logo
هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

الجزيرةمنذ 9 ساعات

كالغاري- أعلن رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني مؤخرًا عن تشكيل حكومته الجديدة، وسط توقعات مرتفعة بشأن قدرته على قيادة الاقتصاد الكندي نحو التعافي، وتحقيق النمو والاستقرار، في ظل أزمات سياسية واقتصادية عميقة يعاني منها تاسع أكبر اقتصاد في العالم.
وتترقب الأوساط الشعبية، ولا سيما بين المهاجرين الجدد، قدرة كارني على مواجهة هذه الأزمات وتحقيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية.
وبعد إعلان تشكيلته الوزارية، أوضح كارني أن حكومته تستند إلى فريق أساسي مكلّف بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا الفريق يعمل على تنفيذ التغيير الذي يتطلع إليه الكنديون ويستحقونه، مع التزامه بطرح أفكار جديدة، وجذب الاستثمارات، وبناء اقتصاد مرن قادر على الصمود أمام الصدمات المستقبلية.
رجل إدارة الأزمات
وفي ما يتعلق بقدرة كارني على إنقاذ الاقتصاد الكندي، يرى الدكتور عاطف قبرصي، أستاذ الاقتصاد في جامعة مكماستر، أن كارني يمتلك سجلًا حافلًا في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ويملك دراية عميقة بمقومات الاقتصاد الكندي واحتياجاته، إضافة إلى شبكة علاقات واسعة مع الدول الأوروبية وغيرها، وهو ما يُعزز قدرته على تطوير علاقات تجارية خارجية تفيد الاقتصاد الكندي.
لكن قبرصي نبّه، في تصريحاته للجزيرة نت، إلى أن فتح أسواق جديدة ليس مهمة سهلة، بل يتطلب موارد ضخمة، خاصة وأن كندا تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية لهذا التوسع التجاري.
كما أشار إلى التحديات الداخلية، وخصوصًا النزعات الانفصالية المتزايدة في مقاطعتي ألبرتا وكيبيك، التي ستشكل تحديًا سياسيًا إضافيًا لكارني.
وكان كارني قد أعلن في أكثر من مناسبة عزمه على إزالة الحواجز التجارية بين المقاطعات، والحد من الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، وتعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن "العلاقة التقليدية بين كندا والولايات المتحدة قد انتهت"، حسب تعبيره.
وفرضت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تعريفات جمركية بلغت 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات الكندية، مما يُنذر بانخفاض صادرات كندا بنحو 15% بحلول عام 2026، بحسب تقديرات معهد "فريزر" الكندي. وقد يؤدي هذا الانخفاض إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق الكندية.
دعم مشروط من الخبراء
من جانبه، أيّد مدين سلمان، مستشار الأمن المالي، ما ذهب إليه قبرصي، مشيرًا إلى أن كارني، بصفته محافظًا سابقًا لبنك كندا ثم بنك إنجلترا، يمتلك خبرة مالية واسعة تؤهله لإدارة هذه المرحلة الحرجة.
بيد أن سلمان شدد، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، على أن كارني لا يملك "عصًا سحرية" لحل التحديات المتراكمة، وأن نجاحه يعتمد بشكل أساسي على تعاون البرلمان الفدرالي والأحزاب السياسية، لتخطي الإرث الثقيل الذي خلفته حكومة جاستن ترودو.
وتواجه كندا حزمة من التحديات الداخلية، أبرزها ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء السكن، و تضخم الأسعار، وهي أزمات أسهمت بشكل مباشر في تراجع شعبية الحكومة السابقة، وفاقمت مشاعر الغضب الشعبي، مما يضع مسؤوليات جسيمة على عاتق حكومة كارني الجديدة، التي وعدت باستثمارات ضخمة في قطاع الإسكان، وخفض الإنفاق العام.
تهدئة التوترات الداخلية
وفيما يخص أولويات الحكومة الجديدة، شدد سلمان على ضرورة إعطاء الأولوية لحل الخلافات بين المقاطعات الكندية، وتقريب وجهات النظر، وإزالة القيود المفروضة على التجارة الداخلية، بالإضافة إلى أهمية تنفيذ مشاريع كبرى، مثل إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز بين ألبرتا وساسكاتشوان والساحلين الغربي والشرقي.
