500 مليون دولار للتعتيم على فساد بمليون... سلاح يمحو الحقيقة من على وجه الأرض...
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
قد تعتبر أكثرية ساحقة من البشر أن ما يُعيق الحصول على الحقيقة وتقديمها للناس، وأن ما يجعل الحقائق والعدالة في خلفية مُتراجِعَة دائماً، هي ممارسات القمع والاعتداء... على صحافيين، أو على وسائل إعلام، أو على مؤثّرين ينشطون على منصات التواصل الاجتماعي. ولكن الواقع يُخبرنا بعكس ذلك.
حقيقة شهيدة
فالحقيقة بحدّ ذاتها هي الشهيدة، والعدالة بحدّ ذاتها هي الشهيدة أيضاً، لا بسبب قمع أو ملاحقة جسدية فقط، بل بسبب سلاح آخر قادر على أن يُزيلهما من النفوس والعقول، في كل مكان، وهو المال.
فمن يخبرك بحقيقة عن فساد هنا، أو بحقيقة عن نقص عدالة هنا، هو نفسه الذي قد يعتّم عن فساد هناك، وعن عدالة غائبة هناك، ليس لاعتبارات الخوف من أذى جسدي، بل تبعاً لمصالح ربحية معينة، قد تكون أشدّ تدميراً من قنبلة نووية.
وعلى سبيل المثال، إذا أردنا احتساب كمية ما يُدفَع في كل دول العالم من أجل تلميع صورة حاكم أو مسؤول، أو للتسويق له، أو للتعتيم على فساده... فإننا سنجد أنه قد يتم إنفاق ما يتجاوز الـ 500 مليون دولار مثلاً، للتغطية على فساد بقيمة 50 مليون دولار مثلاً، أي أن تكاليف التستُّر عن فساد أو ظلم قد تتجاوز كلفة الضّرر الأولي المباشر الناجم عنه. وهذا يستنزف الكثير من الموارد في البلدان، لا سيّما تلك التي تحتاج الى الكثير.
"قجّة"
فأن يخبرك المسؤول عنك يومياً، ونهاراً وليلاً، أن بلدك مُفلِس مثلاً، وأنه بحاجة الى قروض مليارية من هنا وهناك، بينما هو ومجموعاته ومجموعات مجموعاته... المُشكِّلَة لسلطته، والمُشارِكَة فيها، والمُسوِّقَة لها في الداخل والخارج لرفدها بكل أنواع وأشكال الدعم والتمويل... (بينما هم) ينفقون أموالاً طائلة بأرقام وميزانيات مُخيفَة، لإدخال الإفلاس والعجز والحاجة الى القروض من الخارج في ذهنك أنت كمواطن، فهنا يبدأ الكلام على حقيقة شهيدة، وعدالة شهيدة، وعلى بلد شهيد، وشعب شهيد... لأنه إذا أردنا جمع مبالغ كل هذا التسويق ضمن "قجّة"، فسنجد أنها قادرة على إعادة إعمار الشرق الأوسط بكامله، ربما.
ترامب...
في أي حال، نعود الى التسويق التقليدي لمفهوم الحقيقة الشهيدة، لنجد مثالاً جديداً عنها، عبّر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، عندما أبدى انزعاجه من مراسل سأله عن التقارير التي تُفيد بأن الولايات المتحدة الأميركية قبِلَت طائرة من قطر يمكن استخدامها كطائرة رئاسية. فقاطع ترامب المراسل قائلاً:"عليك الخروج من هنا"، معتبراً أن لا علاقة للسؤال بالاجتماع الذي جمعه (ترامب) برئيس جنوب أفريقيا. كما وجّه إهانة للمراسل، وهاجم رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي للشركة التي تمتلك إحدى القنوات الأميركية، معتبراً أن منح قطر طائرة رئاسية لأميركا هو "أمر عظيم"، ومُجيباً على تهكُّم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الذي قال "أنا آسف، ليس لديّ طائرة لأعطيك إياها" بالقول:"لو عرضت جنوب إفريقيا طائرة، فسأقبلها". وهذا سلوك "إصراري" من جانب ترامب في الدفاع عن شبهات كثيرة تفوح من هديته "الطائرة".
محو ذكرها
نحن لم نذكر ما سبق، لا للدفاع عن مراسل، ولا عن قناة أميركية، ولا عن أحد، لأن من سبق ذكرهم هم أنفسهم قد يجدون مصلحة لهم بإحراج ترامب، وبالدفاع أو التعتيم على فساد آخر، مُرتَكَب من جانب رئيس أو شخص آخر.
