
التحذير من جدري القردة عند أعلى مستوى!
أعلنت منظّمة الصحّة العالمية الخميس أنّها قرّرت إبقاء حالة التأهّب القصوى من وباء "إمبوكس" مع ارتفاع عدد الإصابات والدول المتضرّرة.
وأوضحت منظّمة الصحّة العالمية في بيان عقب اجتماع لجنة الطوارئ في جنيف أنّها قرّرت الإبقاء على حالة التأهب القصوى "نظراً إلى الزيادة المستمرّة في عدد الإصابات والامتداد الجغرافي للمرض وأعمال العنف في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية التي تعيق الاستجابة، بالإضافة إلى نقص التمويل".
وحالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقاً دولياً هي أعلى مستويات التأهّب التي تصدرها منظّمة الصحة العالمية، ويعلن عنها المدير العام للمنظّمة بعد استشارة مجموعة من الخبراء الخارجيين. وصُنفت سلالة فرعية مختلفة من جدري القردة حالة طوارئ في 2022 و2023.
وذكر تقرير حديث لمنظّمة الصحّة العالمية أن النوع الجديد من جدري القردة، وهو السلالة الفرعية 1ب، لا يزال يؤثّر بشكل رئيسي على جمهورية الكونغو الديموقراطية، لكن أوغندا وبوروندي تأثّرتا بشكل كبير أيضاً. وظهرت حالات مرتبطة بالسفر في دول مثل تايلاند وبريطانيا.
ولفتت منظّمة الصحة العالمية إلى أنّه تم تأكيد أكثر من 21 ألف إصابة بالمرض عالمياً عن طريق الاختبارات المعملية منذ بداية 2024، بما في ذلك 70 حالة وفاة، معظمها في الكونغو.
وفي العام الماضي، كان هناك أيضاً أكثر من 50 ألف حالة يشتبه في إصابتها، وأكثر من ألف حالة وفاة. وكان تأكيد الحالات أمراً صعباً في المناطق ذات القدرات الأقل.
ويمكن لجدري القردة الانتقال عبر المخالطة. وقد يؤدّي المرض إلى الوفاة في حالات نادرة، لكن أعراضه عادة ما تكون معتدلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ يوم واحد
- النهار
منظّمة الصحّة تعتمد الاتفاق بشأن الجوائح
أقرّت جمعية الصحّة العالمية الثلاثاء في جنيف الاتفاق الدولي بشأن الوقاية من الجوائح والتأهّب والاستجابة لها، بعد 3 سنوات من المفاوضات الشاقّة. وقال المدير العام لمنظّمة الصحّة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في بيان "هذا الاتفاق انتصار للصحّة العامة والعلوم والعمل المتعدد الأطراف. وسيسمح لنا، على نحو جماعي، بحماية العالم بشكل أفضل من تهديدات مقبلة بجوائح". وأقرّ في تصريحات لوكالة "فرانس برس" بأن "اليوم يوم كبير... تاريخي". ويهدف الاتفاق إلى التأهّب بشكل أفضل للجوائح المقبلة وتعزيز سبل مكافحتها وهو أُعدّ في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي. وينصّ الاتفاق الذي أنجزت النسخة النهائية منه بالتوافق في 16 نيسان/أبريل على آلية تنسيق عالمية على نحو أبكر وأكثر فعالية في آن للوقاية والرصد والاستجابة لأيّ مخاطر قد تؤدّي إلى جائحة. ويقضي الهدف منه أيضاً بضمان الإنصاف في الحصول على المنتجات الصحية في حال حدوث جائحة. وقد شكت البلدان الأكثر فقراً منذ هذه المسألة خلال كوفيد-19 عندما احتكرت الدول الثرّية اللقاحات وفحوص التشخيص. ويعزّز الاتفاق أيضاً الترصّد المتعدّد القطاعات ونهج "صحّة واحدة" على صعيد البشر والحيوانات والبيئة. ويقيم خصوصاً آلية "لإتاحة مسبّبات المرض وتشارك المنافع"، من شأنها أن "تتيح تشاركاً سريعاً جدّاً ومنهجياً للمعلومات الخاصة ببروز مسببات للمرض قد تؤدّي إلى تفشّي جائحة"، بحسب ما أوضحت السفيرة الفرنسية للصحة آن-كلير أمبرو التي شاركت في إدارة المفاوضات الخاصة بالاتفاق بشأن الوقاية من الجوائح والتأهّب والاستجابة لها. وما زال ينبغي التفاوض على التفاصيل الدقيقة للآلية، على أمل اختتام المفاوضات في هذا الخصوص بحلول الجمعية المقبلة في أيار/مايو 2026. واعتمد القرار الخاص بالاتفاق في جلسة مساء الإثنين لإحدى لجنتي الجمعية بـ 124 صوتاً مؤيّداً. ولم تصوّت أيّ دولة ضدّه، في حين امتنعت دول مثل إسرائيل وإيران وروسيا وإيطاليا وبولندا عن التصويت. وكانت المفاوضات الآيلة إلى النسخة النهائية من النصّ شاقة وعلى وشك الانهيار أحياناً، لاسيّما في ظلّ الاقتطاعات المالية الشديدة التي تواجهها المنظّمة بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب منها وإحجامها عن دفع اشتراكات العامين 2024 و2025.

