logo
حافظ الأسد وأسرار اغتيال اللواء محمد عمران

حافظ الأسد وأسرار اغتيال اللواء محمد عمران

الجزيرة٢٤-٠٧-٢٠٢٥
في أواخر عهد الاحتلال الفرنسي، برز حزب البعث في سوريا بوصفه أحد أبرز اللاعبين الصاعدين في الساحة السياسية في البلاد، وفي عام 1954 حقق الحزب اختراقا سياسيا ملحوظا بحصوله على 17 مقعدا في البرلمان السوري.
أدخل هذا النجاح الحزب في صدام مباشر مع نواب حزب الشعب حول قضايا تتعلق بتشريعات تخص الحرفيين والعمال، مما أدى إلى اتساع نطاق التوتر ليشمل المؤسسة العسكرية، ونتيجة لذلك، بسط عدد من الضباط البعثيين سيطرتهم على معسكر قطنا قرب العاصمة دمشق، في خطوة عكست اتجاها متزايدا نحو عسكرة المشروع البعثي.
سعى هؤلاء الضباط إلى الحصول على تفويض من القيادة التاريخية للحزب، ممثلة في ميشيل عفلق و صلاح الدين البيطار ، لتنفيذ انقلاب يتيح لهم الإمساك بالسلطة، غير أن هذه القيادة رفضت المشروع الانقلابي بشكل قاطع.
كشفت هذه المواجهة مبكرا عن هوة ثقة عميقة بين الجناح العسكري للحزب وقيادته السياسية، وهي أزمة تفاقمت لاحقا عقب حل حزب البعث في أثناء مشروع الوحدة مع مصر.
بدأ هؤلاء الضباط الإعداد الفعلي للاستيلاء على الحكم، وهو ما تحقق لاحقا بانقلاب عسكري عام 1963 أزاح الرموز التقليدية للفكر البعثي أمثال عفلق والبيطار، وفتح الباب أمام صعود جيل جديد من العسكريين على رأسهم صلاح جديد ، ومحمد عمران، وأمين الحافظ وسليم حاطوم، الذين أعادوا تشكيل ملامح البعث وفق رؤية أمنية وعسكرية بعيدة عن النخبة الفكرية والسياسية التي أسسته.
انقلاب على النحلاوي
مع إعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، برزت لدى القيادة المصرية، وعلى رأسها جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر هواجس أمنية من نفوذ الضباط البعثيين في الجيش السوري ، مما دفعهم إلى اتخاذ خطوة احترازية تمثلت في نقل عشرات الضباط السوريين معظمهم بعثيون إلى مواقع مختلفة داخل الإقليم الجنوبي (مصر).
جاء هذا التحرك من عبد الناصر بهدف تقليص تأثيرهم على مجريات الأمور في الإقليم الشمالي (سوريا) وضمان ولاء المؤسسة العسكرية هناك.
وكان من بين أبرز الضباط الذين شملهم القرار جديد الضابطان العلويان محمد عمران وصلاح جديد، وقد أسهمت البيئة العسكرية الجديدة في تعزيز روابطهم بزملائهم المنقولين، مما أفضى إلى تشكيل نواة صلبة داخل الجيش أطلق عليها لاحقا اسم "اللجنة العسكرية".
ضمت اللجنة العسكرية الجديدة المقدم محمد عمران، والرائدين صلاح جديد وأحمد المير، إلى جانب النقيبين حافظ الأسد وأحمد سويداني.
بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961، عاد الضباط البعثيون الذين كانوا قد نُقلوا إلى مصر خلال عهد الوحدة إلى دمشق، ليجدوا أنفسهم أمام واقع سياسي جديد اعتُبر مأساويا لكل من الناصريين والبعثيين على حد سواء، حيث كان الانفصال بمثابة ضربة إستراتيجية لمشروع الوحدة العربية، وأثار صدمة داخل صفوف الضباط الذين رأوا فيه انقلابا على الحلم القومي.
