logo
الشرق الأوسط على شفير التحوّل: لبنان بين الانكشاف والصمود

الشرق الأوسط على شفير التحوّل: لبنان بين الانكشاف والصمود

المردةمنذ 4 ساعات

تتشكل خرائط جديدة في الإقليم، وتتراجع أخرى كانت ثابتة لعقود. ليس في السياسة شيء دائم، لكن ما يجري اليوم في الشرق الأوسط لا يُقاس بالمواسم السياسية العابرة، بل بالزلازل الجيوسياسية التي تُعيد صياغة موازين القوة، وتفرز محاور، وتُسقط أخرى. في قلب هذا المشهد المتحرك، يقف لبنان كعادته، وسط العاصفة، لا يملك ترف الحياد، ولا رفاهية العزلة.
الولايات المتحدة لم تغادر المنطقة رسميًا، لكنها تراجعت فعليًا. منذ عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام 2025، تسير واشنطن في مسار مختلف: لا حروب جديدة، ولا التزامات ثقيلة، بل تحالفات تجارية، وصفقات نفطية، وإعادة توزيع للأولويات نحو المحيط الهادئ. في هذا السياق، تحوّل الشرق الأوسط إلى ساحة 'إدارة مصالح' بدل 'مشروع نفوذ'، وهو ما فتح الباب أمام قوى إقليمية أخرى لتوسيع أدوارها.
إسرائيل، شهدت فترة ولاية دونالد ترامب الثانية بداية عام 2025 تحولًا جذريًا في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، حيث برز توجه جديد يضع المصالح الاقتصادية في المقام الأول على حساب التحالفات التقليدية، بما في ذلك العلاقة مع إسرائيل. رغم الدعم العسكري الضخم لإسرائيل، شهدت العلاقة بين الطرفين توترًا ملحوظًا بسبب قرارات أميركية تركز على صفقات النفط والتجارة مع دول إقليمية أخرى، مثل السعودية وقطر، دون التنسيق الكامل مع تل أبيب. هذا النهج أدى إلى إحباط في الأوساط الإسرائيلية التي شعرت بتراجع الدعم السياسي في بعض الملفات الحساسة، كالتعامل مع إيران والتوسع الاستيطاني، ما دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الإقليمية في ظل سياسة أميركية باتت تُدار بمنطق 'المصلحة أولاً' وليس الحليف أولًا.
إيران، على الرغم من العقوبات والضغوط، لا تزال لاعبًا أساسيًا في هذا التحول. ففي العراق، رسّخت طهران نفوذها من خلال دعم حكومة ائتلافية قوية منذ منتصف 2024، بينما استمرت فصائل الحشد الشعبي في تعزيز قدراتها، وهدنة أميركا مع الحوثيين كان لها أثر ايجابي على مستقبل دور إيران في المنطقة، وكذلك صمود حزب الله في لبنان بوجه العدوان الإسرائيلي الأخير وعدم قدرتها على تفيكه والقضاء عليه بالرغم من الضربات غير المسبوقة التي تعرض لها، أيضا تعطي إيران دون شك ورقة قوة إضافية.
أما تركيا، فقد دخلت هي الأخرى مرحلة جديدة من الدور الإقليمي، خاصة بعد نجاح الانتخابات الرئاسية في مايو 2023، والتي منحت الرئيس رجب طيب أردوغان تفويضًا أقوى لإعادة هندسة السياسة الخارجية. انخرطت أنقرة في عمق المشهد العراقي، ووسعت وجودها العسكري شمال الموصل، كما أطلقت مبادرة جديدة للحوار مع طهران، وطرحت نفسها كضامن مشترك في معادلات غزة ولبنان. تركيا لم تعد تكتفي بدورها كتوازن بين الغرب والشرق، بل باتت تسعى لتشكيل قطب ثالث قادر على التفاوض من موقع القوة.
في هذا المناخ المتحرك، يبدو لبنان مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى. منذ نوفمبر 2022، والأزمة المالية التي التهمت أكثر من 90% من القدرة الشرائية للبنانيين، تعيش الدولة حالة شللًا تامًّا. ومع توقف الدعم الخليجي، وتراجع الانخراط الغربي، باتت بيروت في عين العاصفة بلا مظلة.
على الرغم من كل المتغيرات والتحولات الإقليمية، بقيت المقاومة في لبنان حجر الزاوية في معادلة التوازن الإقليمي. حزب الله وجناحاته العسكرية والسياسية استطاعوا الحفاظ على قوتهم التنظيمية والقتالية، مع تطوير قدراتهم الدفاعية والهجومية في مواجهة التحديات المتجددة. فقد برزت المقاومة خلال التصعيدات الأخيرة في الجنوب، وخاصة في مواجهات عدة مع إسرائيل، كقوة قادرة على الحفاظ على الاستقرار النسبي رغم الضغوط الدولية والإقليمية. كذلك، استمرت في تعزيز تحالفاتها مع القوى المقاومة في العراق وفلسطين واليمن، مما يعكس قدرتها على التكيف مع المشهد الجديد، والحفاظ على دورها المركزي كحامٍ للمقاومة والمشروع الوطني في وجه محاولات الإضعاف والتطبيع. هذا الحضور يؤكد أن المقاومة ليست مجرد قوة مسلحة، بل مشروع سياسي واجتماعي لا تزال تمثل خيارًا حيويًا لدى قطاعات واسعة من الشعب اللبناني.
هذا الحضور العسكري يتكامل مع بنية سياسية تعبّر عنها قوى متحالفة داخل البرلمان، ورصيد اجتماعي لا يزال قائمًا في البيئة المقاومة، رغم الأزمة الاقتصادية؛ فبحسب استطلاع أجراه 'مركز الدراسات الوطنية' في مارس 2025، فإن 61% من سكان الجنوب والبقاع لا يزالون يعتبرون أن سلاح المقاومة 'ضرورة في مواجهة إسرائيل'، مقابل 27% فقط يطالبون بتجريده دون ضمانات، وظهر ذلك جلياً من خلال الانتخابات المحلية في البقاع وتسونامي الجنوب، حيث فازت ٩٥ بلدية و ٧٧ مختاراً بالتزكية في محافظتي النبطية ولبنان الجنوبي،
لكن الأزمة لا تقتصر على المقاومة. القوى السيادية تعاني من انكشاف مماثل. مع تراجع الدعم الغربي، لم تعد تمتلك قدرة التفاوض أو التأثير، بل باتت أسيرة رهانات خارجية لم تعد قائمة. تيارات كانت تراهن على تدخل دولي أو مبادرة فرنسية أو غطاء خليجي، وجدت نفسها فجأة في العراء، تتنازع المواقف، دون مشروع جامع أو قدرة على الفعل.
هكذا، يعود السؤال الجوهري إلى الواجهة: من يحمي لبنان؟ هل المشروع هو بناء دولة تعتمد على ميزان قوى خارجي متبدل، أم إعادة إنتاج دولة مقاومة، تنبع من قدراتها الذاتية وتحالفاتها الحقيقية؟ في زمن الخرائط المتبدلة، لا مكان للفراغ، ولا مكان للضعفاء. وحدهم الذين يملكون رؤية متماسكة، وقدرة على الفعل، يستطيعون فرض وجودهم في معادلة لا تعرف الانتظار.
لبنان لا يحتاج إلى وهم الحياد، بل إلى وضوح التموضع. فالمعركة اليوم لم تعد بين محورين فقط، بل بين من يملك قراره وبين من ينتظر أن تُكتب له الأدوار من الخارج. وفي هذا الشرق، من لا يكون فاعلًا يُصبح مفعولاً به… أو خارج المعادلة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقويض وحدة "الناتو"... إسبانيا آخر الرافضين لرفع نسبة الإنفاق العسكري إلى 5%
تقويض وحدة "الناتو"... إسبانيا آخر الرافضين لرفع نسبة الإنفاق العسكري إلى 5%