القناة الثالثة والعشرون
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- القناة الثالثة والعشرون
حقيقة اقتصادية بالأرقام... ارتفاع إيرادات التبغ يقابله "خسائر مالية"!
في بلدٍ لا يتجاوز ناتجه المحلّي السنويّ عتبةَ 20 مليار دولار، تُشبه كلفةُ الأمراض المرتبطة بالتبغ ثقبًا أسود يبتلع ما تبقّى من مواردٍ أنهكتها الأزمات الماليّة والنقديّة. فـ "دراسة الجدوى الاقتصاديّة للاستثمار في مكافحة التبغ"، التي أنجزتها وزارة الصحة العامّة بالتعاون مع منظّمة الصحّة العالمية وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي أواخر آذار الماضي، تقلب الموازين: إنّ التزمت الحكومة اللبنانيّة الحزمةَ الكاملة المكوّنة من ستّ سياسات تنصّ عليها الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، أمكن تجنّب خسائر تتجاوز 400 مليون دولار خلال خمسة عشر عامًا وإنقاذ 40 ألفَ إنسان، بكلفة تنفيذ لا تتجاوز عن 177 مليار ليرة. أي بلغة المال، تعني أن كلّ ألف ليرةٍ تُستثمر في هذه الإجراءات بعائد يقارب 86 ألف ليرة، وهو ربحٌ يبدو خياليًّا في اقتصادٍ يختنق بالديون وشحّ العملات الصعبة. لا تكتفي إدارة حصر التبغ بالتلاعب في الأرقام؛ إذ تنفذ عائداتها إلى شرايين الإنفاق الصحيّ مباشرةً. تنزف الخزينةُ سنويًّا ما يعادل 1.9 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي (نحو 140 مليون دولار) تُهدر بين نفقات استشفاء وخسائر إنتاجيّة وانكماشٍ تنمويّ. كلّ سيجارةٍ يشعلها مدخّنٌ لبناني تُطفئ جزءًا من نموّ الاقتصاد الوطنيّ وتشعل عدّادًا متصاعدًا لكلفةٍ صحّيةٍ لا طاقة للبلاد على تحمّلها، فيما لا تعود على الخزينة سوى بمردودٍ قليل عبر "إدارة حصر التبغ والتنباك" قبل أن ّتتبدّد في فاتورة دواءٍ تُسعَّر بالدولار الفريش. أي كلّ ما تجنيه المؤسّسة من بيع علبٍ رخيصة يُدفع مقابله أضعافٌ لعلاج سرطاناتٍ وأمراض قلبٍ وانسداد رئويّ مزمن، أمراضٌ يُفاقمها التلوّث في بلدٍ صُنِّف بين الأعلى تلوّثًا في المتوسّط. إذًا تفتح هذه الدراسة ملفًّا ماليًّا ثقيلًا: كم ندفع لاحتواء أمراضٍ يمكن تجنّبها بسياسةٍ ضريبيةٍ صارمة وضبطٍ جدّي للتلوّث؟ وما الذي يتبقّى من "ذهب الريجي" بعد اقتطاع ثمن الدخان والهواء السامّ؟ أرباح "الريجي" المضلِّلة تتباهى الدولة سنويًّا بإيرادات "الريجي". فالمؤسّسة التي تحتفل بعيدها التسعين أعلنت أن أرباح عام 2022 المحوَّلة إلى الخزينة بلغت 93 مليون دولار، فيما قُدّر أن حصة الخزينة من 2023 تقارب 270 مليون دولار. وفي مطلع 2025، تحدّث المدير العام، ناصيف سقلاوي، عن زيادة في المبيعات بنسبة 7 في المئة والإيرادات بنسبة 14 في المئة، رغم ظروف الحرب القاسيّة. لكن هذه الأرقام تحتاج إلى تفكيك: فهي تدمج الرسوم الجمركيّة، وضريبة القيمة المضافة، وربح "الريجي" الصافي، علمًا بأن المؤسّسة