في هذا المناخ المضطرب، برز اسم العقيد محمد عمران بوصفه لاعبا رئيسيا على الساحة العسكرية، حين قاد تحركا انقلابيا عام 1963 استهدف إسقاط سلطة قائد الانفصال عن مصر العقيد عبد الكريم النحلاوي، مما أدى إلى طرده من الجيش وهروبه إلى خارج البلاد.
بالموازاة مع ذلك، كان المشهد العسكري يشهد تصدعا داخليا، فقد احتدم الصراع بين أبرز الضباط البعثيين وعلى رأسهم صلاح جديد وحافظ الأسد، إذ تنافسا على السيطرة على مفاصل الجيش، في ظل عداوة معلنة بين محمد عمران وصلاح جديد، وقد أدى هذا التوتر إلى انقسام الجيش إلى 3 كتل متصارعة، كل منها تسعى إلى تثبيت نفوذها.
ولمواجهة هذا التشظي بادرت القيادة القومية لحزب البعث إلى تشكيل تحالف سياسي عسكري جديد انضم إليه العقيد محمد عمران لاحقا، وقد ضم هذا التكتل شخصيات قيادية من أبرز رموز الحزب، مثل ميشيل عفلق، وصلاح البيطار، ومنيف الرزاز، وأمين الحافظ.
حاول هذا التحالف استعادة التوازن داخل الحزب والمؤسسة العسكرية، وبناء جبهة قادرة على مواجهة المد العسكري المتصاعد من الجناح المتطرف الذي مثّله صلاح جديد وحافظ الأسد.
لكن مع مطلع عام 1964، بدأت ملامح الانقسام داخل النواة الصلبة لحزب البعث في سوريا تتكشف بوضوح، وبرز التوتر بشكل خاص بين محمد عمران من جهة، وبين صلاح جديد وحافظ الأسد من جهة أخرى.
كان جوهر الخلاف يدور حول الموقف من قضية الوحدة العربية، وتحديدا العلاقة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، حيث أظهر عمران تمسكا صريحا بخيار الوحدة، وانحاز بذلك إلى الرؤية التي تبناها كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأمين الحافظ.
كانت الرؤية تتركز على أولوية إعادة بناء الوحدة مع مصر، وإعطاء الجناح السياسي المدني للحزب دورا أوسع في إدارة الدولة.
في المقابل، كان جديد والأسد يفضلان إرساء دعائم نظام بعثي مستقل في سوريا يخضع لسيطرة الجناح العسكري ويبتعد عن التبعية لعبد الناصر في مصر أو تقديم تنازلات لصالح القيادة المدنية التقليدية في الحزب.
وأُضيف إلى هذا الانقسام عامل شخصي وسياسي آخر يتمثل في تصاعد نفوذ محمد عمران داخل الجيش وشعبيته الواسعة، إلى جانب جرأته على خوض مغامرات انقلابية مثل مشاركته في إسقاط حكم الانفصال عام 1963.
إلى السجن
آلت السيطرة على اللجنة العسكرية إلى صلاح جديد وحافظ الأسد، ومع تفاقم الضغوط عليه قرر عمران الانسحاب وفضّل العودة إلى كنف القيادة القومية للحزب، حيث وضع ثقته في عفلق والبيطار.
وكما أشار الصحفي البريطاني باتريك سيل في كتابه "الصراع على سورية"، فقد أفصح عمران لقيادة الحزب عن الأسرار التنظيمية للجنة العسكرية، الأمر الذي اعتبره خصومه خيانة سياسية لا تُغتفر.
وردا على هذه الخطوة، تم تهميش عمران داخل المؤسسة العسكرية وجُرِّد من صلاحياته، ثم أُبعِد عن دمشق بتعيينه سفيرا لسوريا في إسبانيا، وبررت القيادة البعثية هذا الإجراء باتهامه بالتحريض الطائفي داخل الجيش.
