
ترامب ونهاية القرن الأمريكى!
يبدو المشهد بين أمريكا وإيران وإسرائيل أقرب إلى المسرحيات الهزلية، فكل منها يهتف بالنصر العظيم الذى حققه، ترامب يتفاخر بأنه أول رئيس أمريكى ينزع مخالب إيران النووية قبل أن تطول، وإيران تزهو بالصمود أمام ضربات أمريكا وإسرائيل القوية، وأن خسائر منشآتها النووية فى حدود المحتمل الذى لن يعوق عودتها سريعا إلى النشاط، وإسرائيل مضت فى الكذب إلى منتهاه، بأنها أزالت التهديد النووى الوجودى عن كاهلها، كى تعود وتستكمل جرائم الحرب وعملية الإبادة للفلسطينيين فى غزة، لعلها تلهى سكانها عن حجم الدمار الداخلى الذى ألحقته بها إيران لأول مرة فى عمرها القصير.
على حواف المشهد الهزلى يتحرك نظام عالمى ضعيف، خيال مآتة متهالك، نزفت مؤسساته الدولية كل أسباب وجودها، الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن، منظمة التعاون الإسلامى التى لا تهش ولا تنش، الاتحاد الأوروبى الذى أصبح مجرد هيئة إقليمية تعمل على الحفاظ على الحد الأدنى من علاقات الدول الأوروبية مع بعضها البعض، دون أن يكون لها أى تأثير فعال خارج القارة العجوز إلا فى مساندة إسرائيل فقط، بضغط أولا من العنصر المحفز لها وهو الولايات المتحدة، ثم تاريخها الاستعماري..الخ.
وأتصور أن أكبر خاسر بين الثلاثة «مدعى النصر» هى إسرائيل، التى افتعلت حربا دونما سبب حقيقي، فهى فى معية الولايات المتحدة، التى توفر لها حماية مطلقة فى حالة تعرضها لأى خطر جاد، وقد جربت ذلك فعليا فى حرب أكتوبر 1973 حين أوشكت على الانهيار بعد ثلاثة أيام من القتال الشرس مع القوات المصرية، خسرت فيها الجلد والسقط، وبعدها لم يصل رئيس أمريكى إلى البيت الأبيض دون أن يتعهد بضمان أمن إسرائيل، أى إن تهديد إيران لإسرائيل إذا كان حقيقيا فهو تحت سقف الولايات المتحدة التى لها عشرات القواعد العسكرية فى منطقة الشرق الأوسط، منها أكبر قاعدة جوية فى تركيا، ولم يكن تهديدا حرا، أما حزب الله والحوثيون وحماس، فهم أدوات لتحسين شروط تفاوض إيران مع الولايات المتحدة والغرب عموما، ولهم حرية التصرف الداخلى فى بلادهم حسب مصالحهم فى السلطة والثروة، بعد التشاور مع طهران.
أيا كان اندفاع إسرائيل بالهجمات على إيران هو نوع من «استعراض» القوة، الذى يدهش قصور الشرق الأوسط ويقنع تيجانها بتمرير الهيمنة الإسرائيلية وفق «مفاهيم ترامب الإبراهيمية»، دون أى حديث عن دولة فلسطينية أو الفلسطينيين، كأنهم تبخروا من تاريخ المنطقة!
ومؤكد أن حسابات الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران كانت خاطئة، فإيران ليست سوريا ولا لبنان، ولا حزب الله ولا الحوثيين ولا حماس، إيران دولة ذات جذور ضاربة فى الأرض تشبه الجذور المصرية، واستسلامها بضربات جوية مهما كانت قوتها مسألة صعبة للغاية، إلا إذا كانت ضربات ذرية!
ولم تتوقع إسرائيل ولا ترامب رد فعل إيران بضرب المدن الإسرائيلية وإحداث هذا القدر من الدمار بها، وهو دمار لن تنمحى صوره من أذهان الإسرائيليين لفترة طويلة جدا، فقد ذاقوا لأول مرة مما يفعلونه فى الآخرين «الطيبين»!