الديار

timeمنذ ساعة واحدة

  • الديار

تقويض وحدة "الناتو"... إسبانيا آخر الرافضين لرفع نسبة الإنفاق العسكري إلى 5%

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب بقيت إسبانيا آخر الدول الرافضة لخطة "الناتو"، التي تقضي برفع نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي إلى 5%، والتي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال أربعة مسؤولين مطلعين على الاستعدادات، إنّ مدريد تتعرّض لضغوط للالتزام بهذا الهدف وتمكين "الناتو" من الإعلان عن وفاء جميع أعضائه بهذا التعهّد في اجتماع لوزراء دفاعه في بروكسل في 5 حزيران. ويبذل الدبلوماسيون جهوداً حثيثة لتأمين دعم إجماعي من "الناتو" قبل قمة قادة الحلف في لاهاي في 24 حزيران، حيث يأمل الكثيرون أن يقبل ترامب بوعود زيادة الإنفاق ويؤكّد الضمانات الأمنية الأميركية لأوروبا. بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إنه "حثّ إسبانيا على الانضمام إلى حلفائها في تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع"، وذلك بعد لقائه وزير الخارجية الإسباني في واشنطن هذا الأسبوع. كما قال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، بعد اللقاء، إنه تبادل الآراء مع روبيو، حيث عبّر كلاهما عن آرائه بوضوح تامّ، ولفت ألباريس إلى أنه أصرّ على أن الوصول إلى نسبة 2% يتطلّب "جهداً هائلاً"، وأنّ "النقاش الحالي يجب أن يركّز على القدرات". ولم تؤكّد إسبانيا، بعد، دعمها لتعهّد الـ 5%، حسبما قال المسؤولون، مما قد يعيق صدور بيان بالإجماع، ويقوّض وحدة التحالف، ويُعقّد الاستعدادات لقمة لاهاي. مؤسس شركة "جيوبوليتيكال إنسايتس" (شركة استشارية مقرها مدريد)، برناردو نافازو، قال إنّ إسبانيا تدرك ضرورة إنفاق أكثر من 2% على الدفاع، لكنها اضطرّت إلى كسب الوقت "للعمل على خطاب عامّ مصاحب، لأننا كدولة ننتمي إلى تقاليد أكثر سلمية ومعادية للعسكرة". ولكن، نافازو، يرى أنّ الهدف الأميركي "غير واقعي"، مضيفاً: "بالنسبة لدول مثل إسبانيا وإيطاليا، سيكون من الصعب للغاية حثّ شعوبها على دعم نسبة 5%، في سياق لا يشعر فيه الناس بأيّ تهديد وشيك، حتى لو أعلن قادتها أنهم جزء من الاتحاد الأوروبي، وأنّ الاتحاد يواجه تهديداً أمنياً من روسيا". وكان ترامب قد طالب دول "الناتو" بالوصول إلى نسبة 5% وإلا ستخاطر بفقدان الحماية الأميركية، في مسعى "لمعادلة" تكلفة الدفاع عن التحالف.

