
إيران وإسرائيل والشرق الأوسط الجديد
مدخل لا بدّ منه
منذ أكثر من أربعة عقود، وتحديدًا بعد قيام "الجمهورية الإسلامية" في إيران بقيادة آية الله الخميني وانتهاء حكم الشاه، بدأت ملامح سياسة جديدة في التبلور. إذ سرعان ما أعلن الخميني، في أكثر من مناسبة، أن "إسرائيل" تُعدّ غدة سرطانية في قلب العالم الإسلامي، ولا بدّ من استئصالها. وكانت أولى خطوات تغيير السياسات هي تحويل السفارة الإسرائيلية في طهران إلى سفارة لفلسطين، وتسليمها إلى الراحل ياسر عرفات.
وهذا يشير، بغض النظر عن أي تحليلات حول نوايا الجمهورية الإسلامية، إلى أنّ لفلسطين حضورًا قويًا في السياسة الإيرانية. ولم يتوقف الأمر لإثبات ذلك عند الشعارات، فقد شرعت الجمهورية الإسلامية منذ أواخر السبعينيات في بناء علاقات مع حركات التحرر الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح بقيادة ياسر عرفات. وقد شهدت شوارع طهران حينها أضخم التظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال زيارة عرفات.
وتطوّرت شبكة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وحركات التحرر الفلسطينية تدريجيًا لتأخذ طابعًا مميزًا، ولا سيما مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ولم يكن خافيًا أنّ الجمهورية الإسلامية أصبحت الداعم الرئيسي لحركات المقاومة في فلسطين، وخصوصًا هاتين الحركتين.
انطلاقًا من هذا المدخل، يمكن فهم أن علاقة الجمهورية الإيرانية بفلسطين، في عهد الخميني ومن بعده خامنئي، تختلف جذريًا عن علاقتها بفلسطين في عهد الشاه، حين كانت إيران من أبرز الحدائق الخلفية للموساد الإسرائيلي، وعملاء الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.
ويساعدنا هذا المدخل على فهم ما يجري اليوم، وربما ما سيجري مستقبلاً، بين الجمهورية الإسلامية ودولة إسرائيل، باعتبار الأخيرة دولة احتلال لفلسطين، التي تُعدّ أرضًا محتلة يجب تحريرها، حسب العقيدة الإيرانية الراسخة، ولا سيما لدى المرشد الأعلى والحرس الثوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لماذا الحرب على إيران الآن؟
فكرة مهاجمة الجمهورية الإسلامية ليست حديثة العهد. فنتنياهو لم يستيقظ فجأة على حلم قرر إثره مهاجمة إيران. بل إنّه كان يطرح هذه الفكرة منذ ما لا يقل عن خمسة عشر عامًا، محذرًا في كل محفل من أن "إيران قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي"، وهو ما اعتُبر في العقل الإسرائيلي التهديد الأكبر لدولة إسرائيل.
لكن التردد الإسرائيلي في الإقدام على هذا الهجوم كان نابعًا من القلق من ردّة فعل حلفاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة، إذ كان من المحتمل، في حال نشوب حرب، أن تُفتح جبهات عديدة على امتداد ما يسمى بـ"محور المقاومة". فكان التريث، بانتظار الفرصة الأنسب للهجوم على إيران، هو سيدَ الموقف لدى إسرائيل دون أن تتخلى عن طموحاتها في التمدد الإقليمي.
إسرائيل والطوفان وعنصر المباغتة!
لم يكن سرًا أن كتائب القسام أعلنت مرارًا امتلاكها معلومات استخباراتية، أقرّ بحقيقة مضمونها بعض القادة العسكريين والأمنيين في إسرائيل، تشير إلى أن الاحتلال كان يخطط لشنّ هجوم واسع ومباغت على حركات المقاومة، في محاولة لإضعاف النفوذ الإيراني، يبدأ من غزة، عبر استهداف حركتي حماس والجهاد، والقضاء على قياداتهما.
