
الصين: خطاب استفزازي وتحريضي واشنطن: بكين تستعد لاستخدام القوة لتغيير ميزان القوى في آسيا
سنغافورة - أ ف ب: حذّر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، أمس، من أن الصين "تستعد" لاستخدام القوة العسكرية لتغيير ميزان القوى في آسيا، متعهدا أن تبقى الولايات المتحدة بجانب حلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وتعليقات هيغسيث التي وردت خلال منتدى أمني سنوي في سنغافورة، تأتي في وقت تشهد العلاقات بين واشنطن وبكين توترات في ملفات عدة منها التجارة والتكنولوجيا والنفوذ في مناطق استراتيجية في العالم.
من جهتها، نددت سفارة الصين في سنغافورة بخطاب وزير الدفاع الأميركي ووصفته بأنه "استفزازي وتحريضي".
وقال هيغسيث، إن الصين مستعدة لاستخدام القوة للسيطرة على أجزاء من آسيا.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني، أطلق الرئيس دونالد ترامب حربا تجارية ضد الصين تقوم على رفع التعريفات الجمركية، ويعمل على تقييد حصولها على التقنيات الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، ويواصل تعزيز العلاقات مع أطراف إقليميين على تباين مع بكين مثل الفيليبين.
وقال هيغسيث خلال منتدى حوار شانغريلا للأمن في سنغافورة، إن "التهديد الذي تشكله الصين حقيقي وقد يكون وشيكا".
وأشار إلى أن بكين "تستعد بصورة موثوقة لاستخدام محتمل للقوة العسكرية لتغيير ميزان القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، محذّرا من أن الجيش الصيني يعمل على بناء القدرات لاجتياح تايوان "ويتدرب" على ذلك فعليا.
وأكد هيغسيث أن الولايات المتحدة "تعيد توجيه نفسها من أجل ردع عدوان الصين الشيوعية"، داعيا حلفاء بلاده وشركاءها في آسيا إلى الإسراع في رفع الإنفاق في المجال الدفاعي في مواجهة التهديدات المتزايدة.
وندد ممثل الصين الأميرال هو غانغ فينغ، امس، "بالاتهامات التي لا أساس لها" والتي تهدف إلى "زرع الفتنة والمساهمة في الانقسامات والتحريض على المواجهة وزعزعة استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
واعتبر هيغسيث أن على التصرفات الصينية أن تكون بمثابة "جرس إنذار"، متهما بكين بالضلوع في هجمات سيبرانية ومضايقة جيرانها، وصولا إلى "مصادرة أراضٍ وتحويلها للاستخدام العسكري بشكل غير قانوني" في بحر الصين الجنوبي.
وتطالب بكين بالسيادة شبه الكاملة على هذا المسطح المائي الذي يمرّ عبره نحو 60% من التجارة البحرية، رغم حكم قضائي دولي يعتبر أن لا أساس قانونيا لهذا المطلب.
وسجلت على مدى الأشهر الماضية مناوشات بين البحريتين الصينية والفيلبينية في هذه المنطقة. وتوقع مسؤولون أميركيون أن تكون هذه المنطقة وما تشهده من توترات، محورا أساسيا في النقاشات على هامش منتدى شانغريلا.
وتزامنا مع كلمة هيغسيث في المنتدى، أعلن الجيش الصيني أن قواته البحرية والجوية تقوم بـ"دوريات استعداد قتالي" روتينية حول سلسلة من الشعاب والصخور المتنازع عليها مع مانيلا.
ولم ترسل بكين أي مسؤول من وزارة الدفاع للمشاركة في المنتدى، واكتفت بوفد من جامعة الدفاع الوطني التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني.
وأثارت كلمة هيغسيث انتقاد بعض المحللين الصينيين في المنتدى.
وقال دا وي، مدير مركز الأمن الدولي والاستراتيجية في جامعة تسينغهوا للصحافيين، إن الخطاب كان "غير ودود للغاية" و"تصادميا للغاية".
واتهم دا واشنطن باعتماد معايير مزدوجة لجهة مطالبة الصين باحترام جيرانها، بينما تقوم هي بمضايقة جيرانها مثل كندا وغرينلاند.