كما أوصى بتنويع مصادر الاقتصاد، والتوسع في مجالات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، داعيًا في الوقت ذاته إلى مراجعة بعض القوانين البيئية التي يرى أنها تعيق استغلال موارد البلاد بكفاءة.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن الشعب الكندي اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى، بسبب التهديدات الأميركية بضم كندا اقتصاديًا، وتصاعد وتيرة فرض الرسوم الجمركية، معتبرًا أن نتائج الانتخابات الفدرالية الأخيرة تعكس هذا التماسك.
ورأى الغزالي أن كارني قادر على مواجهة التحديات، لما يمتلكه من خبرات اقتصادية، وحنكة سياسية مكّنته من استقطاب الناخبين، مستفيدًا من التخبط الأميركي في السياسات التجارية، واعدًا بتقوية علاقات كندا مع الاتحاد الأوروبي، والصين، وأسواق جديدة.
انتقادات لرؤيته الاقتصادية
من جهة أخرى، قدّم خبير الخدمات المالية والرهن العقاري، أحمد جاد الله، رؤية نقدية لمقاربة كارني، واعتبر أن خططه شديدة الطموح وتفتقر إلى الواقعية، وتشبه إلى حد كبير مقاربات رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو.
وأشار جاد الله، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إلى أن حل أزمة السكن لا يمكن أن يبدأ بإعلان نية بناء وحدات سكنية جديدة، بل يتطلب أولًا معالجة مشاكل أساسية، مثل نقص العمالة، وارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة الضرائب، وتعقيدات تراخيص البناء، والبيروقراطية المصاحبة لها.
وأوضح جاد الله أن رؤية كارني لتنويع الشراكات التجارية تفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة، وفريق عمل متخصص للترويج للمنتج الكندي في الخارج، كما أنها لا تتضمن آلية فعالة لتفعيل دور الملحقيات التجارية في السفارات، من أجل تقليل التبعية للسوق الأميركي.
إعلان
وأشار إلى غياب حوافز ملموسة لدعم المصنعين والمصدّرين، أو لجذب الكفاءات من الخارج، الأمر الذي قد يعزز من تسرب العقول إلى الولايات المتحدة.
ووصف جاد الله رؤية كارني الاقتصادية بأنها "مَركبَة رياضية أنيقة، لكنها بلا عجلات"، موضحًا أن كارني، رغم مكانته الكبيرة في الأوساط المالية ودوره في احتواء أزمة 2008-2009، لا يملك الأدوات الكافية لإحداث تغيير نوعي في الوضع الراهن، خصوصًا أن المؤشرات الاقتصادية الحالية لا تبعث على التفاؤل.
أرقام وتوقعات
وبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى كندا بلغت في النصف الأول من عام 2024 نحو 28.2 مليار دولار أميركي، مقارنة بـ25.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023.
ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو خلال عام 2025 بمعدل يتراوح بين 3% و5%، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة.
انتظار شعبي مشوب بالحذر
وفي المحصلة، يبدو أن الكنديين والمهاجرين الجدد يترقبون أداء حكومة مارك كارني في ظل ظروف استثنائية وتحديات غير مسبوقة.
ورغم الإجماع النسبي على خبرته وقدراته القيادية، فإن تحقيق النجاح يتوقف على تهدئة التوترات الداخلية، والقدرة على التعامل مع الضغوط الأميركية، وبناء تحالفات إستراتيجية دولية.
وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان كارني سيحول وعوده إلى واقع ملموس، أم أن حجم التحديات سيتجاوز قدراته وطموحاته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رئيس الوزراء الفرنسي: التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية لن يتوقف
رئيس الوزراء الفرنسي: التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية لن يتوقف

