logo
لبنان الفردوس

لبنان الفردوس

النشرةمنذ 2 أيام

ها صَرخَةُ رَئيسِ المَلائِكَةِ ميخائِيلَ لِآدَمَ: "هُنا تُعطى الوَعدَ، هِبَةَ الأرضِ كُلَّها...، مِن حَماةَ شَمالًا حَتَّى الصَحراءِ جَنوبًا (أنطُقُ هَذِهِ الأماكِنَ بِأسمائِها، وَإن كانَت بِلا إسمٍ بَعدُ): مِن حَرَمونَ شَرقًا حَتَّى البَحرِ العَظيمِ غَربًا. هُنا جَبَلُ حَرَمونَ، وَهُناكَ البَحرُ. آُنظُر لِكُلِّ مَوضِعٍ في أُفُقِهِ كَما أُشيرُ إلَيكَ بِيَدي: عَلى الساحِلِ، جَبَلُ الكَرمَلِ؛ وَهُنا النَهرُ ذو المَنبَعَينِ، الأُردُنُ، الحَدُّ الحَقيقيُّ شَرقاً؛ أمَّا أبناءُ هَذا الرَجُلِ، فَسَيَقطُنونُ في سَنيرَ، تِلكَ السِلسِلَةُ الطَويلَةُ مِنَ التِلالِ. تَأمَّل هَذا: كُلُّ أُمَمِ الأرضِ سَتُبارَكُ في نَسلِ هَذا الرَجُلِ. وَمِن هَذا النَسلِ يَنبَثِقُ مُخَلِّصُكَ العَظيمُ، الذي يَسحَقُ رأسَ الحَيَّةِ... "
صَرخَةُ الوَعدِ: مِن لبنانَ، بِحُدودِهِ التَفصيلِيَّةِ: "مِن حَماةَ"، وَ"مِن حَرَمونَ"... الى "البَحرِ". وَجَنوباً، مِن "جَبَلِ الكَرمَلِ"، الى "النَهرِ ذي المَنبَعَينِ"... سَيأتي المُخَلِّصُ "الذي يَسحَقُ رأسَ الحَيَّةِ"، ألمِنها المَعصِيَةُ-المَوتُ. لِمَن؟ لِنَسلِ إبراهيمَ.
وَأيُّ مُخَلِّصٍ؟ "يَسوعُ، حامِلُ الإسمَ والرِسالَةَ، ذَاكَ السَيُخضِعُ الأفعى العَدوَّ، وَيُعيدُ الإنسانَ، التاهَ طَويلاً في عُزلَةِ العالَمِ، إلى فِردَوسِ الراحَةِ الأبَديِّ بَأمانٍ."
أيُكتَفى وَعدُ اللهِ بالمُخَلِّصِ؟ بَل وَيَتَجَلَّى مُزداناً بِالأرزِ، لِيَربِطَ أرضَ الإنسانِ بِسِمائِهِ. الخَليقَةَ بِخالِقِها. وَقَد إندَحَرَ إبليسُ-الَلعنَةُ-مَصدَرُ-المَعصِيَةِ: "سَيَتَجَلَّى رِضى اللهِ عَلى البَشَرِ الطائِعينَ لِمَشيئَتِهِ حَتَّى يَضَعَ بَينَهُمٍ مَسكِنَهُ، فَيَحِلَّ القُدّوسُ، الواحِدُ الأَحَدُ بَينَ الفانينَ. وَكَما أوحى، يُشَيَّدُ مَقدِسٌ مِن أرزٍ مُرَصَّعٍ بالذَهَبِ، (...)، عَهدُ الأبَدِ. وَفَوقَهُ يَعلو عَرشُ الرَحمَةِ الذَهَبيِّ، بَينَ جِناحَي كَروبينَ مُتَألِّقينَ. وأمَامَ هَذا العَرشِ تَتَوَّهَجُ سَبعَةُ مَصابيحَ، تَرمُزُ، كَما في دائِرَةِ الفَلَكِ، إلى مَشاعِلَ السَماءِ..."
