logo
"نكتة" ألمانية تدعو إلى قتل الفلسطينيين

"نكتة" ألمانية تدعو إلى قتل الفلسطينيين

العربي الجديدمنذ 2 أيام
لا تزال
الصحف الألمانية
تتداول خبر حذف مقال للكاتب الألماني من أصول روسية، ماكسيم بيلر، من موقع صحيفة دي تسايت، الذي نُشر في السادس والعشرين من يونيو/حزيران الماضي. ولا تزال بعض هذه الصحف تراوغ في اقتباس ما جاء في المقال، وتوسّع الدفاعَ عنه وعن كاتبه، وذلك بعد أن اضطرت الصحيفة إلى حذف النسخة المنشورة إلكترونياً، فيما لا تزال النسخة المطبوعة متاحة للقراءة.
وقد تلقت الصحيفة بعد نشر المقال رسائل عديدة تطالب بسحبه، لأنّه "مليءٌ بالعنصرية والتحريض"، ما دفعها إلى الاستجابة لتلك المطالب، ووصفت نشر المقال بأنه "خلل خطير في إجراءات التحرير"، وفقاً لما ورد على لسان المتحدثة باسم الجريدة، التي أضافت: "كان يجب إجراء بعض التصحيحات في مقالة بيلر"، وهو أحد كتّاب الأعمدة الثابتين في الجريدة.
لكن، هل كانت "بعض التعديلات" كافية لجعل المقال صالحاً للنشر؟ وهل ينبغي التعامل مع بيلر باعتباره "كاتباً غاضباً يعبّر عن إحباطه من حرب لا تتوقف"، كما يدعو زميله ميشائيل هانفيلد في مقال نشرته صحيفة فرانكفورتر ألغماينه؟ أم أن مقاله يتضمن دعوة صريحة إلى
الإبادة الجماعية
، والتشهير، والسخرية من كل من يعارضها؟
وصفت نشر المقال بأنه "خلل خطير في إجراءات التحرير"
ماكسيم بيلر، كاتب يهودي من أصول روسية، يكتب بالألمانية ويُصر على انتمائه إلى الوسط الثقافي الألماني، رغم ما يبديه من كره وتعالٍ وانتقادات شديدة لهذا الوسط، ولأغلب كتّابه من الكبار والصغار. وقد ذاعت شهرته بسبب ما تثيره بعض كتاباته وتصريحاته من جدل وفضائح، كان أبرزها القضية التي رفعتها عليه طليقته، الممثلة ذات الأصول التركية عايشة رومي، بتهمة التشهير واستخدام تفاصيل من حياتها الشخصية في روايته "إيزرا" التي نُشرت عام 2003. وقد سُحبت الرواية من الأسواق، وكاد الكاتب ودار النشر أن يُغرّما بأكثر من خمسين ألف يورو، لولا دفاع عدد كبير من الكتّاب المعروفين عنه، انطلاقاً من مبدأ حرية الفكر والثقافة.
اليوم، يعود بيلر، صاحب الروايات التي توصف بأنها متوسطة الجودة، أو أقرب إلى التقارير الصحافية، إلى صدارة الجدل، هذه المرّة من خلال دعوة مباشرة إلى "إطلاق النار على العرب"، حتّى لو أدى ذلك إلى "ضرّر بصحة الإنسان"، كما كتب. ففي مقاله المعنون "مرض إسرائيل: لماذا يثير يهود الشرق الأوسط حفيظة الألمان؟" يسرد ما يزعم أنها نكتة: "ذهب إسرائيلي إلى الطبيب وقال: 'دكتور، لقد أمضيت للتو أربعين يوماً في غزة مع وحدتي، ولم أعد أشعر بالرغبة في إطلاق النار على العرب. ماذا أفعل؟' فيرد الطبيب: 'بالطبع يمكنك التوقف فوراً إن أردت، لكنّني لا أنصحك بذلك، ولا حتّى بعد العلاج'".
بهذه "النكتة"، التي تخلو من أي عنصر من عناصر الطرافة، ينهي الكاتب مقالاً مليئاً بالتحريض والتبرير الصريح لجرائم الحرب، إذ يصف ما يسميه مرضاً تفشّى بين الألمان اسمه إسرائيل، من أعراضه التلكّؤ والارتباك عند الدفاع عن جريمة تجويع غزة، التي يصفها بأنها "صحيحة استراتيجياً، حتّى لو كانت غير إنسانية".