وفي وقت كانت فيه صراعات الهوية والانتماء تعمق الشرخ بين مكونات النظام، وتدفع بالحزب إلى مزيد من الانغلاق العسكري الأمني على حساب مشروعه السياسي القومي الأول، عاد عمران إلى البلاد ليُعين وزيرا للدفاع في ديسمبر/كانون الأول 1965، في عهد رئيس الجمهورية آنذاك أمين الحافظ.
لكنه لم يلبث طويلا، إذ قادت اللجنة العسكرية بقيادة جديد والأسد انقلابا في 23 شباط/فبراير 1966 وأطاحت السلطة الجديدة بالقيادة القومية التقليدية لحزب البعث، واعتُقل إثر ذلك وزير الدفاع محمد عمران والرئيس الحافظ وعدد من كبار الضباط الموالين للجناح السياسي داخل الحزب وتم اقتيادهم إلى سجن المزة العسكري.
وأما القياديون المدنيون في القيادة القومية، وعلى رأسهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار، فقد احتُجزوا في استراحات سياحية سابقة جرى تحويلها إلى مراكز احتجاز شبه رسمية.
في تلك الفترة، كان حافظ الأسد الذي تولى منصب وزير الدفاع بعد الانقلاب، يلعب دور الوسيط الظاهري بين الجانبين، حيث كان يزور المحتجزين بانتظام ويعرض عليهم فكرة الوصول إلى صيغة تفاهم تنظيمي تُنهي الصراع بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية، وهي مبادرة بدت حينها كغطاء لتهدئة الاحتقان الداخلي ضمن الحزب.
يروي القيادي البعثي أحمد أبو صالح وهو أحد الذين اعتُقلوا بعد الانقلاب في شهادته أن صلاح جديد حاول استمالته إلى خطة للهروب من السجن مع محمد عمران، بزعم التوجه إلى القاهرة وطلب الحماية من الرئيس جمال عبد الناصر غير أن أبو صالح أدرك أن العرض لم يكن سوى فخ محكم، الهدف منه تصفية الرجلين جسديا خلال محاولة الفرار، في خطوة كانت ستظهر كأنها عملية أمنية بحتة لا علاقة لها بالقيادة الحزبية الجديدة.
بعد مضي نحو عام ونصف عام على انقلاب 23 فبراير/شباط 1966، اندلعت حرب يونيو/حزيران 1967 التي هزّت النظام السوري وعرّضت شرعيته العسكرية والسياسية لهزة عنيفة، وفي مواجهة هذا الضغط اضطرت القيادة البعثية الجديدة التي تهيمن عليها اللجنة العسكرية إلى الإفراج عن اللواء محمد عمران والرئيس السابق أمين الحافظ، إضافة إلى عدد من أعضاء القيادة القومية الذين كانوا محتجزين منذ الانقلاب.
مع خروجه من السجن، غادر عمران سوريا متوجها إلى لبنان حيث استقر في مدينة طرابلس، خاصة في أحد أحيائها الشعبية التي يسكنها أبناء أصول فلاحية، قريبا من خلفيته الاجتماعية حيث ينحدر من قرية المخرم في ريف حمص.
ورغم ذلك، فلم يفقد عمران مكانته في أوساط الجيش رغم إبعاده القسري، فقد بقي يتمتع بشعبية ملحوظة بين شريحة واسعة من الضباط، الذين اعتبروا أنه يمثل الامتداد الوطني لحزب البعث، في مقابل الجناح العقائدي العلوي المتشدد الذي مثّله صلاح جديد والجناح الأمني الذي كان بقيادة حافظ الأسد.
حتى بعد ما سُميت "الحركة التصحيحية"، وهو الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد في أكتوبر/تشرين الأول 1970 وأطاح فيه بصلاح جديد، ظل اللواء محمد عمران يحتفظ بنفوذه داخل بعض دوائر الجيش، مما أثار قلق النظام الجديد.