غير أن المقاومة، وخصوصًا حركة حماس، استبقت الهجوم بهجومٍ مفاجئ أسمته "الطوفان"، لا تزال تداعياته ممتدة إلى اليوم. ومع تصاعد الصدمة الإسرائيلية من هذه الضربة، بدأ المشروع الصهيوني يتكشّف علنًا، بإعلان نتنياهو المتكرّر أنه ماضٍ في "تغيير الشرق الأوسط" باتجاه "شرق أوسط جديد". وكان قد كشف ملامحه في كلمته أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2023، قبل "الطوفان" بأسابيع، متحدثًا عن "إسرائيل الكبرى الجديدة".
وكانت الولايات المتحدة تقف خلف هذا التوجه، مدعومة ببعض الحلفاء الفاعلين في الإقليم.
الشرق الأوسط الجديد!
فكرة "الشرق الأوسط الجديد" ليست جديدة. فقد تحدّث عنها شيمون بيريز، رئيس الوزراء السابق لدولة الاحتلال، في كتابه المعروف بهذا الاسم. وكان بيريز يرى أن تحقيق السلام والرخاء الاقتصادي مع الدول المجاورة، وبشكل عام في الإقليم، هو السبيل لتحقيق هذه الرؤية.
لكن هذه الفكرة تعثرت لأسباب عدّة، أهمها وجود حركات مقاومة، خصوصًا في فلسطين، التي تبنّت نهج "وحدة الساحات" كإستراتيجية في نضالها ضد الاحتلال. ومع مرور أكثر من قرن على اتفاقية سايكس بيكو، واهتراء أنظمة التجزئة في المنطقة، ظهرت رغبة إسرائيلية قوية في فرض "شرق أوسط جديد" يمنحها قرنًا آخر من السيطرة.
ومضى الأمر لتحقيق ذلك فيما يشبه توزيع الأدوار: أميركا تركز على جبهتي أوروبا وروسيا، وتراقب صعود الصين، بينما تتولى إسرائيل مهمة مواجهة حركات المقاومة في المنطقة.
لكن السؤال: هل سينجح مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
لنجاح هذه الفكرة، لا بد من تحقق أربعة محددات أساسية:
وجود رغبة حقيقية لدى أميركا وإسرائيل. توافر أنظمة فاعلة لدعم وتحقيق الفكرة. القضاء على حركات المقاومة في الإقليم، إلى جانب مناصريها. غياب الوعي الشعبي العربي والإسلامي، إضافة إلى دعم الأحرار حول العالم.
وعند تأمل هذه المحددات، يتبين أن الأول منها فقط هو المتحقق، أما البقية، وخصوصًا القضاء على المقاومة، فهي مستبعدة. فالمقاومة، رغم كل ما تعرّضت له خلال العامين الماضيين، ما تزال حيّة، وتخوض حرب استنزاف تؤلم الاحتلال. فهل يعقل أن يعجز الاحتلال عن القضاء على مقاومة صغيرة في غزة، ثم ينجح في القضاء على دولة بحجم إيران؟
هل ستنتهي إيران الآن؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن أبدًا بعيدًا عن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" بشكل أو بآخر، فسياساته ساهمت في تشكيل مناخ وظروف المنطقة.. فقد اختار الانسحاب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى، وكان أبرز الداعمين لإسرائيل، بنقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل.
ولكنه في ذات الوقت، رفع في الأشهر الأخيرة شعار الدبلوماسية والحوار مع الجمهورية الإسلامية ووضع سقفًا زمنيًا مدته شهران للوصول إلى اتفاق على المقاس والمعايير الأميركية.
