
ثورة الذكاء الاصطناعي.. هل تنقذ الصحافة أم تزيحها؟
في زمن تتسارع فيه التحولات ويشهد منافسة شرسة لا تأخذ بالاً بمن تخلف عن الركب، تتقدم الصحافة الحديثة نحو منعطف تاريخي قد يعيد تشكيل ملامحها.
فمع اقتحام الذكاء الاصطناعي غرف الأخبار، لم تعد صناعة الإعلام كما عهدناها في مراحلها التقليدية من إنتاج المحتوى وتحريره ونشره، بل بدأت رحلة إعادة تشكيل جوهرها وصياغة آلياتها، من أول حرف يُكتب حتى آخر خبر يُبث، فالثورة الرقمية الراهنة تعيد تعريف الصحافة التقليدية من جذورها.
فما كان يعتبر يوماً من ضروب الخيال العلمي، أضحى اليوم واقعاً يفرض نفسه في كل مفصل من مفاصل العمل الصحفي، أدوات ذكية تحرر وتدقق وتنتج وتنشر، في سرعة تكاد تدهش أكثر المتفائلين بتقدم التقنية، وفي ظل هذا العالم سريع التطور والتغير، لم تعد الصحافة بمنأى عن هذا التأثير، وهو ما أكدته دراسة حديثة لوكالة "أسوشيتد برس" نُشرت عام 2024، أظهرت أن 70% من المؤسسات الإعلامية حول العالم باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة، ابتداء من تحرير مقاطع الفيديو، ومروراً بكتابة المسودات الأولية، وانتهاء بتصميم الرسوم البيانية التفاعلية، بل إن بعض المؤسسات العريقة كـ"رويترز" و"بي بي سي" خفضت زمن الإنتاج بنسبة تصل إلى 20% بفضل هذه الأدوات.
ولم يكن هذا التحول سطحياً، بل عميقاً إلى حد أن واحداً من كل أربعة صحفيين بات يستخدم الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات وصياغة المحتوى، بحسب ذات الدراسة، أما تقرير "ماكينزي" فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ توقع أن تزداد إنتاجية غرف الأخبار بنسبة 30% إذا ما أُحسن استخدام الأتمتة في المهام المتكررة كتحرير النصوص العاجلة، والتحقق الأولي من الأخبار.
ومع كل ذلك، لم تقف الفائدة عند حدود السرعة والإنتاجية، بل امتدت إلى ساحة دقة المعلومات، إذ بات بمقدور الخوارزميات تحليل كم هائل من البيانات في لحظات، ما مكنها من رصد الأخبار الكاذبة بدقة متزايدة، في وقت تشير فيه تقارير مركز "بيو" إلى أن 62% من مستخدمي الإنترنت تعرضوا لمعلومات مضللة على الأقل مرة واحدة.
أما عن الجانب الاقتصادي فحدث ولا حرج، فقد بلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام والترفيه نحو 13.34 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 26.9% ليصل إلى أكثر من 55 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير "برايس ووترهاوس كوبرز"، الذي أكد أيضاً أن 85% من شركات الإعلام تخطط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
لكن كما هي الحال في كل ثورة، لا يخلو الطريق من عراقيل، فالتحديات الأخلاقية باتت تفرض نفسها بقوة لا يمكن تجاهلها، بدءاً من قضية التحيز الخوارزمي، مروراً بحماية الخصوصية، وليس انتهاء بالملكية الفكرية، إذ أظهرت دراسة لمعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" أن بعض الخوارزميات قد تتأثر بانحيازات ضمنية تؤثر في زوايا التغطية الصحفية لبعض القضايا أو الفئات، لهذا تتزايد الدعوات لرقابة بشرية دقيقة.
هذه المخاوف لم تأتِ من فراغ، فقد عبر 56% من الصحفيين عن تأييدهم لفرض قيود على استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى بالكامل، مطالبين بالإبقاء على الدور البشري ضماناً للمعايير المهنية، فيما رأى 45% من مديري غرف الأخبار ضرورة إعداد الصحفيين لمواجهة هذه المرحلة بتدريبات مكثفة، تضمن فهماً أخلاقياً دقيقاً لأدوات الذكاء الاصطناعي.
