logo
عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم

عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم

العربي الجديدمنذ 5 أيام

بعد مروره في مهرجاني "البندقية" و"تورنتو"، اختار صنّاع المسلسل الدنماركي "عائلات مثلنا" (Families like ours) عرضه على منصّات بثّ مختلفة (حالياً على "
نتفليكس
"). ورغم أن القصّة تدور حول تهديد فيضان في الدنمارك يتسبّب في إخلاء جميع سكانها (واختفائها دولةً)، إلا أنها بعيدة كل البعد عن الصور النمطية لسرديات الكوارث، وتطرح نظرة على الفرد وعلاقته بالمجتمع، وهو ما رأيناه في أعمال أخرى للمخرج توماس فينتربيرغ مثل "الصيد" (2012) و"جولة أخرى" (2020)، الذي نال عنه جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي. وكما هو معتاد في أفلامه، ينتمي أبطال المسلسل إلى الطبقة المتوسطة العليا، ما يسمح في هذا السياق بالشعور بفداحة فقدانهم امتيازاتهم.
في مستقبلٍ غير بعيد، تواجه الدنمارك إخلاءً كاملاً بسبب ارتفاع منسوب المياه. وبينما يستعد السكّان لمغادرة منازلهم، يتعيّن على البطلة، طالبة المدرسة الثانوية، الاختيار بين والديها المطلّقين والشابّ الذي وقعت في حبّه. تبدأ الأحداث في منتصف الصيف الدنماركي، إذ تستمر الحياة كالمعتاد. ولكن كصاعقة من السماء، يتمزّق كل شيء. فجأةً، فقدت جميع الممتلكات قيمتها، وتُركت المنازل والمؤسّسات وحيدةً، بينما اضطرت العائلات والأصدقاء والأحبّاء إلى النزوح. مَن يملكون المال يسافرون إلى دول غنية، بينما يعتمد الأقل حظّاً على دعم الدولة، ويضّطرون إلى الانتقال أينما وُجد مُتسع. الفوضى والانقسام والعجز تطرق الأبواب.
قبل أيام قليلة من بدء عملية الإخلاء، يتلقّى جاكوب (نيكولاي لي كاس)، المهندس المعماري الناجح، إشعاراً من صهره الدبلوماسي نيكولاي (إسبن سميد)، يسمح له ببيع منزله خلال أيام، نظراً إلى الانهيار الوشيك للنظام المصرفي. رغم كلّ شيء، العملية متحضّرة كما هو متوقّع من دولة إسكندنافية تواجه تهديداً غير مرئي، لا يُلاحَظ إلا في الحلقات الأولى عبر بركٍ كبيرة من الماء على الأرض في الأيام المشمسة. لا يواجه الدنماركيون وضعاً جديداً وهم لاجئون في بلدان أخرى فحسب، بل يواجهون أيضاً فقدان جنسيتهم وهويتهم.
جاكوب مُطلّق من فاني (بابريكا ستين)، الصحافية التي أنجب منها ابنته لورا (أماريليس أوغست)، ويعيش حياة سعيدة مع زوجته الثانية أمالي (هيلين رينغارد نيومان). لكن في الحلقة الثانية، "فصل الغث عن السمين"، تُقرّ لوائح التأشيرة الجديدة، بأن فاني لا تملك الموارد المالية والاستقرار الوظيفي اللازمين للانتقال إلى دول مثل فرنسا أو إنكلترا، وتُخصّص لها شقة مشتركة في رومانيا (كان الخيار الأول في السيناريو هو أوكرانيا، لكن استُبعدت لأسبابٍ واضحة). قبل سنوات، أبدى توماس فينتربيرغ رفضه لسياسات الهجرة التي بدأت تتبنّاها الدنمارك، لذا يعكس "عائلات مثلنا" أيضاً شيئاً من انعدام التضامن الذي تشهده بعض الدول الأوروبية عند اضطرارها إلى استقبال لاجئين دنماركيين.
