
نهجُ الإِمام علي (ع).. اقتداء وانتماء والتزام
لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!. لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة...
(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
إِنَّ نهجَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حقائِقٌ ووقائِعٌ ونماذِجٌ وقُدوةٌ وأُسوةٌ، فهوَ ليسَ مِثاليٌّ خارج المألُوف أَبداً، كما أَنَّهُ ليسَ بمُعجزةٍ لا يُمكِنُ تصوُّرَ الإِهتداءَ بهِ، ولو أَردنا أَن نعتبِرهُ كذلكَ للتهرُّبِ من المسؤُوليَّةِ أَو لتبريرِ عدمِ التزامِنا بهِ والسَّيرِ على نهجهِ، فهذا يعني أَنَّنا ننظُرَ إِلى كُلِّ الرُّسُلِ والأَنبياءِ بمثلِ ذلكَ؛ مناهجٌ مثاليَّةٌ وسِيَرٌ خارِقةٌ للعادةِ! وهذا جهلٌ مُركَّبٌ أَو خرقٌ غَيرُ مُبرَّرٍ، وهو الذي يعتمِدهُ تُجَّار الدِّينِ والعقيدةِ!.
حتَّى لُقمانَ (ع) يكُونُ حسبَ هذا الرَّأي منهجٌ مِثاليٌّ! فما فائِدةُ القُرآن الكريم وقصصهِ وأَمثالهِ إِذن؟!.
ما الفرقُ بينَ نهجِ رسُولِ اللهِ (ص) ونهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) الذي يصفُ علاقتهُ بنفسهِ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) وابنِ عمِّهِ بقَولهِ (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (ص) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (ص) فَقُلْتُ؛ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟! فَقَالَ؛ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ).
فإِذا اعتبرنا نهجُ عليٍّ (ع) مثاليٌّ وخارج المألُوف لا يُمكِنُ بل من المستحيلِ الإِلتزامَ بهِ، فكذلكَ سنقُولُ نفسَ الكلامِ عن نهجِ رسُولِ الله (ص) فأَينَ تذهبُونَ؟!.
صحيحٌ لا أَحدَ يقدرُ على الإِلتزامِ بنهجِ الإِمامِ (ع) بحذافيرهِ إِلَّا أَنَّهُ (ع) رسمَ طريقاً ينتهي إِليهِ مَن يسعى لذلكَ قائلاً (أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه، أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ).
حتَّى هذهِ الخِصال الأَربع لم نلمسَها أَو نراها فيمن يدَّعي التزامهُ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحكُمِ، بل لم نلمِسَ حتَّى خِصلةً واحدةً منها، فلم نرَ منهُم ورعاً في الإِدارةِ ولا اجتهاداً في الإِنجازِ الحقيقي الذي يخدِم عبادَ الله تعالى ولا عِفَّةً في التَّعامُلِ معَ بيتِ المالِ ولا سداداً في قَولٍ أَو فعلٍ، فيما يُفترضُ أَن يكُونوا ممَّن يجتهِدُ في أَن يقدِرَ على ذلكَ كما يقُولُ (ع) (فَوَاللَّه مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا).
فإِذا كانُوا يتصوَّرُونَ أَنَّ نهجَ الإِمامِ (ع) مثاليٌّ فلماذا يدَّعُونَ الإِنتماءَ إِليهِ؟! لماذا، إِذن، يكذِبون؟!.
السَّببُ واضحٌ فهُم يريدُونَ مصادرَة التَّاريخ لصالحِ أَجنداتهِم الخاصَّة، وبذلكَ يسعَونَ لتضليلِ السذَّجِ من النَّاسِ.
إِنَّهُم يريدُونَ النَّهجَ شِعارٌ للتستُّرِ بهِ ويتجاهلُونهُ دِثاراً لأَنَّهُ يتضارب ومصالِحهُم الخاصَّة!.
وهذهِ هي مُشكلةُ النَّاسِ عادةً فهُم يعرفُونَ الحقَّ بالرِّجالِ ولذلكَ يخطأُونَ المسيرَ ولا يصلُونَ إِلى نتيجةٍ معقُولةِ ومقبُولةٍ ولا يستقيمُونَ على الجَّادَّةِ ولا يتَّبِعُونَ الإِنسان الصَّح في الوقتِ الصَّح!.
فقَد قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَى أَميرَ المُؤمنينَ (ع) فَقَالَ؛ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؟! فَقَالَ (ع)؛ يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ، إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه ولَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه.
فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ (ع)؛ إِنَّ سَعِيداً وعَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ ولَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ).
هذا هوَ نهجُ الإِمام (ع) لمَن أَرادَ أَن يسيرَ عليهِ من دونِ خداعٍ للذَّاتِ.
