logo
بين طهران وتل أبيب: كيف ألغت التكنولوجيا المسافة في النزاع؟

بين طهران وتل أبيب: كيف ألغت التكنولوجيا المسافة في النزاع؟

الجزيرةمنذ 5 ساعات

لطالما شكّل البعد الجغرافي عاملًا حاسمًا في رسم موازين القوى والنزاعات العسكرية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تميزت بتضاريسها المتنوعة ومساحات شاسعة يصعب السيطرة عليها.
التحول في طبيعة الحروب يعيد تعريف مفهوم "المسافة"، لتصبح السيطرة على شبكات المعلومات، والخوارزميات، وأنظمة التحكم عن بُعد هي مفتاح التفوق العسكري، بدلًا من مجرد عدد الدبابات أو الجنود
بيدَ أن التطورات العسكرية الحديثة أظهرت أن المسافة بين الدول لم تعد عائقًا في الحروب، خصوصًا في الصراع المستعر بين إيران وإسرائيل.
الهجمات التي نفذها العدو الإسرائيلي مؤخرًا داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفة مواقع حساسة وأهدافًا إستراتيجية، جاءت لتؤكد قدرة التكنولوجيا المتقدمة على تجاوز الحواجز الجغرافية.
إذ لم تعد الحاجة ملحّة لحشد جيوش ضخمة أو لعمليات برية معقدة، بل باتت الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجهة بالذكاء الاصطناعي أدوات رئيسية تمكن من ضرب أهداف بعيدة بدقة متناهية وبخسائر محدودة.
وليس هذا فحسب، فالصراع في أوكرانيا يقدم نموذجًا آخر على تحول طبيعة الحروب، حيث تحولت ميادين القتال إلى ساحات افتراضية يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي، والهجمات السيبرانية، والطائرات المسيّرة، مما قلّص من أهمية المعارك التقليدية والمواجهات المباشرة.
هذا التحول يعيد تعريف مفهوم "المسافة" في الحروب، لتصبح السيطرة على شبكات المعلومات، والخوارزميات، وأنظمة التحكم عن بُعد هي مفتاح التفوق العسكري، بدلًا من مجرد عدد الدبابات أو الجنود.
في خضم هذا الواقع الجديد، تبرز أهمية الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية المتطورة، حيث تستطيع الدول التي تستثمر في البحث والتطوير وتطوير القدرات الذاتية أن تحقق تفوقًا نوعيًا، حتى وإن كانت جغرافيًا صغيرة أو محدودة الموارد.
في زمن باتت فيه المعارك تُحسم على الشاشات قبل أن تبدأ في الميدان، لا يمكن لأي دولة أن تعتمد على ترسانة من الأسلحة التقليدية دون دعمها ببنية تقنية متقدمة وقوة معلوماتية
تحليل المستقبل وتوصيات
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في الحروب، تظهر تحديات وفرص جديدة على الساحة العربية. فعلى الرغم من ثراء بعض الدول العربية بالموارد المالية، فإن الفجوة التكنولوجية لا تزال كبيرة، الأمر الذي يهدد أمنها واستقرارها في مواجهة تحالفات إقليمية ودولية متقدمة تقنيًا.
لذلك، لا بد من إعادة النظر في إستراتيجية الأمن القومي العربي، لتكون قائمة على:
الاستثمار في البحث والتطوير المحلي: تأسيس مراكز بحثية وشركات تكنولوجية دفاعية لتطوير حلول محلية تلبي الاحتياجات الأمنية.
بناء تحالفات تقنية وإستراتيجية: الدخول في شراكات مع دول تمتلك تقنيات متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطائرات المسيّرة، والدفاع السيبراني.
تطوير القدرات السيبرانية: تعزيز الدفاع السيبراني لحماية البنى التحتية الحيوية من الهجمات الرقمية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحروب الحديثة.
التدريب والتأهيل: إعداد أجيال جديدة من الكوادر العسكرية والمدنية القادرة على التعامل مع تقنيات الحرب الحديثة.
الرسالة واضحة: في زمن باتت فيه المعارك تُحسم على الشاشات قبل أن تبدأ في الميدان، لا يمكن لأي دولة أن تعتمد على ترسانة من الأسلحة التقليدية دون دعمها ببنية تقنية متقدمة وقوة معلوماتية.
إن الفارق بين الدول القوية والضعيفة اليوم، هو ليس في المسافة الجغرافية التي تفصل بينها، بل في مدى سيطرتها على أدوات الحروب الرقمية والذكية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائيلية
الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائيلية

الجزيرة

timeمنذ 12 دقائق

  • الجزيرة

الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائيلية

سلطت عملية "الأسد الصاعد" -الاسم الذي اختارته إسرائيل لهجومها العسكري على إيران في يونيو/حزيران 2025- الضوء على دلالات التسميات التي تطلقها إسرائيل على عملياتها العسكرية، خاصة مع تصاعد وتيرة استعانة الجيش الإسرائيلي بالنصوص التوراتية في هذا الشأن مع توالي السنوات. وحسب ما ينص عليه بروتوكول التسميات في النظام العسكري الإسرائيلي، فإن أي عملية قتال ينفذها جيش الاحتلال يجب أن تحمل اسما يطلق عليها، ويفتح لها ملف في أرشيف وزارة الدفاع الإسرائيلية يوثق أدق تفاصيلها والعبر المستخلصة منها. نشأة الفكرة ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، حرصت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على صياغة أسماء عملياتها بعناية، وعلى نحو يجعلها انعكاسا لرؤيتها الأيديولوجية وأداة تخدم أهدافها السياسية. وفي العقدين الأول والثاني من القرن الـ21، أصبحت الأسماء ذات الحمولة الدينية تهيمن على أكثر من 85% من العمليات العسكرية الإسرائيلية، في مؤشر واضح على تصاعد التيار الديني داخل المؤسسة العسكرية، خاصة بعد سيطرة التيار اليميني على مفاصل الحياة السياسية فيها. تستخدم إسرائيل هذا الانزياح نحو الرمزية الدينية أداة دعائية لتعزيز الشرعية الداخلية، وتعبئة المجتمع الإسرائيلي عاطفيا، وإضفاء طابع "القدسية" على المواجهات العسكرية، كما يكشف عن رؤية استعلائية تصور الصراع مع أعداء إسرائيل حربا دينية وتاريخية ممتدة منذ العهد التوراتي، بهدف تبرير العنف المفرط تحت شعارات " الدفاع عن النفس مقدس". في أكتوبر/تشرين الأول 1948 (النكبة)، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي اسم "يوآف" على إحدى كبرى عملياته العسكرية في فلسطين ، وهو اسم استمده من شخصية توراتية مهمة تدعى "يوآف بن صرويا"، وهو قائد جيش النبي داود، المعروف بشجاعته وكفاءته العسكرية حسب السردية الصهيونية. يربط هذا الاسم العملية العسكرية بـ"القوة والتاريخ البطولي لليهود" كما يعتقدون، ويضفي عليها شرعية دينية ووطنية، كما يحمل رسالة إلى الجنود والمجتمع الإسرائيلي تفيد بأنهم "يمشون على خطى قادة تاريخيين مقدسين"، مما يتوقع أن يرفع من منسوب الروح المعنوية ويقوّي الإحساس بالانتماء. وتقدم التوراة يوآف قائدا حازما وحكيما، واختيار الاسم يعكس رغبة الإسرائيليين في إظهار العملية خطوة حاسمة في تحقيق الأهداف العسكرية، إلا أنها في الوقت ذاته "إجراء مدروس ومخطط له ينم عن الحكمة ورجاحة العقل". عملية "السور الواقي" (2002) اعتمد الجيش الإسرائيلي هذا الاسم عنوانا لعمليته العسكرية أثناء اجتياح مدن الضفة الغربية في مارس/آذار 2002 بحجة حماية المستوطنات الإسرائيلية. تشير كلمة "السور" إلى جدار أو حاجز قوي يحمي من الاعتداءات، وهو رمز قديم للأمان والحماية من الخطر الخارجي، أما "الواقي" فيعني الحامي أو الدفاعي، مما يعطي انطباعا بأن العملية تهدف إلى الدفاع عن الأمن والاستقرار في الداخل الإسرائيلي ومنع التهديدات التي تستهدف دولة الاحتلال. ويحمل الاسم دلالة رمزية تفيد أن الجيش الإسرائيلي بنى "سورا يعزز حماية البلاد، ويصد الهجمات ويضمن سلامة