
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
تبدو الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران حرب وجود للطرفين، فطموح إسرائيل لتدمير البرنامج النووي الإيراني، أمرٌ قد بات بعيد المنال في ضوء الهجمات الأميركية التي نالت من سطح البرنامج دون أن تدمر أعماقه، والوقت ليس في صالح الهدف الإسرائيلي، بل إن أقصى طموحات إسرائيل حاليًا هو عرقلة البرنامج النووي الإيراني لسنوات وليس القضاء عليه، كما أن المحيط الجغرافي لن يقبل هذه الحرب، المحيط الجغرافي هنا يمتد من باكستان حتى أوروبا، لذا في هذا السياق هناك عدة تساؤلات:
ماهيّة هذه الحرب؟
ما هي النتائج التي ستترتب عليها؟
هل من فائز حقيقي فيها؟
في حقيقة الأمر، الفائز الحقيقي في هذه الحرب هو روسيا، فهي تستفيد من ارتفاع أسعار النفط بوصفه أكبر صادراتها، ثم إن هذه الحرب تعزز حساب التفاضل والتكامل بالنسبة لها في حرب أوكرانيا، لكن على الجانب الآخر، فإن الطرفين المتصارعين إيران وإسرائيل خاضا حربًا حساباتها الدقيقة ممتدة إلى خارج إرادة كليهما، وهذا مكمن تصرف الولايات المتحدة لإنهاء الحرب.
قوة الصورة
ذهبت إسرائيل في ضربتها الأولى إلى قوة الصورة وتأثيرها على الجمهور الإيراني بالدرجة الأولى، ثم إلحاق هزيمة نفسية ويأس في المنطقة العربية، فمشاهد الدمار في إيران ومقتل علمائها وتركيز إسرائيل على فاعلية قوتها ودقتها، أحدثت هزة كبيرة في إيران والمنطقة، وصارت تروّج للمقولة القديمة التي شاعت بعد حرب 1967 بأن جيش إسرائيل لا يقهر.
كان الرد الإيراني المتتالي صاعقًا، إذ إن إيران بالرغم من محدودية الخسائر الإسرائيلية، مثلت صور الدمار في تل أبيب وحيفا انتصارًا معنويًا لها، بل سرعان ما اشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي العربية بصور الدمار في إسرائيل، لذا فإن إسرائيل في هذه المعركة فقدت شيئًا لم تدركه بعد، ستبدأ في إدراكه في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد الحرب.
ما جرى يمكن اعتباره تراجعًا ملحوظًا في صورة إسرائيل كقوة عسكرية لا تُقهر، وهو ما قد يفتح الباب أمام الأجيال القادمة في المنطقة العربية لتعزيز طموحاتها في إنهاء الصراع مع إسرائيل، التي لطالما مثّلت خصمًا تاريخيًا فعّالًا في الوعي الجمعي للشعوب العربية.
قوة السلاح
تمتلك إسرائيل قوة ردع وهجوم متفوقة في المنطقة العربية، وقد نجحت في تحجيم حزب الله، ثم قوضت قدرات حركة حماس في غزة، وهذا التفوق عنوانه القوات الجوية، وهنا يبرز على الفور القدرات العربية والإيرانية في الدفاع الجوي، ومن ثَمَّ نرى أن معظم الدول العربية وإيران، فيما عدا مصر، لم تبنِ قوات دفاع جوي لمواجهة هذا التفوق الإسرائيلي وتحجيمه.
وتحييد الطيران الحربي لإسرائيل مستقبلًا هو بداية التعاطي مع إسرائيل بمنطق الحد من قدراتها، وهو ما سيحجم الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة. لقد نجحت إيران بصورة نسبية في مواجهة هذا التفوق لكن مع الضربة الثانية عليها، حيث أسقطت طائرة "إف 35". وهو مؤشر جيد على إمكانية التعامل مع القوات الجوية الإسرائيلية.
