
عُمق تعريفات ترامب
راميش ثاكور *
يُمثل التاريخ السياسي لدونالد ترامب بأكمله تحذيراً من الخلط بين غضب النخبة والإعلام على حساب مشاعر الطبقة الوسطى. لكن التماسك الاستراتيجي والتكتيك المشترك يوحدان سياساته الداخلية والخارجية سعياً وراء هدفه الأسمى المتمثل في جعل أمريكا عظيمة من جديد.
ويعتقد ترامب أن مجموعة السياسات هذه ستعيد الفخر والهوية الوطنية، وتمنع استغلال أمريكا من قِبل شركائها الأمنيين والتجاريين، وتعيد القدرة التصنيعية إلى الوطن، وترسخ مكانة البلاد مجدداً بوصفها أكبر قوة صناعية وعسكرية في العالم.
وهنا يأتي دور التعريفات الجمركية المُغيّرة للنماذج. ففي النظرية الاقتصادية التقليدية، تُنتج التجارة الحرة والعولمة رابحين في كل مكان. لكنهما تخلقان عملياً رابحين وخاسرين أيضاً، ما يُسهم في توسيع فجوة التفاوت داخل الدول وفيما بينها.
لقد كافأت التجارة الحرة النخب عالمياً، حتى في الوقت الذي أفقرت فيه وصفاتها سكان المناطق النائية، وجرّدت أمريكا من قوتها الصناعية. كما أدى التوزيع غير العادل لأعباء العولمة إلى تمزيق العقود الاجتماعية بين الحكومات والمواطنين.
وتتطلب القومية إعطاء الأولوية للشعوب على حساب الأعمال. فالسكان مواطنو دول، لا مواطنو اقتصادات. والسياسات التي تُثري الصينيين وتُفقر الأمريكيين، وتُقوي الصين وتُضعف القوة الصناعية والعسكرية الأمريكية، هي نقيض هذا العقد الاجتماعي الأساسي.
ربما يكون حدس ترامب صائباً في أن العولمة قد حوّلت ميزان التجارة لصالح أمريكا، وأن التوازن الجديد الذي سيستقر في نهاية المطاف، بعد تفكيكه للنظام التجاري العالمي القائم، سيعيد تموضع الولايات المتحدة لاستعادة ما خسرته.
فعلى سبيل المثال، أثبتت منظمة التجارة العالمية عدم ملاءمتها للغرض في فرض قواعد التجارة العادلة على اقتصاد بحجم الصين وتكتل تجاري كالاتحاد الأوروبي. وسيُظهر الزمن ما إذا كانت الرسوم الجمركية العقابية تكتيكاً تفاوضياً «للصدمة والرعب» وإعادة ضبط النظام التجاري، أم محاولة لإجبار الشركاء التجاريين على الاستسلام لمطالب أمريكية تعسفية.
ويراهن ترامب على أن جهود الآخرين لتقويض التفوق المالي الأمريكي من خلال تقليل المخاطر من الولايات المتحدة والتنويع نحو أسواق وموردين آخرين لن تُثمر. علاوةً على ذلك، كم دولة ستختار، إذا ما أُجبرت على الاختيار، الاعتماد الاستراتيجي طويل الأمد على الصين بدلاً من الولايات المتحدة؟
قد يكون التدافع نحو اتفاقيات ثنائية مع واشنطن، من قِبل دولٍ ذات أوراق تجارية أضعف من الولايات المتحدة، والتي تُسارع إلى استرضاء ترامب، نذير شؤم. على سبيل المثال، علّقت زيمبابوي، التي فُرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 18%، الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية بهدف بناء «علاقة إيجابية» مع إدارة ترامب. وقد حققت الإدارة الأمريكية معجزة بتحويل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى مناصر لحرية التعبير وزيادة الإنفاق الدفاعي، مع خفض الإنفاق على الصحة والمساعدات الخارجية.
وأشار مايكل بيتيس، من مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، إلى أن نظام التجارة العالمي أصبح أكثر تعقيداً مع قيام الدول بتحريف اختلالاتها الاقتصادية المحلية وتحويلها إلى اختلالات تجارية من خلال متاهة معقدة من التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية والدعم الحكومي.
