويتميز شهاب-3 بإمكانية التزود بأنظمة تشويش إلكترونية مدمجة، تتيح له محاولة خداع أنظمة الدفاع الصاروخي. فيما يضيف قدر تحسينات في مادة بدن الصاروخ باستخدام سبائك الألمنيوم والصلب خفيفة الوزن، ما يمنحه مدى أطول مع خفض وزن الإطلاق. أما عماد، فقد أدخل تقنيات الرأس الحربي القابل للمناورة خلال العودة، وهو ما يقلل احتمالية اعتراضه خلال المراحل الأخيرة من الطيران، ويرفع من دقته في ضرب النقاط المحصنة داخل العمق المعادي. ويمثل صاروخ سجيل (Sejjil) التحول الأهم في اعتماد الوقود الصلب بعيد المدى ثنائي المرحلة، ما يمنحه مرونة كبيرة في الحركة والإطلاق، مع خفض زمن الاستعداد مقارنة بصواريخ الوقود السائل. أما الصاروخ الأكثر تطورا حتى الآن في الترسانة الإيرانية فهو خرمشهر (Khorramshahr)، الذي يتمتع ببصمة تقنية متقدمة عبر تقليل مدة الطيران الإجمالية بفضل سرعات تتراوح بين8 إلى 16 ماخ، بحسب النسخة المطورة. وقد أضيفت إليه أنظمة تحكم متقدمة بالحركة النهائية (Terminal Phase Control)، مما يصعّب على الأنظمة الدفاعية من اعتراضه في المسار الأخير. وعلى صعيد صواريخ كروز، يبرز صاروخ سومار (Soumar) الذي استنسخ تقنيا من الصاروخ السوفيتي كي إتش-55 (Kh-55)، لكنه خضع لتحسينات في المدى ودقة الملاحة. ويتمتع هذا النظام بمرونة طيران منخفض الارتفاع، ما يقلل من إمكانية كشفه عبر الرادارات البعيدة، كما يستفيد من تقنيات التخفي الصوتي. وفي خطوة تعكس التطور النوعي في دقة التوجيه وتقنيات المناورة، طوّرت إيران صاروخ خيبر شكن (Kheibar Shekan) ليشكل طفرة ضمن فئة الوقود الصلب متوسطة المدى، حيث جرى تصميمه بهيكل خفيف يتيح له تخطي أنظمة الدفاع الجوي عبر تنفيذ مسارات طيران منحنية معقدة. ويعتمد الصاروخ في إصابة أهدافه على نظام ملاحة داخلي محصن ضد التشويش، مع قدرة على تحديث المسار خلال الطيران، ما يمنحه مرونة عالية في ضرب الأهداف المحصنة والمنقولة على حد سواء. ويعد صاروخ قاسم سليماني، تطويرا إيرانيا حديثا، ويصنف ضمن الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وهو نسخة محسنة من صاروخ قيام-1، مع تعزيزات في دقة الإصابة والقدرة على المناورة لتجاوز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة. وبهذه التركيبة والتقنيات الحربية المتطورة، تواصل إيران توسيع هامش قوتها الصاروخية لتشكل عاملا رئيسيا، في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين في بيئة استراتيجية تتسم بالتقلب الدائم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store