logo
سوريا تعتمد خارطة طريق بين إعادة الإعمار والطاقة النظيفة

سوريا تعتمد خارطة طريق بين إعادة الإعمار والطاقة النظيفة

الجزيرةمنذ يوم واحد

دمشق – بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع ، وُقّعت في العاصمة دمشق، أمس الخميس، مذكرة تفاهم بين وزير الطاقة محمد البشير وتحالف من شركات عاملة في مجال الطاقة، تهدف إلى تعزيز الاستثمار في قطاع الطاقة وتوليد الكهرباء.
وقال الوزير خلال مراسم التوقيع "نوقّع اليوم اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار مع تحالف من شركات رائدة في مجال الطاقة" مشيرًا إلى أن الاتفاق يأتي في إطار السعي لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة في قطاع الكهرباء، الذي يعد من أبرز القطاعات الخدمية في سوريا. وأضاف أن الاتفاقية تفتح المجال لتعاون إقليمي أوسع في مجال الطاقة، وتدعم الانتقال التدريجي نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.
وأوضح البشير أن الاتفاق يشمل تطوير 4 محطات لتوليد الكهرباء تعمل بتقنية الدورة المركبة "سي سي جي تي" (CCGT) باستخدام توربينات غازية، موزعة في دير الزور، ومحردة، وزيزون في ريف حماة، وتريفاوي في ريف حمص، بطاقة إجمالية تبلغ نحو 4 آلاف ميغاواط. كما تتضمن الاتفاقية إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاواط في وديان الربيع (جنوبي سوريا) باستخدام تقنيات مستوردة من الولايات المتحدة وأوروبا.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
من جانبه، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة القطرية، رامز الخياط، بأن هذه المذكرة تمثّل بداية مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، وتهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
وأشار إلى أن المشروع سيعتمد على أحدث التقنيات المتاحة، وسيسهم في إيجاد ما يزيد على 50 ألف فرصة عمل مباشرة، وقرابة 250 ألف فرصة غير مباشرة، مما يدعم سوق العمل ويعزز النشاط الاقتصادي المحلي.
فرص كبيرة
في السياق ذاته، قال أحمد سليمان، المتحدث باسم وزارة الطاقة، في حديث للجزيرة نت، إن المدة الزمنية المقدّرة لتنفيذ المشروع تبلغ نحو سنة و8 شهور، غير أن هناك جهودًا حثيثة لإنجازه خلال عام واحد. ودعا الشركات الإقليمية والدولية إلى الاستثمار في سوريا، معتبرًا أن المرحلة الحالية توفّر فرصًا كبيرة للنمو في قطاع الطاقة.
ولفت إلى أن هناك إمدادات جديدة من الغاز ستدخل الخدمة قريبًا، مؤكدًا أن عدد ساعات تشغيل الكهرباء سيرتفع ليبلغ 10 ساعات يوميًا في الأسابيع القليلة المقبلة، بعد سنوات من الانقطاعات الطويلة التي أثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية.
اتفاقات إستراتيجية
في إطار أوسع، أوضح سليمان أن وزارة الطاقة أبرمت مؤخرًا عدة اتفاقيات إستراتيجية، من ضمنها شراكات مع الجانب التركي و4 شركات تعمل في مجالات الغاز والكهرباء والنفط.
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى رفع القدرة التوليدية، وتحديث شبكات النقل والتوزيع، وتحسين أداء المحولات، بما ينعكس إيجابًا على تقليص فترات التقنين وتحقيق استقرار نسبي في إمدادات الكهرباء.
وأشار المتحدث باسم وزارة الطاقة إلى أن الحكومة وضعت خطة طارئة لتحسين واقع التغذية الكهربائية على المدى القريب، بالتوازي مع إطلاق مشاريع للطاقة المتجددة على المدى البعيد.
وأضاف أن وحدات التوليد الحالية تعتمد أساسًا على الغاز والفيول، إلا أن هناك توجهًا إستراتيجيًا نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، مع وجود دراسات تفصيلية وخطة طويلة الأمد للانتقال التدريجي إلى مصادر بديلة.
وقال أيضا "لدينا خطط واضحة للانتقال إلى الطاقة المتجددة، لكن الأولوية الآن هي معالجة النقص الحاد وضمان وصول الكهرباء إلى كافة المناطق".
وفي تصريح لافت، نقلت وسائل إعلام عن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك ، قوله إن "هذه اللحظات تمثّل فرصة نادرة، وكل الجهود الأميركية تصب حاليًا في دعم الحكومة السورية الجديدة". ولم تصدر توضيحات إضافية حول طبيعة هذا الدعم أو سياقه السياسي.
وقد تم توقيع 4 مذكرات تفاهم بين وزارة الطاقة وكل من مجموعة "يو سي سي" (UCC) العالمية، وشركات أورباكون وباور الدولية وجنكيز للطاقة، وذلك في إطار تعزيز الاستثمار وتنفيذ المشاريع المتفق عليها.
وفي تعليقه على هذه التطورات، رأى الخبير الاقتصادي أسامة العبد الله أن توقيع هذه الاتفاقيات يمثل اختبارًا مهمًا للاقتصاد السوري، مشيرًا إلى أن "ضخ استثمارات بهذا الحجم لا يقتصر تأثيره على تحسين البنية التحتية، بل يسهم أيضًا في تحفيز الاقتصاد المحلي، ويمهّد الطريق أمام عودة تدريجية لرؤوس الأموال واليد العاملة".
وأضاف أن "التحدي الأساسي يكمن في توفير بيئة استثمارية آمنة وشفافة، وهو ما سيتضح خلال مراحل تنفيذ هذه المشاريع".
وختم بالقول "إذا تم تنفيذ هذه المشاريع كما هو مخطط لها، فإن نتائجها ستكون واضحة في مؤشرات النمو الاقتصادي، خصوصًا في المناطق المتضررة من الحرب، كما ستُشكّل الطاقة المتجددة ركيزة مهمة للاستقرار الاقتصادي في مرحلة ما بعد النزاع".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دعم مالي مشترك من قطر والسعودية للقطاع العام بسوريا
دعم مالي مشترك من قطر والسعودية للقطاع العام بسوريا

