
ظاهره "القضية الفلسطينية".. المغرب في قلب صراع جيوسياسي تقوده قطر والجزائر ضد مشروع الحكم الذاتي
في زحمة الشعارات المرفوعة باسم فلسطين، تتخفى معارك نفوذ ومصالح تتجاوز بكثير سقف الخطاب السياسي الظاهر، وإذا كان طريق تحرير القدس يمر من العواصم، فإن البعض اختار أن يمر طريقه عبر ضرب استقرار ونفوذ دول أخرى، على رأسها المغرب، في محاولة لإعادة رسم خرائط إقليمية تتناسب مع حسابات ضيقة، تحركها قطر والجزائر تحت مظلة دعم غزة ومناهضة التطبيع.
في باريس، تم تنظيم وقفة أمام معهد العالم العربي، تقودها ريما حسن، الوجه اليساري المدعوم من الجزائر، في ما بدا أنه نشاط تضامني مع غزة، لكنه في جوهره حملة ممنهجة ضد المغرب، تستهدف رموزه ومواقفه، وتزامنت مع تحضيرات لزيارة مسؤول فرنسي رفيع إلى الجزائر لتوقيع صفقة إدارة موانئها.
وفي الوقت الذي يُرفع فيه شعار نصرة القضية الفلسطينية، تتحرك الجزائر لتقوية موقعها في التجارة البحرية، في منافسة مباشرة مع المغرب، الذي بات رقماً صعباً في مجال اللوجستيك والموانئ.
أما قطر، فاختارت أدوات أخرى، أكثر نعومة وأشد تأثيراً، الإعلام الممول من الدوحة، وعلى رأسه قناة الجزيرة، كثف من حملاته على ميناء طنجة، قبل أن تتوسع لتشمل باقي الموانئ المغربية، مستخدماً الخطاب الديني وورقة التطبيع لاستثارة الشارع المغربي. هذا التصعيد الإعلامي تزامن مع زيارة أمير قطر إلى موسكو، حيث ناقش مشروعاً لربط بلاده تجارياً بروسيا والهند، في محاولة لإنشاء ممر بديل عن الممر العالمي المقترح عبر المغرب، المعروف باسم IMEC. الرسائل واضحة: ما يُبث للجمهور حول فلسطين لا يعكس حقيقة التحركات على الأرض، والتي تركز أساساً على خلق ممرات بديلة تقوض موقع المغرب الاستراتيجي.
في الداخل المغربي، لا تنفصل هذه الدينامية عن تحركات فاعلين محليين مثل حزب العدالة والتنمية، الذي قرر استضافة ممثلي حركة حماس في مؤتمره المقبل، رغم أن قطر نفسها كانت قد تبرأت من الحركة في الإعلام الأمريكي، بعد اتهامها بالضلوع في أحداث 7 أكتوبر. بينما تراجعت كل الدول العربية خطوة للوراء، حرصاً على علاقاتها مع واشنطن، استمر التيار الإسلاموي المغربي، بدعم ضمني، في فتح الأبواب لخطاب يتقاطع مع الأجندة القطرية.
كل هذه الأحداث لا يمكن قراءتها إلا ضمن سياق أوسع، عنوانه الصراع على الممرات التجارية الجديدة ومناطق النفوذ الاستراتيجي. المغرب، الذي يستعد لإطلاق مشروع أنبوب الغاز مع نيجيريا، وجد نفسه في مواجهة مقترح قطري مضاد، عُرض سريعاً على أبوجا لتمويل خط غاز بديل يمر عبر الجزائر. وبهذا، تحاول الدوحة الحد من قدرة المغرب على التحول إلى بوابة الغاز الإفريقي نحو أوروبا، وهو ما يتعارض مع مصالح قطر كمصدر رئيسي للغاز.
يتقاطع هذا الصراع الاقتصادي مع رهانات سياسية دولية. الولايات المتحدة تسابق الزمن لطيّ ملف الصحراء الغربية لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي، ضمن رؤية كبرى لإعادة تشكيل النظام الإقليمي على أسس جديدة.
المغرب، الإمارات، وأذربيجان يشكلون رؤوس مثلث هذه الخطة، كل منهم في موقع جغرافي استراتيجي، يشكل جسراً لربط إفريقيا، الخليج، وآسيا الوسطى، في مواجهة النفوذ الصيني والروسي. ومن هنا، فإن إنهاء نزاع الصحراء سيكون بمثابة تتويج لدور مغربي جديد في خريطة العالم.
لكن هذا السيناريو يقلق قطر بشدة، أولاً، لأنه قد يدفع دولاً أخرى للالتحاق بمبادرة إبراهيم، وبالتالي تسريع مسار تسوية فلسطينية شاملة تقوض دور الدوحة كوسيط وحيد، ثانياً، لأن نجاح المغرب في غرب إفريقيا وغرب أوروبا، سيخلق له قاعدة نفوذ اقتصادية صلبة، تجعل من الفوسفاط والغاز والمعادن النادرة سلاحاً جيو-اقتصادياً ينافس الغاز القطري نفسه، وثالثاً، لأن النموذج المغربي، القائم على الملكية والديمقراطية والحكم الذاتي، يناقض كلياً سردية الخلافة والتيارات الإسلاموية التي تغذيها قطر في العالم العربي.
تخشى قطر أن يتحول المغرب إلى منصة مكتملة السيادة، قادرة على الدفاع عن مصالحها في وجه الحملات الإعلامية والضغوط السياسية، وقادرة على الشراكة الاستراتيجية مع القوى الكبرى دون الحاجة لوساطة.
كما تخشى أن يُسحب البساط من تحت قدميها، في حال فقدت ورقة "الدم الفلسطيني"، التي لطالما وظفتها كدرع سياسي يحميها من تقلبات الإقليم، ويمنحها دوراً يفوق حجمها الطبيعي.
بكل هذه الخلفيات، يبدو أن استهداف المغرب لم يكن خياراً محسوباً، بل مغامرة محكومة بالرهبة من مستقبل لم يعد تحت السيطرة. والمفارقة أن المغرب، الذي اتخذ موقفاً متزناً خلال أزمة حصار قطر، لم يكن خصماً لسياسات الدوحة، بل شريكاً محتملاً في بناء منظومة تعاون بديلة. لكن قطر اختارت معاداة المنطق، والانخراط في صراعات خاسرة، بدل أن تستثمر في شراكة رابحة.
من المؤسف أن تتحول فلسطين من قضية جامعة إلى ورقة تستعمل في تصفية حسابات إقليمية. ومن المؤسف أكثر، أن يُستخدم الدم الفلسطيني لإضعاف دول عربية طامحة، فقط لأن صعودها يشكل تهديداً لصورة نمطية أرادت قطر أن تحتكرها. المغرب اليوم لا يطلب من أحد أن يقف إلى جانبه، لكنه لا يقبل أن يُطعن من الخلف تحت غطاء النضال، وهو يعلم جيداً كيف يميز بين مناصرة فلسطين، ومن يستعملها لتصفية حسابات ضيقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 10 ساعات
- أخبارنا
"بحار" تبرّئ ذمة مجلس "الزمزامي" من أزمة "الأزبال" التي تسببت في احتجاجات عارمة بتمارة
كما أشرنا إلى ذلك في موضوع سابق، تعيش مدينة تمارة منذ أسابيع على وقع أزمة بيئية غير مسبوقة، بفعل التراكم المهول للأزبال في الشوارع والأحياء، وانبعاث الروائح الكريهة، في مشهد أثار موجة من الغضب الشعبي والاستياء العارم في صفوف الساكنة. هذه الوضعية دفعت فعاليات جمعوية ومتابعين للشأن المحلي إلى دق ناقوس الخطر، معتبرين أن ما يجري تجاوز كل الخطوط الحمراء في ما يتعلق بالصحة العامة وكرامة العيش. وقد سبق لموقع "أخبارنا" أن تطرق لهذا الموضوع في مقال نشر أمس الخميس، سلط فيه الضوء على تفاقم الوضع البيئي، ونقل غضب المواطنين إلى جانب الإشارة إلى تدوينة قوية للمستشار الجماعي السابق "سعيد بولخير" عن حزب العدالة والتنمية، الذي اعتبر ما يجري "عجزًا فاضحًا عن تدبير قطاع حيوي"، متهمًا المجلس الجماعي بالتقاعس و"الانشغال بجمع النصاب لدوراته المؤدى عنها بدل معالجة الكارثة التي تعيشها المدينة". وفي تفاعل مباشر مع ما ورد في المقال السابق، توصل موقع "أخبارنا" باتصال هاتفي من "مريم