أَمَّا الذينَ يحدِّثنا عنهُم القرآن الكريم بقولهِ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
فهؤُلاء مهما حرَّفوا وغيَّروا وكتبُوا وضللَّوا وزوَّروا وغشُّوا فلن يكتبُوا لنا نهجاً علوَّياً [جديداً] حسبَ مزاجهِم، فالمنهجُ العلويٌّ واضِحٌ وضُوحَ الشَّمسِ في رابعةِ النَّهارِ لا يمكنُ لأَحدٍ أَن يغيِّرهُ ويبدِّلهُ فهوَ عصيٌّ على التَّزييفِ وأَنَّ من يفعَل ذلكَ أَو يُحاوِلُ لا يخدَع إِلَّا نفسهُ ولا يضحَك إِلَّا على ذقنهِ.
إِنَّهم يعتاشُونَ على الكذبِ والتَّزويرِ والتَّدليسِ والدَّجلِ والتقمُّصِ غَير المحمُود، ولقد وصفَ القرآن الكريم حالهُم بقولهِ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
ومن مصاديقهِ سعيهُم للتَّرويجِ لتزويرهِم المفضُوحِ من خلالِ مُسلسلٍ تجاريٍّ لا يمتُّ لحقائقِ التَّاريخي بأَيِّ صلةٍ!.
وبمثلِ هؤُلاء يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) زماننا بقولهِ (والَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً ولَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، واللَّه مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ولَا كَذَبْتُ كِذْبَةً ولَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وهَذَا الْيَوْمِ).
فهؤُلاء بلاءٌ علينا وفتنةٌ للأُمَّةِ لأَنَّهم مصداقَ قولِ الله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ).
الانتماء يستدعي الالتزام
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ).
لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ، ولا أَحدَ يغتصِبُ أَحداً لتنفيذِ مُفرداتِ سيرتهِ، ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!.
لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة.
يقُولُ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
ما الفرقُ بينهُم وبينَ مَن يصفهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ (رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالإِسْلَامِ لَا يَتَأَثَّمُ ولَا يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّه (ص) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّه مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْه ولَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ).
فذاكَ مُتصنِّعُ الإِسلامِ وهذا مُتصنِّعُ النَّهجِ العلويِّ!.
فإِلى الذين يدَّعُونَ أَنَّهُم على نهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في السُّلطةِ والحُكمِ، تعالُوا نتابع معكُم جردةَ الحِسابِ هذهِ لنرى أَينَ أَنتُم منها؟! وأَينَ تقِفونَ؟!.
فمن ملامحِ نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) ما يلي؛
- لم يتهالَك الإِمامُ على السُّلطةِ والخِلافةِ أَبداً لأَنَّ السُّلطةَ عندهُ وسيلةٌ وليست هدفاً، فإِذا ساعدَت في تحقيقِ رسالتهِ وإِنجازِ عهُودهِ ووعُودهِ ومكَّنتهُ من أَهدافهِ الرِّساليَّة فبِها وإِلَّا فلا حاجةَ لهُ بها.
ولذلكَ عندما انثالَ عليهِ النَّاسُ يُبايعونهُ للخلافةِ خطبَ فيهِم قبلَ أَن يمُدَّ يدهُ لهُم قائلاً (دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَه وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَه الْقُلُوبُ ولَا تَثْبُتُ عَلَيْه الْعُقُولُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!).
يقُولُ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسِ؛ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه فَقَالَ لِي؛ مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟! فَقُلْتُ؛ لَا قِيمَةَ لَهَا! فَقَالَ (ع) (واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا).
فمَن مِن الذينَ يدَّعُون الإِنتماء إِلى نهجِ الإِمامِ (ع) في الحُكمِ التزمَ بهذا الثَّابت فلم يُغيِّر ويبدِّل فقط من أَجلِ أَن يصلَ إِلى السُّلطةِ وعندها [لكُلِّ حادثٍ حديثٍ] كما يقولُونَ؟!.
مَن منكُم لَم تحوِّلهُ السُّلطةُ إِلى نعلٍ ينتعِلهُ الظُّلم والجَور؟!.
- السُّلطةُ أَداةٌ لإِقامةِ الحقِّ والعدلِ، وهي وسيلةٌ لمُكافحةِ الفسادِ المالي والإِداري على حدٍّ سَواء، فما حاجةُ الإِمام (ع) للحُكمِ إِذا عجزَ عن تحقيقِ ذلكَ؟!.
يقُولُ (ع) (أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ومَا أَخَذَ اللَّه عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ!).
وقد خطبَ (ع) في أَوَّلِ خلافتهِ مُهدِّداً ومُحذِّراً الذين ينتظرُونَ منهُ أَن يغُضَّ النَّظر عن فسادهِم ولصُوصيَّتهِم فيطوي صفحةَ الماضي الفاسِد والفاشِل ليبدأَ عهداً جديداً من النَّزاهةِ الماليَّةِ والإِداريَّة (واللَّه لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِه النِّسَاءُ ومُلِكَ بِه الإِمَاءُ لَرَدَدْتُه فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ومَنْ ضَاقَ عَلَيْه الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْه أَضْيَقُ!).
