logo
كيف احتلت الهاغاناه القدس في إطار "الخطة دال"؟

كيف احتلت الهاغاناه القدس في إطار "الخطة دال"؟

الجزيرةمنذ 4 أيام
"الخطة دال" خطة عسكرية وضعتها منظمة الهاغاناه الصهيونية عام 1948 لاحتلال مختلف مدن فلسطين ، بينها القدس وضواحيها، وتكونت الخطة من ثلاث مراحل عسكرية متتالية بقيادة لواء "عتسيوني"، حملت كل مرحلة منها اسما خاصا، وانتهت باحتلال غربي القدس كله وأجزاء من شرقي المدينة. إلا أن تدخل الجيش العربي في اللحظة الحاسمة حال دون سقوط البلدة القديمة والأجزاء الشرقية، التي بقيت تحت السيادة العربية حتى نكسة يونيو/حزيران 1967.
التسمية والمراحل
هي خطة عسكرية وضعتها قيادة "الهاغاناه"، برئاسة ديفيد بن غوريون ، بهدف السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية بالقوة أثناء نكبة عام 1948. وقد عُرفت هذه الخطة باسم "الخطة دال" لكونها رابع خطة في سلسلة حملت كل منها حرفا من الحروف الأبجدية العبرية.
كان من المقرر أن يبدأ تنفيذ "الخطة دال" في نهاية فترة الانتداب البريطاني ، في أوائل النصف الثاني من شهر مايو/أيار 1948، إلا أن تسارع الأحداث مثل التحول في موقف الولايات المتحدة الأميركية من قرار تقسيم فلسطين والانسحاب التدريجي للقوات البريطانية من فلسطين، إضافة إلى تمكن القوات العربية من السيطرة على طرق المواصلات في شهر مارس/آذار، كل ذلك دفع بقيادة الهاغاناه إلى تقديم موعد التنفيذ إلى الأسبوع الأول من أبريل/نيسان.
كانت الخطة تهدف إلى السيطرة العسكرية الكاملة على الأراضي المخصصة "للدولة اليهودية" بموجب قرار التقسيم، واتخاذ هذه الرقعة قاعدة للانطلاق نحو السيطرة على مناطق واسعة داخل حدود "الدولة العربية" المقترحة، إما لأسباب إستراتيجية اعتبرتها القيادة الصهيونية ضرورية للدفاع عن "الدولة اليهودية"، أو لأن القيادة رفضت خروج هذه المناطق عن نطاق الدولة.
وقد تضمنت "الخطة دال" 17 عملية عسكرية، خُصص لكل منها اسم محدد، وحددت أهدافا تفصيلية لكل من ألوية الهاغاناه العشرة، بحيث تُنفذ كل واحدة مهمتها وفق خطة منسقة وشاملة.
احتلال القدس وفق "الخطة دال"
أُوكلت إلى لواء "عتسيوني"، المؤلف من ثلاث كتائب، مهمة احتلال مدينة القدس وضواحيها بالكامل، إضافة إلى حصار الخليل و بيت لحم وبيت جالا.
وفي الأول من أبريل/نيسان 1948، تقرر في اجتماع عُقد في منزل بن غوريون تشكيل قوة خاصة مكونة من ثلاث كتائب يبلغ قوامها حوالي 1500 مقاتل، بهدف احتلال القرى الواقعة على الطريق العام بين الساحل والقدس، لا سيما تلك التي تقع عند بداية صعود الطريق نحو جبال القدس، مثل باب الواد وسائر القرى الممتدة شرقا وصولا إلى ضواحي مدينة القدس.
وأوكلت إلى هذه القوة الخاصة مهمة بدء تنفيذ "الخطة دال" ("دالت" بالعبرية) من خلال عملية افتتاحية حملت اسم " نحشون".
ويشير هذا الاسم إلى نَحْشُون بن عميناداب، الشخصية التوراتية التي كانت أول من خاض مياه بحر القُلزم لتمهيد الطريق أمام بني إسرائيل، في دلالة رمزية واضحة، فكما فتح نَحْشُون الطريق هدفت العملية إلى فتح الممر نحو القدس.
وتعكس التسمية أيضا "روح الريادة والشجاعة"، إذ كانت "نحشون" أول عملية هجومية كبرى ضمن الخطة، وتقول الهاغاناه إنها أطلقتها "بروح المبادرة والاستباق".
