
غزة ومصر: ماذا تريد إسرائيل من مصر؟
محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية
بقلم - محمد سعد عبد اللطيف
منعطف تاريخي ولحظة فاصلة في إعادة الصراع
في ظل المشهد الإقليمي المشتعل، تعيش المنطقة لحظة مفصلية تحمل بين طياتها أبعادًا أمنية وجيوسياسية غاية في التعقيد.الحشود الغزّاوية المتزايدة على الحدود مع مصر جنوب قطاع غزة لم تعد مجرد ظاهرة مؤقتة أو تداعيات حرب مستمرة، بل أصبحت علامة إنذار أمام تحولات محتملة، تقف فيها مصر على مفترق طرق حاسم.
الحشود على بوابة رفح.. .إلى أين؟
ما يجري جنوب قطاع غزة لا يمكن قراءته خارج سياق الضغط الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر، والذي لم يكتفِ باستهداف بنية المقاومة، بل تمدد ليطال المجتمع المدني والبنية التحتية، وصولًا إلى خنق القطاع من جميع الجهات. والآن، تتجه الأنظار نحو معبر رفح، حيث تتصاعد التوترات مع اقتراب آلاف الفلسطينيين من الحدود المصرية، في مشهد يثير أسئلة صريحة:
هل نحن أمام نكبة جديدة بنكهة "الترانسفير"؟ وهل ستُفرض على مصر معادلة الأمر الواقع، بحيث تتحمل وحدها عبء الأزمة الإنسانية في غزة؟
مصر بين شراك الجغرافيا وضغوط الجيوبوليتيكا
لم تكن مصر بعيدة يومًا عن القضية الفلسطينية، لا جغرافيًا ولا تاريخيًا. ولكن هذه المرة، يبدو أن إسرائيل تحاول تحميل القاهرة تبعات سياستها التوسعية والعنيفة تجاه القطاع. الرغبة الإسرائيلية في دفع غزة نحو سيناء ليست جديدة، بل هي مشروع استراتيجي قديم متجدد، يعود إلى وثائق أُعلنت قبل عقود، وها هو يُعاد إنتاجه تحت عباءة "الأمن القومي" و"القضاء على الإرهاب".
الموقف المصري الرسمي واضح في رفضه لهذا السيناريو، إذ يعتبر أي تهجير للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية بمثابة إعلان حرب ناعمة ضد السيادة المصرية. ومع ذلك، فإن الضغوط تتعاظم، سواء من قبل تل أبيب أو من بعض القوى الدولية التي ترى في الحل الإنساني "الانتقالي" بوابة لتصفية القضية.
هل سيدخل شعب غزة إلى مصر؟
السؤال المؤرق الآن: هل نشهد قريبًا دخولًا قسريًا لغزّاويين إلى الأراضي المصرية.. .؟ وهل تتحول الحدود إلى جبهة جديدة، ليس فقط بين إسرائيل وغزة، بل بين مصر والمشروع الإسرائيلي.. .. ؟
الواقع أن أي محاولة اقتحام جماعي للحدود - سواء بدفع مباشر من الجيش الإسرائيلي أو نتيجة تفاقم الكارثة الإنسانية - قد تضع مصر أمام خيارين كلاهما مرّ:
1. التصدي بالقوة ومنع دخول اللاجئين، ما قد يُظهر القاهرة بمظهر غير الإنساني ويؤجج الرأي العام العربي.
2. الرضوخ للأمر الواقع واستقبال موجات لجوء جماعية، وهو ما سيعني فعليًا مشاركة مصر، ولو بشكل غير مباشر، في مشروع تفريغ غزة، ويهدد أمن سيناء وبنيتها الديموغرافية.
إسرائيل.. .مناورات بالنار
ما تريده إسرائيل واضح: تحويل غزة إلى عبء إقليمي لا تتحمله وحدها، ودفع سكانها نحو الهروب أو التهجير القسري. في هذا السياق، يشكل الضغط على مصر ورقة ضغط مزدوجة، تُستخدم كورقة تفاوض في أي تسوية مقبلة، وتُمارس كاستراتيجية طويلة المدى لتصفية القضية الفلسطينية.
لكن الأخطر من ذلك هو الرهان الإسرائيلي على خلخلة موقف مصر التقليدي، سواء من خلال أدوات سياسية أو ابتزاز اقتصادي أو حتى اللعب على أوتار أمنية عبر سيناء. فإسرائيل لا تريد فقط إضعاف غزة، بل تسعى لتوريط القاهرة في معادلة تجعلها شريكًا في الأزمة لا وسيطًا أو حائط صد.
لحظة فاصلة.. .بين الموقف والمصير
ما يجري اليوم ليس مجرد أزمة حدودية، بل لحظة تاريخية فارقة تعيد تشكيل طبيعة الصراع في الإقليم. فإما أن تحافظ مصر على دورها التاريخي كمدافع عن جوهر القضية الفلسطينية، وإما أن تُزج قسرًا في لعبة دولية تهدف إلى إعادة رسم خريطة غزة وسيناء على السواء.