وَها آدَمُ، الواقِفُ عِندَ الفِردَوسِ المَفقودِ بِمَعصِيَتِهِ، "يَتَماوَجُ تَحتَ وَهجِ الَلهيبِ المُتَّقِدِ"، يَهرَعُ لِيُوقِظَ حَوَّاءَ الغافِيَةَ في التيهِ: "أسقَطَ آدَمُ وَحَوَّاءُ بِضعَ دُموعٍ طَبيعِيَّةٍ سُرعانَ ما مَسَحاها. كانَ العالَمُ كُلُّهُ أمامَهُما، لِيَختارا فيهِ مَوضِعَ راحَتِهِما، وَكانَتِ العِنايَةُ الإلَهِيَّةُ دَليلَهُما. وَلَكِن يَداً بِيَدٍ، بِخُطىً مُتَرَدِّدَةٍ وَبَطيئَةٍ، مَضَيا عَبرَ الفِردَوسِ-جَنَّةِ-عَدَنَ (الأرضِيَّةِ) طَريقِهِما الوَحيدِ."
الوجودُ الكِيانِيُّ
ذاكَ الِلقاءُ-الوَعدُ بَينَ ميخائِيلَ (وإسمُهُ מיכאMîkhâ'êl : مَن مِثلُ اللهِ؟) وآدَمَ يَختَتِمُ مَلحَمَةَ الشاعِرِ الإنكليزيِّ John Milton (1674–1608) الهائِلَةِ، التي نَظَمَها لِطَبعَةٍ أولى العامَ 1667 مِن 10 أقسامَ بِنَحوِ عَشَرَةِ آلافِ بَيتٍ، وأعادَ نَشرَها مُوَسَّعَةً لِتَتَضَمَّنَ 12 قِسماً أو كِتاباً العامَ 1674. أسماها: Paradise Lost "الفِردَوسُ المَفقودُ"، وَشاءَها مَلحَمَةَ الخَليقَةِ، مَنَ الخَلقِ الى السُقوطِ وَفُقدانِ الفِردَوسِ... وَمِنَ السُقوطِ الى الوَعدِ بِالمُخَلِّصِ، والخَلقِ الثاني بِهِ... في الفِردَوسِ الأرضِيِّ: لبنانَ!
لبنانُ الوجودُ الكِيانِيُّ، ال"مَقدِسُ مِن أرزٍ مُرَصَّعٍ بالذَهَبِ"... "طَريقُ" الخَليقَةِ "الوَحيدُ".
وجودٌ كَرَّسَهُ ميخائِيلُ نَشيداً ليتورجِيَّاً للهِ-الخالِقِ الخَطَّهُ بِحُدودِهِ وَرَصَفَهُ فِردَوساً لِعِناقِ الخَليقَةِ المُفتَداةِ بِإبنِهِ-المُخَلِّصِ... قَبلَ كَينونَةِ أسماءِ الأماكِنَ!
وجودٌ سَتَتَهافَتُ الفَلسَفَةُ الألمانِيَّةُ المُعاصِرَةُ للِإستِنباطِ مِنهُ وَسمَ الكيانِيَّةِ يَضَعُهُ Edmund Husserl (1859–1938)، وَيَتَبَنّاهُ Martin Heidegger (1889–1976): zu Sachen den selbst المِعناهُ "الى الأشياءِ ذاتِها "، وَقِوامُهُ أربَعَةُ أوامِرَ: قِفْ، أَصْغِ، إِحْفَظْ، إِشْهَدْ.
ألا فَأصرِخ وَميخائِيلُ: هو لبنانُ الفِردَوسُ. ظُهورُ الظُهوراتِ.
حينَ الخَليقَةُ لَهَبٌ مَسعورٌ، قِفْ بِلبنانَ، أَصْغِ لِهَمسِ وجودِهِ، إِحْفَظْهُ صِلَةَ الحَياةِ، وَإِشْهَدْ لِفَيضِهِ.
بِهِ كُلُّ شَيءٍ، وَمِن دونِهِ لا يَكونُ شَيءٌ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لبنان الفردوس
لبنان الفردوس