ورغم أن الأسد رسخ سلطته بعد تلك الحركة الانقلابية، فإن حضور عمران ظل يشكل تهديدا محتملا، خصوصا في ظل تقارير تحدثت عن سعيه لتشكيل تيار عسكري معارض وربما التخطيط لمحاولة انقلابية مضادة.
تزايدَ هذا القلق داخل دائرة الحكم، ودارت أحاديث داخل المؤسسة الأمنية عن ضرورة "إغلاق الملف" قبل أن يتوسع خطره، ووفق روايات متعددة، فقد كلّف حافظ الأسد شقيقه رفعت الأسد بمهمة تصفية اللواء عمران، الذي كان هدفا مكشوفا منذ خروجه من السجن.
وفي مناخ سياسي اتسم بتصفية الخصوم، كان اغتيال محمد عمران عام 1972 في طرابلس تتويجا لمسار طويل من الصراع داخل البعث، وصورة مكثفة لمرحلة اتسمت بالعنف والانقلابات والتصفيات السياسية.
كان الخوف على حياة اللواء محمد عمران حاضرا بقوة في الأشهر التي سبقت اغتياله، لا سيما بين أوساط المقربين منه وبعض وجهاء الطائفة العلوية المقيمين في طرابلس الذين كانوا يدركون حجم التهديد الذي يمثله وجوده المستمر خارج البلاد بالنسبة للسلطة الجديدة في دمشق.
كان عمران برصيده العسكري وتاريخه السياسي وشبكة أنصاره داخل الجيش، يشكل نقطة توتر حقيقية للنظام الذي أسسه حافظ الأسد بعد "الحركة التصحيحية" عام 1970.
وتؤكد عدة روايات أن مخابرات الأسد كانت تتابعه عن كثب، وأن عناصر من سرايا الدفاع التشكيل العسكري الذي كان يشرف عليه رفعت الأسد، كُلِّفوا بمراقبته وتحديد تحركاته.
View this post on Instagram
A post shared by الجزيرة الوثائقية (@aljazeeradocumentary)
روايتان للاغتيال
روى مدير مكتب عمران الشخصي في طرابلس تفاصيل واحدة من أكثر الروايات تداولا عن اغتياله، إذ يقول إن امرأة فقيرة اعتادت زيارة منزل اللواء عمران طلبا للمساعدة، وفي إحدى المرات خرج بنفسه ليعطيها بعض المال.
عادت المرأة نفسها بعد عدة أيام، لكنها لم تكن وحدها هذه المرة، بل كان يرافقها رجلان من منظمة "الصاعقة"، وهي فصيل بعثي موالٍ لسوريا، وعندما فتح عمران الباب، أطلق أحد الرجلين عليه النار بـ6 رصاصات من بندقية كانت مخبأة داخل سلة، ليسقط قتيلا أمام منزله.
ولكن رواية أخرى ذكرها عبد الحليم خدام، أحد أبرز رموز النظام السوري السابق لاحقا، تقول إن حافظ الأسد أوفد ضابطا من جهازه الأمني إلى طرابلس في محاولة لإقناع عمران بالعودة إلى سوريا، غير أن اللقاء لم يسر على ما يرام، ويؤكد خدام أن مشادة كلامية نشبت بين الطرفين، وانتهت بقتل الضابط السوري، في تطور دفع الأسد إلى اتخاذ قرار نهائي بتصفية عمران.
سواء كانت إحدى الروايتين أدق من الأخرى، فإن المؤكد أن اغتيال اللواء محمد عمران في الرابع من مارس/آذار 1972 لم يكن حدثا عابرا، بل تتويجا لصراع طويل بين جناح العسكر في حزب البعث، ومن بقي على ولائه لمشروع قومي وحدوي تقوده القيادة المدنية القديمة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تركيا تتهم قسد بعدم الالتزام بالاتفاق مع الحكومة السورية
تركيا تتهم قسد بعدم الالتزام بالاتفاق مع الحكومة السورية

