
المخاض السوري وموازنة الديني بالسياسي
يرزح المشهد السياسي السوري تحت وطأة ظاهرتين سياسيتين سلبيتين: سلطة تأخذ قراراتها بدلالة فئوية، سنّية، ورجال دين يتصدّرون قيادة المكونات الدينية والمذهبية الأخرى، المسيحيين والموحدين الدروز والعلويين والإسماعيليين، ما حوّل الصراع السياسي إلى صراع ديني ومذهبي، أفرز حالة تفاضلية بين مكونات المجتمع السوري، عمّقت الخلافات وكرّست الانقسامات، وجعلت الاستقرار السياسي والأمني بعيد المنال.
نحن أمام مشهد سياسي تهيمن على تفاعلاته سرديّتان اتفقتا فاختلفتا، اتفقتا على إعطاء الأولوية لهوياتها الفرعية، فاختلفتا على الخيارات والحلول الوطنية المناسبة لإقامة دولة سورية جديدة، حيث توجّهت السلطة السورية الجديدة السنّية منذ اللحظة الأولى لإسقاط النظام البائد في عملية ردع العدوان إلى البدء ببسط سيطرتها على المجال العام بنقل حكومتها في محافظة إدلب إلى العاصمة، وتسليمها سلطة إدارة مرحلة انتقالية، تلتها عمليات تعيين محافظين وقادة جيش وأمن من لون واحد، سنّة، من الفصائل التي شاركت في عملية ردع العدوان، وفي مقدّمتها الفصيل الأساسي: هيئة تحرير الشام، تلتها خطوات تأسيسية لكيان سياسي جديد: عقد مؤتمر النصر وتولية أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية، وتكليفه بمهام من صلاحيات رئيس منتخب، حل الأحزاب والفصائل المسلحة ووضع إعلان دستوري وتشكيل هيئة تشريعية، وتكليفه قائداً من هيئة تحرير الشام بتشكيل جيش سوري جديد قوامه الفصائل المسلحة، وآخر لتشكيل جهاز مخابرات جديد، ومنح رتب عسكرية من مرتبة الضباط القادة لمقاتلين من الفصائل وعينهم في مواقع عسكرية حسّاسة، وعقد مؤتمر حوار وطني لإسباغ الشرعية على خطواته التالية التي يستدعي القيام بها وجود شرعية شعبية مثل وضع إعلان دستوري وتشكيل هيئة تشريعية انتقالية. حتى تشكيل لجنتي العدالة الانتقالية والكشف عن مصير المفقودين اللتين تستدعي طبيعتهما أن تكونا مستقلتين، لم يخرج عن التوجّه العام للسلطة الجديدة باختيار شخصيات لرئاسة اللجنتين من المقرّبين، بحيث تضمن السلطة أن يبقى عملها تحت السيطرة وأن تكون النتائج في صالح سرديتها.
زاد الطين بلة ما تسرّب عن ممارسات السلطة في مواضيع شديدة الحساسية، مثل إخضاع عناصر الجيش والمخابرات والشرطة لدورات تثقيف عقائدية في الفكر السلفي، والتحضير لإخضاع معلمي المدارس الابتدائية لدورات مماثلة، كي تنعكس في تعاطيهم مع تلاميذهم، بحيث يكونون سبل ترويج وتعميم، واستبدال خطباء المساجد بخطباء مرضيٍّ عنهم لترويج نمطٍ من السلفية معروفة باسم المدخلية، يقوم أساسه المنهجي على رفض الطائفية والفرقة والتحزّب وعدم جواز معارضة الحاكم وعدم إبداء النصيحة له في العلن، يرى النصيحة له في السرّ أولى؛ ويعتبر ذلك من أصول عقيدة أهل السنّة والجماعة، ويعتبر مخالفة هذا الأصل خروجاً على الحاكم المسلم. وسبق ذلك تشكيل مجلس إفتاء من ممثلين عن المذاهب السنّية فقط، ما أثار أسئلة عن مغزى استبعاد أتباع بقية المذاهب الإسلامية العلويين والموحدين الدروز والإسماعيليين، هل اعتبرتهم خارج الإسلام أم اعتبرتهم سقط متاعٍ لا قيمة له، وهل يعني استثناء المذاهب غير السنّية أن من حقّهم تشكيل مجالس إفتاء خاصة بهم، ما يفتح على صراع فتاوى؟. وكان لافتاً أن بيان مجلس الإفتاء العتيد عن تحريم الثأر والانتقام خارج نطاق القضاء والإطار القانوني لم يحدّد ما إذا كان هذا التحريم يشمل كل المواطنين السوريين بغضّ النظر عن دينهم ومذهبهم، لأن ربطه حرمة الدم والمال والعرض بكلام الرسول (عليه الصلاة والسلام) يثير شبهة شموله المسلمين فقط.