وفيما خفي من الصورة، ظل التنسيق بين واشنطن وتل أبيب قائمًا بشأن مفاوضات إيران، التي اعتُقد أنها ستكون هدفًا سهلًا يمكن الانتهاء منه خلال أيام قلائل، كما حدث مع حزب الله في لبنان. لكن هذا التصور أغفل أن إيران، التي ترفع شعار تدمير إسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، لا يمكن أن تكون نائمة طوال تلك العقود لتصبح "لقمة سائغة".
ومع انقضاء المهلة التي منحها ترامب، وجّهت إسرائيل ضربة مباغتة ومكلفة لإيران، كشفت عن اختراق أمني خطير داخل الجمهورية الإسلامية. لكنها، رغم ذلك، استوعبت الضربة سريعًا وبدأت بالرد، فوجدت إسرائيل نفسها في مأزِق، طالبةً التدخل الأميركي.
ودخلت أميركا الحرب!
اندلعت الحرب، وبدأت جولات قتالية متعددة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية. لم تستطع إسرائيل تنفيذ ضربة فعّالة على المنشآت النووية الإيرانية دون دعم مباشر من الولايات المتحدة، التي لم تكن غائبة منذ البداية، بل شاركت سياسيًا، إعلاميًا، أمنيًا، ولوجيستيًا.
وتحقّق التدخل العسكري المباشر، الذي سبقته خدعة "مهلة الأسبوعين". فجاءت الضربة المفاجئة فجر السبت على مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان، والتي تنوّعت التقارير بشأن مدى الضرر الفعلي الذي أصابها.
ورد ترامب بالدعوة للسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات، على طريقة: "السلام بالقوة". وردّت إيران مساء الاثنين بقصف محدود على قاعدة العديد في قطر، التي كانت قد أُخليت مسبقًا.
لكن إيران لم توسّع نطاق ردّها ضد أميركا، وركّزت في المقابل على مواصلة قصف إسرائيل، دون أن تلمّح إلى نية وقف الحرب. وهنا، أتصور أن هناك مجموعة من الأسباب جعلت الإيراني لا يتجه إلى توسيع مساحة الرد على القواعد الأميركية في المنطقة، وهذه الأسباب هي:
عدم رغبة إيران في الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا، لإدراكها حجم الرد المحتمل. عدم استعداد القوى الصديقة لإيران لخوض مواجهة مع أميركا، مما أضعف موقفها. تراجع قدرة بعض حلفاء إيران، الذين كانت تعوّل عليهم. اختراق أمني محتمل داخل إيران حال دون اتخاذ قرار بالمواجهة المفتوحة.
صباح الثلاثاء، أعلنت قطر عن وساطة بطلب أميركي، للضغط على إيران لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وأظن هنا أن إسرائيل بحاجة أكبر من إيران لوقف إطلاق النار، لأسباب منها:
عجز إسرائيل عن تحمل خسائر الضربات الإيرانية المتكررة. عدم رغبتها في خوض حرب طويلة، بينما تقول إيران إنها مستعدة لها.
بقيت نقطة ما بعد وقف إطلاق النار، فهل سيذهب الإيرانيون للمفاوضات أم لا؟
من المرجّح أن إيران ستقبل الذهاب إلى المفاوضات، ولكن ليس بمنطق المستسلم كما أراد ترامب، بل كطرف يشعر بالنصر لصموده في وجه إسرائيل وأميركا معًا، وأفشل محاولة إسقاط النظام عبر خلايا داخلية دُرّبت لهذا الغرض.
ستتفاوض إيران، لكنها ستُبقي طلقة رصاص جاهزة في مسدسها، تحسّبًا لأي تصعيد تقوم به دولة الاحتلال.
