logo
الشرع.. وسياسة «تصفير المشكلات»

الشرع.. وسياسة «تصفير المشكلات»

عكاظمنذ 2 أيام

منذ استقلال سورية عام 1946،عانت أنظمة الحكم من حالتين أساسيتين رافقت الدولة طويلا؛ الحالة الأولى «العسكرتارية» التي سيطرت على البلاد حتى عام 2024، هذا النوع من التفكير على مدى عقود من الزمن همش السياسة، بل حولها إلى واجهة للعسكر، ورزحت سورية تحت هذا النمط من الحكم الذي بات مثاراً للمشاكل مع الجوار، ولعل الشواهد كثيرة لزعماء سورية الذين وزعوا المشاكسات الإقليمية وحتى التدخلات العسكرية على دول الجوار كان آخرها هيمنة الجيش السوري على لبنان، واستخدام المليشيات في حل القضايا السياسية كما كان الحال مع إسرائيل حين استخدم الأسد حزب الله وحركتي حماس والجهاد لفرض نفسه دائما على الطاولة الإسرائيلية.
أما الحالة الثانية التي عانت منها سورية وكانت حالة موازية مع العسكرتارية، فهي فرض الأيديولوجيا على السياسة الخارجية في معظم الأحيان، وأصبح العالم إلى حد قريب في السياسة الخارجية «من هو بعثي ليس منا»، فالبعث، على سبيل المثال، لم يتعامل مع سورية من منطلق الجغرافيا السياسية لهذا البلد، واحترام الجوار ونسج علاقات ذات بعد إستراتيجي مع الجوار، بل تم تهميش عمق ودور سورية الجيوسياسي لصالح الأيديولوجيا المعلبة، لذا فإن حالة العداء السوري- العراقي -على سبيل المثال- بين جناحي البعث اليميني واليساري كانت الأيديولوجيا هي المحرك الأساسي للعلاقة مع العراق وأحيانا الشخصنة بين الأسد وصدام، بل حتى العلاقة مع دول الخليج في كثير من الأحيان كانت مبنية على النظرية البعثية التقليدية الخشبية «الدول التقدمية والدول الرجعية».
ما بعد العسكرتارية والأيديولوجيا
وربما يسأل المراقبون السياسيون اليوم: ماذا عن سورية الجديدة وحقبة الرئيس أحمد الشرع الانتقالية التي تمتد إلى خمس سنوات، وما هو عمق سورية الإستراتيجية ومنطلقات السياسة الخارجية؟
وباعتبار سورية «رادار الشرق الأوسط» على حد وصف الكاتب الصحفي البريطاني الشهير باتريك سيل، صاحب كتاب «حافظ والشرق الأوسط»؛ فإن العديد من دوائر القرار السياسي ومراكز الأبحاث العربية والدولية بدأت تفكر منذ 8 ديسمبر عن محددات السياسة الخارجية السورية، في بلد شكل البعث وجهه الخارجي السياسي منذ 1963 إلى 2024. كان حديث الشرع في خطاب تعيينه رئيساً للمرحلة الانتقالية في 30 يناير، واضح الملامح في رؤية سورية الجديدة، التي ترتكز على البناء والتطوير ولم يتضمن الخطاب أية كلمة مواجهة أو مخاطر خارجية ما يعني أن الوجهة السورية الجديدة هي للداخل لتحويل مسار سورية من بلد مغلق إلى بلد منفتح اقتصادياً وهذا بطبيعة الحال يتطلب «صفر مشاكل».
في الخطاب الثاني الذي يعتبر أكثر أهمية بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب برفع العقوبات عن سورية، حينها استخدم الشرع عبارات تشكل مفاتيح السياسة الخارجية، حين قال «لن تكون سورية بعد اليوم ساحة لتقاسم النفوذ، وأن سورية نجحت في فتح أبواب كانت مغلقة، ومهدت الطريق لعلاقات إستراتيجية مع الدول العربية والغربية».
تشير مثل هذه التصريحات إلى أن سورية اليوم تختلف كلياً عن سورية السابقة، خصوصاً أن سورية ما بعد رفع العقوبات اتجهت نحو الرؤية الغربية في بناء الدولة، بعد أن بقيت سورية خارج الفلك الغربي واختارت المسار الاشتراكي حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ طالما حافظ البعث على سرديات «ميتة» ظلت أداة من أدواتها الشعبوية في الحفاظ على السلطة.