النشرة

timeمنذ 2 أيام

  • النشرة

لبنان الفردوس

ها صَرخَةُ رَئيسِ المَلائِكَةِ ميخائِيلَ لِآدَمَ: "هُنا تُعطى الوَعدَ، هِبَةَ الأرضِ كُلَّها...، مِن حَماةَ شَمالًا حَتَّى الصَحراءِ جَنوبًا (أنطُقُ هَذِهِ الأماكِنَ بِأسمائِها، وَإن كانَت بِلا إسمٍ بَعدُ): مِن حَرَمونَ شَرقًا حَتَّى البَحرِ العَظيمِ غَربًا. هُنا جَبَلُ حَرَمونَ، وَهُناكَ البَحرُ. آُنظُر لِكُلِّ مَوضِعٍ في أُفُقِهِ كَما أُشيرُ إلَيكَ بِيَدي: عَلى الساحِلِ، جَبَلُ الكَرمَلِ؛ وَهُنا النَهرُ ذو المَنبَعَينِ، الأُردُنُ، الحَدُّ الحَقيقيُّ شَرقاً؛ أمَّا أبناءُ هَذا الرَجُلِ، فَسَيَقطُنونُ في سَنيرَ، تِلكَ السِلسِلَةُ الطَويلَةُ مِنَ التِلالِ. تَأمَّل هَذا: كُلُّ أُمَمِ الأرضِ سَتُبارَكُ في نَسلِ هَذا الرَجُلِ. وَمِن هَذا النَسلِ يَنبَثِقُ مُخَلِّصُكَ العَظيمُ، الذي يَسحَقُ رأسَ الحَيَّةِ... " صَرخَةُ الوَعدِ: مِن لبنانَ، بِحُدودِهِ التَفصيلِيَّةِ: "مِن حَماةَ"، وَ"مِن حَرَمونَ"... الى "البَحرِ". وَجَنوباً، مِن "جَبَلِ الكَرمَلِ"، الى "النَهرِ ذي المَنبَعَينِ"... سَيأتي المُخَلِّصُ "الذي يَسحَقُ رأسَ الحَيَّةِ"، ألمِنها المَعصِيَةُ-المَوتُ. لِمَن؟ لِنَسلِ إبراهيمَ. وَأيُّ مُخَلِّصٍ؟ "يَسوعُ، حامِلُ الإسمَ والرِسالَةَ، ذَاكَ السَيُخضِعُ الأفعى العَدوَّ، وَيُعيدُ الإنسانَ، التاهَ طَويلاً في عُزلَةِ العالَمِ، إلى فِردَوسِ الراحَةِ الأبَديِّ بَأمانٍ." أيُكتَفى وَعدُ اللهِ بالمُخَلِّصِ؟ بَل وَيَتَجَلَّى مُزداناً بِالأرزِ، لِيَربِطَ أرضَ الإنسانِ بِسِمائِهِ. الخَليقَةَ بِخالِقِها. وَقَد إندَحَرَ إبليسُ-الَلعنَةُ-مَصدَرُ-المَعصِيَةِ: "سَيَتَجَلَّى رِضى اللهِ عَلى البَشَرِ الطائِعينَ لِمَشيئَتِهِ حَتَّى يَضَعَ بَينَهُمٍ مَسكِنَهُ، فَيَحِلَّ القُدّوسُ، الواحِدُ الأَحَدُ بَينَ الفانينَ. وَكَما أوحى، يُشَيَّدُ مَقدِسٌ مِن أرزٍ مُرَصَّعٍ بالذَهَبِ، (...)