logo
هكذا خيّم شبح «الربيع العربي» على لوس أنجلوس

هكذا خيّم شبح «الربيع العربي» على لوس أنجلوس

صحيفة الخليجمنذ يوم واحد

مع تصعيد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإرسال 2000 من قوات الحرس الوطني و700 من مشاة البحرية (المارينز) إلى لوس أنجلوس، تأججت نظريات المؤامرة التي أحاطت بالاحتجاجات العنيفة، ومن أبرزها توجيه أصابع الاتهام إلى الملياردير الشهير جورج سوروس بتمويل التظاهرات، وهو نفس الشخص الذي ينسب له دعم ما سُمي بـ«ثورات الربيع العربي» عام 2011.
وعلى مدار عدة أيام، انتشرت مقاطع فيديو ونصوص مضللة على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع اندلاع الاحتجاجات ضد مداهمات المهاجرين في لوس أنجلوس؛ حيث أعادت صياغة نظريات المؤامرة القديمة، فيما رجّح مراقبون أن البعض سعى لإثارة المزيد من الغضب ضد المهاجرين وعدد من السياسيين خصوصاً الديمقراطيين.
ويرى مراقبون أن ثمة محاولة لخلق انطباع عن أن مدينة لوس أنجلوس بأكلمها غارقة في أعمال العنف، وهو ما يمنح البيت الأبيض مبرراً لإرسال قوات المارينز والحرس الوطني إلى المدينة للسيطرة على الأوضاع، في حين أنه على أرض الواقع اقتصرت الاشتباكات على منطقة محدودة فقط من لوس أنجلوس.
وفي حين قالت الإدارة الأمريكية، إنها أرسلت «المارينز» لحماية المقار الفيدرالية في لوس أنجلوس، فقد نشر الكثيرون من ناشطي اليمين، صورة لمنصة من الطوب، مصحوبة بتعليقات حول «حرب أهلية»، وأن الطوب تمّ وضعه بالقرب من مكاتب هيئة الهجرة والجمارك؛ من أجل تأجيج أعمال العنف، واقتحام مقر فيدرالي.
ورغم تحقيق المنشور لمشاهدات مليونية وإعادة نشره على نطاق واسع، فإن الصورة لا تمتّ لاحتجاجات لوس أنجلوس بأي صلة، وقد نُشرت لأول مرة على الإنترنت على موقع أحد تجار مواد البناء في ماليزيا.
ويعود تاريخ مثل هذا النمط من نظريات المؤامرة إلى احتجاجات حركة حياة السود مهمة في عام 2020، ثم ظهر مرة أخرى في عام 2022 بعد منشور للممثلة لورين بويبرت، وهي جمهورية من كولورادو، والتي زعمت فيه أن الطوب المستخدم في مشروع رصف بالقرب من مبنى الكابيتول كان مخصصاً للاحتجاجات العنيفة بعد أن ألغت المحكمة العليا قضية رو ضد وايد.
وذكر مركز أبحاث بجامعة تورنتو متروبوليتان، على موقع بلو سكاي: «في هذه الأيام، يبدو أنه في كل مرة تُقام فيها احتجاجات، تظهر خدعة منصات الطوب المُثيرة في الوقت المناسب». وأضاف: «هل تعلمون تلك الخدعة؟ صور أو مقاطع فيديو لطوب يُزعم أنه يُترك للتشجيع على أعمال الشغب. إنها بمثابة إغراء للمُحرّضين والمحتالين اليمينيين».
دور مزعوم لجورج سوروس
وفي الوقت الذي وصف الرئيس ترامب المحتجين بأنهم «متمردون مدفوعو الأجر!»، فقد قال بعض مؤيديه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن الملياردير سوروس وهو أحد كبار ممولي الديمقراطيين يقف خلف هذه التظاهرات، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية محلية أو مسؤولين ديمقراطيين منتخبين، بمن فيهم عمدة لوس أنجلوس، كارين باس.
وما دعم هذه الافتراضات هو بروز حسابات ذات أسماء مستعارة تشبه إلى حد كبير حسابات مصادر حكومية رسمية أو وكالات أنباء، تنتقد الاحتجاجات وتلمّح إلى تورط أسماء بعينها في دعم العنف، وخصوصاً اسم الملياردير الديمقراطي المثير للجدل سوروس، والذي طالت مؤسسته اتهامات لم تنقطع حول تمويل احتجاجات ما سُمي بالربيع العربي، وفقاً لنيويورك تايمز.
وعلى سبيل المثال، ظهر حساب باسم «مايك بنز» والذي ادعى العام الماضي أن البنتاغون استخدم نجمة البوب ​​تايلور سويفت كجزء من عملية لتقويض عودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ حيث قال هذه المرة، إن رئيسة البلدية كانت لها صلات بوكالة الاستخبارات المركزية، وساعدت في بدء أعمال شغب في المدينة التي تعيش فيها.