لم يحظ توجّه السلطة السورية الجديدة بقبول مكونات سورية عديدة رأت فيه توجهاً لفرض سردية محدّدة على المجتمع السوري وتشكيل نظام سياسي فئوي
تشكيل حزب للسلطة السورية الجديدة تحت اسم "الأمانة العامة للشؤون السياسية" في وقتٍ تمنع نشاط الأحزاب السياسية القائمة، وتمنع تأسيس أحزاب جديدة، ما أثار مخاوف من تأسيس نظام الحزب الواحد، وتحول "الأمانة العامة للشؤون السياسية" إلى حزب قائد في المجتمع والدولة؛ كما كان حزب البعث في النظام البائد. ما ترك انطباعاً بأن السلطة الجديدة تعمل في المرحلة الانتقالية، التي حددت مدّتها بخمس سنوات، على إقامة نظام شمولي عبر ترويض المجتمع وتنميط سلوكه وردّات فعله وفق توجهاتها.
عكست القرارات والإجراءات العملية المذكورة أعلاه وجود هدفين رئيسين للسلطة السورية الجديدة: توفير غطاء سياسي وإحكام السيطرة على المجال العام، كان هذا واضحاً بقوة في قرار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع تكليف لجنة لوضع إعلان دستوري وتزويدها بمحدّدات، بحيث يظهر الإعلان ثمرة جهود لجنة مستقلة، ويحقق خيارات الرئيس الانتقالي وتفضيلاته في الوقت نفسه، كما تجلى ذلك في إصدار مراسيم تشريعية، في تعارض تام مع مواد في الإعلان الدستوري تقيّد حقّ الرئيس الانتقالي بإصدار مثل هذه المراسيم، لتسجيل مكاسب على طريق تحقيق الهدفين المذكورين.
الوضع الهشّ والانقسامات القومية والمذهبية تحتاج حصافة وقدرة على تدوير الزوايا لرأب الصدع وجسر الهوّة بين المواقف والسرديات
لم يحظ توجّه السلطة السورية الجديدة بقبول مكونات سورية عديدة رأت فيه توجهاً لفرض سردية محدّدة على المجتمع السوري وتشكيل نظام سياسي فئوي لا يختلف عن النظام البائد إلا بالشكل، سنّي مقابل علوي. وقاد هذا إلى بروز مواقف رافضة لدى الموحّدين الدروز ولدى العلويين. رفض الكرد أيضاً، لكن لاعتبارات قومية ومطالب تتعلق بطبيعة النظام السياسي المستهدف، بحيث تضمن تعددية وتشاركية فعليتين، وقد ترتّب عن رفض الموحدين الدروز والعلويين توجهات السلطة السورية الجديدة الذي تصدّرته قيادات دينية، مشايخ العقل الدروز وشيوخ الطائفة العلوية، نشوء حالة سياسية شديدة الخطورة والتدمير، فحواها تحوّل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي عزّز الانقسامات ورفع الجدران بين مكوّنات المجتمع السوري، فالخيارات ما دون الوطنية لدى السلطة الجديدة استدعت خياراتٍ دون وطنية مضادّة، وهو ما جسّده رفض الموحدين الدروز في السويداء وجرمانا وصحنايا تسليم أسلحتهم قبل تلبية مطالبهم وتحفظ مشايخ العلويين في محافظات الساحل، اللاذقية وطرطوس، ومطالبتهم بوقف الانتهاكات بحقّ المدنيين من العلويين في حمص وحماة، حيث وقعت عمليات اعتقال عشوائية وانتقام وقتل للمدنيين ونهب للبيوت وإتلاف لمحتوياتها والتعدّي على مزارات علوية، والتنمّر على المدنيين وإذلالهم خلال عمليات البحث عن عناصر النظام البائد وحل الجيش والمخابرات من دون تقديم بدائل توفر فرص عيش كريم للأسر، فرص عمل لغير القتلة والفاسدين الذين يجب عزلهم ومحاسبتهم، وطرد الأسر من مساكنهم التي حصلوا عليها خلال سنوات الخدمة في الجيش والمخابرات، وعمليات القتل الواسعة التي حصلت ضد المدنيين بعد استغلال أنصار النظام البائد هذه المظالم بتحريض أبناء الطائفة، والتحرّك لبسط سيطرتهم على محافظات الساحل، واستمرار عمليات القتل، وجديدها أخيراً