
بأقلام قطرية.. كاتبات صغيرات يرسمن أحلامهن بالكلمات
تُعدّ القصص القصيرة من أبرز أشكال الأدب التي تعكس التجارب الإنسانية المتنوعة في قالب مختصر ومؤثر، وفي سياق العناية بهذا الفن تأتي الكاتبات الصغيرات اللواتي قدمن رؤية فريدة ومختلفة عن العالم من حولهن. إن قصصهن تُعتبر نافذة على عالم مليء بالتحديات والأحلام، حيث تطرح مسائل الهوية والقدرة على التعبير عن الذات ضمن إطار مجتمعي يتسم أحيانا بالقيود.
تتسم أعمال الكاتبات بالجرأة والإبداع، حيث يسعَين للتعبير عن مشاعرهن وتجاربهن الحياتية بطرق جديدة ومبتكرة. إن سنّهن الصغيرة لا تعني قلة الخبرة، بل غالبا ما تمنحهن منظورا فريدا يمكّنهن من إيصال أفكارهن بوضوح وعمق قادر على لمس قلوب القُرّاء. في هذه القصص، يتم تسليط الضوء على تجارب الفتيات في مجتمعاتهن، ما يجعل أعمالهن تتسم بالصدق والحيوية.
في هذا التقرير، سنستعرض مجموعة من أعمال الكاتبات الواعدات المشاركة في الدورة الرابعة والثلاثين من معرض الدوحة الدولي للكتاب، مع التركيز على أسلوبهن الفريد في السرد ومعالجة القضايا الاجتماعية والنفسية المختلفة التي تواجه الفتيات في مجتمعهن. كما سنتناول أيضا تأثير هذه الكتابات على القُرّاء وكيف تمكنت من فتح حوار حول قضايا لم تكن تُناقش بشكل كاف في الأدب التقليدي.
الكاتبة دلال
نبدأ مع الكاتبة دلال سلطان الرميحي (10 سنوات)، كتبت قصة "دبدوب الوسادة"، التي تدور أحداثها حول فتاة كانت ترغب في شراء دمية ولكن والدتها لم تمتلك القدرة على شرائها، فاقترحت على والدتها صناعة دمية من الوسائد القديمة والاستفادة منها بدلا من رميها.
وفي حديث للجزيرة نت قالت دلال إن بدايتها في الكتابة كانت من خلال مشاركتها المدرسية في كتابة القصة القصيرة، وساعدها شغفها وحبها لجمع وقراءة القصص القصيرة على تبلور فكرة كتابة قصة خاصة بها تنشر على نطاق أوسع من المدرسة.
وأكدت دلال على أنها تميل لكتابة القصص الحقيقية وبها عبرة، كما أنها تحب رسم شخصيات طفوليه في قصصها، وأوضحت أنها تواجه أثناء الكتابة تحديات في صياغة الكلمات، ولكن وجود والدتها ودعمها المستمر لها يجعلها تتغلب عليها.
وقالت إن "هدفي من القصة هو الحرص على الاستفادة من الأشياء حولنا وتحويلها من لا مفيد إلى شيء نستفيد منه". و شكرت دلال والديها على دعمهم المستمر لها، وعبرت عن شعورها بالفخر والإنجاز، كما دعت كل من تجد في نفسها الرغبة في الكتابة أن تنطلق ولا تفكر في العقبات والفشل.
الكاتبة مريم
الكاتبة مريم علي النملان (13عاما)، كتبت قصة "الغزالات ودولة قطر"، تتحدث فيها عن غزالتين تتحدثان عن التطور الذي ستصل له قطر بحلول عام 2030 بأسلوب شيق وقريب من الطفل. وجاءت فكرة القصة من رغبة الأطفال في فهم جهود الدولة للوصول إلى القمة، وأضافت: أحببت أن أجعل موضوع مؤلفاتي مختصا بدولتي الحبيبة فقصتي الأولى كانت عن إكسبو قطر وتمكين التكنولوجيا والاستدامة وقصتي الثانية عن رؤية قطر.