الجزيرة

timeمنذ 11 ساعات

  • الجزيرة

دعم مالي مشترك من قطر والسعودية للقطاع العام بسوريا

أعلنت دولة قطر والمملكة العربية السعودية اليوم السبت عن تقديم دعم مالي مشترك للعاملين في القطاع العام بسوريا لمدة 3 أشهر. وقال بيان مشترك للبلدين إن هذا الدعم يأتي ضمن جهود البلدين في دعم وتسريع وتيرة تعافي الاقتصاد السوري، وامتدادا لدعمهما السابق في سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، والتي بلغت نحو 15 مليون دولار. وأضاف البيان أن الدعم يأتي أيضا في إطار حرص قطر والسعودية على دعم استقرار سوريا، وتخفيف المعاناة الإنسانية، وتعزيز مصالح الشعب السوري، انطلاقا من الروابط الأخوية والعلاقات التاريخية التي تجمع بين شعوب الدول الثلاث. تعزيز التنمية كما أعربتا عن تطلعهما إلى تنسيق الجهود مع المجتمع الدولي بشكل عام، وشركاء التنمية من المنظمات الإقليمية والدولية بشكل خاص، في إطار رؤية واضحة وشاملة، تسهم في تحقيق الدعم الفاعل والمستدام، وتعزيز فرص التنمية للشعب السوري. وفي وقت سابق اليوم، وصل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، رفقة وفد اقتصادي رفيع المستوى، إلى العاصمة السورية دمشق، وذلك في زيارة رسمية.

ترامب يفجّر حرب الصُلب مجددا برفع التعريفات إلى 50%
ترامب يفجّر حرب الصُلب مجددا برفع التعريفات إلى 50%