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

رئيس الوزراء الفرنسي: التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية لن يتوقف

أكد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو اليوم الثلاثاء أن التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية، كما تنوي فرنسا و المملكة المتحدة و كندا ، "لن يتوقف"، في أعقاب تلويح تلك الدول باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل إذا لم توقف حربها المدمرة على قطاع غزة. وقال بايرو أمام الجمعية الوطنية خلال جلسة أسئلة الحكومة "للمرة الأولى، قررت 3 دول كبرى أنها ستعترض معا على ما يحدث" في غزة و"أن تعترف معا بدولة فلسطين، وهذا التحرك الذي انطلق لن يتوقف". وجاء كلامه في معرض رده على زعيمة كتلة حزب "فرنسا الأبية" ماتيلد بانو التي سألته عما إذا كان ينوي "الاعتراف بدولة فلسطين بعدما لم يبق هناك من فلسطينيين". وأضاف رئيس الحكومة الفرنسي الذي يؤيد حل الدولتين"هذه الإدانة، وهذه التحذيرات المتكررة واضحة تماما في وجهتها وواجبة علينا". وأشار بايرو إلى أن هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 هو الصاعق الذي تسبب بهذا الانفجار ومآسيه. وكان قادة فرنسا والمملكة المتحدة وكندا حذروا أمس الاثنين من أنهم "لن يقفوا مكتوفي الأيدي" في مواجهة "الأفعال الشائنة" التي ترتكبها حكومة بنيامين نتنياهو في غزة، مهددين باتخاذ إجراءات ملموسة إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري ولم تسمح بدخول المساعدات الإنسانية. وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، في وقت سابق في حديث إذاعي، أن باريس عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين، مؤكدا أن ذلك "يصب في مصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء". وأضاف بارو "لا يمكننا أن نترك لأطفال غزة إرثا من العنف والكراهية، لذلك يجب أن يتوقف كل هذا، ولهذا السبب نحن عازمون على الاعتراف بدولة فلسطين". وأكد وزير خارجية فرنسا أن بلاده تدعم مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وذلك للتحقق مما إذا كانت إسرائيل تحترم التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان. وشدد على أن الوضع في غزة "لا يحتمل لأن العنف الأعمى ومنع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية حوَّل غزة إلى مكان يحتضر فيه الناس، حتى لا نقول إلى مقبرة". ووصف هذه الممارسات بأنها انتهاك بالمطلق لكل قواعد القانون الدولي، "وهذا يتعارض مع أمن إسرائيل الذي تحرص عليه فرنسا، لأن من يزرع العنف يحصد العنف". وكرر الوزير الفرنسي دعوة إسرائيل إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية "بكميات كبيرة" ومن "دون عوائق"، في حين قال رئيس الحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسل إن الحزب "سيستقبل وفدا كبيرا من منظمة التحرير الفلسطينية في الرابع من يونيو/حزيران لإطلاق حملة أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين".

مؤسس "بلومبيرغ الإعلامية": قطر نموذج اقتصادي رائد
مؤسس "بلومبيرغ الإعلامية": قطر نموذج اقتصادي رائد