الجزيرة

timeمنذ 19 دقائق

  • الجزيرة

تركيا تتهم قسد بعدم الالتزام بالاتفاق مع الحكومة السورية

صرح مصدر في وزارة الدفاع التركية -اليوم الخميس- بأن ما تعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لا تلتزم باتفاقية وقعتها مع الحكومة السورية هذا العام للانضمام إلى مؤسسات الدولة، وأن الاشتباكات الأحدث بينها وبين القوات الحكومية تُضر بوحدة البلاد. وقال في مؤتمر صحفي بأنقرة "لم يغب عن بالنا أن صوت منظمة قوات سوريا الديمقراطية ارتفع، مدفوعا بالاشتباكات في جنوب سوريا" في إشارة إلى القتال بين عشائر عربية ومسلحين دروز بمحافظة السويداء الشهر الماضي. وأضاف المصدر أن هجمات قسد في ضواحي منبج وحلب ضد الحكومة السورية -الأيام القليلة الماضية- تُلحق الضرر بالوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها. وشدد على أن أنقرة مستمرة في دعم دمشق بالتدريب والاستشارات في حربها ضد ما وصفتها بـ"المنظمات الإرهابية". وتعتبر تركيا قوات قسد، المدعومة من الولايات المتحدة، منظمة إرهابية. وأكدت مرارا أنها تتوقع منها الالتزام بالاتفاقية مع دمشق ونزع سلاحها والاندماج في كيان الدولة السورية. والسبت، شهدت قرية الكيارية بريف منبج الشرقي قصفا مدفعيا وصاروخيا نفذته قسد، مما أسفر عن إصابة 7 أشخاص، بينهم 4 من عناصر الجيش السوري، وفقا لوكالة الأنباء السورية (سانا). وأفادت وزارة الدفاع السورية بأن الجيش تصدى لمحاولة تسلل قامت بها مجموعات من "قسد" باتجاه نقاط عسكرية قرب المنطقة، واصفة التحرك بأنه "اعتداء غير مسؤول ولأسباب مجهولة". وأكدت الوزرة أن قواتها ردت بضربات دقيقة استهدفت مصادر النيران، بما في ذلك راجمة صواريخ ومدفع ميداني في محيط مدينة مسكنة شرق حلب. وفي 10 مارس/آذار الماضي، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات "قسد" مظلوم عبدي اتفاقا لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" شمال وشرقي سوريا ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتأكيد وحدة أراضي سوريا، ورفض التقسيم. لكن هذا الاتفاق لم يطبق بشكل عملي حتى اليوم، ولا تزال تدور اشتباكات متقطعة بين الطرفين كل فترة.

ملاحقة خطباء القدس والأقصى.. سياسة إسرائيلية تشتد في ظل الحرب
ملاحقة خطباء القدس والأقصى.. سياسة إسرائيلية تشتد في ظل الحرب

