
تقويض العدالة الاجتماعية عبر الواسطة والمحسوبية
العدالة الاجتماعية هي الركن الأهم في بناء أي مجتمع متوازن يُنصف أفراده في الفرص والحقوق والواجبات، لكن ما إن تترسّخ في الواقع ظواهر كـالواسطة والمحسوبية، حتى تُنسف هذه العدالة من جذورها، ويصبح النجاح حكرًا على من يعرف مَن، لا على من يعرف كيف، وحين تسود الواسطة على الكفاءة، فإننا لا نخسر العدالة فقط بل نخسر الدولة ذاتها، ونحوّل الوظيفة العامة إلى تركة توزّعها المصالح لا القانون، الواسطة تعني التوسّط لدى جهة ما لصالح شخص، بغضّ النظر عن أهليته، وغالبًا ما تتم خارج إطار القانون، وبما يتجاوز الكفاءة أو الاستحقاق، والمحسوبية تعني تفضيل الأقارب أو الأصدقاء أو المنتمين لنفس الحزب أو الطائفة في التعيين أو الترقية أو الفرص، على حساب الكفاءة والمساواة، وقد تُغلَّف هذه الظواهر بأسماء اجتماعية مثل (عونة أو فزعة أو مساعدة)، لكنها في الحقيقة انتهاك صارخ لمبدأ العدالة، وانحراف عن جوهر الوظيفة العامة كمؤسسة لخدمة الجميع.
أدان الإسلام المحسوبيات والوساطات التي تُقوّض العدل، وعدّها من وجوه الظلم، حتى لو كانت باسم القربى أو الشفاعة، ففي الحديث النبوي الشريف، حين أراد بعض الصحابة الشفاعة في حدٍّ شرعي لامرأة من بني مخزوم، غضب النبي (ص) وقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟! والله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وحاشاها مولاتنا من الفعل، لكن هذا الموقف النبوي يُشكّل أبلغ ردّ على من يبرّر التمييز العائلي أو السياسي في تطبيق العدالة، بل جعل الإسلام تقديم غير الأكفّاء في المناصب خيانة، ففي الحديث: "من استعمل رجلًا على عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"، فالخيانة هنا ليست سرقة مال فقط، بل تقديم غير المستحق لمكان لا يستحقه.
ليست الواسطة مجرّد خلل أخلاقي، بل هي أحد أهم أوجه الفساد الإداري، حيث تُقتل الكفاءات وتُغتال فرص الشباب غير المرتبطين بنفوذ، ويتحوّل الجهاز الوظيفي إلى طبقية خفيّة قائمة على من يحظى بالدعم، وعليه يفقد المواطن الثقة بمؤسسات الدولة، ويشعر بالاغتراب في وطنه، والأسوأ من ذلك، أن المحسوبية تُنتج مؤسسات هشّة، تُدار بلا كفاءة، وتُحصّن نفسها ضد المحاسبة، لأن القيادات ليست ثمرة كفاءة، بل نتاج ولاء متبادل.
رغم أن القانون العراقي لم يستخدم لفظ الواسطة والمحسوبية صراحة، إلا أنه يُجرّم سوء استخدام الوظيفة العامة عند الاخلال العمدي بواجبات الوظيفة العامة ولدى استغلال الوظيفة لمصلحة شخصية أو اضرار بالأغيار، ونص على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في التعيين والتوظيف، كما في قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل، والدستور العراقي لسنة 2005، المادة (16) التي تنص على: "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك"، لكن تبقى المشكلة في ضعف تطبيق هذه النصوص، وسط انتشار الثقافة السائدة بأن الواسطة حق طبيعي بما أن الامور لا تسير إلا بها!، مما يُفرغ القانون من مضمونه، ويُكرّس اللاعدالة.