تقرّر أن تبدأ العملية في 5 أبريل/نيسان 1948 بهجوم على القريتين العربيتين خلدة ودير محيسن الواقعتين غرب باب الواد، على الطريق الرئيسي المؤدي إلى القدس.
وكان من المقرر أن يسبق هذه العملية احتلال قرية القسطل ، الواقعة في منتصف الطريق بين باب الواد والقدس، والتي شهدت معركة حاسمة انتهت بخسارة القوات الفلسطينية وسقوط القرية في 9 أبريل/نيسان. عقب ذلك، وقعت مجزرة دير ياسين، التي كانت بداية سقوط المدن الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى.
وبعد 5 أيام من مجزرة دير ياسين ، أي في 14 أبريل/نيسان، أرسلت قوات الهاغاناه قافلة مكونة من عشر مركبات إلى جبل المشارف عبر حي الشيخ جراح الغربي، غير أن المناضلين الفلسطينيين نصبوا كمينا للقافلة، واندلعت معركة عنيفة أسفرت عن مقتل 77 من ركابها وجرح 20 آخرين، وأُسر الباقون.
المرحلة الأولى من "الخطة دال": عملية "يبوسي"
سُميت العملية العسكرية المخصصة لاحتلال القدس بـ"يبوسي"، واسمها مأخوذ من "يبوس"، وهو الاسم التوراتي للقدس قديما، نسبة إلى سكانها الذين كانوا يسمّون اليبوسيين، وفي هذه التسمية إشارة تاريخية/دينية للصلات اليهودية القديمة بالمدينة، للتذكير بتاريخ غزو الملك داود لها من سكانها القدامى، وفيها أيضا دلالة ضمنية على الرغبة في "استعادة" أو "تحرير" القدس من سكانها العرب بطرق عسكرية، بعد آلاف السنين من بداية "يبوس".
وقد تقرر بدء تنفيذها في 23 أبريل/نيسان 1948. وفي ذلك اليوم شنت قوات الهاغاناه و تنظيم الأرغون هجوما من 4 محاور رئيسية:
المحور الأول (شمالي): باتجاه قرية النبي صموئيل، التي تشرف من مرتفعاتها على كامل مدينة القدس، وتتحكم بطريق المواصلات بين القدس وشمال فلسطين.
المحور الثاني (شرقي): انطلق من جبل المشارف جنوبا باتجاه جبل الزيتون و قرية الطور ، المطلّين على البلدة القديمة من الشرق، وعلى طريق المواصلات المؤدي إلى شرق الأردن.
المحور الثالث (شمالي البلدة القديمة): استهدف حي الشيخ جراح، الواقع شمالي البلدة القديمة.
المحور الرابع (غربي): انطلق من الأحياء اليهودية في غربي القدس باتجاه حي القطمون، أحد أهم الأحياء العربية في الجزء الغربي من المدينة، في تمهيد لاحتلال سائر الأحياء العربية في غربي القدس.
وقد فشل الهجوم على المحورين الأول والثاني، في حين نجح جزئيا في المحور الثالث، لكن القوات البريطانية تدخلت وأجبرت القوات الصهيونية على الانسحاب من حي الشيخ جراح، لأنه يقع على خط انسحابها الرئيسي مع اقتراب نهاية الاحتلال البريطاني.
ورغم ذلك، تم الاتفاق بين الطرفين على أن يسلم الجيش البريطاني الحي لقوات الهاغاناه يوم انسحابه الرسمي، مقابل انسحاب فوري مؤقت من الحي.
أما أعنف المعارك فقد دارت على المحور الرابع، إذ استمر القتال دون توقف حتى 30 أبريل/نيسان، حين تمكنت القوات اليهودية من احتلال حي القطمون كله، وبدأت بعد ذلك بالتوسع نحو باقي الأحياء العربية في غربي القدس.
المرحلة الثانية من "الخطة دال": عملية "كيلشون"
جاءت المرحلة الثانية الكبرى من تنفيذ "الخطة دال" لاحتلال القدس عشية انسحاب الجيش البريطاني في 14 مايو/أيار 1948، إذ كانت قوات الاحتلال البريطاني لا تزال تحتل مناطق أمنية إستراتيجية وسط المدينة حتى ذلك التاريخ. وكانت هذه المناطق تفصل بين الأحياء العربية واليهودية في كل من شرقي القدس وغربها، ما منحها أهمية عسكرية كبيرة.