أخبار ذات صلة
نفض غبار الدولة المشاكسة
من الواضح تماماً أن مبدأ «تصفير المشاكل» لسورية هو المبدأ الذي يحكم السياسة الخارجية، وهذا يدل على أن سورية يمكن أن تكون دولة بناءة في جمع العلاقات العربية والإقليمية وأن تنفض غبار الدولة «المشاكسة» التي تتأرجح بين محاور الشر وبين بيت العرب دون أن تعرف نفسها على الخارطة الدولية.
لذا فإن إعادة تعريف دور سورية الإقليمي استناداً إلى السياسة الخارجية اليوم، أمر في غاية الأهمية حتى تتبلور الرؤية في إطار عربي وإقليمي، وهذا ما يحدد مسؤوليات سورية مستقبلا في صياغة الأمن العربي والإقليمي وحتى الدولي.
ولعل السعودية، ساهمت إلى حد كبير في تسليط الضوء الدولي على سورية، خصوصا بعد دورها المهم في رفع العقوبات، وعلى اعتبار أن السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد، فإن التوجه إلى فتح أبواب الاستثمارات ما هو إلا امتداد للرؤية السياسية القائمة على تنوع العلاقات وفق المصالح المتبادلة.. وتبقى سورية اليوم تحت المجهر لفترة طويلة حتى تجد نفسها على الطريق الصحيح، دولة تشبه محيطها العربي والإقليمي لا دولة استثناء سلبي كما كانت على مدى عقود.
طي صفحة الخلافات مع الجوار
حتى مؤشر الشخصنة للرئيس الشرع من الناحية الواقعية كان لافتاً في العقل السياسي الخارجي لسورية الجديدة، وعلى الرغم من الحالة المتوترة بين العراق وسورية بعد سقوط نظام الأسد والكثير من التحريض ضد الإدارة الجديدة، إلا أن الشرع التقى مرتين مدير المخابرات العراقية العامة في دمشق حميد الشطري، في محاولة لطي صفحة الخلاف بين البلدين، والاتجاه إلى نوع جديد من العلاقة يقوم على المصالح المشتركة وعلى متطلبات أمن واقتصاد البلدين، خصوصاً أن الحدود العراقية السورية تصل إلى 600 كيلومتر، فضلا عن العلاقات الاجتماعية على حدود البلدين وحاجة سورية لنفط العراق واقتصاده، إضافة إلى حاجة العراق لبحر سورية المتوسط الذي يمكن العراق من إطلالة متوسطية طالما كان العراق بحاجة لها، بل ذهب الشرع إلى أكثر من ذلك بلقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الدوحة 16 أبريل الماضي، ما يقود إلى اعتقاد مبدئي أن سورية اليوم ليست دولة «شخصنة» أو دولة عداء شخصي.
صحيح أن كل ما تريده الدولة السورية الجديدة هو مجرد توجه ورؤية حالمة في كثير من الأحيان، إلا أن النظرية السياسية اليوم لسورية تختلف عن ستة عقود من الزمن، لا عداوات ولا مواجهات «دونكشوتية» ولا مزايدات، بل إن خارطة تحركات الشرع في الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته الانتقالية، من السعودية إلى تركيا وباريس، تشير إلى تحول إستراتيجي في سورية يقوم على جعلها دولة تشاركية ونقطة وصل بين دول الإقليم لا ساحة صراع أو استقطاب.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مفوض عام "الأونروا": منع إسرائيل دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة "حظر على نقل الحقيقة"
مفوض عام "الأونروا": منع إسرائيل دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة "حظر على نقل الحقيقة"

صحيفة سبق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة سبق

مفوض عام "الأونروا": منع إسرائيل دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة "حظر على نقل الحقيقة"

قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا "فيليب لازاريني: إن "منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، منذ بداية العدوان هو "حظر على نقل الحقيقة"، مشيرًا إلى أن منع سلطات الاحتلال دخول الصحفيين الدوليين إلى غزة، منذ بدء الحرب أمر غير مسبوق في أي صراع آخر في التاريخ الحديث. ولفت لازاريني إلى أن ما تمارسه سلطات الاحتلال مع الصحفيين ولاسيما الدوليين يُعدُّ "الوصفة المثالية لتأجيج التضليل الإعلامي، وتعميق الاستقطاب، وتغييب الإنسانية". وطالب برفع الحظر المفروض على وسائل الإعلام الدولية في قطاع غزة، والسماح للصحفيين الدوليين بالعمل والتغطية الصحفية بشكل مستقل من القطاع، ودعم زملائهم الفلسطينيين الذين يواصلون القيام بعملهم.

339 مليون ريال حجم واردات السعودية من أمواس وماكينات الحلاقة خلال عام
339 مليون ريال حجم واردات السعودية من أمواس وماكينات الحلاقة خلال عام

الاقتصادية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الاقتصادية

339 مليون ريال حجم واردات السعودية من أمواس وماكينات الحلاقة خلال عام

استوردت السعودية من الأمواس وماكينات الحلاقة والشفرات المعدنية، ما قيمته 339 مليون ريال خلال 2024، بحسب بيانات أطلعت عليها "الاقتصادية" من الهيئة العامة للإحصاء. بولندا استحوذت على 64% من حجم الواردات بـ 219 مليون ريال، يليها الصين بـ 11% بقيمة 39 مليون ريال، ثم اليابان بنسبة 5% وبقيمة 17 مليون ريال، حيث تعد الحلاقة من الشعائر المهمة في الحج، للتحلل من الإحرام، تحديدا بعد رمي الجمرات في يوم النحر، وكذلك لمن أراد أن يضحي من عامة المسلمين. من جهته قدر عدد صالونات الحلاقة الرجالية في مكة المكرمة بـ 1480، إضافة إلى أنه يوجد فيها 30 ألف محل تجاري وغذائي، منها 12 ألف محل تتعلق أنشطتها بالصحة العامة، مثل: صوالين الحلاقة والمطابخ والمطاعم ومغاسل الملابس والبقالات وغيرها، بحسب ما ذكره لـ "الاقتصادية" المتحدث الرسمي لأمانة العاصمة المقدسة أسامة زيتون. وزارة التجارة أوضحت لـ "الاقتصادية" أن إجمالي عدد السجلات التجارية القائمة لنشاط الصالونات الرجالية في السعودية 47.7 ألف سجل تجاري وذلك خلال 2024، بارتفاع عن 14% عن 2023، والذي بلغ إجمالي عدد السجلات التجارية فيه 42.2 ألف سجل تجاري. الوزارة بينت أن إجمالي عدد السجلات التجارية بلغ 49 ألف سجل تجاري حتى نهاية الربع الأول من 2025، كما أشارت إلى أن أعلى 3 مناطق في عدد السجلات التجارية القائمة للنشاط حتى نهاية الربع الأول، كانت الرياض بنحو 13 ألف سجل تجاري، ثم مكة المكرمة بعدد 11.2 ألف سجل تجاري، وثالثا الشرقية بعدد 7.7 ألف سجل تجاري.

مصدر عسكري إسرائيلي: تسليح الميليشيات بغزة أنقذ حياة الجنود
مصدر عسكري إسرائيلي: تسليح الميليشيات بغزة أنقذ حياة الجنود

