
ماذا نعرف عن خريطة النُّفوذ الإسرائيليِّ وأذرع (الموساد) الخفيّة في أفريقيا؟
رغم أن أعين العالم مشدودة إلى مشهد الدم في غزة، فإن إسرائيل تُعيد هندسة حضورها في القارة الأفريقية بأدوات "ناعمة" ظاهرًا، ولكنها تَشِي ببُعد استخباراتي وأمني كثيف خلف الكواليس.
من أوغندا إلى إثيوبيا، ومن نيجيريا إلى جنوب أفريقيا، تتكشف معلومات عن تجنيد عناصر محلية، واستخدام أدوات مراقبة إلكترونية متقدمة عبر شركات مدنية تبدو في الظاهر تنموية لكنها في جوهرها أذرع استخباراتية تخدم أهدافًا أمنية وسياسية.
هذا التغلغل، الذي تصاعد بشكل ملحوظ بعد عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحاول إسرائيل من خلاله تشكيل رافعة سياسية لها في المحافل الدولية، واستمالة مواقف دول أفريقية لطالما ارتبطت تقليديًا بدعم فلسطين.
وفق تحقيق لصحيفة The Times of Israel (13 نوفمبر/تشرين الثاني 2017)، فإن جهاز الموساد الإسرائيلي كثّف عملياته في عدة دول أفريقية منذ مطلع الألفية الجديدة، تحت ستار مشاريع اقتصادية وإنسانية.
من مساعدات إنسانية إلى قواعد استخبارية
تشير دراسة لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (2023) إلى أن إسرائيل تملك علاقات رسمية أو غير رسمية مع أكثر من 44 دولة أفريقية، وأنها تعتمد على أدوات تنموية وشركات خاصة لبناء نفوذ استخباراتي هادئ. من بين هذه الشركات "MASHAV"، الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي، والتي تسوّق نفسها كذراع للمساعدات التنموية، لكنها كثيرًا ما تعمل كبوابة للنفوذ السياسي والأمني.
في المقابل، تستمر المعاهد التدريبية الإسرائيلية، وعلى رأسها "معهد الجليل للإدارة الدولية"، في استقطاب مئات القادة والطلاب من الدول الأفريقية ضمن برامج تتعدى الإدارة إلى التدريب العسكري وبناء شبكات دفاع محلية، ويُقال إن معظم الحكومات الأفريقية تحوي في بنيتها مسؤولًا واحدا على الأقل تخرّج من هذا المعهد.
وتضيف الصحيفة أن تلك الأنشطة تشمل "إنشاء مراكز تنموية"، إلا أن جزءًا كبيرًا منها مرتبط بجمع معلومات عن أنشطة معادية لإسرائيل أو تتبّع حركات داعمة للمقاومة الفلسطينية.
ويُعزى هذا التوجه -بحسب مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات محمد صالح- إلى ضعف القبول الشعبي لإسرائيل في الأوساط الأفريقية، مما دفعها إلى توظيف هشاشة بعض الأنظمة وضعف بنيتها الأمنية لاختراقها عبر واجهات مدنية أو شركات تنموية تُستخدم كستار لعمليات تجنيد وتغلغل أمني. وغالبًا ما تأتي اتفاقيات التعاون الأمني في إطار تفاهمات سياسية أوسع.
ووفقًا لما أورده مركز الأبحاث الفلسطيني، فإن التراجع في أعداد اليهود المتبقين في أفريقيا -ومعظمهم يتركزون اليوم في جنوب أفريقيا- انعكس في تقليص دور الأجهزة الأمنية في تأمين هجرتهم إلى إسرائيل، وتحول الدور إلى مهام مراقبة وتحشيد ناعم لخدمة السياسات الإسرائيلية.
بيغاسوس.. عين إسرائيل السريّة
في السنوات الأخيرة، برزت الشركات الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني والتجسس التقني كجهات فاعلة رئيسية في الساحة الأفريقية، حيث ساهمت في تشكيل سياسات المراقبة وتوجيهها لخدمة أجندات أمنية تتجاوز الحدود الوطنية.
وفقًا لتقرير The Guardian (2021) حول تسريبات "مشروع بيغاسوس"، فقد استخدمت حكومات أفريقية عدة برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" لتعقب معارضين ونشطاء. وقد لعبت شركة NSO الإسرائيلية، المنتجة للبرنامج، دور الوسيط بين الحكومات الأفريقية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حيث وفرت التكنولوجيا بموجب موافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وتذكر مجلة Foreign Policy (19 يناير/كانون الثاني 2022) أن البرنامج استُخدم في رواندا وأوغندا والمغرب وعدد من دول الساحل، وأدى إلى اختراق هواتف صحفيين ومعارضين وحتى مسؤولين أجانب.