وكما رأينا في المسلسل البريطاني "الطريق" (2024)، يُشرّد أفراد عائلة عادية، من الطبقة العاملة هذه المرّة، ويضّطرون إلى التضحية بحياتهم. يُواجه نيكولاي وزوجه هنريك (ماغنوس ميلانج) درجة العنف التي قد تُسبّبها مواقف متطرّفة، خاصةً عندما يُفكّران في إمكانية مساعدة شقيقه بيتر (ديفيد دينسيك)، الذي لطالما عادى مثلية شقيقه الأصغر. في هذه الأثناء، تناقش لورا ما إذا كانت ستُرافق والدها إلى فرنسا أم ستبقى مع والدتها في رومانيا. يُقدّم المسلسل بوصفه دراما عائلية تُشبه إلى حدّ كبير أفلام الهجرة الأوروبية الكبرى مثل "بروكلين" (2015، جون كراولي) أو الفيلم السويدي الكلاسيكي "المهاجرون" (1971، يان ترويل). في الواقع، يقيم المخرج في الحلقة الأخيرة مقارنةً مع تحرير الدنمارك عام 1945 بعد خمس سنوات من الاحتلال النازي، وهي لحظة شهدت هجرة جماعية للدنماركيين.
من الحلقة الرابعة، "وداعاً الدنمارك"، تتولّى لورا وصديقها إلياس (ألبرت رودبيك ليندهارت) دوراً أكبر، إذ يمثّلان الأمل في مستقبلٍ يعتمد على الشباب، لكن قصّتهما تنتهي بالوقوع في كليشيهات مبتذلة وتفشل الوافدة الجديدة أماريليس أوغست، ابنة المخرج بيل أوغست، في نقل التحوّل الذي تمرّ به شخصيتها. ومع ذلك، فـ"عائلات مثلنا" دراما مكثفة ومؤثرة للغاية في بعض الأحيان، تثير تأمّلات ذات صلة بمجتمعٍ لا يبدو مستعداً للأزمات الكبرى. لا إشارات إلى جائحة كوفيد-19، رغم أن القصّة بدأت تتشكّل قبل بضع سنوات (كان هناك بعضها في السيناريو ولكن أُزيلت في النهاية). ورغم أن شوارع كوبنهاغن الفارغة في بداية الحلقة الخامسة تذكّرنا على الفور بالإغلاق الصحي.
السيناريو (اشترك المخرج في كتابته مع الشاعر والسيناريست بو هانسن، الذي كتب معه باكورته الإخراجية "أعظم الأبطال"، 1996)، يحمل بعض الحبكات المتوازية التي تبدو معزولة نسبياً، مثل قصّة لوكاس (ماكس كايسن هويروب)، المراهق المتمرّد الذي اختارته، قبل الإخلاء القسري، أكاديمية نادي ليفربول لكرة القدم، ولكن عندما تستدعيه الحكومة الدنماركية، يجب على والدته كريستل (أستا كاما أوغست) الاختيار بين السماح لابنها بالذهاب بمفرده إلى إنكلترا، أو اصطحابه إلى بولندا، حيث خُصّص منزل له. يبدو أن لوكاس يتمتّع بقدرات نفسية معيّنة، لكن هذه الحبكة الفرعية لا تتطوَّر كفايةً. الواضح هنا استمرار بعض الثوابت المشتركة في فيلموغرافيا المخرج: الحفلات، مثل الاحتفال بالعام الجديد، أو الروحانية، وكلاهما يعملان لتعزيز للشعور بالمجتمع، خاصّة في الحلقات الأخيرة. زوجة المخرج، هيلين رينغارد نيومان، التي تؤدّي دور إحدى الشخصيات الرئيسية، هي أيضاً كاهنة في الكنيسة اللوثرية.
سينما ودراما
التحديثات الحية
4 مشاريع أفلام ضمن قائمة "قافلة بين سينمائيات" من بينها فلسطين
ورغم أن المسلسل يتناول كارثة ناجمة عن تغيّر المناخ (عانت الدنمارك من فيضانات عديدة في السنوات الأخيرة)، إلا أن لهجة العمل تبعث على الأمل بشأن قدرة البشر على الصمود والتكيّف مع التغيّرات، بما يتجاوز قرارات الحكومات. فرغم وداع الوطن، لا تزال الأرض تدور. في أماكن كثيرة، ينمو الحبّ أيضاً، ويتصالح الناس، ويبقى أملُ لمّ الشمل حيّاً. دراما عائلية حميمة عن وداع البيت/الوطن وكلّ ما نعرفه، وعن إرادة إنسانية لا تلين للبقاء والأمل والحبّ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم
طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم

هل يمكن لطيارَيْن سياحيين، عسكريين سابقاً، أن يتورّطا في نقل نحو 700 كغم من الكوكايين من الدومينيكان إلى فرنسا؟ هذا السؤال ما زال محطّ جدل في فرنسا، بعد بث السلسلة الوثائقية "طائرة الكوكايين: مهرّبون في الجو" (Cocaine Air: Smugglers at 30,000 Ft.) على منصة نتفليكس أخيراً. الحكاية المعقدة والمتشابكة، تحوي كل عناصر الإثارة: المشاهير، واليمين المتطرف الفرنسي، والمخدرات، والهروب بحراً، وغيرها من المفارقات، إلى حد ظهور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفيلم نفسه يسأل متعجباً: "هل أصبحنا مجانين؟ هل يمكن بعد 40 عاماً من الحياة العامة الظنّ أني مهرّب كوكايين؟". ساركوزي ليس الأغرب في الحكاية التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة: في عام 2013، في مطار بونتا كانا في الدومينيكان، أوقفت طائرة فرنسية، يقطنها أربعة فرنسيين؛ طياران، وراكبان (أحدهما مساعد طيار غير مسجل في الرحلة)، و700 كغم من الكوكايين موزّعة على 26 حقيبة سفر، لكن أنكر الفرنسيون الأربعة معرفتهم بوجودها أو ملكيتها. القضية التي بدأت قصتها عام 2013 وامتدت حتى عام 2021، عقب إطلاق الأحكام على المتهمين. قسمت هذه القضية الرأي العام الفرنسي، بسبب التداخل القضائي بين فرنسا والدومينيكان بدايةً، وأيهما يملك حق إطلاق الأحكام. والسبب الثاني والأوضح، هو الجدل حول براءة أو ذنب المتهمين، إذ حكم بداية على الأربعة في الدومينيكيان لعشرين عاماً عام 2015، يقضونها في الجزيرة نفسها وليس في السجن. حينها، صرح الطيار باسكال فوريت قائلاً: "لقد شُوّهت سُمعتي. لست مهرب مخدرات، لست عضواً في المافيا الكورسيكيّة، أنا بريء، وأطلب من المحكمة الاعتراف بشرفي وحريتي وأن تعيدها لي كاملةً". لاحقاً هرب الطياران نحو فرنسا، وبقي اثنان في الدومينيكان تحت الإقامة الجبرية. في فرنسا، أعيدت محاكمة الطيارَين عام 2019، وأُدينا بست سنوات سجن، لكن طُعن بالقرار وخرجا بريئين عام 2021. أما باقي المتورطين من العاملين في شركة تأجير الطائرات السياحيّة الخاصة، فكلّ نال عقوبة بحسب جرمه، ومساعدته في تهريب الكوكايين عبر الجمارك من دون أن يدري أحد. ازداد عدد المتهمين حين انتقل التحقيق إلى فرنسا، وهكذا ظهر اسم نيكولا ساركوزي ، كونه أحد الذين استخدموا الطائرة، وظهر اسم جان ماري لوبان ، زعيم اليمين المتطرف، الذي أشرف أحد المقربين منه على عملية هروب الطيارَين الهوليوودية. لكن، على رغم التحقيقات، بقي السؤال معلقاً: لمن يعود الكوكايين؟ كيف لا يعلم أي أحد في الطائرة بوجوده؟ نحن أمام 700 كغم من المخدرات وينكر "كل" المتورطين معرفتهم بها. القضية في الدومينيكان كانت محسومة، فحُكم بالسجن على المتورطين، لأنه ببساطة لا يمكن لأربعة أشخاص على متن الطائرة ألا يعلموا ما تحمله المركبة المُحلّقة بهم. لكن كلّ منهم قال: لا أعلم، أو: هذه ليست وظيفتي. وهذا بالضبط يكشف عن العقلية الفرنسية، التي تمسّ حتى في الدوائر الحكومية، وكأن لا أحد يمتلك حساً بالفضول أو الرغبة في المعرفة، خصوصاً أن 700 كغم لا بد أن تؤثر بوزن الطائرة مثلاً، فهل فعلاً لم يخطر على بال الطيارين السؤال عنها؟ ضمن المنطق التقليدي-البيروقراطي في فرنسا، كل يهتم بعمله ووظيفته فقط، وهنا تظهر حجج بعض المتهمين، كالقول: "ليست مهمة الطيار أن يشغل وظيفة الجمارك". لكن أليس كابتن الطيارة هو "السيد" عليها؟ ألم تلفت انتباهه كميات الحقائب التي لا تعود لأحد على الطائرة؟ هذه الحجج لم تقنع المدعي العام في الدومينيكان، ونطق القاضي بالحكم، علماً أن الحكاية غريبة وقد يبدو الحكم متسرّعاً، لكن لا يمكن إنكار هول المصادفة، وسذاجة إنكارها، على الرغم من الماضي المشرّف للطيارَين، فهما، والراكبان الآخران، لم يمسّا المخدرات سابقاً، ولا توجد أي تهمة ضدهم في سجلاتهم. البرنامج الصباحي على تلفزيون فرنسا، استقبل أخيراً مخرجي المسلسل، ليصفا الحكاية بـ"الكوميديا" بسبب المفارقات الهائلة التي اختبراها. مفارقات حيرت الصحافيين الذين عملوا على القضية حين كُشف عنها وتابعوها طوال السنين، وكلهم يتشاركون الشعور بالصدمة والاستغراب. هناك رواية أخرى، اعترف بها فرانك كولين الذي خطط للعملية وتلاعب بـ"الجميع" لتحقيقها، وقد استُقبل في بودكاست عام 2023 يشرح فيه العمليّة وكيف نفذها، وأُطلق سراحه تحت شروط عدم السفر من فرنسا عام 2022. كثير من الأسئلة يمكن طرحها، كتلك التي طرحها الصحافي فيليب لابرو مثلاً مموّل عملية تهريب الطيارين، وإن كان الهدف هو تهريب الفرنسيين، لم تُرك اثنان في السجن في الدومينيكان؟ تُطرح الأسئلة السابقة لأن عملية التهريب وصفت علناً بأنها أُنجزت بفعل "أصدقاء قدامى في الجيش"، ربما كان الأمر بدافع الزمالة أو الالتزام العسكري، لكن لِمَ ساعدهم النائب المحسوب على اليمين المتطرف أمريك شوبرا؟ عملية الهروب هذه وصفها القاضي فيليب بيلغر في مدونة نشرها على حسابه الشخصي بأنها "بعيدة كل البعد عن أن تكون عملية وطنية مشرفة، بل هي إلى حد كبير، عملية هرب من العدالة الدومينيكانيّة". في حين وصفها محامي الطيارين بـ"مبادرات فرديّة، وليس عمل فريق خاص دفعت له الدولة الفرنسيّة"، الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية حينها. عادت القصة اليوم في فرنسا إلى الصحف ونشرات الأخبار، لكن الزمن تغير، والأسماء الشهيرة التي ظهرت في القضية تغيرت أحوالها. نيكولا ساركوزي مدان ومحكوم في قضية "فساد واستغلال نفوذ"، أما اليمين المتطرف الفرنسي فتعرض لضربة قوية بعد إدانة مارين لوبان، ابنة جان مارين، بتهمة اختلاس أموال عامة، والطياران اللذان هربا إلى فرنسا، يتابعان حياتهما بصمت، من دون تصريحات للصحافة.

عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم
عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم

العربي الجديد

timeمنذ 5 أيام

  • العربي الجديد

عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم

بعد مروره في مهرجاني "البندقية" و"تورنتو"، اختار صنّاع المسلسل الدنماركي "عائلات مثلنا" (Families like ours) عرضه على منصّات بثّ مختلفة (حالياً على " نتفليكس "). ورغم أن القصّة تدور حول تهديد فيضان في الدنمارك يتسبّب في إخلاء جميع سكانها (واختفائها دولةً)، إلا أنها بعيدة كل البعد عن الصور النمطية لسرديات الكوارث، وتطرح نظرة على الفرد وعلاقته بالمجتمع، وهو ما رأيناه في أعمال أخرى للمخرج توماس فينتربيرغ مثل "الصيد" (2012) و"جولة أخرى" (2020)، الذي نال عنه جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي. وكما هو معتاد في أفلامه، ينتمي أبطال المسلسل إلى الطبقة المتوسطة العليا، ما يسمح في هذا السياق بالشعور بفداحة فقدانهم امتيازاتهم. في مستقبلٍ غير بعيد، تواجه الدنمارك إخلاءً كاملاً بسبب ارتفاع منسوب المياه. وبينما يستعد السكّان لمغادرة منازلهم، يتعيّن على البطلة، طالبة المدرسة الثانوية، الاختيار بين والديها المطلّقين والشابّ الذي وقعت في حبّه. تبدأ الأحداث في منتصف الصيف الدنماركي، إذ تستمر الحياة كالمعتاد. ولكن كصاعقة من السماء، يتمزّق كل شيء. فجأةً، فقدت جميع الممتلكات قيمتها، وتُركت المنازل والمؤسّسات وحيدةً، بينما اضطرت العائلات والأصدقاء والأحبّاء إلى النزوح. مَن يملكون المال يسافرون إلى دول غنية، بينما يعتمد الأقل حظّاً على دعم الدولة، ويضّطرون إلى الانتقال أينما وُجد مُتسع. الفوضى والانقسام والعجز تطرق الأبواب. قبل أيام قليلة من بدء عملية الإخلاء، يتلقّى جاكوب (نيكولاي لي كاس)، المهندس المعماري الناجح، إشعاراً من صهره الدبلوماسي نيكولاي (إسبن سميد)، يسمح له ببيع منزله خلال أيام، نظراً إلى الانهيار الوشيك للنظام المصرفي. رغم كلّ شيء، العملية متحضّرة كما هو متوقّع من دولة إسكندنافية تواجه تهديداً غير مرئي، لا يُلاحَظ إلا في الحلقات الأولى عبر بركٍ كبيرة من الماء على الأرض في الأيام المشمسة. لا يواجه الدنماركيون وضعاً جديداً وهم لاجئون في بلدان أخرى فحسب، بل يواجهون أيضاً فقدان جنسيتهم وهويتهم. جاكوب مُطلّق من فاني (بابريكا ستين)، الصحافية التي أنجب منها ابنته لورا (أماريليس أوغست)، ويعيش حياة سعيدة مع زوجته الثانية أمالي (هيلين رينغارد نيومان). لكن في الحلقة الثانية، "فصل الغث عن السمين"، تُقرّ لوائح التأشيرة الجديدة، بأن فاني لا تملك الموارد المالية والاستقرار الوظيفي اللازمين للانتقال إلى دول مثل فرنسا أو إنكلترا، وتُخصّص لها شقة مشتركة في رومانيا (كان الخيار الأول في السيناريو هو أوكرانيا، لكن استُبعدت لأسبابٍ واضحة). قبل سنوات، أبدى توماس فينتربيرغ رفضه لسياسات الهجرة التي بدأت تتبنّاها الدنمارك، لذا يعكس "عائلات مثلنا" أيضاً شيئاً من انعدام التضامن الذي تشهده بعض الدول الأوروبية عند اضطرارها إلى استقبال لاجئين دنماركيين. وكما رأينا في المسلسل البريطاني "الطريق" (2024)، يُشرّد أفراد عائلة