logo
طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم

طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم

العربي الجديدمنذ 2 أيام

هل يمكن لطيارَيْن سياحيين، عسكريين سابقاً، أن يتورّطا في نقل نحو 700 كغم من الكوكايين من الدومينيكان إلى فرنسا؟ هذا السؤال ما زال محطّ جدل في فرنسا، بعد بث السلسلة الوثائقية "طائرة الكوكايين: مهرّبون في الجو" (Cocaine Air: Smugglers at 30,000 Ft.) على منصة
نتفليكس
أخيراً. الحكاية المعقدة والمتشابكة، تحوي كل عناصر الإثارة: المشاهير، واليمين المتطرف الفرنسي، والمخدرات، والهروب بحراً، وغيرها من المفارقات، إلى حد ظهور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفيلم نفسه يسأل متعجباً: "هل أصبحنا مجانين؟ هل يمكن بعد 40 عاماً من الحياة العامة الظنّ أني مهرّب كوكايين؟".
ساركوزي ليس الأغرب في الحكاية التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة: في عام 2013، في مطار بونتا كانا في الدومينيكان، أوقفت طائرة فرنسية، يقطنها أربعة فرنسيين؛ طياران، وراكبان (أحدهما مساعد طيار غير مسجل في الرحلة)، و700 كغم من الكوكايين موزّعة على 26 حقيبة سفر، لكن أنكر الفرنسيون الأربعة معرفتهم بوجودها أو ملكيتها.
القضية التي بدأت قصتها عام 2013 وامتدت حتى عام 2021، عقب إطلاق الأحكام على المتهمين. قسمت هذه القضية الرأي العام الفرنسي، بسبب التداخل القضائي بين فرنسا والدومينيكان بدايةً، وأيهما يملك حق إطلاق الأحكام. والسبب الثاني والأوضح، هو الجدل حول براءة أو ذنب المتهمين، إذ حكم بداية على الأربعة في الدومينيكيان لعشرين عاماً عام 2015، يقضونها في الجزيرة نفسها وليس في السجن. حينها، صرح الطيار باسكال فوريت قائلاً: "لقد شُوّهت سُمعتي. لست مهرب مخدرات، لست عضواً في المافيا الكورسيكيّة، أنا بريء، وأطلب من المحكمة الاعتراف بشرفي وحريتي وأن تعيدها لي كاملةً".
لاحقاً هرب الطياران نحو فرنسا، وبقي اثنان في الدومينيكان تحت الإقامة الجبرية. في فرنسا، أعيدت محاكمة الطيارَين عام 2019، وأُدينا بست سنوات سجن، لكن طُعن بالقرار وخرجا بريئين عام 2021. أما باقي المتورطين من العاملين في شركة تأجير الطائرات السياحيّة الخاصة، فكلّ نال عقوبة بحسب جرمه، ومساعدته في تهريب الكوكايين عبر الجمارك من دون أن يدري أحد.
ازداد عدد المتهمين حين انتقل التحقيق إلى فرنسا، وهكذا ظهر اسم
نيكولا ساركوزي
، كونه أحد الذين استخدموا الطائرة، وظهر اسم
جان ماري لوبان
، زعيم اليمين المتطرف، الذي أشرف أحد المقربين منه على عملية هروب الطيارَين الهوليوودية. لكن، على رغم التحقيقات، بقي السؤال معلقاً: لمن يعود الكوكايين؟ كيف لا يعلم أي أحد في الطائرة بوجوده؟ نحن أمام 700 كغم من المخدرات وينكر "كل" المتورطين معرفتهم بها.