وهذا الدمار هو سبب هرولة أمريكا إلى الضربة الجوية بالطائرات الشبحية على ثلاث منشآت نووية إيرانية خالية من اليورانيوم المخصب، ومع رد إيران بضرب قاعدة العديد الأمريكية فى قطر، بعد إخلائها تماما من البشر والمعدات، هما شروط اتفاق وقف إطلاق النار غير المكتوب بين إيران وإسرائيل..
وقد نتوقف كثيرا عند الضربة الأمريكية ونسأل: هل هى من دلائل صعود جديد للقوة الأمريكية أم هى علامة إضافية على نهاية القرن الأمريكى وفشل حلم المحافظين الجدد فى قرن أمريكى جديد تجلس فيه أمريكا على رأس العالم منفردة؟
نعود إلى شعار « لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، الشعار الذى رفعه الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، ولا يخلع القبعة الحمراء المكتوب عليها إلا نادرا، ويتصور ترامب أن القوة الأمريكية الصلبة هى التى ستحقق «السيادة المادية والمعنوية» لأمريكا على العالم، ولهذا حاول منذ أول يوم فى البيت الأبيض أن يملى أفكاره وسياساته على العالم، تجاريا وسياسيا وعسكريا، فإذا كانت أمريكا قوة هائلة اقتصاديا وعسكريا، فلماذا تتعامل بالقوة الناعمة مع الآخرين؟، لكن ترامب يجهل، لضعف ثقافته السياسية، أمورا أساسية أهمها أن القوة مهما تصاعدت فلها حدود فى استخدامها، نعم يمكن أن تمنح القوة صاحبها مساحة للمناورة والضغط، لكن يستحيل أن تكون مساحة مطلقة، فالنملة لو دخلت أذن الفيل يمكن أن تقتله، والعلاقات الدولية لا تعيش إلا على الاعتماد المتبادل، والإفراط فى استخدام القوة الصلبة يمكن أن تفسد الاعتماد المتبادل.. أى أن القوة المادية يمكن أن تحقق مكاسب قصيرة الأجل، لكن مخاطرها جسيمة على المدى الطويل.. وهو ما حدث مثلا مع الاتحاد السوفيتي، الذى اعتمد على قوته الصلبة فى علاقاته مع حلفائه، فى الكتلة الشرقية فانهار الحلف والاتحاد السوفيتي، وهذا ما حدث أيضا مع كل الإمبراطوريات العظمى الغابرة عبر التاريخ.
وتفترض الواقعية الإستراتيجية أن استعمال القوة الصلبة مرهون بأهداف مدروسة ومخاطر مقبولة، لكنها لا تمنح ضماناً بالهيمنة المطلقة، فالخصم، مهما بدا أضعف، يحتفظ دائماً بوسائل غير متوقعة للرد من حرب العصابات إلى الأدوات الاقتصادية والتكنولوجية وحتى الرمزية.
وتمتلئ دروس التاريخ بلحظات قلبت موازين القوى، من فيتنام إلى أفغانستان، حيث تفوّق «الضعيف» ذو الإرادة الحديدية، باستنزاف القوة الصلبة دون الدخول معها فى مواجهات حاسمة، كما أن اللجوء الدائم إليها يفقد الآخرين الثقة فى صاحب هذه القوة، فيخسر السيطرة الناعمة عليهم بالتدريج، وهو ما يحدث لأمريكا الآن!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر صح
منذ 17 دقائق
- خبر صح
جولة جديدة من التصعيد بين إيران وأمريكا تلوح في الأفق بحسب لؤي الخطيب