ولكن ما سبق ذكره يذكّرنا بما حصل مراراً وتكراراً وحتى الساعة، في بلدنا لبنان، في كل مرة كان يشعر فيها أحد المسؤولين أو الزعماء أو الرؤساء... بالإحراج من سؤال صحافي، فيدافعون عن فسادهم أو عن عجزهم وتقصيرهم... إما بطرد صحافي، أو بالتهديد بطرده، أو بتعميم اسمه على أنه من غير المرحَّب بهم هنا أو هناك، أو بالسخرية من هذا السؤال أو ذاك، لا لشيء سوى للتعتيم على الغباوة التي قد يتمتّع بها هذا المسؤول، أو النائب، أو الوزير، أو الزعيم... وللتستّر على "قلّة مفهوميّته" بشأن معيّن.
"اخرج من هنا"... هي سلاح الزعيم الضّعيف والمُحرَج من قلّة جدارته وفساده، وهذا ترهيب مُوازٍ لإرهاب الملاحقات القضائية، والتهديدات، وأعمال الإيذاء الجسدي... بحقّ كل من يحاول الوصول الى الحقيقة والعدالة.
كما أنه إرهاب مُوازٍ لسلاح المال القادر ليس فقط على جعل الحقيقة شهيدة، بل على محو ذكرها من وجه الأرض، من الأساس.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 36 دقائق
- النهار
فساد ومخدرات وتلقي رشى... محكمة أميركية تأمر مسؤولا أمنياً مكسيكياً سابقاً بدفع 2,4 مليار دولار لبلاده
أمرت محكمة أميركية الخميس مسؤولا أمنيا مكسيكيا سابقا وزوجته بدفع أكثر من 2,4 مليار دولار لبلديهما في دعوى مدنية كانا قد دينا بها، وفقا لما ذكرته الحكومة المكسيكية. وكانت المكسيك قد رفعت دعوى قضائية ضد غينارو غارسيا لونا، المسجون في الولايات المتحدة لادانته بالاتجار بالمخدرات، بتهم فساد وغسل أموال. وأفاد بيان للحكومة المكسيكية بأن الغرامة التي فرضتها محكمة في فلوريدا تزيد ثلاثة أضعاف عن المبلغ الذي طلبته الحكومة المكسيكية في دعواها. في العام 2023، دانت محكمة أميركية غارسيا لونا البالغ 56 عاما بتلقي رشى بقيمة ملايين الدولارات للسماح لعصابة سينالوا بتهريب أطنان من الكوكايين. وحكم عليه قاض في نيويورك بالسجن لأكثر من 38 عاما وبغرامة بلغت مليوني دولار. ويُعد غارسيا لونا الذي شغل مناصب أمنية رفيعة المستوى في بلاده بين عامي 2001 و2012، أرفع شخصية حكومية مكسيكية تخضع للمحاكمة في الولايات المتحدة. وشغل غارسيا لونا منصب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي المكسيكي من عام 2001 حتى عام 2006، قبل أن تتم ترقيته إلى منصب وزير الأمن العام، حيث كان يدير بشكل أساسي قوة الشرطة الفيدرالية ومعظم عمليات مكافحة المخدرات.


سيدر نيوز
منذ 2 ساعات
- سيدر نيوز
هل ستحصل على 312 دولارًا قريبًا؟ محمد شقير يكشف عن الحد الأدنى الجديد المقترح!
كشف رئيس الهيئات الاقتصادية والوزير السابق محمد شقير، في حديث لقناة 'mtv'، عن مناقشات جارية لرفع الحد الأدنى للأجور من 250 إلى 312 دولارًا، مؤكدًا أن الواقع الاقتصادي الحالي لا يسمح بأرقام أكبر في هذه المرحلة. وأوضح شقير أن 'الحديث عن حد أدنى للأجور بقيمة 900 دولار غير واقعي في ظل الظروف الراهنة'، مشيرًا إلى أن 'العديد من القطاعات الاقتصادية لا تزال تعاني من عدم الاستقرار، ما يصعّب اتخاذ خطوات واسعة على صعيد الرواتب'. ويأتي هذا التصريح في وقت تتسارع فيه المطالبات بتحسين الواقع المعيشي للعمال، وسط ضغوط اقتصادية متواصلة وانخفاض القدرة الشرائية.

