logo
الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة

الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة

الجزيرةمنذ يوم واحد

كان عقد السبعينيات من القرن العشرين عقدًا ثوريًا فيما يتعلق بالبيئة وقضاياها؛ فلم يكن مصطلح "البيئة" قبل ذلك بذات الدلالة التي يمثلها اليوم، ولم تكن الأنشطة البشرية بتلك الخطورة التي تمثلها على الكوكب وأنظمته الإيكولوجية كما نراها حاليًا.
فتقنيات الرصد والتحليل الخاصة بالبيئة لم تكن كما نشهدها اليوم من حيث الدقة والاهتمام، وإن كان الحديث عن التلوث وآثار النشاط الصناعي ليس وليد اليوم، بل يعود ذلك إلى بدايات الحقبة الثورية الصناعية.
إذ طالما كتب العديد من المفكرين والأدباء عن هواء المدينة الملوث، وما سببته عوادم المصانع من مخاطر على الهواء ومصادر المياه ومجاريها، بل واشتهر تيار أدبي في تلك الفترة بالدعوة إلى الطبيعة وبساطة الريف وحياته، وانتشرت الكتابات النقدية التي تتعرض للمجتمع الصناعي وتعقيداته، وما سببه من أضرار للطبيعة.
أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه
بيد أن ذلك بقي في نطاقات ضيقة ومحدودة وأقرب إلى المحلية، حتى جاء القرن العشرون، ومعه ذلك الطوفان الشرس من الأنشطة الصناعية والعمرانية، والأنشطة العسكرية بأسلحتها الفتاكة، وأدخنة المصانع وعوادم المركبات المتزايدة يومًا بعد يوم بشكل جنوني مع ما تحمله من الغازات الدفيئة، والقطع الجائر للغابات والأشجار، واستخدام الكيماويات والمبيدات الحشرية القاتلة لكل صور الحياة في البر والبحر والجو، إضافة إلى الأنشطة الإشعاعية والتجارب النووية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما نلقيه في البحار والمحيطات من نفايات بلاستيكية بالأطنان، وما يسببه الاحتباس الحراري من مخاطر على صحة الشعاب المرجانية وقدرة المحيطات على التوازن الحراري والتحكم في المناخ.
حتى إذا كان عقد السبعينيات، بدأنا نحصد تلك الآثار المتراكمة ببطء مع مرور الزمن، ليس فقط على مستوى المجتمعات المحلية، بل امتدت تلك الآثار إلى الدول المتجاورة، بل واتسع نطاق التأثيرات الضارة إقليميًا وقاريًا، حتى صار اليوم دوليًا عبر البحار والتربة والهواء والغذاء.
وأصبح مصطلح "البيئة" مصطلحًا خطيرًا، فرض نفسه بقوة ليس فقط في الأكاديميات العلمية والهيئات البحثية، بل على مائدة السياسة الدولية وعلى مستوى القادة وصناع القرار، وصار رقمًا صعبًا في معادلات الاقتصاد والتنمية.
لم يكن ذلك في الحسبان حتى بدأ النزيف البيئي يعلن عن وجوده الصارخ؛ فقد أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه، وأن نبحث سبل إنقاذ كوكبنا المريض قبل أن تصبح الأوضاع كارثية وتتجاوز قدرتنا على الحل.. بل إنها بدأت تأخذ هذا المنحى بالفعل.
كانت الأزمات البيئية تأخذ طابع الصدام والصراع؛ فالتنافس على الموارد الطبيعية كان أحد دوافع الحروب قديمًا وحديثًا، والتعامل مع الموارد يتم بصيغة السيادة والسيطرة، إلا أن المخاطر المتتالية فرضت على أجندة القادة حتمية اللجوء إلى التفاوض والحوار، وإيجاد سبيل آخر غير الصدام الذي يفاقم الكارثة والأزمة ولا يحلها.
مثال ذلك في الصراع الذي شهدناه مؤخرًا بين باكستان والهند، وخلافهما القديم بسبب موارد المياه وخاصة مياه نهر السند، رغم أنه في عام 1960 تم توقيع اتفاقية بينهما، خففت كثيرًا من حدة الصراع، وأثبتت أن التفاوض حل لا بديل عنه من أجل العيش المشترك وتقاسم الموارد.
ويزيد الصراع الخطورة أكثر وأكثر على أنظمتنا البيئية الهشة، التي بدأت تعاني بشدة تحت وطأة تطرف أنشطتنا البشرية من أجل المزيد والمزيد من جني الأرباح بأي ثمن، حتى لو كان الثمن نفاد تلك الموارد، أو انهيار البيئات التي أنتجتها عبر ملايين السنين منذ نشأة الارض.