وطبعاً مع ازدياد اعتماد غرف الأخبار على الذكاء الاصطناعي، يبرز تحدٍّ أخلاقي آخر متمثل في تحقيق التوازن بين الأتمتة والإنسانية، وقد يؤدي الاعتماد المفرط على الآلة إلى استبدال الوظائف التقليدية، ما يثير القلق بشأن مستقبل الصحفيين.
وبين هذه المعطيات، تتبلور رؤية واضحة مفادها أن الذكاء الاصطناعي ليس عدواً، بل شريكاً محتملاً، داعماً لكن ليس بديلاً، نعم، قد تكتب الخوارزميات نصاً مترابطاً، لكنها لا تملك نبض الإنسان، ولا شغفه، ولا قدرته على التقاط لحظات الصدق في زوايا الحكايات، من هنا يأتي الحس الإنساني في السرد والتفسير، لتبقى القيم الصحفية كالدقة والنزاهة والاستقلالية مسؤولية بشرية بامتياز، لا تقبل التنازل أو التلقين.
وفي هذا الإطار، أظهرت دراسة لمؤسسة "بوينتر" أن أقل من 7% من الصحفيين يشعرون بخطر فقدان وظائفهم لصالح الذكاء الاصطناعي، ما يدل على أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تستخدم كشريك مساند، لا كبديل، بل إن صحفاً كـ"الجارديان" البريطانية قررت احتضان هذه الثورة التكنولوجية عبر إشراك صحفييها في ورش متخصصة، ما أسفر عن رفع جودة التغطيات بنسبة 15% وتقليص الأخطاء التحريرية بنسبة 20%.
لهذا سيظل دوماً التحدي الحقيقي هو المحافظة على البعد الإنساني في العمل الصحفي، فمهما بلغت سرعة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات، فإن القلم البشري هو وحده القادر على منح القصة روحها، وعلى إيصال الحقيقة لا بوصفها رقماً، بل بوصفها تجربة تحمل ألماً وأملاً.
الصحافة، في جوهرها، ليست مهنة فقط، بل رسالة تتصل بالوجدان الإنساني، والذكاء الاصطناعي رغم قوته في تقديم الأخبار بشكل أكثر دقة وسرعة، لكن لا يمكنه أن يحل محل الروح الإنسانية للصحفي التي تمنح القصة معناها الحقيقي وتأثيرها الدائم، فالصحافة ليست مجرد نقل معلومات فقط، بل هي إيصال الحقيقة بشكل واقعي وإنساني، لتبقى الصحافة بمثابة العمود الفقري للتعبير عن القضايا الإنسانية.
لذا فإن المسألة ليست في منازعة بين آلة وإنسان، بل في كيفية بناء شراكة ذكية، يقودها الوعي، وتحكمها الأخلاق، ويتصدرها الإنسان، وبينما تعيد الخوارزميات رسم الخارطة الإعلامية، تبقى القيم الصحفية والضمير المهني هما البوصلة التي تحفظ للصحافة صدقها، وتدفع بها إلى مستقبل أكثر إنسانية، وعمقاً، وابتكاراً.
في نهاية المطاف، لا يجب أن يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً للصحافة، بل فرصة لتطويرها وإعادة تعريفها بما يتماشى مع متغيرات العصر، ولكن نجاح هذا التحول مرهون بتحقيق توازن دقيق بين التقدم التكنولوجي والمسؤولية الأخلاقية.
