
التجويع وسيلة فتاكة للإبادة… والأولوية الفلسطينية للانقاذ ومنع التهجير
ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) في المادة 8 (2)(ب)(xxv) على أن 'تجويع المدنيين عمدًا كأسلوب من أساليب الحرب' يُعد جريمة حرب. كما أن المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية (1948) تتضمن الأفعال التي تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، ومن ضمنها إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُقصد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا. وهذا يمكن أن يشمل الحصار الشامل، أو منع وصول الغذاء والماء، أو استهداف المنشآت الحيوية مثل المزارع والمخازن ومحطات المياه.
التجويع كسلاح في غزة: جريمة مستمرة
في السياق الفلسطيني، تشير كثير من التقارير الحقوقية الدولية (بما فيها تقارير من الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق إنسان مستقلة) إلى أن الحصار المفروض على غزة، خاصة بعد 7 أكتوبر 2023، واستخدام التجويع كسلاح، يرقى إلى جريمة إبادة جماعية، خاصة مع التصريحات العلنية لبعض المسؤولين الإسرائيليين التي تدعو صراحة إلى منع الغذاء والماء عن السكان.
وقد أصبحت هذه الجريمة المتصلة بالتجويع، منذ التاسع من آذار/مارس الماضي، الوسيلة الأكثر فتكًا بالمدنيين الفلسطينيين، لا سيما الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن، حيث اخترقت إسرائيل اتفاق يناير، بدعم غير مسبوق من إدارة ترامب، في شراكة واضحة مع فاشيي تل أبيب بمواصلة الإبادة الجماعية.
'مؤسسة غزة الإنسانية': أداة إضافية للإبادة
ولم تتمكن واشنطن من التغطية على هذه الجريمة الأشد خطورة، رغم تشغيل ما يسمى بـ'مؤسسة غزة الإنسانية'، التي باتت وسيلة إضافية لحرب الإبادة، حيث تحولت إلى مصائد للموت في أبشع صور استخدام حاجة الناس للطعام والتجويع الذي يتعرضون له.
أولوية غزة: وقف القتل وضمان الكرامة
ومع ذلك، فأهل غزة، ورغم حاجتهم لإعلاء الصوت ضد التجويع والإبادة، فإن أولويتهم تتركز في وقف القتل الذي يحيط بهم من كل حدب وصوب، وضمان وصول الطعام والمساعدات الإغاثية المنقذة للحياة بطريقة تحفظ إنسانيتهم وكرامتهم المستباحة. وهم يدركون أن ذلك لن يتحقق ما لم تصبح هذه الأولوية مسؤولية الجميع دون استثناء، والأهم تحرير حياتهم ومعاناتهم من الحسابات السياسية الداخلية، كي يُوضَع الجميع أمام مسؤولياته في مواجهة ما تخطط له حكومة تل أبيب الفاشية، لا سيما لجهة مخططاتها لاستكمال نكبة 1948 بتهجير الناس خارج فلسطين.
وقد تم الكشف عن أن هذه الخطط كانت محل بحث بين تل أبيب وإدارة ترامب خلال زيارة رئيس الموساد إلى واشنطن قبل أيام. يأتي ذلك في وقت تواصل فيه حكومة تل أبيب مخططات الضم والتهويد، بما يشمل سعيها لتفكيك السلطة في سياق شطب أي صيغة للكيانية الفلسطينية.
