logo
بحجم إصبع وبثلاث عيون.. اكتشاف مفترس عاش قبل 500 مليون سنة

بحجم إصبع وبثلاث عيون.. اكتشاف مفترس عاش قبل 500 مليون سنة

الجزيرةمنذ 3 أيام

قد تخبّئ الكائنات الصغيرة قصصا عظيمة، وهذا ما ينطبق تماما على اكتشاف نادر وفريد لمفترس صغير الحجم لكنه مهيب بخصائصه، عاش قبل أكثر من نصف مليار عام.
وعثر الباحثون من متحف مانيتوبا ومتحف أونتاريو الملكي بكندا على هذا المفترس، الذي لا يتجاوز طوله حجم إصبع السبابة، في صخور بورغيس شيل، وهي منطقة شهيرة في كندا بحفرياتها العائدة إلى العصر الكمبري.
وكانت المفاجأة أنهم وجدوا أنفسهم أمام نوع غير معروف من قبل من المفترسات البحرية، يتميز بتركيبة فريدة، إذ كان يمتلك ثلاث عيون حادة ومخالب مسننة وفما دائريا محاطا بأسنان، إضافة إلى زعانف جانبية تساعده على السباحة بمرونة وسرعة.
تفاصيل فريدة
ووثّق الباحثون لهذا الاكتشاف في دورية"رويال سوسايتي أوبن ساينس"، ومنحوا الكائن المكتشف الذي عاش قبل 506 ملايين سنة اسم "موسورا فينتوني"، وقالوا إنه ينتمي لمجموعة من الكائنات المنقرضة تُسمى "الراديوكونتس".
وهي المجموعة نفسها التي ينتمي إليها المفترس الشهير "أنومالوكاريس الكندية"، لكن ما يميز "موسورا" عن باقي أفراد هذه المجموعة هو وجود منطقة في الجزء الخلفي من جسمه مكونة من عدة فقرات متراصة، تشبه إلى حد ما البطن لدى بعض الحيوانات الحديثة مثل العقارب البحرية والصراصير.
واهتم الباحثون بهذه الميزة الجديدة، واكتشفوا أن الفقرات الأخيرة تحتوي على خياشيم تساعد في التنفس، مما يشير إلى تكيف فريد ربما مرتبط ببيئة أو سلوكيات معينة تتطلب تنفسا أكثر كفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، سمح حفظ الحفريات بشكل استثنائي بدراسة التفاصيل الداخلية لجسم "موسورا"، مثل الجهاز العصبي والدوراني والهضمي، حيث رأى الباحثون أدلة على وجود أعصاب متجمعة في العيون تشبه في عملها أعصاب الحيوانات المفصلية الحديثة، كما وجدوا أن "موسورا" يمتلك جهازا دورانيا مفتوحا، حيث يضخ القلب الدم إلى تجاويف داخلية كبيرة بدلا من الأوعية الدموية المغلقة، كما هو الحال في الإنسان.
تأكيد عمر الدورة الدموية "المفتوحة"
يقول جو مويسيوك، الأمين العام للحفريات والجيولوجيا في متحف مانيتوبا والباحث الرئيسي للدراسة، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للمتحف إن "هذا الكائن يمثل مثالا رائعا للتقارب التطوري مع الحيوانات الحديثة، حيث يمتلك 16 قطعة متقاربة ومبطنة بالخياشيم في الجزء الخلفي من الجسم، تجعله قريبا من السلطعونات الحصانية وقمل الخشب والحشرات التي تمتلك أيضا قطعا تحمل أعضاء تنفسية في الطرف الخلفي".
ويشير مويسيوك إلى أن الحفريات المحفوظة جيدا لهذا الكائن أظهرت تجاويف واضحة في جسده، وهي فراغات داخلية كانت تمتلئ بالدم في الكائنات التي تملك جهازا دوريا مفتوحا، كما في بعض المفصليات اليوم.
ويضيف "هذه الهياكل شوهدت من قبل في حفريات أخرى، لكنها لم تكن واضحة، وقد دار جدل طويل حول ما إذا كانت جزءا من الجهاز الدوري أم مجرد أثر طبيعي، لكنّ التفاصيل التي كشفتها حفريات موسورا ساعدت العلماء على تأكيد أن هذه الهياكل تنتمي حقا للجهاز الدوري، مما يثبت أن هذا النوع من الدورة الدموية "المفتوحة" تطور منذ أكثر من 500 مليون سنة، أي أن أصولها قديمة جدا".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بحجم إصبع وبثلاث عيون.. اكتشاف مفترس عاش قبل 500 مليون سنة
بحجم إصبع وبثلاث عيون.. اكتشاف مفترس عاش قبل 500 مليون سنة

