الجامعة العربية .. بيان آخر في مقبرة الصمت
البيان لم يكن مفاجئًا، بل متوقعًا حد السخرية. فهذه المؤسسة التي وُلدت في لحظة استعمارية، ولا تزال أسيرة خيمة البيانات، وجلسات التنديد، أثبتت مرةً أخرى أنها بارعة في فنّ إنتاج الكلمات التي لا تغيّر شيئًا، ولا تنقذ أحدًا، ولا تُغضب قاتلًا.
نبرة القلق، والدعوة لضبط النفس، والتعبير عن "الانشغال العميق"، تحوّلت إلى لغة رسمية بديلة عن الفعل، وكأن مهمة هذه الكيانات العربية اختُزلت في كتابة نصوص عاجزة، تُحاكي مشاعر الجمهور دون أن تلمس الواقع. البيان بدا كمن يرثي ضحية في جنازتها، رغم أنه كان من المقرر أن يحاول إنقاذها.
لكن ما يجعل الموقف أكثر مأساوية هو أن بعض من يوقّعون هذا البيان، يُزاولون علنًا علاقات "طبيعية" مع الجلّاد نفسه. يجلسون معه على طاولة الاستثمار، يعقدون معه صفقات أمنية، يفتحون له الأبواب مشرّعة، ثم يعودون ليتحدثوا بوجه عابس عن "القلق من تدهور الأوضاع الإنسانية".
أية مهزلة سياسية هذه؟ كيف يمكن التوفيق بين لغة التنديد، وسياسة التطبيع؟ بين مشاهد الأطفال تحت الركام، وابتسامات البروتوكول في المؤتمرات الدبلوماسية؟ إنه انفصام أخلاقي مروّع، لا تملك له وصفًا سوى أنه "خيانة ناعمة"، لا تُطلق الرصاص، لكنها تُغطّي على من يطلقه.
البيان الذي صدر مؤخرًا لا يساوي الحبر الذي كُتب به، لأنه لم يتجاوز عتبة الشكليات. لا تهديدات، لا تحرّكات، لا قرارات فعلية، فقط تأكيد جديد على عجز الجامعة العربية عن أن تكون أكثر من كيان علاقات عامة، يُدير الأزمات بالكلمات، ويتعامل مع المذابح كأنها أخبار طارئة، لا كجرائم مستمرة.
والأدهى، أن الشارع العربي، رغم وعيه الكامل، بات لا يتوقع شيئًا من هذه المؤسسة. لقد ترسّخ في وجدان الناس أن الجامعة العربية تُشبه مريضًا في غرفة العناية المركّزة، يُنقل من قمة إلى قمة، محمولًا على سرير من العبارات الميتة.
غزة لا تحتاج إلى بيانات، بل إلى أفعال. إلى وقف صريح للتواطؤ، إلى قطيعة حقيقية مع العدو، إلى تحرّك عربي يتجاوز الدبلوماسية الباردة إلى موقف أخلاقي نقيّ. ما يجري في غزة ليس حربًا، بل إبادة موثقة على الهواء مباشرة. وكل من يصمت، أو يُطبّع، أو يُدندِن ببيانات عقيمة، إنما يشارك في الجريمة ولو بالكلمات.
وفي النهاية، سيُطوى هذا البيان كما طُويت بيانات سابقة، ليُضاف إلى أرشيف العجز العربي، وتبقى غزة، كالعادة، وحدها في وجه الإعصار، تُحارب بالبندقية… بينما يحاربها الآخرون بالنفاق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 24 دقائق
- عمون
الحدادين: مواقف الملك تعكس عمق البصيرة في زمن التحديات
عمون - قال المحامي اكثم خلف الحدادين ، إن لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مع نخبة من الإعلاميين ،الأربعاء، كان لقاءً استثنائياً في مضمونه ودلالاته، حيث حمل بين طياته معاني سامية وقراءة شاملة وعميقة للمشهدين الداخلي والخارجي. وأضاف الحدادين ، أن جلالة الملك عبدالله الثاني، كعادته، قدّم رؤية واضحة تتسم بالحكمة والاتزان، أكّد فيها على أهمية تمتين الجبهة الداخلية، واستمرار الدور الأردني الفاعل إقليمياً ودولياً، لا سيما في دعم القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب أهلنا في غزة. وأشار إلى أن اللقاء جسد إيمان جلالته بدور الإعلام كرافعة وطنية وشريك في بناء الوعي وتعزيز الوحدة، وهو ما يضع على عاتقنا جميعاً مسؤولية كبيرة في حمل الكلمة الصادقة ونقل الحقيقة بأمانة.