ما حصل في قرية الدالية في ريف اللاذقية، وهذا أثار أسئلة حول طبيعة المواطنة التي تسعى السلطة السورية الجديدة لإرسائها قاعدة للنظام السياسي المستهدف، أهي مواطنة مبنية على الهوية الإثنية أم مواطنة مبنية على القيم المشتركة، وحول تجاهل السلطة السورية الجديدة انعكاسات قراراتها على المواطنين وردود الفعل المحتملة وطبيعتها وحدّتها بالتالي، حيث ثمة حاجة ماسّة عند أخذ أي قرار أو إصدار مرسوم إلى مراعاة التعدّد القومي والديني والمذهبي، ووضع انعكاس هذا القرار أو المرسوم على المجتمع السوري وقواه السياسية والاجتماعية بالحسبان، وإجراء حسابات دقيقة، بحيث تضمن السلطة السورية الجديدة أن يكون أثر قرارها ومرسومها إيجابياً يؤدّي إلى تخفيف الاحتقان والتوتر، وإلى تقريب المواقف على طريق بناء وحدة وطنية، فالوضع الهشّ والانقسامات القومية والمذهبية تحتاج حصافة وقدرة على تدوير الزوايا لرأب الصدع وجسر الهوّة بين المواقف والسرديات.
لا يشكّل التصرف الحصيف المذكور من السلطة، على أهميته وضرورته، حلّاً للمعضلة التي يواجهها المجتمع السوري على خلفية الاصطفافات المذهبية والانقسامات العمودية التي خلفها النظام البائد، وكرّستها السلطة الجديدة عبر سياستها الفئوية والتمييزية؛ فالموقف يحتاج تحرّكاً موازياً من القوى السياسية والاجتماعية في كل المكونات السورية، للتخفيف من حدّة الاستقطاب وتطويق عمليات التحريض على الكراهية والتحرّك لرأب الصدع في المناطق التي شهدت مواجهات وقتل ونهب عبر العمل على توفير الأمن وتضميد الجراح وجبر الضرر بالتعويض عن الخسائر وإجراء المصالحات. وهذا يستدعي جهداً سياسياً واجتماعيّاً لإعادة صياغة التوازنات داخل المكونات ودفعها إلى موازنة حضور القيادات الدينية بتشكيل هيئات سياسية وازنة تتصدّر المشهد السياسي، أو تعادل، على الأقل، تأثير القيادات الدينية بحيث تشكّل قوة امتصاصٍ للتحريض وللتوتّرات السياسية والاجتماعية، تمهيداً لإعادة البعد السياسي إلى المشهد، وفتح الطرق أمام المساومات السياسية والاتفاق على حلول مقبولة للملفات العالقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ 13 ساعات
- القدس العربي
إعلام أمريكي: نتنياهو طلب من واشنطن التوسط في مفاوضات مع سوريا
أنقرة: أفادت تقارير إعلامية أمريكية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبّر، خلال لقائه مع سفير واشنطن لدى أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن رغبته في بدء مفاوضات مع الإدارة السورية الجديدة، وطلب من الولايات المتحدة التوسط في هذا المسار. وذكر موقع 'أكسيوس' الإخباري، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى رفضا الكشف عن هويتهما، الأربعاء، أن حكومة نتنياهو بدأت التواصل أولًا مع الإدارة السورية الجديدة عبر رسائل غير مباشرة، ثم أجرت اجتماعات سرية في دول ثالثة. وقال المسؤولان إن نتنياهو اعتبر رغبة الرئيس السوري أحمد الشرع في إقامة علاقات وثيقة مع الإدارة الأمريكية 'فرصة دبلوماسية'. وادعى المسؤولان أن نتنياهو مستعد للدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق أمني جديد مع سوريا، والمضي قدمًا نحو اتفاق سلام شامل. وأضافا: 'إذا تحقق ذلك، فسيكون أول اتصال رسمي بين البلدين منذ عام 2011'. وذكرا أن نتنياهو أبلغ المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، الأسبوع