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

بحجم إصبع وبثلاث عيون.. اكتشاف مفترس عاش قبل 500 مليون سنة

قد تخبّئ الكائنات الصغيرة قصصا عظيمة، وهذا ما ينطبق تماما على اكتشاف نادر وفريد لمفترس صغير الحجم لكنه مهيب بخصائصه، عاش قبل أكثر من نصف مليار عام. وعثر الباحثون من متحف مانيتوبا ومتحف أونتاريو الملكي بكندا على هذا المفترس، الذي لا يتجاوز طوله حجم إصبع السبابة، في صخور بورغيس شيل، وهي منطقة شهيرة في كندا بحفرياتها العائدة إلى العصر الكمبري. وكانت المفاجأة أنهم وجدوا أنفسهم أمام نوع غير معروف من قبل من المفترسات البحرية، يتميز بتركيبة فريدة، إذ كان يمتلك ثلاث عيون حادة ومخالب مسننة وفما دائريا محاطا بأسنان، إضافة إلى زعانف جانبية تساعده على السباحة بمرونة وسرعة. تفاصيل فريدة ووثّق الباحثون لهذا الاكتشاف في دورية"رويال سوسايتي أوبن ساينس"، ومنحوا الكائن المكتشف الذي عاش قبل 506 ملايين سنة اسم "موسورا فينتوني"، وقالوا إنه ينتمي لمجموعة من الكائنات المنقرضة تُسمى "الراديوكونتس". وهي المجموعة نفسها التي ينتمي إليها المفترس الشهير "أنومالوكاريس الكندية"، لكن ما يميز "موسورا" عن باقي أفراد هذه المجموعة هو وجود منطقة في الجزء الخلفي من جسمه مكونة من عدة فقرات متراصة، تشبه إلى حد ما البطن لدى بعض الحيوانات الحديثة مثل العقارب البحرية والصراصير. واهتم الباحثون بهذه الميزة الجديدة، واكتشفوا أن الفقرات الأخيرة تحتوي على خياشيم تساعد في التنفس، مما يشير إلى تكيف فريد ربما مرتبط ببيئة أو سلوكيات معينة تتطلب تنفسا أكثر كفاءة. بالإضافة إلى ذلك، سمح حفظ الحفريات بشكل استثنائي بدراسة التفاصيل الداخلية لجسم "موسورا"، مثل الجهاز العصبي والدوراني والهضمي، حيث رأى الباحثون أدلة على وجود أعصاب متجمعة في العيون تشبه في عملها أعصاب الحيوانات المفصلية الحديثة، كما وجدوا أن "موسورا" يمتلك جهازا دورانيا مفتوحا، حيث يضخ القلب الدم إلى تجاويف داخلية كبيرة بدلا من الأوعية الدموية المغلقة، كما هو الحال في الإنسان. تأكيد عمر الدورة الدموية "المفتوحة" يقول جو مويسيوك، الأمين العام للحفريات والجيولوجيا في متحف مانيتوبا والباحث الرئيسي للدراسة، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للمتحف إن "هذا الكائن يمثل مثالا رائعا للتقارب التطوري مع الحيوانات الحديثة، حيث يمتلك 16 قطعة متقاربة ومبطنة بالخياشيم في الجزء الخلفي من الجسم، تجعله قريبا من السلطعونات الحصانية وقمل الخشب والحشرات التي تمتلك أيضا قطعا تحمل أعضاء تنفسية في الطرف الخلفي". ويشير مويسيوك إلى أن الحفريات المحفوظة جيدا لهذا الكائن أظهرت تجاويف واضحة في جسده، وهي فراغات داخلية كانت تمتلئ بالدم في الكائنات التي تملك جهازا دوريا مفتوحا، كما في بعض المفصليات اليوم. ويضيف "هذه الهياكل شوهدت من قبل في حفريات أخرى، لكنها لم تكن واضحة، وقد دار جدل طويل حول ما إذا كانت جزءا من الجهاز الدوري أم مجرد أثر طبيعي، لكنّ التفاصيل التي كشفتها حفريات موسورا ساعدت العلماء على تأكيد أن هذه الهياكل تنتمي حقا للجهاز الدوري، مما يثبت أن هذا النوع من الدورة الدموية "المفتوحة" تطور منذ أكثر من 500 مليون سنة، أي أن أصولها قديمة جدا".

