
الحرمان من النوم .. الاقتصاد العالمي يدفع مليارات الدولارات ثمنًا للأرق
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل عندما دخلت المدمرة الأمريكية "أوسكار أوستن" قناة ضيقة تؤدي إلى بحر البلطيق، وتبعتها ثلاث مدمرات أخرى.
كان قائد المدمرة "جون كوردل"، وهو قبطان بحري ماهر وذو خبرة، قد أمضى 36 ساعة دون نوم، عندما بدأت السفينة رحلتها في مهمة تدريب روتينية، ورغم محاولاته أن يبدو متماسكًا إلا أن قلة النوم أثرت على قدرته على التركيز واتخاذ القرارات.
وحينما أبلغه الملاح بأن المدمرة تواجه مشكلة في تحديد الاتجاهات، أمر "كوردل" السفينة بالتباطؤ سريعًا ناسيًا أن هناك ثلاث مدمرات أخرى قادمة بسرعة خلفه ستصطدم بسفينته في حال استجاب الملاح لقراره.
وكانت الكارثة على وشك الوقوع لولا تدخل أحد أفراد الطاقم محذّرًا القبطان من تبعات هذا القرار، وعن هذا يقول "كوردل": "لقد سمحت لنفسي بالتعب لدرجة أنه عندما احتاجني الطاقم حقًا للتدخل واتخاذ قرار، كنت متعبًا للغاية بحيث لم أستطع إدراك ما كان يحدث حولي".
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
قصة "كوردل" ليست استثناء، بل هي متكررة بتفاصيل مختلفة، ما يعكس مدى خطورة الحرمان من النوم، والذي يتسبب في خسائر مادية وبشرية واسعة النطاق.
ففي عالم يسوده الإيقاع السريع، يتفاخر البعض بالسهر والعمل لساعات متأخرة، غير مدركين أن هذا النمط لا يؤثر فقط على صحتهم، بل يمتد تأثيره ليضرب الإنتاجية، ويزيد من معدلات الحوادث، ويضعف الأداء الاقتصادي للدول.
ولطالما ارتبطت قلة النوم بالإرهاق والتعب، لكن هل تخيلت يومًا أن نقص النوم قد يُكبد الاقتصاد العالمي خسائر بمليارات الدولارات سنويًا؟
فالحرمان من النوم مشكلة تؤرق ملايين الأشخاص حول العالم، وله تأثير واسع النطاق يتجاوز الجوانب الشخصية، ويؤثر على الإنتاجية الاقتصادية ويكلف الاقتصاد العالمي ثمنًا باهظًا.
وأظهرت العديد من الأبحاث أن نقص النوم يؤدي إلى انخفاض الأداء الوظيفي، وزيادة معدلات التغيب عن العمل، وارتفاع مخاطر الحوادث في أماكن العمل وعلى الطرقات.
التكلفة الاقتصادية للحرمان من النوم
يُعد النوم الجيد عاملًا رئيسيًا للحفاظ على الأداء الأمثل في بيئة العمل، ومع ذلك يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من قلة النوم بسبب ضغوط الحياة المتزايدة.
وتشير الدراسات إلى أن الاقتصادات الكبرى تتكبّد خسائر بمليارات الدولارات سنويًا نتيجة لانخفاض كفاءة القوى العاملة بسبب قلة النوم.
وذكر تقرير صادر عن مؤسسة راند للأبحاث أن الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا تفقد مليارات الدولارات سنويًا بسبب تدني جودة النوم لدى القوى العاملة. وبحسب التقرير، يخسر اقتصاد الولايات المتحدة قرابة 411 مليار دولار أمريكي سنويًا بسبب انخفاض الإنتاجية نتيجة الحرمان من النوم، وهو ما يمثل 2.3% من ناتجها المحلي الإجمالي، في حين تخسر اليابان نحو 138 مليار دولار سنويًا.
كما تتأثر اقتصادات أخرى مثل المملكة المتحدة (50 مليار دولار)، وألمانيا (60 مليار دولار)، وكندا (21 مليار دولار) بسبب نقص النوم.
أما في أستراليا، فقدّرت دراسة نُشرت في مجلة Sleep أن إجمالي العبء الاقتصادي لعدم كفاية النوم خلال عامي 2016 و2017 بلغ 45.2 مليار دولار، متضمنًا التكاليف الصحية والخسائر الإنتاجية.
وإضافةً إلى انخفاض الإنتاجية، يؤدي الحرمان من النوم إلى زيادة احتمالية الأخطاء في العمل، وحوادث الطرق، والمشكلات الصحية المزمنة مثل أمراض القلب والاكتئاب، مما يفرض عبئًا إضافيًا على أنظمة الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.
وغالبًا ما يواجه الموظفون المحرومون من النوم صعوبة في التركيز ويكونون أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء، ويعانون من انخفاض الحافز، وتراجع الإبداع، وضعف مهارات الاتصال.
بالإضافة إلى ذلك، يكون العمال المرهقون أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الغياب ودوران الموظفين، وهو ما يؤثر سلبًا على استقرار وإنتاجية المؤسسات.