فبرزت الدبلوماسية التي تدعو إلى التفاوض السياسي من أجل وقف الحروب أو فض النزاعات، وإقرار صيغ مناسبة لتقاسم الثروات، وتحديد مناطق النفوذ، وتقليل فرص الصدام المهلك؛ فصارت البيئة مكونًا أساسيًا جديدًا في الدبلوماسية، وعلى مائدة التفاوض بين الدول.
ورغم حداثة المفاوضات الخاصة بالمخاطر التي تهدد الأنظمة البيئية، فإن لها جذورًا قديمة وسوابق دبلوماسية، كما حدث في القرن الثامن عشر أثناء النزاع الأوروبي، وحروب الوراثة التي دارت بين روسيا بقيادة فريدريك الأكبر من جهة والنمسا وساكسونيا وحلفائهما من جهة أخرى، حيث تفاوض فريدريك على معاهدة سلام مع مملكة ساكسونيا عام 1748، واتفق الطرفان على الحفاظ على غاباتهما المشتركة.
كانت هذه المعاهدة من أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرت بأهمية حماية البيئة، وقد شكلت هذه الاتفاقية سابقة للجهود الدبلوماسية المستقبلية، وأظهرت قوة الدبلوماسية البيئية في حل النزاعات وتعزيز التعاون بين الدول.
كان الحدث الأبرز والثوري بالنسبة للدبلوماسية البيئية هو مؤتمر ستوكهولم في سبعينيات القرن المنصرم؛ حيث شجعت السويد على عقد قمة هي الأولى من نوعها في تخصيص اجتماع دولي لقضايا البيئة.
كانت تلك الدعوة أقرب إلى إعلان حالة طوارئ بيئية لإنقاذ كوكب معتل، بدأت ظواهر مرضه تتضاعف وتصيب الجميع، بلا تفرقة ولا اعتراف بحدود سياسية ولا انتماءات عرقية، وهو ما جعل مهمة الحوار الدولي أسهل من أجل حماية بيئة الكوكب، باعتبارها البيت الذي يؤوينا جميعًا.
من منظور دبلوماسي، كان مؤتمر ستوكهولم عام 1972 إنجازًا كبيرًا.. لقد تجاوز حدود نظام الأمم المتحدة الذي اعتمد على مفهوم سيادة الدولة، وشدّد على أهمية العمل المشترك من أجل الصالح العام.
وأصدر المؤتمر إعلانًا تضمن مبادئ لتوجيه الإدارة البيئية العالمية مستقبلًا، ومهد الطريق من أجل اتفاقات ومفاوضات أخرى جاءت بعده، مثل مؤتمر الأرض وبروتوكول مونتريال، الذي يعد أحد أنجح الاتفاقيات في تاريخ الأمم المتحدة والدبلوماسية الدولية بصفة عامة؛ حيث التزمت الدول التي وقعت عليه بالاتفاقية من أجل إنقاذ طبقة الأوزون، وإيقاف استخدام مركبات الكلورفلوركربون، التي تسبب تآكل تلك الطبقة الحامية للكوكب من مخاطر أشعة الشمس.
لقد شعر الجميع بالخطر، وبدأنا بالتحرك.. واعتبر البعض تلك الفترة وبعض نجاحاتها بمثابة عصر صعود للدبلوماسية البيئية، إلا أن الخطر عاد من خلال المصالح الرأسمالية الضيقة، وصعود أيديولوجيات يمينية لا تقيم للبيئة اعتبارًا، مثلما نرى الآن في الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وانسحاب الولايات المتحدة -وهي واحدة من الدول الكبرى المتسببة بأضرار هائلة لبيئة الأرض- من اتفاقيات بيئية دولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من الالتزامات البيئية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، المتهم الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وهذا الأمر شجع دولًا أخرى على الانسحاب والتنصل من الالتزامات البيئية، وعدم أخذ العلم ودراسات العلماء والباحثين على محمل الجد، بل والتشكيك فيها.
لقد شكل ذلك تراجعًا خطيرًا، وتحديًا هائلًا أمام الدبلوماسية البيئية الدولية لتخوض معارك من أجل حماية الكوكب، ومستقبل الحياة عليه لنا وللأجيال القادمة، والالتزام البيئي في قرارات الساسة، والوقوف أمام الدول المارقة والشركات الكبرى وأصحاب المصالح المتربحين من الكوارث، والذين لا يعبؤُون بشيء سوى الربح والمزيد من الربح، ولو أدى ذلك إلى انهيار الكوكب كله فوق رؤوسنا جميعًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة
الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

