
بين المهدي والماشيح: نبوءات الخلاص
في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، لم تعد التحليلات العسكرية وحدها كافية لفهم أفق هذا الصراع المتنامي. فثمة طبقات أعمق تُلامس الوجدان الديني، وتستدعي مفاهيم الخلاص والظهور، وتتجاوز منطق الجيوسياسة إلى منطقة تتقاطع فيها النبوءات مع القرار السياسي.
المفكر الروسي ألكسندر دوغين – أحد أبرز منظّري الفكر الأوراسي – يرى أن ما نشهده اليوم ليس مجرد نزاع سياسي تقليدي، بل مقدّمة لـ'حرب كونية دينية' قد تعيد رسم نهاية العالم كما نعرفه. لافتا الى أن المواجهة بين إيران وإسرائيل ليست صراعًا على النفوذ فحسب، بل ترجمة درامية لصراع عقائدي بين رؤيتين للخلاص.
إيران، ليست مجرد دولة شيعية فحسب بل انها مركز حساس وفاعل لديمومة الفكر الشيعي من جهة ومجابهة انداده من كل لون، بترسيخ مفهوم الثقلين انهما ' كتاب الله، والعترة الطاهرة' من جهة ثانية. وعلى اساس ذلك قامت ثورتها وفقا لمدرسة اهل البيت وعقيدة الانتظار المهدوي 'لتملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان تملأ جورا' وظلما.
وعلى الضفة الأخرى، تتحرك داخل إلكيان الاسرائيلي تيارات دينية متطرفة تعتقد أن العالم يقترب من نهاية الزمان، وأن الحرب مع إيران قد تكون بوابة لظهور 'الماشيح'** – المخلّص اليهودي – وبناء 'الهيكل الثالث' في القدس.وفي هذا الصدد يقول دوغين في إحدى محاضراته: 'ما يحدث الآن هو جزء من التحول النهائي في التاريخ، حيث تقترب النهايات التي تحدثت عنها كتب السماء.
• من المهدي إلى الماشيح: عندما تصبح الجغرافيا مسرحًا للنبوءات:
العقيدة الشيعية الإثنا عشرية تؤمن بأن المهدي ابن الحسن العسكري 'ع' سيظهر في زمن تغشاه الفتن، لتبدأ معارك فاصلة في الشام وفلسطين والجزيرة، تمهد لإقامة 'دولة العدل الإلهي'. أما في التصور اليهودي الماسياني*** المتطرف، فإن ظهور الماشيح لا يتحقق إلا بعد معارك كبرى مع 'أعداء الرب'، وفي بعض التفاسير يُشار إلى 'الفرس' كرمز ل'بابل الشر -وفق معتقداتهم' التي يجب أن تُمحى قبل اكتمال الوعد الإلهي.
يقول دوغين: ان 'إيران تمثل الانتظار النشط للمخلّص، بينما إسرائيل تُحرّكها نبوءات إقامة الهيكل..
الصراع إذًا ليس سياسيًا فقط، بل بين مخلّصَين يتقدمان من ضفتين متقابلتين من التاريخ.
الاول يلغي الثاني وينسفه ويؤكد انه الحقيقة المطلقة للمخلص المتتظر تتجسد بالإمام الثاني عشر. لان محمدا (ص) خاتم الانبياء والمرسلين، وان ( الدين عند الله الإسلام).
• المرجعيات بين المهدوية السياسية واللاهوت التعبوي:
رغم تباين الخطاب بين طرفين متناقضين، إلا أن البعد المهدوي حاضر – تصريحًا أو تلميحًا – في رؤية القيادات الشيعية الكبرى.
فالسيد علي خامنئي يرى أن زوال الكيان الإسرائيلي 'حتمي'، لكنه يُبقي خطابه في الإطار السياسي المقاوم، مع إشارات رمزية إلى البعد العقائدي..أما في الجانب الآخر، فإن العديد من الحاخامات في إسرائيل يعلنون بلا مواربة أن معركة كبرى – تقود إلى بناء الهيكل – تقترب، وأن إيران هي العدو العقائدي، قبل أن تكون تهديدًا استراتيجيًا.
• الغرب المادي بمواجهة الشرق الروحي: معركة ما وراء السياسة:
في فلسفة دوغين، لا يمثل الغرب خصمًا جيوسياسيًا فقط، بل تجسيدًا لروح التفكك والعدمية. ويقابله 'الشرق الروحي' ممثلًا في روسيا الأرثوذكسية وإيران الشيعية، حيث لا يزال الإنسان يتجاوز مادّيته نحو معانٍ أعمق.
يقول دوغين: 'إيران ليست وحدها من تقاتل، بل روح مقاومة عالمية تتجلى فيها… الغرب المادي يواجه الشرق الروحي في لحظة مصيرية. إنها معركة بين نبوءات متقابلة، وليست بين صواريخ متبادلة فقط.'