نقلا عن "CNN الاقتصادية"

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 9 ساعات
- البوابة
شركات التكنولوجيا المصرية تستكشف فرص التوسع في "جيتكس أوروبا 2025"
شاركت مجموعة من الشركات المصرية في الدورة الأولى لمعرض جيتكس أوروبا وعالم الذكاء الاصطناعي 2025، والذي انعقد في مركز "ميسي برلين" بألمانيا، بمشاركة أكثر من 1400 جهة عارضة من 100 دولة حول العالم، وذلك في خطوة استراتيجية تهدف إلى فتح أسواق تصديرية جديدة أمام قطاع تكنولوجيا المعلومات المصري. دعم مؤسسي لتعزيز التواجد المصري في أوروبا جاءت هذه المشاركة بدعم من غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات CIT، وجمعية اتصال، والشعبة العامة للاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، بهدف تمكين الشركات المصرية من التواصل مع نظرائها الأوروبيين وبناء شراكات استراتيجية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، الأمن السيبراني، وتطبيقات البرمجيات. لقاءات عمل وشراكات جديدة أكد المهندس خالد إبراهيم، رئيس غرفة CIT، أن المعرض يُعد منصة مثالية لترويج الحلول والمنتجات المصرية، مشيرًا إلى أن الجناح المصري شهد لقاءات عمل مكثفة مع ممثلي شركات أوروبية كبرى، مما يُعزز فرص التعاون في تطوير بيئة أعمال ريادية مرنة بين مصر وأوروبا، لا سيما السوق الألماني. وفد مصري لتعزيز التبادل التجاري التقني قام أحمد السبكي، عضو مجلس إدارة غرفة CIT، باستقبال المهندس محمود صفراته، رئيس قطاع تنمية أسواق تكنولوجيا المعلومات بهيئة إيتيدا، حيث تم استعراض فرص النفاذ للسوق الأوروبي ومدى الإقبال على المنتجات المصرية. وأكد السبكي أن البعثة ركزت على استكشاف الفرص التصديرية وتعزيز التواجد التنافسي للمنتجات المحلية. صادرات تكنولوجية بقيمة 100 مليار دولار أوضح السبكي أن الدولة المصرية تضع قطاع تكنولوجيا المعلومات على رأس أولوياتها التصديرية، مع هدف طموح للوصول بالصادرات التكنولوجية إلى 100 مليار دولار، مشيرًا إلى أن السوق الأوروبي يُعد من أقرب وأهم الشركاء التجاريين لمصر في هذا المجال. مشاركة عالمية واسعة في حدث تقني عابر للحدود شهد معرض "جيتكس أوروبا" مشاركة لافتة من دول مثل الإمارات، الهند، إيطاليا، المغرب، كوريا الجنوبية، إلى جانب 35 دولة أوروبية، و600 مستثمر دولي، وأكثر من 500 متحدث من نخبة الخبراء العالميين، مما يعكس أهمية هذا الحدث كمنصة دولية لنقل المعرفة وبناء الشراكات العابرة للحدود.


الاتحاد
منذ يوم واحد
- الاتحاد
«مايكروسوفت» و «Core42»: دور محوري للسحابة السيادية والـ «AI» بمشهد التحول الرقمي في الإمارات
دبي (الاتحاد) أطلقت شركة «مايكروسوفت»، بالتعاون مع «Core42»، التابعة لمجموعة «G42»، المتخصصة في الحوسبة السحابية السيادية والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية، تقريراً بحثياً يُبرز كيف يمكن للمؤسسات أن تُوظّف تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة تتماشى مع القوانين المحلية لحماية البيانات، وذلك من خلال حلول السحابة السيادية لـ «Core42» التي تستفيد من منصة «مايكروسوفت أزور». ويعرض التقرير عدداً من الرؤى الاستراتيجية والممارسات المتعلقة باستخدام هذه الحلول وتفعيلها بكفاءة.