لقد خيَّبَ الإِمامُ آمالهُم بإِمكانيَّةِ التَّغاضي عن سرقاتهِم والتَّغافُلِ عن فسادهِم، ففي نهجِ (ع) لا يسقطُ الحقُّ المسرُوق بالتَّقادُمِ إِذ لا بُدَّ مِن إِعادةِ الحقُوقِ إِلى أَصحابِها مهما طالَ الزَّمن!.
وعندما دعاهُ بعضُ الصَّحابة إِلى أَن يميِّزَ في العطاءِ بينَ أَهل السَّابِقة في الدِّين [جماعةُ الخِدمة الجِهاديَّة] وبينَ مَن يرَونهُ مُواطناً من الدَّرجةِ الثَّانيةِ إِعتبرَ ذلكَ ظُلمٌ وفسادٌ وتجاوزٌ على حقِّ الرَّعيَّةِ قائلاً (أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْه! واللَّه لَا أَطُورُ بِه مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّه! أَلَا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّه تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا ويَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ويُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ ويُهِينُهُ عِنْدَ اللَّه، ولَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ولَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّه شُكْرَهُمْ وكَانَ لِغَيْرِه وُدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِه النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وأَلأَمُ خَدِينٍ!).
فكانَ اليأسُ يدبُّ في نفُوسِ هذهِ النَّماذجِ عندما كانُوا يسمعُونهُ (ع) يقُولُ (واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا).
وكتبَ لأَحدِ عُمَّالهِ الفاسدينَ مُحذِّراً (كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذِه الأَمْوَالَ وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِه الْبِلَادَ! فَاتَّقِ اللَّه وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّه مِنْكَ لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّه فِيكَ ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ!).
وعندما طلبَ منهُ أَخوهُ عقيلٌ أَن يُزيدهُ من بيتِ المالِ [قرضاً] فوقَ حقِّهِ أَجابهُ في قصَّةٍ مشهورةٍ يروِيها الإِمامُ (ع) قائلاً (واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ورَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْه سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وأَتَّبِعُ قِيَادَه مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَه حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَه؛ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِه وتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِه! أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟!).
فمَن مِن هؤُلاء المُدَّعين التزامهُم بنهجِ الإِمامِ أَحمى حديدةً لنفسهِ قبلَ غيرهِ ليُذكِّرَها بالمآلِ؟!.
مَن مِنهُم تعاملَ بالعِفَّةٍ معَ المالِ العامِ المُؤتمَنُ عليهِ؟!.
كفاكُم كذِباً وغُشّاً وتضليلاً وضِحكاً على ذقُونِ العوامِّ!.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ يوم واحد
- شبكة النبأ
نهجُ الإِمام علي (ع).. اقتداء وانتماء والتزام
لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!. لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة... (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). إِنَّ نهجَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حقائِقٌ ووقائِعٌ ونماذِجٌ وقُدوةٌ وأُسوةٌ، فهوَ ليسَ مِثاليٌّ خارج المألُوف أَبداً، كما أَنَّهُ ليسَ بمُعجزةٍ لا يُمكِنُ تصوُّرَ الإِهتداءَ بهِ، ولو أَردنا أَن نعتبِرهُ كذلكَ للتهرُّبِ من المسؤُوليَّةِ أَو لتبريرِ عدمِ التزامِنا بهِ والسَّيرِ على نهجهِ، فهذا يعني أَنَّنا ننظُرَ إِلى كُلِّ الرُّسُلِ والأَنبياءِ بمثلِ ذلكَ؛ مناهجٌ مثاليَّةٌ وسِيَرٌ خارِقةٌ للعادةِ! وهذا جهلٌ مُركَّبٌ أَو خرقٌ غَيرُ مُبرَّرٍ، وهو الذي يعتمِدهُ تُجَّار الدِّينِ والعقيدةِ!. حتَّى لُقمانَ (ع) يكُونُ حسبَ هذا الرَّأي منهجٌ مِثاليٌّ! فما فائِدةُ القُرآن الكريم وقصصهِ وأَمثالهِ إِذن؟!. ما الفرقُ بينَ نهجِ رسُولِ اللهِ (ص) ونهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) الذي يصفُ علاقتهُ بنفسهِ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) وابنِ عمِّهِ بقَولهِ (وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (ص) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (ص) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (ص) فَقُلْتُ؛ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟! فَقَالَ؛ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ). فإِذا اعتبرنا نهجُ عليٍّ (ع) مثاليٌّ وخارج المألُوف لا يُمكِنُ بل من المستحيلِ الإِلتزامَ بهِ، فكذلكَ سنقُولُ نفسَ الكلامِ عن نهجِ رسُولِ الله (ص) فأَينَ تذهبُونَ؟!. صحيحٌ لا أَحدَ يقدرُ على الإِلتزامِ بنهجِ الإِمامِ (ع) بحذافيرهِ إِلَّا أَنَّهُ (ع) رسمَ طريقاً ينتهي إِليهِ مَن يسعى لذلكَ قائلاً (أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه، أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ). حتَّى هذهِ الخِصال الأَربع لم