من الشراكة إلى الوصاية
لا يقتصر التمدد الإسرائيلي على المجال الرقمي؛ فبحسب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (تقرير 2020)، فإن تل أبيب وقّعت اتفاقيات أمنية مع دول مثل تشاد، إثيوبيا، وأوغندا، تتضمن تدريبًا عسكريًا وتبادل معلومات استخبارية.
وتقول الدراسة إن الهدف هو "إعادة تدوير التحالفات في أفريقيا بما يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية لعزل المقاومة الفلسطينية إقليميًا".
كما يشير تحقيق نشرته الجزيرة نت (2022) إلى أن الموساد أنشأ مراكز رصد في دول أفريقية لمراقبة نشاط حماس والجهاد الإسلامي، واحتضان عناصر منشقة أو عملاء من الجاليات الفلسطينية هناك.
نفوذ مقابل الشرعية
يرى الباحث في مركز بروكينغز الأميركي ناثان براون أن إسرائيل توظف هذا التمدد للحصول على شرعية دولية من خلال كتلة التصويت الأفريقية في الأمم المتحدة، خاصة بعد انسحاب دول أوروبية من دعمها في قضايا حقوق الإنسان، كما حدث في مجلس حقوق الإنسان عام 2021.
ويضيف في مقاله (Brooking Institution, 2022): "تتبع إسرائيل سياسة 'شراء التحالفات' من خلال دعم أمني وتقني لأنظمة استبدادية في أفريقيا، مقابل مواقف سياسية داعمة لها على الساحة الدولية".
رغم هذا التمدد، تشير تقارير إلى أن ثمة سقفًا لا يمكن لإسرائيل تجاوزه، يتمثل في الرأي العام الأفريقي المناهض للاستعمار والداعم للقضية الفلسطينية، لا سيما في دول جنوب الصحراء ذات الأغلبية المسلمة أو الموروث التحرري القوي، مثل الجزائر، جنوب أفريقيا، والسنغال.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار المصرية
منذ 9 ساعات
- النهار المصرية
لماذا طالبت إيران مواطنيها بحذف «واتساب» من هواتفهم الذكية؟
تصدرت الحرب الإيرانية الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي وخلال ايام تسارعت أحداثها بشكل كبير شملت سلسلة من الاغتيالات لقادة وشخصيات هامة إيرانيين بعد استهدافهم من قبل إسرائيل. ارجعت إيران استهداف قادتها الي تحديد أماكنهم وتسريب بيانتهم من خلال تطبيقات وهواتف على رأسها تطبيق المراسلة الفورية «واتساب» واتهمت الحكومة الإيرانية التطبيق بجمع معلومات والتجسس لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي وطالبت المواطنين بحذفه من هواتفهم الذكية حرصاً على حياتهم، كما حظرت استخدام الأجهزة المتصلة بشبكات الاتصالات بما في ذلك الهواتف الذكية والساعات الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة على الموظفين المدنيين، ودعت المدنيين باستخدام هذه الأجهزة بشكل محدود. من جانبها نفت «واتساب» هذه الادعاءات من قبل إيران في بيان لها وتخوفت من أن تكون هذه الادعاءات الكاذبة ذريعة لحظر التطبيق. وقالت إن «واتساب» يستخدم التشفير من طرف إلى طرف، مما يعني أن مزود الخدمة الوسيط لا يمكنه قراءة الرسائل، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس». و التشفير من طرف إلى طرف أن يعني الرسائل لا يتمكن من رؤيتها إلا المرسل والمستقبل. وإذا اعترض أي شخص آخر الرسالة، لا يمكنه فك شفرتها من دون المفتاح. الا أنه في الوقت ذاته التشفير لا يعني الأمان الكامل فغالبًا ما تستهدف شركات إسرائيلية مثل NSO - المعروفة ببرنامج التجسس Pegasus - تطبيقات مثل WhatsApp لاختراق هواتف الأشخاص، بما في ذلك أجهزة iPhone، وهو ما حدث في الواقعة الشهيرة لقضية تجسس NSO الإسرائيلية علي واتساب التي اتُهمت فيها مجموعة "NSO" في أكتوبر 2019، باستغلال ثغرة أمنية في خاصية المكالمات الصوتية للتجسس على أكثر من 1400 مستخدم حول العالم، عبر ما يُعرف بـ "هجوم النقرة الصفرية"، الذي لا يتطلب أي تفاعل من الضحية.وهوما دعي واتساب برفع دعاوي قضائية ضدها وتغريمها 167 مليون دولار تعويضات لصالح التطبيق.