بحار"، نائبة رئيس جماعة تمارة المكلفة بتتبع تدبير قطاع النظافة، قدّمت من خلاله توضيحات مهمة، مؤكدة أن المجلس الجماعي الحالي لا يتحمل مسؤولية اختيار شركة "أوزون"، التي فُوّض لها تدبير القطاع. كما أوضحت أيضا أن العقد وُقّع في عهد المجلس السابق في يوليوز 2021، الذي كان يرأسه "موح الرجدالي" عن حزب العدالة والتنمية، والذي كان يضم المستشار "بولخير" ضمن أعضائه، معتبرة أن "الحديث عن فشل المجلس الحالي في هذا الشأن فيه كثير من المغالطة". وقالت بحار: "نحن ورثنا هذه الشركة، لا علاقة لنا باختيارها، لم نحدد دفتر التحملات ولا الشروط ولا كناش العقد، نحن اليوم نحاول فقط تدبير الوضع بالحد الأدنى من الأضرار الممكنة، وفق ما يسمح به القانون". وبحسب "بحار"، فإن السنوات الثلاث الأولى من التعاقد مرت بشكل طبيعي، وكانت خدمات النظافة تؤدى بانتظام، بشهادة مختلف المتدخلين. غير أن الأمور بدأت تأخذ منحى سلبيًا منذ مطلع السنة الجارية، وتفاقمت بشكل لافت خلال الأسابيع الأخير، وهو ما أكدته مصادر مطلعة، ربطت الأزمة بدخول مالك الشركة، رجل الأعمال "عزيز البدراوي"، السجن على خلفية قضايا أخرى، مما تسبب في ارتباك واضح في تدبير الشركة لمختلف المرافق المفوضة لها بجماعة عديدة، وليس فقط في تمارة. وأشارت المسؤولة الجماعية إلى أن الشاحنات التي تستخدمها الشركة في تمارة أصبحت تعاني من أعطاب ميكانيكية مزمنة، بعد أن توقفت الشركة المتعاقدة سابقًا لصيانة هذه الآليات عن تقديم خدماتها، بسبب تراكم الديون في ذمة "أوزون". وهو نفس الإشكال الذي تعاني منه مجموعة من الجماعات أخرى المتعاقدة مع "أوزون" وفق ما أكدته مصادر مطلعة، أكدت أن بعضا منها باتت تواجه شللا أكبر، بلغ حد عجز الشركة حتى عن توفير المحروقات لشاحناتها. ومع ذلك، أكدت "بحار" أن المجلس الجماعي لم يقف مكتوف الأيدي، بل يواصل القيام بدوره من خلال المراقبة اليومية والتتبع المستمر للقطاع. وأبرزت أنه يتم تسجيل كل الإختلالات وفق ما ينص عليه دفتر التحملات، ويتم استصدار غرامات مالية يومية ضد الشركة المفوض لها، مشيرة على سبيل الذكر إلى أن الغرامات المفروضة خلال الشهر الماضي فقط بلغت نحو 30 مليون سنتيم. وقالت بحار: "نحن لا نتساهل مع أي تقصير. منذ بداية الأزمة ونحن نوجه إنذارات متكررة، ونفرض الغرامات، ونجتمع يوميًا مع ممثلي الشركة ومكتب الدراسات والسلطات الإقليمية بحثًا عن حلول عاجلة. الوضع مقلق، نعم، لكنه ليس نتيجة صمت أو تقصير منا". وعن احتمال فسخ العقد مع الشركة، أوضحت "بحار" أن الأمر ليس بهذه السهولة القانونية، لأن الفسخ من جانب واحد قد يفتح الباب أمام نزاعات قضائية مع الشركة، ما قد يربك بشكل أكبر تدبير المرفق العمومي. لكنها شددت في المقابل على أن الجماعة تدرس كل السيناريوهات الممكنة، ضمنها البحث عن حلول بديلة في حال فشلت الشركة في استعادة قدرتها التشغيلية. وختمت "مريم بحار" تصريحها بنبرة حاسمة قائلة: "أولويتنا هي المواطن، وحقه في العيش في بيئة نظيفة وسليمة. وإذا لم تعد الشركة قادرة على أداء التزاماتها، سنتصرف بما يلزم لحماية مصلحة الساكنة، وبتنسيق تام مع السلطات".


