
نفق يمتد لقرن ونصف من الطموح.. هل آن أوان الربط القاري بين المغرب وإسبانيا؟
وقد تنامى الاهتمام الأوروبي بالعوائد الإستراتيجية والمالية للربط الثابت بين القارتين الأوروبية والأفريقية في خضم تقلّب خرائط التحالفات الدولية وتزايد جاذبية مضيق جبل طارق ضمن المشاريع الجيوسياسية العابرة للقارات، كبوابة أوروبا العالمية وأنبوب نقل الغاز النيجيري إلى الدول الأوروبية عبر المغرب.
وتسعى ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان " ديناميكيات مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا: الحوافز والكوابح" للباحث عبد الرفيع زعنون، إلى تتبع السياقات والخلفيات الكامنة وراء مشروع بناء نفق تحت قاع البحر للربط بين المغرب وإسبانيا، مع إبراز تقاطع المصالح والرهانات المحلية والقارية، إضافةً إلى استشراف السيناريوهات المتوقعة لتشغيله والمخاطر المحتملة التي قد تؤدي إلى إبطاء وتيرة إنجازه أو حتى إلى وأده في المهد.
حلم جيوسياسي مؤجل
فكرة الربط بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عام 1869 مع افتتاح قناة السويس ، قبل أن يتم التبني الرسمي للمشروع سنة 1979 باتفاق بين الملك الحسن الثاني والملك الإسباني خوان كارلوس. ومنذ ذلك الحين، عُهد إلى شركتين حكوميتين؛ الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق بالمغرب، والشركة الإسبانية للدراسات من أجل الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق، بمهام دراسات الجدوى والتخطيط التقني.
بعد استبعاد فكرة الجسر بسبب تأثيراته البحرية والأمنية، حُسم التوجه نحو نفق بحري مخصص للسكك الحديدية، بامتداد يناهز 42 كيلومترا، منها 28 كيلومترا تحت قاع البحر. ووقع الاختيار على مسار "عتبة المضيق" بين طريفة و طنجة ، لكن الأزمة المالية العالمية لعام 2008 جمّدت التمويل، وتوقف المشروع لسنوات بسبب توتر العلاقات السياسية بين مدريد و الرباط ، خاصة في فترة 2010-2021.
لكن الزخم للمشروع عاد مع اعتراف إسبانيا في مارس/آذار 2022 بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، ما أسهم في استئناف اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين، وصولا إلى توقيع اتفاقيات تقنية ومؤسساتية في عامي 2023 و2024. كما حصل المشروع على دفعة معنوية بعد قبول الملف المغربي – الإسباني – البرتغالي المشترك لتنظيم كأس العالم 2030.
خصصت الحكومتان أكثر من 100 مليون يورو لدراسات الجدوى، وكلفتا شركة "إينيكو" الإسبانية بتطوير النموذج الهندسي. كما التزمت مدريد بتوفير نصف مليار دولار لتجهيزات رصد زلزالي في قاع البحر، وتم توقيع شراكات علمية مع مراكز بحث مغربية وإسبانية لتعميق الفهم الجيولوجي والهندسي للممر.
مشروع بنَفَس قاري وأبعاد عالمية
تحوّل المشروع من مجرد ربط ثنائي إلى مبادرة إقليمية تربط أوروبا بأفريقيا، خاصة مع إدماجه في شبكة النقل الأوروبية، ورهان الاتحاد الأوروبي عليه لتعزيز البنية التحتية الأورو-متوسطية.
كما أبدت بريطانيا اهتمامها بتمويل المشروع بعد تخليها عن فكرة الربط القاري لجبل طارق بمدينة طنجة لأسباب سياسية وتقنية، وأصبحت أكثر حماسا لدعمه بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، بما يخدم سعيها نحو تعزيز شراكتها مع الدول الأفريقية.
وسيُربط النفق بالقطارات فائقة السرعة من الجانبين: في إسبانيا نحو مدريد وبرشلونة، وفي المغرب نحو الدار البيضاء وأغادير، حيث سيقلص زمن السفر من طنجة إلى مدريد إلى 6 ساعات، وإلى باريس في 10 ساعات. وتشير التقديرات إلى عبور سنوي يصل إلى 13 مليون طن من البضائع و12.8 مليون مسافر.