الدبلوماسية البيئية.. التفاوض من أجل الحياة

كان عقد السبعينيات من القرن العشرين عقدًا ثوريًا فيما يتعلق بالبيئة وقضاياها؛ فلم يكن مصطلح "البيئة" قبل ذلك بذات الدلالة التي يمثلها اليوم، ولم تكن الأنشطة البشرية بتلك الخطورة التي تمثلها على الكوكب وأنظمته الإيكولوجية كما نراها حاليًا. فتقنيات الرصد والتحليل الخاصة بالبيئة لم تكن كما نشهدها اليوم من حيث الدقة والاهتمام، وإن كان الحديث عن التلوث وآثار النشاط الصناعي ليس وليد اليوم، بل يعود ذلك إلى بدايات الحقبة الثورية الصناعية. إذ طالما كتب العديد من المفكرين والأدباء عن هواء المدينة الملوث، وما سببته عوادم المصانع من مخاطر على الهواء ومصادر المياه ومجاريها، بل واشتهر تيار أدبي في تلك الفترة بالدعوة إلى الطبيعة وبساطة الريف وحياته، وانتشرت الكتابات النقدية التي تتعرض للمجتمع الصناعي وتعقيداته، وما سببه من أضرار للطبيعة. أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه بيد أن ذلك بقي في نطاقات ضيقة ومحدودة وأقرب إلى المحلية، حتى جاء القرن العشرون، ومعه ذلك الطوفان الشرس من الأنشطة الصناعية والعمرانية، والأنشطة العسكرية بأسلحتها الفتاكة، وأدخنة المصانع وعوادم المركبات المتزايدة يومًا بعد يوم بشكل جنوني مع ما تحمله من الغازات الدفيئة، والقطع الجائر للغابات والأشجار، واستخدام الكيماويات والمبيدات الحشرية القاتلة لكل صور الحياة في البر والبحر والجو، إضافة إلى الأنشطة الإشعاعية والتجارب النووية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما نلقيه في البحار والمحيطات من نفايات بلاستيكية بالأطنان، وما يسببه الاحتباس الحراري من مخاطر على صحة الشعاب المرجانية وقدرة المحيطات على التوازن الحراري والتحكم في المناخ. حتى إذا كان عقد السبعينيات، بدأنا نحصد تلك الآثار المتراكمة ببطء مع مرور الزمن، ليس فقط على مستوى المجتمعات المحلية، بل امتدت تلك الآثار إلى الدول المتجاورة، بل واتسع نطاق التأثيرات الضارة إقليميًا وقاريًا، حتى صار اليوم دوليًا عبر البحار والتربة والهواء والغذاء. وأصبح مصطلح "البيئة" مصطلحًا خطيرًا، فرض نفسه بقوة ليس فقط في الأكاديميات العلمية والهيئات البحثية، بل على مائدة السياسة الدولية وعلى مستوى القادة وصناع القرار، وصار رقمًا صعبًا في معادلات الاقتصاد والتنمية. لم يكن ذلك في الحسبان حتى بدأ النزيف البيئي يعلن عن وجوده الصارخ؛ فقد أصبحت البيئة هاجسًا لدى الجميع لما بدأنا نراه من آثار الاعتداء البشري على الكوكب والطبيعة؛ إذ لم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحذيرات من آثار ومخاطر محتملة، بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا ونحاول النجاة منه، وأن نبحث سبل إنقاذ كوكبنا المريض قبل أن تصبح الأوضاع كارثية وتتجاوز قدرتنا على الحل.. بل إنها بدأت تأخذ هذا المنحى بالفعل. كانت الأزمات البيئية تأخذ طابع الصدام والصراع؛ فالتنافس على الموارد الطبيعية كان أحد دوافع الحروب قديمًا وحديثًا، والتعامل مع الموارد يتم بصيغة السيادة والسيطرة، إلا أن المخاطر المتتالية فرضت على أجندة القادة حتمية اللجوء إلى التفاوض والحوار، وإيجاد سبيل آخر غير الصدام الذي يفاقم الكارثة والأزمة ولا يحلها. مثال ذلك في الصراع الذي شهدناه مؤخرًا بين باكستان والهند، وخلافهما القديم بسبب موارد المياه وخاصة مياه نهر السند، رغم أنه في عام 1960 تم توقيع اتفاقية بينهما، خففت كثيرًا من حدة الصراع، وأثبتت أن التفاوض حل لا بديل عنه من أجل العيش المشترك وتقاسم الموارد. ويزيد الصراع الخطورة أكثر وأكثر على أنظمتنا البيئية الهشة، التي بدأت تعاني بشدة تحت وطأة تطرف أنشطتنا البشرية من أجل المزيد والمزيد من