logo
كيف تتغير عاداتنا الاستهلاكية في شهر رمضان؟

كيف تتغير عاداتنا الاستهلاكية في شهر رمضان؟

سيدر نيوز١٤-٠٣-٢٠٢٥

Join our Telegram
خلال شهر رمضان، ربما تتغير العادات الاستهلاكية للعديد من الأشخاص بشكل ملحوظ، حيث يُقبل الكثيرون على التسوق لشراء مستلزمات مائدة رمضان من طعام وشراب، وتكون الأسواق التجارية مكتظة بالذين يشترون المواد الغذائية والخضروات والفواكه وغيرها من المنتجات.
ولكن سؤال قد يطرحه كثيرون: هل هذا التسوق ضرورة وحاجة حقيقية أم مجرد رغبة من الصائم للتبضُّع؟.
في هذا الصدد، تقول المرشدة النفسية الدكتورة رزان الحجيري خلال حديثها لبي بي سي: ' رغم تميّز هذا الشهر، إلا أن بعض الأفراد يقومون بسلوكيات كثيرة منها ما تؤذي الصحة كالأكل بشراهة ومنها ما تؤذي الحالة الاقتصادية كالإسراف في المشتريات مما يؤدي إلى تراكم الديون'، موضحة أن 'العادات الاستهلاكية خلال شهر رمضان أصبحت رغبة أكثر منها حاجة حقيقية، إذ باتت عادة المباهاة وحب الظهور والتنافس في إعداد الولائم بين العائلات والأصدقاء سمة لنيل الاستحسان، لذلك ومن خلال مبدأ التعزيز والثواب فإن أي سلوك يجري تعزيزه من المحتمل أن تصبح هناك رغبة بتكراره، حتى لو كانت ذات تبعات سلبية كزيادة التكاليف والبذخ والإسراف'.
وتضيف الحجيري أنه 'لوحظ أن أكثر الأشخاص تتغير لديهم العادات الاستهلاكية خلال شهر رمضان، إذ تزداد أضعافاً مضاعفة مقارنة بالأيام العادية، وأحد أسباب ذلك يعود إلى إحساس الصائم بالجوع ما يدفعه نحو الاستهلاك بشكل أكبر ظناً منه أنه سيأكل كثيراً'.
'العروض الرمضانية، والإعلانات المؤثرة تُغري الصائمين'
وينبغي وفق الحسابات النظرية أن ينخفض معدل استهلاك الفرد في شهر رمضان فيما يتعلق بالطعام والشراب، إذ يتقلص عدد الوجبات التي يتناولها على مدار اليوم وهو ما يوضحه الخبير الاقتصادي حسام عايش في حواره مع بي بي سي بقوله: 'عملياً في شهر رمضان، يتناول الفرد وجبتين هما الفطور والسحور، وغالباً لا يتناول الكثير من الطعام في السحور نظراً للفترة ما بين الوجبتين ولساعات الصيام التي يقضيها خلال يومه، وهو ما يجعل الوقت المتاح لتناول الطعام أقل من المعتاد على مدار العام بكثير، لذلك فإنه يجب أن يكون شهراً للتقشف والشعور بالآخرين'.
ولمعرفة حقيقة زيادة الاستهلاك والإنفاق لدى اكثيرين في شهر رمضان، أجاب عايش بأنه 'لا شك أن معدل الإنفاق لدى الأُسر العربية المسلمة يطرأ عليه زيادة في شهر رمضان، إذ يزداد شراء المواد الغذائية من الحلويات والمشروبات الرمضانية تحديداً التي لا تكون غالباً على القائمة الغذائية المعتادة لمعظم العائلات، ويصل معدل الإنفاق لدى بعض الأُسر إلى مئة في المئة وربما يتجاوز ذلك أحياناً في رمضان مقارنة بالأشهر الأخرى'.
لماذا تزداد شهيتنا للحلويات في شهر رمضان؟
وعن أسباب زيادة الإنفاق قال الخبير الاقتصادي إن 'العروض الرمضانية والإعلانات المؤثرة في محلات البيع المختلفة تُغري الصائمين لشرائها دون الحاجة الماسّة إليها، وفي كثير من الحالات تكون هناك صعوبة في تخزينها ومن ثم هدرها، كما أن التسوق قبل الإفطار تجعل الصائم وهو جائع لا يتخذ قراراً راشداً فيما يتعلق بمشترياته فتستغله محلات البيع المتعددة ليقوم بعمليات شراء دون الحاجة إليها، إضافة إلى التهافت على الأسواق الذي يعد سبباً رئيسياً في زيادة الطلب ومن ثم ارتفاع الأسعار وارتفاع كلفة الإنفاق على الأسرة'، موضحاً: 'تساهم الولائم التي تُعدّها الأُسر فيما بينها إلى زيادة الإنفاق والأعباء المادية بشكل واضح، ما يتسبب في حالة من عدم الاستقرار المالي لدى الأسرة ويؤدي إلى صعوبات في إدارة المصاريف'.
وفي حديثه لبي بي سي، قال محمد العبادي وهو عامل في أحد الأسواق التجارية: 'يزداد إقبال الناس على الشراء من الأسواق التجارية خلال شهر رمضان إذا ما قارنا ذلك بالأشهر الأخرى خاصة شراء ما يُعرف بمنتجات رمضان من مشروبات مثل (قمر الدين) و (التمر الهندي) وأطعمة مثل (العدس) و (الفريكة)، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار بعض المنتجات كاللحوم الحمراء والبيضاء (الدجاج) خلال رمضان بسبب التهافت الكبير عليها، إلا أن معدل شراء الفرد مازال ملحوظاً'، مبيناً أنه 'لا داعي لما يفعله البعض وما نشهده من اكتظاظ في الأسواق في رمضان، حيث إن المنتجات متوفرة وبكميات جيدة داخل السوق'.
من جهته، قال أبو نزار الحنبلي وهو صاحب أحد المخابز: 'يزداد إقبال الأشخاص على شراء الخبز و(الكعك) وتحديداً الحلويات مثل (القطايف)- وهي فطيرة تؤكل نيئة أو مقلية بحشواتٍ متنوعة منها القشطة والجبنة والجوز- و(العوامة أو اللقيمات) و(أصابع زينب)- وهما من الحلويات الشرقية المشهورة وغيرها من الحلويات التقليدية التي يتناولها الصائم بعد إفطاره، ولأن الجسم يحتاج إلى الحلويات بعد فترة طويلة من الصيام خلال اليوم'.
ما علاقة نظرية (لباندورا) وزيادة العادات الاستهلاكية خلال شهر رمضان؟
تعد نظرية (لباندورا) واحدة من أشهر نظريات التعلم في علم النفس، التي تفترض أن السلوك الاجتماعي يُكتسَب من خلال ملاحظة الآخرين وتقليدهم، وعلى هذا فالتعلم بالملاحظة له دور محوري في اكتساب مهارات وأفكار وسلوكيات جديدة، وقد وضع أسس هذه النظرية عالم النفس الأمريكي الشهير ألبرت باندورا Albert Bandura.
وهو ما تشرحه المرشدة النفسية الدكتورة رزان الحجيري في حوارها مع بي بي سي قائلة إن 'العادات الاستهلاكية خلال شهر رمضان قد ازدادت في السنوات الأخيرة أكثر من السنوات السابقة وذلك نتيجة لوجود منصات التواصل الاجتماعي، فمن ناحية نفسية تعود إلى أن الفرد يحتاج لأمور أساسية بهدف إشباع رغباته كتناول الطعام والشراب، ومن هنا تبدأ فكرة أنه يشعر بالجوع والعطش فتنتابه أفكار تُترجم بكلمات وصور تطرأ في رأسه، فتتولد لديه مشاعر ومن ثم سلوكيات بزيادة الشراء، وبما أن واقعنا أصبح مرتبطاً بمنصات التواصل الاجتماعي التي تقوم بعرض صور ومقاطع مرئية ودعايات فأصبح من السهل على الفرد تكوين هذه الصورة، ويُقلد ما يراه ومن ثم يتعلم عادات معينة جديدة من خلال مراقبة ما يعرف بـ (السوشال ميديا) أو المنصات الرقمية، وهذا ما تؤكده لنا نظرية التعلم الاجتماعي (لباندورا) من خلال تقليد بعض السلوكيات سواء كانت إيجابية أو سلبية'.