يسخر الكاتب من تردّد الألمان، ويستهل مقاله بـ"نكتة" أخرى: "ذهب ألماني إلى الطبيب وقال: 'دكتور، كلّما تحدّثت عن إسرائيل تتسارع نبضات قلبي، وبعد ثلاثين ثانية أصرخ في وجه كل من يخالفني الرأي. هل هذا طبيعي؟ وما مدى خطورته على صحتي؟' فيجيبه الطبيب: 'ما رأيك في إسرائيل؟' فيرد المريض: 'توقف!' ويصرخ في وجه الطبيب: 'هل تحاول قتلي؟!'".
ليس واضحاً موقف هذا الألماني المتخيّل من بيلر، إلّا أنه يصبح مادةً للسخرية، لأنه يتيح لنفسه التأثر إنسانياً بحرب طاحنة لا تزال تدور منذ قرابة عامين. يرى بيلر أن على الألمان التوقف عن "التذاكي" في تعاملهم مع موضوع إسرائيل، وأن يمتنعوا تماماً عن استخدام ما يسميه "التعويذة المتزمتة المسماة بالقانون الدولي"، ومطالبة إسرائيل بالامتثال له.
الإعلام الألماني نادراً ما يصف غزة بلغة القانون الدولي
يصف بيلر المذيع الألماني الشهير ماركوس لانتس، مقدم برنامج التوك شو الأشهر في البلاد، بأنه أحد المصابين بـ"مرض إسرائيل"، ويزعم أنه تحوّل خلال إحدى الحلقات إلى ما يشبه الحيوان المفترس، "يزمجر بدلاً من أن يتكلم"، فقط لأنه استخدم مصطلح "جرائم الحرب" عند الحديث عن غزة.
لكنّ المشاهد الألماني المُطّلع يدرك تماماً أن هذا التوصيف ليس حقيقياً، وأن الإعلام الألماني بدأ بالكاد يتبنى مصطلحات القانون الدولي، بعد التغيّر الكبير في الرأي العام المحلي تجاه ممارسات دولة الاحتلال، وعجز الأخيرة عن إخفاء جرائمها.
ورغم كل ذلك، قد يكون في ما يصفه بيلر قدرٌ من الواقعية، حين يتحدث عن التوتر العميق الذي يصيب الشخصيات العامة، وغيرهم في المجتمع الألماني، عند تناولهم جرائم الحرب في غزة وغيرها. فهؤلاء يرون الجرائم، ويدركون حقيقتها، لكنّهم في الوقت نفسه يواجهون ضغوطاً تخبرهم بأن عليهم الصمت، بل والتواطؤ، لأنهم مجرمون سابقون، في إشارة إلى تاريخ ألمانيا النازي، ويجب أن يكفّروا عن ذنبهم القديم، حتّى ولو كان الثمن هو التضحية بالفلسطينيين.
بيلر نفسه ينطلق من هذا المبدأ، فيوبّخ الألمان – بتعميم مقصود – لأنهم يتردّدون في الانخراط الكامل في الجريمة الجديدة. لا يريدهم أن "يعانوا"، بل يوبّخهم بقسوة لأنهم لم ينخرطوا في الإبادة الجماعية دون تردد، ويفسّر هذا التردد بأنه إمّا تأنيب ضمير من أحفاد الجناة، أو بقايا من انضباط جندي فيرماخت ما زال يسكن نفوسهم.
المثير في مقال بيلر تشبيهه لمن ينادي بتطبيق القانون الدولي في ألمانيا بمن يحاول طرد الشيطان من جسده بنفسه، دون مساعدة كاهن أو كتاب إرشاد. وكأنه يقول لهم: إسرائيل هي الكاهن، وهي الكتاب، ولا يجوز لكم أن تفكّروا أو تطهّروا أنفسكم بمفردكم من ماضيكم. بل عليكم أن تتصهينوا، وأن تشاركوا في إبادة الفلسطينيين بالكامل، وبهذا فقط ترتاح ضمائركم من جريمة قديمة، بجريمة جديدة تتواطؤون على ارتكابها.
فنون
التحديثات الحية
"بين نكبتين".. شهادات من عايشوا التهجير الفلسطيني
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحقيق مع مبابي بسبب تبرعات مثيرة للجدل لعناصر من الشرطة الفرنسية
تحقيق مع مبابي بسبب تبرعات مثيرة للجدل لعناصر من الشرطة الفرنسية