ما العمل؟ وما هي السياسة المطلوبة فلسطينيًا؟
منذ الشهور الأولى للعدوان على غزة، والسلطة تعلن استعدادها لتولي مسؤولياتها في القطاع. ولكن التعبير عن الاستعداد ليس بالضرورة أن يعني القدرة على الاضطلاع بمثل هذه المسؤوليات. فما الذي قامت به السلطة حتى تكون قادرة على ذلك؟ كما هو معلوم، فإن مفتاح هذه القدرة والمرتكز الأساسي لها هو تمكين السلطة سياسيًا من القيام بما هو مطلوب. الأمر الذي لم يتحقق ولن يتحقق دون لمّ الشمل الفلسطيني على قاعدة ما تم التوافق عليه وطنيًا من قبل كافة الفصائل، وخاصة ما اتُّفق عليه قبل عام في بكين. هذا من الناحية السياسية. وأما لجهة القدرة على ممارسة هذا الدور عمليًا لجهة الإغاثة والإعمار ومداواة جروح الناس وآلامهم، فليس من الواضح كيف يمكن أن تمتلك السلطة مثل هذه القدرة، في الوقت الذي تتصاعد فيه سياسات الاحتلال التي أدت إلى مزيد من إضعافها، مما أدى إلى تدهور حاد في قدرتها على القيام بمسؤولياتها حتى على صعيد الضفة الغربية، كما عبّر عن ذلك البيان الأخير لحكومة السلطة بهذا الشأن. فكيف سيكون الحال لمثل هذه القدرة، والجميع يعلم طبيعة التحديات الكبرى الناجمة عن الإبادة المستمرة في قطاع غزة؟
ألم يحن الوقت، على خلفية ذلك كله، للإقلاع مرة وإلى الأبد عن الوهم بأن 'سياسة ملاحقة العيار لباب الدار' لن تجدي نفعًا؟ لا، بل من المؤكد أنها تقذف بقضيتنا إلى وبال محتوم. هذا بالإضافة إلى أن استراتيجية حكومة تل أبيب ماضية في تفكيك السلطة ذاتها، بينما تواصل ضم الأرض .
في المقابل، هل تعتقد حماس أن الوقت يعمل لصالحها؟ وأن حصولها على ضمانات أمريكية سيمنع نتنياهو من العودة للقتال، إن كان ذلك ما يخطط له؟ ومن المؤكد أنه يخطط لذلك.
صحيح أن ترامب، بفعل الانتفاضة الشعبية الكونية في أصقاع الأرض، بما في ذلك في الولايات المتحدة نفسها، وأيضًا بفعل أن هذه الحرب تحمل نُذر انفجار المنطقة، ربما بات يميل لإجمال صفقة تُعيد الأسرى الإسرائيليين، وربما أيضًا أنه يريد وقف الحرب.
ولكن ذلك لا يُلغي أن ترامب يقف إلى جانب إسرائيل لتصفية المقاومة وسلاحها، تمهيدًا لمزيد من استباحة غزة وأهلها بالتهجير.
فهل تعتقد حماس أنها قادرة لوحدها على مواجهة هذا الخطر الوجودي على شعبنا وقضيته؟ هذه ليست دعوة للاستسلام للمخططات الإسرائيلية، أو تنازلًا عن القضايا المفصلية التي تمس مستقبل الوجود الفلسطيني وحقوق شعبنا الوطنية المشروعة، ولكنها بالتأكيد دعوة مخلصة للبحث الجدي في السبل السياسية التي تمكّن شعبنا من الصمود، والقدرة على مواجهة المخاطر والمخططات التي تقودها تل أبيب وواشنطن، دون رادع جدي من الأطراف الإقليمية والدولية.
نحو إجابة فلسطينية موحدة لليوم التالي
السؤال الجوهري هنا هو: هل يكفي موقف حماس بترداد أنها منفتحة على وحدة الموقف، سواء ما يسمى بلجنة الإسناد المجتمعي أو حكومة توافق، مقدمةً الأولى على الثانية رغم أنها لا تحظى بذات الإجماع، وذلك يأتي في سياق انتظاري، وكأن تحقيقه مسؤولية أطراف مجهولة؟ أو تستمر في تعليق عدم إنجازها على مشجب نأي السلطة بنفسها عن كل ما يجري؟
هذا أيضًا ليس تشكيكًا بموقف حماس إزاء متطلبات المواجهة الوطنية، ولكنه بالتأكيد تكرار واجب للنداء الذي سبق وقدمناه لقيادتها السياسية، بأن المسؤولية الملقاة على عاتقها، لا سيما أن حماس هي من انفردت بالطوفان، هي مسؤولية استثنائية بألّا تُبَدَّد التضحيات الهائلة التي قدّمها شعبنا وما زال يقدّمها.