وقد استند في ذلك ببساطة إلى دورها كعضو مجلس إدارة في الصندوق الوطني للديمقراطية، وهي المنظمة المكلفة من قبل الكونغرس والتي تشكلت خلال إدارة رونالد ريغان بهدف تعزيز الحكم الديمقراطي.
هذه الاتهامات جرى التركيز عليها أيضاً من قبل حسابات مؤيدة لورسيا، على مواقع التواصل الاجتماعي، ولطالما اتهمت موسكو سوروس برعاية «الثورات الملونة» سراً للإطاحة بالحكومات، بدءاً من «دول الربيع العربي» عام 2011 إلى أوكرانيا.
وكتب ألكسندر دوغين، وهو قومي بارز في روسيا، على موقع (إكس): «إنها مؤامرة من الليبراليين ليس فقط ضد ترامب، ولكن ضد الشعب الأمريكي بشكل عام».
ومن بين الصور المستخدمة زيفاً، لتأكيد أن الاحتجاجات كانت استفزازاً مُخططاً له، وليست رداً عفوياً على المداهمات المتعلقة بالمهاجرين، ظهور جنود المارينز أثناء استخدامهم لأسلحة عسكرية، لكن اللقطة المنتشرة كانت من فيلم «الرعد الأزرق»، وهو فيلم إثارة وحركة من عام 1983، يتناول مؤامرة لحرمان سكان لوس أنجلوس من حقوقهم المدنية، ويُصوّر معركة جوية حامية الوطيس فوق مركز المدينة.
كما تم تسليط الضوء على ظهور عدد من الأعلام في التظاهرات، ومن بينها العلم المكسيكي، حيث برزت أعلام أمريكا اللاتينية كرموز للاحتجاجات، ووصف مسؤولو ترامب المتظاهرين الذين يلوّحون به بأنهم متمردون، لكن بالنسبة للعديد من المتظاهرين الأمريكيين من أصول مكسيكية يُمثّل العلم اعتزازاً بأصولهم، كما ظهرت أعلام أخرى بعضها يعود إلى الحقبة السوفييتية.
ويؤكد دارين لينفيل، الباحث الإعلامي بجامعة كليمسون، أن المحافظين «كانوا يسلطون الضوء على أعمال الشغب بطريقة استعراضية»؛ للمساعدة في تعزيز مزاعم أن لوس أنجلوس استولت عليها «عصابات عنيفة ومتمردة».
انتشار سريع للتضليل
وفي مثل هذه الحالات، ينتشر التضليل بسرعة هائلة وعلى نطاق واسع، لدرجة أن جهود التحقق من الحقائق لا تواكب هذا الانتشار، كما قالت نورا بينافيديز، المستشارة القانونية البارزة، ووصفت ذلك بأنه جزء من «جهد أطول بكثير لنزع الشرعية عن الاحتجاجات».
وتضيف: «حرب المعلومات دائماً ما تكون أحد أعراض الصراع، وتربك الأطراف وتُخيف من قد يتعاطفون مع أي من الجانبين».
نشر الجنود وتكثيف المداهمات
وأمرت إدارة ترامب بنشر قوات مشاة البحرية في لوس أنجلوس، وكثفت المداهمات على المهاجرين المشتبه في أنهم غير مسجلين في المدينة، مما أثار المزيد من الغضب بين المحتجين في الشوارع وزعماء الحزب الديمقراطي الذين أثاروا مخاوف بشأن أزمة وطنية.
ورغم أن مهمتهم في حماية الموظفين الاتحاديين والممتلكات مؤقتة، وهي سد الثغرات حتى تتمكن فرقة كاملة من 4000 جندي من الحرس الوطني من الوصول إلى لوس أنجلوس فإن نشرهم يمثل استخداماً غير عادي للقوة العسكرية لدعم عملية للشرطة، ويأتي على الرغم من اعتراض قادة الولايات والحكومات المحلية الذين لم يطلبوا المساعدة.
ووصف مسؤولون في إدارة ترامب الاحتجاجات بأنها خارجة عن القانون، وألقوا باللوم على الديمقراطيين على مستوى الولايات والحكومات المحلية للسماح بالاضطرابات وحماية المهاجرين غير المسجلين من خلال توفير ملاذات في بعض المدن. وقال ترامب، إنه سيدعم اعتقال حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم في تصعيد كبير للصراع المتزايد مع الحاكم الديمقراطي بشأن احتجاجات الهجرة التي هزت لوس أنجلوس خلال الأيام الماضية.
وجاءت تصريحات الرئيس الجمهوري بعد أن تعهد نيوسوم بمقاضاة الحكومة بسبب نشر قوات الحرس الوطني في جنوب ولاية كاليفورنيا، واصفاً ذلك بأنه عمل غير قانوني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب: تراجعت ثقتي بإمكانية التوصل لاتفاق مع إيران
ترامب: تراجعت ثقتي بإمكانية التوصل لاتفاق مع إيران