العربي الجديد

timeمنذ 44 دقائق

  • العربي الجديد

تحقيق مع مبابي بسبب تبرعات مثيرة للجدل لعناصر من الشرطة الفرنسية

كشفت تقارير إعلامية فرنسية عن تفاصيل غامضة تحيط بالنجم الفرنسي كيليان مبابي (26 عاماً)، الذي عاد ليتصدر العناوين خارج المستطيل الأخضر، بعد فترة من التراجع الإعلامي المرتبط بأدائه الرياضي، وها هو مهاجم ريال مدريد الإسباني يجد نفسه مجدداً في قلب عاصفة إعلامية، بعد الكشف عن واقعة مثيرة تعود إلى العام الماضي، استناداً إلى وثيقة صادرة عن وحدة الاستخبارات المالية الفرنسية، المتخصصة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي. ووفقاً للتفاصيل التي نشرها موقع راديو أر إم سي سبورت الفرنسي، اليوم الأربعاء، فإن خمسة من عناصر قوات الأمن الخاصة المكلفين بحماية المنتخب الفرنسي لكرة القدم، تلقوا أموالاً من مبابي في عام 2023، ما دفع المفتشية العامة للشرطة الوطنية الفرنسية إلى فتح تحقيق إداري بشأن هذه التبرعات، أربعة من هؤلاء تلقوا شيكات بقيمة 30 ألف يورو لكل واحد منهم، صادرة في يونيو/ حزيران 2023 من حساب بنكي باسم مبابي. أما العنصر الخامس، وهو القائد المسؤول، فقد حصل على مبلغ أكبر قدره 60.3 ألف يورو، ليصل إجمالي المبالغ التي دفعها قائد منتخب الديوك إلى 180.300 يورو. وأضاف المصدر أن مبابي وقّع على وثيقة رسمية يقرّ فيها بأنه قرّر التبرع بكامل مكافأته عن مشاركته في كأس العالم بقطر 2022، لأعضاء فريق الحماية الأمنية الخاص باللاعبين، إلى جانب عدد من الجمعيات الخيرية. وأوضح نجم فريق باريس سان جيرمان السابق أنه استشار محاميه المتخصص في الشؤون الضريبية، والذي طمأنه بأن هذه التبرعات تُعد من الهبات الشخصية المقبولة قانوناً ولا تُلزم المستفيدين منها بتقديم إقرار ضريبي. كرة عالمية التحديثات الحية مبابي يتجرع مرارة الفشل.. رحل بحثاً عن الألقاب فحصدها الباريسي ورغم ذلك، يركّز التحقيق الحالي على دور القائد الأمني الذي تلقى المبلغ الأكبر، خاصة بعد ظهوره برفقة مبابي خلال رحلات شخصية إلى الكاميرون ومنطقة فوكلوز في صيف 2023، وتشتبه المفتشية العامة في أن القائد قد يكون أخلّ بواجب النزاهة المهنية، إذا ما ثبت تقديمه خدمات حماية خاصة خارج إطار مهامه الرسمية، وبناءً على تلك المعطيات، فُتح تحقيق رسمي من قبل المفتشية بهدف التوصل إلى الحقيقة الكاملة بشأن تلك العلاقة والدفعات المالية. ومن جهته، أكد مقرّبون من مبابي أنه مستعد تماماً للتعاون مع السلطات الفرنسية والرد على جميع استفساراتها، إذا طُلب منه ذلك.