المدن
منذ 3 ساعات
- المدن
التنافس على أشدّه... والتيار والقوات يدّعيان الفوز ببلدية جزين
تدخل جزين ساعاتها الانتخابية الأخيرة، بعيون شاخصة إلى صناديق الاقتراع التي تُفتح يوم السبت، في استحقاق بلدي يُتوقّع أن تبلغ نسبة المشاركة فيه حوالي 45 بالمئة، وفق تقديرات الماكينات الانتخابية. وبين أكثر من عشرة آلاف ناخب مسجّل، يتواجه مشروعان بلديان مختلفان شكلاً ومضموناً، عنوانهما لائحتان رئيسيتان: "بلديتكن مستقبلكن" المدعومة من حزب القوات اللبنانية، ويتصدرها المستثمر بشارة عون، و"سوا لجزين" التي يتقدّمها دافيد الحلو كمرشح توافقي بين التيار الوطني الحر، والنائب السابق إبراهيم عازار، وبدعم من النائب المبعد عن "التيار" زياد أسود. اللائحتان أعلنتا نفسيهما رسميًا، لكن مع فارق في التوقيت والتكتيك. التأجيل القواتي لم يكن تكتيكاً إعلامياً فحسب، بل كان بمثابة إجراء وقائي خوفاً من الضغوط التي مورست على مرشحين في الكواليس، كما أشيع عن أحد مرشحي بلدة عين مجدلين، التابعة لبلدية جزين. شائعات حول الرشاوى تضم عين مجدلين نحو ألف ناخب، تابعين إدارياً لبلدية جزين. ووفق الشائعات المتداولة في الأوساط القواتية، انسحاب مرشح قواتي من عين مجدلين عشية إقفال باب الترشيحات، بعد تلقيه عرضاً مالياً قُدّر بحوالى 20 ألف دولار من جهات محسوبة على التيار الوطني الحر. وتدعي الشائعات أن الضغوط لانسحاب هذا المرشح أتت لأن له شعبية في المنطقة وكان بإمكانه شق صفوف إحدى العائلات. وكان هذا الأمر سيشكل ضربة موجعة للائحة "بلديتكن مستقبلكن"، ما يفتح الطريق أمام "سوا لجزين" لتوسيع هامش الفوز. لا شيء سرياً في هذه المعركة. تُخاض على المكشوف. الإنفاق يُدار بلا خجل، والإعلانات تُشترى بالمزاد، والخصومة تتحوّل إلى تعبئة سياسية وشخصية واجتماعية. ويشاع في أوساط "القوات" أن المرشح بشارة عون سبق وحجز لافتة إعلانية في موقع مهم وأساسي، لكنه تفاجأ بدخول ماكينة دافيد الحلو على الخط، وعرضها مبلغاً أعلى للمالك، فرضخ الأخير وتراجع. تحرك المال الانتخابي لا يقتصر على الإعلانات. فمع اقتراب يوم الاقتراع، تتزايد مؤشرات الصرف المكشوف: بونات بنزين، سيارات مخصصة للنقل، مساعدات عينية، و200 دولار نقداً توزّع على الناخبين "المضموني الولاء". كما بدأ الحشد للمغتربين، لدفعهم للمشاركة ترجيحاً للكفة. وفيما تشتد المعركة بين اللائحتين، يشاع بين مناصري التيار الوطني الحر أنهم سيعملون ما بوسعهم لمنع القوات من السيطرة على بلدية جزين مهما كلف الأمر. لذا وأمام هذا المشهد المشحون، تدخّل الأب طوني رحيم، المعروف بمساعيه التوافقية، لفرملة التصعيد. ويدور في أوساطه شعار يرفعه هذه الأيام "ما تخلّوا الانتخابات تفرّقكن... مش حرزانة". القوات مطمئنة على الفوز رغم كل ما قيل عن "المفاجآت"، تبدو التقديرات محسومة في ميزان إبراهيم عازار. فقد خاض الرجل مفاوضات قاسية قبل تشكيل لائحة "سوا لجزين". ويرى أن تحالفه مع التيار يؤمن شبكة دعم متينة، تمنح دافيد الحلو أفضلية نسبية في معركة "محسوبة بكل صوت". لكن زياد أسود يبدو ممتعضًا من التيار الوطني الحر، في حديثه إلى "المدن"، إذ يقول "تبنّوه ونسبوه إليهم، لكن لا علاقة له بالتيار، شقيقه منتمي للتيار، هو لا علاقة له بأخيه". ويضيف "أنا أدعم دافيد كشخص، ولستُ داعمًا للائحة بكامل أعضائها. سأصوّت لغير الحزبيين من اللائحتين، ممن يُمثّلون أبناء البلدة فعلًا". في المقابل، تراهن القوات اللبنانية على وعي الناس ومحاسبة المسؤولين عن التجارب السابقة، رافضة العودة إلى الوراء. ويقول مسؤول مكتب "القوات" في جزين ناجي بو نادر لـ"المدن": "المعركة محتدمة وكبيرة، لكن المؤشرات تميل لصالحنا". ولدى سؤاله عن إمكانية تمكن القوات من خرق اللائحة المنافسة، يجيب بثقة:"بالعكس، هناك صعوبة كبيرة لحدوث أي خرق بلائحتنا. فالجو العام مطمئن". الانتخابات البلدية بجزين استفتاء على النفوذ. وهي بمثابة اختبار لمستقبل "التيار" في البلدة بعد انفجار خلافاته الداخلية من ناحية، وتجربة لـ"القوات" لقياس حجمها التمثيلي خارج سردية أنها "القوة المسيحية الأكبر".