
الفلسفة الغربية واختبار طوفان الأقصى
منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تكرر سؤال واحد على ألسنة مذيعي القنوات الغربية ومراسليها ليلا ونهارا: "هل تدين حماس؟". في الحقيقة، لم يكن ذلك غريبا عن جوهر الخطاب الإعلامي الغربي رغم ما يُظهره من قشور أخلاقية، فهو يذكّرنا بعمليات نزع الاعتراف في محاكم التفتيش في نهايات القرون الوسطى قديما، وجلسات الاتهام بالشيوعية في الفترة المكارثية في الولايات المتحدة، وغيرها كثير من الأمثلة القديمة والحديثة.
لكن السؤال الجوهري هنا هو: علامَ ندين حماس؟ فإذا كان المعيار هو مستوى العنف وطبيعته، فلا أيسر من عقد مقارنة ستشير نتائجها إلى أن العنف الذي مارسته فصائل المقاومة الفلسطينية جميعا في طوفان الأقصى يختلف تماما وكليا عن ردة الفعل العسكرية الإسرائيلية ولا يكاد يقترب حتى مما قام به جيش الاحتلال وقامت به إسرائيل منذ نشأتها تجاه الفلسطينيين بشكل يوميّ.
تتحدث الغالبية عن الدوافع التي أدت إلى عملية طوفان الأقصى ومآلاتها في إثارة الحرب بالتبعية، حتى حماس ذاتها، عَنوَن مكتبها الإعلامي وثيقته عن المعركة بـ "لماذا طوفان الأقصى؟" ، وهو أمر ضروري بالتأكيد لأنه يُشَرعِن العملية وينفي عنها تهم الإدانة. غير أن هناك سؤالا آخر تناولته الوثيقة بعد الإجابة عن السؤال الرئيسي، وهو "كيف كان طوفان الأقصى؟".
يمكن الإجابة عن ذلك السؤال بطريقتين، الأولى هي أن نسترجع أحداث السابع من أكتوبر ونسردها مثلما فعل المكتب الإعلامي في وثيقته ردا على "الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة عن المعركة" كما جاء في الوثيقة، مثل اغتصاب المقاتلين الفلسطينيين النساء وذبح الأطفال. هذه الطريقة الأولى تمثل إجابة مباشرة لا لبس فيها، لكنها تتوقف عند حدود تأويل المعركة، تاركة لضمير الفرد حريَّة التأويل كيفما شاء.
لذا يحتاج هذا السؤال إلى طريقة أخرى للإجابة عنه، وهي الطريقة الثانية التي تفكِّر في معنى العملية حقا وفق مسارات متعددة ومتشعبة.
دعونا نرسم مسارا محددا يرتبط بنظريات العنف الثوري في الفلسفة الغربية الحديثة. في هذه الحرب، واجه الفلاسفة الغربيون امتحانا في تحديد مواقفهم، وأخفق فيه رموز مثل سلافوي جيجك و يورغن هابرماس ، الذين اتجهوا إلى إدانة العملية وتأييد، ما أسموه، بـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
بينما أظهر فلاسفة آخرون مواقف مناصرة للفلسطينيين مثل بيان "فلسفة من أجل فلسطين"، الذي وقَّع عليه إيتان باليبار وجوديث بَتلر مع أكثر من 400 أكاديمي، وأدان العنف الإسرائيلي بعبارات أوضح، وطالب بمعالجة كل أشكال اضطهاد الفلسطينيين قبل مُساءلتهم عمَّا يمارسونه من عُنف في مواجهة إسرائيل، لكنه توقَّف عند التضامن السياسي ولم يُعلِن انحيازا صريحا للمقاومة الفلسطينية ذاتها.
إذا استعدنا مواقف الفلاسفة الغربيين البارزين تجاه النضال ضد الاستعمار في القرن العشرين، نجدها أيضا متذبذبة، فبعضها يدَّعي حيادا يساوي بين المُحتل والمقاوم، وبعضها ينحاز إلى الشعوب دون تبني المقاومة العنيفة صراحة، وقليل منها فقط يتضامن مع المقاومة الشعبية دون قيود.
وتنضح كثير من الكتابات الغربية بالجهل تجاه القضايا والنضالات وسياقاتها، وخصوصا النضال الفلسطيني. ونستعرض هنا بعضا من هذه المواقف، ونمضي أبعد من ذلك بالتفكير في المعنى الحقيقي لطوفان الأقصى بالتأمل في طبيعة العنف الثوري أثناء النضال ضد الاستعمار، وحدوده في التيار النقدي للفلسفة الغربية، كما نُسلِّط الضوء على معنى العنف الإبادي الإسرائيلي والغاية السياسية منه.
الفلسفة بين مُعذبي الأرض ومُحتليها
يُعَد كتاب "معذبو الأرض" من تأليف فرانز فانون ، الطبيب النفسي والفيلسوف المارتينيكي الأصل الجزائري النضال، أحد أهم كتب أدبيات النضال ضد الاستعمار. وقد صدر الكتاب باللغة الفرنسية عام 1961 بينما كان مؤلفه يحتضر في أحد مستشفيات الولايات المتحدة حيث توفي وعمره 36 عاما فقط، وصادرته السلطات الفرنسية وحظرته من الأسواق يوم صدوره بسبب مواقفه المناهضة للاستعمار الفرنسي وانضمام كاتبه لجبهة التحرير الوطني الجزائرية.