محكمة بلجيكية تقضي بمنع عبور مواد عسكرية إلى إسرائيل
محكمة بلجيكية تقضي بمنع عبور مواد عسكرية إلى إسرائيل

العربي الجديد

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربي الجديد

محكمة بلجيكية تقضي بمنع عبور مواد عسكرية إلى إسرائيل

قضت محكمة في العاصمة البلجيكية بروكسل، اليوم الخميس، بمغادرة حاوية تضم محامل أسطوانية مدببة لصالح شركة أمن إسرائيلية، والتي كان قد جرى اعتراضها في ميناء أنتويرب، الميناء، وفق ما ذكرته وكالة أنباء "بلجا". كما أمر قاضي المحكمة حكومة فلاندرز، وهو الإقليم البلجيكي الذي تقع فيه أنتويرب، بوقف نقل جميع المواد المخصصة للاستخدام العسكري، والمنتجات الدفاعية، ما لم تكن مخصصة للاستخدام المدني بصورة حصرية. كما فرض القاضي غرامة قدرها 50 ألف يورو (57927 دولاراً أميركياً) عن كل مخالفة. وبحسب منظمة "فريدساكتي"، وصلت المحامل الأسطوانية من فرنسا إلى أنتويرب، وكانت متجهة إلى شركة الأمن الإسرائيلية "أشوت عسقلان إنداستريز"، التي تقوم بإنتاج الدبابات والمركبات المدرعة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في غزة. وتقول المنظمة إن هناك خمس سفن تبحر بين أنتويرب وإسرائيل شهرياً، وتشتبه في أن هذه السفن تحمل مواد عسكرية. أخبار التحديثات الحية مظاهرة في لندن تطالب بوقف تصدير السلاح لإسرائيل ومساءلة لثلاثة وزراء وكان أكثر من 24 خبيراً في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قد حثّوا، في فبراير/شباط 2024، الدول على وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، محذرين من أنّ مثل هذا النقل للأسلحة والذخيرة يمكن أن ينتهك القانون الإنساني الدولي. وقال الخبراء إنّ الحاجة إلى حظر الأسلحة عن إسرائيل أمر أثارته محكمة العدل الدولية في قرارها الأولي في 26 يناير/كانون الثاني 2024، والذي يشير إلى وجود خطر معقول بوقوع إبادة جماعية في غزة، واستمرار الضرر الجسيم الذي يلحق بالمدنيين منذ ذلك الحين. وفي السياق، أعلنت ثماني منظمات، من بينها الفرع الفرنسي من منظمة العفو الدولية، في إبريل/نيسان 2024 عن إطلاق إجراءات قضائية عاجلة للمطالبة بتعليق تسليم الأسلحة من فرنسا إلى إسرائيل. وجاء في بيان أصدرته وقتها هذه المنظمات، من بينها "أتاك" و"سوليدير"، أنّ "خطر استخدام الأسلحة والتجهيزات العسكرية التي تصدّرها فرنسا إلى إسرائيل في ارتكاب جرائم خطيرة بحق سكان مدنيين في قطاع غزة المحتل، واضح".