وفي مسعى لطمأنة الحلفاء في آسيا، شدد هيغسيث على أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ تبقى "أولوية" بالنسبة إلى الولايات المتحدة، متعهدا بضمان أن "الصين لن تهيمن علينا أو على حلفائنا وشركائنا".
وفي حين أشار إلى أن بلاده عززت تعاونها مع الفيليبين واليابان، أعاد التذكير بأن "الصين لن تغزو (تايوان)" في عهد ترامب.
وأضاف، "من الصعب تصديق أنني أقول هذا، ولكن بفضل الرئيس ترامب، ينبغي على الحلفاء الآسيويين أن ينظروا إلى الدول في أوروبا كمثال جديد"، مستشهدا بتحرك دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك ألمانيا، نحو هدف الإنفاق الذي حدده الرئيس الأميركي بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف، "الردع لا يأتي رخيصا".
من جهتها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن بعض دول القارة "أدركت منذ زمن أننا نحتاج للاستثمار في الدفاع".
وأضافت، "أعتقد أن قيامنا بالمزيد هو أمر جيد، لكن ما أريد التشديد عليه هو أن أمن أوروبا وأمن الهادئ مترابطان بشكل كبير"، معتبرة أن كلمة وزير الدفاع الأميركي تضمنت "بعض الرسائل الشديدة المتعلقة بالصين".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جريدة الايام
منذ 21 ساعات
- جريدة الايام
ترامب على طريق بايدن
أمضى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن كل العام 2024 وهو يحاول أن يقنع رئيس حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أولاً بتحديد موعد قريب للحرب، ثم بوقفها وذلك عبر صفقة تبادل بين المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، ولكن مع فشله المتواصل وعجزه عن القدرة على إجبار نتنياهو على الامتثال لما يريده، بدافع انتخابي على أقل تقدير، كان يدعي أحياناً أن الاتفاق قريب، وأنه قاب قوسين أو أدنى من التحقق، وأحياناً يلقي اللوم على حماس، ومن ثم يعلن إحباطه، بعد تسريبات من أوساط إدارته بأنه مارس الضغط أو حتى أنه هدد رئيس الحكومة الإسرائيلية، وفي نهاية المطاف، خرج بايدن من البيت الأبيض دون رجعة، ودون أن يحقق أي منجز يذكر، وأخذ معه بفشله مع نتنياهو بالذات حزبه ونائبته كامالا هاريس، وفتح الباب بيده المرتعشة لخصمه السياسي دونالد ترامب ليعود إلى البيت الأبيض من بابه الواسع. يبدو اليوم أن هناك تبادلاً في الأدوار، وأن ما مر به بايدن يمر به حالياً ترامب، فما دام نتنياهو هو من يجلس على الجانب الآخر من العلاقة الأميركية - الإسرائيلية، فإن الرؤساء الأميركيين يتغيرون ويتبدلون، ويبقى رئيس الحكومة الإسرائيلية كما هو، وفي حقيقة الأمر ربما كان هذا أحد الأسباب التي تظهره كرجل ما زال مطلوباً للعدالة الدولية في الخارج، ومتهماً أمام القضاء الإسرائيلي في الداخل، من تبجح وعنجهية وغرور، كيف لا وهو يتلاعب برئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، كما لو كان لعبة بين يديه، ولم يقتصر الأمر على رئيس واحد، حتى لا يقال إن العيب أو المشكلة كانت في ذلك الرئيس شخصياً، فقد فعل هذا مع ترامب في ولايته الأولى، حين واصل تحريكه بالريموت كونترول الذي بين يديه، فوجهه نحو إلغاء الاتفاق مع إيران العام 2018، الذي كان وقعه باراك أوباما قبل ذلك بثلاثة أعوام، ثم دفعه لارتكاب فعل تجنبه كل الرؤساء