
الدين في السياسة الخارجية
تثار أحياناً تساؤلات حول مدى مشروعية استناد السياسة الخارجية إلى الدين، إذ يرى البعض أن الموقف اليمني تجاه الـقـضـيـة الـفـلـسـطـيـنـيـة، الذي ينطلق من منطلقات دينية، والذي تحدث عنه الـسـيـد الـقـائد يحفظه الله، يعكس إخفاقاً في السياسة الخارجية، نظراً لضرورة الفصل بين الدين كشعائر روحية وبين القرارات السياسية للدولة. غير أن التحليل الموضوعي للسياسات الدولية يكشف أن الأبعاد الدينية حاضرة بوضوح في استراتيجيات العديد من الدول الكبرى والإقليمية، بل إنها تشكل ركيزة لبعض القرارات الجوهرية.
فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تفصل رسمياً بين الدين والدولة وفقاً لدستورها، فإن البعد الديني لعب دوراً واضحاً في توجهاتها الخارجية، خاصة في بعض الإدارات. فعلى سبيل المثال، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن خطاباً يحمل دلالات دينية، حيث وصف حملته الـعـسـكـريـة ضد ما أسماه "الإرهـاب" بأنها "حـرب صليبية"، في تعبير يعكس تأثير الأيديولوجيا الدينية في رسم السياسات الخارجية الأمريكية، لا سيما في المنطقة العربية. أما في عهد الرئيس دونالد ترامب، فقد برزت تأثيرات الفكر الديني المحافظ في سياساته، حيث تبنى خطاباً يعكس توجهات التيار الإنجيلي المتطرف، وهو ما بدا واضحاً في دعمه غير المشروط لإسـرائـيـل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018، في خطوة استندت إلى تبريرات دينية تدعمها بعض الجماعات المسيحية الـصـهـيـونـيـة. إضافة إلى ذلك، زعم ترامب في إحدى تصريحاته أنه "اختير من الله" لإنقاذ أمـريـكـا، في إشارة إلى نزعة دينية حاضرة في رؤيته السياسية.
وتستند إسـرائـيـل في سياساتها الخارجية إلى البعد الديني، حيث تستلهم كثيراً من شرعيتها من المفاهيم التوراتية، مثل "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد". هذه الرؤية لعبت دوراً محورياً في تبرير التوسع الاسـتـيـطـانـي، والذي تدعمه أحزاب دينية متطرفة ترى أن السيطرة على "يهودا والسامرة" جزء من واجب ديني. كما تعتمد الحكومات الإسـرائـيـلـيـة على دعم الجماعات الدينية في الولايات المتحدة، وخاصة الإنجيليين، الذين يرون قيام إسـرائـيـل عام 1948 خطوة لتحقيق نبوءات دينية.
وتستخدم السعودية البعد الديني في سياستها الخارجية، حيث تسوّق نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي السني، وتستند إلى هذه المكانة لتعزيز نفوذها في القضايا الإقليمية، كما يظهر في قيادتها للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهـاب عام 2015. كذلك، تلعب رابطة العالم الإسلامي، التي تمولها السعودية، دوراً دبلوماسياً يعكس هذا التوجه. أما إيـران، فتنطلق في سياستها الخارجية من رؤية الـثـورة الإسـلامـيـة التي أسسها الإمام الـخـمـيـنـي عام 1979، والتي تدمج البعد الديني بالسياسة. ويظهر هذا التوجه في دعمها لـجـمـاعـات تعتبرها "امتداداً لـلـمـقـاومـة الإسـلامـيـة"، مثل حـزب الله في لبنان، إضافة إلى تبني خطاب يدعو إلى تصدير الـثـورة إلى دول المنطقة.
وعلى الرغم من أن تركيا جمهورية علمانية دستورياً، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية، سعت إلى تقديم نفسها كحاملة لواء "الإسلام المعتدل"، ما انعكس في تبنيها سياسات خارجية تعزز نفوذها في العالم الإسلامي، كما يظهر في دعمها لـجـمـاعـات إسلامية في المنطقة، مثل الإخوان المسلمين.
يكشف تحليل السياسات الخارجية للدول الكبرى والإقليمية أن الدين ليس مجرد عنصر ثانوي، بل يشكل أحد الأبعاد المؤثرة في صنع القرار. وبينما تحاول بعض الدول تقديم سياساتها الخارجية على أنها تستند إلى المصالح القومية البحتة، فإن البعد الديني غالباً ما يكون حاضراً.