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

مصدر عسكري إسرائيلي: تسليح الميليشيات بغزة أنقذ حياة الجنود

اعتبر مصدر عسكري إسرائيلي أن "عملية تسليح الميليشيات في غزة أنقذت حياة العديد من الجنود"، بعدما أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتسليح مجموعات في القطاع من أجل التصدي لحماس. وأضاف المصدر أن "ميليشيا البدو في رفح هي بمثابة قائد ميداني، وقد أنقذت أرواح العديد من الجنود". كما اعتبر أنه "إذا نجحت ستُشكل بديلاً حقيقياً لحماس، وتُقرّب نهاية التنظيم"، وفق ما أفادت وكالة "معا"، اليوم السبت. إلى ذلك، أشار إلى أنه هذه مجرد بداية، في إشارة إلى الاستمرار في هذا النهج. "حل ميداني" وكانت "خطة تسليح الميليشيات ولدت من إدراك أن إسقاط حماس يستلزم تشكيل حكومة بديلة"، وفق ما أفادت القناة 12 الإسرائيلية. إلا أن القيادة السياسية في إسرائيل رفضت أي حل من الأعلى، سواء بالسلطة الفلسطينية أو قوة متعددة الجنسيات، فتقرر إيجاد حل ميداني". كما أشارة القناة الإسرائيلية إلى أن عدة محاولات فاشلة بُذلت في السابق مع العشائر المحلية، لتبدأ الشهر الماضي خطة تجريبية مع البدو برفح تحت حماية الجيش الإسرائيلي هناك". من جهته، قال التلفزيون الإسرائيلي إن "التجربة تُجرى حالياً في مناطق تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي الكاملة.، وفي حال نجاحها، سيتم نقلها إلى مناطق أخرى أيضاً". "نتحدث عما يُعادل داعش في غزة" وكان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان، قد اتهم تل أبيب بتزويد "ميليشيات إجرامية في قطاع غزة بالأسلحة". حيث قال لهيئة البث الرسمية، إن "إسرائيل نقلت بنادق هجومية وأسلحة خفيفة إلى ميليشيات إجرامية في غزة". كما أشار زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض إلى أن هذه الخطوة أتت بأوامر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، حسب قوله. إلا أنه رجح ألا يكون مجلس الوزراء قد وافق على نقل الأسلحة، لكنه أكد أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) كان يعلم. نتنياهو يعترف في المقابل، أطل نتنياهو بمقطع فيديو نُشر على صفحته على إنستغرام، مؤكداً أن إسرائيل تدعم جماعات معارضة لحماس في غزة. وقال متسائلا: "ما الخطأ في هذا؟ إنه أمر جيد.. إنه يُنقذ أرواح جنود إسرائيليين". فيما صرح زعيم المعارضة يائير لبيد بالقول: "بعدما انتهى نتنياهو من منح ملايين الدولارات لـ(حماس)، انتقل إلى تسليح التنظيمات المقربة من (داعش) في غزة، بشكل ارتجالي ودون تخطيط استراتيجي، ما يؤدي إلى مزيد من الكوارث". وحذر من أن "الأسلحة التي تدخل غزة ستُستخدَم في النهاية ضد جنود الجيش الإسرائيلي والمواطنين الإسرائيليين، وعلى هذه الحكومة أن تعود إلى رشدها". "ياسر أبو شباب" من جانبه، أعلن مسؤول إسرائيلي أن "الحكومة تسلح ميليشيات فلسطينية صغيرة تسيطر على جزء من الأراضي جنوب غزة، كجزء من خطة لبناء مقاومة محلية لحماس". وأوضح أن "قائد الميليشيات ياسر أبو شباب، تلقى أسلحة من الجيش الإسرائيلي عثر عليها داخل غزة خلال الحرب"، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال". وكان فيديو نشرته هذا الأسبوع مجموعة أبو شباب، التي تُطلق على نفسها اسم "القوة الشعبية"، أظهر رجالاً مسلحين يحملون ما يبدو أنها بنادق إم-16 وكلاشينكوف وهم يجوبون الشوارع في غزة. أتت تلك التطورات بعدما كشف مسؤولون من حركة فتح عن تفلت الوضع الأمني في غزة، وتفشي المسلحين والعصابات التي تنتهب المساعدات. كما جاءت بعد وقف مؤسسة غزة الإنسانية لتوزيع المساعدات مؤقتاً، إثر الفوضى وإطلاق النار الذي حصل أكثر من مرة خلال الفترة الماضية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store