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

ملاحقة خطباء القدس والأقصى.. سياسة إسرائيلية تشتد في ظل الحرب

لا تعتبر ملاحقة خطباء وأئمة المسجد الأقصى المبارك سياسة احتلالية جديدة، بل يشدد الاحتلال منذ نحو 3 عقود على كل كلمة تُلقى في خطب المسجد الأقصى، ويُستدعى الخطباء ويتم التحقيق معهم على خلفية ذلك وعلى رأسهم الشيخ عكرمة صبري. ومؤخرا تصاعدت الهجمة ضد الخطباء، وفي مطلع الشهر الجاري اعتقل قاضي قضاة القدس الشيخ إياد العباسي، عقب إلقائه درسا تحدث فيه عن الغزيين الذين يواجهون حرب الإبادة وسياسة التجويع، وأُفرج عنه بعد ساعات. وسبقه في الاعتقال من داخل ساحات المسجد مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين ، وذلك في نهاية شهر يوليو/تموز المنصرم، عقب تطرقه في خطبة الجمعة التي ألقاها من على منبر الأقصى للأوضاع في غزة. وتسلم المفتي حينها قرارا بإبعاده عن المسجد الأقصى، وبعد انتهاء هذه المدة تم تمديد إبعاده عن الأقصى لمدة 6 أشهر. وعن هذه السياسة، قال رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري في مستهل حديثه للجزيرة نت إن التشديد على خطباء الأقصى ليس جديدا، بل هو قديم جديد، وإنه منذ ما يزيد على 30 عاما والتشديد قائما، "ولكن بعد حرب غزة أصبح التشديد أكثر شراسة وحدّة، فلا يريد الاحتلال أن نذكر كلمة غزة في الخطابة وهددوا جميع الخطباء بأن من يذكر غزة في خطبته سيعتقل ويمنع من الصلاة في الأقصى". نتألم لكننا نصبر وعن شعوره حيال ذلك بعدما أوشك أن يُنهي عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى لعام متواصل، قال "هذا نوع من العقاب والانتقام، ولا شك أن الإنسان يتألم، لكن عليه أن يصبر ويعتبر أن ثباته في بيت المقدس هو مرابطة، وبالنسبة لي بشكل شخصي فإنني بحمد الله ألقي خطب الجمعة في مساجد أخرى وأؤدي واجبي". وأضاف أنه يعتبر أن أي إجراء ضد الخطباء هو تعدٍ على الأقصى كمقدس، وأن كل الإجراءات ضد الأقصى تعني أن الاحتلال طامع به ويحاول باستمرار التقييد بمنع الشباب من دخوله وأحيانا بتحديد أعمار المصلين، والهدف من ذلك تقليل عدد المسلمين والسماح للمقتحمين باستباحته وفرض السيادة الإسرائيلية عليه وسحب صلاحية الوقف الإسلامي في إدارة الأقصى. واعتلى الشيخ صبري منبر المسجد الأقصى لأول مرة لإلقاء خطبة عام 1973، ويواظب للعام الـ52 على التوالي على القيام بهذا الدور، لكن خطبه وكلماته لا تروق للاحتلال، فبدأ بملاحقته منذ عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم يتعرض للاستدعاء والاعتقال والتحقيق بالإضافة لعقوبتيْ الإبعاد عن المسجد الأقصى والمنع من السفر، وتهديده بهدم منزل كان يسكن فيه بحي الصوانة القريب من المسجد الأقصى المبارك. إبعاد المفتي أما مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين الذي بدأت اليوم عقوبة إبعاده عن الأقصى لمدة 6 أشهر، فقال للجزيرة نت إن هذه الاعتداءات تشكل استباحة وتطورا خطيرا في ظل الأوضاع القائمة. وأضاف أن السلطات الإسرائيلية تستغل الأوضاع الجارية في كل من غزة