القضية في الدومينيكان كانت محسومة، فحُكم بالسجن على المتورطين، لأنه ببساطة لا يمكن لأربعة أشخاص على متن الطائرة ألا يعلموا ما تحمله المركبة المُحلّقة بهم. لكن كلّ منهم قال: لا أعلم، أو: هذه ليست وظيفتي. وهذا بالضبط يكشف عن العقلية الفرنسية، التي تمسّ حتى في الدوائر الحكومية، وكأن لا أحد يمتلك حساً بالفضول أو الرغبة في المعرفة، خصوصاً أن 700 كغم لا بد أن تؤثر بوزن الطائرة مثلاً، فهل فعلاً لم يخطر على بال الطيارين السؤال عنها؟
ضمن المنطق التقليدي-البيروقراطي في فرنسا، كل يهتم بعمله ووظيفته فقط، وهنا تظهر حجج بعض المتهمين، كالقول: "ليست مهمة الطيار أن يشغل وظيفة الجمارك". لكن أليس كابتن الطيارة هو "السيد" عليها؟ ألم تلفت انتباهه كميات الحقائب التي لا تعود لأحد على الطائرة؟ هذه الحجج لم تقنع المدعي العام في الدومينيكان، ونطق القاضي بالحكم، علماً أن الحكاية غريبة وقد يبدو الحكم متسرّعاً، لكن لا يمكن إنكار هول المصادفة، وسذاجة إنكارها، على الرغم من الماضي المشرّف للطيارَين، فهما، والراكبان الآخران، لم يمسّا المخدرات سابقاً، ولا توجد أي تهمة ضدهم في سجلاتهم.
البرنامج الصباحي على تلفزيون فرنسا، استقبل أخيراً مخرجي المسلسل، ليصفا الحكاية بـ"الكوميديا" بسبب المفارقات الهائلة التي اختبراها. مفارقات حيرت الصحافيين الذين عملوا على القضية حين كُشف عنها وتابعوها طوال السنين، وكلهم يتشاركون الشعور بالصدمة والاستغراب.
هناك رواية أخرى، اعترف بها فرانك كولين الذي خطط للعملية وتلاعب بـ"الجميع" لتحقيقها، وقد استُقبل في بودكاست عام 2023 يشرح فيه العمليّة وكيف نفذها، وأُطلق سراحه تحت شروط عدم السفر من فرنسا عام 2022. كثير من الأسئلة يمكن طرحها، كتلك التي طرحها الصحافي فيليب لابرو مثلاً مموّل عملية تهريب الطيارين، وإن كان الهدف هو تهريب الفرنسيين، لم تُرك اثنان في السجن في الدومينيكان؟
تُطرح الأسئلة السابقة لأن عملية التهريب وصفت علناً بأنها أُنجزت بفعل "أصدقاء قدامى في الجيش"، ربما كان الأمر بدافع الزمالة أو الالتزام العسكري، لكن لِمَ ساعدهم النائب المحسوب على اليمين المتطرف أمريك شوبرا؟ عملية الهروب هذه وصفها القاضي فيليب بيلغر في مدونة نشرها على حسابه الشخصي بأنها "بعيدة كل البعد عن أن تكون عملية وطنية مشرفة، بل هي إلى حد كبير، عملية هرب من العدالة الدومينيكانيّة". في حين وصفها محامي الطيارين بـ"مبادرات فرديّة، وليس عمل فريق خاص دفعت له الدولة الفرنسيّة"، الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية حينها.
عادت القصة اليوم في فرنسا إلى الصحف ونشرات الأخبار، لكن الزمن تغير، والأسماء الشهيرة التي ظهرت في القضية تغيرت أحوالها. نيكولا ساركوزي مدان ومحكوم في قضية "فساد واستغلال نفوذ"، أما اليمين المتطرف الفرنسي فتعرض لضربة قوية بعد إدانة مارين لوبان، ابنة جان مارين، بتهمة اختلاس أموال عامة، والطياران اللذان هربا إلى فرنسا، يتابعان حياتهما بصمت، من دون تصريحات للصحافة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم
طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