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

مؤسس "بلومبيرغ الإعلامية": قطر نموذج اقتصادي رائد

وصف مؤسس مجموعة بلومبيرغ الإعلامية، مايكل بلومبيرغ، قطر بأنها "نموذج اقتصادي رائد وقوة إيجابية للاستقرار والسلام ولديها رؤية استشرافية للمستقبل". وقال ضمن فعاليات منتدى قطر الاقتصادي إن قطر تمثل قوة إيجابية للاستقرار والتفكير على المدى البعيد، بما في ذلك رؤيتها الاستشرافية في مجال الطاقة، مشيرا إلى أن دولة قطر"من الأوائل في تصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم وتستثمر المليارات في الطاقة المتجددة داخل الدولة وخارجها، وهذه الريادة الاقتصادية والنظرة الاستشرافية يجب أن تكون مصدر إلهام للدول الأخرى". وأشاد مؤسس مجموعة بلومبيرغ الإعلامية بدور قطر ودبلوماسيتها النشطة لحل النزاعات وتسوية الخلافات، وقال "ثمة عمل دبلوماسي يجري هنا قد لا يراه الناس، من خلاله تبذل قطر مساعيها لمساعدة الأطراف المتنازعة على التواصل والحوار وهو ما يسهم في جعل العالم مكانا أفضل". ونوّه بلومبيرغ بالشراكة بين دولة قطر ومجموعة بلومبيرغ الإعلامية في تنظيم منتدى قطر الاقتصادي الذي يجمع هذا العام نحو 2500 مشارك من دول مختلفة من أنحاء العالم. وأشار إلى أن المنتدى يعقد في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات اقتصادية وانعداما للاستقرار الذي يؤدي إلى تقلبات في الأسواق، فضلا عن تداعيات الحرب التجارية العالمية وانعدام اليقين، بالإضافة إلى الصراعات العسكرية المستمرة وتداعيات الأزمة المناخية التي تزداد كلفتها يوميا. ويشهد منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع بلومبيرغ، الذي يعقد هذا العام تحت شعار "الطريق إلى 2030: تحويل الاقتصاد العالمي"، مشاركة عالمية واسعة لتبادل الرؤى والأفكار حول أبرز القضايا الاقتصادية الراهنة على المستويين العالمي والإقليمي وأبرزها: الجغرافيا السياسية، والعولمة والتجارة، وأمن الطاقة، والتطورات التكنولوجية، وآفاق الأعمال والاستثمار، بالإضافة إلى الرياضة والترفيه. تعاون تركي قطري أكد وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك ترحيب بلاده بالاستثمارات القطرية في القطاعات كافة، مشددا على أهمية التعاون بين الجانبين من خلال إنشاء مشاريع مشتركة سواء في قطر أو تركيا أو وجهات خارجية مثل أفريقيا وشرق آسيا وغيرها من الأسواق الناشئة. جاء ذلك خلال اجتماع عقده اليوم مع عضو مجلس إدارة غرفة قطر ، المهندس علي بن عبد اللطيف المسند. واستعرض الجانبان سبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات التجارية والاقتصادية، ومناخ الاستثمار والفرص المتاحة، وإمكانية إقامة تحالفات تجارية بين الشركات القطرية والتركية. وشارك شيمشك في جلسة ضمن منتدى قطر الاقتصادي حملت عنوان "خارطة النمو العالمية: كيف يرى وزراء المالية والاقتصاد مستقبل الاقتصاد العالمي؟". التبادل التجاري وأوضح المسند أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 4.18 مليارات ريال (1.14 مليار دولار) في عام 2024، من بينها صادرات قطرية بقيمة 1.5 مليار ريال (410.57 ملايين دولار) وواردات من تركيا بقيمة 2.6 مليار ريال (711.66 مليون دولار). ولفت إلى وجود أكثر من 140 شركة تركية تستثمر في السوق القطرية منها 16 شركة برأس مال تركي 100%، وباقي الشركات تستثمر بشراكة مع شركات قطرية في قطاعات مختلفة. وأعرب عن تطلع غرفة قطر إلى أن يستفيد القطاع الخاص من الفرص والمبادرات المتاحة بين الطرفين لتحقيق مزيد من التطور والنمو في التعاون والشراكة بين الشركات القطرية والتركية في سائر القطاعات.

هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟
هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

هل يستطيع مارك كارني إنقاذ الاقتصاد الكندي؟

كالغاري- أعلن رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني مؤخرًا عن تشكيل حكومته الجديدة، وسط توقعات مرتفعة بشأن قدرته على قيادة الاقتصاد الكندي نحو التعافي، وتحقيق النمو والاستقرار، في ظل أزمات سياسية واقتصادية عميقة يعاني منها تاسع أكبر اقتصاد في العالم. وتترقب الأوساط الشعبية، ولا سيما بين المهاجرين الجدد، قدرة كارني على مواجهة هذه الأزمات وتحقيق ما وعد به خلال حملته الانتخابية. وبعد إعلان تشكيلته الوزارية، أوضح كارني أن حكومته تستند إلى فريق أساسي مكلّف بإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا الفريق يعمل على تنفيذ التغيير الذي يتطلع إليه الكنديون ويستحقونه، مع التزامه بطرح أفكار جديدة، وجذب الاستثمارات، وبناء اقتصاد مرن قادر على الصمود أمام الصدمات المستقبلية. رجل إدارة الأزمات وفي ما يتعلق بقدرة كارني على إنقاذ الاقتصاد الكندي، يرى الدكتور عاطف قبرصي، أستاذ الاقتصاد في جامعة مكماستر، أن كارني يمتلك سجلًا حافلًا في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ويملك دراية عميقة بمقومات الاقتصاد الكندي واحتياجاته، إضافة إلى شبكة علاقات واسعة مع الدول الأوروبية وغيرها، وهو ما يُعزز قدرته على تطوير علاقات تجارية خارجية تفيد الاقتصاد الكندي. لكن قبرصي نبّه، في تصريحاته للجزيرة نت، إلى أن فتح أسواق جديدة ليس مهمة سهلة، بل يتطلب موارد ضخمة، خاصة وأن كندا تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية لهذا التوسع التجاري. كما أشار إلى التحديات الداخلية، وخصوصًا النزعات الانفصالية المتزايدة في مقاطعتي ألبرتا وكيبيك، التي ستشكل تحديًا سياسيًا إضافيًا لكارني. وكان كارني قد أعلن في أكثر من مناسبة عزمه على إزالة الحواجز التجارية بين المقاطعات، والحد من الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة، وتعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن "العلاقة التقليدية بين كندا والولايات المتحدة قد انتهت"، حسب تعبيره. وفرضت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة تعريفات جمركية بلغت 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات الكندية، مما يُنذر بانخفاض صادرات كندا بنحو 15% بحلول عام 2026، بحسب تقديرات معهد "فريزر" الكندي. وقد يؤدي هذا الانخفاض إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق الكندية. دعم مشروط من الخبراء من جانبه، أيّد مدين سلمان، مستشار الأمن المالي، ما ذهب إليه قبرصي، مشيرًا إلى أن كارني، بصفته محافظًا سابقًا لبنك كندا ثم بنك إنجلترا، يمتلك خبرة مالية واسعة تؤهله لإدارة هذه المرحلة الحرجة. بيد أن سلمان شدد، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، على أن كارني لا يملك "عصًا سحرية" لحل التحديات المتراكمة، وأن نجاحه يعتمد بشكل أساسي على تعاون البرلمان الفدرالي والأحزاب السياسية، لتخطي الإرث الثقيل الذي خلفته حكومة جاستن ترودو. وتواجه كندا حزمة من التحديات الداخلية، أبرزها ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء السكن، و تضخم الأسعار، وهي أزمات أسهمت بشكل مباشر في تراجع شعبية الحكومة السابقة، وفاقمت مشاعر الغضب الشعبي، مما يضع مسؤوليات جسيمة على عاتق حكومة كارني الجديدة، التي وعدت باستثمارات ضخمة في قطاع الإسكان، وخفض الإنفاق العام. تهدئة التوترات الداخلية وفيما يخص أولويات الحكومة الجديدة، شدد سلمان على ضرورة إعطاء الأولوية لحل الخلافات بين المقاطعات الكندية، وتقريب