ويرتبط الحرمان المزمن من النوم بأمراض خطيرة تشمل السمنة، والسكري، والاضطرابات النفسية، مما يضر بصحة الموظف ويتسبب في ارتفاع النفقات الطبية، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة مطالبات التعويض.
كما تشير الدراسات إلى أن العمال الذين ينامون أقل من 6 ساعات يوميًا معرضون بشكل أكبر للحوادث والإصابات في أماكن العمل.
ويؤكد الخبراء أن معالجة هذه المشكلة أمر ممكن من خلال التوعية بالنوم الصحي، ووضع سياسات ملائمة في أماكن العمل، كما يمكن أن تلعب التدخلات الطبية دورًا هامًا في تحسين جودة النوم، وبالتالي تحقيق فوائد اقتصادية وصحية كبيرة.
الحرمان من النوم وحوادث الطرق
تُعدّ القيادة أثناء النعاس مخاطرة تؤدي إلى آلاف الحوادث كل عام، إذ أن الأشخاص الذين ينامون دون سبع ساعات يوميًا يكونون أكثر عرضة لخطر التسبب في حادث مروري.
ويرجع ذلك إلى أن النعاس يؤدي إلى إضعاف القدرة على التركيز، وإبطاء الاستجابة، والتأثير على قدرة اتخاذ القرارات، مما يزيد من احتمالية وقوع حادث.
وفي عام 2017، قدرت الإدارة الأمريكية لسلامة المرور على الطرق السريعة أن القيادة أثناء النعاس أدت إلى 91 ألف حادث مروري، و50 ألف إصابة، و800 حالة وفاة في الولايات المتحدة.
كما وجدت دراسة أجراها نادي السيارات التابع للجمعية الأميركية للسيارات أن السائقين الذين ينامون أربع أو خمس ساعات فقط في الليلة لديهم معدل حوادث أعلى بخمس مرات من أولئك الذين ينامون سبع ساعات.
لذلك، تقدم إدارات المرور حول العالم العديد من النصائح للسائقين من أجل تجنب النوم أثناء القيادة من بينها الحصول على قسط كافٍ من النوم لمدة لا تقل عن 7-9 ساعات يوميًا.
كما تُوصي بأخذ فترات راحة أثناء الرحلات الطويلة، والتوقف كل ساعتين أو كل 160 كيلومترًا للراحة، إضافة إلى أخذ قيلولة قصيرة في مكان آمن عند الحاجة إذا شعر قائد السيارة بالنعاس أثناء القيادة لفترة تتراوح ما بين 15 إلى 30 دقيقة.
ومن بين التوصيات الأخرى تجنب القيادة خلال الأوقات التي يكون فيها الجسم معتادًا على النوم، وعدم الاعتماد على القهوة أو مشروبات الطاقة كحل وحيد، إذ تمنح هذه المشروبات يقظة مؤقتة.
اليوم العالمي للنوم
استشعارًا لأهمية النوم، أطلقت الرابطة العالمية لطب النوم في عام 2008، اليوم العالمي للنوم لأول مرة بهدف التوعية بمشكلات النوم الشائعة، والترويج لعادات نوم صحية، وتسليط الضوء على تأثير قلة النوم على الصحة الجسدية والعقلية.
وتحتفل أكثر من 70 دولة حول العالم بهذا اليوم في الجمعة الثالثة من شهر مارس كل عام، عبر تنظيم أنشطة توعوية، وندوات علمية، وحملات إعلامية لتشجيع الأفراد على تحسين جودة نومهم.
ويشدد الخبراء على أن النوم الجيد ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على الأداء الأمثل في الحياة اليومية والعمل.
ورغم نمو قطاع الصحة عالميًا، إذ بلغ حجمه 6.3 تريليون دولار في عام 2023، وهو ما يمثل نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إلا أن مشكلات النوم لا تزال واسعة النطاق وتؤثر على ملايين الأشخاص.
ففي الولايات المتحدة فقط يعاني من 50 إلى 70 مليون بالغ من اضطرابات النوم.
ومع التوقعات بنمو قطاع الصحة بمعدل سنوي يبلغ 7.3% ليصل إلى 9 تريليونات دولار بحلول عام 2028، يأمل الخبراء في أن يحسن هذا الأمر من جودة النوم عالميًا.
ولتخفيف الخسائر الاقتصادية المترتبة على قلة النوم، توصي المؤسسات الصحية وخبراء الاقتصاد باتباع استراتيجيات مثل تشجيع الشركات على تعزيز ثقافة النوم الصحي عبر برامج التوعية، وتقليل ساعات العمل المرهقة واعتماد جداول عمل مرنة.
كما تدعو تلك المؤسسات إلى العمل على تحسين الوعي العام حول أهمية النوم الجيد للصحة والإنتاجية، واستثمار الحكومات في سياسات صحية تعزز النوم الكافي بين المواطنين.