الماضي، رغبته في بدء مفاوضات مع إدارة دمشق بوساطة واشنطن. وأوضح المسؤولان أن إسرائيل أبلغت الجانب الأمريكي بنيّتها الإبقاء على وجودها العسكري في سوريا حتى يتم التوصل إلى اتفاق جديد. وكان باراك قد صرّح، في وقت سابق، أن الرئيس السوري أحمد الشرع منفتح على الحوار مع إسرائيل. ولفتا إلى أن هدف نتنياهو هو تحديث اتفاق عام 1974 مع بعض التعديلات، والعمل على صياغة ترتيبات أمنية جديدة، تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين. ومنذ عام 1967 تحتل إسرائيل معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد في البلاد بعد إسقاط نظام المخلوع بشار الأسد، واحتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974. كما احتلت جبل الشيخ الإستراتيجي، الذي لا يبعد عن العاصمة دمشق سوى نحو 35 كلم، ويقع بين سوريا ولبنان ويطلّ على إسرائيل، كما يمكن رؤيته من الأردن، وله أربع قمم، أعلاها يبلغ ارتفاعها 2814 مترًا. (الأناضول)


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
المخاض السوري وموازنة الديني بالسياسي
يرزح المشهد السياسي السوري تحت وطأة ظاهرتين سياسيتين سلبيتين: سلطة تأخذ قراراتها بدلالة فئوية، سنّية، ورجال دين يتصدّرون قيادة المكونات الدينية والمذهبية الأخرى، المسيحيين والموحدين الدروز والعلويين والإسماعيليين، ما حوّل الصراع السياسي إلى صراع ديني ومذهبي، أفرز حالة تفاضلية بين مكونات المجتمع السوري، عمّقت الخلافات وكرّست الانقسامات، وجعلت الاستقرار السياسي والأمني بعيد المنال. نحن أمام مشهد سياسي تهيمن على تفاعلاته سرديّتان اتفقتا فاختلفتا، اتفقتا على إعطاء الأولوية لهوياتها الفرعية، فاختلفتا على الخيارات والحلول الوطنية المناسبة لإقامة دولة سورية جديدة، حيث توجّهت السلطة السورية الجديدة السنّية منذ اللحظة الأولى لإسقاط النظام البائد في عملية ردع العدوان إلى البدء ببسط سيطرتها على المجال العام بنقل حكومتها في محافظة إدلب إلى العاصمة، وتسليمها سلطة إدارة مرحلة انتقالية، تلتها عمليات تعيين محافظين وقادة جيش وأمن من لون واحد، سنّة، من الفصائل التي شاركت في عملية ردع العدوان، وفي مقدّمتها الفصيل الأساسي: هيئة تحرير الشام، تلتها خطوات تأسيسية لكيان سياسي جديد: عقد مؤتمر النصر وتولية أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية، وتكليفه بمهام من صلاحيات رئيس منتخب، حل الأحزاب والفصائل المسلحة ووضع إعلان دستوري وتشكيل هيئة تشريعية، وتكليفه قائداً من هيئة تحرير الشام بتشكيل جيش سوري جديد قوامه الفصائل المسلحة، وآخر لتشكيل جهاز مخابرات جديد، ومنح رتب عسكرية من مرتبة الضباط القادة لمقاتلين من الفصائل وعينهم في مواقع عسكرية حسّاسة، وعقد مؤتمر حوار وطني لإسباغ الشرعية على خطواته التالية التي يستدعي القيام بها وجود شرعية شعبية مثل وضع إعلان دستوري وتشكيل هيئة تشريعية انتقالية. حتى تشكيل لجنتي العدالة الانتقالية والكشف عن مصير المفقودين اللتين تستدعي طبيعتهما أن تكونا مستقلتين، لم يخرج عن التوجّه العام للسلطة الجديدة باختيار شخصيات لرئاسة اللجنتين من المقرّبين، بحيث تضمن السلطة أن يبقى عملها تحت السيطرة وأن تكون النتائج في صالح سرديتها. زاد الطين بلة ما تسرّب عن ممارسات السلطة في مواضيع شديدة الحساسية، مثل إخضاع عناصر الجيش والمخابرات والشرطة لدورات