لدى إسرائيل طائرات مسيرة متعددة المهام، وفي المقابل تمتلك إيران طائرات مسيرة متقدمة، لكن قدرات إسرائيل على تتبع هذه الطائرات تحجم من قدراتها، بيد أنه على الجانب الآخر، فإن المستقبل يشي بأنه لو طورت إيران والعرب من قدرات الطائرات المسيرة فسيكون الداخل الإسرائيلي تحت التهديد الجوي لأول مرة منذ إنشائها، وهو ما سيمثل خرقًا لنظريات وإستراتيجيات الدفاع الإسرائيلي. كما أن اختراق الصواريخ الإيرانية يشي بأن المستقبل الإسرائيلي في صد هذه الهجمات بات محل تساؤلات؟
إن خسائر إيران تبدو كبيرة- وإن لم يوجد لها حتى الآن حصر- وستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، فضلًا عن أنه على الجانب الآخر تتعرض إسرائيل إلى حصار اقتصادي غير معلن، فالحرب تؤدي إلى وقف حركة الشحن بالطائرات، فضلًا عن إيقاف العديد من الخطوط الملاحية إلى موانئ إسرائيل، وهو ما يعني أن الحرب لها عواقب على إسرائيل سيئة.
لكن هل الولايات المتحدة استطاعت منع امتداد الصراع وتحوله إلى حرب واسعة على مستوى المنطقة؟
إن ما لا تدركه الولايات المتحدة ومعها إسرائيل هو طبيعة الشعب الإيراني، فهو شعب عنيد تجاه أي غزو أو هجوم خارجي، حتى لو اختلف مع النظام الحاكم، وهذا أيضًا ما لم يدركه صدام حسين حين شن حربًا ضد إيران في مرحلة ظن أنها ضعفت فيها عقب الثورة الإيرانية. وكذلك الأمر حين أدركت إسرائيل أن إيران تم تقليم أظفارها في لبنان، وسوريا.
لكن في حالة يأس إيران أو محاولة كسرها بصورة صريحة فلن يكون أمامها سوى ضرب المصالح الأميركية بصورة مباشرة، وهو ما هددت به، لذا فقد تم ضرب موقع فوردو النووي الإيراني من قبل الولايات المتحدة، فهي التي تملك هذه القدرة.
بيدَ أن القلق الأميركي من تفاقم الوضع والرعب من تأثير الحرب على الداخل الإسرائيلي والذي تمثل في فرار مواطنين إسرائيليين إلى خارج إسرائيل باعتبارها بلدًا افتقد الأمان لأول مرة، وكذلك عدم قدرة إسرائيل على تحمل حرب من هذا النوع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، كل هذا كان سببًا لقبول وقف إطلاق النار.
على الجانب الآخر فإن خروج إيران من هذه الحرب منتصرة أو في وضع اللامهزوم واللامنتصر يعني ضمنًا هزيمة إستراتيجية ونفسية لإسرائيل، وهو أمر يسبب نتائج وخيمة على المدى البعيد على إسرائيل، وعلى وجودها، لذا فإن نتنياهو يدرك أن هذا الوضع ينهي حياته السياسية ويقوده إلى السجن، وهو ما يدركه جيدًا، لذا فإنه أنهى هذه الحرب بعد أن وصل لنتيجة مرضية له قبل أن تكون مرضية لجمهوره، فضلًا عن أن الولايات المتحدة قد تدخلت لوقف الحرب بالأمر المباشر لإسرائيل، فأسواق النفط لن تتحمل الأسعار وتصاعدها، والأسهم وسقوطها يشكل أزمة عالمية، والصين تترقب كل هذا.