• نهايات مفتوحة: ثلاث سيناريوهات للمستقبل؛ أمام هذا المشهد المعقد، يمكن رسم ثلاث فرضيات محتملة:
– الاول- صراع محدود: ضربات محدودة متبادلة، ضمن حدود الردع والتكتيك، تبقي الوضع تحت السيطرة.
الثاني -حرب إقليمية كبرى: تتورط فيها أطراف عربية وغير عربية، فتُغرق المنطقة في فوضى شاملة
الثالث- حرب كونية دينية: تتجاوز السياسة والجغرافيا، لتتحول إلى مواجهة شاملة تقودها سرديات النبوءة والخلاص.
في المنتهى … ان الصراع لم يعد رمزيًا! في ظل التوتر الإيراني–الإسرائيلي المتصاعد، ولا تكفي الجغرافيا وحدها لفهم ما يحدث.فثمة نبوءاتٌ تتحرّك، وعقائد تُستدعى، وصراعٌ يتجاوز السياسة ليبلغ مشارف 'الخلاص' و'النهاية.
[ الهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة'].
*الكسندر جليفيتش دوغين فيلسوف روسي وعالم سياسي واجتماعي، مؤلف النظرية السياسية الرابعة التي ترى نفسها الخطوة التالية لانتهاء المدارس السياسية الثلاث: الليبرالية والاشتراكية والفاشية .
**الماشيح عند اليهود : هو المسيح، وهو شخصية متوقعة في نهاية الزمان، من نسل داود،

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 6 ساعات
- موقع كتابات
السيد الاصلاحي
في الذكرى الخامسة عشر لوفاة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله علينا ان نستذكر دور الاعلام الملتزم في نشر الفكر التوعوي الاسلامي الأصيل الذي قدمه فضل الله من خلال سلسلة اللقاءات والمقابلات المطولة التي تم نشرها انذاك على فترات زمنية مما شكل احد عوامل الدعم والتكامل بين دور المثقف والاعلام وخاصة ان الراحل فضل الله كان احد صناع الوعي ومن قائدي التنوير الديني. ان التراث الضخم من الثقافة الفكرية الحركية الدينية الذي قدمها لنا السيد فضل الله تحمل معها جانب مهم كان يقوله الراحل الكبير : 'اذا كان الاسلام ضالتنا في كل حين فلا يجب ان نأسر حركتنا الاسلامية لأي عصبية كانت ، حزبية او شخصية او فئوية، فقد قتلتنا الحزبيات والفئويات ، وحولنا تقديس الأشخاص الى معوقين غير مبدعين، والى عبيد و اتباع في الحياة السياسية على تنوعها'. عن 'السيد فضل الله' يقول الاستاذ المحامي 'اسامة العرب' بهذا الخصوص التالي: 'كان يرى أن السنّة هم أهل الشيعة لأنهم يحبون أهل البيت، والشيعة هم أهل السنّة لأنهم يعملون بسنّة رسول الله، رافضاً التمايز بين مسلم سنّي ومسلم شيعي. كما كان يؤكد أن المرء يشهر إسلامه بمجرد النطق بالشهادة والالتزام بالفرائض الخمس، وأن الفتوى يجب أن تعالج مشكلات الناس دون خوف أو تردد. ولقد كان يدعو إلى الوحدة الوطنية بين المسلم والمسيحي في لبنان، مؤكداً أن الوحدة هي سياج الوطن في مواجهة التحديات، واستطاع بفكره المنفتح أن يخترق الجدران بين الطوائف والمذاهب والمواقع السياسية، وأن يحظى باحترام الجميع.' ان هكذا انفتاح كان يعيشه السيد فضل الله والذي كان شعاره 'الحقيقة بنت الحوار' كانت احد ركائز مدرسته الثقافية الدينية التي جعلته 'السيد الاصلاحي' في واقعنا العربي ، وجعلتنا نتذكره في تاريخ وفاته ليس لنتجمد عند تجربته الحركية ك مرجع فقهي ديني او مصلح ثقافي او ساعي للنهضة العربية والاسلامية او مؤسس للمشاريع الخدمية الاجتماعية. انتا نتذكر الرجل وتجربته في ذكرى وفاته لكي نطلب من شبابنا العربي أن يعيشوا ضمن نفس هذه الذهنية التي تريد صناعة الانسان العربي المبدع في الثقافة والسياسة والاقتصاد والتربية والجوانب العلمية بكل انواعها واتجاهاتها.