والضفة الغربية والقدس، لتمرير مخططاتها على المسجد الأقصى في قضية فرض واقع جديد وتغيير الوضع التاريخي القائم فيه، والاعتداء على حرمته وقدسيته وإيذاء مشاعر المسلمين في كل العالم. وأكد المفتي أنه رغم كل ذلك سيبقى المسجد الأقصى إسلاميا وللمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد، وأن كل ما تقوم به السلطات الإسرائيلية هو عدوان واعتداء على حرمته وقدسيته وعلى حق المسلمين في عباداتهم، "ونعتز أننا أصحابه وسنبقى مرابطين في القدس ومقدساتها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا". استهداف خطباء القدس لم تقتصر الملاحقة منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، على خطباء المسجد الأقصى وأئمته، بل طالت خطباء وأئمة مساجد في أحياء القدس المختلفة. واعتُقل وحُكم بالسجن الفعلي كل من خطيب أحد مساجد بلدة صور باهر الشيخ عصام عميرة، وخطيب أحد مساجد بلدة سلوان الشيخ نعيم عودة، بالإضافة لجمال مصطفى خطيب أحد مساجد بلدة العيساوية ، ومحمود أبو خضير خطيب مسجد بلدة شعفاط. ووجهت النيابة العامة الإسرائيلية تهمة التحريض للخطباء الأربعة، لأنهم نصروا غزة في خطبهم في بداية الحرب الحالية، وبينما أُفرج عن كل من نعيم عودة ومحمود أبو خضير، لا يزال جمال مصطفى وعصام عميرة يقضيان مدة حكمهما بالسجن الفعلي خلف قضبان سجون الاحتلال. ملاحقة سياسية المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة يرى أن ما تقوم به سلطات الاحتلال من ملاحقة خطباء الأقصى يندرج في إطار الملاحقة السياسية التي تمارسها على ما هو فلسطيني، وبشكل أشد على كل المؤثرين والخطباء والأئمة الذين لهم دور بارز في كشف مخططات الاحتلال، وفي بناء وعي جمعي حقيقي قادر على مواجهة روايته وتحديها. وأضاف زبارقة في حديثه للجزيرة نت أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخالف القانون الإسرائيلي نفسه عندما تلاحق الأئمة، لأن المسجد وخطباءه لا يخضعون لسلطات الاحتلال، بل لدائرة الأوقاف الإسلامية، وكل موظف في الدائرة يجب أن يحظى بالحماية والحصانة القانونية من الملاحقات السياسية. "لكن ما تقوم به سلطات الاحتلال هو تجاوز للقانون واعتباراته، ومحاولة لمنع بناء وعي فلسطيني خاصة في ظل هذا الواقع الأليم الذي نعيشه" أردف زبارقة. وشدد المحامي على أن خطباء الأقصى مؤتمنون على قول كلمة الحق، خاصة في ظل ما يتعرض له الفلسطينيون في كل من غزة والقدس و الضفة الغربية و الداخل الفلسطيني ، وبالتالي فمن الواجب على خطباء المساجد أن يتعاملوا مع هذه الأحداث وأن يوجهوا الناس التوجيه الصحيح، وهذا دور تبوؤوه، ولهم في ذلك الأجر والثواب من الله. وبرأيه فإنه لا يمكن التعامل مع النظام القضائي الإسرائيلي كما أي نظام قضائي آخر "لأنه لا يرقى إلى المعايير الأساسية للنظام القانوني العادل من ناحية النزاهة والموضوعية". وفي ظل هذا الواقع يعتقد خالد زبارقة أنه إذا توفرت الاستشارة القانونية اللازمة للخطباء، من حيث وضع الخطبة في قالب قانوني معين قد ننجح نوعا ما في التخفيف من وطأة الملاحقة القانونية.

