
تحقيق لبي بي سي يكشف عن شبكات خارجية تغذّي الطائفية وخطاب الكراهية في سوريا
كشف تحقيق استقصائي أجرته بي بي سي عن شبكات من الحسابات الخارجية تنشط على منصة إكس، تعمل على تأجيج الطائفية ونشر خطاب الكراهية، إلى جانب ترويج معلومات مضللة حول الأوضاع في سوريا.
وأوضح التحقيق أن هذه الشبكات تُدار بشكل منسّق ومنهجي، ضمن حملات إلكترونية استهدفت الحكومة السورية وبعض الأقليات، بالتزامن مع التغيرات السياسية التي تشهدها البلاد.
وقد تمكّن فريق بي بي سي لتقصي الحقائق من تتبّع نشاط هذه الحسابات من خلال رصد أكثر من مليوني منشور مرتبط بالأحداث في سوريا، منذ سقوط نظام بشار الأسد.
وقام الفريق بتحليل عينة تشمل أكثر من 400 ألف منشور على منصة إكس (المعروفة سابقاً باسم تويتر).
وارتبطت المنشورات بحملات تضليل وخطاب كراهية واسعة النطاق من قِبل منتقدي ومؤيدي الإدارة السورية الجديدة.
وكشف التحقيق عن أساليب تلاعب تستخدمها بعض الحسابات، مثل تفعيل الحسابات المبرمجة والوهمية، والاستغلال الخوارزمي للسيطرة على الخطاب الإلكتروني. كما شملت تكتيكات شائعة مثل النشر المتزامن، وإعادة نشر المحتوى القديم، ونسج روايات ملفقة للتأثير على الرأي العام.
حملة تضليل تستهدف الإدارة السورية الجديدة
فحص فريق بي بي سي لتقصي الحقائق، 50 ألف منشور يحتوي على ادعاءات كاذبة أو غير موثوقة ضد الإدارة السورية الجديدة، وتبيَّن أن 60 في المئة من هذه المنشورات صادر عن حسابات حددت أدوات التحليل موقعها الجغرافي خارج سوريا، خاصةً في العراق واليمن ولبنان وإيران.
على سبيل المثال، في 9 مارس/آذار، نشرت حسابات متعددة ادعاءً كاذباً يفيد بأن كاهن كنيسة مار إلياس قد أُعدم على يد "عصابات الجولاني".
وفي غضون ساعة، انتشرت منشورات متطابقة بنفس الصياغة والصور عبر منصة إكس، مستغلة خوارزميتها لجذب المزيد من الاهتمام. ونفت الكنيسة الحادثة فيما بعد.
ومن الأساليب الشائعة الأخرى التي تستخدمها هذه الحسابات إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة لا علاقة لها بالأحداث الحالية، وتقديمها زوراً على أنها مرتبطة بأحداث حديثة.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2024، انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو يُزعَمُ أنه يُظهِر رجلاً يُدمّر تمثالاً للسيدة مريم العذراء، مع مزاعم بأن "عصابات الجولاني" هي المسؤولة.
حظي الفيديو - الذي انتشر بشكل واسع عبر حسابات تم تحديد موقها الجغرافي في العراق تنشر منشورات مؤيدة للقيادات الشيعية - بآلاف المشاهدات.
إلا أن الفيديو يعود في الأصل إلى عام 2013، ولا علاقة له بالأحداث الأخيرة.
مؤشرات على التلاعب المُنسّق
وتظهر هذه الحسابات عدة مؤشرات على التلاعب المُنسّق.
وبعضها ينشر محتوىً متزامناً أو يشارك المنشورات نفسها في التوقيت ذاته، فيما يبدو أنه استخدام لبرامج روبوتية أو حملات منظمة.
يتضح هذا النمط في أسماء المستخدمين، حيث تتبع العديد من الحسابات تسلسلاً رقمياً، مثل "قاصف 1" و"قاصف 2" و"قاصف 3". ويُستخدم هذا التكتيك لإغراق النقاشات بسيل من المنشورات المكررة والموجهة.
علاوة على ذلك، تحمل العديد من الحسابات أسماء تتكون من أحرف وأرقام عشوائية، وهي سمة شائعة في شبكات الروبوتات والحسابات المزيفة.