وتمثل الاهتمام الأوروبي فعليا بمساهمة من برنامج "الجيل الأوروبي المقبل" بـ1.6 مليون دولار لدراسات الجدوى، مع انخراط صناديق أوروبية في تقييم سيناريوهات العائد الاقتصادي للمشروع.
من جهة أخرى، يعزز المشروع المبادرات المغربية في جنوب الصحراء، مثل ميناء الداخلة الأطلسي ومبادرة الولوج إلى المحيط الأطلسي، ما يحوّل المغرب إلى محور لوجستي يربط القارة السمراء بأوروبا.
تحديات وحساسيات
ماليا، رغم هذا الزخم، تظل العقبة الكبرى هي الكلفة المالية غير المؤكدة؛ فبينما تقدّر الحكومات أن المشروع سيكلف 15 مليار دولار، تشير التقديرات الفنية الأولية إلى إمكانية مضاعفة هذا الرقم إلى أكثر من 30 مليار دولار، خاصة بسبب التحديات الجيولوجية في المضيق، منها الصخور الصلبة، والعمق البحري (يصل إلى 900 متر)، والنشاط الزلزالي، والتيارات البحرية القوية.
هندسيا، يعتبر المشروع تحديا من الطراز العالي، ويتطلب تقنيات معقدة لدعم البنية التحتية في منطقة ذات ظروف طبيعية متقلبة.
سياسيا، يواجه المشروع عراقيل عدة، منها فتور بعض المؤسسات الإسبانية، ورفض وكالة السكك الحديدية الإسبانية للمشروع بدعوى ضعف البنية الحالية. كما أن مخاوف الاتحاد الأوروبي من تحوّل النفق إلى بوابة جديدة للهجرة غير النظامية تدفعه إلى التردد، ولا سيما مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا.
العلاقات المغربية الإسبانية نفسها توصف بأنها "علاقات بأسنان منشار"، أي أنها متقلبة، مما يجعل المشروع عرضة للتجميد عند كل أزمة دبلوماسية، خاصة في ظل احتمال فوز قوى يمينية أو يسارية متطرفة في الانتخابات الإسبانية، وهي قوى ليست متحمسة لعلاقات شراكة إستراتيجية مع المغرب.
كما أن الموقع الجيوسياسي للمضيق، ومرور قرابة 20% من التجارة العالمية عبره، يضع النفق تحت أعين القوى الكبرى التي قد لا توافق بسهولة على مشروع قد يؤثر على حركة السلع والطاقة والسلاح.
بين السيناريو المتفائل والواقعي
هناك سيناريوهان محتملان لمصير المشروع:
السيناريو التفاؤلي: يفترض البدء في البناء عام 2026 والانتهاء منه في 2030، تزامنا مع مونديال 2030، كوسيلة لإبراز التكامل الإقليمي بين أوروبا وأفريقيا. لكن هذا السيناريو مستبعد حاليا، نظرا لتعقيدات التمويل والهندسة، وعدم استكمال الدراسات بعد.
السيناريو الواقعي/الإستراتيجي: يقضي ببدء الأشغال فعليا في 2030 والانتهاء منها في حدود عام 2040، بعد استكمال الدراسات بحلول 2028، وهو السيناريو الأكثر ترجيحا، نظرا لتشابه مدته مع تجارب أنفاق مماثلة في العالم.
خلاصة
يمثل مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا حلما جيوسياسيا كبيرا يتجاوز الربح الثنائي ليصل إلى تعزيز الربط بين قارتي أفريقيا وأوروبا. وفي ظل الديناميكيات الدبلوماسية الراهنة، وتسارع الجهود التقنية، يبدو المشروع أقرب من أي وقت مضى إلى التحقق.