، عَهدُ الأبَدِ. وَفَوقَهُ يَعلو عَرشُ الرَحمَةِ الذَهَبيِّ، بَينَ جِناحَي كَروبينَ مُتَألِّقينَ. وأمَامَ هَذا العَرشِ تَتَوَّهَجُ سَبعَةُ مَصابيحَ، تَرمُزُ، كَما في دائِرَةِ الفَلَكِ، إلى مَشاعِلَ السَماءِ..." وَها آدَمُ، الواقِفُ عِندَ الفِردَوسِ المَفقودِ بِمَعصِيَتِهِ، "يَتَماوَجُ تَحتَ وَهجِ الَلهيبِ المُتَّقِدِ"، يَهرَعُ لِيُوقِظَ حَوَّاءَ الغافِيَةَ في التيهِ: "أسقَطَ آدَمُ وَحَوَّاءُ بِضعَ دُموعٍ طَبيعِيَّةٍ سُرعانَ ما مَسَحاها. كانَ العالَمُ كُلُّهُ أمامَهُما، لِيَختارا فيهِ مَوضِعَ راحَتِهِما، وَكانَتِ العِنايَةُ الإلَهِيَّةُ دَليلَهُما. وَلَكِن يَداً بِيَدٍ، بِخُطىً مُتَرَدِّدَةٍ وَبَطيئَةٍ، مَضَيا عَبرَ الفِردَوسِ-جَنَّةِ-عَدَنَ (الأرضِيَّةِ) طَريقِهِما الوَحيدِ." الوجودُ الكِيانِيُّ ذاكَ الِلقاءُ-الوَعدُ بَينَ ميخائِيلَ (وإسمُهُ מיכאMîkhâ'êl : مَن مِثلُ اللهِ؟) وآدَمَ يَختَتِمُ مَلحَمَةَ الشاعِرِ الإنكليزيِّ John Milton (1674–1608) الهائِلَةِ، التي نَظَمَها لِطَبعَةٍ أولى العامَ 1667 مِن 10 أقسامَ بِنَحوِ عَشَرَةِ آلافِ بَيتٍ، وأعادَ نَشرَها مُوَسَّعَةً لِتَتَضَمَّنَ 12 قِسماً أو كِتاباً العامَ 1674. أسماها: Paradise Lost "الفِردَوسُ المَفقودُ"، وَشاءَها مَلحَمَةَ الخَليقَةِ، مَنَ الخَلقِ الى السُقوطِ وَفُقدانِ الفِردَوسِ... وَمِنَ السُقوطِ الى الوَعدِ بِالمُخَلِّصِ، والخَلقِ الثاني بِهِ... في الفِردَوسِ الأرضِيِّ: لبنانَ! لبنانُ الوجودُ الكِيانِيُّ، ال"مَقدِسُ مِن أرزٍ مُرَصَّعٍ بالذَهَبِ"... "طَريقُ" الخَليقَةِ "الوَحيدُ". وجودٌ كَرَّسَهُ ميخائِيلُ نَشيداً ليتورجِيَّاً للهِ-الخالِقِ الخَطَّهُ بِحُدودِهِ وَرَصَفَهُ فِردَوساً لِعِناقِ الخَليقَةِ المُفتَداةِ بِإبنِهِ-المُخَلِّصِ... قَبلَ كَينونَةِ أسماءِ الأماكِنَ! وجودٌ سَتَتَهافَتُ الفَلسَفَةُ الألمانِيَّةُ المُعاصِرَةُ للِإستِنباطِ مِنهُ وَسمَ الكيانِيَّةِ يَضَعُهُ Edmund Husserl (1859–1938)، وَيَتَبَنّاهُ Martin Heidegger (1889–1976): zu Sachen den selbst المِعناهُ "الى الأشياءِ ذاتِها "، وَقِوامُهُ أربَعَةُ أوامِرَ: قِفْ، أَصْغِ، إِحْفَظْ، إِشْهَدْ. ألا فَأصرِخ وَميخائِيلُ: هو لبنانُ الفِردَوسُ. ظُهورُ الظُهوراتِ. حينَ الخَليقَةُ لَهَبٌ مَسعورٌ، قِفْ بِلبنانَ، أَصْغِ لِهَمسِ وجودِهِ، إِحْفَظْهُ صِلَةَ الحَياةِ، وَإِشْهَدْ لِفَيضِهِ. بِهِ كُلُّ شَيءٍ، وَمِن دونِهِ لا يَكونُ شَيءٌ.