الأسبوع
منذ 10 ساعات
- الأسبوع
إيران تنفي مزاعم إسرائيل بشأن تقلص مخزونها من الصواريخ
إيران محمد صالح ردتإيران على مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بشأن تقلص مخزونها من الصواريخ، مؤكدة أن الانخفاض في عدد عمليات الإطلاق لا يعكس ضعفًا عسكريًا بل تحولًا استراتيجيًا في سياسة الردع. وقال مسؤول إيراني رفيع لـ «سي إن إن»، الأمريكية، إن طهران انتقلت من اعتمادها السابق على كثافة النيران الصاروخية إلى التركيز على الدقة والفعالية، مشيرًا إلى أن إيران تستخدم الآن صواريخ دقيقة ومتطورة لاستهداف مراكز عسكرية وأمنية حساسة. وأكد أن الصواريخ الإيرانية نجحت في تجاوز أنظمة دفاعية أمريكية متطورة مثل: «ثاد وباتريوت وآرو 3 والقبة الحديدية الإسرائيلية»، لافتًا إلى أن تلك الأنظمة فشلت في اعتراض الصاروخ الذي أصاب هدفه المحدد مسبقًا. وأضاف: «من الأفضل لإسرائيل ألا تفرح بانخفاض وتيرة الإطلاق، ومن الأفضل أن تلتزم الصمت وتكتفي بالمراقبة في مواجهة توازن القوة الجديد الذي تميل كفته لصالح إيران».


رصين
منذ 11 ساعات
- رصين
من غابت عنه الصورة أو أُشرب قلبه وهْمَ الانتصارات
عمون- حين نقول إن ما يجري بين طهران وتل أبيب ليس إلا عرضًا مسرحيًا، فليس ذلك تعصبًا مذهبيًا، ولا عداءً أعمى، فالعدل ميزاننا، والقرآن مرجعنا، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة: 8] لكنّ الحقيقة البسيطة التي يغفل عنها البعض، أن ما بين الكيان الاسرائيلي والنظام الإيراني تحالفات غير معلنة، ومصالح متبادلة، وعدو مشترك هو الصحوة السنية والمقاومة الحقيقية. قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: 73] طيب لماذا نُسميها مسرحية؟ لأن الأحداث المفبركة تُنَفّذ وفق معايير متفق عليها: -ضربات محسوبة في نطاق محدود لا تمس البنية الأساسية ولا تقتل فعليًا إلا ما يرضى عنه الطرفان. -صواريخ تحمل الدخان والضوء أكثر من الحطام والدماء. -مشاهد مُعادة من زوايا مختلفة لإضفاء صورة كاذبة عن 'الخراب'. -صور من خارج الميدان مثل الناطحة في دبي أو مشاهد أرشيفية. -وأحيانًا خسائر حقيقية لقيادات ذات طابع رمزي، قد تكون ضمن 'تكلفة التشغيل' أو إعادة ترتيب داخلي. بل إن الذكاء الاصطناعي بات أداة فعالة لتزوير الصور ومقاطع الفيديو، ويستخدم لتصنيع رواية عاطفية كاذبة تشغل الجماهير. *الأهداف الحقيقية لهذه المعركة 'الوهمية': 1.تحويل البوصلة عن المجازر في غزة، حيث يُذبح شعب ويُحاصر مجد، إلى قصة صراع 'كبير' بين 'أعداء' وهميين. 2.منح الكيان صورة الضحية عالميًا بعد أن تهاوت صورته الأخلاقية أمام العالم بسبب فظائعه في غزة. 3.إيقاف موجة المظاهرات والاحتجاجات ضد ترامب، وضد قادة الاحتلال مثل نتنياهو. 4.جرّ بعض الدول العربية المترددة لتأييد الكيان أمنياً تحت ذريعة 'الخطر الإيراني'. 5.إعطاء قبلة الحياة للنظام الإيراني داخليًا، خاصة بعد احتجاجات واسعة وشكوك حول شرعيته. ماذا عن 'الصفّ الإسلامي'؟ حين يقول البعض إن هذا 'يشق الصف'، فنسألهم: أي صف؟! •صفّ التطبيع مع الاسرائيلية؟ •أم صفّ يتعاون أمنيًا مع روسيا والصين والغرب؟ •أم صفّ يترك فلسطين لتنزف ويتفرغ للخطابات الحماسية؟ الصف الحقيقي هو الذي يجتمع على الحق، لا على الوهم، ويجمعه الصدق، لا المصلحة. راجعوا •كتاب 'التحالف الغادر' لتريتا بارسي، يكشف العلاقات الخفية بين طهران وتل أبيب وواشنطن. اقرأوا •تحليل 'The Times of Israel' في أبريل 2024 حول محدودية الهجمات الإيرانية المدروسة. وتصفحوا •تقارير من منظمة العفو الدولية حول تغطية إعلامية مضللة للحرب الأخيرة وتوظيف الذكاء الاصطناعي.