يقول فانون في الفصل الأول من الكتاب الذي اختار له عنوان "بشأن العنف"، إن "الاستعمار ليس آلة مفكرة، وليس جسما مزودا بعقل، وإنما هو عنف هائج لا يمكن أن يخضع إلا لعنف أقوى"، ومن ثم فإن "محو الاستعمار إنما هو حدث عنيف دائما.. يستهدف تغيير نظام العالم، [أي] هو برنامج لقلب النُظُم قلبا مطلقا". ما يعنيه هذا أن فانون لا يتصالح مطلقا مع منطق الوجود الاستعماري، بل يسعى إلى "إحلال نوع إنساني محل نوع إنساني آخر، إحلالا كليا، كاملا، مطلقا، بلا مراحل انتقال".
لذا أثار صدور الكتاب موجة من ردود الأفعال المتباينة في الغرب ما بين معارض ومؤيد، فقد كانت الفيلسوفة الألمانية حنة أرنت معارضة لآراء فانون في العنف، حتى أنها ألَّفت كتابا صغيرا يحمل عنوان الفصل الأول من كتاب فانون. وبرغم أنها عارضت قرار تقسيم فلسطين وإنشاء الدولة الإسرائيلية، فإن بعض نقادها مثل كاثرين جينس كشفت عن آراء عنصرية تجاه السود عبَّرت عنها حنة أرندت في مواقفها من قضايا الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، كتب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر مقدمة نقدية لكتاب فانون قال فيها "إن سلاح المقاتل هو إنسانيته. إذ إنه في أول مرحلة من مراحل الثورة يجب عليه أن يَقتل، فهو حين يقتل أوروبيا يضرب عصفورين بحجر واحد، حيث أن الأمر يسفر عن إزالة مُضطَهِد ومُضطَهَد في آن واحد، بحيث يتبقى لدينا رجل ميت ورجل حر يبقى حيا ليشعر بأرضه الوطنية لأول مرة".
بل وانتقد سارتر الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو المولود في الجزائر الفرنسية على موقفه الحيادي الداعي للسلم الأهلي بين الجزائريين والفرنسيين أثناء حرب التحرير الجزائرية قائلا، "إن لهم وجها لطيفا هؤلاء الذين لا يحبون العنف: ليسوا ضحايا ولا هم جلادون! لكن دعك من هذا الكلام! إن لم تكونوا ضحايا حين تقوم الحكومة التي رفعتموها بالاستفتاء ويقوم الجيش الذي خدم فيه إخوتكم الصغار بأعمال إبادة للنوع الإنساني بلا تردد وبلا عذاب ضمير، فإنكم جلادون بلا شك".
لكن هذا الموقف الثوري من سارتر تجاه القضية الجزائرية لم يمتد على استقامته إلى القضية الفلسطينية، بل انحرف نحو تأييد وجود دولة إسرائيل الاستيطانية. في مقال لإدوارد سعيد عن سارتر والمثقفين الفرنسيين ومواقفهم من القضية الفلسطينية نشر في "لندن ريفيو أوف بوكس" عام 2000 بعنوان "غدا، يتحدث سارتر!"، يسرد سعيد قصة ذهابه لحضور ندوة عن السلام في الشرق الأوسط نظمها سارتر وسيمون دو بوفوار في باريس عام 1979.
ويذكر سعيد أنه عندما وصل إلى اجتماع الندوة، وجد أنها تناقش أهمية معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (المُوقَّعة للتو حينها)، والسلام بين إسرائيل والعالم العربي، والمسألة الجوهرية المتعلقة بمستقبل العيش المشترك بين إسرائيل والعرب المحيطين بها.
يُعلّق سعيد: "لم يكن أي من العرب [الحاضرين] سعداء حيال هذا. وشعرت أن قضية الفلسطينيين قد جرى تجاوزها عمدا.. اكتشفتُ شيئا فشيئا أن قدرا كبيرا من المفاوضات كان قد حُسم من قبل كي تتجه الندوة إلى نتيجة معينة، وأي مشاركة من العرب كان قد جرى التلاعب بها وتقليصها". كان سبب حضور سعيد للندوة هو أنه عدَّه إنجازا عظيما إن استطاع حث سارتر على الإدلاء بتصريح مؤازر للفلسطينيين، أثناء فترة زمنية "صاخبة" من حرب الشعب الفلسطيني الدامية مع إسرائيل، على حد وصفه، فقد توسَّم "خيرا في سارتر بسبب موقفه من الجزائر، والذي كان أصعب عليه كونه فرنسيا من أن يكون له موقف منتقد لإسرائيل".
خاب أمل سعيد بشدة لأنه اتضح أن دعم إسرائيل كان موضوع اللقاء الحقيقي، وليس العرب أو الفلسطينيين. ويعزو سعيد بقاء سارتر على "صهيونيته الأصولية" إلى "أسباب لن نعرفها قط". ولم يبق أحد من أولئك المفكرين الذين عرفهم سعيد مؤيدا للفلسطينيين سوى جان جينيه وجيل دولوز الذي أخبره أنه افترق عن فوكو بعدما كانا صديقين حميمين، لخلافهما في القضية الفلسطينية، حيث كان فوكو مؤيدا لإسرائيل، أما دولوز فقد كان في صف الفلسطينيين.