البيان

timeمنذ ساعة واحدة

  • البيان

ترامب: تراجعت ثقتي بإمكانية التوصل لاتفاق مع إيران

وتعقد هذه الجولة وسط ترقب لرد إيران على المقترح الأمريكي، الذي تسلمته عبر سلطنة عُمان قبل نحو أسبوعين، إلى جانب تصعيد من جانب الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تسعى هذه الدول لاستصدار قرار يتهم إيران بعدم التعاون مع الوكالة، فيما تؤكد السلطات الإيرانية اعتزامها الرد على ذلك. أتى ذلك بعدما اعتبر الرئيس الأمريكي، أمس، أن إيران أصبحت «أكثر عدوانية» في مفاوضاتها مع الغرب، فيما أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية «سنتكوم» الجنرال مايكل كوريلا، استعداد بلاده للرد «بقوة» لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أن الجيش وضع خططاً في حال تعثرت المحادثات النووية. وكانت كل من إيران وأمريكا أجرتا منذ 13 أبريل الماضي 5 جولات من المحادثات وصفت بالإيجابية، إلا أن التباين لا يزال قوياً بينهما في ما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، ففي حين تعتبره طهران حقاً سيادياً لها، ترفضه إدارة ترامب، وتؤكد أنه «خط أحمر».

بسبب توترات إقليمية.. واشنطن تعتزم تقليص عدد موظفي سفارتها في بغداد
بسبب توترات إقليمية.. واشنطن تعتزم تقليص عدد موظفي سفارتها في بغداد

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

بسبب توترات إقليمية.. واشنطن تعتزم تقليص عدد موظفي سفارتها في بغداد

واشنطن - أ ف ب تعتزم الولايات المتحدة تقليص عدد الموظفين في سفارتها في بغداد لأسباب أمنية، حسبما قال مسؤولون الأربعاء وذلك عقب تهديد إيران باستهداف القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط في حال اندلاع نزاع. وقال مسؤول أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته: «بناء على أحدث تحليلاتنا، قررنا تقليص حجم بعثتنا في العراق».

الاقتصاد العالمي يغرق في دوامة من المخاطر المتصاعدة
الاقتصاد العالمي يغرق في دوامة من المخاطر المتصاعدة