لذا فإن إنهاء الحرب جاء وفق ما انتهت إليه كأمر واقع، من هنا فإن إنهاءها بوضع اللامهزوم واللا منتصر هو الحل الذي وصلت إليه لإسرائيل غير المنتصرة ولا المهزومة، وكذلك إيران، نحن أمام جيل جديد من الحروب عن بعد، ولكنها حروب غير محسومة، الخاسر في هذه الحرب هو الولايات المتحدة التي أكسبت روسيا والصين مساحات جديدة عليهما الاستثمار فيها، وإلا فإنهما سيكونان كمن فقد الفرصة الذهبية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
مصدر إسرائيلي: دعوة ترامب لوقف محاكمة نتنياهو جزء من تحرك لإنهاء حرب غزة
نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر إسرائيلي قوله إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة بشأن إنهاء محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كانت جزءا من تحرك واسع لإنهاء الحرب في غزة. وقال المصدر المقرب من نتنياهو إن طلب ترامب إنهاء محاكمة رئيس الوزراء هو لإعداد الرأي العام لاحتمال منحه عفوا. وأضاف أن تصريحات الرئيس الأميركي لم تنشر عبثا، بل كانت هذا جزءا من محاولة دبلوماسية شاملة يشارك فيها أيضا فاعلون دوليون آخرون. وكان الرئيس الأميركي قد قال عبر حسابه في تروث سوشيال إنه يجب إلغاء محاكمة نتنياهو فورا أو منحه عفوا. وقال ترامب إن الولايات المتحدة أنقذت إسرائيل، والآن ستكون هي من تنقذ نتنياهو. من جهتها، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر سياسية قولها إن هناك ضغطا شديدا من الرئيس الأميركي على رئيس الوزراء الإسرائيلي لإنهاء الحرب على غزة. وقالت الصحيفة إن هذا الضغط بدأ قبل الهجوم على إيران واستؤنف فور انتهائه. يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاكم في قضايا فساد، ومَثُل في الأشهر الأخيرة مرارا أمام المحكمة. محادثات سرية في غضون ذلك، كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية أن عميت حداد محامي نتنياهو أجرى مؤخرا محادثات سرية مع رئيس المحكمة العليا المتقاعد أهارون باراك بغية إنهاء محاكمة موكله، وهدف الاجتماع إلى بحث إمكانية التوصل إلى صفقة ادعاء في ملفات الفساد التي يتهم فيها نتنياهو. وذكرت القناة أن القاضي باراك أبدى ملاحظتين خلال الاجتماع، الأولى تتعلق بضرورة قبول موافقة المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا لتكون الوسيط بين الطرفين، علما أن ميارا رفضت حتى الآن جميع طلبات القضاة لبدء مثل هذه الوساطة. كما قال باراك إنه في أي حال من الأحوال سيكون اعتزال رئيس الوزراء السياسة أمرا مطلوبا. وأوضح المحامي عميت حداد أن لدى نتنياهو شرطين أساسيين ضمن أي تسوية، وهما ألا يُلزم بالتنحي عن السلطة وألا تلحق أي وصمة عار بملفه الشخصي.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
العفو الدولية: الناجون من سجون الأسد يعانون في ظل غياب شبه تام للدعم
قالت منظمة العفو الدولية -الخميس- إن "الناجين من الاحتجاز الوحشي في سجون نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا -ومن ضمنهم نزلاء سجن صيدنايا المرعب- ما زالوا يعانون من تبعات جسدية ونفسية مدمرة في ظل غياب مقلق وشبه تام للدعم". وأكدت المنظمة بمناسبة اليوم الدولي لدعم ضحايا التعذيب أن الوضع المقلق للناجين من التعذيب في سوريا يتواصل بعد مضي 6 أشهر على سقوط نظام الأسد. وأعلنت المنظمة ضم صوتها إلى جمعيات الناجين في سوريا في الدعوة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة تضمن حق ضحايا التعذيب في الحصول على التعويض بما يشمل إعادة التأهيل وتحقيق العدالة. وأفادت بأن الحكومة السورية الجديدة يقع على عاتقها التزام بضمان حقوق ضحايا التعذيب وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والحصول على التعويض. كما دعت العفو الدولية الحكومات المانحة إلى توفير