كما كانت هذه المناطق تضم عددا من أهم المرافق الحيوية في المدينة، بما في ذلك مقر الشرطة العامة والمستشفى الحكومي ومباني الهاتف والبريد والمصارف الرئيسية والمحاكم.
وقد أطلقت قوات "الهاغاناه" على هذه العملية اسم "كيلشون"، وتعني "المذراة"، وهي أداة زراعية تُستخدم لنثر القشّ وفصل الحَبّ عن التبن.
ويُجسّد هذا الاسم رمزية واضحة: ضربة مباغتة وسريعة، تشبه حركة الطرح الحادة بالمذراة نحو هدف محدد، كما يُشير إلى "تطهير الأرض بقوة"، من خلال السيطرة على الأحياء وطرد سكانها، ضمن خطة تهدف إلى "تنظيف" مناطق إستراتيجية في القدس.
ويعكس الاسم البُعد العسكري المباشر للعملية، باعتبارها ضربة حاسمة نحو إحكام السيطرة على المدينة، ونفذت تزامنا مع الانسحاب النهائي للجيش البريطاني من القدس، في 14 مايو/أيار، واستندت إلى هجوم من 3 محاور رئيسية:
المحور الأول: باتجاه حي الشيخ جراح، وأدى الهجوم إلى قطع الاتصال بين عرب القدس وشمال فلسطين، وإحكام الحصار على البلدة القديمة من الجهة الشمالية.
المحور الثاني: استهدف مناطق الأمن وسط المدينة، والتي سلمها الجيش البريطاني مباشرة إلى قوات الهاغاناه، ما سهّل السيطرة عليها دون قتال كبير.
المحور الثالث: انطلق باتجاه سائر الأحياء العربية في غربي القدس، خصوصا حي البقعة الفوقا، والبقعة التحتا، وحي الطالبية، التي كانت تعد من أبرز المناطق السكنية العربية في الجزء الغربي من المدينة.
المرحلة الثالثة من "الخطة دال": محاولة اقتحام البلدة القديمة
بدأت المرحلة الثالثة الكبرى من تنفيذ "الخطة دال" بهدف إكمال السيطرة على مدينة القدس كلها، وذلك عبر اقتحام البلدة القديمة. وكانت قوات الهاغاناه تحتفظ بحامية قوامها نحو 250 مقاتلا داخل البلدة القديمة، يتمركزون في الحي اليهودي قرب حائط البراق و المسجد الأقصى ، تحت حماية الجيش البريطاني التي انتهت بانسحابه.
مع اقتراب هذا الانسحاب شرعت قيادة الهاغاناه في التخطيط لتعزيز هذه الحامية، ووضعت خطة عسكرية حملت اسم "شفيفون"، وهو اسم يطلق على أفعى سامة مثلثة الرأس، وتضمنت الخطة 3 خطوات رئيسية:
احتلال مواقع الجيش البريطاني القريبة من الحي اليهودي فور إخلائها.
الانطلاق من هذه المواقع لاحتلال مواقع عربية محددة داخل البلدة القديمة.
نسف المنازل العربية المحيطة بالحي اليهودي، بهدف حرمان أي قوة عربية من إمكانية استخدامها غطاء أو قواعد هجومية.
وفي الوقت نفسه، بدأت قوات الهاغاناه والبلماح بالاحتشاد خارج أسوار البلدة القديمة استعدادا لاقتحامها، وتقرر أن تهاجم قوات الهاغاناه باب الخليل، أحد المداخل الغربية الرئيسة للقدس، بينما تتولى قوات البلماح، بقيادة إسحق رابين ، احتلال تلة مقام النبي داود الواقعة إلى الجنوب الغربي من الأسوار، والتي تُشرف على البلدة القديمة من الخارج.
وقد فشل الهجوم على باب الخليل، إذ تصدت له القوات العربية، لكن قوات البلماح نجحت في 17 مايو/أيار، بعد قتال عنيف، في احتلال مقام النبي داود، مما منحها موقعا إستراتيجيا مشرفا على البلدة القديمة.
في 18 مايو/أيار تقرر أن تقتحم قوات البلماح أسوار مقام النبي داود للاتصال بالحامية في الداخل، وفعلا تمكنت من ذلك بعد أن نسفت بوابة السور المعروفة ببوابة النبي داود واستطاعت أن تدخل.
إنقاذ القدس