الإسرائيليين"، مما يبرز "الجانب الدفاعي" للعملية ويعكس محاولة إسرائيل تقديم نفسها دولة تحمي حدودها وأمنها. كما يكتسي الاسم أيضا بعدا نفسيا، فاستخدام كلمة "السور" يعزز الشعور بالأمن والاستقرار لدى الجمهور الإسرائيلي، ويقلل من الطابع العدائي للعملية في الإعلام الدولي، إذ يدعي الاحتلال بأنها "رد ضروري لحماية النفس وليس اعتداء". الرصاص المصبوب (2008) عملية شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في الفترة من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2009، وينطوي اسمها على دلالات رمزية يتقاطع فيها ما هو عسكري بما هو ثقافي. وتشير التسمية إلى عملية صهر الرصاص وتشكيله علامة على القوة والصلابة، وتعكس رغبة إسرائيل في توجيه ضربة قوية ضد المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بهدف إضعاف قدراتها العسكرية. والرصاص المصبوب عنوان لأغنية عبرية ينشدها الأطفال بمناسبة عيد "الحانوكا" (عيد الأنوار)، تعبر كلماتها عن شجاعة المكابيين ، وهي جماعة يهودية متمردة قادت ثورة ضد الحكم السلوقي في يهودا أثناء القرن الثاني قبل الميلاد، رفضا للهيمنة الهلنستية ومحاولات فرض الثقافة الوثنية، مما جعلها رمزا للنضال الديني والقومي في الذاكرة اليهودية. تعكس التسمية رغبة إسرائيل في تشبيه جيشها بـ"المكابيين"، المدافعين عن الهوية اليهودية في محاولة لربط المعركة بالصراعات التاريخية لليهود، وتعزيز الأسطورة القومية لـ"المقاومة اليهودية". عمود السحاب (2012) عملية عسكرية شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012. يحمل الاسم دلالات توراتية واضحة، تعود إلى سفر الخروج "الإصحاح 13:21" وجاء فيه "خروج الرب ليسير أمام بني إسرائيل نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق". اسم "عمود السحاب" مستوحى من التوراة، إذ يُذكر أن بني إسرائيل أثناء فترة التيه في صحراء سيناء كانوا يتبعون "عمود السحاب" نهارا و"عمود النار" ليلا، ويتخذونه دليلا تنعكس فيه هداية الله وحمايته. ويعكس الاسم في السياق العسكري الإسرائيلي رمزا لـ"العقاب السماوي" أو "الانتقام الإلهي"، مما يكرس ما تعتبره إسرائيل طابعا عقابيا وردعيا للعملية ضد المقاومة الفلسطينية، كما يوحي الاسم بتبرير مبطن للعدوان واعتباره "مشيئة إلهية"، واستغلاله في خطاب إعلامي يعزز شعور المجتمع الإسرائيلي بـ"الحماية السماوية". حارس الأسوار (2021) عملية "حارس الأسوار" التي شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار 2021، ردا على عملية سيف القدس التي وجهت فيها المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية إلى العمق الإسرائيلي، على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ، وردا على المخططات الإسرائيلية الهادفة لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس. أطلقت إسرائيل هذه التسمية لدواع دينية عميقة، إذ يستمد اسم "حارس الأسوار" رمزيته من نبوءة إشعياء في التوراة، إذ ورد فيه "عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ" (إشعيا 62:6). تتحدث هذه "النبوءة" عن حراس يراقبون الأسوار دون انقطاع، في إشارة لحماية القدس والمقدسات اليهودية، مما يعكس ترويج إسرائيل "لالتزامها بحماية