الأميركيون السابقون، نقصد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، ومن ثم الاعتراف بالضم غير القانوني للجولان المحتل، وأخيراً إبرام اتفاقيات أبراهام للتطبيع بين ثلاث دول عربية وإسرائيل بالقفز عن شرط إقامة الدولة الفلسطينية أولاً. ثم تلاعب ببايدن الذي حاول أن يهرب من الشرق الأوسط، بعد أن حاول أن يكمل عمل ترامب الخاص باتفاقيات أبراهام، وذهب للرياض من أجل هذا الغرض، لكن علاقته السيئة مع الأمير محمد بن سلمان، حالت دون تحقيق أي إنجاز بهذا الخصوص، بل ولقنه الأمير السعودي المفعم بالحيوية والشباب والطموح درساً، دفعه بعيداً عن الشرق الأوسط إلى شرق أوروبا، حيث علق مستقبله ومستقبل حزبه السياسي بالحرب الروسية الأوكرانية، وحتى هنا لم يستطع أن يواجه نتنياهو، فمن بين كل دول الغرب الحليفة لأميركا، وقفت إسرائيل جانبا، ولم تنضم للتحالف السياسي الذي أقامته أميركا ضد الحرب الروسية على أوكرانيا، ثم كانت الطامة الكبرى حين وقع طوفان الأقصى، فكانت تفاصيل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تمثل إهانات متكررة ومتواصلة للرئيس الأميركي في مقابل رئيس حكومة إسرائيلي، ليس مطلوبا للعدالة الدولية، وللقضاء الإسرائيلي وحسب، بل ويواجه معارضة داخلية غير مسبوقة، لا تقتصر على المعارضة السياسية، بل يواجه مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والمؤسسات الأمنية والعسكرية. أي كان يمكن لبايدن أن يتحجج أو يطالب نتنياهو بإجماع داخلي، حتى يجلس إلى جانبه أو حتى وراءه في حرب أغضبت العالم بأسره، لكنه لم يقوَ حتى على منع نتنياهو من منح الفاشيين الإسرائيليين المقاعد الوزارية، وكان بايدن قد تورط بإعلان عدم رغبته في منح كل من إيتمار بن غفير وبتسئليل سموتريتش مقاعد حكومية حين قام نتنياهو بتشكيل حكومته الحالية، وذلك قبل أشهر قليلة من طوفان الأقصى، وكان ذلك محاولة من بايدن لتعزيز علاقة بلاده بالدول العربية، نظراً لتقديره بأن هذين الرجلين سيشعلان المنطقة توتراً وصخباً، بمجرد مشاركتهما في الحكومة، فما بالنا وقد باتا يتحكمان بهما من خلال تهديد نتنياهو المرعوب من احتمال الخروج من المنصب ليكون تحت رحمة القضاء الإسرائيلي، بفض الشراكة معه، في حال تردد في مواصلة حرب الإبادة الجماعية، ومواصلة الطريق ضد العالم بأسره ؟ بالطبع كان ينظر إلى بايدن على أنه رئيس ضعيف، لا يتمتع بكاريزما باراك أوباما، ولا حتى بشخصية رونالد ريغان ولا حتى جورج بوش الأب، أما ترامب فهو ظهر، بعد أن فاجأ الدنيا كلها برفض نتائج انتخابات الرئاسة العام 2020، وظل يدعي تعرض النتيجة للتزوير، ثم أعلن بشكل غير مسبوق أنه سيعيد محاولة العودة للبيت الأبيض، وظل 4 سنوات يمارس دور المرشح الرئاسي المعارض، وظهر مدعوماً من مؤيدين متطرفين، عصبويين لدرجة العنصرية ضد الآخرين، بمن فيهم نصف الشعب الأميركي، أي الخصم الديمقراطي، باختصار ظهر أو حاول أن يظهر كرئيس قوي، مختلف تماما عن بايدن، وقد ادعى أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ما كانت لتقع لو كان رئيسا، وأنه يمكنه أن يوقف الحرب في الشرق الأوسط خلال أيام، وواصل ذلك وبصوت أعلى بكثير حين فاز بالانتخابات، لدرجة أنه هدد بأنه سيحرق الشرق الأوسط، لو دخل البيت الأبيض، دون التوصل لاتفاقية الصفقة. وفعلاً