وجهات النظر، وإزالة القيود المفروضة على التجارة الداخلية، بالإضافة إلى أهمية تنفيذ مشاريع كبرى، مثل إنشاء خط أنابيب لنقل النفط والغاز بين ألبرتا وساسكاتشوان والساحلين الغربي والشرقي. كما أوصى بتنويع مصادر الاقتصاد، والتوسع في مجالات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، داعيًا في الوقت ذاته إلى مراجعة بعض القوانين البيئية التي يرى أنها تعيق استغلال موارد البلاد بكفاءة. بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور زياد الغزالي، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن الشعب الكندي اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى، بسبب التهديدات الأميركية بضم كندا اقتصاديًا، وتصاعد وتيرة فرض الرسوم الجمركية، معتبرًا أن نتائج الانتخابات الفدرالية الأخيرة تعكس هذا التماسك. ورأى الغزالي أن كارني قادر على مواجهة التحديات، لما يمتلكه من خبرات اقتصادية، وحنكة سياسية مكّنته من استقطاب الناخبين، مستفيدًا من التخبط الأميركي في السياسات التجارية، واعدًا بتقوية علاقات كندا مع الاتحاد الأوروبي، والصين، وأسواق جديدة. انتقادات لرؤيته الاقتصادية من جهة أخرى، قدّم خبير الخدمات المالية والرهن العقاري، أحمد جاد الله، رؤية نقدية لمقاربة كارني، واعتبر أن خططه شديدة الطموح وتفتقر إلى الواقعية، وتشبه إلى حد كبير مقاربات رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو. وأشار جاد الله، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، إلى أن حل أزمة السكن لا يمكن أن يبدأ بإعلان نية بناء وحدات سكنية جديدة، بل يتطلب أولًا معالجة مشاكل أساسية، مثل نقص العمالة، وارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة الضرائب، وتعقيدات تراخيص البناء، والبيروقراطية المصاحبة لها. وأوضح جاد الله أن رؤية كارني لتنويع الشراكات التجارية تفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة، وفريق عمل متخصص للترويج للمنتج الكندي في الخارج، كما أنها لا تتضمن آلية فعالة لتفعيل دور الملحقيات التجارية في السفارات، من أجل تقليل التبعية للسوق الأميركي. إعلان وأشار إلى غياب حوافز ملموسة لدعم المصنعين والمصدّرين، أو لجذب الكفاءات من الخارج، الأمر الذي قد يعزز من تسرب العقول إلى الولايات المتحدة. ووصف جاد الله رؤية كارني الاقتصادية بأنها "مَركبَة رياضية أنيقة، لكنها بلا عجلات"، موضحًا أن كارني، رغم مكانته الكبيرة في الأوساط المالية ودوره في احتواء أزمة 2008-2009، لا يملك الأدوات الكافية لإحداث تغيير نوعي في الوضع الراهن، خصوصًا أن المؤشرات الاقتصادية الحالية لا تبعث على التفاؤل. أرقام وتوقعات وبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى كندا بلغت في النصف الأول من عام 2024 نحو 28.2 مليار دولار أميركي، مقارنة بـ25.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023. ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو خلال عام 2025 بمعدل يتراوح بين 3% و5%، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة النظيفة. انتظار شعبي مشوب بالحذر وفي المحصلة، يبدو أن الكنديين والمهاجرين الجدد يترقبون أداء حكومة مارك كارني في ظل ظروف استثنائية وتحديات غير مسبوقة. ورغم الإجماع النسبي على خبرته وقدراته القيادية، فإن تحقيق النجاح يتوقف على تهدئة التوترات الداخلية، والقدرة على التعامل مع الضغوط الأميركية، وبناء تحالفات إستراتيجية دولية. وستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان كارني سيحول وعوده إلى واقع ملموس، أم أن حجم التحديات سيتجاوز قدراته وطموحاته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store