عادية، من الطبقة العاملة هذه المرّة، ويضّطرون إلى التضحية بحياتهم. يُواجه نيكولاي وزوجه هنريك (ماغنوس ميلانج) درجة العنف التي قد تُسبّبها مواقف متطرّفة، خاصةً عندما يُفكّران في إمكانية مساعدة شقيقه بيتر (ديفيد دينسيك)، الذي لطالما عادى مثلية شقيقه الأصغر. في هذه الأثناء، تناقش لورا ما إذا كانت ستُرافق والدها إلى فرنسا أم ستبقى مع والدتها في رومانيا. يُقدّم المسلسل بوصفه دراما عائلية تُشبه إلى حدّ كبير أفلام الهجرة الأوروبية الكبرى مثل "بروكلين" (2015، جون كراولي) أو الفيلم السويدي الكلاسيكي "المهاجرون" (1971، يان ترويل). في الواقع، يقيم المخرج في الحلقة الأخيرة مقارنةً مع تحرير الدنمارك عام 1945 بعد خمس سنوات من الاحتلال النازي، وهي لحظة شهدت هجرة جماعية للدنماركيين. من الحلقة الرابعة، "وداعاً الدنمارك"، تتولّى لورا وصديقها إلياس (ألبرت رودبيك ليندهارت) دوراً أكبر، إذ يمثّلان الأمل في مستقبلٍ يعتمد على الشباب، لكن قصّتهما تنتهي بالوقوع في كليشيهات مبتذلة وتفشل الوافدة الجديدة أماريليس أوغست، ابنة المخرج بيل أوغست، في نقل التحوّل الذي تمرّ به شخصيتها. ومع ذلك، فـ"عائلات مثلنا" دراما مكثفة ومؤثرة للغاية في بعض الأحيان، تثير تأمّلات ذات صلة بمجتمعٍ لا يبدو مستعداً للأزمات الكبرى. لا إشارات إلى جائحة كوفيد-19، رغم أن القصّة بدأت تتشكّل قبل بضع سنوات (كان هناك بعضها في السيناريو ولكن أُزيلت في النهاية). ورغم أن شوارع كوبنهاغن الفارغة في بداية الحلقة الخامسة تذكّرنا على الفور بالإغلاق الصحي. السيناريو (اشترك المخرج في كتابته مع الشاعر والسيناريست بو هانسن، الذي كتب معه باكورته الإخراجية "أعظم الأبطال"، 1996)، يحمل بعض الحبكات المتوازية التي تبدو معزولة نسبياً، مثل قصّة لوكاس (ماكس كايسن هويروب)، المراهق المتمرّد الذي اختارته، قبل الإخلاء القسري، أكاديمية نادي ليفربول لكرة القدم، ولكن عندما تستدعيه الحكومة الدنماركية، يجب على والدته كريستل (أستا كاما أوغست) الاختيار بين السماح لابنها بالذهاب بمفرده إلى إنكلترا، أو اصطحابه إلى بولندا، حيث خُصّص منزل له. يبدو أن لوكاس يتمتّع بقدرات نفسية معيّنة، لكن هذه الحبكة الفرعية لا تتطوَّر كفايةً. الواضح هنا استمرار بعض الثوابت المشتركة في فيلموغرافيا المخرج: الحفلات، مثل الاحتفال بالعام الجديد، أو الروحانية، وكلاهما يعملان لتعزيز للشعور بالمجتمع، خاصّة في الحلقات الأخيرة. زوجة المخرج، هيلين رينغارد نيومان، التي تؤدّي دور إحدى الشخصيات الرئيسية، هي أيضاً كاهنة في الكنيسة اللوثرية. سينما ودراما التحديثات الحية 4 مشاريع أفلام ضمن قائمة "قافلة بين سينمائيات" من بينها فلسطين ورغم أن المسلسل يتناول كارثة ناجمة عن تغيّر المناخ (عانت الدنمارك من فيضانات عديدة في السنوات الأخيرة)، إلا أن لهجة العمل تبعث على الأمل بشأن قدرة البشر على الصمود والتكيّف مع التغيّرات، بما يتجاوز قرارات الحكومات. فرغم وداع الوطن، لا تزال الأرض تدور. في أماكن كثيرة، ينمو الحبّ أيضاً، ويتصالح الناس، ويبقى أملُ لمّ الشمل حيّاً. دراما عائلية حميمة عن وداع البيت/الوطن وكلّ ما نعرفه، وعن إرادة إنسانية لا تلين للبقاء والأمل والحبّ.