تشتري التبغ الخام من المزارعين وتمنح امتياز التصنيع لعلامات أجنبيّة محلّيًا. وبذلك يتّضح أنّ صافي الربح الحكومي يتبخّر أغلبه في إنفاقٍ صحّي فريش ومستشفياتٍ تُسعّر خدماتها بسعر السوق الموازي. تاريخيًّا، اضطلعت "الريجي" بدورٍ مزدوج: تقييد زراعة التبغ كـ"محصول بديل" في الأرياف وحماية المزارعين من انهيار الأسعار العالميّة؛ وتمويل الخزينة برسومٍ تُسعِّرها هي نفسها. لكن حين تكون الشركة حكوميّة والضرّر صحيًّا وماليًّا عابرًا للوزارات، يصبح تضارب المصالح علنيًّا: وزارة الماليّة بحاجة لعائدٍ سريع، ووزارة الصحّة تنزف على المدى الطويل. ضرائب منخفضة منذ إقرار القانون 174 في 2011 بدا لبنان طليعيًّا: حظرٌ للتدخين في الأماكن المغلقة، تحذيرات نصّيّة، ووعودٌ بصورٍ صادمة وتغليفٍ موحَّد. لكنّ التنفيذ تراجع بعد أشهر قليلة، ولا تزال الفنادق تخصّص 20 في المئة من الغرف للمدخّنين، ولا تُفرَض غرامات فعليّة في المطاعم والحانات. وزارة الصحّة نفسها لم تُعلَن وزارةً خالية من التدخين إلّا عام 2019. كما ويفرض لبنان واحدةً من أدنى ضرائب السجائر في المنطقة: لا تتجاوز حصّةُ الضرائب 9.9 في المئة من سعر التجزئة لأشهرِ ماركة — أي أقلّ بسبع مرّات من الحدّ الأدنى العالمي الموصى به 70 إلى 80 في المئة. ومع انتشار التدخين في لبنان، وعلبٍ تُباع بدولار واحد، يصبح السوقُ أرضًا خصبة لأمراضٍ يمكن كبحُها بإجراءٍ تشريعيّ واحد: رفع السعر. فعلى سبيل المثال لا الحصر: بعد أنّ رفعت مصرُ الضريبةَ إلى 70 في المئة من سعر البيع في العام 2020، زادت الإيرادات 14 في المئة سنويًّا وانخفض الاستهلاك 3 في المئة، بينما يُظهر البنك الدولي أنّ كلّ زيادةٍ حقيقيةٍ بنسبة 10 في المئة في السعر تُقلّص الاستهلاك بين 4و6 في المئة وتزيد حصيلة الضرائب. وبحسابٍ سريع في حال فرض ضرائب إضافيّة، فكلّ علبة تباع اليوم بــ 80 ألف ليرة يمكن أن تقفز إلى ما يزيد على 250 ألفًا إذا طُبِّق معيار الـ 75 في المئة، في حين تُظهر المحاكاة الاقتصاديّة أنّ الزيادة ستقلّل الاستهلاك لدى ذوي الدخل المحدود(حيث المرونة السعريّة أعلى) وترفع إيرادات الدولة وتكبح الفاتورة الصحيّة في آنٍ واحد. أسطورة العبء على الفقراء في المقابل، قد يُجادل البعض بأنّ ضرائب على التبغ قد تثقل كاهل المدخنين من الفئات الفقيرة وتخلق شرخًا طبقيًّا بين المستهلكين، لكنّ واقع التضخّم اللبناني (أكثر من 220 في المئة) يقلب الحجّة: أرخصُ علبة سجائر تعادل نحو 5 في المئة من الحدّ الأدنى للأجور المعدّل. رفعُ السعر سيقنع الأسرَ الفقيرة بخفض الاستهلاك أو الإقلاع، فيما يواصل الميسورون التدخين ويساهمون بضرائب أعلى. ولأنّ السرطان والعجز المبكر يتركّزان في الأحياء الشعبيّة المكتظّة بالمولّدات، فإنّ تقليل المرض يخفّف عبئًا صحّيًا وماليًّا عن الفئات الأكثر هشاشة. وعليه