logo
عيد السودان... طعم الأضاحي مستحيل في الحرب

عيد السودان... طعم الأضاحي مستحيل في الحرب

Independent عربيةمنذ 3 أيام

في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي أفرزتها الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، لا تزال ملامح عيد الأضحى تغيب في السودان وسط وضع إنساني مأزوم جراء النزوح وتفشي البطالة وانخفاض قيمة العملة الوطنية وتصاعد معدل التضخم، فضلاً عن أزمة السيولة المتفاقمة، في وقت تكابد الأسر لإدخال الفرحة والسعادة إلى قلوب أفرادها بتأمين خروف العيد على رغم المغالاة في الأسعار هذا العام.
وتشهد أسواق المواشي في ولايات البحر الأحمر والقضارف وكسلا ونهر النيل والنيل الأبيض والنيل الأزرق وسوق تمبول شرق ولاية الجزيرة حركة نشطة مع اقتراب عيد الأضحى، إذ بلغت أسعار الخراف الكبيرة 700 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 250 دولاراً)، والمتوسطة تراوح أسعارها بين 400 و500 ألف جنيه سوداني (142 و178 دولاراً)، والصغيرة 300 ألف (ما يعادل 107 دولارات).
وأرجع تجار المواشي ارتفاع الأسعار إلى تحديات معقدة أبرزها توقف حركة الوارد من مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور بسبب الطرق غير الآمنة نتيجة لاشتداد المعارك بين طرفي الحرب، بالتالي انحصر الإنتاج داخل الولايات الآمنة.
وسط هذه المؤشرات يخشى كثير من المواطنين مع حلول العيد تزايد صعوبة توفيق الأوضاع بين الاحتياجات الأساسية وكلفة الأضحية، لكن يبقى الأمل في الشراء أو الاكتفاء بعدد من الكيلوغرامات.
انهيار القطاع
وأدت الحرب المستعرة بين الجيش و"الدعم السريع" إلى انهيار قطاع الثروة الحيوانية بنسبة 95 في المئة، بسبب توقف حركة البيع والصادر وعمليات السلب والنهب الواسعة التي تعرضت لها المواشي بواسطة قوات "الدعم السريع"، إلى جانب قتل أعداد كبيرة من الملاك والرعاة أثناء دفاعهم عن مواشيهم خلال رحلة تجوالهم بحثاً عن المراعي، فضلاً عن نهب سلال الأبقار والخراف والماعز ونفوق المواشي وفقدان حملات اللقاحات التي كانت تنظمها منظمة "الفاو" العالمية للمواشي بولايتي كردفان ودارفور بسبب انعدام الأمن، علاوة على انقطاع الخدمات البيطرية وتدمير المعامل التي تنتج الأمصال، بخاصة المعمل المركزي بسوبا في ولاية الخرطوم وهجرة كوادره الفنية، إضافة إلى الدمار الذي لحق بالمراعي الطبيعية ومصادر المياه، مما أسهم في انتشار الأمراض.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأثناء كشفت وزارة الثروة الحيوانية الاتحادية عن أن الرعاة في كردفان ودارفور والجزيرة وسنار والبطانة ظلوا يدعمون الاقتصاد السوداني بنحو مليار دولار سنوياً من عائدات صادرات المواشي، إلى جانب منطقة رهيد البردي في ولاية جنوب كردفان التي تضم أكبر سوق تغذي العاصمة الخرطوم.
مغالاة فاحشة
يقول حيدر الماحي من مواطني مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، إن "عيد الأضحى من الشعائر الدينية التي تعود المواطنون السودانيون على اتباعها، على رغم الأوضاع الاقتصادية التي يعانونها قبل اندلاع الصراع، لكن الحرب المشتعلة لأكثر من عامين فاقمت الوضع المعيشي وحالت دون استقرار السكان، بل وضعتهم على حافة الفقر بسبب النزوح وفقدان مصادر الدخل وأزمة السيولة، بالتالي تراجع مستويات الشراء".
وأضاف الماحي "تعودنا التحضير لعيد الأضحى قبل فترة وجيزة من حلوله، إذ إن الفضول قادني للسؤال عن أسعار الأضاحي هذا العام، ووجدت الأمر يفوق الخيال من ناحية الارتفاع الجنوني لأسعار المواشي، في ظل واقع إنساني مرير يعيشه المواطن في شتى مناحي الحياة".