وإلى جانب الحملات الإلكترونية المناهضة للحكومة السورية، رصدت بي بي سي حملة مؤيدة للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، شملت أكثر من 80 ألف منشور من حسابات تركزت في تركيا والسعودية.
تسعى هذه المنشورات إلى تحسين صورة الشرع وتصويره كقائد إصلاحي، باستخدام عبارات متطابقة أو معدلة قليلاً.
وتظهر الشبكة المؤيدة، مثل نظيرتها المناهضة، مؤشرات واضحة على التلاعب الإلكتروني المنسق.
وتنخرط بعض الحسابات في نشاط مكثف ومريب، يثير شكوكاً بشأن الأتمتة (النشر الذاتي) أو حملات التأثير المنظمة.
تحريض على العنف ضد الأقليات
وشهدت عدة مناطق في الساحل السوري في مارس/آذار الماضي أحداث عنف استهدفت مدنيين من الطائفة العلوية، وقد وثق "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" بالأسماء مقتل 1169 مدنياً في تلك الأحداث.
وبالرغم من توثيق منظمات حقوقية عدة لحالات قتل وعنف ضد أقليات، إلا أن أبرز الروايات المناهضة للحكومة تضمنت تقارير ملفقة تم تداولها بشكل كبير.
وتحتوي العديد من محادثات التواصل الاجتماعي بشأن سوريا على خطاب تحريضي وانقسام طائفي، وغالباً ما تشهد تصاعداً يتزامن مع أحداث العنف على الأرض.
فقد كشفت بي بي سي عن وجود شبكة من الحسابات تنشر خطاب كراهية وتحريض ضد الطائفة العلوية في سوريا.
ونشرت هذه الحسابات نحو 100 ألف تعليق منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وحتى اليوم، تضمّنت عبارات مسيئة ومحرضة ضد العلويين، وحُدِّد الموقع الجغرافي لهذه الحسابات في كل من السعودية وتركيا.
وتستخدم هذه الحسابات مصطلحات ذات طابع تحريضي عند الحديث عن العلويين، من بينها: "النصيرية"، "كفّار"، "الطغمة العلوية"، وغيرها.
وقد وردت كلمة "كفّار" في أكثر من 50 ألف تعليق، في حين تكررت كلمة "مجرمين" في أكثر من 48 ألف تعليق موجه ضد العلويين.
وتضمّنت هذه التعليقات اتهامات للعلويين بأنهم "مجرمون" و"عصابات"، فيما شملت بعض التعليقات على تحريض صريح على "القتل".
تتّبع هذه الحسابات نمطاً متطابقاً في النشر، إذ تقوم بنشر منشورات متماثلة خلال فترات زمنية قصيرة، بهدف إغراق المحادثات على منصة إكس بخطابها.
وتستخدم هذه الحسابات، التي يتابع بعضها البعض، لغة ومفردات متكررة في التعبير عن آرائها، مما يشير إلى وجود تنسيق مسبق بينها. كما أن العديد من أسماء الحسابات تتكوّن من مزيج عشوائي من الأرقام والحروف، ما قد يدلّ على أنها حسابات وهمية أُنشئت لغرض محدد، يتمثل في نشر محتوى معيّن بطريقة ممنهجة.
وتقوم العديد من هذه الحسابات بإعادة نشر محتوى من حسابات أخرى، مما يشير إلى وجود تضخيم منسق للروايات المناهضة للعلويين.
في مثال آخر، رصدت بي بي سي سيلاً من المنشورات الطائفية على منصة إكس تحتوي على سرديات تحريضية، بالتزامن مع أحداث العنف التي شهدتها مدينة جرمانا في ريف دمشق خلال أبريل/نيسان الماضي.
وتعود جذور التصعيد إلى تسجيل صوتي مفبرك، نُسب لأحد مشايخ الطائفة الدرزية في سوريا، تضمن إساءات للنبي محمد، ما تسبب في اندلاع اشتباكات عنيفة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
وقد نُسب التسجيل للشيخ مروان كيوان، الذي نفى بشكل قاطع علاقته به، مؤكداً أن الهدف من نشره هو زرع الفتنة بين مكونات المجتمع السوري، وهو ما أكدته أيضاً وزارة الدفاع السورية، مشيرة إلى أن التسجيل لا يعود له وأنه مزور.