طائرة الكوكايين... مؤامرة تحلّق على ارتفاع 30 ألف قدم

هل يمكن لطيارَيْن سياحيين، عسكريين سابقاً، أن يتورّطا في نقل نحو 700 كغم من الكوكايين من الدومينيكان إلى فرنسا؟ هذا السؤال ما زال محطّ جدل في فرنسا، بعد بث السلسلة الوثائقية "طائرة الكوكايين: مهرّبون في الجو" (Cocaine Air: Smugglers at 30,000 Ft.) على منصة نتفليكس أخيراً. الحكاية المعقدة والمتشابكة، تحوي كل عناصر الإثارة: المشاهير، واليمين المتطرف الفرنسي، والمخدرات، والهروب بحراً، وغيرها من المفارقات، إلى حد ظهور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفيلم نفسه يسأل متعجباً: "هل أصبحنا مجانين؟ هل يمكن بعد 40 عاماً من الحياة العامة الظنّ أني مهرّب كوكايين؟". ساركوزي ليس الأغرب في الحكاية التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة: في عام 2013، في مطار بونتا كانا في الدومينيكان، أوقفت طائرة فرنسية، يقطنها أربعة فرنسيين؛ طياران، وراكبان (أحدهما مساعد طيار غير مسجل في الرحلة)، و700 كغم من الكوكايين موزّعة على 26 حقيبة سفر، لكن أنكر الفرنسيون الأربعة معرفتهم بوجودها أو ملكيتها. القضية التي بدأت قصتها عام 2013 وامتدت حتى عام 2021، عقب إطلاق الأحكام على المتهمين. قسمت هذه القضية الرأي العام الفرنسي، بسبب التداخل القضائي بين فرنسا والدومينيكان بدايةً، وأيهما يملك حق إطلاق الأحكام. والسبب الثاني والأوضح، هو الجدل حول براءة أو ذنب المتهمين، إذ حكم بداية على الأربعة في الدومينيكيان لعشرين عاماً عام 2015، يقضونها في الجزيرة نفسها وليس في السجن. حينها، صرح الطيار باسكال فوريت قائلاً: "لقد شُوّهت سُمعتي. لست مهرب مخدرات، لست عضواً في المافيا الكورسيكيّة، أنا بريء، وأطلب من المحكمة الاعتراف بشرفي وحريتي وأن تعيدها لي كاملةً". لاحقاً هرب الطياران نحو فرنسا، وبقي اثنان في الدومينيكان تحت الإقامة الجبرية. في فرنسا، أعيدت محاكمة الطيارَين عام 2019، وأُدينا بست سنوات سجن، لكن طُعن بالقرار وخرجا بريئين عام 2021. أما باقي المتورطين من العاملين في شركة تأجير الطائرات السياحيّة الخاصة، فكلّ نال عقوبة بحسب جرمه، ومساعدته في تهريب الكوكايين عبر الجمارك من دون أن يدري أحد. ازداد عدد المتهمين حين انتقل التحقيق إلى فرنسا، وهكذا ظهر اسم نيكولا ساركوزي ، كونه أحد الذين استخدموا الطائرة، وظهر اسم جان ماري لوبان ، زعيم اليمين المتطرف، الذي أشرف أحد المقربين منه على عملية هروب الطيارَين الهوليوودية. لكن، على رغم التحقيقات، بقي السؤال معلقاً: لمن يعود الكوكايين؟ كيف لا يعلم أي أحد في الطائرة بوجوده؟ نحن أمام 700 كغم من المخدرات وينكر "كل" المتورطين معرفتهم بها. القضية في الدومينيكان كانت محسومة، فحُكم بالسجن على المتورطين، لأنه ببساطة لا يمكن لأربعة أشخاص على متن الطائرة ألا يعلموا ما تحمله المركبة المُحلّقة بهم. لكن كلّ منهم قال: لا أعلم، أو: هذه ليست وظيفتي. وهذا بالضبط يكشف عن العقلية الفرنسية، التي تمسّ حتى في الدوائر الحكومية، وكأن لا أحد يمتلك حساً بالفضول أو الرغبة في المعرفة، خصوصاً أن 700 كغم لا بد أن تؤثر بوزن الطائرة مثلاً، فهل فعلاً لم يخطر على بال الطيارين السؤال عنها؟ ضمن المنطق التقليدي-البيروقراطي في فرنسا، كل يهتم بعمله ووظيفته فقط، وهنا تظهر حجج بعض المتهمين، كالقول: "ليست مهمة الطيار أن يشغل وظيفة الجمارك". لكن أليس كابتن الطيارة هو "السيد" عليها؟ ألم تلفت انتباهه كميات الحقائب التي لا تعود لأحد على الطائرة؟ هذه الحجج لم تقنع المدعي العام في الدومينيكان، ونطق القاضي بالحكم، علماً أن الحكاية غريبة وقد يبدو الحكم متسرّعاً، لكن لا يمكن إنكار هول المصادفة، وسذاجة إنكارها، على الرغم من الماضي المشرّف للطيارَين، فهما، والراكبان الآخران، لم يمسّا المخدرات سابقاً، ولا توجد أي تهمة ضدهم في سجلاتهم. البرنامج الصباحي على تلفزيون فرنسا، استقبل أخيراً مخرجي المسلسل، ليصفا الحكاية بـ"الكوميديا" بسبب المفارقات الهائلة التي اختبراها. مفارقات حيرت الصحافيين الذين عملوا على القضية حين كُشف عنها وتابعوها طوال السنين، وكلهم يتشاركون الشعور بالصدمة والاستغراب. هناك رواية أخرى، اعترف بها فرانك كولين الذي خطط للعملية وتلاعب بـ"الجميع" لتحقيقها، وقد استُقبل في بودكاست عام 2023 يشرح فيه العمليّة وكيف نفذها، وأُطلق سراحه تحت شروط عدم السفر من فرنسا عام 2022. كثير من الأسئلة يمكن طرحها، كتلك التي طرحها الصحافي فيليب لابرو مثلاً مموّل عملية تهريب الطيارين، وإن كان الهدف هو تهريب الفرنسيين، لم تُرك اثنان في السجن في الدومينيكان؟ تُطرح الأسئلة السابقة لأن عملية التهريب وصفت علناً بأنها أُنجزت بفعل "أصدقاء قدامى في الجيش"، ربما كان الأمر بدافع الزمالة أو الالتزام العسكري، لكن لِمَ ساعدهم النائب المحسوب على اليمين المتطرف أمريك شوبرا؟ عملية الهروب هذه وصفها القاضي فيليب بيلغر في مدونة نشرها على حسابه الشخصي بأنها "بعيدة كل البعد عن أن تكون عملية وطنية مشرفة، بل هي إلى حد كبير، عملية هرب من العدالة الدومينيكانيّة". في حين وصفها محامي الطيارين بـ"مبادرات فرديّة، وليس عمل فريق خاص دفعت له الدولة الفرنسيّة"، الأمر الذي أكدته وزارة الخارجية حينها. عادت القصة اليوم في فرنسا إلى الصحف ونشرات الأخبار، لكن الزمن تغير، والأسماء الشهيرة التي ظهرت في القضية تغيرت أحوالها. نيكولا ساركوزي مدان ومحكوم في قضية "فساد واستغلال نفوذ"، أما اليمين المتطرف الفرنسي فتعرض لضربة قوية بعد إدانة مارين لوبان، ابنة جان مارين، بتهمة اختلاس أموال عامة، والطياران اللذان هربا إلى فرنسا، يتابعان حياتهما بصمت، من دون تصريحات للصحافة.

عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم
عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم

العربي الجديد

timeمنذ 5 أيام

  • العربي الجديد

عائلات مثلنا: بينما يستعد سكّان الدنمارك لمغادرة منازلهم

بعد مروره في مهرجاني "البندقية" و"تورنتو"، اختار صنّاع المسلسل الدنماركي "عائلات مثلنا" (Families like ours) عرضه على منصّات بثّ مختلفة (حالياً على " نتفليكس "). ورغم أن القصّة تدور حول تهديد فيضان في الدنمارك يتسبّب في إخلاء جميع سكانها (واختفائها دولةً)، إلا أنها بعيدة كل البعد عن الصور النمطية لسرديات الكوارث، وتطرح نظرة على الفرد وعلاقته بالمجتمع، وهو ما رأيناه في أعمال أخرى للمخرج توماس فينتربيرغ مثل "الصيد" (2012) و"جولة أخرى" (2020)، الذي نال عنه جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي. وكما هو معتاد في أفلامه، ينتمي أبطال المسلسل إلى الطبقة المتوسطة العليا، ما يسمح في هذا السياق بالشعور بفداحة فقدانهم امتيازاتهم. في مستقبلٍ غير بعيد، تواجه الدنمارك إخلاءً كاملاً بسبب ارتفاع منسوب المياه. وبينما يستعد السكّان لمغادرة منازلهم، يتعيّن على البطلة، طالبة المدرسة الثانوية، الاختيار بين والديها المطلّقين والشابّ الذي وقعت في حبّه. تبدأ الأحداث في منتصف الصيف الدنماركي، إذ تستمر الحياة كالمعتاد. ولكن كصاعقة من السماء، يتمزّق كل شيء. فجأةً، فقدت جميع الممتلكات قيمتها، وتُركت المنازل والمؤسّسات وحيدةً، بينما اضطرت العائلات والأصدقاء والأحبّاء إلى النزوح. مَن يملكون المال يسافرون إلى دول غنية، بينما يعتمد الأقل حظّاً على دعم الدولة، ويضّطرون إلى الانتقال أينما وُجد مُتسع. الفوضى والانقسام والعجز تطرق الأبواب. قبل أيام قليلة من بدء عملية الإخلاء، يتلقّى جاكوب (نيكولاي لي كاس)، المهندس المعماري الناجح، إشعاراً من صهره الدبلوماسي نيكولاي (إسبن سميد)، يسمح له ببيع منزله خلال أيام، نظراً إلى الانهيار الوشيك للنظام المصرفي. رغم كلّ شيء، العملية متحضّرة كما هو متوقّع من دولة إسكندنافية تواجه تهديداً غير مرئي، لا يُلاحَظ إلا في الحلقات الأولى عبر بركٍ كبيرة من الماء على الأرض في الأيام المشمسة. لا يواجه الدنماركيون وضعاً جديداً وهم لاجئون في بلدان أخرى فحسب، بل يواجهون أيضاً فقدان جنسيتهم وهويتهم. جاكوب مُطلّق من فاني (بابريكا ستين)، الصحافية التي أنجب منها ابنته لورا (أماريليس أوغست)، ويعيش حياة سعيدة مع زوجته الثانية أمالي (هيلين رينغارد نيومان). لكن في الحلقة الثانية، "فصل الغث عن السمين"، تُقرّ لوائح التأشيرة الجديدة، بأن فاني لا تملك الموارد المالية والاستقرار الوظيفي اللازمين للانتقال إلى دول مثل فرنسا أو إنكلترا، وتُخصّص لها شقة مشتركة في رومانيا (كان الخيار الأول في السيناريو هو أوكرانيا، لكن استُبعدت لأسبابٍ واضحة). قبل سنوات، أبدى توماس فينتربيرغ رفضه لسياسات الهجرة التي بدأت تتبنّاها الدنمارك، لذا يعكس "عائلات مثلنا" أيضاً شيئاً من انعدام التضامن الذي تشهده بعض الدول الأوروبية عند اضطرارها إلى استقبال لاجئين دنماركيين. وكما رأينا في المسلسل البريطاني "الطريق" (2024)، يُشرّد أفراد عائلة