الخطر الذي يتهدّد المغرب
الخطر الذي يتهدّد المغرب

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

الخطر الذي يتهدّد المغرب

أثارت تسريباتٌ حديثةٌ الجدل في المغرب من جديد حول حجم الفساد الذي ينخر بنية الدولة المغربية من أعلى مستويات داخلها، فقد أظهرت أحدث التسريبات وثائق تبيّن ما راكمته وزيرة مغربية، توجد على رأس حزبٍ مقرّبٍ من القصر، من ثروة كبيرة ناهزت 400 مليون درهم، أي نحو 40 مليون يورو، بين 2023 و2024، عبر الاستيلاء بطرق غير قانونية على عقارات شاسعة في مدينة مراكش وبيعها، ما مكّنها من جني ثروة خيالية في ظرف سنة. لم تنف الوزيرة وجود العقار ولا وجود الصفقة، وإنما هاجمت من يسعون إلى تشويه سمعتها، ومثل أي مسؤول في المنطقة العربية ادّعت أن ثروتها "عرفت تراجعاً ملحوظاً وليس زيادة" منذ توليها مسؤوليتها الحكومية، وهي بذلك تمنٌّ على المواطن بتحمّلها مسؤولية الوزارة التي تديرها! وقبل هذه التسريبات، هزّت الرأي العام المغربي بيانات رسمية مسرّبة عما يمكن أن يرقى إلى عمليات فساد واستيلاء على أملاك عقارية من مسؤولين رفيعي المستوى داخل هيكل الدولة المغربية، منهم وزير على وزارة سيادية ورئيس واحد من أقوى أجهزة المخابرات المغربية. وكشفت تلك البيانات عن صفقات "مشبوهة" لشركات مملوكة لأبناء المسؤولين أنفسهم، مكّنتهم من الحصول على ثروات تقدّر بالملايين في ظرف وجيز، ومع ذلك لم يصدُر أي تكذيب أو بيان توضيح من هؤلاء المسؤولين، أو من أي جهة رسمية مغربية، للرد على تلك الاتهامات بالإثراء غير المشروع لمسؤولين كبار داخل جهاز الدولة المغربية. والأمثلة عن قصص الفساد في المغرب كثيرة، وليست كلها ادّعاءات أو مجرّد حملات لتشويه السمعة وتصفية الحسابات، والدليل عدد الملفات الكثيرة المعروضة أمام المحاكم المغربية والمتورّط فيها مسؤولون مغاربة بتهم الفساد، واستغلال مواقع مسؤوليتهم لمضاعفة ثرواتهم، ومن بينهم من صدرت في حقهم أحكام نهائية تدينهم، بينهم وزراء، وبرلمانيون، ورؤساء مجالس منتخبة، وموظفون كبار، بل ومنتسبون لجهازي الأمن والقضاء، وطاولت المتابعات أساتذة جامعيين يتاجرون في بيع الشهادات الأكاديمية! تحوّل الفساد إلى ظاهرة تخترق جميع شرائح المجتمع في أحدث تقرير صادر عن منظمة الشفافية العالمية، جاء وضع المغرب في المرتبة الـ99 عالميّاً، فالفساد ليس طارئاً جديداً على المجتمع المغربي، وقد تغلغل في جميع مسامّه حتى أصبحت التقارير الرسمية تصفه بـ"الفساد المتعدّد الأبعاد"، بما أنه تحوّل إلى ظاهرة تخترق جميع شرائح المجتمع، انطلاقاً مما يصفه الخبراء بـ"الفساد الصغير"، المتمثل في الرشوة والمحسوبية، إلى أخطر وجوهه، وهو ما يوصف بـ"الفساد الكبير" الذي يسعى إلى تحقيق ربح شخصي، من خلال إساءة استخدام السلطة العامة والمال العام والموقع الرسمي، ويتجلى في الصفقات الكبيرة والامتيازات التي يخوّلها الموقع في السلطة. وثمة نوع ثالث من أنواع الفساد يوصف بـ "الفساد المقدّس"، وهذا الأخير لا أحد يجرؤ على الحديث عنه، لأنه يتعلق بمسؤولين كبار خارج إطار كل محاسبة أو مراقبة، ومن شأن الحديث عنه أن يزجّ صاحبه في غياهب السجون. وما بين أنواع الفساد الصغير والفساد الكبير والفساد المقدس، الضحية هو المجتمع والمواطنة والمواطن المغربي المغلوب على أمره، ففي آخر تقرير صدر عام 2024 عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وهي مؤسّسة رسمية، كشف أن الفساد يكلف المغرب سنوياً 50 مليار درهم، أي ما يعادل خمسة مليارات يورو، وكان ردّ الحكومة