رضخ نتنياهو للتهديد، رغم أن تهديد ترامب كان يبدو موجها لحماس أصلاً، وبدأ تنفيذ صفقة تبادل مكونة من 3 مراحل، قبل تنصيب ترامب بيوم واحد فقط، وبذلك أوحى نتنياهو لترامب بأنه قد حقق له ما أراد، بما جعل الرئيس الأميركي ينتشي مثل طاووس في ريعان الشباب، ما أعاده إلى حضن نتنياهو، الذي كان قد أغضبه قبل 4 سنوات حين قام بتهنئة بايدن على فوزه بانتخابات 2020، لدرجة أنه استقبله في البيت الأبيض كأول مسؤول أجنبي يستقبله كرئيس أميركي، ثم قام بتقديم أعظم هدية سياسية له، وكانت إعلانه عن خطة مدوية تجاه غزة، مضمونها تهجير سكانها، إعلان أذهل نتنياهو والفاشيين الإسرائيليين، الذين ما زالوا يحلمون بتنفيذ تلك الخطة، رغم نسيان ترامب نفسه لها، بل وحتى أنه نسي إن كان قد تفوه بها من قبل. وكما فعل بايدن، يفعل ترامب حالياً، فهو قد عين ممثلاً رسمياً له لمتابعة مسار صفقة التبادل، وهو ستيف ويتكوف، والذي يعد كما لو كان أهم من وزير الخارجية نفسه، بينما كان بايدن قد أرسل وزير خارجيته خلال عام واحد أكثر من عشر مرات لمتابعة هذا الملف، إضافة بالطبع لمستشار أمنه القومي، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، وكذلك أكثر من مندوب خاص، ولكن دون جدوى، ذلك أن المعضلة لا تكمن في الجانب الفني، ولا في إقناع حماس، لكن المشكلة تكمن بين أميركا وإسرائيل بالتحديد، فأميركا أيام بايدن كانت بحاجة لاتفاق الصفقة لغرض انتخابي، وللتخلص من الضغط الدولي والداخلي، حيث كانت تضطر كل الوقت للوقوف في وجه العالم كله المنتفض بالتظاهرات، والمنشغل بمناقشة مشاريع القرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة، فيما أميركا في أيام ترامب الحالية بحاجة إلى الصفقة لتقديمها كإنجاز يخفف من المعارضة الداخلية ضد الرسوم الجمركية، ولفتح أبواب الشرق الأوسط أمام مزيد من الاستثمارات في أميركا بما يعزز اقتصادها ويقويه في مواجهة التحدي الاقتصادي الصيني. أما إسرائيل فلا يمكنها في ظل حكومتها الفاشية الحالية، عقد صفقة توقف الحرب، ولو بعد حين، وبالتحديد لو أرفق اتفاق الصفقة بضمانة أميركية أو قبول إسرائيلي بالطبع بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، فهذا يعني تفكيك الائتلاف وسقوط حكومة نتنياهو، وهذا التباين، ومع تصاعد الغضب الدولي، ومنه الأوروبي المهم، الذي يبدو أنه وجد في إسرائيل ضالته للرد على تخلي أميركا عن أوكرانيا، وتوريط أوروبا بوحل المواجهة مع روسيا، وذلك بنبذ إسرائيل، كما فعلت أميركا مع أوكرانيا، يعني أن ترامب يحارب طواحين الهواء حالياً، من أجل «احتواء» فتيل التوتر الذي يمسك به نتنياهو، في محاولته لإجبار ترامب على الدخول في المسار الذي سار عليه بايدن، وهو مسار الحرب الإقليمية، بدلاً من مسار الصفقات التجارية، وبما يشمله ذلك من الإبقاء على خيار مواجهة إيران، أميركيا وإسرائيل عسكرياً، ولهذا أظهر ترامب حنقه على نتنياهو وحذره تحذيراً شديد اللهجة، إن هو فكر في تخريب المفاوضات الأميركية الإيرانية. السؤال يبقى معلقاً، بينهما، أي بين ترامب ونتنياهو، ويدور حول من منهما سيلوي عنق الآخر، وحيث إن ترامب يطرق الباب السهل، والذي ليس بالضرورة يوصله لبر الأمان، وهو باب حماس، لذلك يواصل القول إنه قريب من اتفاق الصفقة، وإن ذلك قد يكون اليوم أو غداً!