وأضافت الحجيري أن 'بعض الأفراد من صانعي المحتوى تكون لديهم رغبة شديدة بعرض محتواهم وأن يروّجوا له بهدف أن يكونوا السبّاقين في عرض هذا المحتوى، ومن ثم يحظون بأعلى نسبة مشاهدات عبر المنصات الرقمية حتى لو كانت على حساب خسارتهم مادياً ونفسياً'.
كيف تعتني ببشرتك في شهر الصيام؟
Getty Images
أرقام 'صادمة'
رغم انعكاس معدلات الاستهلاك إيجابياً على الحركة التجارية خلال شهر رمضان، فإن هذا الانعكاس يبقى إيجابياً على المدى القريب وسلبياً على المدى البعيد، وفق ما يراه عدد من الخبراء الاقتصاديين.
إذ بحسب تقديرات صندوق النقد العربي، فإن فاتورة استيراد الدول العربية للمواد الغذائية بلغت 100 مليار دولار في العام 2023، وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية الصادر في مايو/ أيار من العام الماضي.
ووفق بيانات اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية (مقره في العاصمة اللبنانية بيروت)، فإن المنطقة العربية تستورد 90 في المئة من احتياجاتها الغذائية، وتشير البيانات إلى أن الدول العربية تحتاج إلى استثمار 144 مليار دولار حتى العام 2030 لتحقيق المتطلبات الغذائية لشعوبها.
في حين، تكشف أرقام منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة أن نحو 1.3 مليار طن من الإنتاج العالمي للموارد الغذائية يتم إهداره سنوياً.
وتتصدر بدورها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مراتب متقدمة في تصنيف البلدان الأكثر إهداراً للأغذية على المستوى العالمي، برقم يبلغ 9 ملايين طن سنوياً، أي نحو 91 كيلوغراماً للفرد الواحد سنوياً، إذ يحتل العراق صدارة الدول في منطقة الشرق الأوسط تليه السعودية واليمن وسوريا والأردن والإمارات ولبنان، في حين تأتي مصر في مقدمة البلدان الأكثر إهداراً للأغذية على مستوى شمال أفريقيا يليها السودان والجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، وفق منظمة الفاو، وهي أرقام 'كبيرة وصادمة' بحسب عدد من الاقتصاديين.
كيف يمكن أن تتحكم بقرارتك الشرائية في شهر رمضان؟
لا يقتصر الاستهلاك الغذائي في شهر رمضان على زيادة في الكم فقط، بل تظهر الحاجة إلى نوعيات مختلفة من الطعام، لذلك أشار الخبير الاقتصادي حسام عايش في حديثه لبي بي سي على أهمية أن تخطط الأسرة وتركز على شراء احتياجاتها فقط، وقال إنه 'على الأُسرة أن تشتري وفق إمكانياتها الشرائية وحاجتها للمواد الغذائية وغيرها، وألاّ تقع تحت ضغط الإغراءات الدعائية للمنتجات'.
'التسوق الذكي'
وأسهب قائلاً أن 'على الأسرة أن تهتم بالتسوق الذكي بمعنى أن تخطط قبل الشراء وتحدد احتياجاتها وأن تكون قادرة للبحث عن بدائل أفضل لبعض الاحتياجات الأساسية التي ترتفع أسعارها تحديداً في شهر رمضان، وألاّ تفرض العادات الاستهلاكية السائدة في هذا الشهر سلطتها لتكون أعلى من اتخاذ قرارات رشيدة وصائبة، ويصبح (الخوف والخجل) من الناس عنواناً لزيادة الإنفاق خاصة على الموائد الرمضانية والتجمّعات بين الأقارب والأصدقاء'.
'المستهلك ضابط الإيقاع في العملية الاقتصادية والاستهلاكية'
وقال عايش إن 'علينا أن نفكر باقتصاد رمضان وأن نرفع مستوى الوعي فيما يتعلق باستهلاك الصائم إذ إن الاحتياجات الأساسية متوفرة في الأسواق ولا داعي للتهافت الكبير عليها، وبالتالي نساهم في عدم ارتفاع أسعارها خاصة على الفقراء وذوي الدخل المحدود، لذلك فإن المستهلك هو ضابط الإيقاع الأساسي في العملية الاقتصادية والاستهلاكية الذي يتخذ قرارات راشدة في عملية الشراء'.
وتتفق المرشدة النفسية الحجيري مع الخبير الاقتصادي قائلة إن 'على الفرد أن يتعلم استراتيجية ضبط النفس فيشتري وفق حاجته مهما كانت المُغريات المقدمة أمامه، حتى لا تكون النتيجة أن يُكدّس ما اشتراه من منتجات في البيت ومن ثم تنتهي صلاحيتها فيقوم بالتخلص منها، وأيضاً يجب أن يضع ميزانية تشمل ضبط استهلاكه في رمضان بحيث تحقق توازناً ما بين استهلاكه واحتياجاته وقدرته المالية، وأن يبتعد عن التفاخر والتباهي في إعداد الموائد الرمضانية، فشهر رمضان شهر الرحمة'.
وقد طرحتُ السؤال التالي على عدد من الأشخاص: هل تلاحظ أن عاداتك الاستهلاكية تزاد خلال شهر رمضان، ولماذا؟
تنوعت الإجابات، إذ يقول عبدالهادي: 'نعم بكل تأكيد، تزداد نسبة شراء السلع في شهر رمضان، إذ أن الصائم يرغب بتناول أصناف متعددة ومتنوعة إذا ما قورنت بتلك الوجبات التي يتناولها في غير شهر رمضان، فبرأيي زيادة الشراء تقترن برغبة الشخص أكثر من حاجته، فنجد أنه لا يطلبها أو يحتاجها في الأيام العادية'.
من جهتها، تقول أم محمد: 'نحن نكتفي بشراء ما نحتاجه فقط سواء في شهر رمضان أو غيره من الأشهر الأخرى، إذ أن الأسواق موجودة والسلع متوفرة ولن تختفي من الأسواق'.
ويوافق هذا الرأي أبو ريان قائلاً: 'من وجهة نظري يعد رمضان فرصة لتعديل السلوك، وليس المطلوب تناول كميات كبيرة من الطعام، ما قد يؤثر على صحتنا سلباً، وبالتالي دوري – كوني رب أسرة – أن أقوم بشراء ما تحتاجه عائلتي وليس مجرد رغبة خاصة في شهر رمضان، وأنا ضد التبذير، حتى أنني ألاحظ أن استهلاكنا يقل في هذا الشهر'.
أما أم سهام فتقول: 'نحن كعائلة معتادون على شراء ما نحتاجه مع نهاية كل شهر، وفي رمضان تحديداً، هذا العام نحاول أن يكون استهلاكنا أقل، في السابق كنا نستهلك أكثر كون أطفالنا لم يكونوا في عُمر يمكنهم من الصيام، فالمصروف يزداد نوعاً ما في ظل شراء منتجات وأصناف لا نتناولها إلا في رمضان ومنها (القطايف) والحلويات وعصير رمضان'.
وسواء ازداد الإنفاق في شهر رمضان أم لا، تبقى الظروف الاقتصادية المتغيرة، لاعباً مهماً في تشكيل الأنماط الاستهلاكية. فالبعض يعتبر هذا الشهر فرصة لتعزيز التجارة وزيادة الدخل، والبعض الآخر يواجه تحديات مالية تؤثر على قدرته الشرائية، لذلك يبقى التوازن هو سيد الموقف وربما التحدي الأبرز أمام المستهلك في مختلف البلدان.
Powered by WPeMatico

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

'الرجال لا يبكون': كيف تؤثر التوقّعات الاجتماعية على الصحة النفسيّة؟
'الرجال لا يبكون': كيف تؤثر التوقّعات الاجتماعية على الصحة النفسيّة؟

سيدر نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • سيدر نيوز

'الرجال لا يبكون': كيف تؤثر التوقّعات الاجتماعية على الصحة النفسيّة؟

في كثير من الأسر، لا يُشجَّع الصبيان على التعبير عن مشاعرهم، وغالباً ما يكبرون على قناعة بأن الغضب هو الشعور الوحيد 'المسموح' للرجال بإظهاره، خصوصاً حين يُكرّسه الآباء كمثال يُحتذى. هذا النمط من التربية يترك أثراً طويل الأمد على الصحة النفسية والعلاقات. في مرحلة البلوغ، يُتوقّع من الرجال أن يكونوا متماسكين وألّا يُظهروا الانفعال أو الضعف. ورغم أن بعضهم بدأ يتخطى هذه الصورة، إلا أن كثيرين ما زالوا يكبتون مشاعرهم، ما يزيد من مستويات التوتر، ويؤثّر على صحتهم النفسية والجسدية. تشير مراجعة نشرت في مجلة Psychology of Men & Masculinity إلى أن التمسّك بالمعايير التقليدية للرجولة، مثل الاعتماد على الذات وتجنّب إظهار الضعف، يرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق لدى الرجال، ويقلّل من احتمالية طلبهم للمساعدة النفسية. في المقابل، لا تزال الصور النمطية حول المشاعر تتكرّر يومياً، سواء في الحياة اليومية أو عبر وسائل التواصل، ما يدفع كثيرين إلى التماهي معها خوفاً من الحكم أو الرفض، حتى على حساب توازنهم النفسي. كيف يغيّر العلاج النفسي نظرة الإنسان؟ عندما تقهرنا أفكارنا: ما الذي لا نفهمه عن الوسواس القهري؟ 'الرجال بلا مشاعر': أسطورة راسخة إحدى أكثر المغالطات شيوعاً هي الاعتقاد بأن الرجل بطبيعته أقل عاطفية أو غير قادر على الإحساس العميق. تعامل هذه الفكرة في الثقافة السائدة كأنها حقيقة بيولوجية، مدعمة بتنميطات جندرية موروثة، وكأن الرجال لا يشعرون كما تشعر النساء، والعكس صحيح أيضاً، بمعنى أن النساء تحرّكهنّ عواطفهنّ حصراً. يقول المعالج النفسي هادي أبي المنى في حديث إلى بي بي سي عربي: 'واحدة من أبرز الصور النمطية المغلوطة في مجتمعاتنا هي الاعتقاد بأنّ التعبير عن المشاعر سلوكٌ أنثويّ، وكأنّ المشاعر بطبيعتها ترتبط بالأنوثة. في المقابل، ينظر إلى كتمان المشاعر أو تحمّل الألم بصمتٍ على أنه دليل على الرجولة'. ويضيف: 'يقال كثيراً إنّ الرجال غير عاطفيّين أو غير قادرين على التعبير، كأنّ هذا أمر فطريّ. لكن الحقيقة أنّ جميع البشر، رجالًا ونساءً، يتساوون في القدرة على الشعور والتأثّر. ما يحصل هو أن الرجل يتعلّم منذ صغره ألّا يعبّر عن مشاعره بالكلام. لا تختفي هذه المشاعر، بل تتحوّل إلى صمت، أو غضب، أو انغماس في العمل'. ويوضح أنّ هذا التجنّب يمنح أحياناً راحة مؤقتة. 'استبدال الشعور الأساسي بأفعالٍ أخرى يمنع الفرد من إدراك مشاعره، والتعامل معها، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة لاحقًا'، يقول أبي المنى. 'الحديث لا يجدي نفعاً' يستقبل أبي المنى عشرات الحالات، ويخبرنا وفق تجربته، أن الأخصائيين النفسيين يلمسون تردّداً من الرجال في اللجوء إلى العلاج. يقول أبي المنى: 'من أكثر العبارات التي أسمعها من الرجال هي أنّ الحديث لا يفيد ولا يغيّر شيئاً'. لكنه يشدّد على أنّ الحديث هو جوهر العملية العلاجية. 'حين يسمّي الشخص مشكلته، يبدأ باستعادة بعض السيطرة عليها'، يقول. فالفهم والتنظيم العاطفي يساعدان في تهدئة التوتّر وتخفيف الضغط، حتى من دون حلول فورية. توافقه الرأي المعالجة النفسية جيزيل صليبا، وتضيف أنّ هذا التردّد متجذّر في صورة نمطيّة ترسّخت في الطفولة. 'الرجال الذين يلجأون إلى العلاج غالباً ما يخفون الأمر، لأنهم تربّوا على عبارات مثل: أنت رجل، عليك أن تحل مشاكلك وحدك'، تقول صليبا. 'التعبير عن التوتر أو الخوف أو البكاء، كان يُقدّم لهم كعيب لا يليق بالذكور'. واحدة من أكثر العبارات المتداولة في ثقافتنا: 'الوقت كفيل بحلّ كل شيء'. لكنها، وفق ما يؤكد أبي المنى، مغالطة خطيرة. 'تجنّب المشكلة لا يحلّها، بل يجعلها أكثر تعقيداً'، يقول. ويقارن ذلك بصحّة الأسنان: 'لا ننتظر تسوّسها لنبدأ بتنظيفها، بل نفعل ذلك كي لا تتفاقم المشكلة. كذلك الأمر مع المشكلات النفسيّة'. التدخّل المبكر، برأيه، يقلّل من حدّة الأعراض، ويمنع امتدادها إلى مجالات أخرى من حياة الفرد. الاستقلالية القاتلة يرى أبي المنى أنّ الرجال لا يطلبون المساعدة لأنّهم لم يتعلّموا أنّ هذا أمر طبيعي. ويشرح: 'الرجل الذي يطلب الدعم يُحمَّل بالعار، ويُعتبر ضعيفًا، لأنّ الرجولة مرتبطة مجتمعيّاً بالاستقلالية المطلقة'. ويضيف: 'الرجل القوي هو من لا يحتاج إلى أحد. هذه الصورة ما زالت مترسّخة في أذهاننا، وتمنع كثيرين من الاعتراف بآلامهم'. النجاح، وفق أبي المنى، لا يُقاس بالتماسك الظاهري، بل بقدرة الشخص على فهم ذاته ومشاعره والتعامل معها. وتوضح صليبا أنّ بعض الأشخاص يعتقدون أنّ عليهم أن يكونوا 'عقلانيين دائماً'، وأن يتجاهلوا الجانب الوجداني. وتقول: 'يرون أنّ المشاعر تضعفهم، وأن التعبير عنها يناقض مفهوم النجاح أو الصلابة'. 'أنت رجل… لا تبكِ' يجمع الباحثون في مجال الصحة النفسية على أن تطوّر الاضطرابات النفسية لا يحدث نتيجة عامل واحد فقط، بل نتيجة تفاعل معقّد بين ثلاثة عناصر رئيسية: الاستعداد البيولوجي، والخلفية النفسية الفردية، والعوامل الاجتماعية المحيطة، بما في ذلك التوقعات الجندرية. وفي هذا السياق، تشير المعالجة النفسية جيزيل صليبا إلى أن الضغوط الاجتماعية التي تحث الرجال على كبت مشاعرهم أو إنكارها، تزيد من خطر الإصابة باضطرابات نفسية متعدّدة، وتؤثّر أيضاً على طريقة ظهور الأعراض لديهم. وتشرح صليبا أن الاكتئاب لدى الرجال قد لا يتجلّى بالحزن أو البكاء، كما هو شائع، بل قد يظهر في صورة نوبات غضب، أو انسحاب اجتماعي، أو حتى سلوكيات متهوّرة، وهي أنماط موثقة في العديد من الدراسات. وتلفت إلى أن نسب الانتحار لدى الرجال لا تزال أعلى بكثير من النساء على مستوى العالم، وهو ما تؤكده بيانات منظمة الصحة العالمية. ففي تقاريرها المتكررة، تشير المنظمة إلى أن الرجال أكثر عرضة للوفاة بالانتحار، رغم أن النساء غالباً ما يُظهرن معدلات أعلى من محاولات الانتحار. كذلك، ترتفع نسب الإدمان على الكحول والمواد المخدّرة بين الرجال مقارنة بالنساء، وهو ما ترجعه صليبا جزئياً إلى غياب قنوات صحّية للتفريغ العاطفي، بحيث يصبح الإدمان، في بعض الحالات، وسيلة للهروب من الألم أو تخفيفه مؤقتاً. وقد أظهرت دراسات متعددة، من بينها دراسة أجراها باحثون نمساويون ، عن جود علاقة مباشرة بين كبت المشاعر، وعدم طلب الدعم، وزيادة احتمال الاعتماد على المواد المؤثّرة نفسياً. الألم النفسي لا يبقى في العقل فقط. يقول أبي المنى: 'التوتّر والكبت ينعكسان جسديًا. كثير من الأمراض مثل الروماتيزم أو الفيبروميالجيا تتفاقم بسبب الضغوط العاطفية'. وترى صليبا أنّ زيادة الآلام الجسديّة غير المفسّرة عضوياً هي مؤشر على ارتفاع مستويات التوتّر والقلق. وتشرح: 'التوتر قد يضعف المناعة، يؤثر على القلب، يسبّب اضطرابات النوم، أو الأكل، وكلّها أعراض مرتبطة بعدم القدرة على التعامل مع المشاعر'. تختم صليبا: 'جملة مثل: أنت رجل، لا تبكِ، تبدو بريئة، لكنها قد تصنع جرحاً داخلياً طويل الأمد. لا تمنع الطفل من الشعور، بل تعلّمه أن ينكر مشاعره ويخجل منها'. وتضيف: 'حين نمنعه من التعبير، لا نجعل منه رجلاً قوياً، بل نحرمه من الراحة الداخليّة التي يحتاجها ليعيش بشكلٍ متوازن'.

هل تحول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى 'ترند' اجتماعي؟
هل تحول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى 'ترند' اجتماعي؟

سيدر نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • سيدر نيوز

هل تحول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى 'ترند' اجتماعي؟

'لن تشعر بالملل أبداً لو كان لديك صديق من المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه … نحن من نعيش الحياة بكاملها…نحن نحب الجدال والحديث ومشتتون…'. هذه جمل من مقاطع فيديو قصيرة لاحقتني على منصة إنستغرام، تظهر أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بطريقة مرحة، والبعض منها يبدو كمحتوى علمي أكثر جدية. وفي الدوائر المحيطة بي، وجدت الكثير من البالغين الذين يطبقون على أنفسهم أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) المنتشرة في مقاطع الفيديو القصيرة. تقول لي لمياء (36 عاماً) -اسم مستعار بطلب منها- وتعيش في لندن وتعمل في مجال الإعلام، إنها وبسبب ما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي من أعراض، أصبحت تعتقد أنها مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وتنتظر لمياء دورها الذي قد يأتي بعد خمس سنوات لرؤية مختص نفسي يغطيه التأمين الصحي في البلد الذي تعيش فيه. لمياء ليست وحدها من تعاني من هذه الدوامة، إذ تقول الأخصائية النفسية سحر مزهر لبي بي سي، إنها لاحظت عبر محاضراتها التي تلقيها في جامعات أردنية أن أكثر من نصف الحضور يراجعونها لاعتقادهم أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بسبب ما يعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبحسب دراسة نشرت عبر المكتبة الوطنية للطب، التي تتبع المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة، بالاعتماد على التركيبة السكانية العالمية لعام 2020، بلغ معدل انتشار النوع المستمر من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين 2.58 في المئة، في حين بلغ معدل انتشار النوع المصحوب بأعراض 6.76 في المئة، أي ما يعادل 139.84 مليون و366.33 مليون بالغ على مستوى العالم حتى ذلك العام. لكن ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على خلق 'ترند' ناتج عن التشخيص الذاتي لاضطراب فرطة الحركة ونقص الانتباه، وما أثر ذلك على الصحة النفسية؟ تأثير السوشيال ميديا PA سارة – فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي – أربعينية تعمل في مجال الإعلانات والتسويق الرقمي، عرفت في مرحلة متأخرة من العمر بأنها مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. لكن توجهها للتحقق من ذلك مع طبيب نفسي في الأردن يعود لنصيحة من صديقتها المختصة في المجال أيضاً. تقول سارة إن لديها الخبرة الكافية لتعرف مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين، وأن ظهور النصائح والإعلانات المتعلقة بالاضطرابات والأمراض النفسية أو غيرها من الموضوعات للمستخدمين، يعود لنمط عمل هذه المنصات ومتابعتها لاهتمامات الأفراد. وتوضح أنها أصبحت تتعرض لمقاطع الفيديو القصيرة المتعلقة بفرط الحركة ونقص الانتباه، بعد مراجعتها للطبيب وبدء اهتمامها بالموضوع. وتحذر سارة، التي تعمل حالياً في قطر، من توجه كثيرين للتشخيص الذاتي، مما يعرضهم للاستغلال التجاري أو يدفعهم للاستسلام لأعراض قد لا تكون موجودة لديهم، مما يؤثر سلباً على مسار حياتهم اليومية. ويرى محمد العمري، طبيب عام ومختص في العلاج السلوكي، أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة الوعي باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بين الناس، وأزالت إلى حد ما وصمة العار التي كانت مرتبطة به، إذ كان فرط الحركة ونقص الانتباه مرتبطاً في السابق بعدم القدرة على النجاح أو عدم الالتزام. لكن العمري، الذي يعمل في عيادة مايند كلينك في عمّان، قال لبي بي سي إن لوسائل التواصل الاجتماعي أثراً سلبياً أيضاً، إذ أدى انتشار الأعراض والتشخيص الذاتي، إلى زيادة كبيرة في أعداد الأشخاص الذين يريدون الحصول على تشخيص طبي، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على الهيئات الطبية. ويضرب العمري مثالاً بالولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من الدول التي تواجه 'إفراطاً في التشخيص'، مما يعني احتمالية التشخيص الخاطئ أيضاً. ويضيف: 'في العام الماضي، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن 11.4 في المئة من الأطفال الأمريكيين شُخِّصوا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهو رقم قياسي'، وهو ما جعل صحيفة نيويورك تايمز تتساءل في مقال لها: هل كنا نفكر في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بطريقة خاطئة؟ بينما تنقل صحيفة الإيكونومست البريطانية أنه يُعتقد بأن 'نحو مليوني شخص في إنجلترا، أي 4 في المئة من السكان، مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وفقاً لمؤسسة نوفيلد ترست البحثية'. ويشرح العمري أن التشخيص الخاطئ قد يعني الحصول على دواء لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه المعني برفع نسبة الدوبامين، وتؤدي الأدوية المنشطة في حال كان الشخص مصاباً بالقلق على سبيل المثال وليس باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلى زيادة في نبضات القلب وزيادة التوتر وغيرها من الأعراض. ويقول أيضاً إن التشخيص يعتمد على خبرة المعالج النفسي وليس فقط على أسئلة الاختبار المخصصة للفحص التي تنشرها أحياناً وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تشترك أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع أعراض اضطرابات أخرى 'مثل القلق، والاكتئاب الحاد، أو مع أعراض بعض الأمراض الجسدية الناجمة عن نقص في فيتامين ب 12 أو ب 6، أو فيتامين د'. تتحدث بعض الدراسات عن أن التعرض لمقاطع الفيديو القصيرة، خاصة للأطفال بعمر صغير، يجعل قدرتهم على التركيز أقل، وكذلك الأمر بالنسبة للبالغين، مما يعني أن البعض قد يصاب بأعراض الاضطراب لأسباب بيئية وليس جينية، بمعنى أن إصابته بالأعراض لا تعني إصابته بالاضطراب، حسب العمري. وتتفق معه في ذلك الأخصائية مزهر، التي تعتقد أن كثيراً ممن يشخصون أنفسهم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي باضطرابات نفسية مختلفة، من بينها اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، 'يحرمون أنفسهم من حياة صحية'. وتلفت مزهر إلى أن كل فرد من حقه أن يحصل على الوقت الكافي وعبر مختصين للتحقق من حالته الصحية، مشيرة إلى أن الإجابة على أسئلة في استبيان للاستدلال على وجود الاضطراب لا تكفي وحدها. وتوضح أنه ليس من السهل تشخيص فرط الحركة ونقص الانتباه، وخاصة عند البالغين، لأن أعراضه قد تتشابه مع أعراض أمراض أخرى مثل نقص فيتامين د أو التعرض لصدمة أو توتر مستمر، مما يرفع نسبة هرمون الكورتيزول في جسم الإنسان فيشعر أنه في حالة تأهب. ويعرف اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بأنه 'اضطراب في النمو العصبي، عادةً ما يُشخَّص لأول مرة في مرحلة الطفولة، وغالباً ما يستمر حتى مرحلة البلوغ. لكن بعض الأشخاص لا يُشخَّصون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلا بعد بلوغهم. وتتضمن أعراضه صعوبة في الانتباه، وصعوبة في التحكم في السلوكيات الاندفاعية، وفرط النشاط'، بحسب تعريف منصة 'ميدلاين بلاس' الأمريكية. ويوضح الموقع الإلكتروني للمعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية أنه 'من الشائع أن يُظهر الأشخاص هذه السلوكيات أحياناً. لكن الفرق أنه بالنسبة للأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، تكون هذه السلوكيات متكررة وتحدث في مواقف متعددة، مثل المدرسة، أو المنزل، أو العمل، أو مع العائلة والأصدقاء'. هل هو اضطراب أم اختلاف؟ وبموجب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، يصنف فرط النشاط ونقص الانتباه – ADHD، تحت بند الاضطرابات المتعلقة بالنمو العصبي. لكن دراسات علمية حديثة ومختصين في علم النفس توجهوا حديثاً لرفض وصف سمات شخصية مثل الاندفاعية والتشتت وعدم الانتباه بالأعراض، وفضلوا اعتبار ذلك ضمن التنوع العصبي وأن العديد من المصابين بفرط الحركة ونقص الانتباه ليسوا 'ناقصين' ولا 'مضطربين'. يعلق العمري على ذلك قائلا: 'هناك نقاش في الأوساط الطبية فيما يتعلق بما إذا كان فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً أم تنوعا أو اختلافا عصبيا، أي بمعنى أنه لا يوجد فيه خلل لكن المجتمع ليس مهيئا للتعامل معه، مثل الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى بينما غالبية الأدوات مصممة لمن يستخدمون اليد اليمنى. هذه الدراسات دفعت سارة لاستكمال علاجها سلوكياً بمساعدة مختص نفسي، لكن دون الحصول على الأدوية المخصصة لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. تتحدث مزهر أيضاً عن الدراسات التي ترفض اعتبار فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً. وترى أيضاً أن البيئة الحالية لم تعد مفتوحة كما كان الحال في السابق، وهو ما يؤدي لوجود الأطفال غالبية الوقت داخل الشقق إضافة لتعلقهم بوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، مما يؤدي لظهور أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه. لكن وجود الأعراض لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض. وتضيف 'يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كل الظروف المحيطة بالشخص، فلا نأخذ جزئية فقط ونقول إنه مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه'. وتتابع مزهر أن 'السلوكيات مكتسبة، فمثلاً من الممكن أن يكون سلوكي انفعالي، لكن ورثته من عائلتي. تشخيص الحالة يجب أن يتم بشكل دقيق للغاية'. وتروي قصة إحدى الحالات التي تعاملت معها، حيث كانت الأم تعتقد أنها ابنها مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه، لكن تبين لاحقاً أن الأم تعاني من القلق والتوتر، وهو ما انعكس سلباً على سلوكيات طفلها. وفي مقال نشر عبر الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويروك تايمز في ابريل/نيسان 2025، قالت الصحيفة إنه لا يوجد سبب وحيد للإصابة بفرط الحركة ونقص الانتباه، مشيرة إلى أنه ناجم عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية. وتنقل الصحيفة عن دراسات حديثة أن أدمغة المصابين قد تعمل بطريقة مختلفة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن فيها خللاً، بل هو اختلاف في نمط التفكير. وتناقش صحيفة الإيكونومست في مقالها المنشور في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أن فرط الحركة ونقص الانتباه لا يجب أن يعامل معاملة الاضطراب. وتقول وجهة النظر التي تنقلها الصحيفة إنه في الوقت الحالي، يُعامل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط على أنه شيء إما أن يكون لديك أو لا. هذا النهج الثنائي للتشخيص له نتيجتان: الأولى هي أن معاملة الجميع كما لو كانوا مرضى تملأ أنظمة الرعاية الصحية… أما النتيجة الثانية، فتتمثل في التعامل مع الاضطراب على أنه خلل وظيفي يحتاج إلى علاج. وهذا يؤدي إلى إهدار هائل للإمكانات البشرية'. وتضيف الصحيفة أن 'إجبار نفسك على التكيف مع الوضع الطبيعي أمر مرهق، وقد يسبب القلق والاكتئاب. ومن الأجدى والأرخص تعديل الفصول الدراسية وأماكن العمل بما يتناسب مع التنوع العصبي'. لماذا يريد البعض أن يكون مصاباً بفرط الحركة ونقص الانتباه؟ ويلفت الطبيب محمد العمري إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في أن تصبح هناك هالة خاصة بالمصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إذ يوصفون بالمرح أو التميز، وأصبح البعض يميل للانتماء لمجتمعات من يحملون هذا التشخيص من أجل ملاحقة 'الترند'. في حين تعتقد مزهر أن البعض يرغب بأن يكون مصاباً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لتبرير بعض السلوكيات المتعلقة بعدم الانضباط. ويرى العمري أن البعض قد يسعى بين الأطباء والمختصين للحصول على تشخيص بإصابته بفرط الحركة ونقص الانتباه لأسباب متعلقة بالدراسة أو العمل، فمثلاً بعض مراجعيه كانوا من طلبة المرحلة الدراسية الثانوية في برامج دولية، في حال تبين أنهم مصابون بالاضطراب يحصلون على وقت إضافي في الامتحانات. يشير العمري إلى أنه يتبين إصابة البعض بفرط الحركة ونقص الانتباه بالفعل ويتلقون العلاجات اللازمة، لكن النسبة الأكبر من مراجعيه يتبين في نهاية المطاف أن لديهم قلق وليس اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

رُصدت حالتان في مصر: قصة مرض نادر في بلدة نائية في البرازيل
رُصدت حالتان في مصر: قصة مرض نادر في بلدة نائية في البرازيل

سيدر نيوز

timeمنذ 5 أيام

  • سيدر نيوز

رُصدت حالتان في مصر: قصة مرض نادر في بلدة نائية في البرازيل

لا تزال سيلفانا سانتوس تتذكر جيرانها في البلدة الصغيرة التي زارتها لأول مرة قبل 20 عامًا، حيث فقد العديد من الأطفال القدرة على المشي. تتذكر سانتوس بنات لولو اللواتي كنّ يسكُنَّ عند مدخل البلدة.، وريجان في نهاية الطريق، وماركينيوس بعد محطة الوقود، وباولينيا قرب المدرسة. تقع بلدة سيرينها دوس بينتوس النائية في شمال شرق البرازيل، ويقل عدد سكانها عن خمسة آلاف نسمة. في هذه البلدة اكتشفت عالمة الأحياء والوراثة سيلفانا سانتوس حالةً مرضية غير معروفة من قبل، وأطلقت عليها اسم 'متلازمة سبوان'. المرض الوراثي: انتشاره يزيد بسبب زواج الأقارب حظر زواج الأقارب في كوريا الجنوبية وتنتج هذه المتلازمة عن طفرة جينية تؤثر على الجهاز العصبي، فتُضعف الجسم تدريجيا، ولا تظهر إلا عندما يُورّث الجين المُعدّل من كلا الوالدين. وقد مثّل بحث سانتوس أول توصيف علمي لهذا المرض في أي مكان في العالم، وبفضل هذا الإنجاز، إضافة إلى أبحاثها اللاحقة، اختيرت ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيرًا في العالم وفق تصنيف بي بي سي لعام 2024. وقبل وصول سانتوس، لم يكن لدى العائلات أي تفسير للمرض الذي يصيب أطفالهم. أما اليوم، فيتحدث السكان بثقة عن 'سبوان' وعلم الوراثة. يقول ماركينيوس، أحد المصابين: 'لقد أعطتنا تشخيصا لم نكن نعرفه من قبل. وبعد البحث، جاءت المساعدة في صورة أشخاص، وتمويل، وكراسي متحركة'. سيرينها دوس بينتوس: عالم قائم بذاته كانت سانتوس تعيش في ساو باولو، أكبر وأغنى مدينة في البرازيل، وكان جيرانها في الشارع الذي كانت تسكن فيه تقريبا من عائلة واحدة من بلدة سيرينها حيث كان العديد منهم أبناء عمومة بدرجات متفاوتة، ومتزوجين من بعضهم البعض. وأخبروا سانتوس عن بلدتهم 'هناك الكثير من الناس الذين لا يستطيعون السير، لكن لا أحد يعرف السبب'. وكانت إحدى بنات الجيران، زيرلانديا، تعاني من حالة مرضية مُنهكة ففي طفولتها، كانت عيناها تتحركان لا إراديًا، ومع مرور الوقت، فقدت قوة أطرافها واحتاجت إلى كرسي متحرك للتنقل، وكانت تحتاج إلى مساعدة حتى في أبسط المهام. Mariana Castiñeiras/BBC قادت سنوات من البحث سانتوس وفريقها البحثي إلى تحديد هذه الأعراض على أنها أعراض اضطراب وراثي لم يُوثّق سابقًا، وهو متلازمة سبوان. وعثروا لاحقًا على 82 حالة أخرى حول العالم. بدعوة من جيرانها، زارت سانتوس سيرينها لقضاء عطلة، وتصف وصولها إلى هناك بأنه دخول 'عالم خاص'، ليس فقط للمناظر الطبيعية الخلابة ومناظر الجبال، ولكن أيضًا لما بدا وكأنه مصادفة اجتماعية بارزة. كلما تجولت وتحدثت مع السكان المحليين، ازدادت دهشتها من شيوع زواج الأقارب. لقد أدت عزلة سيرينها وقلة الهجرة الداخلية إلى أن يصبح العديد من سكانها أقارب، مما يزيد من احتمالية الزواج بين أبناء العمومة. Mariana Castiñeiras/BBC لم يكن العديد من الأزواج على دراية بوجود صلة قرابة بينهم إلا بعد الزواج، بينما كان آخرون يعلمون بذلك، لكنهم كانوا يعتقدون أن هذه الروابط تستمر لفترة أطول وتوفر دعمًا عائليًا أقوى. ويُعتبر الزواج بين الأقارب أمرًا شائعا نسبيا في أنحاء العالم، حيث يُقدّر بنحو 10% من حالات الزواج، ومعظم الأطفال المولودين من هذه الزيجات يتمتعون بصحة جيدة، حسب الخبراء. مع ذلك، تواجه هذه الزيجات خطرًا أكبر في انتقال طفرات ضارة عبر العائلة. ويشرح عالم الوراثة لوزيفان كوستا ريس من الجامعة الفيدرالية البرازيلية في ريو غراندي دو سول: 'إذا لم يكن الزوجان أقرباء، فإن احتمال إنجاب طفل مصاب باضطراب وراثي نادر أو إعاقة يتراوح بين 2 و3 في المئة، أما بالنسبة لأبناء العمومة، فتزيد النسبة إلى ما بين 5 و6 في المئة'. وأظهرت دراسات لاحقة أن أكثر من 30% من الأزواج في سيرينها كانوا أقارب، وأن ثلثهم أنجبوا طفلا واحدا على الأقل من ذوي الإعاقة. طريق طويل للتشخيص انطلقت سانتوس للبحث عن تشخيص لسكان سيرينها، وبدأت التخطيط لدراسة جينية مفصلة، ​​الأمر الذي تتطلب رحلات متعددة، ثم انتقلت في النهاية إلى المنطقة. لقد سافرت مسافة 2000 كيلومتر من وإلى ساو باولو مرات عديدة في السنوات الأولى من بحثها. وجمعت عينات الحمض النووي من منزل إلى منزل، وتبادلت أطراف الحديث أثناء احتساء القهوة، وجمعت قصصًا عائلية، في محاولة لتحديد الطفرة المسببة للمرض. وما كان من المفترض أن يستغرق 3 أشهر من العمل الميداني تحول إلى سنوات من التفاني. وأدى كل ذلك إلى نشر دراسة في عام 2005، والتي كشفت عن وجود سبوان في المناطق النائية في البرازيل. وجد فريق سانتوس أن الطفرة تتضمن فقدان جزء صغير من كروموسوم، مما يُسبب زيادة في إنتاج جين لبروتين رئيسي في خلايا الدماغ. ويتذكر المزارع لولو، الذي تحمل ابنته ريجان جين سبوان: 'قالوا إنها جاءت من ماكسيميانو، وهو زير نساء في عائلتنا'. وتزوج لولو، البالغ من العمر الآن 83 عامًا، ابنة عمه ولم يغادر سيرينها قط، ولا يزال يرعى الماشية ويعتمد على عائلته في رعاية ريجان، التي تُعاني من صعوبات في أداء مهامها اليومية. مشكلات زواج الأقارب لكن الطفرة الجينية وراء سبوان أقدم بكثير من أسطورة ماكسيميانو العجوز، فمن المرجح أنها وصلت منذ أكثر من 500 عام مع المستوطنين الأوروبيين الأوائل في شمال شرق البرازيل. وتقول سانتوس: 'تُظهر دراسات التسلسل الجيني وجود أصول أوروبية قوية لدى المرضى، مما يدعم سجلات الوجود البرتغالي والهولندي واليهود السفارديم في المنطقة'. وازدادت النظرية قوةً بعد اكتشاف حالتين من متلازمة سبوان في مصر، وأظهرت دراساتٌ أخرى أن الحالتان المصريتان تشتركان أيضًا في أصول أوروبية، مما يشير إلى أصلٍ مشترك في شبه الجزيرة الأيبيرية. وتقول سانتوس: 'من المرجح أن يكون ذلك قد حدث مع أقارب من اليهود السفارديم أو الموريسكيين الفارين من محاكم التفتيش'، وتعتقد أن هناك حالاتٍ أخرى قد توجد عالميًا، وخاصةً في البرتغال. Mariana Castiñeiras/BBC على الرغم من التقدم الطفيف نحو إيجاد علاج، إلا أن متابعة المرضى أحدثت بعض التغيير، وتتذكر ريجان كيف كان الناس يُطلقون عليهم سابقًا 'المقعدين'، الآن، يُقال إنهم ببساطة مصابون بمتلازمة سبوان. ولم تُضف الكراسي المتحركة الاستقلالية فحسب، بل ساعدت أيضًا في منع التشوهات، في الماضي، كان الكثير من المصابين بهذه الحالة يُتركون ببساطة مستلقين على السرير أو على الأرض. ومع تقدم حالة سبوان، تزداد القيود الجسدية مع التقدم في السن، وبحلول سن الخمسين، يصبح جميع المرضى تقريبًا معتمدين بشكل كامل على الآخرين. هذا هو حال نجلي إينيس، وهم من بين أكبر المصابين سنًا في سيرينها حيث يبلغ تشيكينيو من العمر 59 عامًا، ولم يعد قادرًا على الكلام، في حيت يبلغ ماركينيوس من العمر 46 عامًا، ولديه قدرات تواصل محدودة. وتقول إينيس، المتزوجة من ابن عم من الدرجة الثانية: 'من الصعب يكون لك ابن له ظروف خاصة، نحبهم بنفس القدر، لكننا نعاني من أجلهم'. وتزوجت لاريسا كيروز، ابنة أخ تشيكينيو وماركينيوس، أيضًا من قريب بعيد، لم تكتشف هي وزوجها ساولو جدهما المشترك إلا بعد أشهر من المواعدة. وتقول: 'في سيرينها دوس بينتوس، جميعنا أبناء عمومة، وتربطنا صلة قرابة بالجميع'. ويُعدّ الأزواج مثل لاريسا وساولو محور مشروع بحثي جديد تشارك فيه سانتوس، فبدعم من وزارة الصحة البرازيلية، سيفحص المشروع 5 آلاف حالة زواج للكشف عن الجينات المرتبطة بأمراض متنحية خطيرة. ولا يهدف المشروع إلى منع زواج الأقارب، بل إلى مساعدة الأزواج على فهم المخاطرالجينية، كما تقول سانتوس. وتعمل سانتوس الآن كأستاذة جامعية، وتدير أيضًا مركزًا لتعليم علم الوراثة، وتعمل على توسيع نطاق الاختبارات في شمال شرق البلاد. وعلى الرغم من أنها لم تعد تعيش في سيرينها دوس بينتوس، إلا أن كل زيارة لها تُشعرها وكأنها عودة إلى الوطن. وكما تقول إينيس:'يبدو الأمر كما لو أن سيلفانا فرد من العائلة'. Mariana Castiñeiras/BBC مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store