على التقرير إقالة رئيس الهيئة التي أنجزته، وتخفيض ميزانيتها إلى النصف، لتلتزم "حدودها" هيئة شكلية، دورها تزيين الواجهة الخارجية للبلاد. وقبل هذه الواقعة، جرت في عام 2021 إقالة رئيس مؤسسة رسمية أخرى، "مجلس المنافسة"، لأنه تجرّأ على مواجهة لوبي الفساد داخل قطاع توزيع وبيع المحروقات في المغرب الذي تهيمن عليه شركات كبرى مملوكة لمسؤولين كبار في الدولة. لم تقتصر محاربة فاضحي الفساد فقط على رؤساء أو منتسبين إلى مؤسسات رسمية دستورية، وإنما تعدّى ذلك الأمر إلى المجتمع المدني، حيث أصبحت جمعيات صغيرة، لا يتعدّى عددها أصابع اليد الواحدة، متهمة بـ"التهويل والتشويه والابتزاز"، ورؤساؤها والمنتمون إليها معرّضون للمتابعات القضائية والمحاكمات، وقد ينتهون غداً وراء القضبان، خصوصاً بعد المصادقة على قانون يضيّق حق المجتمع المدني في فضح الفساد ومحاربته. وداخل البرلمان، سحبت الحكومة الحالية، أول ما جرى تنصيبها عام 2021، مشاريع قوانين لمكافحة الفساد كانت معروضة على البرلمان للمصادقة عليها، مثل مشروع قانون الإثراء غير المشروع، فعلت ذلك بدعوى "تحسين" تلك المشاريع "وتجويدها"، لكنها لم تعد طرحها على البرلمان الذي يوجد اليوم أكثر من 40 من أعضائه في وضعية متابعة قضائية في جرائم فساد، ومنهم من يقبعون داخل السجون! جرى التطبيع مع الفساد على جميع المستويات في المغرب، حتى تحوّل إلى أخطر تهديد لاستقراره وتماسك مجتمعه ولا داعي للحديث عن أنواع أخرى من الفساد الاجتماعي والإداري والقضائي والسياسي، المتمثل في تزوير إرادة الناخبين، فالفساد في المغرب تحول إلى بنية اجتماعية، وسياسية، وثقافية قائمة بذاتها، تخترق المجتمع والدولة بكل مؤسّساتها، وتشكل عائقاً حقيقياً أمام أي محاولة للانطلاق الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، وهو ما يفسّر، من بين عوامل أخرى، تنامي مستوى الفقر المتعدّد الأبعاد في المغرب الذي يعاني منه 2.5 مليون مغربي، حسب آخر إحصاء رسمي نشر نهاية العام الماضي (2024)، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، حيث شهدت السنوات العشر الأخيرة تفاقم الفوارق الاجتماعية، بحيث أصبح أكثر من 4.7 ملايين مغربي مهدّدين بالسقوط تحت خط الفقر. والأخطر من ذلك اتساع الفوارق المجالية بين "مغرب المظاهر" في المدن والحواضر الكبرى، و"مغرب الفقراء" في الجزء المنسي والمهمّش من البلاد الذي كان يسمّيه الاستعمار الفرنسي بـ"المغرب غير النافع"، حيث ما زال الناس يخرجون في تظاهرات للمطالبة بأبسط متطلبات الحياة: الطريق والمدرسة وسيارة الإسعاف والماء لسد العطش! طوال ربع القرن الماضي، جرى التطبيع مع الفساد على جميع المستويات في المغرب، حتى تحوّل إلى أخطر تهديد لاستقراره وتماسك مجتمعه، وأدّت سياسة الإفلات من العقاب، ومحاربة فاضحي الفساد، والتضييق على هامش حركة المجتمع المدني، وتدجين الأحزاب والنقابات المعارضة، والقضاء على الصحافة الاستقصائية، من خلال التضييق على حرية الصحافة ومحاكمة الصحافيين، إلى تغلغل الفساد في جميع منافذ الدولة والمجتمع، بما فيها تلك المفروض عليها محاربته ومراقبته والتحذير من تفشّيه. محاربة الفساد تقوم على وجود إرادة سياسية حقيقية عند الدولة، وهذه غير موجودة، كما تقوم على ثقافة رفض الفساد ومقته التي تنمو داخل المجتمع، من خلال مناهج التعليم، وهذه جرى تخريبها على مرّ العقود السابقة، وما بقي هو انتظار وقوع الكارثة.. والتسريبات أخيراً ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store