وفي حديثه لبي بي سي، يرى الشيخ مروان أن التسجيل المفبرك الذي نسب إليه كان لتبرير "إبادة الشعب الدرزي، بعد الانتهاكات التي واجهها الشعب العلوي"، حسب وصفه.
وقد كشف تحقيق لبي بي سي عن انتشار دعوات للقتل وخطابات كراهية عبر منصات التواصل خلال أحداث العنف في جرمانا، نُشرت بداية من حسابات داخل سوريا، ثم أُعيد ترويجها من حسابات في دول أخرى، منها العراق والسعودية.
"استقطاب شديد"
وفي حديثه لبي بي سي، وصف رسلان تراد، الباحث في مختبر أبحاث الأدلة الرقمية (DFRLab)، النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي حول سوريا بأنها "بيئة معقدة، مجزأة، وذات استقطاب شديد"، مشيراً للانقسامات العميقة القائمة على أسس طائفية وسياسية وإقليمية.
وأضاف أنه مع سقوط النظام السوري السابق، تصاعدت السرديات المتنافسة حول مستقبل البلاد، حيث يسعى المستخدمون إلى "تضخيم أجنداتهم الخاصة" على منصات التواصل، لا سيما على منصة إكس التي تشهد تصاعداً في الخطاب الطائفي، حيث يُعاد "تأطير النقاشات حول المكونات الدينية والطائفية بطرق تقسيمية وتحريضية، ما يعكس توتراً مجتمعياً متجذراً".
وقال تراد إن هناك دلائلَ تُشير إلى حملات تضليل طائفية منسقة عديدة تخدم أجندات إيرانية وإسرائيلية. وإن هناك حسابات يُعتقد أنها تُدار من تركيا والإمارات والسعودية ومصر، منخرطة في التأجيج الطائفي، إلى جانب وجود نشاط لافت للحسابات الروسية في هذا المجال.
وأكد تراد أن أعمال العنف الأخيرة، بما فيها الهجمات على الدروز والعلويين، تهيمن على الخطاب الرقمي، وغالباً ما تُؤطَّر طائفياً، ما يعزز من الدعوات للحكم اللامركزي وحماية الأقليات، في مواجهة خطاب حكومي يدعو للوحدة الوطنية وينكر الانقسامات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 15 ساعات
- BBC عربية
ماركو روبيو يحذر من حرب أهلية في سوريا ويبرر رفع العقوبات
تحدث وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في جلسة استماع لمجلس الشيوخ بشأن دعم السلطة الانتقالية في سوريا محذرا أن القيام بالعكس قد يجر البلاد لحرب أهلية بعد "أسابيع فقط". ودافع روبيو عن السرعة التي اتخذ بها ترامب قرار رفع العقوبات عن دمشق. يمكنكم مشاهدة الحلقات اليومية من البرنامج الساعة الثالثة بتوقيت غرينيتش، من الإثنين إلى الجمعة، وبإمكانكم أيضا الاطلاع على قصص ترندينغ بالضغط هنا.


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
هل هناك صراع خفي بين تركيا وإسرائيل في سوريا؟
مع تولي أحمد الشرع منصب الرئيس المؤقت في سوريا، لا يقتصر التغيير على الداخل السوري فحسب، بل يمتد ليعيد تحريك قطع الشطرنج الإقليمية من جديد. فشخصية الشرع وخلفيته السياسية والإيديولوجية، إضافة إلى الدعم التركي الواضح له، فرضت واقعا جديدا يتطلب من القوى الإقليمية إعادة تقييم مواقفها وتحالفاتها تجاه سوريا. وبدأت تتبلور ملامح منافسة جديدة بين قوتين نافذتين في المنطقة هما تركيا وإسرائيل. لم تخض هاتان القوتان مواجهة مباشرة على الأرض السورية أو أي أرض أخرى، إلا أن مصالحهما المتضاربة، تعني على الأرجح دخولهما في تنافس إقليمي محتدم خلف الكواليس يعيد رسم التوازنات داخل سوريا بالتحديد. الشرع بين طموحات أنقرة ومخاوف إسرائيل تحوّل الشرع، الشخصية التي برزت في المشهد السوري منذ سقوط نظام البعث، إلى عنصر مهم في المعادلة ما بعد الأسد. ولكونه سُنّياً ذا خلفية أيديولوجية وسياسية إسلامية، فقد شكّل خياراً مقبولاً لدى أنقرة، التي لطالما دعمت المعارضة السورية خلال سنوات الحرب الأهلية منذ عام 2011. ومنذ وصوله إلى رأس السلطة في دمشق، دعمته أنقرة بقوة، "بوصفه فرصة لترجمة نفوذها المحصور في شمال غربي سوريا إلى مكاسب سياسية في العاصمة دمشق، من خلال أدوات ناعمة مثل مشاريع إعادة الإعمار والتعليم وما إلى ذلك"، بحسب تصريحات فرانسيسكو بيلكاسترو، رئيس برنامج العلاقات الدولية في جامعة داربي في بريطانيا، لبي بي سي نيوز عربي. أما إسرائيل، فتبدي قلقها من صعود الشرع إلى رأس السلطة، معتبرةً إياه تهديداً أمنياً نظراً لخلفيته الجهادية وتحالفاته الإقليمية. البروفسور كوبي مايكل، وهو باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي ومعهد مسغاف في إسرائيل، يقول لبي بي سي نيوز عربي: " تنظر إسرائيل إلى تسلم الشرع السلطة في دمشق، كتحدٍّ مثير للريبة والشك، لكن مع إمكانية التوصل إلى ترتيبات أمنية معقولة، وربما حتى إلى تعاون أوسع يتجاوز الأمن، مع توخي الحذر الشديد وخاصة بعد تجربة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الدموية نظراً إلى سيرة وتاريخ الشرع. كما أن المشكلة الأكبر تكمن في الأتراك، نظراً لطموحاتهم الإقليمية من جهة، ودعمهم للفلسطينيين وخاصة حركة حماس؛ وقد نجد أنفسنا في صدام معها على المصالح الأمنية العليا في سوريا". ماذا تريد تركيا من سوريا؟ في 15 مايو/أيار، في مؤتمر صحفي خلال اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مقاطعة أنطاليا جنوب تركيا، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن أنقرة تتوقع من وحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) - الوفاء باتفاق أبرمته مع الحكومة السورية، ولا سيما أن الحزب الكردي أعلن عن حل نفسه ونزع سلاحه، وفقاً لوكالة رويترز. يقول فرانسيسكو بيلكاسترو لبي بي سي: "صحيح أن تركيا تحثّ حلفاءها في المنطقة وخارجها على تحسين علاقاتهم مع النظام السوري الحالي، ولا سيما أولئك القادرين على الإسهام مالياً في جهود إعادة إعمار البلاد، لكن يجب ألا ننسى أن ذلك يصبّ في نهاية المطاف في مصلحة أنقرة التي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها هناك بما يضمن لها دوراً في رسم مستقبل البلاد، ومنع أي تطورات سلبية بالنسبة لها، ولا سيما فيما يتعلق بالقضية الكردية". وفي تصريحات لبي بي سي نيوز عربي، يقول