ليس أمام مصر سوى إعادة تفعيل أدواتها الاستراتيجية، من خلال:
- تعزيز وجودها الأمني على الحدود ورفض أي اختراق ميداني.
- التحرك دبلوماسيًا في المحافل الدولية للتحذير من عواقب التهجير القسري.
- التواصل مع الفصائل الفلسطينية والقيادة الموحدة للوقوف على رؤية وطنية لمواجهة مخطط التصفية.
ختامًا: لا وطن بديل.. .ولا سيناء ملعبًا خلفيًا
ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية على الحدود، بل محاولة لإعادة تعريف الجغرافيا السياسية في المنطقة، على حساب حق شعبٍ في أرضه، وسيادة دولة على حدودها. إن مصر، التي لطالما شكّلت صمّام أمان للقضية الفلسطينية، تُستدرج اليوم إلى فخ استراتيجي لا يهدد فقط غزة، بل يطعن في صميم الأمن القومي المصري.
السكوت ليس خيارًا، والحياد لم يعد ممكنًا. فإما أن تُكتب هذه اللحظة كصمود تاريخي جديد، تُفشل فيه مصر مخطط التهجير القسري، أو تُسجّل كمنعطف انكسار، يُمهّد لتصفية ما تبقّى من عدالة في هذه القضية.
التاريخ يراقب.
والشعوب لن تنسى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 13 دقائق
- المنار
النائب قاسم هاشم يدعو الحكومة لإطلاق خطة عاجلة لإعمار الجنوب ومواجهة العدوان الإسرائيلي
دعا عضو كتلة 'التنمية والتحرير' النائب الدكتور قاسم هاشم الحكومة اللبنانية إلى وضع خطة عاجلة لإعادة إعمار المناطق الجنوبية الحدودية وتأمين متطلباتها الإنمائية والخدماتية، لا سيما بعد انتهاء الانتخابات البلدية، مؤكّدًا أنّ أبناء هذه المناطق 'دفعوا وما زالوا يدفعون ضريبة الصمود في وجه العدو الإسرائيلي، ومن واجب الدولة الوقوف إلى جانبهم'. وأشار هاشم إلى أهمية إطلاق ورشة تأهيل للبنى التحتية والخدمات الأساسية تزامنًا مع بداية فصل الصيف، من أجل تشجيع اللبنانيين والمغتربين على التوجّه نحو هذه المناطق، مطالبًا الوزارات والإدارات المختصة بـ'التحرك الفوري' لتأمين حاجات البلديات المنتخبة حديثًا. كما شدّد على ضرورة تفعيل كل المساعي الدبلوماسية والسياسية للضغط باتجاه وقف العدوان الإسرائيلي وتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أنّ الحكومة مطالبة اليوم بوضع السيادة الوطنية ضمن أولوياتها، والعمل على تحصين الداخل اللبناني عبر تعزيز الوحدة الوطنية وتوسيع مساحة التلاقي، بدلًا من الرهان على سياسات خارجية قد تجرّ البلاد إلى أثمان باهظة. المصدر: الوكالة الوطنية


المنار
منذ 13 دقائق
- المنار
الرئيس عون من بغداد: عند كل أزمة نؤمن بأن الترياق من العراق
أكد الرئيس جوزاف عون، خلال زيارته إلى بغداد، اليوم، ضرورة 'تأسيس نظام المصلحة العربية المشتركة'، مشيداً بـ'الحل' الذي وضعه المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني لـ'إشكالية هويتنا الوطنية'. وقال عون، خلال مؤتمر مشترك عقب لقائه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: 'نحن في حاجة ماسة إلى قيام نظام المصلحة العربية المشتركة قائم على تبادل المصالح المشتركة بين بلداننا وشعوبنا وتنميتها ومضاعفتها'. كما أشار إلى الموقف الذي أطلقه السيستاني في شهر تشرين الثاني الفائت، معتبراً أنه 'الحل لإشكالية هويتنا الوطنية داخل دولتنا الناجزة'. ولفت إلى أن السيستاني 'وضع خارطة طريق بديهية للحل، إذ دعا النخب الواعية، إلى أن يأخذوا العبر من التجارب التي مروا بها (…) وذلك عبر إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على: مبدأ الكفاءة والنزاهة في مواقع المسؤولية ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها وتحكيم سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد على جميع المستويات'. ولفت عون إلى أن 'كل لبناني بات يؤمن فعلاً عند كل أزمة بأن الترياق من العراق ليس قولاً مأثوراً بل فعلاً محققاً'. السوداني: ندعم تماسك لبنان وسيادته على أرضه بدوره، أكد السوداني أن بلاده ستعمل، خلال رئاستها للقمّة العربية، على 'دعم تماسك لبنان ومؤسسات الدولة فيه، والسيادة على ارضه، ورفض كل ما يتجاوز على هذا