اليوم 24
منذ يوم واحد
- اليوم 24
ابن كيران يتهم حكومة أخنوش بإفشال ملتمس الرقابة ويحذرها من تداعيات ذلك
تعليقا على مصير ملتمس الرقابة الذي فشل في إسقاط حكومة أخنوش، حذر عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، حكومة أخنوش من مغبة تداعيات إفشال ملتمس الرقابة، نافيا أن يتم وصف ما جرى بـ »الفشل »، مؤكدا أن ما قام به من مساعي سياسية لإنجاح تقديم الملتمس هو واجب قام به قدر الاستطاعة. واتهم ابن كيران على هامش ندوة صحفية نظمها حزبه مساء اليوم الخميس، الحكومة، بالقيام بـ « الألاعيب » لإفشال ملتمس الرقابة ولجنة تقصي الحقائق حول « فراقشية الأغنام »، فهي لا تعلم، يضيف زعيم « البيجيدي »، أنها لا تساهم في تقدم البلاد حسب وجهة نظرها، وإنما هي وفق تحليل ابن كيران، تقوم بتكسير الأقدام التي تقوم عليها، وتأتي النتائج بعد ذلك بادية في ترتيب المغرب في التعليم والحريات والتنمية البشرية وفي مختلف المجالات… ساعتها، يضيف المسؤول الحزبي قائلا: « إيوا تجبد الخرايف البايتة… وشوف ديك الساعة واش المغاربة غادين يصدقوها!!؟. ساعتها، يشدد ابن كيران، فإن الواقع سيخرج للحكومة بأسنان بادية وبمخالب، وستجد صعوبة في صده مرة أخرى وما بالعهد من قدم، يضيف ابن كيران. وقال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بالأمس القريب كنا على أبواب فوضى عارمة مع 20 فبراير، من قبله أكثر من مرة… واستغرب ابن كيران لموقف مدبري الشأن العام بالمغرب لماذا يصرون على طريقتهم في التدبير، قائلا: « لا أعلم لماذا هؤلاء الناس الذين يدبرون باقي مهداهمش الله سبحانه، أنه من مصلحتنا كشعب نتعاونو ونوصلو للقيادات المحترمة ونتخذو القرار المعقول ونطبقو الديمقراطية، كل هذا نجد عكسه للأسف… ها بلوكاج… ها ملتمس الرقابة نطيحوه، ها انتخابات 2021… إلخ … إلخ… يتحسر ابن كيران. ابن كيران وهو يسرد تفاصيل ما جرى حول التراجع عن تقديم ملتمس الرقابة في ندوة صحفية بثها حزب العدالة والتنمية على منصات التواصل الاجتماعي التابعة له، عاب أولا على الرأي العام المغربي عدم اهتمامه بالسياسة في بعض الحالات، في الوقت الذي يجب أن يهتم بها دائما، وأن يعبر عن رأيه وأن يشارك في الانتخابات، ويختار حسب الضمير والأخلاق والمبادىء والقيم والكفاءة، لأن السياسة هي التي تحدد كل شيء في حياتهم بعد قدر الله… والسياسيون يتخذون القرارات تحت سقف الممكن. لا يمكنهم أن يفعلوا ما يشاؤون بطبيعة الحال، هناك إكراهات على مستوى الدولة والخارج. لكن الهامش الموجود في السياسة هو مهم جدا… من بعد كل هذا يأتي المواطنون يشتكون، اسمحوا لي… لا تهتمون بالسياسة، والبعض منكم يبيع صوته… وكشف ابن كيران، أنه كانت قناعة داخل صفوف المعارضة، تقول بأنه من شبه المستحيل أن يؤدي ملتمس الرقابة إلى إسقاط الحكومة، كما هو هدفه المعلن سياسيا، ومع ذلك مثل هذه الأمور لا يكون فيها اليقين … ما تعرف!!. يضيف ابن كيران. وأوضح زعيم « البيجيدي »، أن أحزاب المعارضة تقدمت خطوات، لكن اعترف ابن كيران بوقوع خلافات، وقال: « كان اتفاق بين الفرق الثلاثة والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية على الاجتماع يوم الأحد الماضي، لكن مسؤول فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يفاجئنا الجمعة بإعلان الانسحاب من هذه المبادرة، ولم يعد أمام هذا القرار إمكانية تقديم ملتمس الرقابة أمام البرلمان ».