وتابع "كانت لدي رغبة أكيدة في إسعاد أفراد أسرتي وإخراجهم من الضغوط النفسية، بخاصة الأطفال الذين تتجلى فرحتهم بعيد الأضحى في الإصرار على مرافقتي لسوق المواشي، لكن تبدد الأمل هذا العام نظراً إلى المغالاة في الأسعار، فالخروف الذي كنا نشتريه قبل الحرب بنحو 150 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 53 دولاراً) أصبح الآن بنحو 300 ألف، في وقت تنعدم الأعمال في كل المجالات، لذلك لن أتمكن من شراء الأضحية هذا العام، وسأكتفي بشراء بضع كيلوغرامات من اللحم حتى نشعر بفرحة اليوم الأول".
وأشار المواطن إلى أن "الأوضاع المعيشية المزرية التي فرضتها الحرب وتأثرت بها الولايات بالكاد نستطع معها تلبية الاحتياجات الأساسية، فضلاً عن أن الأسر أصبحت في حال يقين وتلاشت الرغبات، لذلك ما لم تقف الحرب لن تعود الحياة لطبيعتها، لا سيما أننا ما زلنا موجودين في مناطق النزوح، لأن العاصمة الخرطوم لم تعد صالحة للعيش بالنظر إلى تفشي الأوبئة والانفلات الأمني".
ملامح غائبة
يرى محمود السر، الذي يعمل موظفاً في ولاية كسلا شرق البلاد، أن "الأسعار في سوق مستورة للمواشي بولاية كسلا إلى حد ما معقولة، وهناك خراف بنحو 200 ألف جنيه سوداني، لكنها صغيرة الحجم، وبصورة عامة فإن الأزمة الاقتصادية والغلاء الفاحش في المواد الاستهلاكية ربما يحولان دون فرحة العيد بخاصة داخل الأسر التي تعاني الفقر".
وأردف "في السابق وقبل اندلاع الحرب في العاصمة كنا نسافر لقضاء عطلة العيد مع أهلنا في الأقاليم بعيداً من زخم العاصمة، وهذا العيد يعرف في المجتمعات السودانية بالعيد الكبير، وهي عادة اجتماعية نتبعها سنوياً، لكن من المؤسف الحرب أسهمت في فقدانها نتيجة للنزوح وهجرة السكان قسراً، إلى جانب أن موت وفقدان الأحباب يجعل الفرحة ناقصة، علاوة على ارتفاع الأسعار وعدم مراعاة أحوال الأسر المعيشية، بخاصة النازحة".
ولفت إلى أن "العيد في العاصمة الخرطوم له مذاق خاص ويرتبط بالطقوس السودانية والعادات والتقاليد من خلال التنقل من منزل إلى آخر، فضلاً عن استمرار الذبائح حتى اليوم الرابع من العيد والاستمتاع بالمأكولات، مع احتساء المشروب الشعبية (الشربوت) المصنوع من البلح الذي لا تكتمل مائدة الأضحية إلا بوجوده، إذ بتنا نفتقد هذه الروابط بسبب الحرب ونأمل أن تعود هذه الأيام السعيدة باستقرار سكان العاصمة، ومن المؤكد أنها لن ترجع إلا بإخماد نيران الحرب".
تحديات وأخطار
في السياق أوضح تاجر المواشي محمد عبدالقيوم، العامل في سوق سيدون بمدينة عطبرة، أن "سوق المواشي تضررت بسبب الحرب واتساع رقعتها، بالتالي تأثرت الولايات المنتجة في كردفان ودارفور التي كانت تغذي الأسواق الرئيسة في العاصمة بمدنها الثلاث: الخرطوم وبحري وأم درمان، باعتبارها تشكل أكبر قوة شرائية، لا سيما أنها تضم أعلى نسبة من السكان".
وواصل عبدالقيوم "المغالاة في الأسعار جاءت نتيجة لارتفاع كلفة أعلاف المواشي وشراء الماء بأثمان باهظة، إلى جانب استئجار الحظائر، فضلاً عن انهيار قطاع البيطرية في الخرطوم الذي كان يوفر الأدوية والتطعيمات للمواشي، علاوة على ارتفاع رسوم النقل أثناء الحرب، إذ خاطرنا بجلب الخراف الصغيرة من ولاية النيل الأبيض بمدينتي كويتي وربك، وشرعنا في تربيتها مع ندرتها بسبب نفوق معظمها جراء المعارك، كما كان يجري في الغالب نهبها وسرقتها في ظل الأوضاع الأمنية المتردية، مما قاد معظم تجار المواشي لحصر تربية القطيع في الولايات الآمنة".
ونوه إلى أن "ظروف الحرب جعلت المواطنين في أوضاع مادية صعبة، لذلك لا نتوقع أن يكون حجم الإقبال على الشراء كبيراً كما كان في السابق، فاستمرار الحرب عقد الأوضاع وجعلها تسوء أكثر".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جزيرة توتي تؤدي صلاة العيد بعد عامين من انتهاكات المليشيا الإرهابية
جزيرة توتي تؤدي صلاة العيد بعد عامين من انتهاكات المليشيا الإرهابية