هل يتمكّن العلماء أخيرا من فك طلاسم النجوم بمقبرة رمسيس التاسع؟
هل يتمكّن العلماء أخيرا من فك طلاسم النجوم بمقبرة رمسيس التاسع؟

الجزيرة

timeمنذ 7 أيام

  • الجزيرة

هل يتمكّن العلماء أخيرا من فك طلاسم النجوم بمقبرة رمسيس التاسع؟

يعمل فريق متعدد التخصصات من معهد بريمتر للفيزياء النظرية في مدينة واترلو الكندية، عبر تعاون بين الفيزيائيين ومؤرخي العلوم وعلماء الآثار، على فك رموز نصوص قديمة وجداول تعبّر عن مواقع النجوم في مقابر عدد من ملوك مصر القديمة. وتُعرَف مجموعة من هذه الجداول باسم "الساعات النجمية الرعامسية"، التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد عُثر على نصوص وجداول هذه الساعات مرسومة على أسقف مقابر رمسيس السابع ورمسيس التاسع في وادي الملوك بمدينة الأقصر المصرية. وتتكون كل ساعة نجمية من 24 جدولا، يتتبع كل جدول حركة نجم محدد (أو مجموعة نجوم) عبر سماء الليل كل ساعة، وعلى مدار 15 يوما، أي أن الجداول في المجمل تحتوي على ما يعادل عاما كاملا من الحسابات الدقيقة. العشريات النجمية وكان المصريون القدماء يتابعون شروق النجوم وغروبها بدقة، وقسّموا السنة إلى "عشريات"، وهي مجموعات من النجوم التي تشرق كل 10 أيام تقريبا. يحدث ذلك لأن الأرض تدور حول الشمس (وهو ما لم يكن معروفا وقتها)، وبسبب ذلك تتغير مواضع النجوم يوما بعد يوم، ومثلا لو خرجت الليلة وتأملت النجوم الواقعة أعلى الأفق الشرقي بالضبط في الساعة التاسعة مساء، ثم خرجت خلال اليوم التالي في الموعد نفسه، لوجدت أن هذه النجوم انتقلت من موضعها للأعلى قليلا، وهكذا كل يوم حتى يأتي يوم تجد أنها في التوقيت نفسه (التاسعة مساء) كانت في كبد السماء. وقد قسّم المصريون القدماء السنة إلى 36 عشرية، ويُمثَّل كل منها بنجم أو مجموعة نجوم تظهر أعلى الأفق كل 10 أيام، ومُلئت جداول الساعات النجمية (ولها عدة أنواع في الحضارة المصرية القديمة) بتلك العشريات وانتقالها في السماء طوال الليل، ساعة بساعة. وظيفة مجهولة تُظهر ساعات النجوم فهما متطورا لعلم الفلك وضبط الوقت لدى المصريين القدماء، إلى جانب كونها كانت جزءا من العناصر الرمزية والطقوسية في المقابر، وربما ساعدت ملك البلاد في رحلته الأخيرة. ويُرجِّح الباحثون أن كهنة المعابد استخدموا هذه الساعات خارج المقابر لضبط الوقت، وربما صُنعت في الأصل على ورق البردي في مكتبات المعابد. لكن هناك مشكلة أساسية تواجه العلماء، فهذه الساعات لا تأتي مع ملاحظات توضيحية لمواقع النجوم المقصودة في سماء الليل، مما يجعل من الصعب فهم كيفية استخدامها. حيث يُوصف موقع كل نجم بالنسبة لجزء من جسم إنسان جالس (مثل القلب أو العينين)، ولكن من غير الواضح أين كان موقع هذا الجزء أثناء عمليات الرصد. ويُصعِّب الأمر أنه بسبب حركة النجوم على مدى آلاف السنين، تغيّرت سماء الليل، مما يُعقِّد جهود مطابقة السجلات القديمة مع مواقع النجوم الحالية. مفهوم الزمن ويعتقد الباحثون أن الراصدين ربما كانوا يشاهدون النجوم وهي تشرق في الشرق أو تعبر خط الزوال، وربما كان الرجل الراكع (في ساعات الرعامسة) يساعد المراقبين على محاذاة خط الزوال من خلال تحديد النقطة المركزية، وربما كان هناك كاهنان، أحدهما يراقب النجوم، والآخر يعمل كنقطة مرجعية. إلا أن ذلك اللغز الذي ظل عصيا على الحل منذ عقود، قد بات قريبا من الحل، حيث إن تلك الساعات النجمية تُقدّم مجموعات بيانات منظمة ومنهجية تُشبه جداول البيانات الحديثة، وبالتالي يمكن أن يستخدم الباحثون النمذجة الحاسوبية والذكاء الاصطناعي لمحاكاة السماوات القديمة، واختبار فرضيات مختلفة حول استخدام ساعات النجوم. بدأ العلماء مشوارهم البحثي قبل عدة أشهر، وينتظر أن تظهر أول النتائج قريبا، وإذا تمكنوا من فك شفرة تلك الساعات، فإن ذلك سيقدم أفكارا ورؤى مهمة حول أصول مفهومنا الحديث للساعة وممارسات ضبط الوقت، وإلى جانب ذلك فإنها تلقي الضوء على كيفية فهم الحضارات القديمة للكون وتمثيلها له.