هذه جولة من جولات الصراع بين دولة الاحتلال والجمهورية الإسلامية، وهي ليست نهاية الحرب. بل سيتبعها جولات عديدة قادمة، لا أظن أن المسافات ستطول بينها. وهي جولات تهدف إلى مشاغلة العدو، والوقوف في وجه فكرة الشرق الأوسط الجديد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
العفو الدولية: الناجون من سجون الأسد يعانون في ظل غياب شبه تام للدعم
قالت منظمة العفو الدولية -الخميس- إن "الناجين من الاحتجاز الوحشي في سجون نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا -ومن ضمنهم نزلاء سجن صيدنايا المرعب- ما زالوا يعانون من تبعات جسدية ونفسية مدمرة في ظل غياب مقلق وشبه تام للدعم". وأكدت المنظمة بمناسبة اليوم الدولي لدعم ضحايا التعذيب أن الوضع المقلق للناجين من التعذيب في سوريا يتواصل بعد مضي 6 أشهر على سقوط نظام الأسد. وأعلنت المنظمة ضم صوتها إلى جمعيات الناجين في سوريا في الدعوة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة تضمن حق ضحايا التعذيب في الحصول على التعويض بما يشمل إعادة التأهيل وتحقيق العدالة. وأفادت بأن الحكومة السورية الجديدة يقع على عاتقها التزام بضمان حقوق ضحايا التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والحصول على التعويض. كما دعت العفو الدولية الحكومات المانحة إلى توفير التمويل العاجل للمجموعات التي يقودها الناجون في سوريا والجمعيات العائلية والبرامج المخصصة لدعم ضحايا التعذيب. قصص مرعبة وقالت مسؤولة حملات في منظمة العفو الدولية بيسان فقيه إن قصص التعذيب والاختفاء القسري والشنق الجماعي سرا في مراكز الاحتجاز بسوريا أثارت "الرعب في النفوس على مدى سنوات". وأضافت "من غير المعقول أن هؤلاء الذين تمكنوا من الخروج أحياء من زنزانات التعذيب المروعة يواجهون صعوبة اليوم في الحصول على العلاج الطبي والنفسي العاجل". وشددت فقيه على أن الحكومة السورية تواجه تحديات اقتصادية وسياسية جمة، ولكن يتوجب عليها أن تضمن إحالة جميع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن التعذيب وجرائم أخرى معترف بها دوليا إلى العدالة في محاكمات عادلة أمام محاكم مدنية عادية فورا ودون تأخير. وأشارت إلى أن سنوات التعذيب والظروف غير الإنسانية التي عانى منها الناجون في سوريا خلفت "آثارا صحية جسيمة على المحتجزين السابقين"، حيث يعاني العديد منهم من السل ومشاكل صحية أخرى في العيون والمفاصل والأعصاب. كما اعتبرت أن الأسنان المكسورة جراء التعذيب تبقى أمرا شائعا لدى الناجين، فضلا عن معاناتهم من أعراض تتطابق مع اضطراب ما بعد الصدمة، وأكدت حاجتهم إلى الدعم الطبي والنفسي والقانوني فورا.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
تبدو الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران حرب وجود للطرفين، فطموح إسرائيل لتدمير البرنامج النووي الإيراني، أمرٌ قد بات بعيد المنال في ضوء الهجمات الأميركية التي نالت من سطح البرنامج دون أن تدمر أعماقه، والوقت ليس في صالح الهدف الإسرائيلي، بل إن أقصى طموحات إسرائيل حاليًا هو عرقلة البرنامج النووي الإيراني لسنوات وليس القضاء عليه، كما أن المحيط الجغرافي لن يقبل هذه الحرب، المحيط الجغرافي هنا يمتد من باكستان حتى أوروبا، لذا في هذا السياق هناك عدة تساؤلات: ماهيّة هذه الحرب؟ ما هي النتائج التي ستترتب عليها؟ هل من فائز حقيقي فيها؟ في حقيقة الأمر، الفائز الحقيقي في هذه الحرب هو روسيا، فهي تستفيد من ارتفاع أسعار النفط بوصفه أكبر صادراتها، ثم إن هذه الحرب تعزز حساب التفاضل والتكامل بالنسبة لها في حرب أوكرانيا، لكن على الجانب الآخر، فإن الطرفين المتصارعين إيران وإسرائيل خاضا حربًا حساباتها الدقيقة ممتدة إلى خارج إرادة كليهما، وهذا مكمن تصرف الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. قوة الصورة ذهبت إسرائيل في ضربتها الأولى إلى قوة الصورة وتأثيرها على الجمهور الإيراني بالدرجة الأولى، ثم إلحاق هزيمة نفسية ويأس في المنطقة العربية، فمشاهد الدمار في إيران ومقتل علمائها وتركيز إسرائيل على فاعلية قوتها ودقتها، أحدثت هزة كبيرة في إيران والمنطقة، وصارت تروّج للمقولة القديمة التي شاعت بعد حرب 1967 بأن جيش إسرائيل لا يقهر. كان الرد الإيراني المتتالي صاعقًا، إذ إن إيران بالرغم من محدودية الخسائر الإسرائيلية، مثلت صور الدمار في تل أبيب وحيفا انتصارًا معنويًا لها، بل سرعان ما اشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي العربية بصور الدمار في إسرائيل، لذا فإن إسرائيل في هذه المعركة فقدت شيئًا لم تدركه بعد، ستبدأ في إدراكه في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد الحرب. ما جرى يمكن اعتباره تراجعًا ملحوظًا في صورة إسرائيل كقوة عسكرية لا تُقهر، وهو ما قد يفتح الباب أمام الأجيال القادمة في المنطقة العربية لتعزيز طموحاتها في إنهاء الصراع مع إسرائيل، التي لطالما مثّلت خصمًا تاريخيًا فعّالًا في الوعي الجمعي للشعوب العربية. قوة السلاح تمتلك إسرائيل قوة ردع وهجوم متفوقة في المنطقة العربية، وقد نجحت في تحجيم حزب الله، ثم قوضت قدرات حركة حماس في غزة، وهذا التفوق عنوانه القوات الجوية، وهنا يبرز على الفور القدرات العربية والإيرانية في الدفاع الجوي، ومن ثَمَّ نرى أن معظم الدول العربية وإيران، فيما عدا مصر، لم تبنِ قوات دفاع جوي لمواجهة هذا التفوق الإسرائيلي وتحجيمه. وتحييد الطيران الحربي لإسرائيل مستقبلًا هو بداية التعاطي مع إسرائيل بمنطق الحد من قدراتها، وهو ما سيحجم الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة. لقد نجحت إيران بصورة نسبية في مواجهة هذا التفوق لكن مع الضربة الثانية عليها، حيث أسقطت طائرة "إف 35". وهو مؤشر جيد على إمكانية التعامل مع القوات الجوية الإسرائيلية. لدى إسرائيل طائرات مسيرة متعددة المهام، وفي المقابل تمتلك إيران طائرات مسيرة متقدمة، لكن قدرات إسرائيل على تتبع هذه الطائرات تحجم من قدراتها، بيد أنه على الجانب الآخر، فإن المستقبل يشي بأنه لو طورت إيران والعرب من قدرات الطائرات المسيرة فسيكون الداخل الإسرائيلي تحت التهديد الجوي لأول مرة منذ إنشائها، وهو ما سيمثل خرقًا لنظريات وإستراتيجيات الدفاع الإسرائيلي. كما أن اختراق الصواريخ الإيرانية يشي بأن المستقبل الإسرائيلي في صد هذه الهجمات بات محل تساؤلات؟ إن خسائر إيران تبدو كبيرة- وإن لم يوجد لها حتى الآن حصر- وستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، فضلًا عن أنه على الجانب الآخر تتعرض إسرائيل إلى حصار اقتصادي غير معلن، فالحرب تؤدي إلى وقف حركة الشحن بالطائرات، فضلًا عن إيقاف العديد من الخطوط الملاحية إلى موانئ إسرائيل، وهو ما يعني أن الحرب لها عواقب على إسرائيل سيئة. لكن هل الولايات المتحدة استطاعت منع امتداد الصراع وتحوله إلى حرب واسعة على مستوى المنطقة؟ إن ما لا تدركه الولايات المتحدة ومعها إسرائيل هو طبيعة الشعب الإيراني، فهو شعب عنيد تجاه أي غزو أو هجوم خارجي، حتى لو اختلف مع النظام الحاكم، وهذا أيضًا ما لم يدركه صدام حسين حين شن حربًا ضد إيران في مرحلة ظن أنها ضعفت فيها عقب الثورة الإيرانية. وكذلك الأمر حين أدركت إسرائيل أن إيران تم تقليم أظفارها في لبنان، وسوريا. لكن في حالة يأس إيران أو محاولة كسرها بصورة صريحة فلن يكون أمامها سوى ضرب المصالح الأميركية بصورة مباشرة، وهو ما هددت به، لذا فقد تم ضرب موقع فوردو النووي الإيراني من قبل الولايات المتحدة، فهي التي تملك هذه القدرة. بيدَ أن القلق الأميركي من تفاقم الوضع والرعب من تأثير الحرب على الداخل الإسرائيلي والذي تمثل في فرار مواطنين إسرائيليين إلى خارج إسرائيل باعتبارها بلدًا افتقد الأمان لأول مرة، وكذلك عدم قدرة إسرائيل على تحمل حرب من هذا النوع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، كل هذا كان سببًا لقبول وقف إطلاق النار. على الجانب الآخر فإن خروج إيران من هذه الحرب منتصرة أو في وضع اللامهزوم واللامنتصر يعني ضمنًا هزيمة إستراتيجية ونفسية لإسرائيل، وهو أمر يسبب نتائج وخيمة على المدى البعيد على إسرائيل، وعلى وجودها، لذا فإن نتنياهو يدرك أن هذا الوضع ينهي حياته السياسية ويقوده إلى السجن، وهو ما يدركه جيدًا، لذا فإنه أنهى هذه الحرب بعد أن وصل لنتيجة مرضية له قبل أن تكون مرضية لجمهوره، فضلًا عن أن الولايات المتحدة قد تدخلت لوقف الحرب بالأمر المباشر لإسرائيل، فأسواق النفط لن تتحمل الأسعار وتصاعدها، والأسهم وسقوطها يشكل أزمة عالمية، والصين تترقب كل هذا. لذا فإن إنهاء الحرب جاء وفق ما انتهت إليه كأمر واقع، من هنا فإن إنهاءها بوضع اللامهزوم واللا منتصر هو الحل الذي وصلت إليه لإسرائيل غير المنتصرة ولا المهزومة، وكذلك إيران، نحن أمام جيل جديد من الحروب عن بعد، ولكنها حروب غير محسومة، الخاسر في هذه الحرب هو الولايات المتحدة التي أكسبت روسيا والصين مساحات جديدة عليهما الاستثمار فيها، وإلا فإنهما سيكونان كمن فقد الفرصة الذهبية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل تجبر عمليات المقاومة نتنياهو على إبرام صفقة شاملة في غزة؟
أجمع محللون سياسيون على أن إستراتيجيات المقاومة الأخيرة تفرض ضغوطا متزايدة تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية إلى التفكير جديا في صفقة شاملة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وعرضت الجزيرة مؤخرا مشاهد تفجير كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ناقلتي جند إسرائيليتين في كمين ب خان يونس جنوبي القطاع، مما أسفر عن مقتل 7 جنود داخلهما، بينهم ضابط. وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن إن ما يحدث هو سيناريو كبير "قد يكتمل خلال أسبوع أو أسبوعين، وقد يتوج بزيارة