سودارس

timeمنذ 31 دقائق

  • سودارس

جزيرة توتي تؤدي صلاة العيد بعد عامين من انتهاكات المليشيا الإرهابية

وأكد إمام المسجد العتيق مولانا مرتضي محمد بركات خلال خطبة العيد أن تحرير الجزيرة تم بمجاهدات القوات المسلحة والقوات المساندة ما مكن من أداء صلاة العيد. وأشار إلى أن المليشيا المتمردة استباحت الجزيرة ومنعت رفع الآذان وإقامة الصلوات، مشيرًا إلى إرهاب وتقتيل المواطنين الأبرياء بدم بارد، في عيد الأضحى العام الماضي. وأكد المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم عبد المنعم البشير، ممثل والي الخرطوم ، اهتمام حكومة الولاية باستعادة الخدمات، مشيرًا إلى جهود المحلية لدرء آثار الحرب وعودة الخدمات بالمحلية. وكشف عن تشغيل 12 مركزًا صحيا، و22 مركزًا للشرطة، فضلا عن بدء عمليات واسعة لنظافة الطرق، إضافة إلى استعادة الخدمة بمحطات مياه سوبا وتوتي والعمل على تشغيل محطة المقرن بعد عطلة العيد، فضلا عن تشغيل 28 بئرا. وفي مجال التعليم قال البشير بأن المحلية استضافت 9 مراكز انعقدت فيها امتحانات شهادتي الابتدائية والمتوسطة وجاري الإعداد لانعقاد امتحانات الشهادة السودانية، لافتًا إلى الضرر الكبير الذي لحق بقطاع الكهرباء بفعل تعديات المليشيا والتي قامت بتدمير 9 محطات تحويلية من جملة 10 محطات. فيما قال العميد طبيب طارق الهادي إن دحر التمرد من ولاية الخرطوم هو بداية لقطع دابر المليشيا من كل أراضي البلاد. سونا script type="text/javascript"="async" src=" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة

دمشق الأبد في زمن ما بعد الأسد…
دمشق الأبد في زمن ما بعد الأسد…

الناس نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • الناس نيوز

دمشق الأبد في زمن ما بعد الأسد…

ميديا – الناس نيوز :: العربي الجديد – بشير البكر – 'وفي الشام شام لكل زمان'، قال الشاعر محمود درويش. رؤيا تتأمل في حاضر راسخ ومجاز وجداني عريق. جاءت القصيدة من تاريخ بعيد، يروي حكاية أم المدن على هذه الأرض، التي منها بدأ التبشير بالمسيحية، وتوجه الإسلام إلى العالم، وسافر على طرقها الحجاج والتجار، وسكنها المتصوفة الكبار واليمام. دمشق القديمة أول الحكاية، التي تشكلت بجوار الجامع الأموي، وتمددت إلى حي القيمرية، حيث أسرار جمال وبقاء الحرف اليدوية، ومن ثم انتقلت إلى باب توما، ذي الأغلبية المسيحية، بكنائسه وأديرته ومدارسه الخاصة، وهو يتواصل في باب شرقي، والحي اليهودي، الذي هجرته الغالبية العظمى من سكّانه منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، ورحل القسم الأكبر منهم إلى الولايات المتحدة. حيوية لافتة في دمشق يبدأ حي القيمرية من مقهى النوفرة، عند نهاية سوق الحميدية، أو من الطرف الأيسر للجامع الأموي، عن طريق ما يعرف بـ'مقام الست رقية' بنت الحسين، الذي تحول إلى مزار يقصده شيعة قادمون من إيران والعراق على نحو خاص، لكن حركة هؤلاء تراجعت بعد سقوط نظام بشار الأسد، بسبب عدم الترحيب بهم من قبل الوسط العام، الذي عانى من التمييز الطائفي، واستغلال إيران للرموز الدينية. ويعتبر بعض أهل الحي أن اهتمام إيران ببعض المظاهر الدينية في سورية، يرجع لأسباب سياسية، وتحول نشر التشيع، وإقامة حسينيات وأضرحة، إلى وسيلة لتغيير الهوية الدينية لجزء من السوريين، وذريعة للتدخل العسكري، وإسناد رئيس نظام الأسد، سواء بخبرات أمنية وعسكرية وأموال إيرانية، أو عن طريق مليشيات لبنانية، عراقية، باكستانية، وأفغانية، تتبع للحرس الثوري الإيراني، وأهمها حزب الله اللبناني، الذي تجاوز حدود الدفاع عن المراقد الدينية، إلى اجتياح مدن بأكملها، ووصلت قواته حتى الحدود السورية العراقية في مدينة البوكمال، حيث أقامت قاعدة عسكرية تحت إشراف الحرس الثوري باسم الإمام علي بن أي طالب. يمتاز حي القيمرية بحيوية لافتة. هو يعج بالمطاعم والمقاهي المتخصصة بتقديم النركيلة. ويقول النادل أبو حسن في مقهى النوفرة، إن الحي شهد تحولاً بدأ منذ أعوام عدة، حين اكتشف التجار أهمية الأحياء القديمة في جذب السيّاح من داخل البلد وخارجه، وصاروا يحولون البيوت القديمة إلى فنادق، بعضها من خمس نجوم مثل 'بيت الوالي' في باب شرقي، الذي يعد من بين أغلى الفنادق في العاصمة، حيث يتجاوز مقابل منام الليلة الوحدة، في الأحوال العادية، 250 دولاراً. حمل الحي في القرن التاسع عشر اسم 'الهند الصغرى'، كونه يمتاز بحضور كبير لمشاغل أصحاب المهن والصناعات اليدوية، التي تختص بها دمشق، وتتفوق بها على غيرها من المدن السورية. بعضها تمّ توارثه منذ عدة أجيال، ومن ذلك حياكة الحرير والنسيج والصدفيات وفن الزخرفة وصناعة الصابون وتطعيم الخشب، والعطارة والطباعة. اللافت هنا، تمسك سكّان الحي ببيوتهم التي أضفوا عليها لمسات من التجميل. يتوارث ذلك الأولاد والأحفاد، بالتوازي مع نقل المهن من الآباء والأجداد، ما أسهم في ترسيخ وحفظ التقاليد المهنية، والخبرات اليدوية التقليدية، وازدهارها مع الزمن. ومع ذلك تعاني الثروة التراثية الهائلة من إهمال رسمي. يطمح أصحاب المهن والحرف وساكنو المنطقة، إلى اعتبارها تراثاً مادياً، يستلزم الحفظ والصيانة والدعم والحماية من طغيان الأنماط السياحية، التي بدأت بالزحف على أحيائها، وتحويل بعض بيوتها ومشاغلها إلى مطاعم وحانات ومقاهي النارجيلة، التي تشكل ظاهرة تستحق الدراسة، كونها منتشرة على نحو كبير في الأحياء كافة، بلا استثناء، ويقدم عليها الرجال والنساء بالنهم ذاته. هناك ملاحظة مهمة وهي أن عدد النساء المحجبات من بين مدخنات النرجيلة، لا يقل عن عددهن من غير المحجبات، وهن في الحالين تجاوزن سن