لكن لا يزال مصيره مرتهنا بعدة محددات، منها مدى الجاهزية التقنية، وقدرة المغرب وإسبانيا على تجاوز تقلبات السياسة، وجاهزية التمويل الأوروبي والدولي، فضلا عن العامل الزمني الحاسم المرتبط بمونديال 2030. فإذا لم يتحقق اختراق فعلي قبل هذا الموعد، فقد يعود المشروع إلى حالة الجمود، ويظل الحلم معلقًا في مهب الريح.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
ريال مدريد أغلى نادٍ في العالم وبرشلونة في مركز متأخر
أثبت ريال مدريد أنه النادي الوحيد في الدوري الإسباني لكرة القدم القادر على منافسة عمالقة الدوري الإنجليزي الممتاز، بل وتجاوزها من حيث القيمة السوقية. بينما تنفق بعض الأندية بدافع الضرورة، يختار آخرون الاستقرار على اعتبار أن الاستثمار الجيد لا يعني دائما إنفاق المزيد. وتصدر الدوري الإنجليزي الممتاز سوق الانتقالات الصيفية بعد أن تجاوزت قيمة تعاقداته ملياري يورو، متقدما بفارق كبير على بقية الدوريات. في المقابل حافظ الدوري الإسباني، الرابع من حيث الإنفاق، على نهج مختلف، غير أن النادي صاحب أغلى تشكيلة في العالم لم يكن إنجليزيا. الريال في الصدارة وفقا لموقع "ترانسفير ماركت"، يتصدر ريال مدريد جدول القيمة السوقية من دون هدر للأموال، وتُقدر قيمة فريق تشابي ألونسو بـ1.37 مليار يورو، مما يجعله أغلى نادٍ في العالم، رغم أنه ليس من بين أكثر 3 أندية إنفاقا في سوق الانتقالات الصيفية. وحافظ "ملك أوروبا" على تفوق طفيف على منافسيه الإنجليز، متجاوزا مانشستر سيتي بفارق 10 ملايين يورو فقط، و أرسنال بفارق 50 مليون يورو. ويدعم هذه القيمة المرتفعة لاعبون أساسيون مثل كيليان مبابي، وفينيسيوس جونيور، وفيديريكو فالفيردي، حيث تُقدر قيمتهم بحوالي 180، و170، و130 مليون يورو على التوالي. ومن المثير للدهشة أن مبابي، الذي أمضى أقصر فترة مع النادي (موسم واحد فقط)، هو الأكثر قيمة، يليه فينيسيوس بفارق ضئيل، الذي أثبت نفسه بسرعة أيضا. وعلى الرغم من أن ريال مدريد تعاقد مع أسماء بارزة مثل ترينت ألكسندر-أرنولد، إلا أن ريال مدريد يحتل المركز الخامس من حيث إنفاق الانتقالات، بقيمة 167.50 مليون يورو. ويعتبر الميرينغي النادي الأكثر إنفاقا في الدوري الإسباني، لكنه يتخلف عن ليفربول ، الذي يتصدر قائمة الاستثمارات، و تشلسي ، وأرسنال، ومانشستر سيتي. ويعكس هذا التباين أنه في سوق يهيمن عليه جنون الدوري الإنجليزي الممتاز، لا ترتبط القيمة الحقيقية للفريق دائما بالمبلغ الذي يُنفقه، بل بجودة لاعبيه وإمكاناتهم. يحتل سيتي المركز الثاني في القائمة بقيمة 1.36 مليار يورو، منها 110 ملايين يورو قيمة رودري، الحائز على جائزة الكرة الذهبية حاليا. من جانبه، يبرز أرسنال، الذي يكمل قائمة أغلى الأندية في العالم بقيمة سوقية تبلغ 1.32 مليار يورو، بلاعبين مثل ديكلان رايس، بقيمة 120 مليون يورو، وفيكتور غيوكيريس، بقيمة 75 مليون يورو، وهو خامس أغلى لاعب في النادي اللندني. برشلونة وأتلتيكو مدريد يحتل برشلونة حاليا المركز السادس في ترتيب أغلى الأندية في العالم (1.13 مليار يورو)، ويعتبر رافينيا ثالث أغلى لاعب في الفريق بقيمة تُقدر بـ90 مليون يورو. وفي السياق ذاته، يحتل أتلتيكو مدريد المركز الـ15 في تصنيفات القيمة السوقية العالمية بـ578.8 مليون يورو، أي أقل من نصف قيمة ريال مدريد.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