جني الأرباح بأي ثمن، حتى لو كان الثمن نفاد تلك الموارد، أو انهيار البيئات التي أنتجتها عبر ملايين السنين منذ نشأة الارض. فبرزت الدبلوماسية التي تدعو إلى التفاوض السياسي من أجل وقف الحروب أو فض النزاعات، وإقرار صيغ مناسبة لتقاسم الثروات، وتحديد مناطق النفوذ، وتقليل فرص الصدام المهلك؛ فصارت البيئة مكونًا أساسيًا جديدًا في الدبلوماسية، وعلى مائدة التفاوض بين الدول. ورغم حداثة المفاوضات الخاصة بالمخاطر التي تهدد الأنظمة البيئية، فإن لها جذورًا قديمة وسوابق دبلوماسية، كما حدث في القرن الثامن عشر أثناء النزاع الأوروبي، وحروب الوراثة التي دارت بين روسيا بقيادة فريدريك الأكبر من جهة والنمسا وساكسونيا وحلفائهما من جهة أخرى، حيث تفاوض فريدريك على معاهدة سلام مع مملكة ساكسونيا عام 1748، واتفق الطرفان على الحفاظ على غاباتهما المشتركة. كانت هذه المعاهدة من أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرت بأهمية حماية البيئة، وقد شكلت هذه الاتفاقية سابقة للجهود الدبلوماسية المستقبلية، وأظهرت قوة الدبلوماسية البيئية في حل النزاعات وتعزيز التعاون بين الدول. كان الحدث الأبرز والثوري بالنسبة للدبلوماسية البيئية هو مؤتمر ستوكهولم في سبعينيات القرن المنصرم؛ حيث شجعت السويد على عقد قمة هي الأولى من نوعها في تخصيص اجتماع دولي لقضايا البيئة. كانت تلك الدعوة أقرب إلى إعلان حالة طوارئ بيئية لإنقاذ كوكب معتل، بدأت ظواهر مرضه تتضاعف وتصيب الجميع، بلا تفرقة ولا اعتراف بحدود سياسية ولا انتماءات عرقية، وهو ما جعل مهمة الحوار الدولي أسهل من أجل حماية بيئة الكوكب، باعتبارها البيت الذي يؤوينا جميعًا. من منظور دبلوماسي، كان مؤتمر ستوكهولم عام 1972 إنجازًا كبيرًا.. لقد تجاوز حدود نظام الأمم المتحدة الذي اعتمد على مفهوم سيادة الدولة، وشدّد على أهمية العمل المشترك من أجل الصالح العام. وأصدر المؤتمر إعلانًا تضمن مبادئ لتوجيه الإدارة البيئية العالمية مستقبلًا، ومهد الطريق من أجل اتفاقات ومفاوضات أخرى جاءت بعده، مثل مؤتمر الأرض وبروتوكول مونتريال، الذي يعد أحد أنجح الاتفاقيات في تاريخ الأمم المتحدة والدبلوماسية الدولية بصفة عامة؛ حيث التزمت الدول التي وقعت عليه بالاتفاقية من أجل إنقاذ طبقة الأوزون، وإيقاف استخدام مركبات الكلورفلوركربون، التي تسبب تآكل تلك الطبقة الحامية للكوكب من مخاطر أشعة الشمس. لقد شعر الجميع بالخطر، وبدأنا بالتحرك.. واعتبر البعض تلك الفترة وبعض نجاحاتها بمثابة عصر صعود للدبلوماسية البيئية، إلا أن الخطر عاد من خلال المصالح الرأسمالية الضيقة، وصعود أيديولوجيات يمينية لا تقيم للبيئة اعتبارًا، مثلما نرى الآن في الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، وانسحاب الولايات المتحدة -وهي واحدة من الدول الكبرى المتسببة بأضرار هائلة لبيئة الأرض- من اتفاقيات بيئية دولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من الالتزامات البيئية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، المتهم الأكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وهذا الأمر شجع دولًا أخرى على الانسحاب والتنصل من الالتزامات البيئية، وعدم أخذ العلم ودراسات العلماء والباحثين على محمل الجد، بل والتشكيك فيها. لقد شكل ذلك تراجعًا خطيرًا، وتحديًا هائلًا أمام الدبلوماسية البيئية الدولية لتخوض معارك من أجل حماية الكوكب، ومستقبل الحياة عليه لنا وللأجيال القادمة، والالتزام البيئي في قرارات الساسة، والوقوف أمام الدول المارقة والشركات الكبرى وأصحاب المصالح المتربحين من الكوارث، والذين لا يعبؤُون بشيء سوى الربح والمزيد من الربح، ولو أدى ذلك إلى انهيار الكوكب كله فوق رؤوسنا جميعًا.