ويستعرض التقرير أهمية البنية السحابية السيادية بوصفها ركيزة أساسية لضمان الامتثال لقوانين السيادة الرقمية، من خلال تخزين البيانات ومعالجتها وإدارتها داخل حدود الدولة، بما ينسجم مع التشريعات المحلية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمعلومات الحساسة مثل البيانات الشخصية، والملكية الفكرية، والمعلومات المالية. كما تعزز هذه السحب مستوى الأمان والخصوصية بفضل أنظمة تحكم مشددة وتشفير متقدم، مما يحول دون وصول الجهات غير المصرح لها، خصوصاً الأجنبية، إلى البيانات. وتطرق التقرير إلى تحول جذري في مفهوم السحابة السيادية، حيث لم تعد عائقاً أمام الابتكار، بل هي داعم له ضمن الإطار التنظيمي. واستعرضت حالات من الإمارات تُظهر كيف يمكن لتلك البنية أن تعزز من فعالية الخدمات، مثل رصد عمليات الاحتيال المالي عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز أدوات التشخيص الاستباقي في القطاع الصحي، وإتاحة حلول متقدمة لحماية البيانات الحكومية، إضافة إلى تقديم تحليلات فورية في قطاع الطاقة. ما يبرز الدور الفاعل للبنية السيادية في تعزيز كفاءة الأداء المؤسسي. وتمنح البنية السحابية السيادية المؤسسات تحكماً أكبر في عملياتها الرقمية، وتُسهم في الامتثال التنظيمي الكامل، مع الحفاظ على مستويات مرونة وكفاءة شبيهة بخدمات السّحُب التقليدية. كما تدعم البنية التحتية الرقمية الوطنية، وتشجع على الابتكار المحلي، وتقلل من الاعتماد على مزوّدي الخدمات العالميين. ويؤكد التقرير أن السحابة السيادية الحديثة تنهي المفاضلة التقليدية بين الابتكار والامتثال، إذ تسلط الضوء على حالات استخدام واقعية داخل دولة الإمارات، منها: اكتشاف الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات المالية، والتشخيص الاستباقي في القطاع الصحي، وحماية بيانات المواطنين في القطاع الحكومي، وتحليلات فورية في قطاع الطاقة. وتُظهر هذه النماذج كيف يمكن للبنية التحتية السيادية أن تُحقق قيمة تحوّلية، دون المساس بالامتثال التنظيمي الكامل. كما يبرز التقرير كيف تسهم البنية السحابية السيادية في تمكين المؤسسات من خوض التحول الرقمي بثقة، بما يتماشى مع أولويات الدولة. وتتناول أيضاً استثمارات الإمارات الكبيرة في الذكاء الاصطناعي والسحابة، ضمن مساعيها لتسريع المستقبل الرقمي، وعلى رأسها استراتيجية أبوظبي للتحوّل إلى أول حكومة في العالم تعمل بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027، وتُجسد هذه التوجهات رؤية الدولة لاقتصاد رقمي يقوم على السيادة أولًا، من خلال ترسيخ مفاهيم حوكمة البيانات والامتثال التنظيمي والأمن الوطني في صلب التحول الرقمي، ما يجعل الإمارات نموذجاً عالمياً في الريادة الرقمية بعصر الذكاء الاصطناعي. وأشار التقرير إلى أن الإنفاق العالمي على حلول السحابة السيادية يُتوقّع أن يتضاعف تقريباً، من 133 مليار دولار في عام 2024 إلى 259 مليار دولار في عام 2027، ما يؤكد الحاجة الملحّة لتكامل السيادة الرقمية ضمن استراتيجيات التكنولوجيا لدى