الثلاثين، وهذا يشير إلى أن الحجاب ليس دليلاً على التشدد أو التعصب، بل هو خيار اجتماعي ثقافي. ومن الملاحظ أن الحي لا يختلف، على مستوى الملابس، عن بقية أحياء دمشق. هناك نسبة قليلة من النساء ترتدي النقاب. وعلى خلاف ما يظن البعض أن هذه الظاهرة قدمت إلى دمشق بعد سقوط النظام، بالتزامن مع دخول مقاتلين من فصائل ذات خلفية جهادية، وبعض هؤلاء النساء من أرياف دمشق، والبعض الآخر قدمن من محافظات أخرى، ولكن الغالب هو أن المرأة الدمشقية التقليدية، لم تغير عاداتها في الملبس الذي درجت عليه منذ زمن طويل، وهو لا يحمل أي مظهر للتشدد، وهي منخرطة في مجرى الحياة العام، تعمل وتتسوق وتركب الحافلات المكتظة بالرجال، من دون شعور بالحرج. الطراز العمراني يتراوح بين بيوت طينية قديمة، وأخرى من الحجر الأسود، وهو في الحالين يتطلب عناية كبيرة من قبل هيئات دولية، تتولى الترميم، وتوظف أدوات الحداثة لصيانة هذا التراث من التلف، ومن ثم الانهيار، أو القيام بأعمال صيانة تخالف الأصول، وتؤدي مع الزمن إلى نتائج سلبية على البيئة العامة. أحياء عصرية وأخرى محافظة باب توما هو الحي المسيحي الدمشقي بامتياز. يضم العديد من الكنائس والأديرة المهمة، ليس على مستوى سورية فقط، بل الشرق، وفيه تقع أهم كنيستين للروم الأرثوذكس، الأولى الكنيسة المريمية المبنية على الطراز الروماني، والتي تعد ثاني كنيسة تمّ بناؤها في تاريخ كنائس الشرق بعد كنيسة القدس، وكنيسة حنانينا التي يقترب عمرها من ألفي عام، وتعود إلى الفترة الرومانية، وتم تجديدها مرات عدة، وآخر عملية توسعة جرت في عام 1815. هناك كنائس أخرى للسريان والأرمن والطوائف المسيحية الأخرى، والتي تتميز بأنها حافظت على دورها بوصفها بيوت عبادة من جهة، ومن جهة ثانية حفظ تراث المسيحية الشرقية، التي عانت بدورها من النظام السابق، الذي كان يقدم نفسه حامياً للأقليات، لكنه كان يزج الشباب المسيحيين بقتال أشقائهم السوريين، ولذلك هاجر جيل بأكمله خلال العقد الأخير، كي لا ينخرط في المقتلة بين السوريين، التي نظمها الأسد من أجل الدفاع عن نظام حكمه. يقول أحد الآباء المسيحيين، ورعاة الكنيسة، إن رصيد مسيحيي الشرق يتمثل في أنهم دعاة محبة بين الأديان، ولم يسبق لهم أن انخرطوا عبر التاريخ في أي نزاع سياسي داخلي. ويعترف بأن بعض الرموز سكتوا على القمع وهادنوا النظام السابق، لكنهم عارضوا مشاركة أبناء الطائفة بالقتل والتهجير والاستيلاء على أملاك الآخرين. وعلى هذا فإنهم ينتظرون من الدولة الجديدة أن تراعي ذلك، وتتعامل مع أبناء الطائفة على أساس المساواة في المواطنة، والحد من الخطاب الذي بدأ يشيع في بعض الأوساط حول تكفير بعض معتنقي الأديان الأخرى. ويضيف أن المرجو من الإدارة السورية فتح صفحة جديدة مع الطوائف المسيحية تؤدي إلى طمأنتها وتشجع عودة عشرات آلاف الشباب الذين غادروا البلد لرفضهم الخدمة في جيش النظام لقتل إخوتهم السوريين. يعد باب توما من بين أحياء دمشق التي تتميز بالحيوية والانفتاح الاجتماعي، ورغم ما يشاع عن أجواء تشدد في بعض مناطق العاصمة، ترافق مع وصول الإدارة الجديدة، فإن باب توما يقدم صورة تنفي ذلك كلياً. يقول إلياس وهو صاحب مطعم يقدم المشروبات الكحولية، إن الحي لم يشهد تغييرات، وكما ترون هناك زبائن يتناولون بعض المشروبات، ولا أحد يتعرض لهم. ويعترف بحصول بعض التجاوزات، ولكنها طفيفة جداً، وليست مبنية على سياسات عامة، ويقول إن المطاعم التي تمّ إغلاقها لم تكن تحمل رخصة رسمية لتقديم المشروبات الكحولية، وما أن تلائم وضعها مع القانون حتى تعاود العمل، مشيراً إلى محل لبيع المشروبات يقع مقابل مطعمه، وهو مفتوح ويعرض بضاعته بصورة علنية، خلافاً للشائعات التي تتحدث عن خوف ومنع، ومثله هناك العديد من المحلات في شارع 29 أيار، ومنطقة شارع العابد، وفي أحياء المالكي وأبو رمانة والقصاع. تقول قصيدة الشاعر محمد الماغوط 'جميلة عيون النساء في باب توما'. هنا تسير النساء بكامل الحرية في الملبس، لم يتغير شيء. ملابس الصيف تعري الشائعات التي تتحدث عن