يقترح التقرير المشترك بين منظّمة الصحّة العالمية وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي سيناريو بسيطًا: رفع الضريبة النوعية إلى 70 في المئة من سعر البيع، حظر الدعاية، فرض التغليف البسيط، وإنفاذ أماكنَ خالية من التدخين. تبلغ كلفةُ التطبيق 1.7 مليون دولار، بينما تتخطّى فوائده 400 مليون دولار خلال خمسةَ عشرَ عامًا — أي عائد يفوق 85 مرّة. أمّا الحجة القديمة بأنّ "التهريب سيزدهر"، فتردّ عليها الدراسة بالإشارة إلى بروتوكول القضاء على الاتجار غير المشروع الذي لم ينضمّ إليه لبنان بعد. التشدّد الجمركيّ وتقنية التتبّع والتعقّب (Track & Trace) خفّضا تهريب السجائر في تركيا من 15 في المئة إلى أقلّ من 5 في المئة خلال خمس سنوات—نسبة تكفي لسدّ أيّ فجوة محتملة في الدخل الضريبيّ. وعلى المدى الأبعد، يمكن تحويل "الريجي" من مُصنِّع سجائر إلى محصِّل ضرائب ومراقب للسوق، محتفظةً بدورها الاجتماعي في دعم 25 ألف مزارع بتسعيرٍ عادل للمحصول، بينما تكفّ عن التوسّع في خطوط إنتاج سجائر رخيصة وتتحوّل إلى حارسٍ اقتصادي وصحيّ: تجبي الرسوم، تكافح التهريب، وتحمي سياسةَ الدولة الصحّية من نفوذ الصناعة. حصيلةُ الخطة المتكاملة إذا اعتُمِدت الخطةُ بكاملها، تُنقَذ 2600 حياة سنويًّا، ويُخفَّض عددُ الوفيات المرتبطة بالتبغ (تجاوزت 9 آلاف في 2024 بمقدار ربع الوفيات الإجماليّة). وسيُخصَّص جزءٌ من الإيرادات الجديدة لصندوقٍ وطني لمكافحة التبغ والتلوّث، يُموَّل من 10 في المئة من ضرائب التبغ و5 بالمئة من رسمٍ على وقود المولّدات، لتمويل الكشف المبكر ومشاريع الطاقة المتجدّدة في الأحياء الأكثر تلوّثًا. هكذا تتحوّل الضريبةُ من عقوبة إلى بوليصة تأمينٍ صحّية واستثمارٍ تنمويّ. وفي زمنٍ يشكو فيه الاقتصادُ اللبناني من ندرة العملات الصعبة وتآكل الخدمات العامّة، تستطيع سياسةٌ ضريبية صحّية صارمة أن ترفد الخزينةَ بإيراداتٍ مستدامة وتحرّر قطاع الصحّة من نزيفٍ مزمن. وهكذا يتحوّل لبنان من "ملاذٍ" لإنتاج السجائر إلى نموذجٍ إقليمي لسياساتٍ صحيّة رشيدة، ويستبدل اقتصادَ المرض باقتصاد الصحّة. بالمحصلة أمام لبنان خياران: الاستمرارُ في نموذج "ضرائب منخفضة – فاتورة صحّية مرتفعة" يستنزف طاقة البلد البشريّة والمالية، أو قلبُ المعادلة برفع الرسوم، خفض الاستهلاك، وتمويل الرعاية الوقائية، محقّقًا نموًّا قائمًا على رأس مالٍ بشريّ سليم. أعلن وزيرُ الصحّة أنّ الملف "سيسير إلى النهاية". إن نجح، فسيكون أوّلَ إصلاحٍ مالي يوازن بين تحفيز الإيرادات وحماية الإنسان، مستندًا إلى دليلٍ استثماري لا يحتمل التأويل. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

المدن
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- المدن
حقيقة اقتصادية بالأرقام... ارتفاع إيرادات التبغ يقابلها "خسائر مالية"!