أعرب الكاتب الصحفي لؤي الخطيب عن قلقه العميق بشأن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الوضع النووي الإيراني، محذرًا من احتمال تجدد التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في الفترة المقبلة. جولة جديدة من التصعيد بين إيران وأمريكا تلوح في الأفق بحسب لؤي الخطيب ممكن يعجبك: 212 ألف طالب وطالبة في الشهادة الإعدادية يؤدون امتحاناتهم غداً وفقاً لوزارة التعليم جاء ذلك في منشور عبر حسابه الرسمي على موقع 'إكس'، حيث أشار 'الخطيب' إلى تصريح الوكالة الذي أكد إمكانية تخصيب إيران لليورانيوم 'خلال أشهر'، إلى جانب التصعيد الإعلامي بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، وما وصفه بتهديد إيران الوشيك بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأوضح 'الخطيب' أن هذه المعطيات تمثل مؤشرات خطيرة على أن الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة لم تنهِ البرنامج النووي الإيراني، بل ألحقت به أضرارًا فقط، مؤكدًا أن احتمالية اندلاع جولة جديدة من التصعيد باتت أقوى وأشرس وقريبة جدًا. وقال 'الخطيب': 'ما لم يتم التوصل إلى صفقة تفاهم كما تسعى مصر حاليًا، فإن المنطقة تواجه خطرًا حقيقيًا يتطلب الحذر والتعامل بحكمة لتفادي المزيد من التوترات' تصريحات مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إن إيران ممكن تخصب يورانيوم 'خلال أشهر'، إلى جانب تراشق إعلامي بين إسرائيل وإيران وأمريكا، إلى جانب تهديد إيراني أقرب للتنفيذ بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. كل دي مؤشرات خطيرة، أولا على إن الضربات الأمريكية…. — Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb). إعادة ترتيب الوضع الإقليمي وفي وقت سابق، قال الدكتور غازي فيصل، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إن المفاوضات النووية المحتملة مع الولايات المتحدة قد تمثل فرصة لإعادة ترتيب الوضع الإقليمي، لكنها لن تكون بالضرورة بداية لهدنة دائمة، بل ربما هدنة مؤقتة ضمن صراع طويل ومعقد تتداخل فيه الأذرع العسكرية والأمنية والسياسية. وفي مداخلة على قناة 'إكسترا نيوز'، أوضح فيصل أن إيران تلقت رسائل واضحة من واشنطن تتعلق بملف تخصيب اليورانيوم، الصواريخ الباليستية، الطائرات المسيّرة، والدعم العسكري للفصائل المسلحة في المنطقة، بما يشمل العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وغزة، مؤكدًا أن هذه الملفات تعتبرها الولايات المتحدة تهديدًا مباشرًا لأمن الشرق الأوسط. مواضيع مشابهة: إصابة 3 أطفال في انقلاب موتوسيكل ببندر قنا والنيابة تبدأ التحقيق وأشار فيصل إلى أن ما يجري حاليًا هو أشبه بـ'حروب ظل'، تشمل الهجمات السيبرانية وعمليات الاغتيال والتخريب ضد المنشآت النووية الإيرانية، لافتًا إلى أن الضربة الأمريكية الأخيرة لمواقع نووية في نطنز وفوردو وأصفهان قد تكون رسالة ردع قوية تهدف إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني، وربما تأجيله لشهور أو سنوات. ولفت إلى أن إيران، عبر فصائلها المسلحة في المنطقة، تواصل تشكيل خطر مستمر، مشيرًا إلى الهجمات الأخيرة من الحوثيين، وقصف الرادارات العراقية، والهجمات على السفارات والقواعد الأمريكية في العراق والأردن، قائلاً إن هذه الفصائل باتت 'دولة فوق الدولة'، تمثل تهديدًا فعليًا للاستقرار الإقليمي والدولي من وجهة نظر واشنطن.