التشدد. هناك نساء بألبسة تقليدية ومحجبات والغالبية بملابس عصرية ومن دون حجاب، وليس بالضرورة انتماء كل هؤلاء النسوة إلى الفئات المسيحية. عكس جانباً من ذلك جو الاختلاط في حفل مسائي، أقيم في باب شرقي، لإحياء أول ذكرى سنوية للسينمائي باسل شحادة، الذي قتله النظام السابق هو وأربعة من رفاقه في 28 مايو/أيار 2013. اللافت هو حضور نسبة ملحوظة من الشابات المحجبات للحفل التأبيني، رغم أن شحادة ينتمي إلى اليسار، ومن الطائفة المسيحية. قبل كل شيء هو فنان معارض، سقط وهو يصور مجازر جيش الأسد في حمص. باب شرقي الذي كان حيّاً شعبياً قبل نصف قرن، تحول إلى حي عصري، وقد تجددت الكثير من بيوته، وصارت من بين أغلى الأحياء المطلوبة للسكن، وذلك بفضل الانتشار الكبير لأماكن الترفيه الشبابية الخاصة بالسهر والطعام، حيث تنتشر المقاهي والمطاعم ومحلات الوجبات السريعة والساندويش، بالإضافة إلى 'الغاليريهات' التي تعرض الفنون والصناعات التقليدية. يمتاز باب شرقي بأنه حي مختلط، يعيش فيه سوريون من مختلف الطوائف والمدن، وكذلك الأجانب، على خلاف باب توما ذي الغالبية المسيحية. ويبدو واضحاً أن هناك حركة ترميم للكثير من البيوت التي تحولت إلى استثمار، يتم تأجيرها بالغرفة وخصوصاً للطلبة، ومن بينهم الأجانب القادمون لتعلم اللغة العربية، حيث تعد دمشق أفضل وجهة على هذا المستوى، فيتحول البيت إلى شبه فندق صغير، يتشارك سكانه الحمّامات والمطبخ، في تجربة تتيح المجال للتعارف والتبادل الثقافي. حي اليهود، أو حارة اليهود كما يحلو للبعض تسميتها، تتداخل مع باب شرقي. ولولا بعض الكتابات القديمة على جدران شبه مهدمة، لكان من الصعب تمييز البيوت اليهودية عن غيرها من تلك التي عاش فيها جيران مسلمون أو مسيحيون. وبحسب أكثر من مصدر، فإن بعض ممتلكات اليهود الذين غادروا لا تزال قائمة، لكن بعضها الآخر تمّ الاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة. بعض المتورطين في الاستيلاء كانوا على صلة بالنظام السابق، حيث زوّروا الوثائق للاستيلاء على الممتلكات. بحسب أكثر من مصدر، فإن عدد اليهود الباقين في دمشق لا يتجاوز عشرة أشخاص، بعد أن هاجر حوالي 5 آلاف في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد تدخل من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، لدى الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد. ويتحدث سكان من الحي عن إعادة فتح أماكن العبادة اليهودية. هناك كنيس، وأحياناً يأتي رئيس الطائفة ويفتحه، فيجتمع 2-3 أشخاص، لكن لا تُقام الصلوات فيه بشكل مستمر. وهناك تقديرات عن عودة بعض يهود سورية من المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد سقوط الخوف وانتهاء التمييز، الذي مارسه النظام السابق ضدهم. وما يشجع على ذلك زيارة الحاخام الأكبر يوسف حمرا للعاصمة السورية في 18 فبراير/شباط الماضي، وتفقد الكنيس اليهودي في منطقة جوبر المدمرة، وما بقي لليهود من ممتلكات. هناك ملاحظات عدة حول أسرار جاذبية دمشق وبقائها، تتشكل لدى من يقوم بجولة في المدينة القديمة. الأولى، تعدد الألوان والأحوال في الشخصية الدمشقية. الجذر شامي، لكن الفروع ترجع إلى الحي والعائلة والطائفة. الجوهر هو الانفتاح واللطف والعقل التجاري، وهذا ما يفسّر عدم تضرر اقتصاد المدن الكبرى على غرار الأرياف، فبالإضافة إلى المرونة التي يتحلى بها سكان الأحياء القديمة، فهم يتصفون بالقدرة على التجدد والابتكار. لا يقبلون لتجارتهم أن تفسد، يغيرون نمط الإنتاج بسرعة، يجدون بضاعة وزبائن بسهولة. الثانية، الذكاء المديني الفطري، الذي يلم بتفاصيل لا تخطر على بال الزائر، وهو ما يمكن تعريفه حسب ما هو دارج من مفاهيم بذكاء التاجر الشامي، الذي يجتهد دائماً لكسب رضا الزبون وتحقيق الربح المناسب. الثالثة، التضامن بين أبناء المهن، وتوريثها من جيل إلى آخر. وهذا يوفر أمرين، عدم خروجها من الدائرة، والثاني أنه يتوجب على كل جيل أن يضع لمسته الخاصة، بما يحافظ على الأصول، ويتماشى مع التطورات.