عادية، من الطبقة العاملة هذه المرّة، ويضّطرون إلى التضحية بحياتهم. يُواجه نيكولاي وزوجه هنريك (ماغنوس ميلانج) درجة العنف التي قد تُسبّبها مواقف متطرّفة، خاصةً عندما يُفكّران في إمكانية مساعدة شقيقه بيتر (ديفيد دينسيك)، الذي لطالما عادى مثلية شقيقه الأصغر. في هذه الأثناء، تناقش لورا ما إذا كانت ستُرافق والدها إلى فرنسا أم ستبقى مع والدتها في رومانيا. يُقدّم المسلسل بوصفه دراما عائلية تُشبه إلى حدّ كبير أفلام الهجرة الأوروبية الكبرى مثل "بروكلين" (2015، جون كراولي) أو الفيلم السويدي الكلاسيكي "المهاجرون" (1971، يان ترويل). في الواقع، يقيم المخرج في الحلقة الأخيرة مقارنةً مع تحرير الدنمارك عام 1945 بعد خمس سنوات من الاحتلال النازي، وهي لحظة شهدت هجرة جماعية للدنماركيين. من الحلقة الرابعة، "وداعاً الدنمارك"، تتولّى لورا وصديقها إلياس (ألبرت رودبيك ليندهارت) دوراً أكبر، إذ يمثّلان الأمل في مستقبلٍ يعتمد على الشباب، لكن قصّتهما تنتهي بالوقوع في كليشيهات مبتذلة وتفشل الوافدة الجديدة أماريليس أوغست، ابنة المخرج بيل أوغست، في نقل التحوّل الذي تمرّ به شخصيتها. ومع ذلك، فـ"عائلات مثلنا" دراما مكثفة ومؤثرة للغاية في بعض الأحيان، تثير تأمّلات ذات صلة بمجتمعٍ لا يبدو مستعداً للأزمات الكبرى. لا إشارات إلى جائحة كوفيد-19، رغم أن القصّة بدأت تتشكّل قبل بضع سنوات (كان هناك بعضها في السيناريو ولكن أُزيلت في النهاية). ورغم أن شوارع كوبنهاغن الفارغة في بداية الحلقة الخامسة تذكّرنا على الفور بالإغلاق الصحي. السيناريو (اشترك المخرج في كتابته مع الشاعر والسيناريست بو هانسن، الذي كتب معه باكورته الإخراجية "أعظم الأبطال"، 1996)، يحمل بعض الحبكات المتوازية التي تبدو معزولة نسبياً، مثل قصّة لوكاس (ماكس كايسن هويروب)، المراهق المتمرّد الذي اختارته، قبل الإخلاء القسري، أكاديمية نادي ليفربول لكرة القدم، ولكن عندما تستدعيه الحكومة الدنماركية، يجب على والدته كريستل (أستا كاما أوغست) الاختيار بين السماح لابنها بالذهاب بمفرده إلى إنكلترا، أو اصطحابه إلى بولندا، حيث خُصّص منزل له. يبدو أن لوكاس يتمتّع بقدرات نفسية معيّنة، لكن هذه الحبكة الفرعية لا تتطوَّر كفايةً. الواضح هنا استمرار بعض الثوابت المشتركة في فيلموغرافيا المخرج: الحفلات، مثل الاحتفال بالعام الجديد، أو الروحانية، وكلاهما يعملان لتعزيز للشعور بالمجتمع، خاصّة في الحلقات الأخيرة. زوجة المخرج، هيلين رينغارد نيومان، التي تؤدّي دور إحدى الشخصيات الرئيسية، هي أيضاً كاهنة في الكنيسة اللوثرية. سينما ودراما التحديثات الحية 4 مشاريع أفلام ضمن قائمة "قافلة بين سينمائيات" من بينها فلسطين ورغم أن المسلسل يتناول كارثة ناجمة عن تغيّر المناخ (عانت الدنمارك من فيضانات عديدة في السنوات الأخيرة)، إلا أن لهجة العمل تبعث على الأمل بشأن قدرة البشر على الصمود والتكيّف مع التغيّرات، بما يتجاوز قرارات الحكومات. فرغم وداع الوطن، لا تزال الأرض تدور. في أماكن كثيرة، ينمو الحبّ أيضاً، ويتصالح الناس، ويبقى أملُ لمّ الشمل حيّاً. دراما عائلية حميمة عن وداع البيت/الوطن وكلّ ما نعرفه، وعن إرادة إنسانية لا تلين للبقاء والأمل والحبّ.