الحكومات والقطاعات حول العالم. وفي هذا السياق، أكد شريف توفيق، رئيس شؤون الشراكات الخاصة بالذكاء الاصطناعي والسحابة السيادية لدى مايكروسوفت، التزام الشركة التام بدعم رؤية دولة الإمارات في أن تكون رائدة عالمياً في التحول الرقمي، قائلاً: «تشكل السحابة السيادية من (Core42)، والمدعومة بمنصة مايكروسوفت أزور، تجسيداً لالتزامنا بتوفير حلول سحابية مبتكرة وآمنة ومتوافقة مع المتطلبات التنظيمية، تلبي احتياجات مختلف القطاعات المنظمة في الدولة، ومن خلال الاستفادة من إمكانات منصة مايكروسوفت أزور، نتيح للمؤسسات الإماراتية الاستفادة الكاملة من القدرات السحابية وإمكانات تقنيات الذكاء الاصطناعي لتسريع تحولها الرقمي، مع ضمان سيادة البيانات وتحقيق الامتثال الكامل». ومن جانبه، أوضح «أدريان هوبز»، الرئيس التنفيذي للشؤون التكنولوجية في «Core42»، أن الشراكة مع مايكروسوفت تعكس التزاماً مشتركاً بدفع الابتكار الرقمي، قائلاً: «صمّمت (Core42) السحابة السيادية المدعومة من مايكروسوفت أزور، والتي ترتكز إلى منصة التحكم السيادي للبيانات (Insight)، لتلبية احتياجات القطاعات المنظمة في الإمارات». وأوضح أن هذه المبادرة تُمكّن الشركات من تحقيق طموحاتها الرقمية بأمان، ووفق أعلى معايير الامتثال. واختتم بالقول: «نفخر بدورنا في دعم مسيرة الدولة نحو ريادة التكنولوجيا على مستوى العالم». وجدير بالذكر أن حكومة أبوظبي قد أعلنت مؤخراً توقيع اتفاقية استراتيجية مع كل من مايكروسوفت و«Core42»، تهدف إلى تنفيذ نظام سحابي سيادي، يعزز من كفاءة الخدمات الحكومية، ويرتقي بمستويات الابتكار فيها، وتسعى الاتفاقية الممتدة لسنوات عدة إلى بناء بيئة موحدة للحوسبة السحابية، قادرة على إدارة أكثر من 11 مليون تفاعل رقمي يومياً بين الجهات الحكومية والمواطنين والمقيمين والشركات. ويؤكد هذا التعاون أن مايكروسوفت و«Core42» تواصلان التزامهما المشترك بتوفير بيئة سحابية مبتكرة، وآمنة، ومتوافقة مع المعايير المحلية، من خلال منصة «Insight» التي تمنح المؤسسات القدرة على التحكم الكامل بالبيانات في بيئة سحابية مصممة خصيصاً للقطاعات المنظمة في دولة الإمارات.


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
«كولوبا».. خبز تركي مقاوم للجفاف من رماد التاريخ (صور)
تم تحديثه الثلاثاء 2025/5/27 07:27 م بتوقيت أبوظبي اكتشف علماء آثار خبزاً عمره 5 آلاف عام في تركيا، حيث أصبح يُنتَج مجدداً، مما أثار الاهتمام بزراعة أنواع قمح قديمة أكثر ملاءمة للجفاف. وقال عالم الآثار ومدير حفريات كولوبا الواقعة على بعد 35 كيلومتراً من مدينة إسكيشهير (وسط تركيا) مراد توركتيكي "هذا أقدم خبز مخمر ومخبوز اكتُشِف خلال عملية تنقيب عن الآثار، وبقي شكله إلى حد كبير على ما هو عليه". وأوضح لوكالة "فرانس برس" خلال حديث عن الاكتشاف الذي أُعلن عنه الأسبوع الفائت أن "العثور على خبز خلال التنقيب نادر. فعادةً، لا نجد سوى الفتات. لكن هنا، بقي الخبز محفوظاً بعد حرقه ودفنه". ويعود إلى سبتمبر/أيلول 2024 اكتشاف خبز كولوبا، وهو دائري ومسطح مثل الفطيرة ويبلغ قطره 12 سنتيمتراً، وكان متفحماً ومدفوناً تحت عتبة