نلمسَها أَو نراها فيمن يدَّعي التزامهُ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحكُمِ، بل لم نلمِسَ حتَّى خِصلةً واحدةً منها، فلم نرَ منهُم ورعاً في الإِدارةِ ولا اجتهاداً في الإِنجازِ الحقيقي الذي يخدِم عبادَ الله تعالى ولا عِفَّةً في التَّعامُلِ معَ بيتِ المالِ ولا سداداً في قَولٍ أَو فعلٍ، فيما يُفترضُ أَن يكُونوا ممَّن يجتهِدُ في أَن يقدِرَ على ذلكَ كما يقُولُ (ع) (فَوَاللَّه مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا). فإِذا كانُوا يتصوَّرُونَ أَنَّ نهجَ الإِمامِ (ع) مثاليٌّ فلماذا يدَّعُونَ الإِنتماءَ إِليهِ؟! لماذا، إِذن، يكذِبون؟!. السَّببُ واضحٌ فهُم يريدُونَ مصادرَة التَّاريخ لصالحِ أَجنداتهِم الخاصَّة، وبذلكَ يسعَونَ لتضليلِ السذَّجِ من النَّاسِ. إِنَّهُم يريدُونَ النَّهجَ شِعارٌ للتستُّرِ بهِ ويتجاهلُونهُ دِثاراً لأَنَّهُ يتضارب ومصالِحهُم الخاصَّة!. وهذهِ هي مُشكلةُ النَّاسِ عادةً فهُم يعرفُونَ الحقَّ بالرِّجالِ ولذلكَ يخطأُونَ المسيرَ ولا يصلُونَ إِلى نتيجةٍ معقُولةِ ومقبُولةٍ ولا يستقيمُونَ على الجَّادَّةِ ولا يتَّبِعُونَ الإِنسان الصَّح في الوقتِ الصَّح!. فقَد قِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَى أَميرَ المُؤمنينَ (ع) فَقَالَ؛ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ؟! فَقَالَ (ع)؛ يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ، إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه ولَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه. فَقَالَ الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ (ع)؛ إِنَّ سَعِيداً وعَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ ولَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ). هذا هوَ نهجُ الإِمام (ع) لمَن أَرادَ أَن يسيرَ عليهِ من دونِ خداعٍ للذَّاتِ. أَمَّا الذينَ يحدِّثنا عنهُم القرآن الكريم بقولهِ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). فهؤُلاء مهما حرَّفوا وغيَّروا وكتبُوا وضللَّوا وزوَّروا وغشُّوا فلن يكتبُوا لنا نهجاً علوَّياً [جديداً] حسبَ مزاجهِم، فالمنهجُ العلويٌّ واضِحٌ وضُوحَ الشَّمسِ في رابعةِ النَّهارِ لا يمكنُ لأَحدٍ أَن يغيِّرهُ ويبدِّلهُ فهوَ عصيٌّ على التَّزييفِ وأَنَّ من يفعَل ذلكَ أَو يُحاوِلُ لا يخدَع إِلَّا نفسهُ ولا يضحَك إِلَّا على ذقنهِ. إِنَّهم يعتاشُونَ على الكذبِ والتَّزويرِ والتَّدليسِ والدَّجلِ والتقمُّصِ غَير المحمُود، ولقد وصفَ القرآن الكريم حالهُم بقولهِ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ). ومن مصاديقهِ سعيهُم للتَّرويجِ لتزويرهِم المفضُوحِ من خلالِ مُسلسلٍ تجاريٍّ لا يمتُّ لحقائقِ التَّاريخي بأَيِّ صلةٍ!. وبمثلِ هؤُلاء يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) زماننا بقولهِ (والَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً ولَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، واللَّه مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ولَا كَذَبْتُ كِذْبَةً ولَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وهَذَا الْيَوْمِ). فهؤُلاء بلاءٌ علينا وفتنةٌ للأُمَّةِ لأَنَّهم مصداقَ قولِ الله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ). الانتماء يستدعي الالتزام (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ). لا أَحدَ يُجبِرُكَ على الإِلتزامِ بنهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في الحُكمِ، ولا أَحدَ يغتصِبُ أَحداً لتنفيذِ مُفرداتِ سيرتهِ، ولكن؛ عندما تدَّعي الإِنتماء فعليكَ بالإِلتزامِ، وهنا يأتي الإِكراهُ حتَّى تلتزِمَ أَو تدع!. لا يحِقُّ لكَ أَن تدَّعي التزامكَ بنهجهِ (ع) ثُمَّ تُخالفَهُ أَو تُناقِضهُ، فذلكَ هوَ النِّفاقُ والكذِبُ والغشُّ بعينهِ، فأَنت مُحاسَبٌ في الدُّنيا قبلَ الآخِرة. يقُولُ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). ما الفرقُ بينهُم وبينَ مَن يصفهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ (رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالإِسْلَامِ لَا يَتَأَثَّمُ ولَا يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّه (ص) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّه مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْه ولَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ). فذاكَ مُتصنِّعُ الإِسلامِ وهذا مُتصنِّعُ النَّهجِ العلويِّ!. فإِلى الذين يدَّعُونَ أَنَّهُم على نهجِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) في السُّلطةِ والحُكمِ، تعالُوا نتابع معكُم جردةَ الحِسابِ هذهِ لنرى أَينَ أَنتُم منها؟! وأَينَ تقِفونَ؟!. فمن ملامحِ نهجِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) ما يلي؛ - لم يتهالَك الإِمامُ على السُّلطةِ والخِلافةِ أَبداً لأَنَّ السُّلطةَ عندهُ وسيلةٌ وليست هدفاً، فإِذا ساعدَت في تحقيقِ رسالتهِ وإِنجازِ عهُودهِ ووعُودهِ ومكَّنتهُ من أَهدافهِ الرِّساليَّة فبِها وإِلَّا فلا