استوديو غيبلي يحتفل بـ40 عاماً على تأسيسه وسط مخاوف حول مستقبله
استوديو غيبلي يحتفل بـ40 عاماً على تأسيسه وسط مخاوف حول مستقبله

العربي الجديد

time٠٦-٠٦-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

استوديو غيبلي يحتفل بـ40 عاماً على تأسيسه وسط مخاوف حول مستقبله

يحتفل استوديو غيبلي هذا الشهر بمرور 40 عاماً على تأسيسه، نجح خلالها بتحقيق جائزتَي أوسكار وبناء قاعدة جماهيرية واسعة من الصغار والكبار، المعجبين بقصصه المعقدة ورسومه المتحركة المنجزة يدوياً. في الوقت نفسه، يواجه الاستوديو مستقبلاً غامضاً، إذ يرجح أن يكون فيلم "ذا بوي أند ذا هيرون" آخر أعمال المؤسّس المشارك الشهير هاياو ميازاكي، الذي يبلغ 84 عاماً، بحسب وكالة فرانس برس. أصبح الاستوديو الذي قدّم فيلم "سبيريتد أواي" الحائز على جائزة الأوسكار، ظاهرة ثقافية منذ أن أسّسه هاياو ميازاكي والراحل إيساو تاكاهاتا عام 1985. وقد ازدادت شعبيته مؤخراً بعد فوز فيلم "ذا بوي أند ذا هيرون" بجائزة أوسكار عام 2024، وببث منصة نتفليكس لأفلام استوديو غيبلي حول العالم. وقعت البريطانية جوليا سانتيلي، البالغة من العمر 26 عاماً والمقيمة في شمال اليابان، في غرام استوديو غيبلي بعد مشاهدتها فيلم "سبيريتد أواي" الكلاسيكي الصادر عام 2001 في طفولتها، وقالت لوكالة فرانس برس: "من وقتها بدأتُ بجمع جميع أفلامهم". بدورها، قالت مارغوت ديفال، إحدى المعجبات بأفلام غيبلي والبالغة من العمر 26 عاماً: "قصص غيبلي آسرة للغاية، والأعمال الفنية مذهلة"، وأضافت: "ربما أشاهد فيلم سبيريتد أواي نحو 10 مرات في السنة". سينما ودراما التحديثات الحية "نتفليكس" تستعرض أحدث عروضها في فعاليات "تودوم" "نفحة من الموت" قبل ظهور استوديو غيبلي، كانت معظم الرسوم المتحركة في اليابان، المعروفة بالأنيمي، تُصنع للأطفال. لكن ميازاكي وتاكاهاتا، وكلاهما من "الجيل الذي عرف الحرب"، أضافا عناصر أكثر قتامة تجذب الكبار، وفقاً لما قاله غورو، نجل ميازاكي، لوكالة فرانس برس. كما رأى الابن الذي يعمل مخرجاً في "غيبلي" أيضاً أن هناك "نفحة من الموت" في الأفلام، مضيفاً: "ليس كل شيء حلواً، فهناك أيضاً مرارة وأشياء من هذا القبيل تتشابك على نحوٍ جميل في العمل". واعتبر غورو ميازاكي أنّه "من المستحيل بالنسبة للشباب الذين نشأوا في زمن السلم، ابتكار عمل بنفس الإحساس والنهج والموقف"، كما لفت إلى أن فيلماً مثل "ماي نايبور توتورو"، يقدم مخلوقات لطيفة الشكل، لكنّه "مرعبٌ إلى حدٍ ما"، فهو يستكشف خوف أطفال من فقدان أمهم المريضة. وهي نظرة تتوافق مع رأي الأستاذة في جامعة تافتس في الولايات المتحدة ومؤلفة كتاب "عالم ميازاكي: حياة في الفن"، سوزان نابير، التي قالت لـ"فرانس برس": "في أفلام استوديو غيبلي، تجد غموضاً وتعقيداً، بالإضافة