في الجزائر.. قنافذ بحر تجسد معاناة عمرها 100 مليون سنة
في الجزائر.. قنافذ بحر تجسد معاناة عمرها 100 مليون سنة

الجزيرة

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

في الجزائر.. قنافذ بحر تجسد معاناة عمرها 100 مليون سنة

العثور على حفريات لقنافذ البحر لا يعد إنجازا بحد ذاته، فهي من الكائنات التي يعتاد اكتشافها في أعمال التنقيب، لكن ما يميز الاكتشاف الجزائري، الذي نُشر مؤخرا في دورية"جورنال أوف أفريكان إيرث ساينس"، هو العثور على حفريات تحمل ملامح غير معتادة، تشير إلى تعرضها لتشوهات نادرة ترصد لأول مرة، وكأن الأقدار أرادت أن تكشف بعد مرور أكثر من 100 مليون عام، عما مرت به هذه الكائنات من معاناة تسببت في اضطراب نموها الطبيعي. وصف الباحثون نوعية التشوهات التي وجدت في اثنين من قنافذ البحر التي تنتمي إلى زمن الديناصورات، ليكشفوا عن تفاصيل مذهلة حول نموها، وأسباب تلك التغيرات الغريبة التي طالت أجسامها، وهو ما يسهم ليس فقط في فهم تاريخ الكائنات البحرية القديمة، بل يسلط الضوء على تأثير العوامل البيئية في تشكيل الحياة منذ ملايين السنين، كما يقول خبير متخصص في هذا النوع من الحفريات للجزيرة نت. البداية من جبال بلزمة تعود تفاصيل الاكتشاف إلى جبال بلزمة شمال شرق الجزائر، حيث قام فريق بحثي جزائري تقوده الباحثة سناء بن منصور من قسم الجيولوجيا بجامعة باتنة، بجمع أكثر من 400 عينة من حفريات قنافذ بحر تعود للعصر الطباشيري الأعلى، وتحديدا إلى الزمن السينوماني (نحو 100 مليون سنة مضت)، وتم جمع هذه العينات من موقع "ثنية المنشار" جنوب شرق ولاية باتنة، حيث كانت هذه المنطقة جزءا من بحر دافئ قديم تغمره المياه الاستوائية. وخضعت العينات لفحص مجهري دقيق باستخدام المجهر الثنائي العدسة، وهناك، وسط هذا الكم من الحفريات، برزت عينات غريبة في تكوينها، وهي قنافذ بحر لا تشبه مثيلاتها، حيث كانت ملامحها مختلة، سواء بوجود أجزاء من أجسامها زائدة أو ناقصة، وبعضها يحمل آثار انكماش أو اعوجاج غريب في بنيتها الخارجية. وهي كائنات صغيرة مستديرة الشكل، مغطاة بأشواك صلبة تحميها من المفترسات، وتشبه شكل الكرة الصغيرة، وتتحرك ببطء على الصخور أو الرمال باستخدام أقدام أنبوبية دقيقة. ورغم مظهرها البسيط، فإن لها نظاما عصبيا فريدا، وتلعب دورا بيئيا مهما في توازن الحياة البحرية، خاصة في التحكم بنمو الطحالب والشعاب المرجانية. وتعيش هذه الحيوانات إلى الآن، والحفريات منها شائعة نسبيا، لأن هياكلها الصلبة، خاصة الجزء المعروف بـ"الصدفة" أو "الدرع"، تقاوم التحلل وتحفظ جيدا في الصخور الرسوبية. تشوهات نادرة في التماثل الخماسي وأحد أهم السمات التشريحية لقنافذ البحر وعدد من شوكيات الجلد الأخرى، هو ما يُعرف بـ"التماثل الخماسي"، وهذا يعني