أجندة مزدحمة للفنانين المصريين في مهرجانات غنائية وسينمائية عربية
أجندة مزدحمة للفنانين المصريين في مهرجانات غنائية وسينمائية عربية

العربي الجديد

time٠٨-٠٦-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

أجندة مزدحمة للفنانين المصريين في مهرجانات غنائية وسينمائية عربية

تشهد المهرجانات العربية ، سواء السينمائية أو الغنائية، المقرّر انطلاقها خلال شهر يونيو/ حزيران الحالي، حضوراً مصرياً بارزاً، إذ يحضر الفنانون المصريون في الحفلات، وفي لجان التحكيم، والتكريمات، والتنافس بالأفلام في المسابقات الرسمية. ففي مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، الذي تُقام دورته السادسة بين 13 و20 يونيو/ حزيران الجاري في مدينة الدار البيضاء المغربية، أُعلن انضمام الفنان باسم سمرة إلى لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، بينما تشارك الفنانة شيري عادل في لجنة تحكيم الأفلام القصيرة. كذلك تقرر تكريم الفنان أحمد حلمي عن مجمل أعماله ومسيرته الفنية خلال فعاليات الدورة الحالية. أما في الجانب الغنائي، فيشارك الفنان تامر عاشور في الدورة العشرين من مهرجان موازين الموسيقي، الذي ينطلق بين 19 و28 يونيو/ حزيران في الرباط، حيث يحيي حفله في الـ24 من الشهر نفسه. كذلك يُحيي عاشور حفلاً آخر ضمن مهرجان "ليلة العمر" في الكويت يوم 13 يونيو/ حزيران، إلى جانب المطرب تامر حسني. كذلك يشهد مهرجان موازين أيضاً مشاركة كل من الفنانة كارمن سليمان، التي تفتتح فعالياته بحفل على خشبة المسرح الوطني محمد الخامس، والمغنية روبي التي تظهر لأول مرة في المهرجان بحفل يوم 20 يونيو على منصة النهضة. وتُسجل النجمة شيرين عبد الوهاب عودتها إلى الساحة من خلال حفل يقام يوم 28 يونيو، فيما يُحيي المطرب محمد حماقي حفله يوم 21 يونيو على المنصة نفسها. في السياق السينمائي، تشارك الممثلتان المصريتان، ناهد السباعي وندى وحيد، في عضوية لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة ضمن فعاليات مهرجان القدس للسينما العربية، المقام من 24 إلى 29 يونيو الحالي. وعلى صعيد مشاركة الأفلام المصرية، يُعرض الفيلم القصير "قفلة" ضمن المسابقة الرسمية للدورة الـ37 من مهرجان بالم سبرينغز السينمائي الدولي، الذي يُقام من 24 إلى 30 يونيو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ويُعد مؤهلاً لجوائز الأوسكار والبافتا وجويا الإسبانية. ويُشارك في مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي أيضاً فيلمان مصريان: "ضي سيرة أهل الضي" و"رفعت عيني للسما"، بينما يُعرض الأخير أيضاً في مهرجان القدس للسينما العربية، بعد مشاركته في عدة مهرجانات وحصده عدداً من الجوائز. موسيقى التحديثات الحية من المهرجانات إلى الراب: عودة إجبارية إلى الأصوات الشعبية كذلك يتضمن مهرجان القدس ستة أفلام مصرية قصيرة، هي: "الأيدي الناعمة"، "عند الكشك"، "نهار عابر"، "عقبالك يا قلبي"، "تفاحة"، و"أعز الناس". ومن جهته، يشارك فيلم "قصة الخريف" في عرضه العالمي الأول ضمن مهرجان خريبكة الدولي للسينما الأفريقية في المغرب، الذي يُقام في دورته الـ25 بين 21 و28 يونيو. الفيلم من بطولة يوسف عثمان، بثينة حجار، أشرف مهدي، عماد إسماعيل، ماري جرجس، وندى الشاذلي، ومن إخراج كريم مكرم. بهذا الزخم، يؤكد الفنانون المصريون حضورهم القوي والفاعل على خريطة المهرجانات العربية، إن مبدعين أو منافسين أو مكرّمين، ما يعكس استمرار التأثير المصري في المشهدين السينمائي والغنائي العربي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store