حدودها"، خاصة في ظل التصعيد الذي شهدته القدس آنذاك. السيوف الحديدية (2023) عملية عسكرية نفذها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردا على عملية " طوفان الأقصى"، وبدأت بقصف جوي مكثف على القطاع، ثم اجتياح بري تحول لاحقا إلى إبادة جماعية. استلهمت إسرائيل هذه التسمية من التوراة، فقد وردت السيوف أداة للعقاب الإلهي في نصوص مثل مزامير داود و إشعيا منها: "بِسَيْفٍ مِنْ حَدِيدٍ أُعَاقِبُهُمْ" (إشعيا-27:1). أرادت إسرائيل بهذه التسمية أن تصور هجومها على قطاع غزة على أنه حرب دينية تطهيرية بقيادة إلهية، وأن الجيش الإسرائيلي وسيلة إلهية للانتقام والعقاب، مركزة على فكرة الحسم المطلق والتدمير الكامل لمن تعتبره عدوا. تجسد "السيوف الحديدية" الغطرسة الإسرائيلية، وتعبر عن القوة الصلبة في معناها المطلق الذي ينتمي للعصور الوسطى المنفلت مما وصلت إليه الإنسانية من قواعد في القانون الدولي الإنساني تحكم الحروب. عربات جدعون (2025) أو " ميركافوت جدعون" بالعبرية، وهي عملية عسكرية تهدف إلى توسيع العدوان الإسرائيلي في غزة مطلع 2025، وتحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية، إذ سبق لإسرائيل أن أطلقت الاسم نفسه على إحدى عملياتها في "نكبة 1948" حين سيطرت على منطقة بيسان الفلسطينية وطردت سكانها. وجدعون كلمة عبرية تعني المصارع، وهو شخصية توراتية ذكرت في سفر القضاة، حاربت المديانيين "الذين سلطهم الله على بني إسرائيل لشر أفعالهم، فأمر الله جدعون بتخليص بني إسرائيل، وطلب منه هدم مذبح بعل فثار عليه قومه، ولم يقف معه منهم سوى القليل". وحسب ما ورد في التوراة (سفر القضاة-الإصحاح 7)، فإن جدعون قلَّص عدد جيشه من 30 ألفا إلى 300 مقاتل فقط، بناء على أمر إلهي باستبعاد "الخائفين" منهم، ورغم ذلك استطاعوا التغلب على جيش مدين -وهم بدو من الحجاز- وجعلهم يتراجعون إلى ما بعد نهر الأردن، وقضوا على ملوكهم ومن تبقى من جيشهم. ويشار لجدعون في الصحافة الإسرائيلية باعتباره بطلا قوميا أنقذ بني إسرائيل من جيش مدين المتطور آنذاك، إذ كانوا يجيدون قيادة الجمال، وعرفوا "بعنفهم وسرعتهم ومباغتتهم في الهجوم"، بينما استطاع جدعون التغلب عليهم "بجيش بسيط وبأدوات بسيطة منها العربات، بخطة عسكرية محكمة". الأسد الصاعد (2025) عملية عسكرية، شنت أثناءها إسرائيل هجمات واسعة على مناطق متعددة بإيران في يونيو/حزيران 2025، مستهدفة منشآت عسكرية ونووية وقادة إيرانيين كبارا في مؤسسات أمنية وعسكرية وبحثية. استوحت إسرائيل اسم هذه العملية (الأسد الصاعد) من التوراة في أحد نصوص العهد القديم، يتحدث عن "مستقبل مزدهر تنتصر فيه إسرائيل القوية"، وورد التعبير في "الإصحاح-23/24": وجاء فيه "شعب كالأسد يقوم، وكالليث يشرئب، لا ينام حتى يأكل فريسته ومن دم ضحاياه يشرب". وللأسد مكانة رمزية في التعاليم التلمودية اليهودية، ففي نبوءة لبلعام بن باعوراء، وهو نبي وعراف تنبأ بقوة إسرائيل وسلطانها، شبهها بأسد لا يهدأ حتى يشبع جوعه. وقبل يوم واحد من العملية، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورقة مكتوبة بخط اليد في شقّ على حائط البراق في القدس المحتلة، قبل أن ينشر مكتبه لاحقا صورة للورقة التي وضعها، وكُتب عليها "سينتفض الشعب كالأسد".