وتعكس الخسائر المالية الضخمة الناجمة عن الحرمان من النوم مدى خطورة تلك القضية، وكيف أنها تشكل تحديًا كبيرًا للاقتصادات العالمية، وتؤدي إلى خسائر مالية ضخمة سنويًا.
لذلك، يُعد تحسين جودة النوم خطوة ضرورية لتعزيز الإنتاجية، وخفض تكاليف الرعاية الصحية، والحد من الحوادث، مما ينعكس إيجابيًا على الأفراد والاقتصاد ككل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 4 ساعات
- حضرموت نت
تدشين العمل في مشروع بناء مركز التغذية في عتق بشبوة
دشن أمين عام المجلس المحلي بمحافظة شبوة عبدربه هشلة ناصر اليوم ومعه مدير عام مكتب الصحة والسكان بالمحافظة الدكتور علي الذيب العمل في مشروع بناء مركز التغذية الصحية في عتق مركز المحافظة والذي سيتم تمويله من قبل الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية الألماني بتكلفة تبلغ ثمانمائة ألف دولار وسينفذه مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع . وقد عبر أمين عام محلي المحافظة ومدير مكتب الصحة والسكان بالمحافظة عن شكرهما وتقديرهما للحكومة الألمانية على تبنيها لهذا المشروع الهام الذي سيساهم في تحسين وتطوير مستوى الخدمات الصحية المقدمة لأمراض سوء التغذية بين الأطفال بالمحافظة ، مؤكدان على ضرورة الاسراع في تنفيذ المشروع خلال الفترة المحددة لذلك والمقدرة بتسعة أشهر والالتزام بالمواصفات والمقاييس الفنية الخاصة بذلك . شارك في عملية التدشين عدد من القيادات والكوادر الصحية بالمحافظة .


حضرموت نت
منذ 6 ساعات
- حضرموت نت
تدشين العمل في مشروع مركز التغذية في عتق
شبوة – سبأنت دشن أمين عام المجلس المحلي بمحافظة شبوة عبدربه هشلة، اليوم، معه مدير مكتب الصحة والسكان الدكتور علي الذيب، العمل في مشروع بناء مركز التغذية الصحية في عتق، بتمويل الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية الألماني بتكلفة 800 الف دولار، وسينفذه مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع. وثمن هشلة الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة الألمانية، وتبنيها هذا المشروع الذي سيساهم في تحسين وتطوير مستوى الخدمات الصحية المقدمة لأمراض سوء التغذية بين الأطفال..مؤكدا ضرورة الاسراع في تنفيذ المشروع خلال الفترة المحددة، وفق المواصفات والمقاييس الفنية الخاصة بذلك.


الوئام
منذ 8 ساعات
- الوئام
دراسة صادمة: مؤشرات الخرف قد تبدأ منذ الطفولة
توصل باحثون من جامعة شيكاغو الأمريكية إلى أن علامات الإصابة بالخرف، بما في ذلك مرض الزهايمر، قد تبدأ في الظهور منذ مرحلة الطفولة، في كشف علمي من شأنه أن يعيد صياغة استراتيجيات الوقاية والعلاج لهذا المرض المعقّد. الدراسة، التي نشرها موقع 'ستدي فايند'، تشير إلى أن العوامل المؤدية للإصابة بالخرف لا تقتصر فقط على الشيخوخة أو العوامل الوراثية، كما كان يُعتقد سابقاً، بل ترتبط أيضاً بنمط الحياة منذ سن مبكرة، بما في ذلك السمنة، قلة النشاط البدني، والتدخين. ويؤكد الباحثون أن الخرف ليس نهاية محتومة للتقدم في السن، إذ يمكن تقليل خطر الإصابة به بنسبة تصل إلى 45% عبر التخفيف من العوامل السلوكية الضارة. وتوصي الدراسة بضرورة البدء بالوقاية من المرض منذ منتصف العمر على الأقل، إن لم يكن قبل ذلك، لتحقيق نتائج أكثر فعالية في الحد من انتشاره، خاصة مع التزايد المستمر في عدد الحالات عالمياً. ويشير العلماء إلى أن الدماغ البشري يمر بثلاث مراحل رئيسية خلال حياة الإنسان: مرحلة النمو المبكر، ثم الاستقرار في منتصف العمر، وأخيراً التراجع المعرفي في سن الشيخوخة، وهو ما يعزز أهمية دعم صحة الدماغ في مراحل الحياة الأولى. ورغم التقدم العلمي في فهم الخرف وأعراضه، لا يزال العالم يفتقر إلى علاج نهائي وفعّال لهذا المرض الذي يصيب الملايين سنوياً، وتُقدّر تكلفة الرعاية الصحية المرتبطة به بنحو 1.3 تريليون دولار سنوياً على مستوى العالم. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 60 مليون شخص يعانون من الخرف حالياً، بينما تُسجل سنوياً قرابة 1.5 مليون حالة وفاة بسبب مضاعفاته، ما يجعل الوقاية المبكرة منه قضية صحية عالمية ملحّة.