ومما تقدم يتضح لنا أنّ التحصين القانوني لا يكفي وحده، بل لابدّ من إصلاح ثقافي–ديني يعيد تعريف الوظيفة كمجال تكليف لا مجال نفوذ، وإلزام مؤسسات الدولة بمبدأ الشفافية في التعيينات والترقيات، وتفعيل مبدأ الإفصاح عن تضارب المصالح والمحسوبية العائلية والسياسية، وإشراك المجتمع المدني والإعلام في الرقابة على نزاهة إجراءات التوظيف، وكذلك في إعادة الاعتبار للكفاءة والمعايير الموضوعية في إدارات الدولة.
ختامًا- العدالة لا تنهار بانقلاب أو عدوان فقط، بل تنهار بصمت حين يستبيح الناس اللاعدالة، ويعتبرون اللغط حقًا مكتسبًا، وإذا ما أردنا أن ننهض بوطنٍ يُنصف أبناءه، فعلينا أن نُعيد بناء الوظيفة العامة على أساس المساواة والاستحقاق، فالله لا يرضى الظلم، والرسول لا يقر التمييز، والقانون لا يحتمل التجزئة، وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: 58) وما الوظيفة والعمل إلا أمانة، وأهلها هم الأكفّاء، لا الأقرباء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التحري
منذ 14 دقائق
- التحري
السيد: أتوقّع أن يحصل شيء غير طبيعي ' الله يستر'
أشار النائب جميل السيد، في تصريح، إلى أنّ 'ما يحصل اليوم في العالم وفي المنطقة، ولا سيما في فلسطين وسوريا ولبنان، هو شيء غير طبيعي على الإطلاق'. وأضاف: 'أتوقّع أن يحصل شيء غير طبيعي، سواء في لبنان او خارجه، حتّى يعود الوضع مجددًا إلى طبيعته.. الله يستُر'.

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
"للسويداء ثلاثة شرايين للحياة" ...
كتب الناشط السياسي المهندس "يحيى القضماني" على حسابه على فيسبوك : هناك ثلاث شرايين للحياة لمدينه السويداء لا رابع لهما شريان من دمشق شريان من الاردن شريان من اسرائيل وحين تحاصر سلطة دمشق السويداء وتقطع عنها شريان الحياة وتصليها بالموت و الذل لو فتحته وترفض الأردن فتح شريانها ولو مؤقتا نظرا لرفض دمشق هذا الاقتراح لا يبقى لنا سوى شريان الحياة من اهلنا الميامين دروز اسرائيل وأمام الواقع الذي تعيشه السويداء في هذا الحصار المجرم خيارين اما الموت جوعا وعطشا ومرضا وقهرا او الموافقه على الحياة بشريان اخوتنا الدروز في اسرائيل وهذا الخيار لم تجبر عليه السويداء عبر تاريخها الطويل ولا حتى ايام النظام البائد عندما تحدت السويداء النظام ورفضت ارسال ابنائها كي لا يشاركوا في قتل اخوتهم السوريين واستقبلت حوالي مائة الف اسره من المدن والقرى السوريه من الشمال والجنوب وكرمتهم واحتضنتهم وحين أسقطت السويداء نظام بشار الاسد على مدار عام ونصف في ساحة الكرامه لم يجرؤ النظام البائد ان يفعلها ويقطع عنها شريان الحياة الان حكام دمشق الجدد فعلوها عن سابق قصد واصرار وفتحوا شريان الموت علينا ثم اغلقوا شريان الحياة عنا وكأنهم في مهمه رسميه كلفوا بها وقد نفذوها بإتقان المجرمين المتخصصين بتدمير المجتمعات والأوطان وانتم اخوتنا السوريين تشاهدون كارثتنا الان ولا تفعلون ما تستحقه السويداء منكم وتعيشون بخوف وحيره تحت صدمة خيبتكم بهؤلاء القادمين الجدد فان سكتم سيأتي الدور عليكم بالتاكيد ويمكنكم اقل الايمان ان تخرجوا