حاجةَ لهُ بها. ولذلكَ عندما انثالَ عليهِ النَّاسُ يُبايعونهُ للخلافةِ خطبَ فيهِم قبلَ أَن يمُدَّ يدهُ لهُم قائلاً (دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَه وُجُوهٌ وأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَه الْقُلُوبُ ولَا تَثْبُتُ عَلَيْه الْعُقُولُ وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ والْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ولَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وعَتْبِ الْعَاتِبِ وإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!). يقُولُ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسِ؛ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه فَقَالَ لِي؛ مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟! فَقُلْتُ؛ لَا قِيمَةَ لَهَا! فَقَالَ (ع) (واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا). فمَن مِن الذينَ يدَّعُون الإِنتماء إِلى نهجِ الإِمامِ (ع) في الحُكمِ التزمَ بهذا الثَّابت فلم يُغيِّر ويبدِّل فقط من أَجلِ أَن يصلَ إِلى السُّلطةِ وعندها [لكُلِّ حادثٍ حديثٍ] كما يقولُونَ؟!. مَن منكُم لَم تحوِّلهُ السُّلطةُ إِلى نعلٍ ينتعِلهُ الظُّلم والجَور؟!. - السُّلطةُ أَداةٌ لإِقامةِ الحقِّ والعدلِ، وهي وسيلةٌ لمُكافحةِ الفسادِ المالي والإِداري على حدٍّ سَواء، فما حاجةُ الإِمام (ع) للحُكمِ إِذا عجزَ عن تحقيقِ ذلكَ؟!. يقُولُ (ع) (أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ومَا أَخَذَ اللَّه عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ!). وقد خطبَ (ع) في أَوَّلِ خلافتهِ مُهدِّداً ومُحذِّراً الذين ينتظرُونَ منهُ أَن يغُضَّ النَّظر عن فسادهِم ولصُوصيَّتهِم فيطوي صفحةَ الماضي الفاسِد والفاشِل ليبدأَ عهداً جديداً من النَّزاهةِ الماليَّةِ والإِداريَّة (واللَّه لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِه النِّسَاءُ ومُلِكَ بِه الإِمَاءُ لَرَدَدْتُه فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ومَنْ ضَاقَ عَلَيْه الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْه أَضْيَقُ!). لقد خيَّبَ الإِمامُ آمالهُم بإِمكانيَّةِ التَّغاضي عن سرقاتهِم والتَّغافُلِ عن فسادهِم، ففي نهجِ (ع) لا يسقطُ الحقُّ المسرُوق بالتَّقادُمِ إِذ لا بُدَّ مِن إِعادةِ الحقُوقِ إِلى أَصحابِها مهما طالَ الزَّمن!. وعندما دعاهُ بعضُ الصَّحابة إِلى أَن يميِّزَ في العطاءِ بينَ أَهل السَّابِقة في الدِّين [جماعةُ الخِدمة الجِهاديَّة] وبينَ مَن يرَونهُ مُواطناً من الدَّرجةِ الثَّانيةِ إِعتبرَ ذلكَ ظُلمٌ وفسادٌ وتجاوزٌ على حقِّ الرَّعيَّةِ قائلاً (أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْه! واللَّه لَا أَطُورُ بِه مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّه! أَلَا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّه تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا ويَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ويُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ ويُهِينُهُ عِنْدَ اللَّه، ولَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ولَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّه شُكْرَهُمْ وكَانَ لِغَيْرِه وُدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِه النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وأَلأَمُ خَدِينٍ!). فكانَ اليأسُ يدبُّ في نفُوسِ هذهِ النَّماذجِ عندما كانُوا يسمعُونهُ (ع) يقُولُ (واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا). وكتبَ لأَحدِ عُمَّالهِ الفاسدينَ مُحذِّراً (كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذِه الأَمْوَالَ وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِه الْبِلَادَ! فَاتَّقِ اللَّه وارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّه مِنْكَ لأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّه فِيكَ ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النَّارَ!). وعندما طلبَ منهُ أَخوهُ عقيلٌ أَن يُزيدهُ من بيتِ المالِ [قرضاً] فوقَ حقِّهِ أَجابهُ في قصَّةٍ مشهورةٍ يروِيها الإِمامُ (ع) قائلاً (واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ورَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْه سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وأَتَّبِعُ قِيَادَه مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَه حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَه؛ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِه وتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِه! أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟!). فمَن مِن هؤُلاء المُدَّعين التزامهُم بنهجِ الإِمامِ أَحمى حديدةً لنفسهِ قبلَ غيرهِ ليُذكِّرَها بالمآلِ؟!. مَن مِنهُم تعاملَ بالعِفَّةٍ معَ المالِ العامِ المُؤتمَنُ عليهِ؟!. كفاكُم كذِباً وغُشّاً وتضليلاً وضِحكاً على ذقُونِ العوامِّ!.


شبكة النبأ
منذ 2 أيام
- شبكة النبأ
أدب الخلاف مع الآخر عند أهل البيت (ع)
من يراجع سيرة أهل البيت مع مخالفيهم سواء في العقيدة أو الرأي أو غير ذلك يتضح له بوضوح أنهم رغم قدرتهم على فرض آرائهم على غيرهم إلا أنهم لم يلجأوا إلى ذلك بل آثروا التعامل معهم بالأدب والخُلق الرفيع ما دعا كثيراً من مخالفيهم إلى الرجوع عن آرائهم ومعتقداتهم... ليس من المتوقّع أن يتحد الناس على اختلاف مذاقاتهم ومشاربهم الفكرية والعقائدية ويصبحوا على نهج واحد، لأنهم من الأساس خلقوا مختلفين وهذا ما يظهر من قوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفين) (1)، إنما المتوقّع منهم أن لا يجور بعضهم على الآخر ويفرض على البقية رؤاه وعقائده أو حتى سننه وعاداته المختلفة. فمن الطبيعي أن يختلف الناس فيما بينهم ولكن ليس من المقبول بتاتاً أن يخرج الإنسان في تعاطيه وتعامله من الآخرين عن أدب الخلاف ويفرض عليهم معتقداته أو آرائه ورؤاه. وقد تميّز أهل البيت (عليهم السلام) في سلوكهم الرباني وأخلاقهم العظيمة في مراعات الأدب مع من يخالفهم في المعتقد أو الرأي وضربوا للتأريخ عبر العصور خير صور في هذا المجال. وقد يُقال: أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن لديهم القدرة في فرض معتقداتهم أو آرائهم على مخالفيهم. وفي جوابه يقال: إنّ من يراجع سيرة أهل البيت (عليهم السلام) مع مخالفيهم سواء في العقيدة أو الرأي أو غير ذلك يتضح له بوضوح أنهم رغم قدرتهم على فرض آرائهم على غيرهم إلا أنهم لم يلجأوا إلى ذلك بل آثروا التعامل معهم بالأدب والخُلق الرفيع ما دعا كثيراً من مخالفيهم إلى الرجوع عن آرائهم ومعتقداتهم واتباعهم في ذلك. الملفت للانتباه أنّ كثيرا من مخالفي أهل البيت (عليهم السلام) يعتمدون لغة التجاسر والتهجّم عليهم من دون أن يلاقوا منهم أيّ تجاسر ولو بالمثل. وقبل أن نبيّن الشواهد على ذلك نذكر نموذجين لاعتراف بعض مخالفي أهل البيت (عليهم السلام) بالتزامهم بأدب الخلاف معهم: النموذج الأول: روي عن أنس بن مالك، قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله) وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة حتى أثّرت حاشية البرد في صفحة عاتقه (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك، فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: المال مال الله وأنا عبده. ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟ قال: لا، قال: لم؟ قال: لأنك لا تكافىء بالسيئة الحسنة، فضحك النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر(2). النموذج الثاني: يقول المفضل بن عمر دار نقاش بيني وبين ابن العوجاء حول عظمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فدعاني إلى الاعراض عن ذكر النبي ومناقشته حول خالق الكون. فلم أملك نفسي غضباً وغيظاً وحنقاً، فقلت: يا عدوّ الله ألحدت في دين الله، وأنكرت الباري جلّ قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم وصوّرك في أتم صورة ونقلك في أحوالك حتى بلغ إلى حيث انتهيت... فقال ابن العوجاء: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك، فإن ثبتت لك حجّة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا تخاطبنا ولا بمثل دليلك تجادل فينا. ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت، فما أفحش في خطابنا ولا تعدّى في جوابنا، وإنه الحليم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خُرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي إلينا، ويتعرّف حجّتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننّا أنا قطعناه دحض حجّتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه رداً، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه(3). أمّا مصاديق التزام أهل البيت (عليهم السلام) بأدب الخلاف مع ألد مخالفيهم فالشواهد على ذلك كثيرة ومنها: السام عليكم عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعائشة عنده، فقال: السام عليكم- أي الموت عليكم-، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم. ثم دخل آخر، فقال مثل ذلك، فرد عليه كما رد على صاحبه. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ردّ على صاحبيه، فغضبت عائشة، فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود، يا إخوة القردة والخنازير. فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة إنّ الفحش لو كان ممثّلاً لكان مثال سوء، إنّ الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه، ولم يرفع عنه قط إلا شانه. قالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم: السام عليكم؟ فقال: بلى، أما سمعت ما رددت عليهم؟ قلت: عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك(4). لا أُكافيهم بمثل ما فعلوا لما ملك عسكر معاوية الماء وأحاطوا بشريعة الفرات ومنعوا أميرالمؤمنين (عليه السلام) وجنده منها قالت رؤساء الشام له: اُقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا، فسألهم الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأً كما مات ابن عفان. فلما رأى (عليه السلام) أنه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي وملكوا عليهم الماء وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال: لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك(5). أظنّك غريباً روي أنّ شامياً رأى الإمام الحسن (عليه السلام) راكباً فجعل يلعنه والإمام الحسن (عليه السلام) لا يرد، فلما فرغ أقبل الإمام الحسن عليه فسلّم عليه وضحك، وقال: أيها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك. فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعا رحباً وجاهاً عريضاً ومالا كبيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته(6). أنت ابن الطباخة روي أنّ نصرانياً قال للإمام الباقر (عليه السلام): أنت بقر. فقال (عليه السلام): لا أنا باقر. قال: أنت ابن الطباخة. قال: ذاك حرفتها. قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية. قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، فأسلم النصراني(7). دعوة الموالين للالتزام بآداب الخلاف مع الآخرين لم يقتصر أهل البيت (عليهم السلام) مع مخالفيهم على لغة الغض وعدم الردّ بالمثل، بل أمروا من حولهم من أتباعهم ومحبّيهم بالالتزام بنفس المنطق ما يدل على عظم خُلقهم وشدّة التزامهم بأدب الخلاف مع الآخرين. قاتله الله كافراً ما أفقهه روي أنه مرّت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ أبصار هذه الفحول طوامح وإنّ ذلك سبب هناتها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله فإنّما هي امرأة كامرأة. فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه، فوثب القوم ليقتلوه، فقال علي (عليه السلام): رويدا إنّما هو سب بسب أو عفو عن ذنب(8). مهلاً ياقنبر روي عن جابر قال: سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجلاً يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مهلاً يا قنبر دع شاتمك مُهاناً ترض الرحمن وتسخط الشيطان وتعاقب عدوّك، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه(9). اسمعوا ردّي عليه روي أنه وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلّمه، فلمّا انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل؟ وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه. قال: فقالوا له: نفعل ولقد كنّا نحب أن تقول له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (وَالْكاظِمينَ الْغَيْظَ وَالْعافينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنين) (10)، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً. قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال: قولوا له: هذا علي بن الحسين، قال: فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئا له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك. قال: فقبّل الرجل ما بين عينيه، وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به(11). أقول: ما أحوجنا اليوم مع تلاطم الفتن بنا وتظاهر الأمم علينا إلى هذا المنطق والأدب الرفيع الذي تعامل به أهل البيت (عليهم السلام) مع الآخرين لنكون كما أرادوا صلوات الله عليهم زيناً لا شيناً عليهم. ..................................... (1) سورة هود: 118. (2) سفينة البحار: 2/682. (3) توحيد المفضل: 42. (4) الكافي: 2/648. (5) بحار الأنوار: 41/146. (6) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 4/19. (7) بحار الأنوار: 46/289. (8) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): 2/113. (9) أمالي الشيخ المفيد (رحمه الله): 118. (10) سورة آل عمران: 134. (11) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: 2/146.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 أيام
- القناة الثالثة والعشرون
المطران عوده : لنحافظ على رباط المحبة والسلام بيننا