لن يفيدنا كثيرا البحث عن مواقف مؤيدة للعنف المناهض للصهيونية بين الفلاسفة الغربيين اليوم أو الأمس، لكن قد يفيدنا أن نبحث في أفكارهم الفلسفية عن العنف عموما، لعلنا نجد شيئا يساعدنا على التفكير في معنى عملية طوفان الأقصى.
العنف إذ يصنَّع القانون ويُدمّره
ثمة اختلاف في نوع العنف الواقع في معركة طوفان الأقصى والحرب الإبادية التي تلتها، وهذا الاختلاف كامن في أحد جوانبه في علاقة هذا العنف بالقانون. في مقالة "بحث حول العنف"، تكلَّم الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين عام 1921 عن ثلاثة أنواع من العنف: العنف الحافظ للقانون، والعنف الصانع للقانون، والعنف المدمر للقانون.
وبينما يبدو النوع الأول بديهيا عندما نطبقه على مواقف الدفاع عن النفس أو حماية الدولة لحق عدم الاعتداء على الملكية مثلا، لا يبدو الثاني بالبديهية نفسها. كيف يصنع العنف القانون؟ إنه يصنعه بالممارسات اللاقانونية العنيفة التي تدعي أن هدفها الحفاظ على القانون، ثم تصبح هذه الممارسات بعد اعتياد تكرارها مقننة أو شبه مقننة بطريقة ما. يُعَد هذا النوع من العنف في حد ذاته قانونا خفيا ينتظر إقراره، لكن حتى لو لم يجر إقراره فإنه يساهم في تخليق أوضاع جديدة يمكن البناء عليها لاحقا.
لنأخذ على سبيل المثال العنف الإبادي الواقع على الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، الذي يسعى اليوم لأن يكون قاعدة لوضع دائم جديد شبه قانوني. تدَّعي إسرائيل رغبتها في الحفاظ على القانون عن طريق تحرير محتجزيها لدى فصائل المقاومة بما تمارسه من قصف وقتل واعتقال وحصار وتجويع، لكنها تتجاوز حدود هذه المهمة من أجل تنفيذ نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وتمحي هذه النكبة الجديدة الحدود التي خلقتها النكبة القديمة، وترسم حدودا جديدة لإسرائيل وقوتها.
لا يمكن لهذا المحو أن يتحقق إلا بالعنف الصانع للقانون. إن إحدى سمات هذا العنف بالتأكيد هو أنه يفوق العنف الحافظ للقانون حجما بما لا يقاس، وهذا لأنه لا يُمهِّد الطريق لقانون جديد فحسب، بل يخلق الشروط والظروف المواتية كي يصيغ قواعد تناسبه بعد ذلك، وبهذا يصبح عنفا فوق القانون ذاته، تتشكَّل القوانين وفقا له ولا يتغيَّر هو وفقا لها ولمبادئها.
ولذا تصبح سمته الأهم أنه قادر على استدامة نفسه باسم حفظ القانون إلى الأبد، أو إلى أن يوقفه طرف بالفعل المقاوم. وبهذا تصبح إقامة النظم القانونية فعلا عنيفا في حد ذاته، فالدولة التي تحتكر العنف تمرر العنف الذي تراه مناسبا لها مثلما تواجه العنف الذي يهدد قانونها، وفي عنف المستوطنين الصهاينة ضد فلسطينيي الضفة والداخل الإسرائيلي أبلغ مثال.
وماذا عن العنف المدمر للقانون؟ إنه العنف الذي لا يهدف إلى إنشاء نظام قانوني جديد على وجه التحديد، بل يدمر النظام القانوني القائم، وعادة ما يروم تحقيق العدالة بتدمير نظام يراه ظالما ومعيبا، حتى أن بنيامين ذهب إلى القول بأنه ثمة "قتل ثوري للقامعين" من أجل العدالة. لقد فكر بنيامين الشاب، الذي رفض لاحقا الانضمام إلى موجة الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، في الإضراب العام الذي يقلب نظام الحكم بوصفه عنفا مدمرا للقانون.
ولكن هل يمكن أن نفكر في عملية طوفان الأقصى أيضا بوصفها عنفا مدمرا للقانون؟ لا، ليس طبقا لتعريف بنيامين، لأنه كان يفكر في سياق الثورة داخل البلد الواحد، بل إنه بنى أفكاره بُعيد أحداث انتفاضة الرور الألمانية لعام 1920، التي سحقتها الحكومة الألمانية. إذا كان بنيامين لم يفكر بشأن العنف الثوري في البلدان المستعمرة، فما الذي يمكن أن يضيفه تصنيفه إلى معنى طوفان الأقصى؟
بما أن المُستعمرِين لا ينتمون إلى المُستَعمَرين، فإن التمايز بينهما ليس مجرد تمايز بين حاكم ومحكوم، بل تمايز بين مجتمعين لا يجمعهما شيء سوى قمع المُستعمِر للمُجتمع المُستَعمَر. ويمثل العنف المدمر للقانون خروجا تاما عليه من أجل إيقاف العنف الصانع للقانون.