ألا تعتقد القيادة السياسية لحماس أن الضمانة الأكثر واقعية لمنع نتنياهو من تحقيق ما يخطط له، تكمن أساسًا في تقديم إجابة فلسطينية موحدة لما يُسمى بـ'اليوم التالي'؟
وأن تلك الإجابة تتحدد في الإصرار على تشكيل فوري لحكومة وفاق، تبني على التضحيات الهائلة، والمطالب الجامعة لوقف الإبادة ؟ وأن تكون هذه الحكومة هي المفوّضة باستكمال التفاوض حول جميع مكونات ملف غزة، ولسد الثغرات والغموض الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه؟
حكومة وفاق وطني: مفتاح استعادة القرار الفلسطيني
قد يقول البعض إن قيادة السلطة، التي نأت بنفسها حتى الآن، لا تريد ذلك، إلا أن إعلان حماس، بالتوازي مع ما سوف يتم التوصل إليه من اتفاق انتقالي، بأن تضع مسؤولية استكمال التفاوض وفق الإجماع الوطني في عهدة حكومة وفاق وطني، من شأنه أن يُعيد وضع الجميع أمام مسؤولياتهم المباشرة، بل وأن يُخرج التفاوض ومستقبل القضية الفلسطينية من دهاليز مخططات التصفية، بما في ذلك للمقاومة وسلاحها، إلى ما يجمع عليه الشعب الفلسطيني، تمهيدًا للذهاب المتعافي نحو انتخابات عامة شاملة، لا انتخابات تُجرى في غياب التوافق الوطني، كما ورد في بيان الجبهة الديمقراطية. ذلك أن انتخابات من هذا النوع لن تؤدي، في غياب التوافق، سوى إلى مزيد من تقويض مكانة منظمة التحرير، التي يُفترض أن تكون جبهة وطنية متحدة لقيادة النضال الوطني، لا أن تتحول إلى محط خلاف داخلي، كما أضحت، بدلًا من أن تكون البيت الجامع للفلسطينيين كافة، كما يجب أن تكون.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين اليوم
منذ 4 ساعات
- فلسطين اليوم
أنصار الله تعلن بدء المرحلة الرابعة من الحصار البحري على كيان الاحتلال
في تصعيد جديد ضمن سلسلة العمليات العسكرية الإسنادية للقضية الفلسطينية، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله، العميد يحيى سريع، بدء المرحلة الرابعة من الحصار البحري على كيان الاحتلال، مؤكدًا أن القرار يأتي ردًا على استمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وقال سريع إن اليمن، أمام هذا الواقع الدموي، يجد نفسه أمام مسؤولية دينية وأخلاقية كبرى، ما دفع الجماعة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة تشمل استهداف كافة السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع موانئ الاحتلال، بغض النظر عن جنسيتها أو وجهتها. وأوضح سريع أن المرحلة الجديدة من التصعيد تشمل: استهداف السفن في أي مكان يمكن الوصول إليه، سواء في البحر الأحمر أو خارجه. وعدم التمييز بين الجنسيات، حيث سيتم التعامل مع السفن وفقًا لعلاقتها التجارية مع كيان الاحتلال فقط. ودعا سريع الدول المعنية إلى الضغط على الاحتلال لوقف عدوانه على غزة ورفع الحصار عنها، مشددًا على أن العمليات العسكرية ستتوقف فور وقف العدوان وفتح الممرات الإنسانية بشكل كامل. كما حمّل الشركات مسؤولية قراراتها التجارية، قائلاً: كل سفينة تابعة لتلك الشركات ستصبح هدفًا مشروعًا لصواريخنا ومسيراتنا، أينما وُجدت. يأتي هذا الإعلان في ظل استمرار الهجمات الجوية والبرية على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، معظمهم من النساء والأطفال، وسط تحذيرات دولية من انهيار كامل للمنظومة الإنسانية في القطاع.