أن جسم الكائن مقسم إلى 5 مناطق أو أجزاء متماثلة حول مركز الجسم، وليس إلى الجانبين كما هو الحال في البشر (التماثل الثنائي). ويظهر هذا النمط من التماثل بقنفذ البحر في وجود "5 صفوف من الأقدام الأنبوبية التي تساعد في الحركة والتغذية" و "5 مناطق تُعرف بالأمبولاكرا، وهي جزء من القشرة الصلبة تُوزع فيها الأقدام "، و"5 صفوف من الأشواك المرتبة بشكل متماثل". وقد لاحظ العلماء أن هذا النظام الهندسي الدقيق، الذي طالما استرعى انتباه علماء الأحياء القديمة، كان مضطربا في حالتين من القنافذ الأحفورية التي تمت دراستها، ففي إحدى العينات، ظهر التماثل غير مكتمل، وكأن أحد الأجزاء الخمسة لم يتشكل كما ينبغي، مما أدى إلى عدم توازن في توزيع أجزاء الجسم، وبدا أن أحد الأجزاء في عينة أخرى نما بشكل زائد أو غير متماثل. وكانت التشوهات متمركزة في ما يُعرف بـ"المنطقة الأمبولاكرية"، وهي أحد المكونات الأساسية المرتبطة بالأقدام الأنبوبية والوظائف الحركية للكائن. ولم تكن هذه التشوهات نتيجة تآكل أو تلف لاحق للحفرية، بل نتجت عن خلل حدث أثناء حياة الكائن نفسه، وهذه الملاحظات لم تُسجل من قبل في سجل حفريات الجزائر أو شمال أفريقيا. ويرجح الباحثون أن تكون أسباب هذه التشوهات إما داخلية (مثل طفرات جينية نادرة)، أو خارجية (مثل تقلبات بيئية حادة أو اضطرابات في قاع البحر)، وربما تداخلت العوامل معا أثناء مراحل مبكرة من التطور الجنيني لقنافذ البحر، خاصة خلال الانتقال من طور اليرقة إلى الكائن البالغ. ويوضح الباحثون في دراستهم أن "هذه التشوهات تظهر كيف يمكن لأي اختلال طفيف في البيئة أو الشفرة الجينية أن يحدث تغيرات جذرية في البنية النهائية للكائن". وتُعد هذه أول دراسة توثق تشوهات في حفريات قنافذ بحر بالجزائر، مما يمنحها قيمة علمية خاصة على مستوى شمال أفريقيا، فهي لا تفتح فقط بابا جديدا لدراسة العوامل التي تؤثر على تطور الكائنات البحرية القديمة، بل تسهم أيضا في مقارنة سجل الحفريات بالملاحظات البيولوجية في الكائنات المعاصرة. كما يؤكد الباحثون أن مثل هذه التشوهات تسجل حاليا في قنافذ بحر حديثة تعيش في بيئات ملوثة أو مضطربة، مما يعني أن تحليل هذه الظواهر بالماضي قد يساعد في فهم تأثير التغيرات المناخية والبيئية على الكائنات الحديثة أيضا. وسبق لفرق بحثية أخرى حول العالم تسجيل تشوهات في قنافذ البحر، ولكن بأشكال أخرى، ولأسباب مختلفة غير تلك التي رصدتها الدراسة الجزائرية. وقبل نحو عام، وصف الدكتور معروف عبد الحميد، أستاذ الحفريات بجامعة عين شمس المصرية، تشوهات أثناء دراسته 40 عينة من قنافذ البحر الأحفورية، التي تعود إلى العصر الطباشيري، والتي عُثر عليها في مصر. وكانت أبرز النتائج التي توصل لها الباحث وجود تشوهات في هيكل بعض القنافذ، حيث