ويتشابه ذلك الطرح مع ما قاله فانون من أن الاستعمار عنف هائج لا يمكن أن يخضع إلا لعنف أقوى، وقوة هذا النوع من العنف الثوري تختلف تماما عن قوة العنف الاستعماري، لأن قوته تتأتى ممن لا نتوقع منهم العنف لأنهم مستضعفون. وإذا كان العنف الصانع للقانون هو قانون الأقوياء، فإنهم يبدون وكأنهم الوحيدون المخول لهم أن يمارسوا العنف. ولكن هذا ليس صحيحا كما يتضح، إذ إن قوة عنف المستضعفين كامنة في نفوسهم وإيمانهم بحقوقهم، وهي قوة تستطيع قلب الموازين فجأة.
لقد أرادت إسرائيل إفزاع العالم بأكاذيب قتل حماس للأطفال واغتصابهم للنساء كي تبرر المجازر والمذابح التي ارتكبتها منذ إعلان الحرب على غزة، لكن الفزع الحقيقي أتى من عامل المفاجأة العنيفة لعملية الطوفان وهجومها على المواقع الإسرائيلية في غلاف غزة، والقدرة الواسعة على أسر كثير من الجنود الإسرائيليين أثناء العملية. فلم يكن لحماس أو فصائل المقاومة الأخرى طائرات تقصف بها المستوطنات قصفا سجاديا كما تفعل إسرائيل في شمال غزة، أو قنابل الفسفور الأبيض المحرمة دوليا التي تلقيها على المدنيين في الملاجئ مثلما فعلت إسرائيل.
الطوفان: عنف مدمّر من أجل العدالة
كيف كان طوفان الأقصى إذن؟ كان عنفا مدمرا للقانون، لكنه تدمير يطلب العدالة بعد أن عانى الشعب الفلسطيني حصارا طيلة 15 عاما وحروبا متتالية شنت عليه منذ عام 2008 ومؤامرات حيكت لتصفية قضيته على مدار 75 عاما. لذلك يذكرنا طوفان الأقصى بانتفاضات مُشابهة ضد مُحتلين أو حُكام مستبدين مارسوا العنف الصانع للقانون، حتى هبَّت الشعوب لتدميره، على غرار ثورات ما عُرف بالربيع العربي التي ثارت على الظلم والاستبداد.
لقد طالبت حماس في القسم الثالث من الوثيقة التي نشرها مكتبها الإعلامي المجتمع الدولي بإجراء تحقيقات نزيهة "في الجرائم والانتهاكات كافة"، مع اعترافها بحدوث بعض الفوضى بفعل الاختراقات الواسعة في السياج الإسرائيلي والمنظومة الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي المُحتلة. من جهة أخرى، لم تلجأ إسرائيل إلى المؤسسات الدولية إلا لشراء الوقت لمواصلة المذابح والحصار ونهب أراضي الضفة الغربية، بل جعلت الولايات المتحدة تقف أمام كل محاولة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وحرَّضتها على الهجوم على لبنان واليمن وإيران.
العنف ما هو إلا علاقة بين الفعل العنيف والسياق الذي يقع فيه، وهذا لا يعني أن ننفض أيدينا من المسألة كلها ونقول أنها نسبية، بل يعني أننا لا نعترف بجميع أنواع العنف أو نراها بما يكفي، حيث إن قلة مِنا تستطيع رؤية العنف وسياقه كليهما في اللحظة نفسها. وما يهمنا هُنا هو تبيان أنواعه وحدوده وغاياته كي نراه على حقيقته وندرك الفارق بين تنفيذ القانون وتحقيق العدالة.
وفي منشور بعنوان " رسالة إلى المنافقين في أوروبا"، ندد الفيلسوف الإيطالي فرانكو بيراردي عبر حسابه على فيسبوك بمواقف الفلاسفة الأكاديميين الأوروبيين، وبصمتهم إزاء الحرب الإبادية على غزة، وقال إن "إسرائيل انضمت إلى نادي التفوق العرقي حتى تكتسب الحق في تكرار ما فعلناه في السكان الأصليين من شعوب أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا".
لم يكن سجل مواقف أبرز فلاسفة التنوير مثل كانط وجون لوك وستيوارت مِل إزاء وحشية أوروبا مُشرِّفا في زمن الاستعمار القديم، تماما مثل مواقف كثير من فلاسفة ما بعد الحداثة الذين ذكرناهم إزاء همجية إسرائيل، سوى قلة قليلة ترى السياقات التاريخية ودور العنف فيها بوضوح.