كانت القدس على وشك السقوط في يد القوات الصهيونية أثناء الحرب التي اندلعت مع انتهاء الاحتلال البريطاني. وفي تلك الأثناء أطلق أحمد حلمي باشا، عضو اللجنة القومية الوحيد المرابط في القدس، نداء استغاثة عاجلا إلى هزاع المجالي ، أحد كبار الموظفين في القصر الملكي الأردني قائلا "إن لم تنجدونا، سقطت القدس نهائيا في أيدي اليهود".
أبلغ المجالي الملك عبد الله الأول بالأمر، ثم تلقى اتصالا ثانيا من حلمي باشا يناشده بشكل عاجل "أناشدكم الله أن تنجدونا وتنقذوا المدينة وأهلها من سقوط مؤكد".
استجاب الملك عبد الله على الفور واتصل عبر الهاتف بأحمد حلمي باشا مستفسرا عن تفاصيل الأوضاع في القدس، ثم أمر بتدخل الجيش العربي لإنقاذ القدس، رغم تحفظ رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى، الذي عبر عن تردده بسبب اتفاق بريطانيا مع الأردن على عدم التدخل العسكري في القدس، إلا أن إصرار الملك عبد الله كان حاسما.
بناء على ذلك، جرى اتصال بين أبو الهدى ورئيس أركان الجيش العربي الجنرال البريطاني جون غلوب (غلوب باشا)، وتم الاتفاق على عقد جلسة رسمية برئاسة الملك في القصر، وعقد مجلس الوزراء بحضور الملك ورئيس الأركان ومساعده عبد القادر الجندي، وقرر المجلس التدخل العسكري في القدس.
استجاب الملك عبد الله لنداء النجدة واتصل بقائد الكتيبة السادسة عبد الله التل، الذي كان قد حقق انتصارا في معركة كفر عصيون، وطلب منه التوجه فورا إلى القدس لإنقاذها.
قبل وصول تلك الكتيبة النظامية، كانت هناك قوات تطوعية من رام الله وبيت لحم، إضافة إلى متطوعين من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذين شنوا هجمات لتخفيف الضغط عن البلدة القديمة.
وصلت الكتيبة السادسة إلى القدس فجر 18 مايو/أيار 1948، وبدأ الجيش الأردني هجومه من مواقع إستراتيجية مهمة مثل رأس العامود وجبل الزيتون، مدعوما بمدفعية ثقيلة شملت مدافع من عيار 6 أرطال ومدافع هاوزر من عيار 80 ملم، مستهدفا مواقع القوات الصهيونية المتحصنة داخل البلدة القديمة.
في المقابل ضاعفت القوات الصهيونية تعزيزاتها في القدس، وتجاوز عدد أفرادها 15 ألف جندي مسلح بأسلحة حديثة.
شهدت الأيام التالية معارك عنيفة في مناطق عدة، تمكن فيها الجيش الأردني من السيطرة على أحياء حيوية حول البلدة القديمة، مثل الشيخ جراح وباب الواد، وفرض حصارا محكما على الحي اليهودي داخل الأسوار، ومع ذلك لم يستطع اقتحام عمارة النوتردام الإستراتيجية بعد هجمات متكررة تكبد فيها خسائر كبيرة في صفوف جنوده.
في باب النبي داوود دارت معارك شرسة تمكن فيها الجيش الأردني من صد هجمات متكررة من قوات "الهاغاناه"، وأحكم السيطرة على مواقعه حتى داخل البلدة القديمة، مما عزز الحصار على الحي اليهودي.
استمر الحصار والتصعيد العسكري حتى 28 مايو/أيار 1948، حين استسلمت القوات الصهيونية داخل الحي اليهودي بعد حصار عنيف، وسلمت أسلحتها وتم أسر 340 من مقاتليها.
ويستعيد الجيش العربي السيطرة الكاملة على البلدة القديمة وشرقي القدس، وظلت القدس تحت السيادة الأردنية حتى سقوطها في يد جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب يونيو/حزيران 1967.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زيارة جونسون إلى "أريئيل".. تكريس أميركي للاستيطان وتحد لحل الدولتين
زيارة جونسون إلى "أريئيل".. تكريس أميركي للاستيطان وتحد لحل الدولتين