عمون
منذ 24 دقائق
- عمون
ما زلت أترقب قيام دولة فلسطين
أربعة عقود قضيتها محلّقًا في السماء، أراقب الأرض من الأعلى، لا بدافع التأمل بل من طبيعة المهنة. عبرت أجواء مدن تبدّلت معالمها، ودول نشأت وسط الصراع، وأخرى اندثرت بصمت، دون أن يلتفت إليها أحد. لكن هناك رقعة بقيت على حالها في الوجع، لم يتغير فيها شيء... إنها فلسطين. من أول يوم ارتديت فيه بدلتي كطيار وحتى آخر رحلة لي، كانت فلسطين دائمًا "قضية الأمة". واليوم، بعد أن بلغت السبعين، لا تزال فلسطين أسيرة الخطب، ومحبوسة في ملفات المؤتمرات، ومجرد بند دائم في أجندة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. في السبعينات قيل لنا: "تحلّوا بالصبر، فالقضية في صميم الاهتمام العالمي"، ثم أعادوا الكلام ذاته في الثمانينات، وتكررت الوعود في التسعينات مع اتفاق أوسلو، ومع كل انتفاضة، وبعد كل عدوان على غزة، ومع كل شهيد يرتقي. وها نحن الآن على أبواب سبتمبر جديد، حيث تُعاد المسرحية نفسها: قاعة الأمم المتحدة تفتح أبوابها، الزعماء يرتدون بذلاتهم الرسمية، والخطابات تتوالى وسط التصفيق، بينما الفلسطيني لا يزال يبحث عن أطفاله تحت أنقاض الخيام. هل تعرفون الأمم المتحدة؟ تلك المنظمة التي يُفترض أن تنصر المظلوم وتفرض العدالة وتحمي المستضعفين. أما نحن، فقضيتنا أصبحت مجرّد ملف عالق منذ عام 1947، يُتداول في بياناتهم أكثر مما يسكن ضمائرهم. طوال سنوات خدمتي في الطيران المدني، تعلمت معنى أن يتعطل محرك طائرة في الجو، وأدركت حجم الخطر. لكن مجلس الأمن لا يحتاج إلى خلل تقني، فهو مُعطَّل أخلاقيًا منذ إنشائه. فكلما قُدّمت مسودة قرار لدعم حقوق الفلسطينيين، عاجلها الفيتو الأمريكي وأسقطها بلا نقاش. هل يكفي أن نعلم أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو أكثر من أربعين مرة لحماية إسرائيل؟ هل يكفي أن لجان التحقيق الأممية نفسها توثق جرائم الحرب، ثم تُحفظ تلك الوثائق في الأدراج كأنها لم تُكتب؟ فصل جديد من عرض قديم سيعتلي الرئيس الفلسطيني المنصة، ويتحدث عن النضال والمعاناة، وسينضم إليه بعض الزعماء بخطابات محسوبة بدقة، كما هي دائمًا إداناتهم "الصارمة" التي تُطلق بعد كل مذبحة. لكن الواقع يقول إن العالم لم يعد يبحث عن حل، بل يُتقن إدارة الصراع. هم لا يضمدون الجرح الفلسطيني، بل يُسكتونه بكلمات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع. فمن الذي يفتح الباب أمام الاستيطان؟ ومن الذي يمدّ آلة الحرب بالمال والسلاح؟ ومن الذي يختار الصمت أمام المجازر؟ ومن الذي يدّعي دعم "حل الدولتين" بينما يهدم أساسات الدولة الفلسطينية، لبنةً لبنة؟ ربما لم أعد أحلق فوق الأرض، لكنني أرى الأمور بوضوح لم أعرفه من قبل. القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى خطابات جديدة في قاعة الأمم، بل إلى صحوة حقيقية في ضمائر الشعوب. فلسطين لا تنتظر قرارات الدول الكبرى، بل تنتظر أن ينهض الناس، أن لا يصمتوا، وأن يرفضوا لعب دور الجمهور في مسرحية تتكرر كل عام. نعم، سبتمبر على الأبواب، ومشهد جديد في الانتظار... لكن من قال إن علينا أن نصفق؟.. * الكابتن أسامة شقمان/طيّار متقاعد.

