logo
العراق والأفخاخ والأدوار

العراق والأفخاخ والأدوار

العربيةمنذ 3 أيام

تشعر بغدادُ بالارتياح لأنَّها «تحاشت الوقوع في أكثر من فخ». غداة انطلاق «طوفان الأقصى» في غزةَ و«جبهة الإسناد» في لبنان، راودت فصائلَ عراقيةً أحلامُ توسيع دائرة النار. لكن مزيجاً من النَّصائح الداخلية والتحذيرات الخارجية أبعدَ عن شفتي العراق كأسَ الانزلاق إلى الدوامة. كانت التهديدات الإسرائيلية صريحةً وكان لا بدَّ من التدخل الأميركي لمنع تنفيذها في مقابل «كبح حماسة بعض الفصائل».
نجت بغداد من فخ آخر. لم يخطر ببال بعضِ الفصائل العراقية أنَّ نظام بشار الأسد يمكن أن يتبخَّرَ فجأة وأن تصبحَ طريقُ طهران - بغداد - دمشق - بيروت محظورةً ومجردَ ذكرى من الماضي. وفوجئت هذه الفصائل بإطلالة أحمدَ الشرع من القصر الذي كان يجلس فيه الأسد. راودت فصائلَ محدودة أفكارُ الاستعداد لقلب الأمور ثم تبين أنَّ القصة أكبر وأخطر وأنَّ إيران تحتاج على الأقل لوقت لالتقاط الأنفاس. هكذا رأى العراق الأمور تتغير من حوله.
تدير بغداد علاقاتها الحالية مع طهران وواشنطن «بأكبر قدر ممكن من التوازن. أميركا هي أميركا ونحن نحتاج إليها في أمور كثيرة. وإيران جار تربطنا به علاقات ومصالح وروابط. والحقيقة أنَّ واشنطن أكثر واقعية من السابق. وأنَّ طهران قاآني أقل تطلباً من طهران سليماني. هامش الحركة العراقية أكبر من الماضي. المهم أن لا تحدث مواجهة عسكرية لأنَّها ستكون بمثابة الفخ الكبير للعراق والمنطقة».
في الحوارات التي تجري في بغدادَ هذه الأيام جنوحٌ نحو الواقعية فرضته دروسُ الفترة العاصفة الماضية. يمكن الحديث عن نقاط مشتركة تتكرر في الحوارات:
- اللاعب الأول في هذا الجزء من العالم كان ولا يزال اللاعب الأميركي. نحن نحب امتداح الأدوار الروسية والصينية والأوروبية لكنَّها في جزء منها وليدة تمنيات أكثر مما هي ترجمة لحقائق. القوات الروسية التي تدخلت في العقد الماضي لإنقاذ نظام بشار الأسد لم تتدخل للدفاع عنه ولم تتعهد حتى بدعمه. روسيا التي تربطها علاقات استراتيجية بإيران لم تستطع منعَ الطائرات الإسرائيلية من تدمير مواقع «الحرس الثوري» في سوريا وإرغام النفوذ الإيراني على المغادرة. تضاعف حضور اللاعب الأميركي مع وصول دونالد ترمب بفعل أسلوبه وبسبب تحول كبير في المنطقة تمثل في سقوط نظام الأسد.
- الحقيقة الثانية هي إصابة اللاعب الإيراني في الإقليم بانتكاسة كبرى. قبل سنوات قليلة ساد الاعتقاد أنَّ اللاعب الإيراني هو الأول على الأرض ولا يمكن وقفه. وأنَّه سجل اختراقات ومكاسب ثابتة ويتطلع إلى ترسيخ جذوره في خرائط إضافية. وكان من الصعب تصور سوريا خارج الفلك الإيراني وتصور طهران مضطرة إلى التعامل مع مطار بيروت وفق القواعد الدولية لا بصفة بيروت واحدة من العواصم الأربع التي تدور في الفلك الإيراني. إصابة اللاعب الإيراني ليست بسيطة على الإطلاق. فمحور الممانعة الذي سقط بسقوط حلقته السورية ولد بفعل جهود طويلة وتكاليف هائلة.