ظهرت ثقوب غير عادية على قشرتها الصلبة، وانتفاخات في الأجسام، وتجويفات عميقة في أماكن مختلفة، بالإضافة إلى ثقوب غير طبيعية في الأجزاء المسؤولة عن التنفس، وتشير هذه الأعراض إلى أن هذه الكائنات كانت مستهدفة من طفيليات أثناء حياتها، مما تسبب في تدهور نموها الطبيعي. كما حدد الباحث 9 أنواع من التشوهات الناتجة عن نمو غير طبيعي، مع تقديم فرضيات محتملة حول العوامل البيئية والوراثية المسؤولة عنها. وإلى جانب التطفل والعوامل البيئية، كشف الباحث عن أدلة على هجمات مفترسات، حيث تم العثور على ثقوب في الهياكل الصلبة لبعض الأنواع، مما يشير إلى أن قنافذ البحر كانت عرضة للهجوم أثناء وجودها في جحورها، وهذه الهجمات كانت تترك أضرارا جزئية على الهياكل، مما يساهم في فهم سلوك المفترسات بتلك الحقبة. ويقول الدكتور عبد الحميد للجزيرة نت إن التشوهات التي نجح في رصدها، وتلك التي رصدها بعده الفريق الجزائري، توضح أن الحفريات يمكن أن تكشف الكثير عن التفاعلات البيئية القديمة قبل ملايين السنين، ويمكن أن تعطينا دروسا مفيدة لحاضرنا. ويضيف: "إذا نجحنا مثلا في إثبات أن أحد التشوهات كان لأسباب بيئية فقط، فهذا يعني أننا لو عثرنا على قنفذ بحر حديث، ووجدنا به بعض التشوهات، فقد يكون ذلك علامة لوجود مشكلة بيئية، وهو ما أثبته بالفعل باحث إسرائيلي مهتم بقنافذ البحر الحديثة ". ورصد يعقوب دافني، الباحث من جامعة القدس العبرية، نوعا غير معتاد من التشوهات في قنافذ البحر قرب محطة توليد كهرباء وتحلية مياه في خليج العقبة (إيلات) على البحر الأحمر، حيث تعاني المنطقة المحيطة بالمحطة من تلوث شديد نتيجة تصريف المياه الساخنة (الحرارية والمالحة) بالإضافة إلى معادن ثقيلة. وأظهرت الدراسة ، المنشورة قبل نحو 45 عاما، أن أكثر من 60% من القنافذ في هذه المنطقة كانت مصابة بتشوهات ملحوظة، أبرزها انتفاخ غير منتظم في الجزء العلوي من القوقعة، وكان من اللافت أن نسبة ارتفاع القنفذ إلى قطره، وصلت إلى 1.4 في بعض الحالات، مقارنة بنسبة طبيعية تبلغ حوالي 0.53 في المناطق غير الملوثة. كما أظهرت القنافذ المشوهة اتساعا في الفتحة الفموية وزيادة في حجم "فانوس أرسطو"، وهو الهيكل الفكي الداخلي المستخدم للطحن، إلى جانب نقص في عدد الصفائح بين الأذرع مقارنة بنظيراتها السليمة. ويقول الدكتور عبد الحميد: "تبرز هذه الدراسات المتعددة، سواء على القنافذ الأحفورية أو المعاصرة، أهمية هذا الكائن كمؤشر بيئي حساس للتغيرات في النظم البحرية، فمن خلال دراسة تشوهاته، يمكن للعلماء تتبع أثر العوامل البيئية والبيولوجية على الكائنات البحرية، مما يتيح لنا فهما أعمق للتفاعلات بين الكائنات وبيئاتها، وتحذيرا مبكرا من المشكلات البيئية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store