ريال مدريد أكثر الأندية الإسبانية استثمارا في الذكاء الاصطناعي
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في عالم كرة القدم، فهو لا يغير طريقة لعب الرياضة وتحليلها فحسب، بل يُحسّن أيضا كيفية إدارة الأندية مواردها واستغلال الفرص المالية الجديدة. وفي خضم هذه الطفرة التكنولوجية الفائقة يعد ريال مدريد وأتلتيك بلباو من أندية الدوري الإسباني لكرة القدم التي تشهد أكبر قدر من النمو في هذا القطاع. واستثمر ريال مدريد وبلباو بشكل كبير في قطاع الذكاء الاصطناعي، وهذا ما أقر به خورخي لوسيو سانشيز غالان المستشار الإستراتيجي في مجال التحول الرقمي والخبير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بكرة القدم. ووفقا لسانشيز غالان، فإن "تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال كرة القدم يهدف إلى تحقيق عائد استثماري آلي ومباشر من خلال العمل مع البيانات لتطوير التجارب وتعظيم الإيرادات". وأشاد غالان بالخطوة الكبيرة التي اتخذها ريال مدريد في استخدام الذكاء الاصطناعي في عملياته اليومية. وتابع غالان في تصريح لصحيفة "لا رازون" "في كل من سانتياغو برنابيو وسان ماميس تمكنا من تحقيق تحولات لافتة وتحسين الإدارة والتجارة الإلكترونية، مما يُترجَم إلى زيادات ملحوظة في الإيرادات". وأوضح الخبير أن الحد الأدنى للاستثمار لاستخدام هذا النوع من التكنولوجيا يتراوح بين 150 ألفا و250 ألف يورو، مع إمكانية تحقيق عائد لا يقل عن 20% من الإيرادات والكفاءة. ويتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على استثمار البيانات مستفيدا من الرقمنة والأتمتة، وتأثيره على الرياضة آخذ في الازدياد. وعند تطبيقه على أندية كرة القدم يمكنه إحداث نقلة نوعية في ديناميكياتها والارتقاء بإدارة مهامها، بدءا من الإدارة الإدارية وصولا إلى استكشاف المواهب والتخطيط الرياضي. ريال مدريد والذكاء الاصطناعي سلط الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي خلال كأس العالم للأندية الأخيرة. ووفقا لغالان، استخدم الاتحاد -الذي يرأسه جياني إنفانتينو- هذه التقنية لجمع إحصاءات عديدة عن مباريات البطولة "الجديدة" التي أقيمت في الولايات المتحدة. وأقر الخبير قائلا "طوّر الاتحاد الدولي لكرة القدم إستراتيجيات مختلفة تعتمد على تسجيل المستخدمين لتحقيق الربح من ملايين نقاط البيانات، بما يتجاوز بكثير مبيعات التذاكر التقليدية، من الضروري التركيز على الشركات التقليدية نظرا لفرص النمو الواعدة". وكان ريال مدريد رائدا في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير عمله، ففي فالديبيباس يجمعون كما هائلا من المعلومات باستخدام الكاميرات وأجهزة الاستشعار وأجهزة متنوعة تسجل أدق التفاصيل. ويتيح هذا تحليلا أكثر تعمقا ونتائج مبهرة، وأفضل بكثير من نتائج المراقبة الفردية التقليدية، فالبيانات الضخمة تلعب دورا مهما. ويلعب استخدام التصوير الحراري دورا مهما، خاصة في الوقاية من الإصابات التي كانت أحد التحديات الرئيسية التي واجهها الفريق الأول في الأشهر الأخيرة.