الاحتلال يفجر منزل أسير بالخليل ويسلم جثمان الهذالين بعد احتجازه 10 أيام
الاحتلال يفجر منزل أسير بالخليل ويسلم جثمان الهذالين بعد احتجازه 10 أيام

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

الاحتلال يفجر منزل أسير بالخليل ويسلم جثمان الهذالين بعد احتجازه 10 أيام

اقتحمت قوات الاحتلال مخيمي عقبة جبر وعين السلطان في أريحا مما أسفر عن 3 إصابات أحدها بالرصاص الحي، كما فجرت فجر اليوم منزل الأسير عبد الرحيم عفيف الهيموني في حي واد البصاص بمنطقة أبو كتيلة في مدينة الخليل. وأفادت مصادر للجزيرة بأن أعدادا كبيرة من الآليات العسكرية والقوات الراجلة نفذت حملات دهم وتفتيش واسعة ضُرب خلالها مواطنان، وحُطّمت محتويات منزليهما، مما أدى إلى اندلاع مواجهات أصيب على إثرها فلسطيني بالرصاص الحي، في حين أكدت المصادر أن قوات الاحتلال اعتقلت عددا من الفلسطينيين بعد التنكيل بهم، ووزعت منشورات تحذيرية من دعم المقاومين قبل انسحابها من المخيمين. وكانت مصادر قد أفادت في وقت سابق بأن قوات الاحتلال اعتقلت 18 فلسطينيا على الأقل من مناطق مختلفة بالضفة الغربية الليلة الماضية وفجر اليوم. وتركزت الاقتحامات على مخيم العروب شمال مدينة الخليل، حيث أطلقت قنابل الغاز بكثافة داخل المخيم، مما أدى إلى حالات اختناق في صفوف السكان. وتوزعت باقي الاقتحامات على بلدات في نابلس، وسلفيت وبيت لحم ، وطوباس والبيرة. ودفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية بالتزامن مع اقتحام قوة خاصة للمخيم، كما حاصرت أحد المنازل في حارة قرعان وطالبت فلسطينيا بتسليم نفسه، قبل أن تنكل به وتعتقله. وأضافت المصادر أن قوات من القناصة اعتلت أسطح مبان عدة، ودهمت منازل أخرى قبل الانسحاب من المخيم. وفي الخليل فجرت قوات الاحتلال منزل الأسير الهيموني، بزعم مشاركته في تنفيذ عملية وقعت العام الماضي في محطة القطار بمدينة يافا. واقتحمت قوات الاحتلال حي أبو كتيلة شمال المدينة، وحاصرت منزل الأسير، قبل أن تجبر سكان البنايات المجاورة على إخلائها، وقامت بتفجير أجزاء من البناية التي تقطن فيها عائلته بعد تفخيخها. والهيموني معتقل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024، ويواجه حكما بالسجن المؤبد بتهمة المشاركة في عملية طعن وإطلاق نار مزدوجة في تل أبيب أدت إلى مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 15 آخرين. جثمان الهذالين عودة الهذالين ، اليوم الخميس، جثمان نجلها عند حاجز ميتار العسكري جنوب مدينة الخليل بعد احتجاز دام نحو 10 أيام، تمهيدا لتشييعه ودفنه في مقبرة قرية أم الخير. وأكد خليل الهذالين رئيس المجلس القروي في أم الخير، في حديث للجزيرة، أن قوات الاحتلال نصبت حاجزا عسكريا عند مدخل القرية ومنعت دخول أي وافد من خارجها، في محاولة واضحة لمنع المشاركة الواسعة في مراسم التشييع. وشددت العائلة على أنها ستدفن نجلها الذي استشهد برصاص مستوطن خلال اعتداءات على القرية في نهاية الشهر الماضي وفق شروطها الخاصة، رافضة الإملاءات التي تحاول سلطات الاحتلال فرضها. وفي 28 يوليو/تموز الماضي كان الهذالين يحتج مع آخرين على التجريف الإسرائيلي لأراضي قريته أم الخير بمنطقة مسافِر يطا جنوب مدينة الخليل. وآنذاك أطلق مستوطن إسرائيلي الرصاص على الهذالين الذي نُقل جريحا بمركبة إسعاف، قبل أن يعلن بعد ساعات عن مقتله، ومنع الجيش الإسرائيلي إقامة بيت عزاء للهذالين، وأجبر المعزين والصحفيين والمتضامنين على إخلاء خيمة عزاء مقامة له، وأعلنها منطقة عسكرية مغلقة. والهذالين مدرس بوزارة التربية والتعليم وأب لـ3 أطفال أكبرهم عمره 6 سنوات، وكان أحد المشاركين في إنتاج فيلم "لا أرض أخرى" (No Other Land)، الفائز بجائزة أوسكار أفضل وثائقي طويل عام 2025.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store