وعن اختياراتها للشخصيات التي تظهر في قصصها، قالت مريم إنها تختارها دائما من البيئة القطرية، حتى يسهل على الأطفال الغوص في أحداث القصة وتخيلها، في قصتها الأخيرة كانت شخصيتها المها العربي. وعبرت عن التحديات التي تواجهها أثناء الكتابة "في السابق كنت أواجه مشكلة تدقيق أحداث القصة نحويا ولغويا، لكن لكون والدتي خريجة بكالوريوس اللغة العربية فقد ساعدتني في تجاوز ذلك".
وأشارت إلى أنها تسعى دائما لتطوير إمكانياتها الكتابية، وذلك من خلال الإكثار من القراءة، فالقراءة أساس كل تطور وإنجاز، "ولذلك أنا عضو في أغلب المكتبات داخل قطر وخارجها، ومنها مكتبة إثراء السعودية أكبر مكتبة بالشرق الأوسط".
ووجهت مريم نصيحة للصغار الذين يرغبون في أن يصبحوا مؤلفين، "تقدموا وخوضوا هذه التجربة فهي ممتعة وليست صعبة". وأضافت أن شعور الفخر والإنجاز في لذة الوصول يستحق التجربة. وأثنت الكاتبة الصغيرة على دور ودعم المقربين لها، قائله: والداي "بجانبي دائما بكل إنجازاتي داخل قطر وخارجها، لهم الفضل في كل ما أنا عليه الآن". وأشارت إلى أفضل نصيحة تلقتها "عندما نبدأ سنصل".
والجدير بالذكر أن الكاتبة مريم ألفت قصتها الأولى "ريم والروبوت" التي تدعم تطبيق التكنولوجيا في حياتا، وشاركت في معرض الرياض الدولي في نسخته السابقة، وحصلت على جائزة التميز العلمي بالدوحة عام 2024، كما أنها عضو في لجنة حقوق الطفل العربي.
الكاتبة شيخة
وفي تجربتها الأولى بالكتابة حاورت شيخة علي النملان (9 سنوات)، جدتها عن الحياة السابقة في قطر وكذلك الإنجازات التي حققتها والبصمة العالمية التي تركتها بلادها على جميع الأصعدة الرياضية والثقافية والتعليمية وغيرها في الوقت الحالي، بالإضافة إلى نظرة مستقبلية لما تسعى قطر لتحقيقيه من خلال رؤيتها 2023.
و في حوار مع "الجزيرة نت" قالت الكاتبة شيخة، "جاءت الفكرة من حكايا جدتي الغالية مريم فهي تحب أن تحكي دائما عن طبيعة الحياة في قطر سابقا فأحببت أن ألخص ذلك في قصتي سوالف جدتي مريم". وأضافت أن "قصتي الحالية تتحدث عن السفر عبر الزمن لرؤية تطور قطر في المستقبل والعودة للماضي لرؤية كيف كانت حياة الأجداد".
ولدى الكاتبة شغف بالقراءة وأشارت إلى أنها تحب القراءة لكتاب مختلفين لذلك شاركت في "برنامج العائلة" التابع لمكتبة قطر الوطنية، حيث يتم ارسال مجموعة قصص للمشتركين شهريا، وأضافت "كما أحب أن اكتب في ذات المكتبة، حتى أجد ما احتاجه من الكتب التي تساعدني موجودة حولي وأحب أن أكتب بعد الانتهاء من واجباتي المدرسية".
ويعتبر اختيار عنوان للقصة من أبرز التحديات التي تواجهها شيخة، "كنت آخذ وقتا طويلا لأختار عناوين لقصصي ولكن أختي مريم أصبحت تساعدني في ذلك".
وعن دعم عائلتها قالت شيخة: والدتي حريصة دائما على جعلنا مواطنين فاعلين في وطننا حتى إن كنا أطفالا لابد أن نساهم في ذلك بما يتناسب مع مرحلتنا العمرية، وأبي يحرص على دعمنا والوقوف بجانبنا لتحقيق أحلامنا دوما وصديقاتي دائما يقرأن ما أكتب ويشجعنني.