نتنياهو إلى واشنطن". وأوضح شتيرن لبرنامج "مسار الأحداث" أن هذا السيناريو يشمل أولا وقفا لإطلاق النار وتبادلا للأسرى في غزة، وربما انسحابا إسرائيليا من القطاع. وتتضمن هذه الصفقة المحتملة عناصر متعددة الأبعاد، إذ أكد شتيرن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد أيضا أن يكون هناك عفو لنتنياهو من محاكمته قبل أن الوصول إلى نهايتها، وقد تشمل أيضا الذهاب إلى انتخابات مبكرة. وفي الإطار ذاته، اتفق المحللون على أن عودة المقاومة الفلسطينية بقوة وتنفيذها عمليات نوعية ناجحة خلال الأيام الماضية تشكل العامل الضاغط الرئيسي في المعادلة الحالية. وفي هذا الإطار، أكد الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن المقاومة سجلت "صورا مبهرة تثبت أنها حاضرة وقوية"، مما يشكل عاملا ضاغطا كبيرا على المجتمع الإسرائيلي. وبناء على هذه التطورات الميدانية طرحت العمليات العسكرية الأخيرة -وفق القرا- تساؤلات كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي عما يفعل الجيش الإسرائيلي في غزة. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي "إذا كان يبحث عن 20 جنديا أحياء في قطاع غزة فقد عاد بـ28 جنديا إسرائيليا في أكياس، بعضهم تبخر بفعل الانفجارات". قيود وضغوطات ومن زاوية عسكرية، أكد الخبير العسكري العميد إلياس حنا أن الجيش الإسرائيلي يواجه قيودا حقيقية في قدراته التشغيلية تدعم ما ذهب إليه القرا، كما لا يمكن أن تقاتل كافة الفرق العسكرية في الوقت ذاته داخل القطاع. وعلى هذا الأساس، أكد حنا أن أي عمل عسكري حقيقي يجب أن يكون هجوما شاملا متكاملا يترافق مع الطيران والتقدم البري، لكن هذا الأمر لم يعد قادرا عليه جيش الاحتلال لأسباب عدة، فضلا عن أن خصائص هذه الحرب مختلفة تماما وتتطلب وقتا طويلا. وأعرب عن قناعته بأن المقاومة قادرة على الاستمرار، مشيرا إلى توفر العوامل الأساسية للمقاومة، وهي: الإرادة والوسائل والملاذات الآمنة"، إضافة إلى أن الأنفاق لم يُدمر منها أكثر من 30% بالحد الأقصى، وأن المقاومة قادرة على رفع الثمن. وبالتوازي مع التحديات العسكرية أجمع المحللون على أن نتنياهو يواجه ضغوطات متزايدة من داخل ائتلافه الحكومي. وفي هذا السياق، أشار الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين إلى أن نتنياهو اصطدم بجدار الواقع بعد أن اعتاد الهروب إلى الأمام في العمليات العسكرية بدلا من حل مشاكله وأزماته. وأوضح جبارين أن نتنياهو أمام 3 حلول حاسمة تتمثل في: قدرته على المناورة. الأدوات والمساعدات المتاحة من واشنطن. الثمن والتنازلات التي يمكنه أن يدفعها. وفي ضوء هذه المعطيات، أعرب جبارين عن قناعته بأن إسرائيل باتت أقرب إلى انتخابات مبكرة، ولكن يبقى السؤال "هل ستكون صفقة تغلفها انتخابات أم تصعيد في غزة يفجر المشهد؟". وعلى الصعيد الدولي، يرى القرا أن الولايات المتحدة بدأت تستمع إلى أصوات مقربة من حماس بشأن ما يحدث في غزة. ووفق القرا، فإن المشكلة الحقيقية مرتبطة بغزة ولا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، مؤكدا أن ترجمة التصريحات الأميركية إلى فعل حقيقي "تحتاج إلى قرار نتنياهو بإرسال وفد إلى الدوحة أو القاهرة، حيث يمكن التوصل إلى اتفاق خلال 24 ساعة".