وبالتالي، فإن القول بأن السياسة الخارجية يجب أن تكون منفصلة تماماً عن الدين لا يتوافق مع واقع العلاقات الدولية، حيث يبقى الدين عنصراً فاعلاً في توازنات الـقـوة العالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد اليمني الأول
منذ يوم واحد
- المشهد اليمني الأول
متى تنتصر غزة؟
يقدّم الإعلام المتصهين الحرب في غزة على أنها صراع بين الكيان الصهيوني وأطراف سياسية محلية، في محاولة ماكرة لتفكيك وحدة المعركة وتجزئة صفوف المناهضين له. وهذه سياسة لطالما انتهجتها الأنظمة العميلة منذ أن دنّس الاحتلال أرض فلسطين وحتى يومنا هذا. لكن الحقيقة الساطعة التي لا يُمكن لعاقل إنكارها، أن هذه حرب أمّة بأكملها ضد عدوّ يتربّص بها، حرب بين الإسلام وأعدائه، بين أمة محمد وأحفاد قتلة الأنبياء. وغزة اليوم لا تؤدي دورًا محليًا، بل تؤدي واجبها التاريخي في الصراع الأزلي بين حزب الله وحزب الشيطان. وإنّ انتصار غزة، حين يأتي، وزوال الكيان، حين يتحقق، سيكونان انتصارًا للأمة الإسلامية كلها، لا لحدود جغرافية ضيقة ولا لفصيل بعينه. وعندها، كما هو دأب التاريخ، قد تُطمس تضحيات الغزاويين، ويصعد على المنابر من لم يقدّم قطرة دم ولا موقف صدق، ليقتات على المجد الزائف، ويجعل من نفسه بطلًا وهميًا، كما سيفعل بن سلمان والسيسي وغيرهما. هؤلاء سيُجنّدون الإعلام ويشترون الأقلام لتسطير انتصاراتهم المزعومة، كما فعل أمثالهم عبر القرون، ومَن أراد الأمثلة فليقرأ التاريخ، وإن نطقنا ببعضها اتُّهمنا بالإساءة إلى من يُلقبونهم بـ'السلف الصالح'. الحرب اليوم ليست حرب غزة وحدها، بل هي حرب الأمة كلها، وغزة ليست إلا رأس الحربة في مواجهة العدو. لن يتحقق النصر إلا إذا سارت بقية الأقطار على دربها، وقدّمت من التضحيات ما يوازي ما قدّمه أهلها من دماء وصبر وثبات. وكلما عظُمت المأساة في غزة، كانت مقدمة لخسائر أكبر تصيب الأمة جمعاء، حتى يكون الجميع شركاء في نصرٍ إسلاميٍّ جامع. أما إذا بقي الآخرون على هامش المعركة، فإن المصيبة أعظم، وقد يُفضي هذا التقاعس إلى انتكاسة روحية وارتداد جماعي عن الإسلام، لأن سنّة الله في خلقه أن يبتلي عباده، ليَميز الصادق من الكاذب، والثابت من المتلوّن. وليس هناك في أيامنا هذه ابتلاءٌ أصدق من مشاهد غزة، فهي آيةٌ من آيات الله تُعرَض على الناس صباح مساء. ومن خذلها، فقد اختار الباطل عن وعي، وسلك طريق الضلال برغبته، ويبدو أن أغلب العرب ماضون إلى هذا المصير، وصدق الله العظيم حين قال: 'ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ'. ومن المؤسف أن كثيرًا من العرب اليوم ينظرون إلى الحياة بعيون المنافقين، ويختزلون الصراع في مصالح ومكاسب سياسية، كأنه خلاف على سلطة أو نفوذ، لا صراع وجودي بين حق وباطل. وهذا بحد ذاته مؤشّر خطير، لأنه إنكار لوعد الله، وكفر بسننه التي وردت في كتابه الكريم. لقد أصبحوا كالأنعام، بل أضل سبيلًا، فإذا جاءهم من يدعوهم لنصرة الحق، اتّهموه بالعمالة والخيانة، لا لشيء إلا لأنه فضح نفاقهم. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنه يدل على أنهم يسيرون إلى هاوية عقوبة إلهية كبرى، كتلك التي أصابت قوم لوط وعاد وثمود. وسيكون النصر، لا محالة، لأولئك الرجال المخلصين الذين ثبتوا في غزة، وفي أكناف غزة، يوم انشغل غيرهم بتزيين هزائمهم وتبرير خذلانهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد محسن الجوهري


المشهد اليمني الأول
منذ 2 أيام
- المشهد اليمني الأول
ضغوط داخلية وخارجية على صناع القرار الأوروبي.. هل أصبحت أوروبا على قناعة تامة بوقف العدوان على غزة؟ أوروبا