تثقيف عقائدية في الفكر السلفي، والتحضير لإخضاع معلمي المدارس الابتدائية لدورات مماثلة، كي تنعكس في تعاطيهم مع تلاميذهم، بحيث يكونون سبل ترويج وتعميم، واستبدال خطباء المساجد بخطباء مرضيٍّ عنهم لترويج نمطٍ من السلفية معروفة باسم المدخلية، يقوم أساسه المنهجي على رفض الطائفية والفرقة والتحزّب وعدم جواز معارضة الحاكم وعدم إبداء النصيحة له في العلن، يرى النصيحة له في السرّ أولى؛ ويعتبر ذلك من أصول عقيدة أهل السنّة والجماعة، ويعتبر مخالفة هذا الأصل خروجاً على الحاكم المسلم. وسبق ذلك تشكيل مجلس إفتاء من ممثلين عن المذاهب السنّية فقط، ما أثار أسئلة عن مغزى استبعاد أتباع بقية المذاهب الإسلامية العلويين والموحدين الدروز والإسماعيليين، هل اعتبرتهم خارج الإسلام أم اعتبرتهم سقط متاعٍ لا قيمة له، وهل يعني استثناء المذاهب غير السنّية أن من حقّهم تشكيل مجالس إفتاء خاصة بهم، ما يفتح على صراع فتاوى؟. وكان لافتاً أن بيان مجلس الإفتاء العتيد عن تحريم الثأر والانتقام خارج نطاق القضاء والإطار القانوني لم يحدّد ما إذا كان هذا التحريم يشمل كل المواطنين السوريين بغضّ النظر عن دينهم ومذهبهم، لأن ربطه حرمة الدم والمال والعرض بكلام الرسول (عليه الصلاة والسلام) يثير شبهة شموله المسلمين فقط. لم يحظ توجّه السلطة السورية الجديدة بقبول مكونات سورية عديدة رأت فيه توجهاً لفرض سردية محدّدة على المجتمع السوري وتشكيل نظام سياسي فئوي تشكيل حزب للسلطة السورية الجديدة تحت اسم "الأمانة العامة للشؤون السياسية" في وقتٍ تمنع نشاط الأحزاب السياسية القائمة، وتمنع تأسيس أحزاب جديدة، ما أثار مخاوف من تأسيس نظام الحزب الواحد، وتحول "الأمانة العامة للشؤون السياسية" إلى حزب قائد في المجتمع والدولة؛ كما كان حزب البعث في النظام البائد. ما ترك انطباعاً بأن السلطة الجديدة تعمل في المرحلة الانتقالية، التي حددت مدّتها بخمس سنوات، على إقامة نظام شمولي عبر ترويض المجتمع وتنميط سلوكه وردّات فعله وفق توجهاتها. عكست القرارات والإجراءات العملية المذكورة أعلاه وجود هدفين رئيسين للسلطة السورية الجديدة: توفير غطاء سياسي وإحكام السيطرة على المجال العام، كان هذا واضحاً بقوة في قرار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع تكليف لجنة لوضع إعلان دستوري وتزويدها بمحدّدات، بحيث يظهر الإعلان ثمرة جهود لجنة مستقلة، ويحقق خيارات الرئيس الانتقالي وتفضيلاته في الوقت نفسه، كما تجلى ذلك في إصدار مراسيم تشريعية، في تعارض تام مع مواد في الإعلان الدستوري تقيّد حقّ الرئيس الانتقالي بإصدار مثل هذه المراسيم، لتسجيل مكاسب على طريق تحقيق الهدفين المذكورين. الوضع الهشّ والانقسامات القومية والمذهبية تحتاج حصافة وقدرة على تدوير الزوايا لرأب الصدع وجسر الهوّة بين المواقف والسرديات لم يحظ توجّه السلطة السورية الجديدة بقبول مكونات سورية عديدة رأت فيه توجهاً لفرض سردية محدّدة على المجتمع السوري وتشكيل نظام سياسي فئوي لا يختلف عن النظام البائد إلا بالشكل، سنّي مقابل علوي. وقاد هذا إلى بروز مواقف رافضة لدى الموحّدين الدروز ولدى العلويين. رفض الكرد أيضاً، لكن لاعتبارات قومية ومطالب تتعلق بطبيعة النظام السياسي المستهدف، بحيث تضمن تعددية وتشاركية فعليتين، وقد ترتّب عن رفض الموحدين الدروز والعلويين توجهات السلطة السورية الجديدة الذي تصدّرته قيادات