وتهدف سياسات ترامب أيضاً إلى تغيير هذا النظام ورأس المال الذي أخضع احتياجات الاقتصادات الفردية لمتطلباته العالمية. ويمكن أن يؤدي تحقيق توازن جديد بين الاحتياجات الفردية والجماعية إلى نمو اقتصادي أكثر توازناً، وأجور أعلى، وتكافؤ تجاري.
لكن بغض النظر عن جوهر سياسته الدولية، فإن الدافع الرئيسي لدى ترامب بلا شك هو عزل الصين من خلال حثّ الدول الأخرى على الحد من تدخل بكين في اقتصاداتها مقابل تنازلات أمريكية بشأن الرسوم الجمركية.
وهنا يُعد التكافؤ التجاري ضرورياً لمواجهة ذلك. صحيح أن ترامب أقرّ بأن الصين ربما تكون في حالة صعود، بينما الولايات المتحدة في حالة جمود، لكن الأخيرة لا تزال تتصدر معظم المؤشرات الرئيسية. ويرى الرئيس الأمريكي كذلك أن ترسيخ التفوق العالمي لبلاده يتطلب انضباطاً مالياً، وحدوداً آمنة، وأسساً تعليمية قائمة على الجدارة، وتطويراً للطاقة في الداخل، فضلاً عن فك الارتباط بالحروب المشتتة للانتباه التي لا تراعي المصالح الأمريكية الحيوية، وإعادة تقييم التحالفات الأمنية، وإعادة تنظيم أنماط التجارة في الخارج.
يكمن خطر التعريفات الجمركية المتصاعدة والمثيرة للجدل في أنها ستؤدي إلى حرب باردة جديدة قد تتطور إلى صراع مسلح بين عملاقي الاقتصاد العالمي. وقد أظهرت سنوات كوفيد اعتماد الولايات المتحدة، بل والعالم، على سلاسل توريد طويلة تمتد حتى الصين، وهي عرضة للاضطرابات بسبب أحداث غير متوقعة، وكذلك بسبب خيارات بكين السياسية.
وإذا كانت الصين بالفعل تُمثل أكبر تهديد استراتيجي يواجه الغرب، فإن كسر الاعتماد عليها في الإمدادات الأساسية لصالح الاكتفاء الذاتي يُصبح ثمناً اقتصادياً يستحق دفعه في سبيل الحرية والسيادة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 22 دقائق
- العين الإخبارية
أول جلسة استماع أمام الكونغرس.. روبيو في اختبار سياسات ترامب
في أولى جلسات الاستماع التي خطفت الأضواء، وقف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تحت المجهر أمام الكونغرس، حيث واجه سيلاً من الأسئلة حول سياسات الرئيس دونالد ترامب. ودافع روبيو، الثلاثاء، عن التخفيضات الحادة التي أجراها الرئيس دونالد ترامب على ميزانيات المساعدات الخارجية والدبلوماسية في أول جلسة استماع له أمام زملائه السابقين في الكونغرس، والذين عبر بعضهم عن الندم على الموافقة على توليه المنصب لأنه لم يقف في وجه ترامب. وأمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قال روبيو "كان على وزارة الخارجية أن تتغير. لم تعد في القلب من السياسة الخارجية الأمريكية. وكثيرا ما استبدلت بمجلس الأمن القومي (التابع للبيت الأبيض) أو بوكالة حكومية أخرى". وصوت 99 عضوا بمجلس الشيوخ لصالح تعيين زميلهم السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا في منصب وزير الخارجية في 20 يناير/كانون الثاني، ولم يعترض أي عضو على اختياره. وانضم الديمقراطيون إلى الجمهوريين في تأكيد تعيين أول عضو بمجلس الوزراء في ولاية ترامب الثانية بعد ساعات فقط من أداء الرئيس اليمين الدستورية. وخلال جلسة استماع ودية في 15 يناير/كانون الثاني وعد روبيو بسياسة خارجية قوية تركز على المصالح الأمريكية، مؤكدا على نهج "أمريكا أولا" الذي يتبعه ترامب في الشؤون الدولية. وعبر بعض الديمقراطيين الذين دعموا روبيو في يناير/كانون الثاني عن ندمهم في وقت يحظى فيه ترامب بسيطرة أكبر على الحكومة الاتحادية من أي رئيس أمريكي سابق. وأبلغ روبيو اللجنة أن طلب الميزانية البالغ 28.5 مليار دولار الذي قدمته إدارة