- الحقيقة الثالثة هي أنَّ إيران خسرت أيضاً في لبنان الذي كان الساحة الأولى لتوسع نفوذها في الإقليم. انتهت الحرب الأخيرة خلافاً لما كان يتمنى «حزب الله» الذي اختار فتح «جبهة الإسناد» غداة انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. خسر الحزب زعيمَه التاريخي حسن نصر الله وخسر كبار قادته. وثمة من يقول إنَّه خسر القدرة على خوض حرب ضد إسرائيل بعدما خسر العمق السوري.
- الحقيقة الرابعة هي أنَّ إسرائيل التي نحاول منذ عقود تفادي ذكر اسمها أو القبول بها فرضت نفسها لاعباً إقليمياً خطراً. إسرائيل المسلحة بالتكنولوجيا الأميركية قوة هائلة قادرة على التدخل في أراضي جيرانها المباشرين وتوجيه ضربات في مناطق أبعد. إنَّها دولة عدوانية ودولة احتلال لكنَّها واقع لم يعد ممكناً تجاهله.
- الحقيقة الخامسة هي أنَّ التحول السوري جاء أبعد وأعمق مما تصوره الكثيرون. واضح أنَّ سوريا الشرع اختارت الخروج من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل وهذا تطور هو الأول من نوعه منذ عقود. التفاهمات التركية - الإسرائيلية الأخيرة بشأن سوريا تحكم إقفال الساحة السورية في وجه إيران والحزب.
- الحقيقة السادسة هي تقدم الدور السعودي إلى موقع المبادرة الإقليمية والدولية وعلى قاعدة الاستثمار في الاستقرار استناداً إلى مبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول والابتعاد عن سيادة تصدير النار إلى الجيران أو العالم.
يمكن القول إنَّ معظم اللاعبين الذين انخرطوا في حروب ما بعد «الطوفان» أصيبوا بجروح كثيرة وسيرجعون من هذه الحروب بخيبات كثيرة. لا مجال لإنكار أنَّ إسرائيل نجحت بقوتها التدميرية في تغيير المشهد، خصوصاً عبر الحلقة السورية، لكنَّها لن تستطيع الفرار من استحقاق حل الدولتين الذي يزداد حضوراً على الساحة الدولية. «حماس» التي أطلقت شرارة «الطوفان» سترجع بما هو أقسى من الخيبة. ستخسر وجودَها المسلح في غزة وهي حالياً ليست موضع ترحيب، لا في بيروت ولا دمشق ولا عمان. وهذا يعني أنَّها تواجه خطر «التقاعد» الإلزامي إلا إذا صعدت إلى القطار.
تراقب بغداد ما يدور حولها. المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية ملف حيوي بالنسبة لها. رسوخ وضع حكم الشرع في سوريا تطور مهم لا بدَّ من أخذه في الحسبان. إذا تابعت دمشق شهر العسل مع واشنطن فإنَّها مرشحة لدور أكبر ومكاسب أكبر.
تقرأ بغداد ملامح منطقة تتغيَّر تحت وطأة الحروب وإصابات اللاعبين وخيبات العائدين من المعارك. لا بدَّ من الانتظار قليلاً لإدراك حجم التغيير الذي طرأ على أدوار دول الجوار، والذي لا يمكن إلا أن يتركَ تأثيره على العراق نفسِه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير الداخلية يستعرض مع رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني الاهتمام المشترك
وزير الداخلية يستعرض مع رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني الاهتمام المشترك