الجزيرة

timeمنذ 7 دقائق

  • الجزيرة

زيارة جونسون إلى "أريئيل".. تكريس أميركي للاستيطان وتحد لحل الدولتين

القدس المحتلة- في خطوة اعتبرت رمزية ومثيرة للجدل، زار رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون ، مستوطنة "أريئيل" المقامة على أراضي الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية المحتلة، برفقة وفد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، في زيارة هي الأولى من نوعها بهذا المستوى الرفيع. وتأتي هذه الزيارة وسط انتقادات دولية متزايدة موجهة لإسرائيل على خلفية عدوانها المستمر على قطاع غزة، وفي توقيت يشهد اتساعا في دائرة الاعترافات الغربية والأوروبية بدولة فلسطين. ووسط هذا المناخ، تسعى الحكومة الإسرائيلية ومجالس المستوطنين إلى خلق وقائع جديدة على الأرض، باستخدام الزيارات السياسية رفيعة المستوى، مثل زيارة جونسون، لإضفاء شرعية دولية ورمزية على المطالب الإسرائيلية بفرض السيادة على الضفة الغربية. وخلال زيارته للمستوطنة، التي وصفها بأنها "جزء من أرض الشعب اليهودي"، شارك جونسون في فعاليات رمزية كغرس الأشجار، مؤكدا، في تصريحات نقلتها القناة السابعة الإسرائيلية، على "أهمية كل ركن من هذا البلد بالنسبة لنا، وخصوصا كوننا في مهد إيماننا"، في إشارة إلى المناطق الفلسطينية المحتلة التي يعتبرها الخطاب اليميني الإسرائيلي جزءا من "يهودا والسامرة" وفق التسمية التوراتية للضفة الغربية. تعزيز العلاقات وفي سابقة دبلوماسية ذات دلالات رمزية عميقة، استضاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، مساء الاثنين، رئيس مجلس النواب الأميركي جونسون وزوجته كيلي لاري، في مستوطنة "شيلو" شمالي رام الله والبيرة، وذلك بحضور السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي ، وعدد من أعضاء الكونغرس. الزيارة التي أجريت تحت عنوان "تعزيز العلاقات الإستراتيجية" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تعد وفق القراءات الإسرائيلية، إشارة ضمنية من واشنطن بمباركة السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، في ظل توسع المشروع الاستيطاني وتقويض متسارع لأي أفق ل حل الدولتين. وتنذر زيارة جونسون بمزيد من التحديات أمام الجهود الدولية لإحياء المسار الدبلوماسي القائم على مبدأ حل الدولتين، والذي تحاول فرنسا والسعودية الدفع به مجددا إلى طاولة النقاش الدولي، في ظل انسداد الأفق السياسي وتصاعد التوترات الميدانية في الأراضي الفلسطينية. ووفق التحليلات الإسرائيلية، فإن هذه الزيارة تحمل أبعادا سياسية خطيرة، إذ لم يسبق لمسؤول أميركي بهذا المستوى، أن زار مستوطنة في الضفة الغربية بصفته الرسمية، مع الاخذ بعين الاعتبار أن جونسون يمثل ثالث أعلى منصب في الدولة الأميركية بعد الرئيس ونائبه. وتتوافق قراءات المحللين الإسرائيليين فيما بينها أن هذه الزيارة تؤكد مرة أخرى الفجوة العميقة بين المواقف الدولية المتزايدة لصالح الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، وبين الدعم الأميركي اللامشروط الذي تتلقاه إسرائيل، حتى في أكثر لحظات عزلتها السياسية والحقوقية. رسالة دعم وبحسب ما أورد المراسل السياسي للقناة السابعة الإسرائيلية دفير عمار، فإن زيارة جونسون تحمل أبعادا تتجاوز الشكل البروتوكولي، إذ تعكس تحولا في التعاطي الأميركي مع ملف الضفة الغربية، وخصوصا بعد أن باتت أصوات داخل الكونغرس تطالب بتمكين إسرائيل من ممارسة سيادة كاملة على مناطق "يهودا والسامرة". ويرى عمار أن