دينية، مشايخ العقل الدروز وشيوخ الطائفة العلوية، نشوء حالة سياسية شديدة الخطورة والتدمير، فحواها تحوّل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي عزّز الانقسامات ورفع الجدران بين مكوّنات المجتمع السوري، فالخيارات ما دون الوطنية لدى السلطة الجديدة استدعت خياراتٍ دون وطنية مضادّة، وهو ما جسّده رفض الموحدين الدروز في السويداء وجرمانا وصحنايا تسليم أسلحتهم قبل تلبية مطالبهم وتحفظ مشايخ العلويين في محافظات الساحل، اللاذقية وطرطوس، ومطالبتهم بوقف الانتهاكات بحقّ المدنيين من العلويين في حمص وحماة، حيث وقعت عمليات اعتقال عشوائية وانتقام وقتل للمدنيين ونهب للبيوت وإتلاف لمحتوياتها والتعدّي على مزارات علوية، والتنمّر على المدنيين وإذلالهم خلال عمليات البحث عن عناصر النظام البائد وحل الجيش والمخابرات من دون تقديم بدائل توفر فرص عيش كريم للأسر، فرص عمل لغير القتلة والفاسدين الذين يجب عزلهم ومحاسبتهم، وطرد الأسر من مساكنهم التي حصلوا عليها خلال سنوات الخدمة في الجيش والمخابرات، وعمليات القتل الواسعة التي حصلت ضد المدنيين بعد استغلال أنصار النظام البائد هذه المظالم بتحريض أبناء الطائفة، والتحرّك لبسط سيطرتهم على محافظات الساحل، واستمرار عمليات القتل، وجديدها أخيراً ما حصل في قرية الدالية في ريف اللاذقية، وهذا أثار أسئلة حول طبيعة المواطنة التي تسعى السلطة السورية الجديدة لإرسائها قاعدة للنظام السياسي المستهدف، أهي مواطنة مبنية على الهوية الإثنية أم مواطنة مبنية على القيم المشتركة، وحول تجاهل السلطة السورية الجديدة انعكاسات قراراتها على المواطنين وردود الفعل المحتملة وطبيعتها وحدّتها بالتالي، حيث ثمة حاجة ماسّة عند أخذ أي قرار أو إصدار مرسوم إلى مراعاة التعدّد القومي والديني والمذهبي، ووضع انعكاس هذا القرار أو المرسوم على المجتمع السوري وقواه السياسية والاجتماعية بالحسبان، وإجراء حسابات دقيقة، بحيث تضمن السلطة السورية الجديدة أن يكون أثر قرارها ومرسومها إيجابياً يؤدّي إلى تخفيف الاحتقان والتوتر، وإلى تقريب المواقف على طريق بناء وحدة وطنية، فالوضع الهشّ والانقسامات القومية والمذهبية تحتاج حصافة وقدرة على تدوير الزوايا لرأب الصدع وجسر الهوّة بين المواقف والسرديات. لا يشكّل التصرف الحصيف المذكور من السلطة، على أهميته وضرورته، حلّاً للمعضلة التي يواجهها المجتمع السوري على خلفية الاصطفافات المذهبية والانقسامات العمودية التي خلفها النظام البائد، وكرّستها السلطة الجديدة عبر سياستها الفئوية والتمييزية؛ فالموقف يحتاج تحرّكاً موازياً من القوى السياسية والاجتماعية في كل المكونات السورية، للتخفيف من حدّة الاستقطاب وتطويق عمليات التحريض على الكراهية والتحرّك لرأب الصدع في المناطق التي شهدت مواجهات وقتل ونهب عبر العمل على توفير الأمن وتضميد الجراح وجبر الضرر بالتعويض عن الخسائر وإجراء المصالحات. وهذا يستدعي جهداً سياسياً واجتماعيّاً لإعادة صياغة التوازنات داخل المكونات ودفعها إلى موازنة حضور القيادات الدينية بتشكيل هيئات سياسية وازنة تتصدّر المشهد السياسي، أو تعادل، على الأقل، تأثير القيادات الدينية بحيث تشكّل قوة امتصاصٍ للتحريض وللتوتّرات السياسية والاجتماعية، تمهيداً لإعادة البعد السياسي إلى المشهد، وفتح الطرق أمام المساومات السياسية والاتفاق على حلول مقبولة للملفات العالقة.