نيل كويليام، الخبير البارز في الجغرافيا السياسية والشؤون الخارجية، والباحث المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس في لندن: "تنبع الدوافع الرئيسية لأنقرة في دعم الشرع ، عدا حرصها على منع الأكراد السوريين من السعي إلى الاستقلال عن دمشق، إلى توسيع روابطها التجارية مع الأردن ودول الخليج، وإعادة تأكيد نفوذها الإقليمي في بلاد الشام". ويضيف: "تستخدم تركيا قوتها الناعمة إلى جانب أدوات القوة الصلبة في شمال غربي سوريا منذ عام 2018. ومثلما استخدمت هيئة تحرير الشام إدلب نموذجاً لحكمها في سوريا، فعلت تركيا الشيء نفسه. لذا، نتوقّع أن نرى نفوذها يمتدّ إلى مناطق أبعد، ما دامت تحافظ على خطٍّ محايد مع الشرع". لكن الباحث والكاتب السياسي السوري، بسام سليمان، ينفي مثل هذا النوع من التأثير، ويقول لبي بي سي نيوزعربي: "تركيا حليف استراتيجي، ونحن نتحرّك ضمن إطار متوازن يخدم المصالح المتبادلة. صحيح أن تركيا دعمت ولا تزال تدعم فصائل الجيش الوطني في الشمال السوري، وحافظت على وجودها هناك لفترة طويلة، إلا أنني أؤكد أن معركة "ردّ العدوان"، التي انطلقت في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لم تكن مدعومة من تركيا، بل على العكس، كانت لديها مخاوف من فشل تلك العملية، وانعكاس ذلك سلباً على الاستقرار النسبي في المنطقة." ويُضيف سليمان: "بعد التحرير، استمرت العلاقة مع أنقرة، لكنها لا تمارس نفوذاً كبيراً في الشأن السياسي الداخلي، بل إن تدخلاتها محدودة، وتتركّز في إطار التحالفات الإيجابي". ويعطي سليمان مثالا بما يصفه بالـ "تفاهم الواضح" بين دمشق وأنقرة بشأن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لكن بمقاربات مختلفة؛ "إذ تفضّل الأولى المسار السلمي، بينما تميل أنقرة إلى خيارات أكثر حسماً. ومع ذلك، استجابت أنقرة في نهاية المطاف لمسار تسليم الجيش الوطني، المدعوم تركياً وقطرياً، إلى الإدارة السورية الجديدة، وهو ما يُبرز مستوى التنسيق القائم من دون فرض نفوذ سياسي مباشر". تنسيق أمني أم صراع نفوذ؟ شكّلت التحولات المتسارعة في المشهد السوري، بما في ذلك لقاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالرئيس السوري، أحمد الشرع، في الرياض، بوساطة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منعطفاً مهماً في مسار سوريا التي لا تزال تُعاني من آثار حرب استمرت أربعة عشر عاماً. وتسعى إسرائيل لضمان أمنها القومي عبر بناء توازنات جديدة، ولو تطلب الأمر تقبّل قيادة أحمد الشرع، ما دام لا يهدد مصالحها. ويرى البروفيسور كوبي مايكل "أن إسرائيل تحاول التوصل إلى تفاهمات أساسية مع تركيا، تتجاوز ما تحقق مع روسيا، بهدف تقاسم المسؤولية الأمنية في سوريا، خصوصاً في ظل التخوف من أن يؤدي الانتشار العسكري التركي وخاصة الجوي، إلى تقييد حرية العمليات الإسرائيلية، لا سيما ضد النفوذ الإيراني". لكن الباحث بيلكاسترو يشير إلى أن "الموقف الإسرائيلي تجاه تركيا متذبذب بين لهجة تصالحية وأخرى عدائية، ما يعكس التردد في فهم مدى تقاطع أو تضارب المصالح بين الجانبين". يرى مايكل أن "أنقرة لا تسعى إلى نموذج إسلامي ديمقراطي في سوريا، بل إلى إسلام بروح تركية، قريب من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما قد يشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل". ويطرح بيلكاسترو مقاربة مختلفة، مفادها "أن تركيا وإسرائيل حافظتا على علاقات وظيفية رغم