السلور الأفريقي.. سمك دخيل يهدد التنوع البيئي بالعراق
السلور الأفريقي.. سمك دخيل يهدد التنوع البيئي بالعراق

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

السلور الأفريقي.. سمك دخيل يهدد التنوع البيئي بالعراق

مع ظهور سمك السلور الأفريقي (Clarias gariepinus) في المياه العراقية حذر خبراء البيئة من انتشار هذا النوع الدخيل على المياه العراقية، نظرا لخطورته على التنوع البيولوجي، وعلى التوازن البيئي الهش في المسطحات المائية بالعراق، وخصوصا في الأهوار. ويتميز سمك السلور الأفريقي بخصائص تجعله شديد الخطورة، فهو ذو جسم أسطواني خالٍ من الحراشف ورأس عظمي كبير و4 أزواج من الشوارب، ويمكنه الوصول لأحجام ضخمة، تصل إلى 1.7 متر و60 كيلوغراما، كما أن قدرته على التنفس الهوائي تسمح له بالبقاء خارج الماء والعيش في بيئات قليلة الأكسجين. يُعرف السلور بقدرته على التغذي على كل شيء تقريبا، ويمكنه الزحف على اليابسة، وينمو بسرعة ويتكاثر بغزارة ويتحمل الظروف البيئية القاسية، كما يتراكم فيه الزئبق، الذي يعد من المعادن الثقيلة ذات التأثيرات الصحية والبيئية الخطيرة. وتعد بعض أنواع السلور، من الأنواع الغازية التي تنتشر بسرعة وتنافس الأنواع المحلية على الموارد، كما قد تصبح تلك الأسماك المحلية وبيضها ويرقاتها طعاما لها، مما يؤثر على تكاثرها وتعدادها. ورغم أن أسماك السلور بشكل عام تقوم بدور بيئي مهم في السيطرة على بعض الأنواع وتحجيم أعدادها وتحسين جودة المياه، فإن فرط انتشارها قد يؤدي إلى اختلالات في التركيبة البيئية والتنوع البيولوجي، خصوصا في بيئة فقيرة وهشة. نوع دخيل يحذر رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، رعد حبيب الأسدي، من الانتشار المتزايد لسمكة السلور الأفريقية في البيئة المائية العراقية، مؤكدا أنه يهدد التوازن البيئي على المدى البعيد. وقال الأسدي للجزيرة نت إن سمكة السلور تعتبر دخيلة على البيئة العراقية، حيث دخلت حديثا لتنافس الأنواع المحلية على الغذاء، مما ينذر بحدوث خلل في النظام البيئي المائي، مشيرا إلى أنه تم توثيق وجود نموذج واحد من هذا النوع في الناصرية، بالإضافة إلى نماذج أخرى تم توثيقها في بغداد وهور الحويزة. وعزا الأسدي دخول هذه الأسماك إلى العراق لعدة أسباب، منها قيام بعض دول الجوار مثل سوريا وتركيا باستزراع هذه الأنواع في نهري دجلة والفرات، لافتا إلى إمكانية دخولها عبر الأحواض أو مع أسماك الزينة، خصوصا أن هناك أنواعا عديدة من أسماك الزينة تباع في الأسواق، مما قد يساهم في انتشار هذا النوع الغازي. وأعرب عن أسفه لعدم وجود خطة حالية للسيطرة على انتشار هذا النوع في الأهوار العراقية، مشيرا إلى عدم وجود اهتمام أو تفاعل من قبل الجهات المعنية، داعيا إلى ضرورة المتابعة وتشكيل فرق متخصصة لمتابعة الأنواع الغازية والدخيلة على البيئة