تشير العناوين الواردة من عواصم القرار الأوروبية بشأن تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى لحظة سياسية فارقة في العلاقة بين أوروبا وكيان الاحتلال، فبعد أكثر من عام من العدوان، ومع تصاعد الخسائر البشرية والدمار غير المسبوق، تتبلور في أوروبا قناعة سياسية وشعبية متزايدة بأن هذا العدوان لم يعد يمكن تحمّله – لا أخلاقياً، ولا سياسياً، ولا أمنياً. أولاً: من التعاطف إلى القطيعة السياسية التدريجية شهدت المواقف الأوروبية منذ بداية الحرب تحولات تدريجية. ففي البداية، أظهرت معظم العواصم الغربية تماهياً مع ما تعتبره 'إسرائيل' مخاوف أمنية بعد 7 أكتوبر، إلا أن طول أمد العدوان، وجرائم الحرب والضحايا المدنيين، والانهيار الإنساني في غزة – كلها عوامل دفعت أوروبا إلى إعادة تقييم موقفها. تصريح وزير بريطاني بأن 'بريطانيا لم يعد بوسعها تحمّل الهجوم على غزة' يأتي كمؤشر واضح على نفاد الصبر الأوروبي، خصوصاً أن بريطانيا تعتبر راعياً رئيسياً 'لتل أبيب' ومن أكثر الدول الأوروبية قرباً منها. هذا التحول يُترجم في فرنسا، إيطاليا، وإسبانيا إلى خطوات عملية: استدعاء السفراء، والتلويح بمراجعة اتفاق الشراكة مع 'إسرائيل'، وهو أمر غير مسبوق. ثانياً: ضغوط داخلية وخارجية على صناع القرار الأوروبي شهدت شوارع أوروبا احتجاجات ضخمة مؤيدة وتضامنية مع غزة، ومع تزايد الجرائم المروعة على المدنيين، باتت الحكومات الأوروبية تحت ضغط داخلي من الرأي العام، والأحزاب اليسارية، ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى بعض الأصوات في اليمين المعتدل. كما تُظهر الحرب على غزة تناقضاً صارخاً بين ما تدّعيه أوروبا من التزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وبين دعمها وتواطؤها مع 'إسرائيل'. ومع استمرار الحرب على غزة، أصبح من الصعب على الدول الأوروبية تبرير موقفها أمام مواطنيها والعالم. الادعاءات الأوروبية بشأن التخويف من الإسلام (الإسلام فوبيا) وداعموا هذه السياسات، كلها أصبحت اعتبارات أمنية زائفة وانعكس تأثيرها في بين شعوب العواصم الأوروبية، ما سيدفع أوروبا لمواقف أكثر تشدداً تجاه 'إسرائيل'. وعن ملامح التحول في الاستراتيجية الأوروبية تشكل الخطوات الدبلوماسية الجارية، مثل استدعاء السفراء ومراجعة اتفاقيات الشراكة تعبيراً عن الاحتجاج على الحرب الإسرائيلية ومقدمة لعقوبات أو قيود على العلاقات المستقبلية مع 'إسرائيل' إذا استمرت الحرب، هذا التحول لا يعني بالضرورة دعماً مباشراً للمقاومة الفلسطينية، لكنه يُمثل اتجاهاً نحو فرض وقف إطلاق نار إنساني، وفرض مسار سياسي لحل الدولتين، كوسيلة لحماية الاستقرار الإقليمي والعالمي. رغم كل ذلك فإن أوروبا، التي لطالما بدت متخاذلة في الماضي بشأن دعم حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية خلال عقود طويلة مضت، بدأت الآن في اتخاذ خطوات سياسية حاسمة تُعبّر عن نفاد صبرها من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. فاستمرار الحرب سيضع العلاقات الأوروبية–الإسرائيلية على مسار تصادمي قد يتطور إلى قطيعة سياسية جزئية أو كاملة. وهذه لحظة اختبار حقيقية لمدى قدرة أوروبا في الدفاع عن ما تدعيه. وأنها تمتلكه. من قيم ومبادئ إنسانية والتزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.


وكالة الأنباء اليمنية
منذ 2 أيام
- وكالة الأنباء اليمنية
البيضاء.. مسير وعرض لطلاب الدورات الصيفية في مديرية السوادية
البيضاء- سبأ : نظمت اللجنة الفرعية للدورات الصيفية والسلطة المحلية في مديرية السوادية بمحافظة البيضاء، اليوم، مسيراً وعرضاً لطلاب الدورات الصيفية النموذجية في المديرية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني. وردد الطلاب في المسير والعرض، الذي تقدّمه وكيل المحافظة علي السقاف والقيادات المحلية والتنفيذية، شعارات البراءة من أعداء الإسلام وطغاة العصر "أمريكا وإسرائيل".. منددين بجرائم الكيان الصهيوني الوحشية في غزة وصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة إزاء هذه الجرائم. وثمّنوا المواقف المشرفة لقائد الثورة، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، والقوات المسلحة والشعب اليمني في نصرة الأشقاء الفلسطينيين في غزة. وأكد المشاركون في المسير وقوفهم إلى جانب أطفال وابناء غزة.. داعين أطفال العالم إلى التضامن مع المظلومين والمستضعفين في غزة. وأشادوا بجهود القائمين على الدورات الصيفية والكوادر التعليمية المبذولة في تزويدهم بهدى الله والقرآن الكريم، وإكسابهم المهارات الرياضية والثقافية، وصقل مواهبهم، وتحصينهم من الثقافات الخاطئة. وفي المسير، أكد وكيل المحافظة السقاف اهتمام القيادة الثورية والسياسية بالدورات الصيفية، ودورها في تحصين الشباب من مخاطر الحرب الناعمة، وبناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة.