logo
د. موسى برهومة يكتب: أحمد منصور محترقاً

د. موسى برهومة يكتب: أحمد منصور محترقاً

أخبارنا١٣-٠٤-٢٠٢٥

أخبارنا :
تكثف صورة الصحافي الفلسطيني المحترق أحمد منصور، في خيمة للصحافيين في قطاع غزة، الأسبوع الماضي، مأساة تتعدى حرق الأجساد إلى حرق الروح، وتحطيم القواعد الأخلاقية، وخروج الإنسان من ثوب كينونته وانبثاقه وصيرورته وفنائه.
الفيديو (لمن شاهده) يجمّد المشاعر، كأنما إشارة صدرت من أصبع ضاغط على زرّ شاء أن يوقف المشهد، لا ليتفرسه، وإنما لكي ينعى من خلاله آخر ما تبقى من أنفاس الرحمة. لقد ماتت الخيرية يا "كانط"، وصار الكائن/ الآلة هو من يقرر مصائر البشر في هذا الكون الأعشى الذي أضحى، بسبب لعنة الحضارة، أعمى في بصره وبصيرته.
كانت السينما أسبق إلى تصور المآلات التي تنتظر البشر، فقد ركز الخيال العلمي، منذ زمن بعيد، على إنتاج كائنات آلية مصممة للفتك والتدمير، ومبرمجة من أجل إذلال فكرة الإحساس والتعاطف. كان ذلك في زمن الخيال الذي يهدف إلى الإمتاع والتشويق وبث إثارة ما (ربما بريئة) في عروق الكائن المتسمّر أمام الشاشة. فالتعلق بأفلام العنف والرعب، التي تجد استحساناً لدى غالبية مشاهدي السينما، آت من الكبت النفسي الهاجع في اللاوعي الذي لم يتخلص الإنسان منه، فوجد ضالته في الأفلام أو في الفن، أو في العنف المادي الذي تختلط فيه مشاعر العدوان بالكراهية، وقد أفاض "فرويد" في تشريح ذلك، حيث عزا العنف إلى عدم إشباع دوافع اللذة "الليبدو" المركبة من الرغبات والمشاعر والانفعالات والنزوات والميول، التي تتصارع بشكل مفتوح مع غريزة الموت.
لم تكن تلك الأفلام تبشر أو تدعو أو تحث على الإبادة المبرمة للجنس البشري، لكنها الآن، في غزة، وفي سواها من الساحات المنكوبة بـ"تسونامي الشر"، تصبح هدفاً ومراداً. القاتل تعلّم من المخرج ومن كاتب السيناريو، فراقَ له العمل، وأراد أن ينفذه بحذافيره، وعلى الهواء مباشرة، وبلا عدة إنتاج، أو ميزانية، أو ممثلين، أو خدع فنية، أو مؤثرات بصرية، أو استعانة بمؤهلات الذكاء الاصطناعي. صار القاتل ملهِماً للكاتب، ومفجراً في خيال المخرج ما لم يخطر في بال بشر.
في فيلم تيتان (Titane) للمخرجة الفرنسية جوليا دوكورناو، الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، 2021، نعثر على إنسان شبه آلي تتحول برمجته الوجدانية بعد زرع لوحة من معدن "التيتانيوم" في جمجمة بطلة الفيلم ألكسيا (الممثلة المدهشة أغاثا روسيل)، في أعقاب حادث سيارة في طفولتها.
اللوحة المزروعة في الجمجمة أعلى الأذن اليمنى تتصل بالأوامر العقلية التي تجعل المفاهيم الأخلاقية منزوعة من سياقاتها المنطقية، حيث العنف يغدو غاية ووجهة ومتعة. فالقتل المتسلسل بدم بارد وبمقدارعال من التوحش وعدم تأنيب الضمير، يصبح هو القاعدة. أما الحنان والتعاطف أو الحاجة إليهما، كما تبدو في لحظات النصف الثاني من الفيلم، فتبدو كأنها استثناء.
ألكسيا، التي تهرب من الشرطة بعد جرائمها، تُجري تغييرات في مظهرها حتى لتبدو مثل شاب يعثر عليه ضابط في فرقة الإطفاء فيقنع (أو يوهم) نفسه بأنه ابنه المفقود منذ عشر سنوات "أدريان".
ولإنجاح هذه الخدعة تمارس ألكسيا على نفسها عنفاً منقطع التخيل، إذ تحلق شعرها وحواجبها، وتكسر أنفها بشكل متوحش يهزأ بالألم، ثم في مرحلة لاحقة تحاول بقر بطنها بمخرز الشعر الطويل لتخفي حملها بعد أن تكون قد مارست الجنس مع سيارة (!!)، فيكون دم الجنين أسودَ مثل زيت الحافلات المحروق، في رؤية هيتشكوكية معجونة بأنفاس كافكا الكابوسية، وتصورات شوبنهاور العدمية التي ترى أن الوجود هو بؤرة الحزن والكآبة والشر المطلق.
وعلى الرغم من كل هذا العنف الذي يكون واحداً من تعبيراته إحراق ألكسيا منزل العائلة بوجود أبيها وأمها، بعدما أغلقت عليهما الباب، إلا أنّ طيفاً من وعي المشاعر يتسرب إلى عروقها المعدنية في علاقتها بأبيها المفترَض الذي أقسم على حمايتها مهما كلفه الأمر، فإذ بنا أمام قلب يخفق، ودمع يترقرق في المحاجر، ويدين ترتعشان، وشفتين ممتلئتين بامتنان مخنوق.
كان ذلك في السينما، حيث الدم سائل أحمر يتفجر من الأجساد، وحيث العظام المنصهرة في أتون النار هو كومة من الخدع البصرية المصممة بالكمبيوتر. بيْد أن ما جرى في خيمة الصحافي أحمد منصور في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، كان حقيقة وثقتها الكاميرا لجسد لا يقوى على أن ينتزع كتلته، ويفر من اللهيب المحتدم الذي كبّل إرادة الناس الذين لم يتمكنوا من إنقاذ أحمد، وكان أقصى ما قدموه له، لضعف حيلتهم، هو رش قليل من الماء لإطفاء جهنم التي ذاب فيها الجسد الذي تفحم.
لم تكن مزروعة في أجساد القتلة شرائح "التيتانيوم"، ولم تجر إعادة إنتاج داخل المختبر لبرمجة مشاعرهم أو إعادتهم إلى فطرتهم الأولى قبل أن تلوثها وتعطبها أيديولوجيا المزاعم التوراتية وأكاذيبها وأوهامها. فقد سبق الذين ألقوا القنبلة الجهنمية على خيمة الصحافيين، ضابط إسرائيلي وعد طفلته أن يهديها، بمناسبة عيد ميلادها، تفجيراً لأحد المباني السكنية في قطاع غزة. ويقول الضابط في مقطع فيديو نشرته وسائل إعلام، في السادس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023: "أهدي ابنتي بمناسبة عيد ميلادها الثاني، هذا التفجير، إني اشتاق لها"!
الواقع، الآن، يسدد لكمة منكرة للسينما، ويتجاوزها في مقدار الرعب المختلط بالشر الفتاك الذي تحترق فيه أجساد الأطفال، وتحترق معها صيحاتهم واستغاثاتهم، من أجل أم تبتهج وتحتفل طفلة لا تبعد كثيراً عنهم في الجغرافيا، ولا تختلف عنهم في الطينة البشرية التي جُبل منها الإنسان، لكنّ أقدار التاريخ اختلفت فأضرمت الحرائق في الجغرافيا ومن فيها ومن عليها. ولم تقف عند هذا الحد، فقد طاول الحريق الشرائع والأديان والنواميس. وإذ تنجز النار هذه "المهمة" الآثمة، فإنها تحرق آخر ضلع في نعش الخير والرحمة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من الحسناء الجزائرية التي سرقت الأضواء مع بنزيمة؟
من الحسناء الجزائرية التي سرقت الأضواء مع بنزيمة؟

جو 24

timeمنذ 2 ساعات

  • جو 24

من الحسناء الجزائرية التي سرقت الأضواء مع بنزيمة؟

جو 24 : تصدر كريم بنزيمة عناوين الصحف العالمية في الأيام الماضية، بعدما سرق الأضواء في مهرجان كان السينمائي بعد ظهوره برفقة صديقته لينا خودري. وبات قائد اتحاد جدة حديث وسائل التواصل الاجتماعي بظهور غير متوقع على السجادة الحمراء في المهرجان السينمائي، مما خلق لحظة فريدة من نوعها أمام مئات الكاميرات، وجعل الجميع يتساءل: من هي الفتاة الأنيقة للغاية التي تمسك بيد بنزيمة؟ وكشفت التقارير الصحافية أن شائعات علاقة بنزيمة الجديدة مع لينا كانت متداولة منذ فترة ليست بالطويلة بسبب تفاعلهما على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كانت بينهما إعجابات وتعليقات على منشوراتهما. لطالما كان بنزيمة متحفظا بشأن حياته الخاصة، لكنه لم يتمكن من إخفاء حياته العاطفية عن أعين وسائل الإعلام، ومن المعروف أن المهاجم الفرنسي هو أب لأربعة أطفال من ثلاث نساء مختلفات، وكانت شريكته الأخيرة عارضة الأزياء الأميركية جوردان أوزونا، التي أنجب منها طفله الرابع. وبسبب حرصه الشديد على الخصوصية، كانت مشاركته الأخيرة في مهرجان كان السينمائي مفاجأة كبرى، كونه اختار الحدث ليقدم شريكته الجديدة بطلة فيلم "13 يوما و13 ليلة"، لاسيما أن حضوره في هذه الأحداث غير متوقع تماما، كما لم يحضر أي حدث مثله من قبل، وعادة ما يظهر في مناسبات تتعلق بكرة القدم فقط، لكن ما لم يتوقعه أحد هو وصوله برفقة إحدى بطلات الفيلم، لينا خودري. ظهرا ممسكين بأيدي بعضهما، وخطفا الأضواء على الفور، لم يخجلا من إظهار عاطفتهما في العلن، بل على العكس تماما، بدا نجم ريال مدريد السابق والممثلة مرتاحين تماما وطبيعين كشريكين أمام مئات المصورين. تتمتع الحسناء بسيرة ذاتية مميزة، كما أنها تتمتع بمكانة مهمة جدا في عالم الموضة، كونها تمثل "شانيل" منذ عام 2022، وهو ما يفسر حضورها الدائم في الفعاليات رفيعة المستوى، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لديها أكثر من 182 ألف متابع. تعد لينا خودري إحدى الشخصيات المحبوبة في عالم الفن، وكثيرا ما تصفها الصحافة بأنها نجمة السينما الفرنسية، ولدت في أكتوبر 1992، وانتقلت إلى فرنسا وهي في الثانية من عمرها، ارتبطت نشأتها ارتباطا وثيقا بالفنون، فوالدتها كانت معلمة كمان ووالدها صحافي. في مقابلة مع مجلة "غراتسيا" الإيطالية، ذكرت لينا أن عائلتها اضطرت للفرار من الجزائر خلال الحرب الأهلية لأن والدها مذيع أخبار، تلقى تهديدات بالقتل من متطرفين، تركوا كل شيء خلفهم واضطروا للبدء من جديد، عملت والدتها كأمينة صندوق، بينما افتتح والدها محلات سندوتشات ومراكز اتصالات ومقاهي إنترنت لإعالة الأسرة. تأثرت خودري بالكتب والحفلات الموسيقية وزيارات المتاحف والسينما منذ صغرها، انجذبت إلى المسرح ثم تدربت في الجامعة، وأكملت فترة تدريب في مسرح كولين قبل أن تحقق إنجازا بارزا بانضمامها إلى فريق عمل المسرح الوطني في ستراسبورغ. لكن فترة عملها في المسرح الوطني كانت أقصر من المتوقع، ظهرت في عدد من المسلسلات التلفزيونية، وظهرت لأول مرة في عالم السينما في فيلم "السعداء"، وهو فيلم غير مسار مسيرتها المهنية، لم يكن هذا الفيلم نقلة نوعية في شهرتها فحسب، بل أكسبها جائزة أوريزونتي لأفضل ممثلة في مهرجان البندقية السينمائي. منذ تلك اللحظة، لم يتوقف صعودها، بدأت تحصل على أدوار رئيسية وتحصد الجوائز، بما في ذلك جائزة سيزار المرموقة لأفضل ممثلة واعدة. تابعو الأردن 24 على

أمينة خليل ترفض التعليق على شائعات زواجها
أمينة خليل ترفض التعليق على شائعات زواجها

السوسنة

timeمنذ يوم واحد

  • السوسنة

أمينة خليل ترفض التعليق على شائعات زواجها

السوسنة- علقت الفنانة أمينة خليل على الشائعات المتداولة بشأن استعدادها للزواج قريبًا، بعد أن نشرت الفنانة جميلة عوض صورة تجمعهما وأعلنت فيها عن احتفال أمينة بليلة الحنة، ثم حذفتها بعد دقائق.وخلال حضورها حفل توزيع جوائز كأس إنرجي للدراما، أكدت أمينة أنها لا تتابع التعليقات المتعلقة بأخبار زواجها المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت: "مش بشوف التعليقات عن أخبار زواجي"، ورفضت التعليق على الصورة التي نشرتها جميلة عوض.وتطرقت أمينة في تصريحاتها الى مشاركتها في مهرجان "كان" السينمائي، قائلة: "شيء مهم جدًا يكون فيه وجود لفنانات وفنانين مصريين في مهرجان كان السينمائي، أنا كنت بحلم إني أروح مهرجان كان، والحمد لله إني رحت السنة دي ومهرجان البحر الأحمر كان بيكرمني هناك ودي حاجة كانت كبيرة أوي بالنسبة لي ومبسوطة ويارب متبقاش آخر مرة".ونالت أمينة خليل، جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسلسل "لام شمسية" الذي حقق نجاحًا كبيرًا في موسم رمضان الماضي، وتصدرت به محركات البحث على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر والوطن العربي منذ عرض حلقاته الأولى، وضم العمل كلًا من: أحمد السعدني، محمد شاهين، علي البيلي، يسرا اللوزي، أسيل عمران، ثراء جبيل، صفاء الطوخي، ياسمين العبد، يارا جبران، مصطفى عسكر، علي قاسم، فاتن سعيد، والعمل من تأليف مريم نعوم، وإخراج كريم الشناوي:

أول تعليق من أمينة خليل على أخبار زواجها
أول تعليق من أمينة خليل على أخبار زواجها

جو 24

timeمنذ 2 أيام

  • جو 24

أول تعليق من أمينة خليل على أخبار زواجها

جو 24 : علقت الفنانة أمينة خليل، على انتشار أخبار استعدادها للزواج خلال الأيام المقبلة، وذلك بعد نشر الفنانة جميلة عوض صورة جمعتهما أعلنت من خلالها عن احتفال أمينة بليلة الحنة ثم حذفتها بعد دقائق من نشرها. قالت أمينة خليل، خلال مشاركتها في حفل توزيع جوائز كأس إنرجي للدراما، إنها لا تتابع أيًا من التعليقات الخاصة بأخبار زواجها التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية، قائلة: "مبشوفش التعليقات على أخبار زواجي"، رافضة التعليق على الصورة التي نشرتها جميلة عوض. وتطرقت أمينة في تصريحاتها الى مشاركتها في مهرجان "كان" السينمائي، قائلة: "شيء مهم جدًا يكون فيه وجود لفنانات وفنانين مصريين في مهرجان كان السينمائي، أنا كنت بحلم إني أروح مهرجان كان، والحمد لله إني رحت السنة دي ومهرجان البحر الأحمر كان بيكرمني هناك ودي حاجة كانت كبيرة أوي بالنسبة لي ومبسوطة ويارب متبقاش آخر مرة". ونالت أمينة خليل، جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسلسل "لام شمسية" الذي حقق نجاحًا كبيرًا في موسم رمضان الماضي، وتصدرت به محركات البحث على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر والوطن العربي منذ عرض حلقاته الأولى، وضم العمل كلًا من: أحمد السعدني، محمد شاهين، علي البيلي، يسرا اللوزي، أسيل عمران، ثراء جبيل، صفاء الطوخي، ياسمين العبد، يارا جبران، مصطفى عسكر، علي قاسم، فاتن سعيد، والعمل من تأليف مريم نعوم، وإخراج كريم الشناوي. تابعو الأردن 24 على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store