الجزيرة
منذ 4 أيام
- الجزيرة
نفق يمتد لقرن ونصف من الطموح.. هل آن أوان الربط القاري بين المغرب وإسبانيا؟
بعد سنوات من التعثر، يشهد مشروع الربط الثابت بين ضفتي المتوسط عبر مضيق جبل طارق ديناميكيات استثنائية في ظل الطفرة النوعية التي تطبع العلاقات السياسية والاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، وهو ما يعكسه انتظام أشغال الأجهزة المكلّفة بتدبير المشروع والتقدم الملحوظ في إنجاز الدراسات التقنية ودراسات الجدوى. وقد تنامى الاهتمام الأوروبي بالعوائد الإستراتيجية والمالية للربط الثابت بين القارتين الأوروبية والأفريقية في خضم تقلّب خرائط التحالفات الدولية وتزايد جاذبية مضيق جبل طارق ضمن المشاريع الجيوسياسية العابرة للقارات، كبوابة أوروبا العالمية وأنبوب نقل الغاز النيجيري إلى الدول الأوروبية عبر المغرب. وتسعى ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان " ديناميكيات مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا: الحوافز والكوابح" للباحث عبد الرفيع زعنون، إلى تتبع السياقات والخلفيات الكامنة وراء مشروع بناء نفق تحت قاع البحر للربط بين المغرب وإسبانيا، مع إبراز تقاطع المصالح والرهانات المحلية والقارية، إضافةً إلى استشراف السيناريوهات المتوقعة لتشغيله والمخاطر المحتملة التي قد تؤدي إلى إبطاء وتيرة إنجازه أو حتى إلى وأده في المهد. حلم جيوسياسي مؤجل فكرة الربط بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عام 1869 مع افتتاح قناة السويس ، قبل أن يتم التبني الرسمي للمشروع سنة 1979 باتفاق بين الملك الحسن الثاني والملك الإسباني خوان كارلوس. ومنذ ذلك الحين، عُهد إلى شركتين حكوميتين؛ الشركة الوطنية لدراسات مضيق جبل طارق بالمغرب، والشركة الإسبانية للدراسات من أجل الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق، بمهام دراسات الجدوى والتخطيط التقني. بعد استبعاد فكرة الجسر بسبب تأثيراته البحرية والأمنية، حُسم التوجه نحو نفق بحري مخصص للسكك الحديدية، بامتداد يناهز 42 كيلومترا، منها 28 كيلومترا تحت قاع البحر. ووقع الاختيار على مسار "عتبة المضيق" بين طريفة و طنجة ، لكن الأزمة المالية العالمية لعام 2008 جمّدت التمويل، وتوقف المشروع لسنوات بسبب توتر العلاقات السياسية بين مدريد و الرباط ، خاصة في فترة 2010-2021. لكن الزخم للمشروع عاد مع اعتراف إسبانيا في مارس/آذار 2022 بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، ما أسهم في استئناف اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين، وصولا إلى توقيع اتفاقيات تقنية ومؤسساتية في عامي 2023 و2024. كما حصل المشروع على دفعة معنوية بعد قبول الملف المغربي – الإسباني – البرتغالي المشترك لتنظيم كأس العالم 2030. خصصت الحكومتان أكثر من 100 مليون يورو لدراسات الجدوى، وكلفتا شركة "إينيكو" الإسبانية بتطوير النموذج الهندسي. كما التزمت مدريد بتوفير نصف مليار دولار لتجهيزات رصد زلزالي في قاع البحر، وتم توقيع شراكات علمية مع مراكز بحث مغربية وإسبانية لتعميق الفهم الجيولوجي والهندسي للممر. مشروع بنَفَس قاري وأبعاد عالمية تحوّل المشروع من مجرد ربط ثنائي إلى مبادرة إقليمية تربط أوروبا بأفريقيا، خاصة مع إدماجه في شبكة النقل الأوروبية، ورهان الاتحاد الأوروبي عليه لتعزيز البنية التحتية الأورو-متوسطية. كما أبدت بريطانيا اهتمامها بتمويل المشروع بعد تخليها عن فكرة الربط القاري لجبل طارق بمدينة طنجة لأسباب سياسية وتقنية، وأصبحت أكثر حماسا لدعمه بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، بما