في بلدٍ لا يتجاوز ناتجه المحلّي السنويّ عتبةَ 20 مليار دولار، تُشبه كلفةُ الأمراض المرتبطة بالتبغ ثقبًا أسود يبتلع ما تبقّى من مواردٍ أنهكتها الأزمات الماليّة والنقديّة. فـ " "، التي أنجزتها وزارة الصحة العامّة بالتعاون مع منظّمة الصحّة العالمية وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي أواخر آذار الماضي، تقلب الموازين: إنّ التزمت الحكومة اللبنانيّة الحزمةَ الكاملة المكوّنة من ستّ سياسات تنصّ عليها الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، أمكن تجنّب خسائر تتجاوز 400 مليون دولار خلال خمسة عشر عامًا وإنقاذ 40 ألفَ إنسان، بكلفة تنفيذ لا تتجاوز عن 177 مليار ليرة. أي بلغة المال، تعني أن كلّ ألف ليرةٍ تُستثمر في هذه الإجراءات بعائد يقارب 86 ألف ليرة، وهو ربحٌ يبدو خياليًّا في اقتصادٍ يختنق بالديون وشحّ العملات الصعبة. لا تكتفي إدارة حصر التبغ بالتلاعب في الأرقام؛ إذ تنفذ عائداتها إلى شرايين الإنفاق الصحيّ مباشرةً. تنزف الخزينةُ سنويًّا ما يعادل 1.9 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي (نحو 140 مليون دولار) تُهدر بين نفقات استشفاء وخسائر إنتاجيّة وانكماشٍ تنمويّ. كلّ سيجارةٍ يشعلها مدخّنٌ لبناني تُطفئ جزءًا من نموّ الاقتصاد الوطنيّ وتشعل عدّادًا متصاعدًا لكلفةٍ صحّيةٍ لا طاقة للبلاد على تحمّلها، فيما لا تعود على الخزينة سوى بمردودٍ قليل عبر "إدارة حصر التبغ والتنباك" قبل أن ّتتبدّد في فاتورة دواءٍ تُسعَّر بالدولار الفريش. أي كلّ ما تجنيه المؤسّسة من بيع علبٍ رخيصة يُدفع مقابله أضعافٌ لعلاج سرطاناتٍ وأمراض قلبٍ وانسداد رئويّ مزمن، أمراضٌ يُفاقمها التلوّث في بلدٍ صُنِّف بين الأعلى تلوّثًا في المتوسّط. إذًا تفتح هذه الدراسة ملفًّا ماليًّا ثقيلًا: كم ندفع لاحتواء أمراضٍ يمكن تجنّبها بسياسةٍ ضريبيةٍ صارمة وضبطٍ جدّي للتلوّث؟ وما الذي يتبقّى من "ذهب الريجي" بعد اقتطاع ثمن الدخان والهواء السامّ؟ أرباح "الريجي" المضلِّلة تتباهى الدولة سنويًّا بإيرادات "الريجي". فالمؤسّسة التي تحتفل بعيدها التسعين أعلنت أن أرباح عام 2022 المحوَّلة إلى الخزينة بلغت 93 مليون دولار، فيما قُدّر أن حصة الخزينة من 2023 تقارب 270 مليون دولار. وفي مطلع 2025، تحدّث المدير العام، ناصيف سقلاوي، عن زيادة في المبيعات بنسبة 7 في المئة والإيرادات بنسبة 14 في المئة، رغم ظروف الحرب القاسيّة. لكن هذه الأرقام تحتاج إلى تفكيك: فهي تدمج الرسوم الجمركيّة، وضريبة القيمة المضافة، وربح "الريجي" الصافي، علمًا بأن المؤسّسة تشتري التبغ الخام من المزارعين وتمنح امتياز التصنيع لعلامات أجنبيّة محلّيًا. وبذلك