البيان

timeمنذ ساعة واحدة

  • البيان

الاقتصاد العالمي يغرق في دوامة من المخاطر المتصاعدة

مارتن وولف تتزايد التحذيرات من أن أسلوب الإدارة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، في الحكم، سيكون له الأثر الأعمق داخل الولايات المتحدة نفسها، كما أن تداعياته ستمتد بالضرورة إلى بقية دول العالم، نظراً للدور المهيمن الذي اضطلعت به أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أنه ليس هناك دولة أو تكتل دولي يمتلك القدرة، أو حتى الرغبة الحقيقية، في ملء هذا الفراغ القيادي، وهو ما يجعل من هذا تهديداً بإطلاق موجة من الفوضى العالمية. صحيح أنه لا يزال الوقت مبكراً للغاية لاستشراف العواقب الكاملة لهذا التحول، غير أن الظروف مواتية لتقديم تقديرات مدروسة حول بعض جوانبه، لا سيما حالة عدم الاستقرار وفقدان الثقة الناجمة عن حرب التعريفات الجمركية التي أطلقها ترامب. وقد شكّل انهيار الثقة محوراً رئيساً لحوار أجريته مؤخراً مع الخبير الاقتصادي بول كروغمان. فاقتصاد السوق لا يمكنه العمل بكفاءة في غياب سياسات يمكن توقعها والتخطيط على أساسها، وعندما يأتي هذا الغموض من جانب القوة المهيمنة عالمياً، فإن الاقتصاد العالمي بكامله سيعاني من اضطرابات حادة. وقد تناول البنك الدولي في تقريره الأخير «آفاق الاقتصاد العالمي»، تحليلاً لهذه الإشكالية. ورغم أن استنتاجاته لا تزال مؤقتة، إلا أن اتجاهها العام يبدو صحيحاً. وينطلق التقرير من فرضية استمرار التعريفات الجمركية المفروضة أواخر مايو، طوال فترة التوقعات المستقبلية، وهو افتراض قد يكون متفائلاً أو متشائماً، إذ لا أحد يعلم - وربما حتى ترامب نفسه. «وفي هذا السياق»، يتوقع التقرير «أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً ملحوظاً، ليصل إلى 2.3% في عام 2025، بانخفاض قدره 0.4 نقطة مئوية عن توقعات يناير 2025، وهي أبطأ وتيرة نمو منذ عام 2008، باستثناء عامي الركود العالمي 2009 و2020. وخلال الفترة بين 2026 - 2027، يُتوقع أن يرتفع النمو العالمي إلى مستوى 2.5% - وهو رقم متواضع، بالمقارنة مع المتوسط العقدي قبل الجائحة البالغ 3.1%». ورغم أن التوقعات الحالية تبدو سلبية، فإن المخاطر تميل بقوة نحو مزيد من التدهور، إذ قد تؤدي حالة عدم اليقين التي تفرضها الحرب التجارية التي يقودها ترامب، إلى تراجع أكبر في مستويات التجارة والاستثمار. ومن الصعب الوثوق بأي «صفقات» مستقبلية، بينما سيؤدي تباطؤ النمو إلى تعميق الهشاشة الاجتماعية والسياسية والمالية، ما يرفع منسوب المخاطر في الأسواق العالمية. وقد تنشأ حلقة مفرغة، يتسبب فيها ارتفاع تكاليف التمويل في تفاقم المخاطر وتراجع النمو، ما يدفع المقترضين الأضعف —سواء من القطاعين العام أو الخاص— نحو التخلف عن السداد. وفي هذا السياق، تصبح الصدمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو النزاعات أكثر تدميراً للاقتصاد العالمي. ورغم قتامة المشهد، يمكن تصور بعض السيناريوهات الإيجابية، مثل التوصل إلى صفقات تجارية جديدة، تحظى بثقة كثيرين —وإن تطلبت جرأة كبيرة— أو إحداث الذكاء الاصطناعي طفرة في الإنتاجية والاستثمار عالمياً، وربما تهدأ الأمور، وتعود إلى مسارها الطبيعي. لكن التحدي الأبرز، يكمن في أن صدمة ترامب الحالية، تأتي بعد نحو عقدين من الأزمات المتلاحقة: الأزمة المالية العالمية، أزمة اليورو، جائحة «كورونا»، موجة التضخم اللاحقة، وأخيراً الحرب الروسية–الأوكرانية، وهي سلسلة من الصدمات التي أضعفت بشدة معنويات المستثمرين. وللأسف، وكما يؤكد إندرميت جيل كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، في مقدمة التقرير، فإن «البلدان الأشد