التوترات، بل قد تكون هناك أرضية مشتركة إقليمية، خاصة مع زوال التهديد الإيراني المباشر في سوريا، ودور تركيا في دعم النظام الجديد". وفي المحصلة، تجد إسرائيل نفسها أمام مشهد سوري يتغير جذرياً، تتقاطع فيه الأجندات التركية والإسرائيلية، بين تنسيق ضروري ومخاوف متبادلة، وسط إعادة رسم لخريطة النفوذ في الشرق الأوسط. تنافس "مباشر" يرى نيل كويليام أن التنافس بين تركيا وإسرائيل أصبح الآن تنافساً مباشراً، مع أن أياً من الجانبين لم يُطلق عليه اسماً. ويقول لبي بي سي: "يتجلى هذا التنافس بشكل أوضح في مواقفهما الدبلوماسية، وقد رأينا كيف تستغل تركيا علاقاتها مع السعودية وقطر والآن مع الولايات المتحدة، لاستبعاد إسرائيل من الجهود الدبلوماسية الإقليمية". ويشرح نيل كويليام قائلاً: "من الواضح أن إسرائيل ترغب في الاستفادة من علاقاتها الجيدة مع الأكراد وخاصة بعد تفاقم التوترات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، كما استغلت الدروز في الجنوب أيضاً". ويرى كوبي مايكل أن إسرائيل تلزم نفسها بسلامة وأمن المكونين الدرزي والكردي "نظراً لوجود علاقات تاريخية لهما مع إسرائيل، إضافة إلى وجود قسم من المجتمع الدرزي في إسرائيل أيضاً، فضلاً عن أن كليهما يقاتلان الإسلام المتشدد الذي يهدد أمن إسرائيل، ومن خلال الحفاظ على علاقات جيدة مع هذين المكونين، تحتفظ إسرائيل بالخيارالعملي لتحسين قدراتها على مواجهة الإرهاب والنظام السوري المُعادي في حال أصبح هذا النظام كذلك". ما الشكل الأمثل لسوريا من منظوري تركيا وإسرائيل؟ تختلف رؤية تركيا لسوريا ما بعد الأسد، عن إسرائيل، إذ تسعى الأخيرة إلى "ضم سوريا إلى الاتفاقات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات معها، بما يخدم مصالحها الأمنية والسياسية"، بحسب مايكل. أما بالنسبة لتركيا، فيرى نيل كويليام أنها "ترغب في دولة موحدة ذات سيادة وطابع إسلامي وتحالف أيديولوجي مع أنقرة. وبالطبع، تُثير هذه الرؤية استياء إسرائيل، التي لا ترغب في حكومة إسلامية موالية لأنقرة على حدودها. لذا، ستبذل قصارى جهدها لتقويض رؤية تركيا وتعزيز هيمنتها الإقليمية على السياسة السورية، داعمةً الأقليات ليس فقط في نيل حقوقها من خلال تعزيز لا مركزية الحكومة، بل وفي تحقيق الحكم الذاتي أيضاً". تحديات بين تركيا وإسرائيل، تجد سوريا نفسها محاصرة بين قوتين لا يُستهان بهما. فكيف ستوازن الإدارة السورية الجديدة علاقاتها مع في ظل محيط إقليمي معقد؟ يقول الكاتب السياسي السوري، بسام سليمان: "لدى سوريا رؤية واضحة وهي النأي بنفسها عن أي توتر مع أي دولة جارة، بل التفرغ تماماً لإعادة إعمار وبناء سوريا جديدة". أما عن دعم تركيا للحركات الإسلامية مثل حماس وغيرها في سوريا، فيقول إن "هذا شأن تركي، وإذا كانت هناك قنوات بين تركيا وتلك الجماعات السياسية في سوريا، فبالتأكيد ستعمل الدولة السورية مستقبلاً على إنهائها". ويقول كويليام: "يعطي اجتماع أردوغان مع ترامب ومحمد بن سلمان وأحمد الشرع، مؤشرا واضحا على كيفية تشكيل تركيا لمواقف الولايات المتحدة ودول الخليج. وقد عزا ترامب قراره برفع العقوبات عن سوريا إلى النصيحة التي تلقاها من أردوغان وبن سلمان، وهو ما يتعارض مع رغبات إسرائيل. لكن حتى أنقرة، يمكن أن تواجه تحديات في اكتساب اعتراف أوسع بدورها القيادي في الوقت الحالي، لكن بمرور الوقت، ستنشأ تنافسات مع السعودية والإمارات اللتين ستكون لكل منهما رؤى مختلفة لمستقبل سوريا الجديدة".