نافذة على العالم
منذ 28 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار العالم : التعاون الإسلامي تحذر وتستنكر في بيانها "تجويع وتدمير" غزة
الاثنين 30 يونيو 2025 09:10 مساءً نافذة على العالم - أدانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة التصعيد في وتيرة العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، واصفة تلك الأعمال بأنها "جرائم إبادة جماعية وتجويع وتدمير". واستنكرت منظمة التعاون الإسلامي في بيان رسمي لها الاثنين "المجزرة البشعة" التي ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة اليوم، وأدت إلى ارتقاء أكثر من خمسة وثمانين شهيدا ومئات الجرحى، معتبرة ذلك امتدادا "لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية". وحذرت المنظمة من خطورة التصعيد في الاعتداءات الإسرائيلية "والإرهاب المنظم الذي يمارسه المستوطنون المتطرفون" في الضفة الغربية، من خلال اقتحام المدن وإقامة الحواجز العسكرية واستهداف مخيمات اللاجئين وتهجير عشرات الآلاف من المواطنين وتدمير المنازل والبنى التحتية فيها. كما حذرت المنظمة الإسلامية التي تضم في عضويتها 57 دولة إسلامية، من خطورة الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليه في انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وجددت المنظمة مطالبتها المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف إطلاق النار بشكل فوري وشامل، ورفع الحصار الإسرائيلي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كاف ودون عوائق إلى قطاع غزة وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. يأتي هذا البيان في سياق التوترات المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية، حيث تشهد غزة تصعيدا عسكريا مكثفا منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، يتزامن مع حصار مشدد يحد من وصول المساعدات الإنسانية ويهدد حياة المدنيين. وتعد منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلامية إحدى أبرز المنظمات الدولية التي تدافع عن القضية الفلسطينية، حيث أصدرت عدة بيانات خلال السنوات الأخيرة تدين فيها العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك عملية "السيوف الحديدية" في أكتوبر 2023 التي أعقبت هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حركة حماس

مصرس
منذ 30 دقائق
- مصرس
أكسيوس: واشنطن تُجري محادثات تمهيدية بشأن اتفاق بين إسرائيل وسوريا
كشفت مصادر أميركية وإسرائيلية لموقع "أكسيوس" أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجري محادثات تمهيدية مع كل من إسرائيل وسوريا بشأن اتفاق أمني محتمل بين البلدين، في خطوة قد تمهد لتقارب دبلوماسي نادر بين دولتين في حالة عداء منذ عقود. وبحسب المصادر، فإن المباحثات لا تشمل حالياً تطبيع العلاقات، لكنها تهدف إلى تهدئة التوترات وتحديث الترتيبات الأمنية على الحدود الإسرائيلية السورية، في ظل المتغيرات التي شهدتها الساحة السورية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد نهاية العام الماضي على يد المعارضة المسلحة بقيادة أحمد الشرع.وأوضحت المصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبدى اهتمامًا خلال لقائه بمبعوث ترامب إلى سوريا، توم باراك، بالتوصل إلى اتفاق أمني جديد مع الحكومة السورية الجديدة، يتم التفاوض عليه برعاية أميركية، على أن يبدأ الاتفاق بتحديث لاتفاق فصل القوات الموقع عام 1974، وصولًا إلى اتفاق سلام شامل وتطبيع علاقات كامل.وشنت إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد سلسلة من الغارات الجوية التي دمرت ما تبقى من القدرات العسكرية السورية، وسيطرت على مناطق استراتيجية في الجولان وجبل الشيخ، والتي تعتبرها حالياً ورقة ضغط رئيسية في أي مفاوضات مستقبلية، مؤكدة أنها لن تنسحب منها إلا مقابل اتفاق سلام كامل، بحسب وكالة معاً الفلسطينية.وتدور المحادثات الحالية عبر عدة قنوات إسرائيلية تشمل مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، ووزير الخارجية جدعون ساعر، والجيش الإسرائيلي، وسط مطالب إسرائيلية بوساطة أمريكية أكثر فاعلية.وأكدت المصادر أن باراك لا يزال على تواصل مع مسؤولين سوريين منذ زيارته لإسرائيل مطلع الشهر الحالي، لبحث إمكانية إطلاق مفاوضات رسمية.وأشار مسؤول أمريكي إلى أن "المحادثات لا تزال في مراحلها المبكرة، ولكن الإدارة الأميركية تعمل على تهيئة الظروف لتحقيق اختراق دبلوماسي".ولا تشمل المفاوضات الحالية أي تواصل مباشر مع الرئيس السوري أحمد الشرع، كما لا يوجد حديث حتى الآن عن قمة على مستوى القادة.وتُعد قضية هضبة الجولان من أبرز النقاط الخلافية في أي تسوية محتملة، إذ سبق أن طالبت سوريا في جميع جولات التفاوض السابقة بانسحاب إسرائيلي كامل منها، فيما تؤكد إسرائيل أن الجولان ستبقى تحت سيادتها في أي اتفاق مستقبلي.وفي سياق متصل، من المتوقع أن يزور نتنياهو البيت الأبيض قريبًا، وأن يتناول الملف السوري ضمن محادثاته مع ترامب، فيما يجري وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مباحثات في واشنطن هذا الأسبوع حول الملف ذاته.