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها لطائفة الروم الأرثوذكس المطران الياس عوده ،خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس. بعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى المطران عوده، عظة، قال فيها : "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور". أحبائي، سمعنا اليوم إنجيل شفاء المسيح لرجل مخلع منذ ثمان وثلاثين سنة، ملقى عند باب الغنم الذي لبركة بيت حسدا. والشلل هو عدم قدرة أعضاء الجسم على الحركة بشكل صحيح. لقد وضعت كنيستنا بعد الفصح تذكارات لأشخاص قاموا من أمراضهم بلمسة المسيح، فتغيرت حياتهم. مخلع اليوم كان غارقا في أمل باطل، ينتظر إنسانا يساعده على دخول البركة عندما ينزل الملاك ويحرك مياهها، لكن أحدا لم يساعده لكي يشفى فضاع في اليأس. عندما صعد المسيح إلى أورشليم من أجل أحد الأعياد اليهودية، بحث عن هذا الرجل، وعندما وجده سأله إن كان يريد أن يشفى. فأومأ فورا بالإيجاب قائلا إنه لم يجد إنسانا يحمله إلى الماء. إن الشهوات والخطايا ترافق البشر في كل زمان ومكان. فكما كانت الحال في زمن المسيح، نجد اليوم جزءا كبيرا من البشر لا يهتم بجاره، باردا وغير مبال بمعاناة أحد. كثيرون هم التائهون في سجون صنعوها بأنفسهم، قضبانها أنانيتهم ومراكزهم وأموالهم وممتلكاتهم والماديات، وكلها لا تقدر النفس أن تحمله إلى مثواها الأخير. كل منا يحتاج لقاء قيامة مع المسيح ليخلصه من قلة محبته وأنانيته ولامبالاته وشلله الروحي". أضاف :"عدم المبالاة خطيئة لا تتغير مع الزمن. في زمن الرب يسوع لم يكن الأمر أبشع من زمننا ومجتمعنا المتمحور حول الذات، بأنانية، غارسا في البشر فكرة أن المال والثروة هما هدف وجود الإنسان لأنهما سبب احترامه في هذا العالم المادي السطحي الذي لا يعرف الله ولا المحبة. يشعر إنسان اليوم أنه في سباق لتجميع الثروة وتسلق سلم النجاح، والحصول على وظيفة أفضل، ومنزل أكبر، وسيارة أحدث. الأسوأ أن في داخل كل إنسان رغبة متجذرة في إقصاء أي شخص يقف في طريق خطته الفانية. هذا الشلل الروحي هو محور إنجيل اليوم." تابع المطران عوده :"كانت بركة بيت حسدا تقاطعا يعبره كثيرون. وكان كهنة الهيكل يستخدمونها كحوض لغسل حيوانات التقدمة، أما الوثنيون من رومان ويونانيين فيعتبرونها موقعا مقدسا. من كان مريضا لم يكن يهتم بهوية مانحه الشفاء، لهذا، سأل المسيح المخلع «أتريد أن تبرأ؟»، وأراده أن يكمل شفاء الجسد بشفاء النفس، أي أن يعرف من هو مانحه الشفاء، ويؤمن به، فيخلص. ثم قال له: «قم إحمل سريرك وامش» فشفي للحال. لقد أعلن له الرب نفسه إلها كاملا وإنسانا كاملا، مخلصا وحيدا قادرا على منح شفاء النفس والجسد معا، ثم قال له «ها قد عوفيت فلا تعد تخطىء لئلا يصيبك أشر». بقي المخلع قرب البركة ثمانية وثلاثين عاما، ينتظر شخصا يحبه فيساعده، لكنه لم يجد أحدا، رغم الصخب الذي كانت عليه الأجواء حول البركة. اليوم أيضا، معظم كبار السن والمرضى قابعون في منازلهم مهملون". وأكمل :"أصبح مجتمعنا مجموعة أفراد سطحيين يسعون إلى إرضاء أنفسهم فقط، ويفترضون أن الواجب تجاه الفقراء والوحيدين والمتألمين تؤديه الوزارات أو الجمعيات أو الكنيسة. إنشغالهم بتفاخرهم اليومي يعميهم عن الآخر المحتاج. المسيح ينتظرنا، وليس الحكومة، لنكون الملح الذي يملح العالم والنور الذي يضيء عتمته، ولنكرز بالإنجيل معلنين قيامة المسيح كما فعلت حاملات الطيب. إن تقديم السلع المادية للمحتاجين مهم، لكن الأهم أن نقدم لهم من كنزنا الروحي، أي المسيح. طبعا، الشرط الأول لذلك أن نجد المسيح نحن أولا. لذلك، علينا السعي للشفاء عبر سري الإعتراف والإفخارستيا حيث ينتظر المسيح منا أن نعود إليه صارخين «يا رب، إني أؤمن، فأغث عدم إيماني». يسوع وحده قادر على شفائنا والسيطرة على أصل المرض إذا ما التجأنا إليه. فالذي انتصر على الموت وعلى الشيطان والجحيم وقام من بين الأموات هو نفسه الذي يملك السلطان على أجسادنا ليشفيها وعلى خطايانا ليعتقنا من سلطتها." وقال :"يتجلى المسيح في الكنيسة، والكنيسة هي كل واحد منا نحن جسد المسيح. في تواصلنا بعضنا مع بعض نجد الفرح، نعاين المسيح في وجه كل إنسان، لذا علينا أن نحافظ على رباط المحبة والسلام بيننا لكي يكون عملنا نورا قياميا في ظلام هذا العالم". وختم المطران عوده :"دعوتنا اليوم أن نصلي، نحن المخلعين والأموات روحيا، لكي نسمع صوت المسيح القائم قائلا لنا، كما قال للمخلع قديما: «قم، إحمل سريرك وامش إحمل شهواتك وخطاياك ودسها... إرفعها عنك واطرحها خارج نفسك... وامش في جدة الحياة، في نور الأسرار المقدسة، في حقيقة القيامة". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News