التمويل العاجل للمجموعات التي يقودها الناجون في سوريا والجمعيات العائلية والبرامج المخصصة لدعم ضحايا التعذيب. قصص مرعبة وقالت مسؤولة حملات في منظمة العفو الدولية بيسان فقيه إن قصص التعذيب والاختفاء القسري والشنق الجماعي سرا في مراكز الاحتجاز بسوريا أثارت "الرعب في النفوس على مدى سنوات". وأضافت "من غير المعقول أن هؤلاء الذين تمكنوا من الخروج أحياء من زنزانات التعذيب المروعة يواجهون صعوبة اليوم في الحصول على العلاج الطبي والنفسي العاجل". وشددت فقيه على أن الحكومة السورية تواجه تحديات اقتصادية وسياسية جمة، ولكن يتوجب عليها أن تضمن إحالة جميع المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن التعذيب وجرائم أخرى معترف بها دوليا إلى العدالة في محاكمات عادلة أمام محاكم مدنية عادية فورا ودون تأخير. وأشارت إلى أن سنوات التعذيب والظروف غير الإنسانية التي عانى منها الناجون في سوريا خلفت "آثارا صحية جسيمة على المحتجزين السابقين"، حيث يعاني العديد منهم من السل ومشاكل صحية أخرى في العيون والمفاصل والأعصاب. كما اعتبرت أن الأسنان المكسورة جراء التعذيب تبقى أمرا شائعا لدى الناجين، فضلا عن معاناتهم من أعراض تتطابق مع اضطراب ما بعد الصدمة، وأكدت حاجتهم إلى الدعم الطبي والنفسي والقانوني فورا.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
تبدو الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران حرب وجود للطرفين، فطموح إسرائيل لتدمير البرنامج النووي الإيراني، أمرٌ قد بات بعيد المنال في ضوء الهجمات الأميركية التي نالت من سطح البرنامج دون أن تدمر أعماقه، والوقت ليس في صالح الهدف الإسرائيلي، بل إن أقصى طموحات إسرائيل حاليًا هو عرقلة البرنامج النووي الإيراني لسنوات وليس القضاء عليه، كما أن المحيط الجغرافي لن يقبل هذه الحرب، المحيط الجغرافي هنا يمتد من باكستان حتى أوروبا، لذا في هذا السياق هناك عدة تساؤلات: ماهيّة هذه الحرب؟ ما هي النتائج التي ستترتب عليها؟ هل من فائز حقيقي فيها؟ في حقيقة الأمر، الفائز الحقيقي في هذه الحرب هو روسيا، فهي تستفيد من ارتفاع أسعار النفط بوصفه أكبر صادراتها، ثم إن هذه الحرب تعزز حساب التفاضل والتكامل بالنسبة لها في حرب أوكرانيا، لكن على الجانب الآخر، فإن الطرفين المتصارعين إيران وإسرائيل خاضا حربًا حساباتها الدقيقة ممتدة إلى خارج إرادة كليهما، وهذا مكمن تصرف الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. قوة الصورة ذهبت إسرائيل في ضربتها الأولى إلى قوة الصورة وتأثيرها على الجمهور الإيراني بالدرجة الأولى، ثم إلحاق هزيمة نفسية ويأس في المنطقة العربية، فمشاهد الدمار في إيران ومقتل علمائها وتركيز إسرائيل على فاعلية قوتها ودقتها، أحدثت هزة كبيرة في إيران والمنطقة، وصارت تروّج للمقولة القديمة التي شاعت بعد حرب 1967 بأن جيش إسرائيل لا يقهر. كان الرد الإيراني المتتالي صاعقًا، إذ إن إيران بالرغم من محدودية الخسائر الإسرائيلية، مثلت صور الدمار في تل أبيب وحيفا انتصارًا معنويًا لها، بل سرعان ما اشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي العربية بصور الدمار في إسرائيل، لذا فإن إسرائيل في هذه المعركة فقدت شيئًا لم تدركه بعد، ستبدأ في إدراكه في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد الحرب. ما جرى يمكن اعتباره تراجعًا ملحوظًا في صورة إسرائيل كقوة عسكرية لا تُقهر، وهو ما قد يفتح الباب أمام الأجيال القادمة في المنطقة العربية لتعزيز طموحاتها في إنهاء الصراع مع إسرائيل، التي لطالما مثّلت خصمًا تاريخيًا فعّالًا في الوعي الجمعي للشعوب العربية. قوة السلاح تمتلك إسرائيل قوة ردع وهجوم متفوقة في المنطقة العربية، وقد نجحت في تحجيم حزب الله، ثم قوضت قدرات حركة حماس في غزة، وهذا التفوق