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

ترامب يفجّر حرب الصُلب مجددا برفع التعريفات إلى 50%

في عرض انتخابي مزدحم بالدلالات السياسية والاقتصادية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من منشأة "إيرفين ووركس" التابعة لشركة "يو إس ستيل" قرب بيتسبرغ عن رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50%، بعد أن كانت 25%. وقال ترامب أمام جمهور من العمال "لن ينجح أحد بعد الآن في تجاوز السياج" في إشارة إلى أن رفع التعرفة سيمنع المنافسين الأجانب من تقويض صناعة الصلب الأميركية. ووفق تقرير لبلومبيرغ، فإن الهدف المباشر للقرار هو تأمين صفقة شراكة مع شركة نيبون ستيل اليابانية، ومنحها ميزة تنافسية مشروطة بالالتزام باستثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة. وقال ترامب إن الشراكة الجديدة ستجلب استثمارات بقيمة 14 مليار دولار خلال 14 شهرا، منها: 2.2 مليار دولار مخصصة لتوسيع الإنتاج في منشآت "مون فالي" في بنسلفانيا. 7 مليارات دولار لتحديث الأفران ومرافق الإنتاج وبناء مصانع جديدة في إنديانا ومينيسوتا وألاباما وأركنساس. 5 مليارات دولار لإنشاء خطوط جديدة لإنتاج الصلب عالي الجودة المخصص للقطاعين الدفاعي والسيارات. "سهم ذهبي" ومجلس أميركي.. شروط غير مسبوقة وتأتي هذه الصفقة بعد جدل استمر أكثر من عام، منذ أعلنت شركة نيبون في ديسمبر/كانون الأول 2023 نيتها الاستحواذ الكامل على "يو إس ستيل" مقابل 15 مليار دولار، وهو ما قوبل برفض شديد من إدارة جو بايدن ثم لاحقًا من ترامب نفسه أثناء حملته الانتخابية. لكن ترامب أعاد فتح باب التفاوض، بشرط إعادة صياغة الصفقة كشراكة تُبقي السيطرة النهائية في يد الأميركيين. وذكرت بلومبيرغ أن الاتفاق الجديد تضمن ما وصفه السيناتور الجمهوري ديفيد ماكورماك بأنه "سهم ذهبي" يسمح للحكومة الأميركية بالتحكم في التعيينات في مجلس إدارة الشركة ومنع أي تخفيض في الإنتاج. ومن بين الشروط: أن يكون الرئيس التنفيذي أميركي الجنسية. أن يتشكل مجلس الإدارة بأغلبية أميركية. منح الحكومة الأميركية حق الفيتو على أي تغييرات إستراتيجية. الالتزام بعدم تسريح العمال لمدة 10 سنوات على الأقل. الحفاظ على الطاقة الإنتاجية الكاملة في أفران الصهر. ويُشرف على الصفقة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة"سي إف آي يو إس" (CFIUS) وهي لجنة أمنية تعمل بسرية وتراجع كل عمليات الاستحواذ الأجنبية ذات الطابع الحساس. أوروبا ترد وسارعت المفوضية الأوروبية إلى التعبير عن غضبها من القرار الأميركي، وذكرت في بيان رسمي نقلته رويترز أن "رفع الرسوم الجمركية من 25% إلى 50% يشكل تهديدًا إضافيًا للاستقرار الاقتصادي العالمي". وأشارت المتحدثة باسم المفوضية إلى أن القرار "يُقوّض المحادثات الجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لحل النزاعات التجارية عبر التفاوض" مضيفة أن المفوضية "أنهت مشاوراتها بشأن إجراءات مضادة". ومن المتوقع أن تبدأ العقوبات الأوروبية الجديدة في 14 يوليو/تموز المقبل، وربما قبل ذلك إذا تصاعد التوتر، وتشمل هذه العقوبات: فرض رسوم انتقامية على الصادرات الأميركية من السيارات والمنتجات الزراعية. إعادة تفعيل نزاعات في منظمة التجارة العالمية. تقييد استيراد معدات الطاقة الأميركية والتكنولوجيا العسكرية. عودة حرب الصين وفي تصعيد متوازٍ، اتهم ترامب بكين بخرق الاتفاق التجاري الذي تم التوصل إليه في جنيف مطلع مايو/أيار، قائلاً " الصين لم تلتزم.. إنها تلعب بنا منذ سنوات". وفي توضيح لاحق، قال ممثل التجارة الأميركي جيمسون غرير إن بكين "لم تُزل الحواجز غير الجمركية كما وعدت" متهمًا إياها بتعطيل دخول الشركات الأميركية إلى السوق الصينية. إعلان وردت وزارة التجارة الصينية عبر بيان دبلوماسي حذر، قالت فيه إن "الولايات المتحدة تواصل فرض قيود تمييزية على المنتجات والشركات الصينية" ودعت واشنطن إلى "احترام التزاماتها والابتعاد عن التصعيد". ووفق الجمعية العالمية للصلب، فإن الصين تنتج أكثر من 50% من الصلب العالمي، مما يمنحها تأثيرًا كبيرًا على الأسعار العالمية. وقد تعني أي مواجهة جديدة بهذا القطاع ارتفاعًا كبيرًا في تكلفة البنية التحتية