إلى رغبة في إدراك أن الظلام والنور غالباً ما ينسجمان"، وذلك على العكس من أفلام الرسوم المتحركة الأميركية التي تتناول الخير والشر بحدود واضحة بينهما. على سبيل المثال، فيلم "ناوسيكا" الذي تدور أحداثه بعد نهاية العالم، ويُعتبر أول فيلم من إنتاج استوديو غيبلي رغم إصداره عام 1984، لا يتضمن شريراً واضحاً، بحسب نابير، التي أشارت إلى أن الفيلم "يروي قصة أميرة مستقلة فضولية تجاه الحشرات العملاقة والغابة السامة" بدا "جديداً للغاية" عند عرضه، وابتعد عن "صورة البطلة السلبية التي تحتاج إلى إنقاذ". الطبيعة في عوالم "غيبلي" تُصوّر أفلام استوديو غيبلي أيضاً عالماً يتواصل فيه البشر بعمق مع الطبيعة وعالم الأرواح. من الأمثلة على ذلك فيلم "برينسس مونونوكي" الصادر عام 1997، الذي يروي قصة فتاة رباها ذئب في الغابة، وتصفه نايبر بأنه "تحفة فنية، وفيلم صعب في الوقت نفسه"، مضيفةً إنه عمل "جاد، مظلم، وعنيف" يُقدّره البالغون أكثر، كما لفتت إلى أن أفلام الاستوديو الياباني "تتميز بطابع بيئي وروحاني، وهو ما أعتقد أنه مناسب جداً لعالمنا المعاصر في ظلّ أزمات المناخ". من جهتها، لفتت الأستاذة في جامعة سينشو اليابانية، ميوكي يونيمورا، التي تدرس النظريات الثقافية للرسوم المتحركة، إن مشاهدة أفلام غيبلي أشبه بقراءة الأدب، أضافت: "لهذا السبب يشاهد بعض الأطفال فيلم توتورو 40 مرة"، مشيرةً إلى أن المشاهد "يكتشف شيئاً جديداً في كل مرة". تأثيرات أدبية رأت يونيمورا أن ميازاكي وتاكاهاتا استطاعا خلق عوالم خيالية بفضل انفتاحهما على الثقافات الأخرى، وشملت التأثيرات الأجنبية الكاتب أنطوان دو سانت إكزوبيري ورسام الرسوم المتحركة بول غريمو، وهما فرنسيان، والفنان الكندي فريدريك باك، الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلمه "الرجل الذي زرع الأشجار". كذلك، نبّهت يونيمورا إلى أن دراسة تاكاهاتا للأدب الفرنسي في الجامعة كانت "عاملاً أساسياً" في ذلك، مشيرةً إلى أن "كلاهما يقرأ كثيراً، وهذا سبب رئيسي لتفوقهما في كتابة السيناريوهات وتأليف القصص". نجوم وفن التحديثات الحية مِس ريتشل: مستعدة للمخاطرة بمسيرتي لمناصرة أطفال غزة كان ميازاكي قد قال في وقتٍ سابق بأنه استلهم فيلم "ناوسيكا" من كتب عدّة، بما في ذلك الحكاية اليابانية "السيدة التي أحبّت الحشرات" التي تعود للقرن الـ12، والأساطير اليونانية. واعتبرت يونيمورا أن استوديو غيبلي لن يكون كما كان بعد توقف ميازاكي عن إنتاج الرسوم المتحركة، "ما لم تظهر موهبة مماثلة"، فيما قالت ديفال، إحدى المعجبات بأعمال الاستوديو: "غيبلي محبوب على نطاق واسع لدرجة أنني أعتقد أنه سيستمر، طالما أنه لا يفقد جماله، طالما أنه يحمل في طياته الجهد والرعاية والحب".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store