لبنان اللاوُنَينُ
لبنان اللاوُنَينُ

النشرة

time٢٠-٠٥-٢٠٢٥

  • النشرة

لبنان اللاوُنَينُ

حَقيقَتُهُ مُعطاةٌ مِنَ الكَشفِ الى الوجودِ. مِنَ الفِعلِ الطَلِقِ الى المُجاهَدَةِ. مِنَ الحَدِّ الى تَجاوزِ الحَدِّ. مِنَ الجَوهَرِ الى الحُضورِ. أمِنَ العَقلِ الى ما يُمليهِ التَعَقُّلُ؟ بَل مِنَ الضابِطِ الكُلِّ وَهو اللهُ الى الخُلوصِ بِهِ. هو إطلالَةُ الأرضِ على عَوالِمَ الأبَدِ. هو في الوجودِ وَيَحيا فيهِ... حينَ الآخَرونَ لا يَعيشونَهُ حَتَّى. هو الجَوهَرُ وَيَتَجَلَّى فيهِ... حينَ الآخَرونَ مُكوثُهُمُ في الأقنِعَةِ. هو الساجِدُ بِبَساطَةِ النورِ الآخِذِ صَوبَ المَغزى، الداعي الكُلَّ الى حُدوثِهِ. حينَ العالَمُ أطهارٌ وَفاسِقونَ. مَوتٌ... بَينَ ذُهولِ المَنابِعَ، وَتَفَجُّرِ الطُغيانِ. الصَميميَّةُ تِلكَ، رَفَعَها شِعراً جِبرائيلُ إبنُ القِلاعيِّ الِلحفِديُّ (1447-1516)، في بِدايَةِ تَفَتُّحِها، فَرَصَفَ ابناءَها شُهوداً-شُهَداءً بِزَجَلِيَّتِهِ "مَديحَةٌ على جَبَلِ لبنانَ": "كانْ ملوكْ مِنهُم وأبطالْ أحموا السَواحِلْ وِالأجبالْ وْذَكْروا عَنهُمْ الأجيالْ، وْقالوا في جَبَل الله سُكَّانْ. واللهْ كانْ مَعْهُمْ ساكِنْ، وِيحمي القَرايا وِالمْواطِنْ، وْيرفَعْ لِمن هو مِتكامِنْ وِيعطيهْ حُكْمْ عْلى الأعْوانْ..." لِأجلِهِ هَذا الُلبنانُ، لِأجلِ قُطُون اللهِ فيه وَإستِقرارِهِ في اللهِ، كانَت شَهادَةُ الحَبرِ الأعظَمِ لاوُنَ العاشِرِ (1513-1521)، فيهِ وَبأبنائِهِ، وَهو بَعدُ في مَطالِعَ تِكَيُّنِهِ، بِرِسالَةٍ الى البَطريَركِ المارونيِّ شَمعونَ الحَدَثيِّ: "نَشكُرُ العِنايَةَ الإلَهِيَّةَ إذ شاءَت، بِحُلمِها العَظيمِ، أن تُبقيَ عَبيدَها المؤمِنينَ، مِن بَينِ الكَنائِسَ الشَرقِيَّةِ، مُصانينَ وَسَطَ الكُفرِ والبِدَعِ كالوَردَةِ بَينَ الأشواكِ..." نَعيمُ النُزوعِ هَذا الُلبنانُ النَعيمُ في نُزوعِهِ مِنَ اللامُدرَكِ الى التَحَقُّقِ، أعلاهُ لاوُنُ البابا مؤَكِّداً لَيسَ فَقَط أنَّهُ يَتَخَطَّى الإدراكَ، وَفي ذاكَ تَحَدّيهِ الأفعَلَ، بَل هو الشَهادَةُ والشاهِدُ في الحَقِّ، والحَقُّ خَليقٌ بِهِ. بِذَلِكَ يَسمو بالتاريخَ-صُنعَتِهِ الى فَرَحِ الحَياةِ... والحَياةُ قانونُ إيمانٍ. وَمَن يُجافيهِ، يَلفُظُهُ التاريخُ كَما تَلفُظُ الأرضُ الأشواكَ، وَتَصُدُّ عَنهُ الأبَدَ. خَمسَةُ قُرونٍ وَنَيِّفٍ... إنقَضَت، وَتَكَيَّنَ لبنانُ. غَدا كِيانِيَّاً وجودِيَّاً لِجَوهَرٍ. وإرتَفَعَت "أشواكُ" العالَمِ مِن حَولِهِ... عالَمٌ مُتخَمٌ بِنَهَمِ القَضاءِ عَلَيهِ، لأنَّهُ كانَ وَسَيَبقى قَبلَ كَينونَةِ العالَمِ... وَبَعدَ أُفولِهِ في زَمَنِيَّاتِ تَمَرُّدِهِ على ذاتِهِ حَدَّ الإفناءِ أو الإنتِحارِ فالإندِثارِ. وَجاءَ لاوُنٌ، أبٌ أقدَسٌ آخَرٌ. لاوُنُ الرابِع عَشَر، الآتي مِن دَولَةِ القُوَّةِ الأعظَمَ في التاريخِ. وَفي قَلبِ الكَنيسَةِ الجامِعَةِ صَرَخَ: "أَنتَ المَسيحُ إبنُ اللهِ الحَيّ" (مَتّى 16/16). بِهَذِهِ الكَلِماتِ عَبَّرَ بُطرُسُ بإختِصارٍ، عِندَما سألَهُ المُعَلِّمُ والتّلاميذَ الآخَرينَ عَن إيمانِهِ بِهِ (...)، وَقَبلَ المُحادَثَةِ التي أعلَنَ فيها بُطرُسُ عَن إيمانِهِ، كانَ أيضاً سؤالٌ آخَرٌ: سألَ يَسوعُ: "مَن إبنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاسِ؟" (مَتّى 16/13). (...). يَقولُ الإنجيلِيُّ مَتّى إنَّ المُحادَثَةَ بَينَ يَسوعَ وَتَلاميذِهِ حَولَ هَوِيَّتِهِ جَرَت في مَدينَةِ قَيصَرِيَّةِ فيليبُّسَ الجَميلَةِ، المَليئَةِ بالقُصورِ الفَخمَةِ، والمُحاطَةِ بِمَناظِرَ طبيعِيَّةٍ ساحِرَةٍ، عِندَ أقدامِ جَبَلِ حَرَمونَ، وَهي أيضاً مَركَزٌ لِدَوائِرَ سُلطَةٍ قاسِيَةٍ وَمسرَحُ خياناتٍ وَعَدَمِ أمانَةٍ. هَذِهِ الصورَةُ تُعَبِّرُ عَن عالَمٍ يَعتَبِرُ يَسوعَ (...) إذا صارَ حُضورُهُ مُزعِجاً (...)، فَلَن يَتَرَدَّدَ هَذا 'العالَمُ' عَن رَفضِهِ وَتَصفِيَتِهِ". مِن ذاكَ اللاوُنَ ألكَرَّسَهُ الى هَذا اللاوُنَ ألثَبَّتَهُ، لبنانُ-الكَيانُ ‒مِن جَبَلِ لبنانَ الى حَرَمونَ-التَجَلِّيَ‒، نَعيمُ النُزوعِ في الأُلوهَةِ، وَمِنها، وَلَها: إنتِصارُ الحَقِّ-البُطولَةِ في أعلى مَرتَبِيَّةِ الوجودِ بِطَبيعَتَيهِ: الأُلوهَةُ في وَطَنٍ، وَوَطَنٌ في الأُلوهَةِ... والعالَمُ عِندَ "أقدامِهِ".

نهجُ الإِمام علي (ع).. اقتداء وانتماء والتزام
نهجُ الإِمام علي (ع).. اقتداء وانتماء والتزام

شبكة النبأ

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • شبكة النبأ

نهجُ الإِمام علي (ع).. اقتداء وانتماء والتزام

لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!. لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة... (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). إِنَّ نهجَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حقائِقٌ ووقائِعٌ ونماذِجٌ وقُدوةٌ وأُسوةٌ، فهوَ ليسَ مِثاليٌّ خارج المألُوف أَبداً، كما أَنَّهُ ليسَ بمُعجزةٍ لا يُمكِنُ تصوُّرَ الإِهتداءَ بهِ، ولو أَردنا أَن نعتبِرهُ كذلكَ للتهرُّبِ من المسؤُوليَّةِ أَو لتبريرِ عدمِ التزامِنا بهِ والسَّيرِ على نهجهِ، فهذا يعني أَنَّنا ننظُرَ إِلى كُلِّ الرُّسُلِ والأَنبياءِ بمثلِ ذلكَ؛ مناهجٌ مثاليَّةٌ وسِيَرٌ خارِقةٌ للعادةِ! وهذا جهلٌ مُركَّبٌ أَو خرقٌ غَيرُ مُبرَّرٍ، وهو الذي يعتمِدهُ تُجَّار الدِّينِ والعقيدةِ!. حتَّى لُقمانَ (ع) يكُونُ حسبَ هذا الرَّأي منهجٌ مِثاليٌّ! فما فائِدةُ القُرآن الكريم وقصصهِ وأَمثالهِ إِذن؟!. ما الفرقُ بينَ نهجِ رسُولِ اللهِ (ص) ونهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) الذي يصفُ علاقتهُ بنفسهِ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) وابنِ عمِّهِ بقَولهِ (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (ص) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (ص) فَقُلْتُ؛ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟! فَقَالَ؛ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ). فإِذا اعتبرنا نهجُ عليٍّ (ع) مثاليٌّ وخارج المألُوف لا يُمكِنُ بل من المستحيلِ الإِلتزامَ بهِ، فكذلكَ سنقُولُ نفسَ الكلامِ عن نهجِ رسُولِ الله (ص) فأَينَ تذهبُونَ؟!. صحيحٌ لا أَحدَ يقدرُ على الإِلتزامِ بنهجِ الإِمامِ (ع) بحذافيرهِ إِلَّا أَنَّهُ (ع) رسمَ طريقاً ينتهي إِليهِ مَن يسعى لذلكَ قائلاً (أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه، أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ). حتَّى هذهِ الخِصال الأَربع لم نلمسَها أَو نراها فيمن يدَّعي التزامهُ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحكُمِ، بل لم نلمِسَ حتَّى خِصلةً واحدةً منها، فلم نرَ منهُم ورعاً في الإِدارةِ ولا اجتهاداً في الإِنجازِ الحقيقي الذي يخدِم عبادَ الله تعالى ولا عِفَّةً في التَّعامُلِ معَ بيتِ المالِ ولا سداداً في قَولٍ أَو فعلٍ، فيما يُفترضُ أَن يكُونوا ممَّن يجتهِدُ في أَن يقدِرَ على ذلكَ كما يقُولُ (ع) (فَوَاللَّه مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا). فإِذا كانُوا يتصوَّرُونَ أَنَّ نهجَ الإِمامِ (ع) مثاليٌّ فلماذا يدَّعُونَ الإِنتماءَ إِليهِ؟! لماذا، إِذن، يكذِبون؟!. السَّببُ واضحٌ فهُم يريدُونَ مصادرَة التَّاريخ لصالحِ أَجنداتهِم الخاصَّة، وبذلكَ يسعَونَ لتضليلِ السذَّجِ من النَّاسِ. إِنَّهُم يريدُونَ النَّهجَ شِعارٌ للتستُّرِ بهِ ويتجاهلُونهُ دِثاراً لأَنَّهُ يتضارب ومصالِحهُم الخاصَّة!. وهذهِ هي مُشكلةُ النَّاسِ عادةً فهُم يعرفُونَ الحقَّ بالرِّجالِ ولذلكَ يخطأُونَ المسيرَ ولا يصلُونَ إِلى نتيجةٍ معقُولةِ ومقبُولةٍ ولا يستقيمُونَ على الجَّادَّةِ ولا يتَّبِعُونَ الإِنسان الصَّح في الوقتِ الصَّح!. فقَد قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَى أَميرَ المُؤمنينَ (ع) فَقَالَ؛ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؟! فَقَالَ (ع)؛ يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ، إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه ولَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه. فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ (ع)؛ إِنَّ سَعِيداً وعَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ ولَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ). هذا هوَ نهجُ الإِمام (ع) لمَن أَرادَ أَن يسيرَ عليهِ من دونِ خداعٍ للذَّاتِ. أَمَّا الذينَ يحدِّثنا عنهُم القرآن الكريم بقولهِ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). فهؤُلاء مهما حرَّفوا وغيَّروا وكتبُوا وضللَّوا وزوَّروا وغشُّوا فلن يكتبُوا لنا نهجاً علوَّياً [جديداً] حسبَ مزاجهِم، فالمنهجُ العلويٌّ واضِحٌ وضُوحَ الشَّمسِ في رابعةِ النَّهارِ لا يمكنُ لأَحدٍ أَن يغيِّرهُ ويبدِّلهُ فهوَ عصيٌّ على التَّزييفِ وأَنَّ من يفعَل ذلكَ أَو يُحاوِلُ لا يخدَع إِلَّا نفسهُ ولا يضحَك إِلَّا على ذقنهِ. إِنَّهم يعتاشُونَ على الكذبِ والتَّزويرِ والتَّدليسِ والدَّجلِ والتقمُّصِ غَير المحمُود، ولقد وصفَ القرآن الكريم حالهُم بقولهِ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ). ومن مصاديقهِ سعيهُم للتَّرويجِ لتزويرهِم المفضُوحِ من خلالِ مُسلسلٍ تجاريٍّ لا يمتُّ لحقائقِ التَّاريخي بأَيِّ صلةٍ!. وبمثلِ هؤُلاء يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) زماننا بقولهِ (والَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً ولَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، واللَّه مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ولَا كَذَبْتُ كِذْبَةً ولَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وهَذَا الْيَوْمِ). فهؤُلاء بلاءٌ علينا وفتنةٌ للأُمَّةِ لأَنَّهم مصداقَ قولِ الله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ). الانتماء يستدعي الالتزام (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ). لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ، ولا أَحدَ يغتصِبُ أَحداً لتنفيذِ مُفرداتِ سيرتهِ، ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!. لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة. يقُولُ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). ما الفرقُ بينهُم وبينَ مَن يصفهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ (رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالإِسْلَامِ لَا يَتَأَثَّمُ ولَا يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّه (ص) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّه مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْه ولَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ). فذاكَ مُتصنِّعُ الإِسلامِ وهذا مُتصنِّعُ النَّهجِ العلويِّ!. فإِلى الذين يدَّعُونَ أَنَّهُم على نهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في السُّلطةِ والحُكمِ، تعالُوا نتابع معكُم جردةَ الحِسابِ هذهِ لنرى أَينَ أَنتُم منها؟! وأَينَ تقِفونَ؟!. فمن ملامحِ نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) ما يلي؛ - لم يتهالَك الإِمامُ على السُّلطةِ والخِلافةِ أَبداً لأَنَّ السُّلطةَ عندهُ وسيلةٌ وليست هدفاً، فإِذا ساعدَت في تحقيقِ رسالتهِ وإِنجازِ عهُودهِ ووعُودهِ ومكَّنتهُ من أَهدافهِ الرِّساليَّة فبِها وإِلَّا فلا حاجةَ لهُ بها. ولذلكَ عندما انثالَ عليهِ النَّاسُ يُبايعونهُ للخلافةِ خطبَ فيهِم قبلَ أَن يمُدَّ يدهُ لهُم قائلاً (دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَه وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَه الْقُلُوبُ ولَا تَثْبُتُ عَلَيْه الْعُقُولُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!). يقُولُ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسِ؛ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه فَقَالَ لِي؛ مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟! فَقُلْتُ؛ لَا قِيمَةَ لَهَا! فَقَالَ (ع) (واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا). فمَن مِن الذينَ يدَّعُون الإِنتماء إِلى نهجِ الإِمامِ (ع) في الحُكمِ التزمَ بهذا الثَّابت فلم يُغيِّر ويبدِّل فقط من أَجلِ أَن يصلَ إِلى السُّلطةِ وعندها [لكُلِّ حادثٍ حديثٍ] كما يقولُونَ؟!. مَن منكُم لَم تحوِّلهُ السُّلطةُ إِلى نعلٍ ينتعِلهُ الظُّلم والجَور؟!. - السُّلطةُ أَداةٌ لإِقامةِ الحقِّ والعدلِ، وهي وسيلةٌ لمُكافحةِ الفسادِ المالي والإِداري على حدٍّ سَواء، فما حاجةُ الإِمام (ع) للحُكمِ إِذا عجزَ عن تحقيقِ ذلكَ؟!. يقُولُ (ع) (أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ومَا أَخَذَ اللَّه عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ!). وقد خطبَ (ع) في أَوَّلِ خلافتهِ مُهدِّداً ومُحذِّراً الذين ينتظرُونَ منهُ أَن يغُضَّ النَّظر عن فسادهِم ولصُوصيَّتهِم فيطوي صفحةَ الماضي الفاسِد والفاشِل ليبدأَ عهداً جديداً من النَّزاهةِ الماليَّةِ والإِداريَّة (واللَّه لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِه النِّسَاءُ ومُلِكَ بِه الإِمَاءُ لَرَدَدْتُه فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ومَنْ ضَاقَ عَلَيْه الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْه أَضْيَقُ!). لقد خيَّبَ الإِمامُ آمالهُم بإِمكانيَّةِ التَّغاضي عن سرقاتهِم والتَّغافُلِ عن فسادهِم، ففي نهجِ (ع) لا يسقطُ الحقُّ المسرُوق بالتَّقادُمِ إِذ لا بُدَّ مِن إِعادةِ الحقُوقِ إِلى أَصحابِها مهما طالَ الزَّمن!. وعندما دعاهُ بعضُ الصَّحابة إِلى أَن يميِّزَ في العطاءِ بينَ أَهل السَّابِقة في الدِّين [جماعةُ الخِدمة الجِهاديَّة] وبينَ مَن يرَونهُ مُواطناً من الدَّرجةِ الثَّانيةِ إِعتبرَ ذلكَ ظُلمٌ وفسادٌ وتجاوزٌ على حقِّ الرَّعيَّةِ قائلاً (أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْه! واللَّه لَا أَطُورُ بِه مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّه! أَلَا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّه تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا ويَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ويُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ ويُهِينُهُ عِنْدَ اللَّه، ولَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ولَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّه شُكْرَهُمْ وكَانَ لِغَيْرِه وُدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِه النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وأَلأَمُ خَدِينٍ!). فكانَ اليأسُ يدبُّ في نفُوسِ هذهِ النَّماذجِ عندما كانُوا يسمعُونهُ (ع) يقُولُ (واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا). وكتبَ لأَحدِ عُمَّالهِ الفاسدينَ مُحذِّراً (كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذِه الأَمْوَالَ وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِه الْبِلَادَ! فَاتَّقِ اللَّه وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّه مِنْكَ لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّه فِيكَ ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ!). وعندما طلبَ منهُ أَخوهُ عقيلٌ أَن يُزيدهُ من بيتِ المالِ [قرضاً] فوقَ حقِّهِ أَجابهُ في قصَّةٍ مشهورةٍ يروِيها الإِمامُ (ع) قائلاً (واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ورَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْه سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وأَتَّبِعُ قِيَادَه مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَه حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَه؛ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِه وتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِه! أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟!). فمَن مِن هؤُلاء المُدَّعين التزامهُم بنهجِ الإِمامِ أَحمى حديدةً لنفسهِ قبلَ غيرهِ ليُذكِّرَها بالمآلِ؟!. مَن مِنهُم تعاملَ بالعِفَّةٍ معَ المالِ العامِ المُؤتمَنُ عليهِ؟!. كفاكُم كذِباً وغُشّاً وتضليلاً وضِحكاً على ذقُونِ العوامِّ!.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store