عالمًيا، خصوصًا في الأسواق الناشئة. الأسواق ترتجف.. أرباح محلية ومخاوف عالمية ورغم الحذر الدولي، استجابت الأسواق الأميركية بحماسة، فبحسب بلومبيرغ: ارتفعت أسهم "كليفلاند-كليفس" بنسبة 15.3% خلال ساعات ما بعد التداول. ارتفعت أسهم "ستيل دايناميكس" و"نوكور" بنسبة تفوق 5%. عاد الاهتمام بمؤشرات قطاع الصلب الأميركي في بورصة نيويورك بعد شهور من الركود. لكن في المقابل، حذّرت شركات البناء من تداعيات سلبية على قطاع الإسكان والبنية التحتية، حيث تعتمد الولايات المتحدة على استيراد 17% من احتياجاتها من الصلب من كندا والبرازيل والمكسيك. وقد صرّح أحد المقاولين الكبار في تكساس لموقع "كونستركشن دايف" بأنه إذا استمرت هذه الرسوم "فسنرى تباطؤًا في المشاريع العامة والخاصة.. وستتحول أي زيادة في أسعار الصلب إلى عبء على المستهلك". هل تغيّر ترامب فعلاً؟ وكان ترامب، قبل أشهر قليلة فقط، من أشد المعارضين للصفقة المقترحة بين "يو إس ستيل" و"نيبون ستيل" واعتبرها دليلاً على ما وصفه بـ"تفريط الإدارات السابقة في السيادة الاقتصادية الأميركية". وقد كرر حينها أنه لن يسمح أبدًا لشركة يابانية بـ"السيطرة على صرح صناعي تأسس في قلب بنسلفانيا". لكن المشهد تغيّر جذريًا في بيتسبرغ، ومن على منصة انتخابية تحمل شعارات "الصلب الأميركي" و"الوظائف الأميركية" أعاد ترامب تقديم الصفقة نفسها تحت مسمى جديد "استثمار أجنبي تحت رقابة وطنية" موضحًا أن الاتفاقية المعدّلة تعطي الحكومة الأميركية سلطة فعلية في التعيينات والإنتاج، وتمنحها ما سمّاه "السيطرة الفعلية على زمام الأمور". وقال خلال زيارته "الصفقة أصبحت أفضل وأفضل مع كل جولة تفاوض. اليابانيون يضعون المال، لكن الأميركيين من يرسمون القواعد". وأضاف بنبرة تأكيدية "هذه ليست صفقة بيع، بل شراكة مشروطة، تحت إشراف الحكومة الأميركية، وبمكاسب فورية للعمال". ويعكس هذا التحوّل في موقف ترامب حسابًا دقيقًا بين الاقتصاد والسياسة، إذ سعى إلى إعادة تأطير الرواية السياسية المحيطة بالصفقة، لتتماشى مع حملته الانتخابية التي ترتكز على فكرة "إعادة التصنيع" و"القيادة الاقتصادية من الداخل" بحسب مراقبين. وبدلًا من التراجع أو التبرير، قدّم نفسه كمفاوض صلب انتزع التزامات من شريك أجنبي لصالح العمّال المحليين، واضعًا الصفقة ضمن مشروعه الأوسع لـ"إعادة بناء العمود الفقري الصناعي لأميركا". ورغم التصفيق والهتافات، فإن بعض العمال عبّروا عن تحفظهم، حيث قال جوجو بورجيس عامل صلب وعمدة مدينة واشنطن في بنسلفانيا، لـ"بي بي سي" بأنه ليس مؤيدًا لترامب "وصوتّي ظلّ للديمقراطيين لعقدين، لكن إن كانت هذه السياسات ستعيد التوازن للصناعة، فلن أعارضها". وأضاف "عشنا طفرة مؤقتة بعد رسوم 2018.. نأمل أن تكون هذه الصفقة أكثر ديمومة". ربح انتخابي أم مغامرة إستراتيجية؟ وتُجسّد قرارات ترامب في ملف الصلب مزيجًا من البراغماتية السياسية والنزعة الحمائية، فهو يوظّف هذا الملف لتعزيز موقعه الانتخابي في ولايات صناعية محورية مثل بنسلفانيا وأوهايو، مستخدمًا خطابًا قوميًّا يتعهد فيه بإعادة أمجاد الصناعة الأميركية. لكن اقتصاديين ومحللين حذّروا من أن هذه السياسات قد تحمل تداعيات عكسية واسعة، منها: اشتعال حروب تجارية: حيث ذكرت وكالة رويترز أن المفوضية الأوروبية عبّرت عن "أسف شديد" إزاء قرار رفع الرسوم، وهددت بإجراءات انتقامية تبدأ في 14 يوليو/تموز، مما ينذر بجولة جديدة من التوتر التجاري بين ضفتي الأطلسي. ارتفاع تكاليف الإنتاج داخل أميركا: وفق تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ إيكونوميكس، فإن رفع الرسوم على الصلب سيزيد تكلفة مشاريع البناء والبنية التحتية بنسبة قد تصل إلى 12%، نتيجة الاعتماد على واردات تشكّل 17% من إجمالي استهلاك الصلب في البلاد. انكماش في الصادرات الأميركية: أشارت غرفة التجارة الأميركية إلى أن الرسوم المتبادلة قد تهدد نحو 1.2 مليون وظيفة في الصناعات التصديرية، لا سيما إذا ردت دول مثل كندا والصين والاتحاد الأوروبي بإجراءات مقابلة. ووفق مجلة ذي إيكونوميست، فإن هذه السياسات "قد تمنح ترامب دعمًا لحظيًّا في ولايات التصنيع، لكنها تُقوّض النظام التجاري العالمي، وتخلف مناخًا من الشك يصعب احتواؤه لاحقًا".