عمون
منذ 24 دقائق
- عمون
كفى ردحاً وتدليساً وحقداً
في حضرة الحرف، حين يُستنطق الألم، تتقافز الكلمات كالسيوف، لا تعرف المواربة ولا المجاملة، لأن الوطن حين يُستباح بالحقد، والمقاومة تُخوَّن بالصراخ، والملك يُزاوَد عليه بالنفاق، فليس لنا إلا البيان سلاحاً، نضرب به أعناق الفتنة ونفقأ به عيون المرتزقة. جلالة الملك، في حديثه المتزن العميق، رسم خارطة أخلاقية لا يضلّ فيها من اهتدى ولا يهتدي فيها من ضلّ، قالها بوضوح: 'غزة ليست قضية حدود، بل قضية ضمير'، و'اختلاف التعبير لا يُفسد المحبة ولا يخرق السفينة الوطنية'، فأيّ بيان بعد بيانه؟ وأيّ حكمة بعد حكمته؟ فيا خفافيش الانقضاض، وحواة التطبيل في سوق النفاق… لا تكونوا ملكيين أكثر من الملك، ولا متدينين أكثر من النبي، ولا وطنيين أكثر من دماء الشهداء التي سقت تراب فلسطين من البحر إلى النهر. من أنتم لتوزعوا صكوك الوطنية؟ من أنتم لتشيطنوا الدمع إذا سال لفلسطين، وتخوّنوا الغضب إذا هدر ضد طغيان الكيان؟ من أنتم لتحتكروا الولاء، وأنتم لا تعرفون من الولاء إلا فتات المناصب وقشور العطايا؟.. جلالة الملك قالها: لا للتهجم، لا للتشهير، لا لتقسيم الصفّ الواحد في وجه عدوّ لا يعرف إلا السكين والحصار والجريمة. لكنكم – يا بائعي الذمم بأرخص الأثمان – لا تفهمون، فأنتم لا تحبّون الملك، بل تحبّون أنفسكم حين تتقربون إلى السلطة كذباً ورياءً وزحفاً. أنتم لا تحرسون العرش… أنتم تنحرون القيم عند قدميه. أنتم لا تصونون الوطن… أنتم تمزقونه بخناجركم المسنونة بسمّ الفتنة. كفى ردحاً، كفى تدليساً، كفى حقداً على كل من وقف مع المقاومة وأبناء الكرامة في غزة والضفة، فلا نامت أعين المنافقين… ولا طاب لكم فكر ولا مقام. لستم أكثر حرصاً من الملك، ولا أكثر فهماً من شعبٍ علّم الدنيا أبجديات الصبر والعروبة والنخوة. كفّوا ألسنتكم المسمومة، وتطهّروا من رجسكم، فقد ملّتكم البلاد ولفظتكم القلوب. فلسطين ليست موسماً إعلامياً… وغزة ليست ورقة مزايدة… والمقاومة ليست موضع اختبار، بل عنوان شرف لا يُمسّ. وختاماً: لعن الله من أيقظ الفتنة… ورفع الله من قال كلمة حقّ في وجه من أراد بها سوءاً. أما أنتم، فأصمتوا… فإنّ صمتكم أكرم من نعيقكم.