الزيارة توجه رسالة دعم واضحة لليمين الإسرائيلي في توقيت حساس، حيث تتسع دائرة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، فيما تواجه إسرائيل عزلة دولية متزايدة على خلفية حربها المستمرة في غزة. كما أن مشاركة جونسون، وهو ثالث أهم شخصية دستورية في الإدارة الأميركية، إلى جانب وفد كبير من النواب الجمهوريين، تعكس ما يصفه عمار بـ"التحالف الأيديولوجي العميق" بين إسرائيل وبعض الدوائر السياسية الأميركية، خصوصا من الحزب الجمهوري ، بما يكرس دعما أميركيا متزايدا لمشروع السيادة الإسرائيلية. وقال إن هذه الزيارة "ليست مجرد حدث رمزي"، بل تمثل بحسب قراءته "خطوة في مسار إعادة صياغة حدود الشرعية السياسية في الضفة الغربية"، في مواجهة أية مبادرة دولية -سواء فرنسية أم سعودية- تدفع باتجاه إعادة إطلاق مفاوضات على أساس حل الدولتين. طموح إستراتيجي وفي إطار التغطية السياسية والإعلامية لزيارة جونسون إلى مستوطنات الضفة، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن رئيس "مجلس بنيامين" الاستيطاني، يسرائيل غانتس، تصريحات تعبّر عن رؤية اليمين الإسرائيلي لأهداف هذه الزيارة ودلالاتها بعيدة المدى. وقال غانتس في تصريحه "إنه لشرف عظيم أن نستضيف رئيس مجلس النواب الأميركي في يهودا والسامرة (التسمية اليهودية للضفة والقدس)، نشكركم على حضوركم هنا، وعلى كونكم حليفا حقيقيا لدولة إسرائيل". هذه العبارات، التي بدت في ظاهرها مجاملة بروتوكولية، سرعان ما تحولت إلى خطاب سياسي واضح المعالم، عبّر فيه غانتس عن الطموح الإستراتيجي لمجالس المستوطنات، مؤكدا "نحن محظوظون بإدارة أميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب ، الذي اختار الجانب الصحيح من التاريخ، ويسير جنبا إلى جنب مع إسرائيل". وتابع غانتس تصريحه بالكشف عن مبادرة سياسية جديدة عُرضت أمام الوفد الأميركي. وقال "نقدم لكم مبادرة سياسية تدعو إلى بسط سيادة دولة إسرائيل على يهودا والسامرة، والإعلان للعالم أجمع أن هذه الأراضي أصبحت مرة أخرى جزءا أبديا من الدولة اليهودية". دلالات سياسية من وجهة نظر مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" لشؤون الضفة الغربية و الاستيطان إليشع بن كيمون، فإن التصريحات التي أدلى بها غانتس خلال زيارة جونسون، لم تكن عفوية أو نابعة من السياق اللحظي، بل حملت دلالات سياسية عميقة ومقصودة، موجّهة للمجتمع الدولي في توقيت حساس. ويرى بن كيمون أن هذه التصريحات لم تأت بمعزل عن الحدث السياسي ذاته، بل جاءت كجزء من رسالة سياسية منسقة ومدروسة، هدفها التأكيد على أن مشروع ضم الضفة إلى السيادة الإسرائيلية لا يزال قائما، ويحظى بزخم جديد، بل وبدعم أميركي فعّال من داخل أروقة الكونغرس، وخاصة من التيار الجمهوري المحافظ. كما أن التوقيت -وفق تحليل بن كيمون- ليس عشوائيا، فالمنطقة تشهد تحولات إستراتيجية كبرى، أبرزها تداعيات الحرب المستمرة على غزة، وتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل، فضلا عن الاعترافات الأوروبية المتسارعة بالدولة الفلسطينية، ما يضع حكومة نتنياهو في موقع دفاعي على المستوى الدولي. ويرى بن كيمون أن الرسالة الأساسية التي أراد غانتس إيصالها من خلال هذه التصريحات هي أن "إسرائيل لن تنتظر المسارات الدولية أو المبادرات الدبلوماسية، خصوصا تلك التي تدعو إلى إعادة إحياء حل الدولتين، بل على العكس، ستعمل على فرض سيادتها الفعلية بحكم الأمر الواقع، مستفيدة من اللحظة السياسية الراهنة ومن التحالفات الأميركية داخل الكونغرس".