العنف الثوري الفلسطيني في طوفان الأقصى يكشف لنا حدود النقد العقلاني الغربي للعنف الاستعماري وعدم قدرة معظم مفكريه على التمييز بين العنف الذي رسَّخ أوضاعا جائرة على مدار عقود، والعُنف المقاوِم الذي يسعى لتدمير الوضع القائم سعيا للعدالة والحرية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
اتجاهات الفلسطينيين
بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023 وانسجاما مع الحالة توجه الرأي العام الفلسطيني نحو دعم المقاومه وفق استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، الذي استمزج رأي الشعب في استطلاع شمل الضفة الغربية وغزة، وقد أيد 80% استقالة محمود عباس واعتبر 69% من الفلسطينيين أن حكومة محمد مصطفى لم تجرِ الإصلاحات المطلوبة، وحصل مروان البرغوثي على 50% من في أي انتخابات رئاسية يشارك فيها. ويعتقد 64% من الفلسطينيين أن معركة «طوفان الأقصى» أعادت الاهتمام الدولي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأعرب67% عن رضا الفلسطينيين عن حماس و24% عن فتح، وسوف يصوت 68% لخالد مشعل في أي انتخابات رئاسية يكون محمود عباس منافسه فيها حيث سيحصل الأخير على 25% وسوف يصوت 43% لحماس في الانتخابات التشريعية و28% لفتح، ويعتقد 40% أن حماس أحق بقيادة الشعب الفلسطيني مقابل 19% لفتح ويعارض 70% من الفلسطينيين عودة السلطة إلى غزة وتسلمها المعابر، ويعتقد 59% من الفلسطينيين أن المظاهرات التي خرجت ضد حماس في غزة تحركها أيادٍ خارجية، وأعرب 67% من العينة انهم ضد المظاهرات التي خرجت ضد حماس في غزة، وقال 82% من الفلسطينيين إنهم ضد تسليم سلاح المقاومة. هذا ما آمن به الفلسطينيون منذ الانتفاضة الأولى والثانية والطوفان وانه ليس أمامهم الا المقاومة وان السلاح هو شرف والتنازل عنه ذل لنكن بحجم ما يريده الإنسان الفلسطيني اذا أردنا أمة تحترمها الأمم.


جريدة الوطن
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الوطن
لماذا قد تنقلب إسرائيل على نتانياهو قريباً؟ (2-2)
شكَّلت علاقات بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية أرضية لعدد من قضايا الفساد التي يلاحق بسببها نتانياهو. قضية الحصول على هدايا باهظة الثمن من رجال أعمال لتسهيل سيطرتهم على مصالح أو وسائل إعلام. وبسبب هذه الملاحقات القضائية توافق نتانياهو مع عدد من القوى اليمينية على إحداث انقلاب في الجهاز القضائي بل وانقلاب في بنية الدولة ومؤسساتها بما يخدم هدف إبعاد نار القانون عنه. في البداية، حاول سنّ قانون يمنع محاكمته، وعندما فشل حاول تغيير وجهة وتركيبة القضاء عمومًا وتسليم أمره إلى الكنيست، بما يقضي على استقلالية القضاء وإخضاعه للسلطة التشريعية التي أفلح في تجريفها وإخضاعها لإمرته. وتقريبًا كل ما نسمعه اليوم في إسرائيل عن صراع بين المستوى السياسي، والمستوى العسكري، وصراعات مع الشاباك حينًا، ومع الموساد حينًا آخر، ومع قيادة الشرطة، والمستشارة القضائية للحكومة، ينبع من هذه النقطة. نتانياهو- واليمين من خلفه- يريد السيطرة التامة وغير المشروطة على كل مؤسسات الدولة، وتحويلها إلى أدوات لخدمة الزعيم أو اليمين وليس العمل لمصلحة الدولة. وطبعًا كان هذا التوجه استجلب معارضة واسعة من داخل المؤسسات ومن داخل المجتمع. ومع الوقت بدأ الصراع يزداد احتدامًا عبر تظاهرات واحتجاجات شقت إسرائيل طولًا وعرضًا. واعتبر البعض أن هذا الانشقاق والصراع كان سببًا رئيسيًا من بين أسباب اندفاع حماس لتفجير طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ولكن الحرب وطولها لم يسهما في إخماد تلك المعارضة بل زاداها إلى حد بعيد. إذ أظهرت الإخفاقات يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول ليس فقط نقاط ضعف في المنظومة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، ولكن أيضًا انهيارًا في المفاهيم التي ارتكزت إليها إسرائيل في تعاملها مع التناقضات. وتبيّن للجميع أن سد الطريق أمام تسوية سلمية مقبولة إقليميًا ودوليًا لا يضمن الأمن لإسرائيل. كما بيّنت إخفاقات إسرائيل في الحرب وطول مدتها أن التعامل فقط بالقوة واستخدام المزيد من القوة، كلما عجزت القوة الأولية عن تحقيق الهدف، لا يضمن النصر. ولكن إذا كان هذا استخلاص الجمهور الإسرائيلي ومؤسساته المتزنة، فليس هذا استخلاص نتانياهو واليمين الحاكم. وهذا هو المعنى الحقيقي لاستطلاعات الرأي التي تظهر أن أغلبية الإسرائيليين وأكثرية القادة العسكريين والأمنيين