logo
الأصول الأكثر استفادة من التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط

الأصول الأكثر استفادة من التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط

في خضم تصاعد التوترات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بين قوى فاعلة مثل إيران وإسرائيل، بدأت الأسواق المالية العالمية في إظهار استجابة مباشرة لتصاعد المخاطر الجيوسياسية، حيث شهدت تحولات ملحوظة في سلوك المستثمرين، وتزايد الإقبال على الأصول التي تُعرف تاريخيًا بقدرتها على الصمود خلال الأزمات. ومع استهداف منشآت حيوية للطاقة وتصاعد التهديدات المتعلقة بإمدادات النفط، ارتفعت درجات الحذر في الأسواق، وانتقلت السيولة إلى أدوات تُعد أكثر أمانًا في أوقات عدم اليقين.
تاريخيًا، تميل الأسواق خلال مثل هذه الفترات إلى إعادة توجيه استثماراتها نحو أصول محددة تمتاز بكونها ملاذات آمنة أو أصول استراتيجية تستفيد مباشرة من تصاعد المخاطر. وسيركز هذا التقرير على تحليل الأداء الراهن لثلاثة من أبرز هذه الأصول: الذهب، النفط، والعملات المشفرة، مع تقييم أسباب تحركها وسلوك المستثمرين تجاهها في ظل الظروف الحالية.
الذهب: استمرار الهيمنة في زمن الأزمات
أثبت الذهب، مرة تلو الأخرى، أنه الخيار الأول للمستثمرين الباحثين عن الحماية في أوقات الاضطراب. ارتفاع أسعاره مؤخرًا تجاوز 3400 دولار للأونصة، مدفوعًا بتزايد القلق العالمي من اتساع رقعة الصراع العسكري في الشرق الأوسط، وتراجع الثقة في الأصول عالية المخاطر. يُنظر إلى المعدن الأصفر كأداة تحفظ القيمة بعيدًا عن تقلبات العملات والسياسات النقدية، خصوصًا مع ضعف الدولار وتزايد التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة الأميركية.
تُظهر المؤشرات أيضًا أن الشراء المؤسسي، خاصة من البنوك المركزية، يضطلع بدور رئيسي في دعم الأسعار، مما يعزز النظرة الإيجابية على المدى المتوسط. كما تسجل مؤشرات التقلب والخوف (مثل VIX) ارتفاعًا، وهو ما يتماشى عادة مع صعود الذهب في فترات الاضطراب السياسي والأمني. وتُرجح التوقعات استمرار الاتجاه الصعودي للذهب، حيث تضع مؤسسات مالية كبرى سقفًا سعريًا مستهدفًا يتراوح بين 3700 و4000 دولار للأونصة خلال العامين المقبلين، ما يعكس تعاظم أهمية الذهب كأصل تأميني عالمي.
النفط: حساسية مفرطة أمام مخاطر الإمدادات
كأحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد العالمي، يتفاعل النفط سريعًا مع أي تهديد محتمل لسلاسل التوريد، خاصة إذا كان مصدره منطقة الخليج العربي. الموجة الحالية من التصعيد العسكري طالت منشآت نفطية حيوية، وترافقت مع تهديدات مباشرة بإغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الذي يمرّ عبره نحو خُمس شحنات النفط العالمية. في هذا السياق، سجلت أسعار خام برنت مكاسب أسبوعية تجاوزت 11%، ولامست مستويات تُشير إلى وجود قلق حقيقي من نقص المعروض.
الارتفاع السريع للأسعار لا يُعزى فقط إلى نقص فعلي في الإنتاج، بل إلى موجة من المضاربات واسعة النطاق، يغذيها احتمال انقطاع الإمدادات أو تضرر المنشآت الإنتاجية الكبرى في المنطقة. ومع تعاظم أهمية أمن الطاقة، تتحول الأسواق إلى مراقبة دقيقة لأي تطور قد يغير خريطة الإمداد، خصوصًا مع تصاعد التوتر بين قوى تمتلك قدرات حقيقية على التأثير في السوق، سواء عبر التهديدات المباشرة أو العمليات العسكرية الفعلية.
العملات المشفرة: بين الترقب والتقلب
رغم تنامي الاهتمام العالمي بها، لم تثبت العملات المشفرة حتى الآن قدرتها على منافسة الذهب كملاذ آمن خلال الأزمات الجيوسياسية. ومع بداية التصعيد العسكري، تعرضت العملات الرقمية لتراجع ملحوظ، وعلى رأسها البيتكوين، مما أظهر اعتمادها الكبير على المزاج الاستثماري المرتبط بأسهم التكنولوجيا. لا تزال هذه الفئة من الأصول تُعد أكثر عرضة للتقلبات، ويصعب التنبؤ بسلوكها على المدى القصير، نظرًا لارتباطها بأحداث السوق العامة أكثر من ارتباطها بحسابات الخطر الكلاسيكية.
المستثمرون الذين يتوجهون نحو الأصول الرقمية خلال الأزمات ينتمون في الغالب إلى فئات عمرية شابة تبحث عن أدوات بديلة خارج النظام المالي التقليدي. ومع دخول مؤسسات استثمارية كبرى إلى هذا القطاع، تزايد حجم التداول المؤسسي، إلا أن الطابع المضاربي لا يزال حاضرًا بقوة. وتُشير التحليلات إلى أن العملات المشفرة، رغم نموها، لم تُقنع بعد المستثمر التقليدي بقدرتها على حماية رأس المال خلال فترات عدم اليقين.
تشكل التوترات الجيوسياسية قوة دافعة قوية لإعادة ترتيب الأولويات الاستثمارية في الأسواق العالمية. ومع تصاعد الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، يتزايد الإقبال على الأصول التي أثبتت مرونتها وقدرتها على حماية القيمة في أوقات الخطر. يحتفظ الذهب بموقعه التاريخي كأكثر الأصول أمانًا واستقرارًا، بينما يتفاعل النفط مباشرة مع تطورات المنطقة، في ظل ارتباطه الجغرافي والسياسي بإمدادات الطاقة العالمية. أما العملات المشفرة، فلا تزال تتحرك بين حدود الأمل والتقلب، وتسعى لترسيخ مكانتها كخيار استثماري بديل، لكنها تفتقر إلى الصلابة الكافية في فترات الأزمات الحادة.
وفي ضوء استمرار التوترات الحالية، يبقى المشهد مرشحًا لمزيد من التحولات، حيث ستواصل الأسواق اختبار مرونة هذه الأصول في ظل بيئة جيوسياسية مضطربة وتوقعات اقتصادية غامضة.
.
Leave a Comment