المائية العراقية للحد من انتشارها. وأشار الأسدي إلى عام 2008 إذ شهد انتشارا لأسماك البلطي الغازية، التي تسببت في القضاء على العديد من أنواع الأسماك الأخرى، وانتشرت بشكل كبير، مما دمر المناطق الطبيعية للأسماك المحلية ونافسها بشدة. وأكد أن "هذه الأسماك تعتبر كارثة بيئية وخطرا يهدد الأسماك المستوطنة في البيئة العراقية". خطيرة وغير آمنة أكد الخبير البيئي علاء هاشم البدراني، اليوم الأحد، تسجيل ظهور أسماك السلور الأفريقية لأول مرة في شمال العراق، مشيرا إلى أنها بلغت أحجاما كبيرة في تلك المناطق. وقال البدراني للجزيرة نت إن مدى مقاومة هذه الأسماك للظروف البيئية القاسية في جنوب العراق، وخاصة في مناطق الأهوار التي تعاني من التلوث وارتفاع نسبة الملوحة، لا يزال غير معلوم بشكل مؤكد علميا حتى الآن. إعلان وبشأن المخاطر المحتملة، بيّن البدراني أن تقييم الأضرار والمخاطر بشكل ثابت وواضح للنوعيات المكتشفة في العراق يتطلب وقتا إضافيا. إلا أنه أشار إلى أن الطبيعة العامة لجميع أنواع أسماك السلور تتسم بتراكم كميات كبيرة من الزئبق في أجسامها. ولفت إلى أن هذا الأمر هو سبب تحريم تناولها لدى بعض الطوائف الإسلامية لوجود خطر فيها، كما أنها تعتبر غير آمنة للاستهلاك البشري، نظرا لعيشها في المياه الملوثة والقذرة، بما في ذلك مياه الصرف الصحي. وأوضح البدراني أنها تنتمي إلى فئة "سمكة القط" (catfish)، وهي نفس صنف سمكة "الجري" المتوطنة والموجودة في البيئة المائية العراقية منذ آلاف السنين. صعوبة حصر الأعداد من جانبه، فقد استبعد الخبير العراقي في التنوع الأحيائي، مظفر عبد الباقي سالم، إمكانية الاستفادة من هذا النوع تجاريا أو للاستهلاك البشري أو كأعلاف حيوانية، مشيرا إلى أنه أقرب للسلور العراقي الأصيل في المياه المحلية والذي لم يتم استغلاله لهذه الأغراض. وقال سالم للجزيرة نت إن سمكة السلور الأفريقية سُجلت لأول مرة في العراق عام 2022، حيث تم جمع 6 عينات منها في نهر دجلة بالقرب من قضاء الزبيدية في محافظة واسط، وفيما يتعلق بوجودها في أهوار ذي قار، أكد سالم أن أعدادها لا تزال غير معروفة بسبب حداثة ظهورها. وشدد على أنه لا يمكن إعطاء وصف دقيق لخارطة انتشاره هذا النوع، بناء على الأعداد القليلة المرصودة حاليا، ما لم يتم جمع عينات إضافية من بيئات مائية أخرى لتحديد خريطة وكثافة انتشارها على الصعيد العالمي. وأشار سالم إلى أن هذا النوع يصنف من الأنواع الغازية على الصعيد العالمي، نظرا لقدرته على الانتشار خارج نطاقه الطبيعي، وقدرته على التكيف وإنشاء بيئات تكاثر ناجحة في الأماكن الجديدة. وفي الحالة العراقية، أكد الخبير العراقي أنه لا يمكن حتى الآن تصنيف سمك السلور الأفريقي كنوع غاز، وقد يحصل ذلك متى تم رصده بكثافة وبأعداد لافتة في جميع المياه العراقية، معتبرا أنه يعد حاليا مجرد "نوع دخيل".