معا الاخبارية
منذ 4 ساعات
- معا الاخبارية
المفاوضات مستمرة خلف الكواليس.. واشنطن تبحث اتفاقا شاملا لإنهاء الحرب
بيت لحم معا- يعتقد العديد من أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أن الوقت قد يكون مناسبا لاقتراح صفقة شاملة من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء الحرب، حسبما افادت صحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية. وقال المصدر "من الواضح للجميع أن التوصل إلى اتفاق شامل سيكون أصعب بكثير من حيث إقناع الجانبين بالموافقة عليه". وفي الوقت نفسه، كشفت الصحيفة أن المسؤولين في اسرائيل يدرسون إصدار إنذار نهائي لحماس: الموافقة على الصفقة، أو مواجهة العواقب. في ذات السياق ، استمرت الاتصالات السرية خلال اليومين الماضيين بين إسرائيل والوسطاء مصر وقطر وحماس، سعيًا لاستئناف المفاوضات. وقد التقى مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، عدة مرات خلال تلك الفترة بمسؤولين قطريين كبار في جزيرة سردينيا الإيطالية. وقال مسؤول إسرائيلي للصحيفة "رغم أن فريق التفاوض عاد إلى إسرائيل، إلا أنه لا يزال على اتصال دائم مع الوسطاء وقال ترامب يوم الأحد : "حان الوقت لإعادة الرهائن إلى ديارهم. هناك 20 رهينة على قيد الحياة، بالإضافة إلى رفات آخرين". واضاف في حديث مع الصحفيين في اسكتلندا: "هناك العديد من الآباء الذين يرغبون في استعادة رفات أحبائهم. على إسرائيل اتخاذ قرار. أعرف ما كنت سأفعله، لكنني لست متأكدًا من أنه ينبغي عليّ الإفصاح عنه. ولا يزال من غير الواضح إلى متى ستبقي إسرائيل الممرات الإنسانية مفتوحة، أو تسمح بوقف إطلاق النار في مناطق محددة، أو تساعد في إسقاط المساعدات جواً، وفقاً لما قاله مسؤول إسرائيلي للصحيفة ، ملمحاً إلى أن هذا الإجراء من المرجح أن يستمر حتى تهدأ الانتقادات الدولية. واضاف المسؤول أن "إسرائيل فشلت في مواجهة رواية المجاعة واضطرت إلى اتخاذ هذه الإجراءات لتخفيف الضغوط الدولية".


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
الحوثيون يعلنون دخول المرحلة الرابعة من الحصار البحري
بيت لحم معا- هدد الحوثيون في اليمن مساء الأحد ببدء استهداف أي سفينة تابعة لشركات تتعاون مع الموانئ الإسرائيلية. وصرح المتحدث باسم الحوثيين، يحيى سريع، بأن استهداف السفن سيكون بغض النظر عن العلم الذي ترفعه. وأضاف: "نحذر جميع الشركات من التعاون مع الموانئ الإسرائيلية، وإلا ستُستهدف السفن - بغض النظر عن وجهتها - أينما وصلنا إليها، أو في مرمى صواريخنا وطائراتنا المسيرة". وأوضح سريع أن هذا تصعيد من جانب الحوثيين في ظل الوضع في قطاع غزة. وحسب قوله، فهذه هي المرحلة الرابعة من "الحصار البحري" الذي يفرضه الحوثيون في اليمن على إسرائيل. فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحتى نهاية عام 2024، هاجم الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية بالصواريخ والطائرات المسيرة، مما أدى إلى إغراق أربع منها . وقد تسببت هجماتهم في انخفاض حاد في حركة التجارة عبر البحر الأحمر، الذي تمر عبره بضائع بقيمة تريليون دولار في المتوسط سنويًا. وفي إطار "حملة دعم غزة"، أطلق الحوثيون أيضًا صواريخ متكررة على إسرائيل، وهي نيران لم تتوقف حتى بعد سلسلة من القصف ضدهم .