يتّضح أنّ صافي الربح الحكومي يتبخّر أغلبه في إنفاقٍ صحّي فريش ومستشفياتٍ تُسعّر خدماتها بسعر السوق الموازي. تاريخيًّا، اضطلعت "الريجي" بدورٍ مزدوج: تقييد زراعة التبغ كـ"محصول بديل" في الأرياف وحماية المزارعين من انهيار الأسعار العالميّة؛ وتمويل الخزينة برسومٍ تُسعِّرها هي نفسها. لكن حين تكون الشركة حكوميّة والضرّر صحيًّا وماليًّا عابرًا للوزارات، يصبح تضارب المصالح علنيًّا: وزارة الماليّة بحاجة لعائدٍ سريع، ووزارة الصحّة تنزف على المدى الطويل. ضرائب منخفضة منذ إقرار القانون 174 في 2011 بدا لبنان طليعيًّا: حظرٌ للتدخين في الأماكن المغلقة، تحذيرات نصّيّة، ووعودٌ بصورٍ صادمة وتغليفٍ موحَّد. لكنّ التنفيذ تراجع بعد أشهر قليلة، ولا تزال الفنادق تخصّص 20 في المئة من الغرف للمدخّنين، ولا تُفرَض غرامات فعليّة في المطاعم والحانات. وزارة الصحّة نفسها لم تُعلَن وزارةً خالية من التدخين إلّا عام 2019. كما ويفرض لبنان واحدةً من أدنى ضرائب السجائر في المنطقة: لا تتجاوز حصّةُ الضرائب 9.9 في المئة من سعر التجزئة لأشهرِ ماركة — أي أقلّ بسبع مرّات من الحدّ الأدنى العالمي الموصى به 70 إلى 80 في المئة. ومع انتشار التدخين في لبنان، وعلبٍ تُباع بدولار واحد، يصبح السوقُ أرضًا خصبة لأمراضٍ يمكن كبحُها بإجراءٍ تشريعيّ واحد: رفع السعر. فعلى سبيل المثال لا الحصر: بعد أنّ رفعت مصرُ الضريبةَ إلى 70 في المئة من سعر البيع في العام 2020، زادت الإيرادات 14 في المئة سنويًّا وانخفض الاستهلاك 3 في المئة، بينما يُظهر البنك الدولي أنّ كلّ زيادةٍ حقيقيةٍ بنسبة 10 في المئة في السعر تُقلّص الاستهلاك بين 4و6 في المئة وتزيد حصيلة الضرائب. وبحسابٍ سريع في حال فرض ضرائب إضافيّة، فكلّ علبة تباع اليوم بــ 80 ألف ليرة يمكن أن تقفز إلى ما يزيد على 250 ألفًا إذا طُبِّق معيار الـ 75 في المئة، في حين تُظهر المحاكاة الاقتصاديّة أنّ الزيادة ستقلّل الاستهلاك لدى ذوي الدخل المحدود(حيث المرونة السعريّة أعلى) وترفع إيرادات الدولة وتكبح الفاتورة الصحيّة في آنٍ واحد. أسطورة العبء على الفقراء في المقابل، قد يُجادل البعض بأنّ ضرائب على التبغ قد تثقل كاهل المدخنين من الفئات الفقيرة وتخلق شرخًا طبقيًّا بين المستهلكين، لكنّ واقع التضخّم اللبناني (أكثر من 220 في المئة) يقلب الحجّة: أرخصُ علبة سجائر تعادل نحو 5 في المئة من الحدّ الأدنى للأجور المعدّل. رفعُ السعر سيقنع الأسرَ الفقيرة بخفض الاستهلاك أو الإقلاع، فيما يواصل الميسورون التدخين ويساهمون بضرائب أعلى. ولأنّ السرطان والعجز المبكر يتركّزان في الأحياء الشعبيّة المكتظّة بالمولّدات، فإنّ تقليل المرض يخفّف