فقراً، ستتحمل العبء الأكبر من هذه التداعيات». ويوضح أنه: «بحلول 2027، سيقترب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول ذات الدخل المرتفع من مستويات التوقعات قبل الجائحة، بينما ستتراجع نظيرتها في الاقتصادات النامية بنسبة 6%». وباستثناء الصين، قد تحتاج هذه الدول نحو عقدين لتعويض خسائرها التي تكبدتها خلال السنوات السابقة منذ بداية عشرينيات العقد الحالي. ولا تُعزى هذه التحديات فقط إلى الصدمات الأخيرة، فالتقرير يشير إلى أن «النمو في الاقتصادات النامية، يشهد انخفاضاً تدريجياً منذ ثلاثة عقود متتالية - من متوسط بلغ 5.9% في العقد الأول من القرن الحالي، إلى 5.1% في العقد الثاني، وصولاً إلى 3.7% في العقد الثالث». ويتزامن هذا الاتجاه التنازلي مع تراجع معدلات نمو التجارة العالمية، من متوسط قدره 5.1% في العقد الأول من القرن، إلى 4.6% في العقد الثاني، ثم إلى 2.6% في العقد الثالث. وفي الوقت نفسه، تواصل الديون تراكمها بمعدلات متسارعة. وعلى المدى البعيد، لن يساعد في تحسين الوضع إصرار ترامب على اعتبار تغير المناخ مجرد «أسطورة لا أساس لها». فما العمل إذن في مواجهة هذه التحديات المتصاعدة؟ أولاً، ينبغي تسريع وتيرة تحرير التجارة العالمية. ورغم أن البلدان النامية قد قطعت أشواطاً كبيرة في تحرير اقتصاداتها خلال السنوات الأخيرة، إلا أن غالبيتها لا تزال تفرض تعريفات جمركية تفوق بكثير تلك المطبقة في الاقتصادات مرتفعة الدخل. وبينما قد تنجح سياسات دعم الصناعات الناشئة الموجهة في بعض الحالات، فإن الدول التي تفتقر إلى النفوذ الدولي الكافي، تظل سياسة التجارة الحرة هي الخيار الأمثل لها، مع ضرورة اقترانها بأفضل السياسات الممكنة لاستقطاب الاستثمارات، وتعزيز رأس المال البشري، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. وفي ظل البيئة السلبية السائدة حالياً، يصبح تبنّي هذه السياسات أكثر إلحاحاً وأهمية مما كانت عليه الحال في ظروف أكثر مواتاة. وبالنسبة للقوى الكبرى - الصين، الاتحاد الأوروبي، اليابان، الهند، المملكة المتحدة وغيرها - فإن خياراتها تنطوي على قدر أكبر من التعقيد، حيث إنها مطالبة أولاً بتحسين سياساتها الداخلية إلى أقصى درجة ممكنة، كما أنها بحاجة إلى تعزيز التعاون في ما بينها، في محاولة للحفاظ على منظومة القواعد العالمية، لا سيما في المجال التجاري. وينبغي على بعض هذه القوى الاعتراف بأن الاختلالات العالمية تمثل بالفعل قضية جوهرية، رغم أنها لا ترتبط بالسياسات التجارية، بقدر ارتباطها بالاختلالات الاقتصادية الكلية على المستوى العالمي. وعموماً، فإن الأمر يتجاوز هذه النقاط بكثير، فمع انسحاب الولايات المتحدة التدريجي من لعب دورها التاريخي، بات من الضروري أن تضطلع قوى أخرى بمسؤوليات أكبر. فاستمرار التقدم في معالجة تحديات تغير المناخ وتحقيق التنمية الاقتصادية، أصبح يعتمد بشكل متزايد على هذه القوى. وأصبح من الضروري، على سبيل المثال، إيجاد آليات أكثر فعالية لمعالجة أزمة الديون المفرطة، وهو ما يتطلب التصدي للاتجاه السائد حالياً نحو تنامي الشكوك المتبادلة بين الدول. ومن المحتمل - بل من المرجح - أننا نشهد اليوم تلاشي جهد عالمي كبير، كان يهدف إلى بناء عالم أكثر ازدهاراً وتعاوناً. وقد يعتبر البعض أن مثل هذه النهاية، ما هي إلا تعبير عن «واقعية صحية»، غير أن هذا التصور يمثل حماقة كبرى: فنحن نتشارك كوكباً واحداً، ومصائرنا متشابكة بشكل لا انفكاك منه. وقد جعلت التكنولوجيا الحديثة هذا الترابط أمراً حتمياً لا مفر منه. لذا، فإننا نقف اليوم عند منعطف تاريخي حاسم: وعلينا أن نختار بحكمة وبصيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store