مسكن بني في العصر البرونزي، قرابة العام 3300 قبل الميلاد. ونُزعت قطعة من رغيف الخبز قبل حرقه ثم دفنه أثناء بناء المنزل. ولاحظ توركتيكي أن ذلك "يذكّر بطقوس الوفرة". تأثرنا كثيراً بهذا الاكتشاف ولا يزال الغموض يكتنف إلى حد كبير الحضارة الأناضولية في كولوبا، نظراً إلى عدم تَوافُر أية آثار مكتوبة توضحها، وينطبق ذلك على عادات سكانها في دفن منازلهم قبل الانتقال إلى مكان آخر أو بناء مساكن جديدة على الهياكل القديمة، وبالتالي تشكيل تلال. خلال العصر البرونزي، عاش الحثيون، وهم شعب من الأناضول سبق الحيثيين، في منطقة إسكيشهير. وشرح عالم الآثار دنيز ساري أن "كولوبا كانت مستوطنة حضرية متوسطة الحجم، ازدهرت فيها أنشطة التجارة والحرف والزراعة والتعدين، ومن الواضح أن نظاماً عائلياً واجتماعياً كان يسود فيها". وأظهرت التحاليل أن رغيف الخبز صُنِع من دقيق النشا المطحون خشناً، وهو نوع قديم من القمح، ومن بذور العدس، مع استخدام أوراق نبات غير محدد الهوية حتى الآن كخميرة. ويُعرض رغيف الخبز المحروق منذ الأربعاء في متحف إسكيشهير للآثار. وقالت رئيسة بلدية إسكيشهير عائشة أونلوجيه "لقد تأثرنا كثيراً بهذا الاكتشاف. أثناء حديثي مع مدير الحفريات، تساءلتُ إذا كان بإمكاننا إعادة إنتاج هذا الخبز". وللوصول إلى أقرب ما يمكن من الوصفة الأصلية، ارتأت البلدية، بعد تحليل الخبز الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، استخدام قمح كافيلجا، وهو نوع قديم أيضاً مشابه للبرغل والعدس، نظراً إلى أن النشا القديم لم يعد موجوداً في تركيا. مقاوم للجفاف في "هالك إكمك" ("خبز الشعب" بالتركية)، وهو مخبز شعبي يقدم خبزا زهيد الثمن، كان الموظفون يعدّون يدويا 300 رغيف من خبز كولوبا يومياً على مدار الأسبوع الفائت. وقالت مديرة "هالك إكمك" سراب غولر إن "الجمع بين دقيق القمح التقليدي والعدس والبرغل يؤدي إلى خبز غني ويحقق الشبع، منخفض الغلوتين وخالٍ من المواد الحافظة". ولم تمض ساعات حتى نفدت الدفعة الأولى من أرغفة خبز كولوبا التي يزن الواحد منها 300 غرام ويباع بسعر 50 ليرة تركية (نحو دولار و27 سنتاً). وقالت سوزان كورو التي كانت بين الزبائن "عجّلتُ في الشراء مخافة ألا يبقى أي رغيف. لدي فضول لمعرفة مذاق هذا الخبز القديم". وعلّقت رئيسة بلدية إسكيشهير عائشة أونلوجيه قائلةً "لقد حفظت هذه الأرض رغيف الخبز هذا خمسة آلاف عام، ومنحتنا هذه الهدية. ومن واجبنا حماية هذا الإرث ونقله إلى الأجيال المقبلة". وتعاني محافظة إسكيشهير من الجفاف راهنا، بعدما كانت في ما مضى غنية بالكثير من مصادر المياه. وأضافت رئيسة البلدية التي تسعى إلى إحياء زراعة قمح كافيلكا في منطقتها، وهو قمح مقاوم للجفاف والأمراض "نواجه أزمة مناخية، لكننا ما زلنا نزرع الذرة وعباد الشمس اللذين يتطلبان كميات كبيرة من المياه. أسلافنا يُلقّنوننا درسا. علينا أن نتجه مثلهم نحو محاصيل أقل استهلاكا للمياه". ورأت أن ثمة "حاجة إلى سياسات عامة قوية جداً في شأن هذه القضية"، مشددةً على أن "زراعة القمح القديم ستكون خطوة رمزية إلى الأمام في هذا الاتجاه". aXA6IDgyLjI2LjI0My4yMjUg جزيرة ام اند امز GB