السابقين والحاليين يؤيدون وقف الحرب وإبرام صفقة تبادل وتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول وفي الأداء السياسي والحربي قبل ذلك وبعده. كما أن هذا يظهر سبب تمسك نتانياهو واليمين برفض وقف الحرب بل وتطوير نظرية الحرب الدائمة كوسيلة للبقاء في الحكم؛ لأن وقف الحرب في نظرهم يعني هزيمة نتانياهو ومشروع اليمين السياسي والفكري. وفي هذ السياق، برزت، وليس فقط في أواخر الشهر الفائت، دعوة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ للتوصل إلى تسوية توفر صفقة يتم بموجبها وقف ملاحقات قضائية لنتنياهو مقابل «إقرار بالذنب»، وخروج من الحياة السياسية. وطبعًا هذه ليست مجرد دعوة، لأن الرئيس إسرائيلي يمتلك أيضًا صلاحية العفو حتى عن مجرم مدان. ولذلك فهم كثيرون أن هذه دعوة من رئيس وسطي يريد تجنيب إسرائيل استمرار الدوران في حلقة الصراع والانقلاب القضائي والبحث عن «الدولة العميقة» والصدام معها. وكانت جهات إسرائيلية قد تقدَّمت بطلب إلى هرتسوغ للبحث في هذا المقترح في أواخر العام الفائت، لكنه اشترط أن يأتيه الطلب من جهات مخولة. ويبدو أن عرض المقترح من جديد يشهد على قتامة الصورة المرتقبة إذا استمر الصراع بين نتانياهو ومؤسسات الدولة الأخرى، وبات الرئيس نفسه يبحث عن مخرج. لكن ثمة كلمة يمكن أن تقال: نتانياهو الذي صار رئيس الوزراء الأطول ولاية في تاريخ إسرائيل والذي حكم الدولة أكثر من مؤسسيها التاريخيين، يصعب عليه القبول بالطرد من الحياة السياسية. فهو في نظر نفسه، وربما في نظر كثيرين آخرين، أحد أنبياء اليمين الجديد في العالم، وهناك مَن قرأ وتبنَّى أفكاره التي عرضها في كتبه عن السياسة، ومكافحة الإرهاب، والصراع الحضاري. كما أن اليمين المتطرف، ليس فقط في إسرائيل وإنما أيضًا في أميركا وربما في بعض الدول الأوروبية، لن يستسيغ مثل هذا الخروج من الحياة السياسية. فهذه هزيمة لفكرة، ستترك خلفها نوعًا من هزة أرضية شديدة التأثير. في إسرائيل الأمر واضح ولا يحتاج إلى تبيان. نتانياهو ليس مجرد شخص، وإنما هو تعبير عن انتقال اليمين المتطرف من أشد الزوايا بعدًا وهامشية إلى مركز القرار. في الغالب ما سوف يُسقط نتانياهو هو الصراع داخل اليمين بين مكوناته الحريدية والدينية والقومية الفاشية. وهو ما يتبدى حاليًا في الصراع بين الليكود والحريديم حول قانون التجنيد، حيث بدأ الحريديم في عدم التصويت إلى جانب اقتراحات الحكومة. وهناك صراع بين حزبَي سموتريتش وبن غفير على من يكون له الغلبة لدى الناخبين في الانتخابات المقبلة. وكثير من أنصار اليمين التقليدي صاروا ينفكون عنه باتجاهات أكثر أو أقل تطرفًا. كما أن المزاج العام في إسرائيل تحت حكم نتانياهو صار أشد تشاؤمًا، ما يعني أن الانتخابات المقبلة، وكما توضح استطلاعات الرأي غير مبشرة لا لنتانياهو ولا لليمين.


الجزيرة
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
تحقيقات الجيش الإسرائيلي في هجوم 7 أكتوبر.. فشل استخباري وهروب للجنود وارتباك في التنسيق
بعد هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة ، أجرى جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من التحقيقات الداخلية. وكشفت النتائج عن ثغرات كبيرة في المنظومتين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، شملت فشلا استخباريا وارتباكا في التنسيق الميداني، وأقر جيش الاحتلال بما وصفه بـ"الإخفاق التام" في منع الهجوم. وقالت لجنة التحقيق الإسرائيلية المدنية بأحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول إن الحكومة فشلت في حماية مواطنيها وعليها تحمل المسؤولية. وأوضحت اللجنة أنها جمعت أثناء التحقيق 120 شهادة على الأقل تثبت فشل إسرائيل ، مشيرة إلى أنها توصلت إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو"قاد البلاد إلى أكبر كارثة في تاريخها". وإضافة إلى التحقيق العام في الهجوم كله، أنجزت السلطات الإسرائيلية تحقيقات فرعية بشأن ما حدث في عدد من الأماكن والمواقع العسكرية التي هاجمها المقاومون الفلسطينيون فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومكثوا يقاتلون فيها ساعات عدة. شاطئ زيكيم أشار تحقيق قائد اللواء الخامس الاحتياطي تال كوريتسكي إلى أن جنود الجيش الإسرائيلي المتمركزين قرب حدود غزة قد تخلوا عن "المدنيين الذين احتموا" بشاطئ مستوطنة زيكيم يوم الهجوم. وينقسم التقرير إلى 3 أجزاء، الأول تناول جزئية الإنزال البحري لعناصر كتائب عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على الشاطئ وأسماها "المعركة البحرية الإسرائيلية"، والجزء الثاني تطرق لما سماها "مجزرة زيكيم"، وتحدث الجزء الأخير عن "الدفاع عن كيبوتس زيكيم". وأوضح التقرير أن جنود الكتيبة 51 التابعة للواء غولاني ، فرّوا دون قتال عناصر حماس القادمين بـ7 زوارق وعددهم 38، مما أسفر عن تقدمهم إلى داخل كيبوتس زيكيم، ومقتل إسرائيليين حاولوا الاحتماء بالجيش. وحسب التقرير فقد استهدف المقاتلون الفلسطينيون قواعد عسكرية في المنطقة وخط أنابيب النفط قرب عسقلان وشاطئ زيكيم، وتقدموا مجبرين الجنود الإسرائيلين على التراجع، وأكملوا طريقهم نحو الكيبوتس، واشتبكوا مع ضباط في لواء غولاني قبل أن ينسحبوا. خلص التقرير في النهاية إلى أن عدد عناصر حماس الذين حاولوا التسلل عبر البحر 38، قتل منهم 14 في زوارقهم و8 عند الشاطئ و10 في الاشتباكات التي دارت بعدها، وأن جنود الجيش قد تخلوا عن المدنيين وتراجعوا تاركين مواقعهم، وهو ما اعتبر "فشلا جسيما". وتجدر الإشارة إلى أن قائد قاعدة أسدود كان قد تلقى اتصالا من فرقة غزة تنبهه على وجود إشارة غير عادية قادمة من القطاع عند الساعة 4:28 صباحا، لكن مكتب قائد البحرية وقسم استخبارات البحرية أكدوا أنها مجرد تدريبات لكتائب القسام. كيبوتس بئيري في 11 يوليو/تموز 2024، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تقريرا عن نتائج التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي بشأن اقتحام كيبوتس بئيري في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر. وبحسب التقرير، فقد أشرف على التحقيق طاقم من ضباط الاحتياط الإسرائيلي برئاسة اللواء ميكي إدلشتاين. وأقر الجيش الإسرائيلي في تقريره بفشله في حماية الكيبوتس، مؤكدا أنه لم يكن مستعدا للتعامل مع هجوم قوات النخبة التابعة لكتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- عبر نقاط عدة من السياج الأمني، مما أعاق وصول التعزيزات الإسرائيلية في الوقت المناسب. ووفق نتائج التحقيق، فقد شارك نحو 340 مسلحا فلسطينيا في الاقتحام، بينما لم يكن في المنطقة سوى 26 جنديا إسرائيليا، ولم ينجح وصول القوات الإسرائيلية الإضافية في تحسين الوضع بسبب غياب التنسيق بين الوحدات. كما أشار التحقيق إلى أن جيش الاحتلال لم يكن يملك العدد الكافي من القوات للزج بها في المعركة، وأقر بتلكؤ قواته في الساعات الأولى، خاصة في الدخول إلى الكيبوتس والاشتباك مع قوات النخبة القسامية. وأوضح التقرير أن الاقتحام بدأ في الساعة 06:42 صباحا، وأن قوات الاحتلال لم تستعد السيطرة على الكيبوتس إلا بعد أكثر من 24 ساعة من المعارك المتواصلة. وخلصت نتائج التحقيق إلى مقتل 101 مستوطن وأسر 32 آخرين، إلى جانب قتل 31 من الجنود وأفراد الشرطة وأعضاء فصيل الاستجابة السريعة. في 9 أبريل/نيسان 2025، كشف الجيش الإسرائيلي عن نتائج تحقيقه في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنة سديروت ، والتي أظهرت سلسلة من الإخفاقات الهيكلية والعملياتية، وأكدت فشل الجيش في حماية المستوطنة. ووفقا للتقرير أسفر الهجوم عن مقتل 53 إسرائيليا، بينهم 37 من المستوطنين، و11 من أفراد الشرطة، واثنان من رجال الإطفاء، إلى جانب 3 جنود. وأشار التحقيق إلى أن صفارات الإنذار الخاصة بتسلل المقاومين لم تُفعل، واقتصر التحذير على إنذار "اللون الأحمر" التقليدي، وهو قرار نسب إلى قائد الجبهة الداخلية ، اللواء رافي ميلو، وقائد المنطقة الجنوبية السابق، اللواء إليعازر توليدانو. ورغم إرسال بلدية سديروت رسائل تحذيرية نصية إلى السكان، إلا أن عددا كبيرا منهم لم يطّلع عليها في الوقت المناسب بسبب التزامهم الديني بتعاليم السبت. وأحد أبرز الإخفاقات التي كشف عنها التقرير، كان تأخر الجيش في إصدار التحذير الرسمي بنصف ساعة، وهي فترة كان يمكن تمكين فرق الدفاع المحلية من الاستعداد فيها. كما تبين أن وحدة التأهب في سديروت لم تخضع لأي تدريب منذ عامين، وكانت تفتقر إلى الأسلحة الثقيلة بعد أن صادرتها قوات الجيش خوفا من سرقتها، وبقي أفرادها مجهزين بمسدسات فقط. ووفق ما نقلته صحيفة "هآرتس"، أظهر التحقيق أيضا وجود حالة من الفوضى وغياب التنسيق بين الجيش والأجهزة الأمنية، وصلت حد تبادل إطلاق النار بين الطرفين أثناء الهجوم، نتيجة ضعف منظومة القيادة والسيطرة. ووجه التقرير انتقادات حادة للقيادة العسكرية في فرقة غزة، محمّلا لواء الشمال المسؤولية عن سحب الأسلحة من غرف الطوارئ عام 