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أخبارنا
بالصور.. تمارة تحت حصار الأزبال والروائح الكريهة والساكنة تنتفض في وجه المسؤولين وتطالب بحلول عاجلة
تعيش مدينة تمارة خلال الأسابيع الأخيرة وضعًا بيئيًا كارثيًا غير مسبوق، وسط صدمة واحتقان في صفوف الساكنة بسبب الانتشار المهول للنفايات في الشوارع والأزقة، وتفشي الروائح الكريهة، وغياب شبه تام لخدمات الكنس وجمع الأزبال، ما حول المدينة إلى فضاء خانق وغير صحي. هذا الوضع دفع فعاليات جمعوية وسكانًا ومتابعين للشأن المحلي إلى دق ناقوس الخطر، في ظل صمت مريب من المجلس الجماعي الذي أظهر عاجزًا عن الوفاء بأبسط التزاماته تجاه المواطنين. الوضع البيئي المتأزم الذي تعرفه تمارة جاء نتيجة خلل عميق في تدبير قطاع النظافة، الذي تم تفويته لشركة "أوزون"، المملوكة لرجل الأعمال عزيز البدراوي، القابع حاليًا في السجن على خلفية قضايا أخرى. الشركة تواجه اليوم مشاكل متراكمة باتت تهدد استمرارية خدماتها، إذ تؤكد المعطيات أن معظم شاحنات جمع النفايات أصبحت في وضعية ميكانيكية متدهورة، ولم تعد صالحة للاستعمال اليومي، بعدما توقفت الشركة المتعاقدة معها سابقًا لصيانة هذه الآليات عن تقديم خدماتها، بسبب تراكم الديون في ذمة "أوزون"، ما أدى إلى شلل جزئي في عمليات النظافة وخلق اختلالات خطيرة في سير المرفق العمومي المفوض. وفي خضم هذه الأزمة، تساءل العديد من المتابعين عن صمت المجلس الجماعي، وعدم تفعيله لبنود دفتر التحملات، التي تنص صراحة على فرض غرامات ثقيلة عند الإخلال بشروط النظافة، كما هو الحال عندما تُترك أحياء بكاملها دون تنظيف، أو تتراكم النفايات في النقط السوداء دون رفعها. التقديرات تشير إلى أن الغرامات الشهرية التي تستحقها الجماعة على الشركة قد تجاوزت ثلاثين مليون سنتيم، ما يجعل استمرار الوضع على ما هو عليه بمثابة تبديد محتمل للمال العام، وخرق لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ووسط هذا الصمت، برزت أصوات غاضبة من داخل المدينة، كان أبرزها المستشار الجماعي السابق "سعيد بولخير" عن حزب العدالة والتنمية، الذي وصف ما يحدث بأنه عجز فاضح عن تدبير قطاع حيوي رغم تفويضه بميزانية ضخمة تناهز 7 مليار سنتيم. وقال "بولخير" في تدوينة لاقت تفاعلًا واسعًا: "منذ أسابيع، تتراكم الأوساخ، تنتشر الروائح الكريهة، والمجلس الجماعي في سبات منشغل بجمع النصاب لدوراته المؤدى عنها.. لا بلاغ، لا تواصل، ولا حتى اعتذار بسيط." وأضاف: "لم نعد قادرين على الصمت، لا نريد التعود على القبح والروائح. فلنحوّل صمت المسؤولين إلى صوت احتجاجي". هذا الوضع البيئي المختنق، الذي حول حياة ساكنة تمارة إلى جحيم يومي، يستوجب بحسب فعاليات محلية، تدخلاً عاجلًا من طرف عامل الإقليم "مصطفى النوحي"، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات مستعجلة، وفي مقدمتها تفعيل مسطرة فسخ العقد مع الشركة المفوض لها، وفتح مشاورات جديدة لإعادة تدبير القطاع بما يليق بكرامة المواطنين وحقهم في بيئة سليمة، مشددة (فعاليات محلية) على أن الاستمرار في هذا العبث لم يعد مقبولًا، وأي تأخر إضافي قد يفاقم من حجم الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية التي تخنق المدينة كل يوم.