ترامب للسنة المالية 2025-2026 سيسمح لوزارة الخارجية بمواصلة تنفيذ رؤية الرئيس. وفي جلسة الاستماع واجه روبيو أسئلة صعبة حول تقليص المساعدات الخارجية، إذ كان من أشد المؤيدين للمساعدات خلال 14 عاما قضاها في مجلس الشيوخ، بالتزامن مع تقليص عدد موظفي وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية، اللتين كانتا تنفقان ما يقارب 40 مليار دولار سنويا، ويجري حاليا دمجهما في وزارة الخارجية. وقال روبيو إن الإدارة تقترح إنشاء صندوق جديد بقيمة 2.9 مليار دولار، والذي من شأنه أن يتولى المساعدات الخارجية، استنادا إلى "الدروس التي تعلمناها من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية". وأضاف "سيسمح ذلك للوزارة بالاستجابة السريعة للأزمات والتفاعل على نحو استباقي مع شركاء رئيسيين مثل الهند والأردن، ودعم جهود إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، ومواجهة التهديدات الاستراتيجية من منافسين مثل الصين". ووجه أعضاء مجلس الشيوخ أسئلة لروبيو حول خطط ترامب لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودور الوزير في حملة تشنها الإدارة على الهجرة، وكذلك تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، والجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقال روبيو إن التقييم الأمريكي الحالي يشير إلى أن الحكومة السورية في وضع غير مستقر بالنظر إلى التحديات الواسعة التي تواجهها. وأضاف أن وزارة الخارجية ستسمح لموظفيها في تركيا، بمن فيهم السفير، بالعمل مع المسؤولين في سوريا لتحديد نوع المساعدة التي يحتاجونها. وأضاف "بصراحة، في ظل التحديات التي تواجهها، فإن السلطة الانتقالية ربما تكون على بُعد أسابيع، وليس شهورا، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد كارثية، في مقدمتها تقسيم البلاد". وقاطع محتجون روبيو وهو يدلي بتعليقاته وهتفوا قائلين "أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة"، وذلك قبل أن تخرجهم الشرطة من القاعة. aXA6IDgyLjI2LjIxMC4xNTUg جزيرة ام اند امز FR


صحيفة الخليج
منذ 40 دقائق
- صحيفة الخليج
«رمياً بالرصاص».. اغتيال سكرتيرة رئيسة بلدية مكسيكو
مكسيكو - أ ف ب قُتلت السكرتيرة الشخصية لرئيسة بلدية مكسيكو المقربة من رئيسة البلاد اليسارية كلاوديا شينباوم، بالرصاص، الثلاثاء، على يد مسلحين في العاصمة المكسيكية إلى جانب مستشار في الحكومة المحلية، حسبما أفادت بلدية المدينة. وقال مكتب رئيسة بلدية مكسيكو كلارا بروغادا في بيان: «للأسف قضت السكرتيرة الشخصية لرئيسة البلدية خيمينا غوسمان والمستشار خوسيه مونيوس في هجوم». ووقع الهجوم في جادة كالسادا دي تلالبان الرئيسية التي تربط وسط المدينة بجنوب العاصمة. وكلاهما عضوان في حزب مورينا الذي تتزعمه الرئيسة كلوديا شينباوم. وتجري السلطات تحقيقات لتحديد «الدافع وراء الهجوم» بحسب رئاسة البلدية. وأضافت بروغادا أنه يتم فحص كاميرات المراقبة في المنطقة لكشف المنفذين الذين كانوا على دراجة نارية. وأضاف المصدر: «لن يكون هناك إفلات من العقاب سيتم توقيف المسؤولين وسيحالون إلى القضاء». ومن المقرر أن تعقد السلطات المحلية مؤتمراً صحفياً في الساعة 11,00 بالتوقيت المحلي (17,00 بتوقيت غرينتش). وقدمت الرئيسة كلاوديا شينباوم، تعازيها خلال مؤتمرها الصحفي الصباحي. وغالباً ما تقع حوادث إطلاق نار وهجمات في الكثير من الولايات المكسيكية بسبب وجود عصابات المخدرات، لكن مدينة مكسيكو تسجل مستويات أقل من العنف مقارنة بمناطق أخرى في البلاد.