الركن المهم'. وأدان رئيس الوزراء العراقي 'إعتداءات الكيان (الإسرائيلي) المتكررة على السيادة اللبنانية'، مطالباً 'المجتمع الدولي بأداء التزاماته في التطبيق الكامل غير الانتقائي للقرار الدولي 1701 لدعم الاستقرار ووقف العدوان'. كذلك، أعرب السوداني عن اعتقاده بأنه 'من دون حل شامل وعادل وإنساني للقضية الفلسطينية، لا نرى جدوى من طرح الحلول الترقيعية، مع استمرار هذا القتل الممنهج (في غزة)'. وأكد موقف بغداد 'بدعم سيادة واستقلال سوريا، ورفض الاعتداءات عليها، والسياسات التي تؤدي الى إشعال الفتن الطائفية والعرقية، وتهدد تماسك نسيجها المجتمعي'. الرئيس العراقي: لتعزيز التعاون مع لبنان وفي السياق نفسه، التقى الرئيس اللبناني نظيره العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، الذي أكد 'متانة العلاقات الثنائية بين البلدين، والحرص على تطويرها وتنميتها، وأهمية تعزيز التعاون والتبادل التجاري في مختلف المجالات'. وجرى، بحسب بيان الرئاسة العراقية، 'استعراض الأوضاع في لبنان والمنطقة، مع التأكيد على ضرورة بذل المزيد من الجهود الدولية لتخفيف حدة التوترات والركون إلى التهدئة والحوار البنّاء لتحقيق السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً'. كما تم بحث 'الأوضاع في فلسطين وغزة، حيث أكد الرئيسان على أهمية مواصلة دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة'. المصدر: مواقع


المنار
منذ 13 دقائق
- المنار
النائب علي فياض: ثمة قِلَّة مسؤولية وخفَّة في إطلاق المواقف غير المدروسة
اعتبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي فياض أنه على الرغم من تصاعد الإعتداءات الإسرائيلية والتمادي اليومي في إغتيال المواطنين اللبنانيين، وعمليات التوغل والتجريف داخل الأراضي اللبنانية، تبدو الحكومة اللبنانية عاجزة وهامدة وكأنها غير مكترثة بمعاناة الجنوبيين، وما يزيد الإنطباع سلبية والمشهد تشاؤماً، هي هذه التصريحات التي تصدر وكأنها تُبرر للإسرائيلي إستمراره بالأعمال العدائية والتي تعينه على تبرير إعتداءاته. كلام النائب فياض جاء خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله للشهيدين السعيدين على طريق القدس علي أحمد جابر وحسين فايز جابر في مجمع الإمام المجتبى (ع) في السان تيريز، بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات وعوائل الشهداء، وحشد من الأهالي. ورأى النائب فياض أنه ثمة قِلَّة مسؤولية وخفَّة في إطلاق المواقف غير المدروسة وخروج فاضح على البيان الوزاري، ما يثير القلق والغضب على حدٍّ سواء. وشدد النائب فياض على أن أحد أكثر الملفات حساسية، الذي لم يتم تحريكه ولم تؤخذ فيه أيَّ خطوات ملموسة، هي عملية إعادة الإعمار، والحكومة هي قادرة بصورة إجمالية وحتى بخطوات جزئية، أن تباشر بها بقدراتها الذاتية دون أن تنتظر أحداً. وأكد النائب فياض أننا تعاطينا بإيجابية على الدوام ومن موقع الناصح والمتعاون، ولأننا شركاء في هذه الحكومة، فإننا حريصون على نجاحها وإنجازها للملفات التي وعدت بها، وفي مقدمتها ملفات حماية السيادة وإعادة الإعمار، والدفاع عن اللبنانيين. وقال النائب فياض إننا نؤمن أن هذه المرحلة الحرجة تحتاج إلى حكمة وثبات وتعاون في مواجهة الضغوطات العسكرية والسياسية والمالية والإقتصادية التي تمارس ضد لبنان، والتي تهدف إلى إرضاخه وإرضاخ شعبه وابتزاز حكومته للتنازل عن أمور سيادية ومصيرية تتصل بخيارات الأغلبية من شعبه، ونحن من المؤمنين أن لبنان قادر على تجاوز هذه المرحلة، فيما لو حرصنا على وحدتنا وتفاهمنا وتعاوننا، وتجنَّبنا سوء الحسابات وعقلية الإنصياع للخارج. وختم النائب فياض بالقول: لقد إنتهت الإنتخابات البلدية بنجاح، وهي كشفت عن اتجاهات لدى الرأي العام، يجب أن تُقرأ جيداً، وأظهرت على نحوٍ قاطع أن المقاومة كخيار سيادي، والثنائي الوطني كخيار سياسي، من الناحية الشعبية، يُمثل القاعدة الأكثر إتساعاً، من بين كل الإتجاهات، داخل الساحة اللبنانية. المصدر: موقع المنار