كاتب إسرائيلي: واقعنا اليوم أسوأ من دولة أورويل الشمولية
كاتب إسرائيلي: واقعنا اليوم أسوأ من دولة أورويل الشمولية

الجزيرة

timeمنذ 34 دقائق

  • الجزيرة

كاتب إسرائيلي: واقعنا اليوم أسوأ من دولة أورويل الشمولية

في مقال نشرته صحيفة "زمن إسرائيل" العبرية، شبّه الكاتب الإسرائيلي إيال روتفيلد الواقع السياسي في إسرائيل عام 2025 بتلك الدولة الشمولية التي وصفها الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته الشهيرة "1984". ويرى الكاتب أن ما تنبأ به أورويل قبل نحو 8 عقود لم يعد مجرّد خيال سوداوي، بل تحوّل إلى واقع حي في إسرائيل يُبثّ مباشرةً على شاشات التلفاز وعبر منصات التواصل الاجتماعي. ويضيف أن رواية "1984" لم تُصب بالشيخوخة، بل تجدد شبابها، ليس كقطعة أدبية كلاسيكية، بل كجرس إنذار من انزلاق المجتمعات إلى الحضيض في ظل أنظمة قمعية تزيّف الحقائق وتحكم عبر إثارة المخاوف وتضليل الرأي العام. دكتاتورية من نوع مختلف وحسب الكاتب فإن ما يحدث في إسرائيل في ظل حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، و"الثورة الحزبية" التي اجتاحت البلاد منذ أكثر من عقد، قد تجاوز نبوءة أورويل. فقد وصف الروائي البريطاني نظاما شموليا يحكم عبر القمع الوحشي ومراقبة العقول، بينما تتشكل في إسرائيل دكتاتورية من نوع جديد، لا تعتمد على القوانين القمعية، بل تستخدم أدوات ديمقراطية -في ظاهرها- لترسيخ هيمنة فكرية وإعلامية خانقة. ويشير الكاتب إلى أن السلطة في إسرائيل لا تزيّف التاريخ في السر، كما كانت تفعله الأنظمة القمعية في الماضي، بل في العلن أمام عدسات الكاميرا، وعبر تغريدات السياسيين وخطاباتهم وتصريحاتهم المتلفزة. ويؤكد أن جزءا كبيرا من الجمهور لا يكتفي بتصديق هذا "التزييف"، بل يريده ويطلبه، إذ يرى في القادة الذين يكذبون علنا وبلا خجل "رموزا للقوة"، بدلا من أن يحاسبهم على التضليل وإخفاء الحقائق. انقلاب المفاهيم ويتابع الكاتب قائلا إن انقلاب المفاهيم بات ممنهجا، إذ أصبحت "القيادة القوية" مرادفا للهروب من الحقيقة، و"النصر" يعني الهزيمة، و"الحكومة الوطنية" ليست سوى تحالف مصالح يمينية "متطرفة". وينقل عن الباحثة الإسرائيلية رينا عناتي قولها في تلخيص هذا المشهد: "يُطلقون على الهزيمة اسم النصر، ويُقال عن الرجل الضعيف إنه قائد قوي، وبذلك يمكن للمجرمين أن يعتقلوا مواطنين ملتزمين بالقانون". ويؤكد الكاتب أن الشارع الإسرائيلي يعيش اليوم أجواء من التخوين المُمنهج لكل من يجرؤ على التفكير النقدي أو مخالفة الرواية الرسمية، حيث يُتهم المعارضون بـ "العمالة"، ويُصنّف المتظاهرون كـ "خونة" أو "كارهين للجيش"، وتُهمش عائلات الأسرى بذريعة "عدم الانصياع لمصلحة الدولة". إيال روتفيلد: الشارع الإسرائيلي يعيش اليوم أجواء من التخوين المُمنهج لكل من يجرؤ على التفكير النقدي أو مخالفة الرواية الرسمية "الأخ الأكبر" يقول الكاتب إن "الأخ الأكبر" في رواية أورويل يرمز إلى الحكومة التي تراقبك باستمرار، أما في إسرائيل عام 2025، فإن الأمر معكوس: الجمهور يراقب القائد باستمرار، ويختار تجاهل الحقيقة. ويضيف: "لا حاجة لشرطة فكرية. هناك خطاب مسموم، مُشبع بالخوف. كل من يفكر بشكل مختلف يُدان. كل من ينتقد يتم إسكاته. والرسالة واضحة: القائد ليس مخطئا. لا يخسر. لا يفشل. وإذا استمر أي خطأ، فالمسؤولية تقع على عاتق الخونة، اليساريين، القضاء، الأوساط الأكاديمية، الإعلام، النساء، البدو، أو المختطفين". ويرى الكاتب أنه في أي بلد ديمقراطي، ينبغي أن يكون هناك حق واحد غير قابل للتفاوض، وهو الحق في التفكير، لكن في الخطاب السياسي الحالي في إسرائيل، يُنظر إلى التفكير المستقل على أنه انحراف عن المألوف. والمشكلة -على حد تعبيره- لا تكمن فقط في بنيامين نتنياهو، بل في النظام الذي يُولّد الخوف ويُحدّد الأعداء ويُسوّق وهم السيطرة. رغم كل ذلك، يؤكد الكاتب أن هناك كثيرين في إسرائيل لم يستسلموا للدعاية واختاروا عدم نشر الأكاذيب، وأدركوا أن الصمت في مثل هذا الوضع تواطؤ وليس حيادا. ويختم الكاتب قائلا إن "من بين جميع الأصوات، هناك صوت واحد لا يجب إسكاته: الصوت الذي يصرخ، الملك عريان. لأنه إن لم نتحرك الآن، فلن يكون هناك مستقبل ديمقراطي نستطيع حمايته".