هذا جديد صفقة إطلاق باحثة إسرائيلية محتجزة في العراق
هذا جديد صفقة إطلاق باحثة إسرائيلية محتجزة في العراق

بيروت نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • بيروت نيوز

هذا جديد صفقة إطلاق باحثة إسرائيلية محتجزة في العراق

أفادت مصادر عراقية مطلعة 'العين الإخبارية' بأن مفاوضات إطلاق سراح باحثة إسرائيلية روسية محتجزة في العراق منذ 2023 وصلت إلى مرحلة متقدمة. وقالت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها لحساسية الملف إن المفاوضات التي تجري بوساطة أذربيجان تتضمن اتفاقًا يشمل الإفراج عن معتقل إيراني وستة آخرين محتجزين في العراق، كجزء من صفقة متكاملة يُجرى التفاوض بشأنها منذ أسابيع لإطلاق سراح الباحثة إليزابيث تسوركوف. وأشارت إلى أن المفاوضات بين الأطراف المعنية وصلت إلى مراحل متقدمة، وسط ضغوط دبلوماسية دولية متزايدة من جانب روسيا وإسرائيل لتأمين إطلاق سراح تسوركوف، التي جرى اختطافها في بغداد بعد دخولها العراق بجواز سفر روسي تحت غطاء أكاديمي. وقالت المصادر إن 'الخارجية العراقية استضافت خلال الأيام الماضية مباحثات سرية في مقرها ببغداد، بحضور مسؤول من جمهورية أذربيجان بشأن التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح إليزابيث تسوركوف'. وبحسب المصادر، فإن 'الباحثة الإسرائيلية الروسية موجودة بيد قوة خاصة من كتائب حزب الله العراق'. وأضافت المصادر أن 'كتائب حزب الله العراق طلبت من الخارجية العراقية الإفراج عن محمد رضا نوري، أحد عناصر قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري، المعتقل في 23 من آذار 2023'. وأكدت المصادر أن 'جولة جديدة من المحادثات سوف تُعقد في بغداد أو العاصمة الأذربيجانية باكو لمتابعة التوصل إلى صفقة بشأن الباحثة الإسرائيلية الروسية'، مبينةً أن 'المعتقلين في العراق متهمون بتنفيذ هجمات على المصالح الأمريكية، وأن عملية إطلاق سراحهم مقابل الإسرائيلية لن تتجاوز أسبوعًا إلى 10 أيام'. (العين الاخبارية)

التيار عن نائبة القوات: فقدت صوابها
التيار عن نائبة القوات: فقدت صوابها

بيروت نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • بيروت نيوز

التيار عن نائبة القوات: فقدت صوابها

نشر 'التيار الوطني الحر' عبر حسابه الرسمي على منصة 'إكس' البيان التالي: ]]> 'يبدو أن النائبة غادة أيوب فقدت صوابها مع إدراكها لفداحة وضع القوات الإنتخابي في جزين، فلم تجد وسيلة إلا إدخال فزاعة حزب الله إلى المدينة وإلصاقه بالتيار الوطني الحر للتخويف. إن ترسخ 'التيار' في جزين ووجدانها أمر لا تهزه لا اتهامات ولا ترهات لن تزيد 'التيار' إلا قوة وحضوراً، وهو يحمي جزين وأهلها من أي جهة تحاول وضع يدها على قرارها أياً كانت، أما الجهة التي تمثلها أيوب فهي من أتقنت بيع قرارها للخارج'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store