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
أرشيف مخابرات نظام الأسد يدخل سباق الانتخابات في العراق
بعد ساعات من لقاء المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي عزت الشابندر، مع الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة دمشق، الاثنين، روّج نواب وسياسيون في العراق مزاعم أن الشابندر ذهب لتسلم أرشيف مخابرات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد المتعلق بسياسيين عراقيين، لغرض ابتزازهم أو الضغط عليهم قبل الانتخابات التشريعية المقبلة. هذه الاتهامات التي كانت موجهة بالدرجة الأولى لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ، بوصفه المعني في هذا اللقاء، تتزامن مع اتساع حدة الانقسام السياسي بين قوى في "الإطار التنسيقي"، الحاكم في البلاد من جهة، والسوداني من جهة أخرى، والذي اصطفت معه أخيراً شخصيات وقوى سياسية شيعية، وهو ما أعاد للسطح الحديث عن مستقبل تحالف "الإطار التنسيقي"، وإمكانية تفككه قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ووفقاً لبيان صدر عن الرئاسة السورية نهار الاثنين، فإن الرئيس السوري استقبل بقصر الشعب، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي عزت الشابندر، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى. رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع، يستقبل في قصر الشعب، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي إلى سوريا السيد عزت الشابندر. #رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية — رئاسة الجمهورية العربية السورية (@SyPresidency) June 9, 2025 وعقب اللقاء أدلى الشابندر بتصريحات للصحافيين، وصف فيها اللقاء بـ"المفيد جداً من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية بين العراق وسورية". وأضاف في إيجاز للصحافة المحلية العراقية: "التقيت الرئيس السوري أحمد الشرع مبعوثاً من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للتباحث في أمور تسهم بتقريب وجهات النظر وتمتين العلاقات بين البلدين الشقيقين". تقارير عربية التحديثات الحية ما الدوافع وراء خوض عشيرة صدام حسين الانتخابات العراقية؟ وهاجمت القوى المناوئة للسوداني، ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، زيارة المبعوث إلى سورية، وعدّتها ضمن المصالح الشخصية للسوداني. وقال النائب في البرلمان العراقي عن "الإطار التنسيقي"، يوسف الكلابي، في منشور على منصة إكس، إن "أرشيف المخابرات السورية بزمن بشار (بشار الأسد)، الخاص بالعراق لدى الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع). الجولاني اليوم زاره خطار عراقي وتم إعطاؤه الأرشيف"، متحدثاً عن أن أخذ هذا الأرشيف كان لصالح السوداني، الذي وصفه بـ"المَلاّج"، وهي لفظة شعبية تعني المالك أو الرئيس. واتهم السوداني بمحاولة "الاستفادة منه في التسقيط الانتخابي"، وختم بعبارة أن شرف الخصومة معدوم. ارشيف المخابرات السورية بزمن بشار الخاص بالعراق لدى الجولاني الجولاني اليوم زاره خطار عراقي وتم اعطاءه الارشيف . الخطار اخذ الارشيف للملاچ مالته والان جاي يتم الفرز لغرض الاستفادة منه