"يسرائيل هيوم": إسرائيل عرضت على جونسون خرائط ضم الضفة الغربية
"يسرائيل هيوم": إسرائيل عرضت على جونسون خرائط ضم الضفة الغربية

الجزيرة

timeمنذ 34 دقائق

  • الجزيرة

"يسرائيل هيوم": إسرائيل عرضت على جونسون خرائط ضم الضفة الغربية

عرضت إسرائيل على رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون خرائط ووثائق عن كيفية فرض السيادة بضم الضفة الغربية المحتلة، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، الثلاثاء. وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم" إن نتنياهو أبلغ لأول مرة المسؤولين الأميركيين بقيادة جونسون في مستوطنة شيلو شمال شرقي رام الله بأنه "لا مفر من قرار عسكري في غزة". وتابعت، إنه ومنذ أيام تتواتر تسريبات إسرائيلية عن اعتزام نتنياهو إعادة احتلال قطاع غزة، في إشارة إلى أن إسرائيل سبق أن احتلته 38 عاما بين 1967 و2005. وقالت الصحيفة، إن السلطات الإسرائيلية عرضت على جونسون وثائق "عن كيفية ضم الضفة الغربية" دون أن تتطرق إلى طبيعة هذه الوثائق. ومن شأن ضم الضفة الغربية أن ينهي إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين فلسطينية وإسرائيلية، الذي تنص عليه قرارات صدرت من الأمم المتحدة. ووفق الصحيفة، التقى الوفد الأميركي أيضا بمجلس "يشع" أو المجلس الإقليمي لمستوطنات الضفة الغربية، برفقته رئيس بلدية مستوطنة "أرئيل" يائير شتافون. وزار جونسون، الاثنين، مستوطنة "أرئيل" في الضفة الغربية المحتلة، وهي الأولى من نوعها ، وادعى خلال الزيارة أن "يهودا والسامرة"، وهي التسمية التوراتية للضفة الغربية، "ملك للشعب اليهودي". ونددت الرئاسة الفلسطينية، الثلاثاء، بزيارة جونسون مستوطنة أرئيل المقامة على أراضي فلسطينيين، مؤكدة أن تصريحاته بشأن الضفة تخالف القانون الدولي. ويعد جونسون ثالث أهم شخصية في الحكومة الأميركية وفقًا للدستور بعد الرئيس ونائبه، وهو أرفع مسؤول يزور الضفة الغربية المحتلة بصفته الرسمية، وفق القناة السابعة الإسرائيلية. وبموازاة الإبادة في غزة، صعّدت إسرائيل من جرائم تمهد بها لضم الضفة الغربية، لا سيما بتوسيع الاستيطان وتهجير فلسطينيين من أراضيهم المحتلة، بحسب السلطات الفلسطينية وتقارير أممية ودولية. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قتل الجيش والمستوطنون الإسرائيليون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1013 فلسطينيا، وأصابوا نحو 7 آلاف، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية. وتحتل إسرائيل منذ عقود فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store