عنوانه القوات الجوية، وهنا يبرز على الفور القدرات العربية والإيرانية في الدفاع الجوي، ومن ثَمَّ نرى أن معظم الدول العربية وإيران، فيما عدا مصر، لم تبنِ قوات دفاع جوي لمواجهة هذا التفوق الإسرائيلي وتحجيمه. وتحييد الطيران الحربي لإسرائيل مستقبلًا هو بداية التعاطي مع إسرائيل بمنطق الحد من قدراتها، وهو ما سيحجم الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة. لقد نجحت إيران بصورة نسبية في مواجهة هذا التفوق لكن مع الضربة الثانية عليها، حيث أسقطت طائرة "إف 35". وهو مؤشر جيد على إمكانية التعامل مع القوات الجوية الإسرائيلية. لدى إسرائيل طائرات مسيرة متعددة المهام، وفي المقابل تمتلك إيران طائرات مسيرة متقدمة، لكن قدرات إسرائيل على تتبع هذه الطائرات تحجم من قدراتها، بيد أنه على الجانب الآخر، فإن المستقبل يشي بأنه لو طورت إيران والعرب من قدرات الطائرات المسيرة فسيكون الداخل الإسرائيلي تحت التهديد الجوي لأول مرة منذ إنشائها، وهو ما سيمثل خرقًا لنظريات وإستراتيجيات الدفاع الإسرائيلي. كما أن اختراق الصواريخ الإيرانية يشي بأن المستقبل الإسرائيلي في صد هذه الهجمات بات محل تساؤلات؟ إن خسائر إيران تبدو كبيرة- وإن لم يوجد لها حتى الآن حصر- وستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، فضلًا عن أنه على الجانب الآخر تتعرض إسرائيل إلى حصار اقتصادي غير معلن، فالحرب تؤدي إلى وقف حركة الشحن بالطائرات، فضلًا عن إيقاف العديد من الخطوط الملاحية إلى موانئ إسرائيل، وهو ما يعني أن الحرب لها عواقب على إسرائيل سيئة. لكن هل الولايات المتحدة استطاعت منع امتداد الصراع وتحوله إلى حرب واسعة على مستوى المنطقة؟ إن ما لا تدركه الولايات المتحدة ومعها إسرائيل هو طبيعة الشعب الإيراني، فهو شعب عنيد تجاه أي غزو أو هجوم خارجي، حتى لو اختلف مع النظام الحاكم، وهذا أيضًا ما لم يدركه صدام حسين حين شن حربًا ضد إيران في مرحلة ظن أنها ضعفت فيها عقب الثورة الإيرانية. وكذلك الأمر حين أدركت إسرائيل أن إيران تم تقليم أظفارها في لبنان، وسوريا. لكن في حالة يأس إيران أو محاولة كسرها بصورة صريحة فلن يكون أمامها سوى ضرب المصالح الأميركية بصورة مباشرة، وهو ما هددت به، لذا فقد تم ضرب موقع فوردو النووي الإيراني من قبل الولايات المتحدة، فهي التي تملك هذه القدرة. بيدَ أن القلق الأميركي من تفاقم الوضع والرعب من تأثير الحرب على الداخل الإسرائيلي والذي تمثل في فرار مواطنين إسرائيليين إلى خارج إسرائيل باعتبارها بلدًا افتقد الأمان لأول مرة، وكذلك عدم قدرة إسرائيل على تحمل حرب من هذا النوع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، كل هذا كان سببًا لقبول وقف إطلاق النار. على الجانب الآخر فإن خروج إيران من هذه الحرب منتصرة أو في وضع اللامهزوم واللامنتصر يعني ضمنًا هزيمة إستراتيجية ونفسية لإسرائيل، وهو أمر يسبب نتائج وخيمة على المدى البعيد على إسرائيل، وعلى وجودها، لذا فإن نتنياهو يدرك أن هذا الوضع ينهي حياته السياسية ويقوده إلى السجن، وهو ما يدركه جيدًا، لذا فإنه أنهى هذه الحرب بعد أن وصل لنتيجة مرضية له قبل أن تكون مرضية لجمهوره، فضلًا عن أن الولايات المتحدة قد تدخلت لوقف الحرب بالأمر المباشر لإسرائيل، فأسواق النفط لن تتحمل الأسعار وتصاعدها، والأسهم وسقوطها يشكل أزمة عالمية، والصين تترقب كل هذا. لذا فإن إنهاء الحرب جاء وفق ما انتهت إليه كأمر واقع، من هنا فإن إنهاءها بوضع اللامهزوم واللا منتصر هو الحل الذي وصلت إليه لإسرائيل غير المنتصرة ولا المهزومة، وكذلك إيران، نحن أمام جيل جديد من الحروب عن بعد، ولكنها حروب غير محسومة، الخاسر في هذه الحرب هو الولايات المتحدة التي أكسبت روسيا والصين مساحات جديدة عليهما الاستثمار فيها، وإلا فإنهما سيكونان كمن فقد الفرصة الذهبية.