وزارة البيئة القطرية تؤكد أن مستويات الإشعاع في الدولة طبيعية
وزارة البيئة القطرية تؤكد أن مستويات الإشعاع في الدولة طبيعية

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

وزارة البيئة القطرية تؤكد أن مستويات الإشعاع في الدولة طبيعية

أكدت وزارة البيئة والتغير المناخي القطرية أن مستويات الإشعاع في الهواء والمياه الإقليمية بدولة قطر ضمن المعدلات الطبيعية. وأوضحت الوزارة، في بيان اليوم، أنها تتابع بدقة وعلى مدار الساعة مستويات الإشعاع من خلال شبكات الرصد الإشعاعي البرية والبحرية المنتشرة في مختلف أنحاء الدولة، حيث إن البيانات الصادرة عنها تبين استقرار الوضع الإشعاعي في البيئة المحلية. وأشارت الوزارة إلى أنها دشنت مؤخرا شبكة وطنية متقدمة للرصد الإشعاعي، تعمل على مدار الساعة وتغطي كافة مناطق الدولة، بهدف الرصد المبكر للإشعاعات في حالات ارتفاعها عن الحدود الطبيعية، وضمان تحقيق أعلى مستويات الأمان الإشعاعي والنووي على المستويين الإقليمي والعالمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store