ماسك: أميركا في حاجة إلى حزب سياسي جديد... وترمب: فقد عقله
ماسك: أميركا في حاجة إلى حزب سياسي جديد... وترمب: فقد عقله

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

ماسك: أميركا في حاجة إلى حزب سياسي جديد... وترمب: فقد عقله

قال الملياردير الأميركي إيلون ماسك أمس الجمعة إن هناك حاجة إلى حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة. جاء ذلك بعد يوم من سؤاله في استطلاع رأي لمتابعيه على موقع "إكس" عمَّ إذا كانت هناك حاجة إلى حزب يمثل "80 في المئة في الوسط". وأعلن البيت الأبيض أمس أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يعتزم التحدث إلى ماسك، وأنه قد يتخلى عن سيارة "تيسلا" حمراء، إثر السجال الحاد بين الرجلين. وشدد معسكر ترمب على أن سيد البيت الأبيض يريد طي الصفحة مع رجل الأعمال المولود في جنوب أفريقيا، وقد أفاد مسؤولون وكالة الصحافة الفرنسية بأن ماسك طلب الاتصال، لكن الرئيس غير مهتم بذلك. بدلاً من ذلك سعى الرئيس الجمهوري إلى تركيز الجهود على إقرار مشروع الموازنة في الكونغرس، والذي كانت انتقادات ماسك له أشعلت فتيل السجال الخميس. تداعيات الخلاف بين أغنى شخص في العالم ورئيس أقوى دولة في العالم قد تكون كبيرة، إذ يمكن أن تقلص الرصيد السياسي لترمب في حين قد يخسر ماسك عقوداً حكومية ضخمة. وقال ترمب في تصريحات هاتفية لصحافيين بمحطات تلفزة أميركية إن الخلاف أصبح وراءه، ووصف ماسك بأنه "الرجل الذي فقد عقله" في اتصال أجرته معه محطة "أي بي سي"، فيما قال في تصريح لقناة "سي بي أس" إن تركيزه منصبٌّ "بالكامل" على الشؤون الرئاسية. في الأثناء نفى البيت الأبيض صحة تقارير أفادت بأن الرجلين سيتحادثان. ورداً على سؤال عما إذا يعتزم الرجلان التحدث قال مسؤول رفيع في البيت الأبيض في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية طالباً عدم كشف هويته "إن الرئيس لا يعتزم التحدث إلى ماسك اليوم". وقال مسؤول آخر "صحيح" أن ماسك طلب الاتصال. وخلال توجهه إلى ناديه للغولف في نيوجيرسي في وقت متأخر الجمعة قال ترمب للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية "بصراحة، كنت مشغولاً جداً بالعمل على الصين وروسيا وإيران، أنا لا أفكر في إيلون ماسك، أتمنى له كل التوفيق فقط". تراجعت أسهم شركة "تيسلا" بأكثر من 14 في المئة الخميس على خلفية السجال، وخسرت أكثر من 100 مليار من قيمتها السوقية، لكنها تعافت جزئياً الجمعة. وفي مؤشر يدل على مدى تدهور العلاقة بينهما، يدرس الرئيس الأميركي بيع أو منح سيارة "تيسلا" كان اشتراها لإظهار دعمه لماسك إبان احتجاجات طالت الشركة. الجمعة كانت السيارة الكهربائية لا تزال مركونة في فناء البيت الأبيض. ورداً على سؤال حول ما إذا قد يبيع ترمب السيارة أو يهبها، قال المسؤول الرفيع في البيت الأبيض "إنه يفكر في ذلك، نعم". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وكانت التقطت صور لترمب وماسك داخل السيارة في حدث شديد الغرابة أقيم في مارس (آذار) الماضي حوَّل خلالها ترمب البيت الأبيض إلى صالة عرض لسيارات تيسلا بعدما أدت احتجاجات على الدور الحكومي الذي اضطلع به ماسك على رأس هيئة الكفاءة الحكومية إلى تراجع أسهم الشركة. تأتي التطورات على رغم جهود يبدو أن ماسك بذلها لاحتواء التصعيد. ولوَّح ماسك الخميس بسحب المركبة الفضائية "دراغون" من الخدمة علماً بأنها تعد ذات أهمية حيوية لنقل الرواد التابعين لـ"ناسا" إلى محطة الفضاء الدولية، بعد تلويح ترمب بإمكان إلغاء عقود حكومية ممنوحة لرجل الأعمال. لاحقاً سعى ماسك إلى احتواء التصعيد، وجاء في منشور له على منصة "إكس"، "حسناً، لن نسحب دراغون". ولم يتضح بعد كيف يمكن إصلاح العلاقة بين الرجلين، والتي كانت تشهد تأزماً أثار توترات في البيت الأبيض. مستشار ترمب التجاري بيتر نافارو الذي كان ماسك وصفه بأنه "أكثر غباءً من كيس من الطوب" خلال جدل حول التعرفات الجمركية، لم يشأ التبجح، لكنه أشار إلى انتهاء "مدة صلاحية" ماسك. وقال في تصريح لصحافيين، "كلا، لست سعيداً"، مضيفاً "يأتي أشخاص إلى البيت الأبيض ويذهبون". بدوره اتخذ نائب الرئيس جي دي فانس موقفاً داعماً لترمب، مندداً بما وصفها بأنها "أكاذيب" حول طبع "انفعالي وسريع الغضب" لترمب، لكن من دون توجيه انتقادات لماسك. وانهار التحالف السياسي الخميس مع سجال ناري هدد خلاله الرئيس الأميركي بتجريد الملياردير من عقود ضخمة مبرمة مع الحكومة بعدما وجَّه ماسك انتقادات لمشروع قانون الموازنة الضخم الذي يسعى ترامب إلى إقراره في الكونغرس. وقال ترامب في تصريحات نقلها التلفزيون من المكتب البيضاوي "خاب أملي كثيراً" بعدما انتقد مساعده السابق وأحد كبار مانحيه مشروع قانون الإنفاق المطروح أمام الكونغرس. ويصف الرئيس الأميركي المشروع بأنه "كبير وجميل"، في حين يعده ماسك "رجساً يثير الاشمئزاز". وظل التوتر بين الرجلين حول مشروع الضرائب والإنفاق مكبوتاً إلى أن انتقد ماسك الخطة الأساسية في سياسة ترمب الداخلية لأنها ستزيد العجز في رأيه. وأطلق ماسك استطلاعات للرأي لمعرفة إن كان عليه تشكيل حزب سياسي جديد ما يشكل تهديداً كبيراً من جانب رجل قال إنه مستعد لاستخدام ثروته لإطاحة مشرعين جمهوريين يعارضون رأيه. وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية باولا بينيو أمس إن ماسك "مرحب به" في أوروبا. خلال إحاطتها اليومية سئلت بينيو عمَّ إذا تواصل ماسك مع الاتحاد الأوروبي لنقل أعماله أو إنشاء أعمال جديدة، فأجابت "هو مرحَّب به". بدوره قال المتحدث باسم المفوضية للشؤون التكنولوجية توماس رينييه إن "الجميع مرحب بهم للانطلاق والتوسع في الاتحاد الأوروبي"، مشدداً على أن ذلك هو "بالتحديد الهدف من اختيار أوروبا" وجهةً، في إشارة إلى مبادرة للاتحاد الأوروبي لتحفيز الشركات الناشئة وتلك الساعية إلى توسيع نطاق عملها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store