موقع كتابات
منذ 6 ساعات
- موقع كتابات
عندما لا يستحق المنصب إلا لمن هو أهل له
قبل مدة قصيرة تابعنا في الأخبار المحلية، النزاع القانوني الحاصل من قبل مجلس محافظة بغداد، على منصب المحافظ بين بعض أطرافه، إذ، تم إعفاء المحافظ لمرتين، الأولى، في بداية توليه المنصب بسبب بلوغه سن التقاعد، ثم إعادته للوظيفة بقرار من القضاء الإداري، ثم إعفائه ثانيةً من قبل المجلس،وانتخاب بديلا عنه، ثم التراجع من هذا القرار بعد تدخل بعض وإعادته الى منصبه ، والاعتراض على قرار الإقالة ومنهم رئيس المجلس وبعض الأعضاء الآخرين . ما هكذا تجري الأمور يا سادة…..! ما الذي يحصل في هذا المنصب التكليفي والتشريفي لمحافظ بغداد ؟ إن هذا المنصب الوظيفي هو ليس لإدارة شركة أهلية أو لحركة سياسية أو تجمع مهني، إنما منصب محافظ العاصمة بغداد ، وقد رسم القانون شروط ترشحه والإعفاء منه، إذ؛ لا يجوز أن يكون بهذه الصورة، بالعمل الخفي واستغلال فرص غياب البعض أو مرضهم ، بل بشكل قانوني، وتحت العلم مثلما يقال ، وبحضور هيئة قضائية تتولى الإشرافعلى انتخاب البديل بعد توفر الشروط المطلوبة. فإنكان المحافظ الحالي يتوافق وجوده مع القانون، وقائما بأعماله بالشكل المطلوب ، فلا ضير في أنيستمر في وظيفته، وإن خالف استمراره القانون، ووجود تقصير ما في عمله، فليتنحى جانبا وبشكل ديمقراطي، ويترك المجال لغيره من ينتخبه المجلس ،شخصا بديلا عنه ، لإدارة هذا الجانب الخدمي للمحافظة، الذي له تماس مع المواطنين من خارج مركز مدينة بغداد، إضافة الى الدوائر التي رسمها له القانون ضمن محافظة بغداد. وبهذا الشأن، فعلى المرشح للمنصب؛ أن وجد نفسه وصحته لا تسمح بتولي هذا المنصب، فليتنحى منه للأفضل لإدارته، وهذا ما ينطبق مع قول الإمام علي بن ابي طالب (ع): ( رحم الله إمرأ عرف قدر نفسه). ومع القول: الشخص المناسب في المكان المناسب.


موقع كتابات
منذ 6 ساعات
- موقع كتابات
النقد العبثي
ترى وتقرا هنا وهناك عبر صفحات التواصل و أوراق الصحف و برامج القنوات مقالات او منشورات و خطابات أحيانا تكون مكررة الى حدّ الملل ، يقول أحدهم أو ينقل : 'ان أمريكا صنعت مسيّرة بحجم الإصبع فردّت عليها الصين بصنع واحدة بحجم البعوضة بينما نحن مازلنا نتساءل ماذا كان يقصد الشاعر بقوله وكاف وكفكاف' ويقول الآخر او يردد : 'تركيا تصنع طائرات وباكستان قطارات ونحن ما زلنا نناقش هل الحجاب لكل الراس وهل تصح الصلاة بمسح القدمين ام بغسلهما' وثالث يقول : 'الدول تنشئ مراكز بحثية نووية ووكالات فضائية ونحن ننشئ مراكز تحفيظ القران' ، فيعلّق له متنورون مثله ومتطورون ان الأمم التي تنشغل بالماضي لن تصنع المستقبل ، وهذيانات كهذه كثير ، يا أخي ما هذا الترديد الغبي دون وعي والنقل الأعمى واحدا عن واحد دون علم ، هل تظن ان تلك الأمم التي تصنع الطائرات ليس لديها أدب وشعر واهتمام بلغة الأولين وابداعات الحاضرين ، هل لأنك لا تعرف من العالم الا صفحة تنقل منها وتردد تظن ان الامم التي تنشئ مراكز فضائية شرط ان تهمل المراكز الدينية او الأخلاقية ، هل بسبب ببغاويتك العمياء صدّقت ان الأمم التي تصنع قطارات وتفتح جامعات هي أمم لاعلاقة لها بالتربية والآداب والدين والخلق؟! كان لي صديق يواظب على الصلاة ولا يقرب المعاصي وكان يرى صديقا ثالثا لنا يقيم صلاته في وقتها ولكنه كان مبتلى بشرب الخمر أحيانا ، فقال له يوما ونحن جالسون وقد همّ الرجل القيام الى صلاته : يافلان : 'لماذا تضحك على نفسك وتضحك على الله ، أترك الصلاة يا اخي فأنت شارب خمر' ، قلت له غاضبا : لماذا تصرّ على ان يترك الصلاة ولا تحثّه على ترك الخمر ، يا اخي دعه يصلّي فلعل الله يوما يثبّت صلاته ويرزقه ببركتها ترك الخمر، فالصالحات خير وابقى . و أنت أيها الناصح والكاتب والخطيب : لماذا النقد العبثي والسلبي والهدّام ، دعْ من يربّي الأجيال على الخلق والدين يواصل مهمته ، و دع من يبدع في الشعر والأدب والفن والرسم والمسرح دون إسفاف يداوم موهبته ، واذهب وابحث في مكان آخر من مجتمعك عن علماء وخبراء وموهوبين في التطوير والصناعة فسوف نفخر بهم أيضا ولن يمنعهم او يلومهم أحد . هكذا تَصنع الأمم ،، ولا تردّد ما لا تفهم كالببغاء .