سكاي نيوز عربية
منذ 42 دقائق
- سكاي نيوز عربية
أكسيوس: ترامب محبط من حرب غزة ويريد من نتنياهو "إنهاء الأمر"
ونقلت الموقع عن مصدر مسؤول: "الرئيس (ترامب) محبط مما يحدث في غزة. يريد إنهاء الحرب، ويريد عودة الرهائن إلى ديارهم، ويريد دخول المساعدات، ويريد البدء في إعادة إعمار غزة". على الجانب الآخر: صرّح مسؤول إسرائيلي لموقع أكسيوس أن نتنياهو لا يشعر حاليًا بضغط كبير من ترامب. قال المسؤول: "إذا أراد الرئيس اتفاقًا لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة، فعليه ممارسة ضغط أكبر بكثير على الجانبين". وفي غضون ذلك، يحاول قادة آخرون ممارسة الضغط. أصدر قادة المملكة المتحدة وفرنسا وكندا بيانًا يوم الاثنين يهددون فيه باتخاذ خطوات ضد إسرائيل بسبب حرب غزة. وقالوا: "لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأعمال الفظيعة. إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع قيودها على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ المزيد من الإجراءات الملموسة ردًا على ذلك". من جانببه، رفض نتنياهو الدعوة الأوروبية واتهم "القادة في لندن وأوتاوا وباريس" بـ"تقديم جائزة ضخمة للهجوم الإبادي على إسرائيل في 7 أكتوبر، بينما يدعون إلى المزيد من هذه الفظائع". ويوم الثلاثاء، أعلنت الحكومة البريطانية تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات جديدة على مستوطنين متورطين في هجمات على الفلسطينيين في الضفة الغربية، واستدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن. صدرت وزارة الخارجية الإسرئيلية بيانا، الثلاثاء، ردا على هجوم بريطاني حاد وتعليق لندن مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين وفرض عقوبات على مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة واستدعاء السفيرة الإسرائيلية. وردت إسرائيل بهجوم مضاد، معتبرة أن الحكومة البريطانية "مهووسة بمعاداة إسرائيل". وجاء في البيان: "حتى قبل إعلان اليوم (الثلاثاء)، لم تُرز مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة أي تقدم من قبل الحكومة البريطانية الحالية. وأكثر من ذلك، فإن الاتفاقية كانت ستخدم المصلحة المتبادلة بين البلدين". وتابع البيان: "إذا كانت الحكومة البريطانية، بسبب هوسها المعادي لإسرائيل واعتبارات سياسية داخلية، مستعدة لإلحاق الضرر بالاقتصاد البريطاني، فذلك قرار يخصها وحدها". يذكر أن أحد المجالات التي ضغط فيها ترامب على نتنياهو خلال الأسبوعين الماضيين هو تجميد إسرائيل التام لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. يوم الأحد، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على استئناف إيصال المساعدات إلى غزة، ودخلت القطاع يوم الاثنين اثنتي عشرة شاحنة محملة بأغذية الأطفال وإمدادات أخرى. وقال مسؤول البيت الأبيض إنه لا بد من بذل المزيد من الجهود. وحذرت الأمم المتحدة من أن آلاف الأطفال معرضون لخطر المجاعة إذا لم تزداد المساعدات بشكل كبير.