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
وزير الخارجية الأمريكي يحذر من "حرب أهلية شاملة" وشيكة في سوريا
دعا وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إلى دعم السلطات الانتقالية في سوريا، محذراً من أن البلاد قد تكون على بُعد أسابيع فقط من "انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد ملحمية". وفي جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، دافع روبيو عن قرار الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي برفع العقوبات عن سوريا قبل لقائه بالرئيس أحمد الشرع - رئيس الفترة الانتقالية في سوريا-، والقائد السابق في تنظيم القاعدة الذي قاد هجوماً أطاح ببشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول. وأوضح روبيو أن مبرر ترامب هو أن دولاً أخرى أرادت مساعدة إدارة الشرع وإرسال المساعدات، لكنها كانت متخوفة من العقوبات. ولم يصدر أي تعليق فوري من دمشق على تصريحات الخارجية الأمريكية. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سوريا رداً على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الموالية للأسد خلال الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد على مدى 13 عاماً، وقُتل فيها أكثر من 600 ألف شخص وأُجبر 12 مليوناً آخرين على النزوح من ديارهم. كما أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أصرت سابقاً على استيفاء دمشق لعدة شروط قبل رفع العقوبات عنها، بما في ذلك حماية الأقليات الدينية والعرقية. ورغم وعد الشرع بذلك، إلا أن البلاد شهدت موجتين من العنف الطائفي المميت في الأشهر الأخيرة. ففي مارس/ آذار، قُتل ما يقرب من 900 مدني، معظمهم من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، على يد القوات الموالية للحكومة في جميع أنحاء المنطقة الساحلية الغربية خلال معارك بين قوات الأمن والموالين للنظام السابق، وفقاً لإحدى مجموعات الرصد. وأفادت التقارير بأن الموالين للنظلم السابق قتلوا ما يقرب من 450 مدنياً و170 من أفراد الأمن. وفي مطلع مايو/ أيار، أفادت التقارير بمقتل أكثر من 100 شخص في اشتباكات بين مسلحين من الأقلية الدرزية وقوات الأمن الجديدة ومقاتلين من الجماعات الإسلامية المتحالفة معها في ضاحيتين في العاصمة دمشق ومحافظة السويداء الجنوبية. وحتى قبل اندلاع أعمال العنف، كان العديد من أبناء الأقليات قلقين بشأن السلطات الانتقالية الجديدة، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، التي يقودها الشرع. وهي جماعة كانت تتبع في السابق لتنظيم القاعدة، وتصنفها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة كمنظمة إرهابية. كما لا يزال الشرع نفسه مُدرجاً في قائمة الولايات المتحدة "للإرهابيين العالميين المُصنفين بشكل خاص"، على الرغم من أن إدارة بايدن أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول أن الولايات المتحدة ستلغي مكافأة العشرة ملايين دولار، التي خصصتها لمن يساعد في اعتقاله. وعلى الرغم من ماضي الشرع، انتهز ترامب الفرصة لمقابلته أثناء حضوره قمة قادة الخليج في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي. وبعد اللقاء، وصفه الرئيس الأمريكي في تصريح للصحفيين بأنه "شاب جذاب"، مضيفاً أنه"رجلٌ قوي. له ماضٍ قوي. ماض قويّ جداً. ومقاتل". وقال "لديه فرصة حقيقية لتوحيد سوريا"، مضيفاً "أنها دولة مُمزّقة". في غضون ذلك، قال الشرع إن قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا "كان قراراً تاريخياً وشجاعاً، يُخفف معاناة الشعب، ويُساهم في نهضته، ويُرسي أسس الاستقرار في المنطقة". وفي حديثه أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في العاصمة الأمريكية واشنطن، الثلاثاء، قال روبيو مازحاً "الخبر السيء هو أن شخصيات السلطة الانتقالية. لم يجتازوا فحص خلفياتهم، الذي عادة ما يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي". وأضاف "لكن من ناحية أخرى، إذا تواصلنا معهم، فقد ينجح الأمر، وقد لا ينجح. في حين إذا لم نتواصل معهم، فمن المؤكد أن الأمر لن ينجح". وقال روبيو: في الواقع، نعتقد، وبصراحة، أن السلطة الانتقالية، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها، على بُعد أسابيع، وليس أشهر، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد ملحمية، أي تقسيم البلاد. ولم يُفصّل الوزير، لكنه قال إن أقليات سوريا "تعاني من انعدام ثقة داخلي عميق. لأن الأسد حرّض هذه الجماعات عمداً على بعضها البعض". وأضاف أن ترامب قرر رفع العقوبات بسرعة لأن "دول المنطقة ترغب في إيصال المساعدات، وتريد البدء بمساعدتها. لكنها لا تستطيع ذلك خوفاً من عقوباتنا". وفي سياق متصل، اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أيضاً. وكتبت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على منصة إكس "نريد مساعدة الشعب السوري في إعادة بناء سوريا جديدة، شاملة، وسلمية". وأضافت "لطالما وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب السوريين على مدار السنوات الأربع عشرة الماضية، وسيواصل ذلك". وقالت وزارة الخارجية السورية إن القرار يمثل "بداية فصل جديد في العلاقات السورية الأوروبية المبنية على الرخاء المشترك والاحترام المتبادل".