2022، ما أدى إلى غياب وسائل الدفاع الفعالة عن عدد من النقاط الحساسة لحظة الهجوم. مستوطنة كفار عزة أواخر فبراير/شباط 2025، نشر الجيش الإسرائيلي تقريرا عن نتائج التحقيق في الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية على مستوطنة كفار عزة، بالقرب من قطاع غزة. وأقرّ الجيش الإسرائيلي في التقرير بأنه لم يقدّر أن لدى حركة حماس القدرة على شن حرب واسعة النطاق بشكل مفاجئ، فيما رد أهالي المستوطنة بأن التحقيق لم يجب على سؤال: أين كان الجيش؟. وبحسب التحقيق فإن 14 عنصرا فقط من قوات حماية المستوطنة كانوا في مواجهة 250 مقاتلا من المقاومة الفلسطينية، منهم 6 أفراد من كتائب القسام وصلوا إلى قلب المنطقة باستخدام طائرات شراعية، دون أن يتمكن جيش الاحتلال من تحديد مكانهم. وأوضح التحقيق أن قوات الجيش الإسرائيلي لم تصل إلى المستوطنة إلا بعد الساعة 8:30 صباحا، وأنها واجهت مشكلات تتعلق بالتنسيق والتواصل مع قادة الوحدات. وأشار التحقيق إلى وجود خلل في عملية إخلاء المستوطنين، إذ تم تنفيذها بشكل متأخر وبطريقة سيئة، وكشف أن الضربات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي "لم تساعد في وقف هجوم حماس على المستوطنة". وبحسب نتائج التحقيق، أدى الهجوم إلى مقتل 26 مستوطنا وأصيب 18 آخرون، بينما أُسر 19 إسرائيليا. مستوطنة نير إسحاق في 25 أبريل/نيسان 2025، نشر جيش الدفاع الإسرائيلي تقريرا مفصلا تناول نتائج التحقيق في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنة نير إسحاق. وأشار التحقيق إلى أن الجيش فشل في أداء مهامه الدفاعية، وعجز عن حماية الكيبوتس وسكانه أثناء الهجوم الذي أسفر عن مقتل 6 من أفراد فرقة الاستعداد، واختُطفت جثث 3 منهم، إضافة إلى اختطاف 5 مدنيين من عائلة واحدة. كشف التحقيق أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مهيأ للتعامل مع هجوم واسع النطاق، إذ اتضح أن فرقة الاستعداد في كيبوتس نير يتسحاق كانت مدربة فقط على سيناريوهات محدودة. وبيّن التقرير أن القوات العسكرية واجهت صعوبة في تكوين صورة واضحة ومتكاملة عن الوضع الميداني لما يجري داخل الكيبوتس، نتيجة انقطاع تدفق المعلومات من وحدات الدفاع المحلية، إلى جانب إخفاق محاولات فرق الطوارئ في التواصل مع القيادات العسكرية بسبب غياب الاستجابة. وحتى الساعة الواحدة والنصف ظهرا، ظل سكان الكيبوتس وأفراد فرقة الاستعداد في مواجهة المقاومة الفلسطينية دون تدخل فعّال من الجيش. كما أشار التقرير إلى أن القوات العسكرية لم تصل إلى الموقع إلا بعد انسحاب المقاومين، بينما كانت غرفة الاستنفار قد تمركزت في نقاط دفاعية محدودة، في وقت كان فيه معسكر صوفا المجاور محاصرا، مما أعاق إرسال الدعم إلى كيبوتس نير إسحاق. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية أن الهجوم على معسكر صوفا كان عاملا رئيسيا في تعطيل استجابة الجيش، وأسهم بشكل مباشر في الإخفاق بتنفيذ المهمة الدفاعية الموكلة إليه. مستوطنة ناحال عوز نشر الجيش الإسرائيلي تحقيقه في اقتحام قاعدة ناحل عوز في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي خلص إلى وجود تقصير حاد من القيادة وسوء استعداد ميداني ساهم في فشل التصدي للهجوم. ووفقا للتقرير، فقد أسفر الهجوم عن مقتل 53 جنديا، من ضمنهم 22 من وحدات الدعم غير القتالي، وبينهم 16 مجندة مراقبة ميدانية، إضافة إلى 31 مقاتلا، 19 منهم من لواء غولاني، كما أُسر 10 جنود آخرين. أظهر التحقيق أن الجيش لم يتعامل بجدية مع المؤشرات التي ظهرت في الليلة السابقة للهجوم، إذ لم تُترجم إلى استعدادات فعلية على الأرض. فقد قال أحد المقاومين لإحدى المجندات المحتجزات أثناء الهجوم "لا أفهم كيف لم تلاحظوا تحضيراتنا قبل يوم واحد؟!". وعند بدء الهجوم، كان جندي واحد فقط متمركزا في النقطة المحيطة بالقاعدة التي تبعد 850 مترا فقط عن حدود قطاع غزة. وتم تقليص عدد الجنود في الموقع، وكانت أسلحة الدعم ومنها الرشاشات مخزنة داخل المستودعات، في حين لم يكن سلاح المدرعات في حالة تأهب قتالي. كما عُثر على كتيّب في الموقع يُظهر أن المقاومين كانوا على دراية دقيقة ببنية القاعدة، وبحسب التقرير فقد بدأ الهجوم الساعة السادسة والنصف صباحا، ونفدذ 65 مقاوما مقابل 162 جنديا إسرائيليا، 90 منهم يحملون الأسلحة. وأشار التحقيق إلى غياب تام للروتين العسكري داخل القاعدة، التي كانت تضم وحدات متعددة منتشرة في مواقع متفرقة، دون تنسيق يومي أو إجراءات تنظيمية متبعة.