مشروع "الهيئة": أن تعرف ما تريد خلال الطريق
مشروع "الهيئة": أن تعرف ما تريد خلال الطريق

الجزيرة

timeمنذ 15 ساعات

  • الجزيرة

مشروع "الهيئة": أن تعرف ما تريد خلال الطريق

"المجزرة التي تُنسى محكوم عليها بالتكرار، النعمة التي تُنسى مصيرها الأفول" ((كتبت هذه المادة بناء على العديد من المقابلات التي أجراها الكاتب في سوريا وإضافة إلى الاطلاع على مصادر عدة، اختار صياغة هذا كله في قالب درامي، ووضع الخلاصات على لسان شخصية متخيلة تماما)). نجلس هنا أسفل الجبل، قال لي -أبو دجانة- وهو يطلق بصره نحو جبل قاسيون. قلت: ولماذا لا نصعد الجبل؟ صعود الجبل يحتاج إلى كلمة سر. ظننته يمزح، فضحكت، لاحقًا تبين لي أن صعود الجبل فعلًا يحتاج إلى كلمة سر! تجري فيه العديد من الإصلاحات، ويغلقه رجال هيئة تحرير الشام (الأمن حاليًّا) ولا يمكن عبور الحاجز إلا بكلمة سر شفاهية. بدا لي ذلك منسجمًا مع شخصية الجبل، كلمة سر تفتح لك الطريق. قاسيون المهيب يجلس فوق دمشق وكأنه شاهد عليها، يحمل فوقه "الصخرة الحمراء" في "مغارة الدم"، أداة الجريمة الأولى في التاريخ، صخرة قابيل التي قتل بها شقيقه هابيل فشهق الجبل من هول الجريمة وتجمد فمه ناحتًا مدخل المغارة، هكذا تقول الأسطورة. هذا البلد مثقل بالتاريخ إلى حدّ التعب، لا تخطو قدماك في مكان إلا وقد عبرته إمبراطوريات وقادة وعلماء، وهو كذلك محملٌ بالمستقبل (دابق، الأعماق، الغوطة.. أسماء مواجهات لم تأت بعد)، وهنا "المنارة البيضاء شرقي الجامع الأموي حيث موعدنا مع نزول سيدنا ابن مريم" قال القيم على الجامع الأموي وهو يحكي لنا مستقبل المكان أيضًا. أما ضيفنا أبو دجانة فهو كالآخرين، تخلى عن كنيته "القاسية" ولبس بدلة أنيقة وربطة عنق، وكالآخرين أيضًا تعلم التحدث بلغة وزراء الخارجية "انطلاقًا من الأراضي السورية -الدول الشقيقة – دول الجوار – التنوع الثقافي في سوريا".. وهكذا، تحتاج أن ينقضي الجزء الأول من الحوار لكي تلج بعدها في أعماق كوادر الهيئة وربما (بل غالبًا) لا تفلح، فالطبقة التي تكثفّت على السطح من الخطاب تبدو متشابهة وكأنها تعميم مكتوب؛ تعد بحلم الدولة وتبشر بالاستقرار، وتتكلم وكأن هناك كاميرا خفية في مكان ما تصور الإجابات. الحقائق الملثمة: في المفترقات لا يأتي الحق على حصان أبيض، بل أحيانًا يستقل حافلة خضراء، يسلّم منطقة، ينسحب من أخرى ويقاتل رفاقه، أحيانًا يكون الحق ملثمًا، وفي مفترقات معينة يقف الباطل بعيدًا عن الحق مقدار خطوة واحدة، ثم يتمايز، أحيانًا أخرى يكون الخيار الوحيد بين باطل وباطل أقل، لكن المشكلة أن عليك أن تقرر قبل أن تفكر، الوقت الذي تقضيه في التفكير كافٍ لخسارة معسكر. ليست الحقيقة بهذا الوضوح الذي نتوهمه، ولا مصممة على مقاس الشعراء كي يمدحوها، الفتنة دائمًا عمياء، وحين تكون في داخلها نادرًا ما تميّز طبيعة الشيء الذي تواجهه، حتى إذا أدبر أسفر لتتبين حينها موضع قدميك، وكثيرًا ما تزل قدمٌ بعد ثبوتها. "تسألني عما تعلمته؟" قال أبو دجانة فيما يشبه الخلاصة. ثم أكمل بشيء من الأسى: "كم كنت أتمنى أن أعرف قبل أن أبدأ. كم كانت تصوراتنا مثالية وساذجة. كنا مع كل مفترق طرق نتخلى عن شيء من هذه المثالية ونتحلى بدرجة أعلى من الواقعية، لقد عبر بنا الشيخ (أبو محمد الجولاني) كل هذه المفاوز ولهذا نثق فيه اليوم، أنتم لا تعرفونه، نحن نعرفه. نعرفه جيدًا." (الحقيقة ليست بالوضوح الذي تصوره برامج الكرتون وقصص الأطفال، هذا صحيح، لكنها ليست بالغموض الذي عادة ما يتذرع به، ذاك التذرع الذي يتوسع في كل مرة حتى يجد الإنسان نفسه يدوس الحقيقة بحثا عنها!) وبدأ أبو دجانة يسرد القصة من البداية: "منذ دخل الشيخ أرض الشام أواخر عام 2011 بصحبة ستة مقاتلين من العراق (وخمسين ألف دولار شهريًّا من البغدادي) كي يؤسس جبهة النصرة، كان يحلم بفتح دمشق، ويبشّر بذلك اليوم، يتحدث عنه كأنه يراه واقعًا، كان يقرأ لنا رواية كتبها بنفسه عن فارس أنقذ التاريخ، فك وثاقه من آسريه الذين أحكموا تقييد يديه كي لا يكتب شيئًا، آمنّا أنه الوحيد القادر على فعل ذلك، وآمن هو أيضًا بذلك، وفعله حقًّا!" "لم يكن هذا ليحدث بسهولة، لقد أعدّنا الله عبر مفترقات كثيرة وصعبة لهذا اليوم، مفترقات قاسية وأحيانًا