الوكالة الدولية الذرية تؤكد تدمير إسرائيل لمنشآت نووية قرب طهران
الوكالة الدولية الذرية تؤكد تدمير إسرائيل لمنشآت نووية قرب طهران

الجزيرة

timeمنذ 12 دقائق

  • الجزيرة

الوكالة الدولية الذرية تؤكد تدمير إسرائيل لمنشآت نووية قرب طهران

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الأربعاء أن الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على إيران أدت إلى تدمير منشأتين في كرج قرب طهران، تُستخدمان في تصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزي، التي تُعد أساسية في عملية تخصيب اليورانيوم. كما استهدفت الضربات الإسرائيلية مركز طهران للأبحاث ومبنى يُستخدم لاختبار دوارات الطرد المركزي المتطورة. وذكرت الوكالة الأممية أن هذه المواقع كانت سابقا تحت مراقبتها في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي لعام 2015). وجاء ذلك بعد إعلان الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ أكثر من 50 غارة جوية خلال الساعات الماضية على منشآت مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني ومصانع أسلحة في طهران ومحيطها. وقال الجيش الإسرائيلي إن الضربات استهدفت مواقع لإنتاج المواد الخام ومكونات صواريخ أرض-أرض وأخرى مضادة للطائرات، زاعما أن هذه المنشآت تُستخدم لتوسيع قدرات إيران في تخصيب اليورانيوم وتطوير أسلحة. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة، قُتل ما لا يقل عن 224 شخصا وأُصيب أكثر من 1000 آخرين، بينهم قادة بالحرس الثوري وعلماء في المجال النووي. وردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، خلفت نحو 24 قتيلا ومئات المصابين داخل إسرائيل، بحسب مكتب رئيس الوزراء.

ماذا يعني تدمير إيران معهد "وايزمان" قلب البحث الإسرائيلي؟
ماذا يعني تدمير إيران معهد "وايزمان" قلب البحث الإسرائيلي؟