عكاظ

timeمنذ 39 دقائق

  • عكاظ

وزير الداخلية يستعرض مع رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني الاهتمام المشترك

تابعوا عكاظ على استعرض وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، ورئيس منظمة الحج والزيارة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية علي رضا بيات، عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك خلال استقبال وزير الداخلية، رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني، الذي نوه بالجهود التي تبذلها المملكة لتمكين حجاج بيت الله الحرام من أداء نسكهم بكل أمن وطمأنينة. أخبار ذات صلة حضر الاستقبال مساعد وزير الداخلية الدكتور هشام عبدالرحمن الفالح، ومدير الأمن العام الفريق محمد عبدالله البسامي، ومدير عام مكتب الوزير للدراسات والبحوث اللواء خالد إبراهيم العروان، ومدير عام الجوازات اللواء الدكتور صالح سعد المربع، ومدير عام الشؤون القانونية والتعاون الدولي أحمد سليمان العيسى، ونائب وكيل وزارة الداخلية للشؤون الأمنية اللواء عبدالله فهد الفارس. /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} الأمير عبدالعزيز بن سعود خلال استقباله رئيس منظمة الحج والزيارة بالجمهورية الإيرانية. (واس)

إيلون ماسك يعلن اقتراب نهاية فترة عمله الحكومي
إيلون ماسك يعلن اقتراب نهاية فترة عمله الحكومي

الشرق السعودية

timeمنذ 39 دقائق

  • الشرق السعودية

إيلون ماسك يعلن اقتراب نهاية فترة عمله الحكومي

أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك، الأربعاء، اقتراب انتهاء فترة عمله المحددة كموظفي حكومة خاص والتي ترأس خلالها مكتب كفاءة الحكومة. وكتب ماسك على منصته "إكس": "مع اقتراب انتهاء فترة عملي كموظف حكومي خاص أود أن أتوجه بالشكر إلى الرئيس دونالد ترمب على منحي الفرصة للعمل على تقليص الهدر في الإنفاق الحكومي". وأضاف أنه يؤمن بأن مهمة مكتب كفاءة الحكومة "ستزداد رسوخاً مع مرور الوقت، لتصبح نهجاً ثابتاً يعتمد عليه في مختلف مؤسسات الدولة". وفي وقت سابق الأربعاء، انتقد ماسك مشروع قانون الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي حمل اسم مشروع "القانون الموحد والجميل والكبير"، وقال إنه "يشعر بخيبة أمل"، وهو ما يشكل "شرخاً كبيراً" في شراكة بين الرجلين كان ينتظر أن تعيد تشكيل السياسة الأميركية والحكومة الفيدرالية، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس". وقال ماسك، في حديثه مع شبكة CBS، إنه "مشروع قانون إنفاق ضخم" يزيد العجز الفيدرالي و"يقوض عمل" وزارة كفاءة الحكومة التابعة له، والمعروفة باسم DOGE. وأضاف ماسك الذي دعم ترشيح ترمب بما لا يقل عن 250 مليون دولار خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعمل في إدارته كمستشار كبير: "أعتقد أن مشروع القانون قد يكون كبيراً أو جميلاً، لكن لا أظن أنه يمكن أن يكون الاثنين معاً". ودافع ترمب الذي كان يتحدث في المكتب البيضاوي، الأربعاء، عن أجندته بالحديث عن الجوانب السياسية الدقيقة المتعلقة بالتفاوض على التشريع. وقال:"أنا لست سعيداً ببعض جوانبه، لكنني سعيد بجوانب أخرى منه". وذكر أيضاً أنه من الممكن إجراء المزيد من التغييرات، وقال: "سنرى ما سيحدث، لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه".