كانت شديدة الالتباسات، حدّث المرء نفسه خلالها طويلًا وغمرته الشكوك، رغم أننا نادرًا ما كنا نجد وقتًا حتى للشك، في بيئة مثل التي أحاطتنا كان الانتظار يعني الموت." المفترق الأول: إخوة الغلوّ واجههم المفترق الأول في أبريل/نيسان عام 2013، حين أعلن أبو بكر البغدادي قيام دولة العراق والشام وحل جبهة النصرة ، فقفز الجولاني إلى حضن تنظيم القاعدة، مستفيدًا من مظلتها في حماية تجربته الوليدة أمام زحف "الدولة"، خسر الكثير من الكوادر الذين فضلوا جاذبية الدولة على جبهة النصرة، وحتى يوليو/تموز 2014 بدت النجاة خطة كافية وقتها، كان تنظيم الدولة يلتهم الأراضي والفصائل، وشهدت دير الزور أشد المعارك التي قادها "أبو ماريا القحطاني" عن جبهة النصرة، الرجل القوي الذي سيُعذب لاحقًا في سجون الهيئة ثم يُقتل بتفجير يُعتقد أن تنظيم الدولة وراءه عام 2024. :تنظيم الدولة هو الذي انشق عنّا!"، قال أبو دجانة، "لقد ذهب بعيدًا في تطرفه، حينها اختبرت الالتباس الأول، لقد قاتلت إخوة بدؤوا معنا المسيرة بعد أن اختاروا الانضمام لتنظيم الدولة، لم يكن الأمر سهلًا بعض الفصائل تورّعت وتأخرت في قتالهم لذلك تمددوا سريعًا، فضلًا عن عقائدية المقاتل عند تنظيم الدولة، إنهم بالفعل طلاب موت، كادت تجربتنا تفنى حينما تدخلت أحرار الشام لمساندتنا، وعبر بنا الشيخ هذه الأزمة." (ظهور تنظيم الدولة في سوريا كان حدثًا مزلزلًا، لقد أخذ المكونات السلفية في الفصائل وذهب بها لأقصاها، مُسببًا صدمة حقيقية تُنفّر اليوم من أي تشابه مع هذه المكونات، وبدلًا من البحث عن الوسط فإن ظهور غلو متشدد يمهّد لظهور غلو متساهل نقيضًا له، لاحقًا، يصبح التخويف من النموذج المتشدد تنظيرًا بحد ذاته وبرنامجًا للعمل). – ما الذي ميز طريقة عملكم في البداية؟ سألتُه "أسلوبنا وقتها كان العمليات العسكرية ضد نظام الأسد. تجنبنا حروب الاستنزاف ونموذج الرباط الذي يحتاج إلى مقاتلين كثر، ولم نجد أنفسنا مضطرين إلى المحافظة على مناطق محررة ثابتة. بدلًا من ذلك، انصبّ تركيزنا على بناء قوات هجومية بعقيدة قتالية عالية وفاعلية عملياتية قادرة على إحداث فارق على الأرض، وركزّنا على آلية اختيار الكوادر بدقة، أصبحت شروطنا أقل حدة لصالح إدماج قطاع واسع من الفصائل الصغيرة معنا، وغيرنا أسلوبنا في العمل وفق ذلك. وقتها، لم يكن "المشروع" قد تبلور في أذهاننا، كنا نظن أن ما نعتقده هو المشروع بحد ذاته وهذا كافٍ، لكنه لم يكن كذلك، لقد اتضحت الأمور مع الوقت." (كلمة "المشروع" تتردد كثيرًا على ألسنة شباب الهيئة بوصفها رديفًا للـ"حكم"، لكن في الواقع الحكم بذاته وسيلة ضرورية لتبليغ "المشروع"، إذن -مجددا- ما هو المشروع؟ يجري الإحالة إلى ما في عقل الرجل أكثر من الإحالة إلى أفكار محددة، مما يشي بأن المشروع جرى اختصاره في شخص القائد) المفترق الثاني: الأم العجوز في الثامن والعشرين من يوليو/تموز 2016، كانت الحركة الأم "القاعدة" قد شاخت تمامًا، ولم تعد مظلّتها تمنع الأمطار بل هي نفسها أصبحت مصدرًا للبلل، لم تعد "القاعدة" جذابة وشيخها الظواهري أصبح بعيدًا معزولًا وغارقًا في الشعور بالخذلان، أعلن الجولاني بعد أن أماط اللثام عن وجهه فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وولدت بذلك "جبهة فتح الشام"، لكن الكوادر التي ظلت وفية للقاعدة انشقت معلنة عن تنظيم "حراس الدين". كانت ضرورة، قال أبو دجانة، الكثير من الفصائل كانت تمتنع عن التحالف معنا بسبب عبء اسم "القاعدة" فهي كما تعلم مصنفة حركةً إرهابية دوليًّا، المهم في النهاية هو الأهداف وليس الوسائل، عليك أن تفكر في الأمر وكأنه سباق رالي طويل، كل مئة متر علينا أن نبدّل العجلات بأخرى أكثر ملاءمة للمرحلة القادمة، لذلك بعد سنة واحدة أسسنا "هيئة تحرير الشام" سعيًا لإدماج أكبر قدر من الفصائل التي نتفق معها، لقد قسمنا الفصائل وقتها إلى نوعين: نوع ليس لديه مشروع وهذا كان من السهل إدماجه وترتيب وضعه، ونوع لديه مشروع مغاير لا يصب في مصلحة الحالة الجهادية وهذا عرضنا عليه التحالف، ثم قاتلناه حين أصرّ على التمسك بخيار تفتيت الساحة. المفترق الثالث: إخوة الطريق في 21 يوليو/تموز 2014 بدأنا بحملة "ردع المفسدين"، كان الفساد قد استشرى -للأسف- على يد فصائل الجيش الحر، وبدأ السكان يستنجدون بنا، لم يكن لدى هذه الكوادر انضباط فردي ولا مشروع للحكم. الحملة طالت أحرار الشام التي حمتكم من تنظيم الدولة في إدلب، أليس كذلك؟. قلتُ مستدركا. أسرع مجيبًا: "دعني أوضح لك، في النهاية يجب أن نلتف حول مشروع واحد، لقد عانينا طويلًا من تشرذم المشاريع، الكثير من الفصائل كان لديها ارتباطات دولية، وعدم وجود مشروع جامع كانت تكلفته باهظة. لقد سبق هذه الحملة إطلاقنا أول تصور لمشروع إقامة إمارة إسلامية وتطبيق الشريعة، في هذه المرحلة بدأنا نفكر في ضرورة السيطرة على الجغرافيا، الانتقال من العمل الأمني وحرب العصابات إلى تجربة الإدارة والحكم. وانطلاقًا من ريف إدلب في جبل الزاوية تحديدًا بدأنا في تأسيس تجربة السيطرة على الجغرافيا وتفعيل القضاء الشرعي. قاتلنا جبهة ثوار سوريا التابعة للجيش الحر، وخلال عامي 2014 و2016 تمدد مشروعنا وبدأنا نُحكم السيطرة على مناطق واسعة من ريف حلب وإدلب وحماة، في 2017 بدأت أحرار الشام تجمع حولها فصائل الجيش الحر، وشكلّت مشروعًا لإدارة المناطق المحررة، مما مثّل تهديدًا حقيقيًّا لنا، وفي ظل امتناعها عن الاتحاد معنا لم يكن معقولًا قبول أكثر من مشروع في نفس المنطقة، فقاتلناهم." كان قتالًا على مساحات النفوذ وتوحيد المشاريع وهذا في العمل السياسي يمكن فهمه، ولكن لماذا كنتم تصيغونه صياغات تكفيرية؟ لم يكن هناك تكفير لهذه الفصائل أبدًا.كان هناك مزاج عام يفضي إلى التكفير؟ بمعنى يكفي تعبيرات من نوع "هؤلاء يحالفون الكفار"، "لديهم تنسيق مع أجهزة مخابرات"، "يعملون ضد الدين"، حتى تتلقّاها القيادات الوسيطة والدعاة بوصفها مبررًا للتكفير لاحقًا (القضايا التي فعلتموها واحدة تلو الأخرى بعد تسلّم الحكم). ابتسم الرجل، وأكمل حديثه بعيدًا عن هذه النقطة. "لم تكن فترة سهلة، ولم يكن لدينا سيطرة على كل الخطابات داخل الجماعة، في النهاية أفضى هذا الاقتتال إلى ما فيه مصلحة الجميع، سيطرنا على باب الهوى (مصدر الدخل الأساسي للفصائل حينها)، ومن هذه اللحظة أصبح مشروع حكم إدلب ناضجًا، تشكلت حكومة الإنقاذ في عام 2017، استمرت الاشتباكات مع الفصائل حتى عام 2019 ، كان آخرها قتال أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي في ريف حلب الغربي، وبعدها بسط المشروع سيطرته، كانت فترة خسر فيها الجميع ما بقي من مناطق نفوذ خارج الشمال السوري، فأصبح ريف حلب وإدلب مركز التنافس الوحيد." (ثم جاءت الحملة الروسية عام 2019 لتهز كيان من بقي من حاملي سلاح، وتهدد باقتلاع التجربة من جذورها. خسرت الفصائل نحو نصف مساحة سيطرتها، وجرى تثبيت خطوط وقف إطلاق النار باتفاق سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين في مارس/آذار 2020). المفترق الرابع: إنه الحكم (بذور الحكم بدأت عام 2017، (البعض يعتبرها بدأت قبل هذا التاريخ)، وتدريجيًّا كانت الوقائع تدفع "المشروع" تلك الكلمة الغامضة لتقمُّص شكل الطريق، حيث بدأت تقل قيمة الأدبيات، والروافد، والتوجهات الفكرية، ويحل مكانها كاريزما القائد وسلطة الإنجاز وشبكات المصالح، كانت الصيرورة تتكفل بصياغة الشكل، وكان الشكل نفسه يعيد صياغة الجوهر أيضًا). بدأ أبو دجانة يشرح تفاصيل هذه المرحلة. "في أسلوب الحكم، أخذت طريقة العمل في البداية طابعًا قريبًا من جبهة النصرة، يمتاز باللامركزية النسبية، وإتاحة صلاحيات واسعة للإدارة المحلية، وهذا نظام كان يصلح لتلك المرحلة. أسميناه نظام الكتل "القوات"، تخضع كل وحدة إقليمية لأمير وهو القائد العسكري ويصحبه "الشرعي" في حين كانت الأحكام المحلية متروكة بشكل كبير لتقدير القضاة المحليين وهم الشرعيون. في عام 2018، ذهب الشيخ لتفكيك هذه البنى، فهذا النمط يصلح للتنظيمات العسكرية لكنه يتناقض مع بناء حكم مركزي موحد، حينها شكلنا ما يعرف بإدارة المناطق المكونة من 350 عضوًا مُنظّمين في أقسام محلية عبر مناطق إدلب السبع، التي كانت حلقة وصل بين "حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام"، وعوضت النقص الموجود في الحكومة وحلت مكان العصب القديمة في المناطق." (هكذا أصبح هناك حكومة مقربة وحكومة ظل موالية، تعمل على سحب النفوذ تدريجيًّا من المكونات والعناصر الجهادية