وتأمل شيخة أن يكون إصدارها القادم عن حب الوطن، وكذلك مواضيع تحث على الترابط الأسري، لأن نهضة الأوطان وصلاحها يبدأ من صلاح الأسرة.
ومن جانبها وجهت الكاتبة شيخة رسالة للأطفال الراغبين في الكتابة: لا شيء سهل في البداية ولكن مع الممارسة يصبح الصعب يسيرا ومستطاعا. وهي تصف شعورها بعد الكتابة بالسعادة وأنها فخورة بالإنجاز الذي حققته وهي في السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 16 ساعات
- العرب القطرية
مؤلف كتاب «الذكاءات العشر»: قطر نموذج واقعي لنهضة تستند إلى الذكاء القيادي
الدوحة - العرب دشن الدكتور محمد عطا عبد التواب، إصداره الجديد «أدعم الذكاءات العشر مفاتيح التميز وصناعة المستحيل»، ضمن فعاليات النسخة الماضية بمعرض الدوحة الدولي للكتاب. يأتي الكتاب استلهامًا من شعار القيادة الذكية ومن التجربة القطرية العالمية الرائدة في صناعة نهضة شاملة بعقول وقيادات ملهمة أن فن تطويع الذكاءات واتخاذ القرارات المصيرية في عصر الفوضى والعشوائية مما ألهم الكاتب أن الذكاءات سواء الحياتية أو القيادية هي المسار الطبيعي لتحقيق الإنجازات وبناء الأوطان. ويطرح الكتاب دعوة شاملة لإعادة فهم قدرات الإنسان من خلال نموذج متكامل يشمل عشرة أنواع من الذكاءات، ليست فقط في الإطار الأكاديمي أو العقلي، بل تمتد لتشمل الذكاء الاجتماعي، المالي، القيادي، العاطفي، الابتكاري، الواقعي، الاصطناعي، الذاتي، العائلي، والاستباقي. وقال المؤلف الدكتور محمد عطا عبد التواب، في تصريح خاص بمناسبة تدشين الكتاب «إنه يطرح رؤية جديدة لبناء شخصية متكاملة، قادرة على قيادة الذات والآخرين، والتعامل بكفاءة مع تحديات الحياة المعاصرة، وتحقيق نهضة مجتمعية شاملة مبنية على العلم، الأخلاق، والذكاء متعدد الأبعاد، لافتا إلى أنه يهدف لنشر الوعي بأهمية الذكاءات المتعددة كأساس للنجاح الشامل. وأوضح أن الكتاب يتضمن الذكاء الذاتي المتمثل في القدرة على فهم الذات وإدارتها بوعي وتحفيز ذاتي، والذكاء العائلي بالقدرة على بناء أسرة متماسكة قائمة على الحوار والتعاون، والذكاء الاجتماعي مثل التمتع بعلاقات فعالة ومؤثرة، وفهم مشاعر وسلوكيات الآخرين، بالإضافة إلى الذكاء العاطفي عبر ضبط الانفعالات، وإدارة المشاعر لتحقيق توازن داخلي إيجابي، لافتا إلى أن الكتاب يتناول الحديث عن الذكاءات الأخرى مثل الذكاء القيادي، والمالي، والاستباقي، والواقعي، والذكاء الاصطناعي، والذكاء الابتكاري القدرة على الإبداع، وخلق أفكار وحلول غير تقليدية. وأشار إلى أن الكتاب يتناول الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره مثالاً للنماذج الإيجابية الملهمة، إذ جمع بين كافة الذكاءات في إدارة الدولة، الأزمات، العلاقات، والبناء الحضاري، كما يطرح الكتاب دولة قطر كنموذج ومثال واقعي للنهضة المستندة إلى استثمار الذكاء القيادي والابتكاري والتعليمي. وقال المؤلف إن الكتاب يتضمن النادي الأهلي المصري كنموذج للذكاء في دمج الرياضة بالقيم والقيادة الاجتماعية والتنمية المستدامة، شخصيات عالمية مثل «ستيف جوبز»، «جاك ما»، «أنجيلا ميركل»، «نيلسون مانديلا»، والمصري الراحل الحاج محمود العربي كنموذج وطني في استخدام الذكاء الصناعي، والمالي والذاتي والخيري، كما يتضمن مؤسسات كبرى: مثل مؤسسة قطر، مؤسسة الأزهر، شركات عالمية ناجحة كمثال على التكامل الذكائي المؤسسي. ويخلص المؤلف إلى أن رسالة الكتاب، تكمن في أن امتلاك نوع واحد من الذكاء لم يعد كافيًا للنجاح، بل إن التكامل بين الذكاءات العشرة هو السبيل الحقيقي لبناء إنسان متوازن، ومجتمع مزدهر، وحضارة مستدامة. لافتا إلى أن الكتاب بمثابة خارطة طريق لكل فرد ومؤسسة تسعى لتحقيق الريادة الأخلاقية والعلمية والعملية.


جريدة الوطن
منذ 2 أيام
- جريدة الوطن
انطلاق مهرجان المسرح.. الليلة
تنطلق اليوم الدورة الـ37 من مهرجان الدوحة المسرحي، الذي يُعدُّ منصة حيوية لإبراز الإبداع المحلي والعربي. تشهد هذه الدورة تنافسًا قويًّا بين 10 عروض مسرحية، ثلاثة منها لفرق أهلية وسبعة لشركات إنتاج خاصة، مع تخصيص 16 جائزة. وقام الدكتور غانم بن مبارك العلي، الوكيل المساعد للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة، بزيارة ميدانية إلى مسرح يوفنيو الذي سيحتضن ابتداءً من اليوم فعاليات المهرجان، حيث اطّلع خلال الزيارة على كافة التجهيزات والترتيبات الجارية قبيل انطلاق العروض، وتفقد عن كثب التوسعات والتحديثات التي أُجريت مؤخراً استعداداً لهذا الحدث البارز. وتتواصل العروض والفعاليات خلال الفترة من 21 إلى 31 مايو 2025 على مسرح «يوفنيو» في منطقة مريخ، بمشاركة عروض مسرحية متنوعة تبدأ يوميًا في الساعة 8 مساءً، وتشمل: مسرحية «كون سيئ السمعة» لشركة الموال للإنتاج الفني في الليلة الافتتاحية، تليها «غرق» لفرقة الوطن المسرحية، و«الساعة التاسعة» لفرقة قطر المسرحية، ثم عروض مثل «أنتم مدعوون إلى حفلة»، و«الغريب»، و«الربان»، و«نخل»، و«ريحة الهيل»، و«مطلوب مهرجين»، وختامًا «البهلول» لشركة مشيرب. يُعدُّ مهرجان الدوحة المسرحي منصة حيوية لإبراز الإبداع المحلي والعربي. وتشهد الدورة الحالية تخصيص 16 جائزة، وهي كالتالي: الجوائز الرئيسية: أفضل تأليف، أفضل إخراج، أفضل ديكور، أفضل إضاءة، أفضل ألحان ومؤثرات صوتية، أفضل مكياج، أفضل أزياء واكسسوارات، أفضل ديكور، أفضل دور ممثل أوّل، أفضل دور ممثلة أولى، أفضل دور ممثل ثاني، أفضل دور ممثلة ثانية، أفضل تأليف، أفضل إخراج، أفضل عرض مسرحي متكامل. أما الجوائز التشجيعية: أفضل ممثل واعد، أفضل ممثلة واعدة، أفضل إنتاج، أفضل فنان عربي مشارك. وتهدف وزارة الثقافة ممثلة في مركز شؤون المسرح من خلال هذه الجوائز إلى تحفيز المواهب الشابة وتكريم التجارب الرائدة التي تسهم في إثراء المشهد المسرحي القطري. كما يُقام على هامش المهرجان سلسلة من الفعاليات المصاحبة، مثل الندوات الفكرية التي تناقش قضايا كـ«ندرة الخشبات المسرحية في الخليج» و«المسرح في ظل الذكاء الاصطناعي»، بمشاركة نقاد وفنانين عرب. إلى جانب ذلك، يُدشن المهرجان إصدارين ثقافيين هما كتاب عن سيرة الناقد الدكتور حسن رشيد، وكتاب عن تجربة المخرج فالح فايز، كجزء من جهود توثيق الإرث المسرحي القطري. كما تُعقد ورش تطبيقية مع المخرجين والممثلين بعد كل عرض لتحليل الأعمال فنياً، بهدف تعزيز الحوار المسرحي وتبادل الخبرات بين الأجيال. تترأس لجنة التحكيم هذا العام د. هدى النعيمي، وتضم خبراء مثل عبد الكريم جواد وموسى آرت، مع تركيز على معايير الإبداع والابتكار في تقييم العروض. ويُذكر أن المهرجان يأتي ضمن استراتيجية وزارة الثقافة لدعم المواهب الشابة وضخ دماء جديدة في الحركة المسرحية، من خلال تخصيص موازنة متميزة وضمان تكافؤ الفرص بين الفرق الأهلية وشركات الإنتاج. يستضيف المهرجان مجموعة من نجوم الخليج والعالم العربي، بينهم نجوم ونقاد وكتّاب مسرحيون، مما يعكس دوره كجسر للتواصل الثقافي العربي. كما يُقام حفل الاختتام في الليلة الأخيرة بعرض خاص من إنتاج مركز شؤون المسرح، يُلخص روح المهرجان وأهدافه في دعم الإبداع وتجسيد الهوية المسرحية القطرية التي باتت تتمتع بسمعة عربية متميزة. يُختتم المهرجان في 31 مايو بحفل تكريم الفائزين، الذي يشهد تكريم ثلاثة فنانين بارزين هم: يوسف أحمد من فرقة الوطن، وسعد البورشيد من فرقة قطر، وأحمد المفتاح من فرقة الدوحة، تقديرًا لإسهاماتهم في تعزيز المسرح القطري.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
ما أصعب الكلام عن دمشق!
قبل نحو ألف عام حاول ذلك ابن عساكر فامتدت به الروايات وقصرت عنه الإمكانات لولا أن أدركه نور الدين زنكي بمال ورجال فتم جهده سبعين مجلدا. هل سمعتم يوما عن كاتب تسمو به همته ليكتب سبعين مجلدا في تاريخ مدينته؟ إنه ما يعرف اليوم بـ "تاريخ دمشق". حديثا جرب الكتابة عنها نزار قباني فترك صورا شعرية تتباهى بها جدران المدينة، لكنه ظل يشكو من أنه كلما استل قلمه عرش الياسمين على أصابعه، واكتظ فمه بعصير المشمش والرمان والتوت والسفرجل. وجربه علي الطنطاوي فوصف دمشق مطلع القرن العشرين قبل أن تذهب نفسه حسرات على مرابع الصبا ومجد خبا. وها أنت تحاول أن تكتب عن دمشق فتتشابك الخيوط كما تتشابك اليوم أسلاك توزيع الكهرباء مع أغصان ياسمينها! كأنها تتحدى وتقول إن في دمشق شيئا، لا يمكن وصفه، ولا يمكن تجاوزه.. إنها دمشق تعلمك أن تكتب عنها وأنت تدري أن اللغة ستخونك. فهل تبحث عن بداية من بيت معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز الذي حكم نصف العالم وتحدى عقبات الجغرافيا؟ أم عن جاره صلاح الدين الإيوبي الذي غير وجه التاريخ؟ أم عن حارات محيي الدين بن عربي الذي شغل أقطاب الأرض عربا وعجما في فهم مضامينه وعباراته. ربما تلجأ كما تايتانيك إلى فلاشباك من حي التضامن أو جوبر أو مخيم اليرموك، فتتحدث عن مدينة قاومت زلازل الطبيعة أو تدمير الغزاة من أمثال تيمورلنك والمغول.. أنقل فؤادك حيث شئت من التاريخ فسوف ينقلب إليك بشقوق ضوء من سقف الحميدية، أو رذاذ متناثر من نوافير بيت دمشقي قديم. ولكن لا تتعب نفسك مع دمشق فهذه المدينة كما يقول مظفر النواب تأبى القسمة على اثنين، فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، ستدلك عليه "كنيسة السيدة". وبينهما سوف تتكفل البوظة الدمشقية أو ربما كوب من شاي بالنعناع بإعادة الضبط المصنعي لتستأنف الرحلة من جديد. ثم لا تخف بعد ذلك من ضياع، فالدمشقيون – كما وصفهم الطنطاوي ووجدتهم بالخبرة – من أكرم الناس، وأشدهم عطفا على الغريب، وحباً له، فهم يؤثرونه على الأهل والولد. في دمشق أصخ سمعك وافتح عيونك جيدا، فهذه المدينة متحف في الهواء الطلق، ومصممه حاذق مجرب تعمد أن يخفي نفائسه في كل زاوية، فما أن تقرر أنك شارفت حاجز الملل نهضت من جانب السوق، أو طرف الأبنية جوهرة تخبرك أنك في الحضرة الدمشقية. في سنوات سبقت الثورة تم تحديد مسارات سياحية داخل المدينة تطوف بأبرز معالمها، وقد عفت اليوم ملامحها لكن أطلالها تبدو في جداريات، تعرفك بأسماء المواقع دون أن تقدم عنها تفصيلا. مثل هذه المبادرات على قيمتها لا تتجاوز البعد التاريخي للأماكن، فالخريطة تحدثك عن أسواق مدينة تقليدية وأسواق للحرفيين، ومعالم تاريخية وثقافية مثل قلعة دمشق، ومعالم دينية كمقام صلاح الدين الأيوبي والجامع الأموي وكنيسة القديس حنانيا وخان أسعد باشا. تحدثني نفسي أن هذه المبادرة التي دعمها الاتحاد الأوروبي قد لا تليق بدمشق، ففي هذه المدينة كل شيءٍ يُروى مرتين: مرةً كما حدث، ومرةً كما تحب القلوب أن تتذكّر. وما يفوتك من تفاصيل الخرائط يفوق بكثير ما تقوله لك، وقد يتكفل بسرده حديث الحجر وهو الشاهد الوحيد الباقي من تاريخ تلك المدينة. ربما يخبرك عن شارعها المستقيم، وأنه ترتيلة من تراتيل الإنجيل فيه تصافح خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، واختلطت بهوائه كل توابل العالم التي حملت إلى سوق مدحت باشا عبر طريق الحرير. من هنا مر ملايين الحجاج كل عام فباعوا واشتروا وحملة الكسوة ورحلوا مشيعين بالموال الدمشقي والشال والصابون الحلبي وحلوى الجبن الحموية. هنا سكنوا البيوت والخانات الدمشقية التي تحولت يوما إلى نمط حياة في الغرب عبر إسبانيا، والتي سمت بيوتها حتى اليوم كرمة نسبة إلى دوالي العنب التي سقفت بيوتها، واختلطت بالياسمين والنارنج. في نظري أن النهج التقليدي مع المدينة قد لا يكون كافيا في التعامل مع كيان يزخر بالحياة والعبق، ولذلك فإنني أقترح عليك مسارات بديلة من قبيل: مسار بهجة العين مسار عبق الأماكن مسار القلوب والعقول مسار المعدة ففي بهجة العين تبدو حارات دمشق القديمة مثالا للتناسق بين الفن والإبداع والحاجات الإنسانية الأساسية، وإن إضيفت إليها نوستالجيا "باب الحارة" تزاحمت مشاهد الواقع بذكريات وسرديات تهب للمكان روحا وللجدران ألسنة. وأفصح ما فيها اليوم أن غاب عنها زبد صور زعماء وصفوا نفسهم يوما بالخالدين، واحتفظت بأشعار نزار قباني وترنيماته الدمشقية. وفي مسار عبق الأماكن تبرز أسواق العطور والعطارة والصابون وملحقاتها، وتدرك عندها كم يعشق السوريون الريح الطيبة، وكم تنتشر متاجر تصنيع العطور وتزيين قواريرها والاحتفاء بها. وتسألونني عن مسار المعدة في دمشق، فأقول كما يقول فقيهها ومحدثها هشام بن عمار هل يُستغرب الشيئ من معدنه؟ وأزيد هل يسأل المجد عن مهده؟ وهل اجتمعت طيبات الشعوب إلا فيها؟ وهل خرجت وصفات الطعام إلا من حاراتها؟ إعلان لكن مطاعمها اليوم تتناثر عبر أزقة لا تدل المقدمات فيها على النتائج، فمن مدخل ضيق معتم تصل إلى بيوت دمشقية عريقة تتغنى جدرانها بدمشق وجمالها، ويصدح فيها صباح فخري ليعلن أنك وصلت إلى مبتغاك. وإن كنت مثلي تفضل وجبات متناثرة على الطرقات فقد كمن لك خلف الجامع الأموي طبق فول يتعهد لك بما يشفي غليلك بطريقة تقليدية، تدخر ماء الفول بالليمون لري ظمأك، وحبات الفول المتبلة لجوعك فتخرج منه شبعان ريان نشوان، وأن تبقى في المعدة خلوة فسوف تتكفل بها متاجر القيمرية بمعجناتها وحلوياتها أو "لتشرب المرطبات مثلا". في مسار العقول والقلوب ستختزل لك آلاف الأعوام من التراتيل والتسابيح ساحات المسجد الأموي الذي ظل سجل المدينة المفتوح، يضيف عليه كل حاكم أو سلطان أو فاتح عبر العصور لمسة أو توقيعا يظل شاهدا على تاريخ المدينة. ثم ستحدثك أحجار ضريح صلاح الدين عن ركلة غورو، ولكنها تتذكر بالمقابل ضريح ملك ألمانيا غليوم الثاني الذي أهداه له واستحق فيه مديح شوقي: رعاك الله من ملك همام تعهد في الثرى ملكا هماما. غير بعيد عن تلك المقامات مساجد ومقابر ابن عربي في حي محيي الدين وإلى جواره في الجامع الجديد قبر عصمت خاتون زوجة نور الدين وصلاح الدين رضي عنهما، ثم قبر معاوية رضي الله عنه وابن عساكر في مقبرة الباب الصغير وابن تيمية وابن كثير وابن الصلاح خلف مستشفى الولادة في منطقة البرامكة. وجه فؤادك بعد ذلك نحو بيمارستان النوري التاريخي ثم الأسواق، وسوف أنتخب منها سوق العصرونية والمسكية والقوافين والجمرك والقيشاني والقلبقجية والقباقبية والبزورية والصقالين، وسوف أترك للدهشة مساحة الاكتشاف ومتعة الربط بين الاسم والمسمى. ثم لا يكتمل يوم تأملك الدمشقي إلا بإطلالة قاسيون حيث يلتقي أذان الطائعين بصلوات الخاشعين برائحة الياسمين، وأمنيات المحبين وإطلالات الفاتحين من أمثال خالد وأبي عبيدة ونور الدين وصلاح الدين، وإشراقات العباد والمتصوفين وإن حجبوها عنك بدعوى الصيانة فتحت دمشق لها طريق أوليائها الأربعين. ربما تدرك هناك كيف أحب التاريخ دمشق فأجأها إلى قاسيون الذي احتضنها ووقف سندا لها عندما مالت بها الأيام وأسال لها عين القطر من بردى ليمد ياسمينها بالحياة، وهز لها جذوع الغوطة تساقط عليها رطبا شهيا، فظلت خالدة على مر الدهور.. تمرض ولكنها لا تموت.