واشنطن تمنع شركات أميركية من بيع برمجيات تصميم الرقائق للصين
واشنطن تمنع شركات أميركية من بيع برمجيات تصميم الرقائق للصين

الشرق السعودية

timeمنذ 39 دقائق

  • الشرق السعودية

واشنطن تمنع شركات أميركية من بيع برمجيات تصميم الرقائق للصين

طلبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من شركات أميركية متخصصة في برمجيات تصميم الرقائق الإلكترونية التوقف عن تزويد الصين بخدماتها، في خطوة تهدف إلى كبح تطوّر القدرات الصينية في مجال الرقائق المتقدّمة، لا سيما المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" عن مصادر مطّلعة أن وزارة التجارة الأميركية، وجّهت رسائل إلى شركات "أتمتة التصميم الإلكتروني" (EDA)، من بينها Cadence وSynopsys وSiemens EDA، تطالبها بوقف تصدير تكنولوجيا التصميم للصين. وأوضحت المصادر أن "مكتب الصناعة والأمن في الوزارة، المسؤول عن مراقبة الصادرات، هو من تولى إصدار التوجيهات". وتُمثل هذه الخطوة أحدث فصول محاولات واشنطن لتقويض جهود بكين لتطوير رقائق ذكاء اصطناعي متقدمة، خاصة بعد أن فرضت في أبريل الماضي، قيوداً على تصدير شرائح ذكاء اصطناعي مخصصة للسوق الصينية من شركة Nvidia. تراجع الصادرات وأكد مسؤول بوزارة التجارة الأميركية أن "بلاده تراجع الصادرات ذات الأهمية الاستراتيجية إلى الصين"، مضيفاً أنه "تم تعليق بعض التراخيص الحالية، أو فرض شروط إضافية مؤقتاً أثناء المراجعة". ورغم أن برمجيات "أتمتة التصميم الإلكتروني" لا تمثل سوى نسبة صغيرة من سوق أشباه الموصلات، إلا أنها تعد عنصراً حيوياً في سلسلة التوريد، حيث تتيح تصميم، وتطوير واختبار الأجيال الجديدة من الرقائق، وفقا لـ"فاينانشال تايمز". وتُهيمن الشركات الثلاث المذكورة على قرابة 80% من سوق برمجيات تصميم الرقائق في الصين، إلا أنها لم تصدر أي تعليقات فورية على الخطوة الأميركية. وكشفت بيانات مالية أن شركة Synopsys حققت نحو مليار دولار من السوق الصينية خلال 2024، بما يعادل 16% من إيراداتها، فيما بلغت حصة الصين من مبيعات Cadence نحو 550 مليون دولار12%. وتأثرت أسهم الشركات بوضوح، حيث انخفض سهم Synopsys بنسبة 9.6%، وتراجع سهم Cadence بنسبة 10.7%، بينما هبط سهم شركة Ansys بنسبة 5.3%، بعد أن كانت Synopsys قد وقعت صفقة لشرائها بقيمة 35 مليار دولار، لا تزال بانتظار موافقة الجهات التنظيمية الصينية. وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، قد فرضت في 2022 قيوداً على بيع برمجيات التصميم المتقدمة إلى الصين، إلا أن الشركات الأميركية واصلت تزويدها بمنتجات تتوافق مع تلك الضوابط. مخاوف أميركية وسبق أن حظرت إدارة ترمب استخدام شركة Huawei الصينية لبرمجيات التصميم الأميركية، وسط مخاوف من توسع نفوذها في سوق الرقائق، إذ تعد حالياً من أبرز المنافسين لشركة Nvidia عبر سلسلة شرائح Ascend الخاصة بالذكاء الاصطناعي. من جانبه، علّق الرئيس التنفيذي لشركة Nvidia، جنسن هوانج، مؤخراً بأن محاولات الإدارات الأميركية المتعاقبة لعرقلة تقدّم الصين في الذكاء الاصطناعي "لم تحقق أهدافها". وفي المقابل، ساهمت القيود الأميركية في تسريع نمو الشركات الصينية المنافسة في قطاع برمجيات تصميم الرقائق، إذ برزت شركات مثل Empyrean Technology وPrimarius وSemitronix، محققة مكاسب واضحة في الحصة السوقية خلال السنوات الماضية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store