السابقة لتشكل طبقة حكم جديدة، لم تستوعب الوجهة الجديدة للمشروع. لقد حرصت تجربة إدلب على تخليص نفسها تدريجيًّا من أي مظاهر قد تفزع المانح الدولي أو المراقب العالمي الذي لديه قائمة قصيرة ومختزلة للمظاهر التي تشعره بالقلق. على سبيل المثال سعت مؤسسة "سواعد الخير" و"الخلاص"، لبث سمت إسلامي عام في الأماكن العامة، بما في ذلك التضييق على الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، فأغلقتهما الهيئة. وحين بدأت مظاهر الانفتاح تكسو المدينة بعد 2020، حاول بعض الدعاة والهيئات تنظيم قانون ينظم هذا الوضع، لكن الهيئة لم تؤيد القانون ولم تعارضه بل جمدّته.كان التحول يسير تدريجيًّا نحو استجلاب شرعية خارجية ولكن بهدوء يضمن عدم انفلات الفئات المحافظة والمتدينة ضد "المشروع"). "لم نستفرد بإدارة البلد، كان نموذجنا تشاركيًّا" أوضح أبو دجانة، ثم أكمل "انضمت لحكمنا نخب التكنوقراط داخل الجسم الحكومي وأتحنا لمنظمات غير حكومية الدخول في قطاعات الصحة والتعليم، كان دعمنا يزداد بين النخب المحلية، من مهنيين ورواد أعمال وشخصيات قبلية، في حين كان السخط على التجربة يتصاعد من النشطاء والصحفيين وكوادر حزب التحرير. كيف جرى التعامل مع التوجه المعارض؟ كثيرًا ماكنا نسمع عن تعذيب في السجون مثلًا، إلى أي درجة جرى ضبط التغول الأمني على الناس؟انظر، لقد وقعت تجاوزات كثيرة، خصوصًا عندما تعرضنا لـ"فتنة خلية العملاء"، فتنة كادت تودي بنا، (وهنا صمت الرجل قليلا وسرقته الخيالات إلى مكان غامض من الذكرى) ثم قال: تخيل أن يُعتقل أكثر من 170 شخصًا بتهمة العمالة، بعضهم قيادات صف أول، لم يكن الأمر سهلًا، ثم لاحقًا يتبين أن ثمة مكيدة أو خطأ جرى داخل مسار التحقيق من البداية، لقد كانت فترة قاسية وشديدة الصعوبة، بل دعني أقل ربما كانت هذه أصعب محنة مررنا بها." فضائل المأسسة عملنا بجدّ على مأسسة أنفسنا، كنا نقرأ ما يحدث معنا، نتعلم من أخطائنا، من خصومنا، لكن كنا نفتقر إلى قوة التنظيم. كانت الألوية تقاتل بدون فكر عملياتي، وأحيانا تنسحب بعض الكوادر من القتال إذا سقطت قُراهم، مشروع التحرير كان يشغل الشيخ لذا أردنا إعادة بناء كل شيء على أسس متينة، بدأنا بتوحيد القوات العسكرية عبر إطلاق برامج جديدة للتدريب بعقيدة قتالية موحّدة لكل القوات، وأنشأنا غرفة عمليات "الفتح المبين"، التي ساهمت في التنسيق العسكري بين الفصائل (من بينها أحرار الشام وفيلق الشام)، كما أسسنا أكاديمية عسكرية عملت على رفع الجنود إلى مصاف المقاتلين النظاميين القادرين على تشكيل نواة لعمل جاد وحقيقي. كما أدخلنا العديد من التخصصات مثل: قوات النخبة "العصائب الحمراء"، ووحدات القتال الليلي التي جاءت استجابة لتحدي قتال النظام ليلًا عام 2019 مما أفقدنا الكثير من المناطق. طورّنا مشروع مسيّرات شاهين، التي شكلّت رعبًا حقيقيًّا لقوات النظام حين بدأت عملية ردع العدوان، في حين كثفت أجهزة استخباراتنا عملها في جمع معلومات عن العدو. وحين حانت الظروف المناسبة للانقضاض على النظام كان الشيخ موجودًا ليقرر ذلك، ودعني أخبرك أن هذه إحدى أهم فضائله، الجرأة في موضعها، كان يمكن أن يفشل الهجوم، أن يحدث شيء آخر غير ما حدث، لم نكن على يقين من نجاح العملية لذلك أسميناها "ردع العدوان"، ولم يكن مداها في أكثر العقول خيالًا يتجاوز حلب، لكن الله وحده هو الذي منّ علينا بهذا الفتح. (فات الرجل أن يقول إن فتح الجبهات كان أحد المطالب الأساسية التي رفعها "الحراك" الذي خرج ضد حكم الجولاني في إدلب قبل العملية بوقت قصيرة، وهو ما يعني أن المزاج الثوري والشعبي كان قد وصل لحالة من الغليان جعلت قرار المواجهة حتميًّا، وإن كانت كتابة التاريخ تخفي اليوم دور الفصائل والكتل والأفراد وتحصرها في قصة شخص) ودّعت الرجل بعد مقابلة استمرت أربع ساعات ولم يعرف كلانا بأي انطباع خرج الآخر، نظر إليّ محاولًا الاستكشاف، وقال: "القادمون من الخارج، يأتون على هيئة رجلين: الأول يريد أن يعرف هل تغيرنا حقًّا أم ما زلنا "وحوشًا" ليرفع تقارير للغربيين والجهات المانحة، والثاني يريد أن يعرف لأي درجة تغيرنا كي يعود إلى أمتنا ويطمئنها أننا لسنا خونة؟!".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store