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
سلاح الخبز في حرب الإبادة
تزايد خلال الأسبوع الأخير عدد ضحايا مشروع توزيع «المساعدات الإنسانية» الإسرائيلي -الأمريكي ليصل إلى ما يربو على مئة شهيد، ومئات الجرحى. وإذ من الصعب إيجاد تبرير مباشر لهذا السلوك الإسرائيلي في إرفاق وجبات الطعام بوجبات الدم، فإن التفسير يكمن في المبدأ الناظم لحرب الإبادة وهو أن القاعدة هي إطلاق النار والقتل، والاستثناء هو «السماح» للفلسطيني بالبقاء على قيد الحياة. في البداية «تباطأت» ماكينة الدعاية والتضليل الإسرائيلية في تبرير ما تقوم به قوّاتها من استهداف للمدنيين طالبي الإغاثة، لكنّها ما لبثت أن شنّت هجوما من الأكاذيب لطمس الحقيقة بالادعاء بأن «حماس تكذب» وأن جنودها أطلقوا النار لإبعاد من خرجوا عن المسار المسموح بالمشي فيه، ورددت الناطقة بلسان البيت الأبيض الرواية الإسرائيلية، واضطرت صحيفة «واشنطن بوست»، من أهم وسائل الإعلام في العالم، إلى «التراجع» عن عدم تحقّقها من نشر خبر عن استشهاد 27 فلسطينيا صباح الثلاثاء الماضي، مع أن منظمة الصليب الأحمر المحايدة أكّدت الخبر. هنا تبرز الحاجة إلى «ملاحقة» الأكاذيب الإسرائيلية وتفنيدها لأنّها من أهم أدوات امتصاص الضغوط وحشد «الشرعية» الدولية لمواصلة حرب الإبادة في غزّة، وليس من الدقيق القول إنه « لم يعد أحد يصدّق إسرائيل»، فالبعض ما زال يصدّقها أو تشوّشه أضاليلها. لم يحمل أحد من طالبي الإغاثة الإنسانية سلاحا، ولم يهدد أيٌّ منهم جنديا إسرائيليا أو مجنّدا أمريكيا في «مراكز المساعدات»، فالناس جاءت، في هذا السياق، للحصول على الطرود الغذائية، وليس للاصطدام مع قوّات الاحتلال. وهذا ما لم تستطع حتّى الابواق الإسرائيلية نفيه، لكنّها حاولت تحميل حماس المسؤولية، بالادعاء أن مقاتليها هم من أطلقوا النار على الناس «لمنعهم من التوجّه لمراكز المساعدات». ولإثبات عدم تورّط الجيش الإسرائيلي في قتل 27 فلسطينيا يوم الثلاثاء، استند موقع القناة 12 الإسرائيلية إلى شريط نشره يوم الأحد، فوفق المنطق «قتل رصاص يوم الأحد الناس يوم الثلاثاء». وذهب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي اللفتنانت جنرال آفي دبرين، إلى أن حماس «أطلقت النار في الأيام الأخيرة» دون إشارة مباشرة إلى الثلاثاء، وأضاف أن «الجيش قام بإطلاق نار الإبعاد.. وحماس تكذب». تحاول إسرائيل أن تربح من كل العوالم، فهي تقتل وتدمّر كما تريد، وتفرض الجوع على الناس، وتلجأ إلى استعمال «سلاح الخبز» في حرب الإبادة. في المقابل تعرض نفسها أمام العالم كمن تقدم «المساعدات الإنسانية للناس»، وتحمّل حماس مسؤولية قتل طالبي الإغاثة. بموازاة ذلك تواصل حربها الإجرامية وتوسّعها، وتلقي الذنب على حركة حماس لأنّها ـ كما تقول «رفضت خطة ويتكوف»، بخصوص الهدنة المؤقّتة، وتتهمها بالتعنّت، لأنها تصر على إنهاء الحرب. وتسعى إسرائيل بالمجمل إلى التخفيف من حدّة الانتقادات الدولية، عبر نشر روايتها الكاذبة والمضللة، وحين لا يصدّقها الناس تأتي بالمزيد. المجرم بحاجة للكذب للتغطية على جريمته ومنفتح على روايات عديدة، والضحية من مصلحتها كشف الحقيقة، وليس لها سوى رواية واحدة. وما تنشره بعض وسائل الإعلام عن روايتين متساويتين، في تجاهل لبنية الحقيقة حول الجريمة، هي خدمة للمجرم وخيانة لأخلاقيات المهنة، إذن ما معنى التعامل مع الحقيقة والكذب بالدرجة نفسها من المصداقية؟ لقد انطلق الفلسطينيون وأنصار قضيتهم في العالم من السطوة الأخلاقية لقضية شعب فلسطين العادلة، وهذا ما يجب الاستمرار فيه، والتأكيد عليه أكثر وأكثر، لأن هذا هو الصحيح أوّلا، ولأن أنصار العدالة في بلادهم يدعمون العدالة في العالم بشكل شبه تلقائي، إلّا إذا وصلتهم معلومات مشوّهة، وعليه يجب مضاعفة الجهود في تسخير «سطوة الحقيقة» لفضح أكاذيب إسرائيل، وعدم الاكتفاء بإدانة جرائمها. إن الاستناد إلى «سطوة العدالة والحقيقة» المزدوجة هي مفتاح توسيع وتفعيل التضامن العالمي مع شعب فلسطين، الذي يتعرض اليوم لكارثة من صناعة إسرائيل والولايات المتحدة. إن «مؤسسة غزة الإنسانية» هي أبعد ما يكون عن الإنسانية، وهي في حقيقتها جزء لا يتجزّأ من حرب الإبادة، وترمي في ما ترمي إليه إلى تعبيد طريق تهجير أهالي قطاع غزّة، عبر حشرهم في منطقة ضيّقة ومواصلة خنقهم، حتى يفرّوا من الجحيم في أول فرصة يفتح فيها الباب. وقد فضح مؤسسها الرسمي ورئيسها الأول جيك وود، الأهداف الحقيقية للمؤسسة، واستقال مؤكّدا أنه لا يمكن من خلالها الالتزام بالقواعد الأساسية للإغاثة الإنسانية السامية. وهذا الأسبوع أعلنت شركة «مجموعة بوسطن الاستشارية»، التي قدّمت خدمات أساسية لمؤسسة غزة الإنسانية، عن انسحابها ما شكّل ضربة قوية لأن هذه المجموعة تلعب دور محوريا في إدارة المشروع الأمريكي الإسرائيلي. وجاء إعلان مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية عن تعيين القس الأنجليكاني جوني مور، رئيسا لها، ليكشف حقيقة أمرها وتوجهاتها العامّة، فمور هو من أشد الداعمين لترامب ومن أقرب المقرّبين من نتنياهو، وله أيضا علاقات متشعّبة في دول الخليج. هو يدّعي أنه يقوم بنشاط في «التفاهم بين الأديان»، وقد عمل في إدارة ترامب السابقة في هذا المجال. لكن مراجعة سريعة لتصريحاته وتدويناته على منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر أنّه يتقبّل المسلمين فقط إذا كانوا داعمين لإسرائيل، أو متصالحين معها. ويمكن الاستدلال على سياساته المتوقّعة من خلال مواقفه المعلنة بخصوص غزة، فهو أوّلا دعم مقترح ترامب بالنسبة لتولي الولايات المتحدة مسؤولية إدارة غزّة (بعد طرد سكّانها) وكتب «الولايات المتحدة ستتحمّل المسؤولية الكاملة عن مستقبل غزّة، ما يمنح الجميع الأمل والمستقبل»، وثانيا وجّه انتقادات لاذعة للأمم المتحدة واتهمها بتجاهل من «يسرق المساعدات»، مشيرا إلى أن منظمات الإغاثة الدولية فشلت في تقديم حلول فعّالة، وثالثا تغاضى عن جرائم جيش الاحتلال قائلا إن «ضحايا حماس هم الفلسطينيون أنفسهم». ينتمي جوني مور إلى تيار المسيحية الأنجليكانية الصهيونية، الذي يؤمن بأن دعم عودة اليهود إلى «أرض الميعاد» هو استجابة لمشيئة إلهية، وهذه «العودة» هي شرط لتحقيق نبوءات الخلاص النهائي، والعودة الثانية للسيد المسيح. إضافة إليه ينتسب السفير الأمريكي في إسرائيل القس مايك هكابي، إلى التيار نفسه. ولعل في هذين التعينين إشارة إلى أن ترامب يفتح مجالا واسعا لتأثير الأنجليكانيين على كل ما يتعلّق بغزة وبفلسطين عموما، في حين يستبعدهم عن قضايا أخرى «مهمّة لإسرائيل» مثل إيران وسوريا واليمن والعلاقة مع دول الخليج. وإذ يشكّل الأنجليكانيون حوالي ربع الناخبين في الولايات المتحدة، فإن تأثيرهم السياسي على الحزب الجمهوري هو من الوزن الثقيل. لكن علينا أن ننتبه إلى أن