بالتسقيط الانتخابي لمن يهمه الامر مع التقدير #شرف_الخصومة_المنعدم — يوسف الكلابي _Yousif Al_Kilaby (@Y_B_Alkilaby) June 9, 2025 كذلك، شنّ مدونون وسياسيون حملة واسعة على منصات التواصل، لمهاجمة زيارة الشابندر إلى سورية ولقائه الرئيس الشرع، ضمن نفس فكرة استلام أرشيف المخابرات السورية المنحلة، المتعلقة بالعراق، وهو ما دعا الشابندر للرد عبر حسابه على منصة إكس، مهاجماً من وصفهم بـ"الذباب الإلكتروني"، الذين روّجوا لقصة أرشيف المخابرات السورية. وقال الشابندر: "أخوتي وأحبتي الذين أبدوا وجهات نظرهم في زيارتي إلى دمشق، وانتقدوا طبيعتها، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج، بمنطق الحجة والدليل، وبهدف الحرص على مصالح العراق وشعبه، أنحني لهم وأحترم وجهة نظرهم وإن اختلفت معهم"، مضيفاً: "أما الذباب الإلكتروني الوسخ، أو بعض من يستجدون الشفقة من أربابهم، ويذبحون الحقيقة بلا تقَصٍ ولا سنَد ككلاب سائبة تنبح لصالح من يدفع، فأأنف من الرد عليهم لأني مو شايفهم على الخريطة أصلاً". اخوتي وأحبتي الذين أبدوا وجهات نظرهم في زيارتي إلى دمشق وانتقدوا طبيعتها وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج بمنطق الحجة والدليل وبهدف الحرص على مصالح العراق وشعبه ، انحني لهم واحترم وجهة نظرهم وإن اختلفت معهم . أما الذباب الإلكتروني الوسخ أو بعض من يستجدون الشفقة مِن أربابهم… — عزت الشابندر | Ezzat Alshabandar (@IAlshabandar) June 10, 2025 وعلّق الناشط السياسي نبيل العزاوي، وهو أحد السياسيين المقربين من السوداني، على موضوع تسلم نسخ من أرشيف مخابرات النظام السوري المتعلقة بالعراق، بالقول إنها "سيل من الأكاذيب والافتراءات التي لا تمت للواقع بصلة". وأضاف في تصريحات صحافية، أن "خصوم السوداني قد بدأوا يتشبثون بروايات واهية لا أساس لها، ومنها هذه القصة المتعلقة بسورية. علاقة العراق الإيجابية مع جارته سورية نابعة من موقف مبدئي وإنساني، فالعراق لم ولن يتنصل من محيطه الإقليمي، بل يمدّ يد العون للشعوب الشقيقة، وهو أمر أزعج البعض ودفعهم لاختلاق هذه المزاعم". تقارير عربية التحديثات الحية العراق: أبرز الفصائل المسلحة التي ستشارك في الانتخابات المقبلة من جانبه، وصف عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي، الصراع الانتخابي الحالي، بأنه "مفتوح، ونتوقع أن تستخدم فيه مختف الوسائل، بما فيها الأمنية للأسف". وأضاف حقي أن "رواية استلام العراق معلومات أو أرشيف من نظام الأسد يتعلق بالعراق، لا يمكن أن يكون واقعياً، والكلام عنه سذاجة، لكنه يستهدف الشارع العراقي لا الطبقة السياسية الحاكمة". واعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة مبعوث السوداني إلى دمشق، تتعلق بملفات أمنية واقتصادية، بينها استئناف فتح المعابر الحدودية بين البلدين، وتنظيم آلية تواصل معينة بين الجانبين، ومن غير المعقول أن تسلّم دمشق أرشيفها هذا الذي يعود لخمسين سنة على الأقل للعراق بهذه الصورة". ووصف الصراع بين القوى السياسية العربية الشيعية، في الانتخابات المقبلة، بأنه سيكون "الأعلى منذ عام 2003، بسبب تعدد القوى والأحزاب، وتعذر تشكيل تحالفات كبيرة بينهم لغاية الآن".