الجزيرة

timeمنذ 12 دقائق

  • الجزيرة

ماذا يعني تدمير إيران معهد "وايزمان" قلب البحث الإسرائيلي؟

القدس المحتلة- لم يكن الصاروخ الذي أُطلق من إيران مجرد ضربة عسكرية، بل أصاب أحد أعمق الأعصاب الحية للمعرفة الإسرائيلية. فقد سقط مباشرة على معهد وايزمان للعلوم في مدينة رحوفوت، المقامة على أنقاض بلدة صرفند المهجرة، موقعا أضرارا جسيمة في مختبرات الأبحاث، وماحيا في لحظة جهود عقود طويلة من العمل والبحث العلمي السري. يقدم المعهد خدمات بحثية متقدمة للجيش الإسرائيلي، تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي ، وتحليل البيانات الاستخباراتية، وتوجيه الطائرات المسيّرة. ويعمل أيضا على تطوير أسلحة ذاتية أو شبه ذاتية، وأجهزة تعقب وتوجيه دقيقة، وتقنيات تشويش وحماية إلكترونية، إلى جانب أبحاث في الطاقة الموجهة والتقنيات النووية، ودعم أنظمة الأقمار الاصطناعية العسكرية. ويُعد من بين أبرز المؤسسات العلمية في إسرائيل، بل العالم، والهجوم عليه يمثل ضربة لتل أبيب التي تتكتم على دوره في تطوير أبحاث البرنامج النووي الإسرائيلي. أضرار جسيمة وساهم المعهد في مجالات أساسية كعلم الأحياء والفيزياء، وأخرى أمنية مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. ولذلك، وصفت قناة "برس تي في" الإيرانية الهجوم بأنه "ضربة دقيقة لموقع بالغ الحساسية". وفي اليوم التالي للهجوم، بدأت تتكشف تدريجيا أبعاد الأضرار الجسيمة التي لحقت بمعهد وايزمان. فقد اشتعلت النيران في أحد مبانيه المخصصة لمختبرات علوم الحياة، قبل أن ينهار كليا ومعه معدات بحثية متقدمة وعينات بيولوجية نادرة لا يمكن تعويضها. لم يسفر الهجوم على المعهد، الذي يمثل "عقل الأمن والتكنولوجيا" لإسرائيل، عن قتلى، لكنه خلف ضربة موجعة وجرحا عميقا في العقل الأكاديمي الإسرائيلي لا تضمده إعادة البناء وحدها، بل يحتاج سنوات طويلة لاستعادة ما فقد من معرفة وأبحاث وتجارب ومصادر نادرة، بعضها قد لا يستعاد أبدا، كما تقول غالي وينيرف مراسلة العلوم في صحيفة "غلوبس". وتضيف أن الهجوم ألحق دمارا واسعا بالمباني والمختبرات، وتسبب بخسائر كبيرة في البنية التحتية البحثية، إذ طال منشآت كانت تحتضن تجارب علمية دقيقة امتدت لسنوات، شملت أبحاثا في الوقاية من الشيخوخة، وعلاج السرطان، وأمراضا معقدة أخرى. وأشارت وينيرف إلى تدمير معدات بحثية متقدمة لا يمكن تعويضها بسهولة، وخسارة بيانات وتجارب يصعب جدا إعادة إجرائها. وقال أحد الباحثين "ما حدث لا يمس فقط المعهد، بل هو ضربة للعلم ولأبحاث العلوم الدقيقة". معهد وايزمان تأسس معهد وايزمان للعلوم عام 1934 على يد حاييم وايزمان، عندما كان كيميائيا بارزا في زمن الانتداب البريطاني ، تحت اسم "معهد دانيال سيف"، تكريما لعائلة متبرع بريطاني دعم هجرة اليهود إلى فلسطين. وفي عام 1949، سمي باسم وايزمان، الذي أصبح لاحقا أول رئيس لدولة إسرائيل. يُعد المعهد اليوم من أبرز مؤسسات البحث العلمي متعددة التخصصات في العالم، خاصة في مجالات الكيمياء، والفيزياء، والبيولوجيا، وعلوم الحاسوب. ويضم أكثر من 250 مجموعة بحثية، و30 مختبرا. وسجل قرابة ألفي براءة اختراع، بحسب موقعه الإلكتروني. لكن خلف هذه الصورة العلمية، يرتبط المعهد بعلاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فقد تعاون مع شركات الأسلحة الكبرى كـ"إلبيت سيستمز" والصناعات الجوية الإسرائيلية، ووزارة الدفاع، في مشاريع تتضمن تطوير مواد بيولوجية لتطبيقات عسكرية. ويقدم برامج ماجستير خاصة بالجنود، وأكاديميات لإعداد طلاب المدارس الثانوية للخدمة العسكرية، بل يمنح امتيازات لطلاب شاركوا في الحرب على غزة. ومنذ عقود، يضطلع المعهد بدور مركزي في دعم البرنامج النووي الإسرائيلي من خلال أقسام الفيزياء النووية وفصل النظائر، وتدريب العلماء في مفاعل "نحال سوريك"، فضلا عن دور بارز لأعضائه، من بينهم ديفيد بيرغمان وهاري ليبكين، في تأسيس البنية العلمية للقدرات النووية الإسرائيلية. وبحسب تقرير مشترك للصحفيين روتي ليفي وجدعون ليفي في صحيفة "ذا ماركر"، فإن حجم الخسارة العلمية للمعهد غير مسبوق، ويصعب حصره أو استعادته. وفي مقطع فيديو في اليوم التالي للهجوم نُشر على صفحة المعهد، ظهر الأستاذ عاموس تاناي من قسمي علوم الحاسوب والبيولوجيا الجزيئية، جالسا على بيانو داخل مبنى متضرر، يعزف مرتديا خوذة دراجة، وسط زجاج محطم وأعمدة مكشوفة. إصابة مباشرة وقع الهجوم ليلا، حين كانت معظم المختبرات خالية من الباحثين، لكن الصور التي نُشرت لاحقا بحسب تقرير "ذا ماركر"، كشفت حجم الضرر: جدران متفحمة، ونوافذ محطمة، وأسلاك مكشوفة، وأرضيات غمرتها مياه الإطفاء. مشهد الدمار، بعد أقل من 24 ساعة على الهجوم الإيراني، لخص مشاعر الفقد والصمت في أحد أبرز رموز العلم والبحث الإسرائيلي. لم يكن الهجوم عشوائيا، حيث أصاب أحد الصواريخ، التي أُطلقت باتجاه رحوفوت مباشرة، عددا من مباني معهد وايزمان، موقعا أضرارا جسيمة. اشتعلت النيران في مبنى يُستخدم لمختبرات أبحاث في مجالات الأحياء والكيمياء الحيوية وعلوم الحياة والعوم الدقيقة، وانهارت 3 طوابق منه بالكامل. يقول الأستاذ إلداد تساهور، من قسم بيولوجيا الخلايا الجزيئية، وقد عاش داخل المعهد على مدى 22 عاما "وصلتني صور الانفجار بعد دقائق من وقوعه، ورأيت مبنى مختبري يحترق. لم أصدق. ذهبت في الصباح لأتفقد المكان. لم يتبق شيء. لا مختبر، لا مقاطع قلب، لا صور، لا تذكارات. كل شيء اختفى". ويضيف "كل يوم ندرك حجم الخسارة أكثر. ليس فقط المعدات، بل المعرفة المتراكمة، التفاصيل الصغيرة التي لا تعوض. لا يمكن نشر بحث علمي بدونها. في لحظة واحدة، تبخر كل شيء". من جانبه، وصف الأستاذ إران سيغال، من قسم علوم الحاسوب، محاولات فريقه لإنقاذ عينات حيوية مخزنة عند 80 درجة مئوية، قائلا "نجحنا في إخراج بعضها عبر الزجاج المحطم، قبل لحظات من إنذار جديد". وأضاف "بعض المعدات، التي تقدر بملايين الدولارات، غمرتها المياه وتلفت. لا أحد يعلم حتى الآن ما إذا كانت قابلة للإصلاح. هذه ضربة قاسية للبحث العلمي الإسرائيلي، سنعيد البناء، وربما بشكل أقوى". أما الأستاذة ساريل فلايشمان من كلية الكيمياء الحيوية، التي نجا مختبرها، فتحدثت عن الصدمة التي خيمت على مجتمع الباحثين، ووصفت الخسائر بأنها تتجاوز الأجهزة إلى المعايرات الدقيقة والمعرفة المتراكمة، مضيفة "هذا إرث علمي وبحثي ضاع في لحظة"، مشيرة إلى أن إعادة بناء البنية التحتية قد تستغرق عامين على الأقل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store