الى الشوارع وتعبروا عن رفضكم سلميا لما يجري على ارض السويداء او اصدار بيانات استنكار على الاقل ورفع الصوت في مواجهة هذه الفئه التي استفردت بحكمكم وحنثت بوعودها يمكنكم على الاقل الاعتراض على بيعها للوطن بالجملة والمفرق كما يحصل الان يمكنكم رفض عقودها المزيفه مع اشخاص وشركات هلاميه واخيرا لن يسامح الله عز وجل من طابق وصمت على قتل المدنيين الأبرياء في محافظة السويداء لن يسامح الله من اجبرنا للذهاب الى الخيار الاصعب في حياتنا وفصلنا قسرا عن وطننا الحبيب سوريا لن يسامح الله المتآمرين على الوطن سوريا وشعبها المغلوب على امره لن يسامح الله من دمر وطنا ولم يرف له جفن وانتم ايها الفئة الضاله المتمترسه على التلة الواطئه في قصر الشعب والذين تأملنا فيكم خيرا دمشق لنا وليست لكم كما تدعون دمشق ليست امويه كما تعلنون دمشق عشرات الحضارات وآلاف السنين والأقوام وصانعو التاريخ بنوا مجدها العريق دمشق ستبقى عامرة باهلها وحيه بهم فلا تخنقوها بتطرفكم وجهلكم وغزوكم البربري لاحيائها المكابره انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
مفتي تونس: مصر تقوم بدَور كبير في القضية الفلسطينية.. وستبقى رايتها شامخة عالية
وجَّه الشيخ هشام بن محمود، مفتي الجمهورية التونسية، كلمةً إلى أهل غزة الذين يتعرضون لأبشع حصار مدمر لم تمر البشرية بمثله من قبلُ، داعيًا إلى تكاتف الأمة الإسلامية حتى تنقشع الغمَّة عن أهل فلسطين وتعود الأراضي المقدسة مرة أخرى، وتُرفع فيها راية رسول الله في مسجده الأقصى. دور مصر في دعم فلسطين وأثنى خلال كلمته في جلسة الوفود بالمؤتمر الدولي العاشر للإفتاء، الذي يأتي تحت عنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، على دَور الدولة المصرية وموقفها من القضية الفلسطينية، لا سيما خدمة قضايا الأمة الإسلامية بشكل عام، واختتم بقوله: "ستبقى مصر شامخة عالية الهمة، وأرجو الانتصار الكامل لهذا الشعب الأَبِيِّ". صناعة المفتي الرشيد ولفت إلى أن صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي ضرورة مُلحة وأهمية كبرى، في وقت تتسابق فيه الإبداعات البشرية على كافة جبهات المعرفة. ودعا مفتي تونس إلى ضرورة أن يكون الذكاء الاصطناعي وتقنياته المختلفة متناغمةً مع مقاصد الدين والشريعة الإسلامية، التي أرسى أُسسها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.وتابع قائلًا: إذا كان الذكاء البشري يعني سرعة الإدراك، فمن منطلقات هذا الذكاء أن يبرز الذكاء الاصطناعي المعتمد على فَهْم الإنسان لينطلق إلى أبعاد أعمق وأكثر تأثيرًا، داعيًا إلى ضرورة وضع ميثاق أخلاقي ينظِّم عمل الذكاء الاصطناعي واستخداماته للحيلولة دون استخدامه لهدم الإنسانية. كما أشاد في الوقت ذاته على مؤتمر دار الإفتاء وموضوعه وفعالياته، مشيرًا إلى أن موضوع المؤتمر التاسع لدار الإفتاء الذي تناول الفتوى والبناء الأخلاقي جاء في وقت مهمٍّ تمر خلاله الأمة بتحديات أخلاقية وإشكاليات متعددة، لكن المؤتمر العاشر يأتي في عصر الذكاء الاصطناعي؛ وهو ما يجعله مُطالَبًا بأن يكون أداة للتناغم ومواكبة العصر.