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط
الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط

الرأي

timeمنذ 2 ساعات

  • الرأي

الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط

ارتفعت أسعار الذهب اليوم الخميس مع دخول الصراع بين إسرائيل وإيران يومه السابع، وسجل البلاتين أعلى مستوى في أكثر من 10 سنوات وسط توقعات بنقص الإمدادات. وبحلول الساعة 05:26 بتوقيت غرينتش، ارتفع الذهب في المعاملات الفورية 0.1 في المئة إلى 3371.15 دولار للأوقية (الأونصة). فيما انخفضت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.6 في المئة إلى 3388.60 دولار. وقال كبير محللي السوق في كيه.سي.إم تريد تيم ووترر «حقق الذهب انتعاشا متواضعا مع ترقبنا للخطوات التالية في الصراع الإسرائيلي الإيراني. إذا قررت الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر في الصراع، فقد يزيد ذلك من المخاطر الجيوسياسية». وظل التوتر الجيوسياسي متصاعدا مع إحجام الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الأربعاء عن تأكيد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى إسرائيل في قصف المواقع النووية والصاروخية الإيرانية الذي دفع سكان طهران إلى النزوح من العاصمة. وقال مسؤولان أميركيان لرويترز أمس الأربعاء إن الجيش الأميركي نقل بعض الطائرات والسفن من قواعد في الشرق الأوسط قد تكون عرضة لأي هجوم إيراني محتمل. وأبقى مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة الأميركية دون تغيير أمس. ويتوقع صناع السياسة النقدية خفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية هذا العام، لكنهم أبطأوا وتيرة الخفض مستقبلا. ومع ذلك، حذر رئيس مجلس الاحتياطي جيروم باول من التعويل بقوة على هذه التوقعات، مشيرا إلى التضخم «الكبير» المتوقع مع اقتراب فرض رسوم جمركية أعلى على الواردات. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفع البلاتين واحدا في المئة ليصل إلى 1336.08 دولار. وفي وقت سابق من الجلسة، سجل 1348.72 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ سبتمبر سبتمبر 2014. وزاد البلاديوم 1.1 في المئة إلى 1059.96 دولار، واستقرت الفضة عند 36.72 دولار.

سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.93 دولار ليبلغ 76.17 دولار
سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.93 دولار ليبلغ 76.17 دولار

الجريدة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجريدة

سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.93 دولار ليبلغ 76.17 دولار

ارتفع سعر برميل النفط الكويتي 1.93 دولار ليبلغ 76.17 دولار للبرميل في تداولات يوم أمس الأربعاء مقابل 74.24 دولار للبرميل في تداولات يوم الأول من أمس وفقاً للسعر المعلن من مؤسسة البترول الكويتية. وفي الأسواق العالمية ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 25 سنتاً لتبلغ 76.70 دولار للبرميل في وقت ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 30 سنتاً لتبلغ 75.14 دولار.

النفط يتراجع مع ترقب قرار أميركا حول التدخل في صراع إيران وإسرائيل
النفط يتراجع مع ترقب قرار أميركا حول التدخل في صراع إيران وإسرائيل

الرأي

timeمنذ 6 ساعات

  • الرأي

النفط يتراجع مع ترقب قرار أميركا حول التدخل في صراع إيران وإسرائيل

انخفضت أسعار النفط اليوم الخميس مع تردد المستثمرين في اتخاذ مراكز جديدة بعد أن أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشارات متضاربة في شأن تورط بلاده المحتمل في الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران. بحلول الساعة 01.10 بتوقيت غرينتش، هبطت العقود الآجلة لخام برنت 37 سنتا أو 0.48 في المئة إلى 76.33 دولار للبرميل بعد أن ارتفعت 0.3 في المئة في الجلسة الماضية التي اتسمت بتقلبات شديدة نزلت خلالها الأسعار بما يصل إلى 2.7 في المئة. وتراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم يوليو 28 سنتا أو 0.37 في المئة إلى 74.86 دولار للبرميل بعد أن صعدت 0.4 في المئة عند التسوية أمس الأربعاء رغم انخفاضها بنسبة وصلت إلى 2.4 في المئة. وينتهي أجل عقود يوليو غدا الجمعة، وانخفضت عقود أغسطس الأكثر تداولا 21 سنتا أو 0.29 في المئة إلى 73.29 دولار للبرميل. وقال محلل السوق لدى «آي.جي» توني سيكامور في مذكرة «لا تزال هناك علاوة مخاطرة جيدة في السعر مع ترقب المتعاملين لمعرفة ما إذا كانت المرحلة التالية من الصراع الإسرائيلي الإيراني هي ضربة أمريكية أم محادثات سلام». وأضاف أن الاحتمال الأول قد يرفع الأسعار خمسة دولارات، بينما ستؤدي محادثات السلام إلى انخفاضها بالمعدل نفسه تقريبا. ولم يوضح ترامب أمس الأربعاء للصحفيين قراره في شأن الانضمام إلى إسرائيل في توجيه ضربات صاروخية على إيران. وامتد الصراع إلى يومه السابع اليوم الخميس. ويقول محللون إن التدخل الأميركي المباشر من شأنه توسيع نطاق الصراع مما يعرض البنية التحتية للطاقة في المنطقة لخطر الهجوم. وتعد إيران ثالث أكبر منتج في منظمة «أوبك»، إذ تضخ نحو 3.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام. ولكن الأهم من ذلك هو مرور نحو 19 مليون برميل يوميا من الخام والمنتجات النفطية عبر مضيق هرمز، ويتصاعد القلق من أن يتسبب القتال في تعطيل التدفقات التجارية هناك. وأبقى مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة الأميركية دون تغيير أمس الأربعاء لكنه توقع خفضها مرتين بحلول نهاية العام. ومن شأن خفض أسعار الفائدة تحفيز الاقتصاد، وبالتالي زيادة الطلب على النفط لكن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم التضخم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store