عبئًا صحّيًا وماليًّا عن الفئات الأكثر هشاشة. وعليه يقترح التقرير المشترك بين منظّمة الصحّة العالمية وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي سيناريو بسيطًا: رفع الضريبة النوعية إلى 70 في المئة من سعر البيع، حظر الدعاية، فرض التغليف البسيط، وإنفاذ أماكنَ خالية من التدخين. تبلغ كلفةُ التطبيق 1.7 مليون دولار، بينما تتخطّى فوائده 400 مليون دولار خلال خمسةَ عشرَ عامًا — أي عائد يفوق 85 مرّة. أمّا الحجة القديمة بأنّ "التهريب سيزدهر"، فتردّ عليها الدراسة بالإشارة إلى بروتوكول القضاء على الاتجار غير المشروع الذي لم ينضمّ إليه لبنان بعد. التشدّد الجمركيّ وتقنية التتبّع والتعقّب (Track & Trace) خفّضا تهريب السجائر في تركيا من 15 في المئة إلى أقلّ من 5 في المئة خلال خمس سنوات—نسبة تكفي لسدّ أيّ فجوة محتملة في الدخل الضريبيّ. وعلى المدى الأبعد، يمكن تحويل "الريجي" من مُصنِّع سجائر إلى محصِّل ضرائب ومراقب للسوق، محتفظةً بدورها الاجتماعي في دعم 25 ألف مزارع بتسعيرٍ عادل للمحصول، بينما تكفّ عن التوسّع في خطوط إنتاج سجائر رخيصة وتتحوّل إلى حارسٍ اقتصادي وصحيّ: تجبي الرسوم، تكافح التهريب، وتحمي سياسةَ الدولة الصحّية من نفوذ الصناعة. حصيلةُ الخطة المتكاملة إذا اعتُمِدت الخطةُ بكاملها، تُنقَذ 2600 حياة سنويًّا، ويُخفَّض عددُ الوفيات المرتبطة بالتبغ (تجاوزت 9 آلاف في 2024 بمقدار ربع الوفيات الإجماليّة). وسيُخصَّص جزءٌ من الإيرادات الجديدة لصندوقٍ وطني لمكافحة التبغ والتلوّث، يُموَّل من 10 في المئة من ضرائب التبغ و5 بالمئة من رسمٍ على وقود المولّدات، لتمويل الكشف المبكر ومشاريع الطاقة المتجدّدة في الأحياء الأكثر تلوّثًا. هكذا تتحوّل الضريبةُ من عقوبة إلى بوليصة تأمينٍ صحّية واستثمارٍ تنمويّ. وفي زمنٍ يشكو فيه الاقتصادُ اللبناني من ندرة العملات الصعبة وتآكل الخدمات العامّة، تستطيع سياسةٌ ضريبية صحّية صارمة أن ترفد الخزينةَ بإيراداتٍ مستدامة وتحرّر قطاع الصحّة من نزيفٍ مزمن. وهكذا يتحوّل لبنان من "ملاذٍ" لإنتاج السجائر إلى نموذجٍ إقليمي لسياساتٍ صحيّة رشيدة، ويستبدل اقتصادَ المرض باقتصاد الصحّة. بالمحصلة أمام لبنان خياران: الاستمرارُ في نموذج "ضرائب منخفضة – فاتورة صحّية مرتفعة" يستنزف طاقة البلد البشريّة والمالية، أو قلبُ المعادلة برفع الرسوم، خفض الاستهلاك، وتمويل الرعاية الوقائية، محقّقًا نموًّا قائمًا على رأس مالٍ بشريّ سليم. أعلن وزيرُ الصحّة أنّ الملف "سيسير إلى النهاية". إن نجح، فسيكون أوّلَ إصلاحٍ مالي يوازن بين تحفيز الإيرادات وحماية الإنسان، مستندًا إلى دليلٍ استثماري لا يحتمل التأويل.