هناك أقلية مهمة داخل هذا التيار، وبالأخص بين الشباب، لا تقبل بالدعم الأعمى لإسرائيل، وترفض «وضع السياسة فوق القيم الإنسانية». لقد قامت «مؤسسة غزة الإنسانية» بهدف استبعاد مؤسسات الإغاثة الدولية المستقلة والمجرّبة عن العمل في القطاع المنكوب، وبغية إخضاع المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الناس في غزة للأغراض والغايات الإجرامية الإسرائيلية، المتمثّلة في حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل والتهجير القسري وفرض الاحتلال على غزة. وتدعي إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والقائمين على المؤسسة بأن مشروع الاستجابة الإنسانية الجديد كفيل بحل مشكلة المجاعة في غزة. لكن إلى الآن وصلت طرود الغذاء إلى 110 آلاف إنسان في أحسن الأحوال، وذلك وفق ما أُعلن عن توزيع حوالي 20 ألف طرد يكفي الواحد منها لخمسة أشخاص ونصف (ما هذا النصف؟) لمدة ثلاثة أيام ونصف اليوم، ويعني هذا أن مليوني إنسان لم يحصلوا على ما يغطي حاجاتهم من طعام. وإذ تدّعي المؤسسة أنها في البداية فقط، فإن مشروعها المعلن حين يجري تفعيله بالكامل سيزوّد مليون إنسان فقط بالغذاء، فما مصير المليون المتبقّي؟ هنا تنكشف مناورة إسرائيل بتقسيم أهالي غزة إلى قسمين: الأول يحصل على طعام والثاني لا يحصل على طعام، الأول يشكر الاحتلال على مكارمه والثاني يسعى لاسترضائه علّه يشفق عليه ببعض الفتات. سياسة إسرائيل في حرب الإبادة في غزة هي رصاص وتجويع وتلويح بالخبز، وكلما اعتقدنا أن الدولة الصهيونية وصلت إلى الدرك الأسفل، نراها تبدع في الانحطاط من قاع إلى قاع ومن حضيض إلى حضيض. ولعل بصيص الأمل في أن الضمير العالمي بدأ يصحو، وربما يصحو الضمير العربي أيضا.


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
بينها 4 دول عربية.. ترامب يحظر دخول مواطني 12 دولة إلى أمريكا
واشنطن- معا- وقّع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً جديداً يفرض قيوداً صارمة على دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة، من بينها عدد من الدول العربية والإسلامية، في خطوة أعادت إلى الأذهان الحظر الذي فرضه خلال ولايته الأولى وأثار حينها موجات من الجدل القانوني والسياسي داخل البلاد وخارجها. ووفقاً للبيان الصادر عن البيت الأبيض، فإن القرار الجديد سيبدأ تطبيقه رسمياً اعتباراً من يوم الأحد 9 يونيو/حزيران، ويشمل حظر الدخول الكامل على مواطني كل من: أفغانستان، بورما (ميانمار)، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، هايتي، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، واليمن. كما فرضت إدارة ترامب قيوداً جزئية على دخول مواطني سبع دول أخرى هي: بوروندي، كوبا، لاوس، سيراليون، توغو، تركمانستان، وفنزويلا، حيث يُتوقع أن يخضع المسافرون منها لفحص أمني مشدد أو يُمنع دخولهم باستثناءات محدودة. ويأتي القرار في أعقاب هجوم استهدف تجمعاً مؤيداً لإسرائيل في مدينة بولدر بولاية كولورادو، يوم الأحد الماضي، حيث اتهمت السلطات الأمريكية رجلاً يُدعى محمد صبري سليمان بالهجوم على المشاركين باستخدام قنابل حارقة ومواد مشتعلة. وبحسب وزارة الأمن الداخلي، فإن سليمان دخل الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية في عام 2022، وتقدّم لاحقاً بطلب لجوء، إلا أنه بقي داخل البلاد رغم انتهاء صلاحية تأشيرته.