يخدم سعيها نحو تعزيز شراكتها مع الدول الأفريقية. وسيُربط النفق بالقطارات فائقة السرعة من الجانبين: في إسبانيا نحو مدريد وبرشلونة، وفي المغرب نحو الدار البيضاء وأغادير، حيث سيقلص زمن السفر من طنجة إلى مدريد إلى 6 ساعات، وإلى باريس في 10 ساعات. وتشير التقديرات إلى عبور سنوي يصل إلى 13 مليون طن من البضائع و12.8 مليون مسافر. وتمثل الاهتمام الأوروبي فعليا بمساهمة من برنامج "الجيل الأوروبي المقبل" بـ1.6 مليون دولار لدراسات الجدوى، مع انخراط صناديق أوروبية في تقييم سيناريوهات العائد الاقتصادي للمشروع. من جهة أخرى، يعزز المشروع المبادرات المغربية في جنوب الصحراء، مثل ميناء الداخلة الأطلسي ومبادرة الولوج إلى المحيط الأطلسي، ما يحوّل المغرب إلى محور لوجستي يربط القارة السمراء بأوروبا. تحديات وحساسيات ماليا، رغم هذا الزخم، تظل العقبة الكبرى هي الكلفة المالية غير المؤكدة؛ فبينما تقدّر الحكومات أن المشروع سيكلف 15 مليار دولار، تشير التقديرات الفنية الأولية إلى إمكانية مضاعفة هذا الرقم إلى أكثر من 30 مليار دولار، خاصة بسبب التحديات الجيولوجية في المضيق، منها الصخور الصلبة، والعمق البحري (يصل إلى 900 متر)، والنشاط الزلزالي، والتيارات البحرية القوية. هندسيا، يعتبر المشروع تحديا من الطراز العالي، ويتطلب تقنيات معقدة لدعم البنية التحتية في منطقة ذات ظروف طبيعية متقلبة. سياسيا، يواجه المشروع عراقيل عدة، منها فتور بعض المؤسسات الإسبانية، ورفض وكالة السكك الحديدية الإسبانية للمشروع بدعوى ضعف البنية الحالية. كما أن مخاوف الاتحاد الأوروبي من تحوّل النفق إلى بوابة جديدة للهجرة غير النظامية تدفعه إلى التردد، ولا سيما مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا. العلاقات المغربية الإسبانية نفسها توصف بأنها "علاقات بأسنان منشار"، أي أنها متقلبة، مما يجعل المشروع عرضة للتجميد عند كل أزمة دبلوماسية، خاصة في ظل احتمال فوز قوى يمينية أو يسارية متطرفة في الانتخابات الإسبانية، وهي قوى ليست متحمسة لعلاقات شراكة إستراتيجية مع المغرب. كما أن الموقع الجيوسياسي للمضيق، ومرور قرابة 20% من التجارة العالمية عبره، يضع النفق تحت أعين القوى الكبرى التي قد لا توافق بسهولة على مشروع قد يؤثر على حركة السلع والطاقة والسلاح. بين السيناريو المتفائل والواقعي هناك سيناريوهان محتملان لمصير المشروع: السيناريو التفاؤلي: يفترض البدء في البناء عام 2026 والانتهاء منه في 2030، تزامنا مع مونديال 2030، كوسيلة لإبراز التكامل الإقليمي بين أوروبا وأفريقيا. لكن هذا السيناريو مستبعد حاليا، نظرا لتعقيدات التمويل والهندسة، وعدم استكمال الدراسات بعد. السيناريو الواقعي/الإستراتيجي: يقضي ببدء الأشغال فعليا في 2030 والانتهاء منها في حدود عام 2040، بعد استكمال الدراسات بحلول 2028، وهو السيناريو الأكثر ترجيحا، نظرا لتشابه مدته مع تجارب أنفاق مماثلة في العالم. خلاصة يمثل مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا حلما جيوسياسيا كبيرا يتجاوز الربح الثنائي ليصل إلى تعزيز الربط بين قارتي أفريقيا وأوروبا. وفي ظل الديناميكيات الدبلوماسية الراهنة، وتسارع الجهود التقنية، يبدو المشروع أقرب من أي وقت مضى إلى التحقق. لكن لا يزال مصيره مرتهنا بعدة محددات، منها مدى الجاهزية التقنية، وقدرة المغرب وإسبانيا على تجاوز تقلبات السياسة، وجاهزية التمويل الأوروبي والدولي، فضلا عن العامل الزمني الحاسم المرتبط بمونديال 2030. فإذا لم يتحقق اختراق فعلي قبل هذا الموعد، فقد يعود المشروع إلى حالة الجمود، ويظل الحلم معلقًا في مهب الريح.