
مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أوروبا عبر بوابة الثقافة؟
فبعد انطلاق الحرب، رفض الحليف القديم للرئيس فلاديمير بوتين إدانة الغزو، موقف لقي رفضا واسعا من المؤسسات الأوروبية، تجسد في فصله من قيادة أوركسترا ميونيخ الفيلهارمونية ، وكذلك من منصبه كعضو في الأكاديمية الملكية السويدية للموسيقى، إلى جانب إلغاء حفلاته في فرنسا وإيطاليا.
أما في روسيا، فقد احتفظ غيرغييف بمنصبيه المرموقين كرئيس لمسرحي البولشوي في موسكو وكذلك مارينسكي في سانت بطرسبرغ.
لكن وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على بدء الحرب في أوكرانيا، ها هو قائد الأوركسترا، الذي يعد من أبرز الشخصيات الثقافية الروسية، مدعو إلى الوقوف على خشبات المسارح الأوروبية. إذ من المزمع أن يقدم عرضا ضمن مهرجان "أون إستيت دا ري" في كامبانيا بجنوب إيطاليا في 27 يوليو/تموز.
غيرغييف في إيطاليا "سابقة خطيرة" و"محض نفاق"
رئيس المجلس الإقليمي لكامبانيا فينتشنزو دي لوكا وهو أيضا عضو الحزب الديمقراطي (يسار الوسط)، دافع عن هذه الخطوة قائلا، إن عرض غيرغييف يسمح بالإبقاء على "قنوات التواصل مفتوحة حتى مع من لا يفكرون مثلنا"، مضيفا أن إلغاء مشاركته سيؤدي إلى "إشعال فتيل الكراهية".
جاءت تصريحاته بعد انتقاد ممثلين إيطاليين وشخصيات معارضة روسية لهذا القرار، محذرين من أن فتح الباب أمام هذا الموسيقي سيُشكل سابقة خطيرة.
في هذا السياق، قال وزير الثقافة أليساندرو جولي، المُعين من زعيمة اليمين المتطرف جورجيا ميلوني، إن أداء غيرغيف سيُحول المهرجان إلى "منصة للدعاية الروسية".
من جانبها، قالت يوليا نافالنايا، أرملة زعيم المعارضة الروسية الراحل أليكسي نافالني، إن ظهور المايسترو هو بمثابة "هدية للديكتاتور [بوتين - ملاحظة المحرر]". وأضافت في مقال نشرته الثلاثاء صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية: "الحرب المروعة والمدمرة مستمرة في أوكرانيا". متسائلة: "كيف يُعقل أنه في صيف 2025، وبعد ثلاث سنوات من بدء النزاع في أوكرانيا، تمت دعوة فاليري غيرغيف، المتواطئ مع بوتين والشخص المُدرج على قوائم عقوبات عدة دول، بشكل مفاجئ إلى إيطاليا للمشاركة في مهرجان؟"
كما دعت "مؤسسة مكافحة الفساد" التي أسسها نافالني إلى إلغاء الحفل. وقالت إن "أي محاولة لغض الطرف عمّن يكون فاليري غيرغييف خارج ساعات قيادته للفرق الموسيقية والتظاهر بأن هذا مجرد حدث ثقافي لا يحمل أي أبعاد سياسية.. هو محض نفاق".
والإثنين، وبعد إدانات أوكرانية وجدل داخلي حاد، تقرر إلغاء الحفل الذي كان مبرمجا لقائد الأوركسترا الروسي الشهير بقصر كازيرتا قرب مدينة نابولي، وهو المقر السابق لعائلة بوربون الملكية، وفق ما أعلن القيّمون على الحدث. وقررت إدارة المهرجان "إلغاء الحفل السمفوني بقيادة فاليري غيرغييف".
"محاولة غير بريئة للنأي عن آلة الحرب الروسية"
في الواقع، يُعتبر غيرغيف من بين الفنانين المؤيدين للكرملين الذين تأثروا بالمقاطعة الأوروبية الواسعة في السنوات الثلاث الماضية، الأكثر ارتباطا بالمؤسسة الروسية. في هذا الشأن، يشرح د. دان إلفيك المحاضر بعلم الموسيقى في رويال هولواي بجامعة لندن: "يصعب التفكير في شخصية أخرى أكثر مركزية منه لجهة البنية الثقافية والسياسية للموسيقى الروسية". مضيفا: "غيرغيف قريب بشكل كبير من فلاديمير بوتين على المستوى الشخصي، بعيدا عن كل انتماء سياسي آخر. على الرغم من ذلك، لم يتردد في التعبير عن دعمه السياسي لبوتين بشكل علني".
لكن وبالرغم من ارتباطه الوثيق بسيد الكرملين، من المرجح وفق أنباء متداولة بأن غيرغيف قد يعود حتى للظهور على المسارح الإسبانية في 2026. وهو على أية حال، ليس الفنان الروسي الوحيد المثير للجدل الذي يبدو أن مؤسسات أوروبية باتت لا تجد من مانع لاستضافته.
إذ إن السوبرانو العالمية الشهيرة، آنا نيتريبكو، التي رعاها غيرغيف أصلا، ستعود هي الأخرى إلى دار الأوبرا الملكية بلندن لأول مرة منذ ست سنوات في سبتمبر/أيلول 2025، لافتتاح موسمها بعرض جديد لأوبرا "توسكا" لبوتشيني. وكانت نيتريبكو من أكثر مؤيدي بوتين قبل الغزو، حتى إنها احتفلت بعيد ميلادها الخمسين بإحياء حفل في الكرملين.
وكان قد تم إلغاء حفلاتها الموسيقية حول العالم عقب ردود فعل غاضبة على بيان أصدرته في 2022، أدانت فيه الحرب بدون انتقاد الزعيم الروسي بشكل صريح. لكنها نأت في بيان لاحق بنفسها عن بوتين ما سمح لها بالعودة إلى المسارح الأوروبية، بما فيها لا سكالا وأوبرا برلين الحكومية وأوبرا باريس. على الرغم من ذلك، انقسم الجمهور بين من قابلها بالاحتجاج وبصيحات الاستهجان ، ومن رحب بها بالتصفيق الحار والتعليقات الإيجابية، خلال ذلك الحدث.
ومن المنتظر، أن يشكل ظهورها مجددا في مسارح لندن، ومن ثم أوبرا زيورخ في نوفمبر/تشرين الثاني، عودة شبه كاملة إلى أبرز المسارح العالمية، ما عدا أوبرا متروبوليتان في نيويورك. ولم تظهر نيتريبكو في قاعة الحفلات الموسيقية الأمريكية تلك منذ 2022، بسبب ما اعتبره المدير العام لأوبرا متروبوليتان بيتر جيلب في تصريحات أخيرة بأنه "محاولة غير بريئة منها للنأي بنفسها عن المجهود الحربي الروسي".
"إلى الأمام"... دعاية سوفياتية في معارض أوروبية؟
في الحقيقة، تدفع مسألة نتريبكو إلى التساؤل حول سبل تعامل المؤسسات الثقافية الأوروبية مع الفنانين الروس البارزين الذين لديهم مواقف سياسية غامضة، فيما يدعو قادة التكتل إلى فرض عقوبات إضافية على موسكو.
وعلى غرار الموسيقى، فإن عالم الفنون الجميلة هو الآخر يشهد شدا وجذبا حول هذه القضية. فقد واجه زوار معرض "آرت بازل" الفني السنوي لعام 2025 نفس المعضلة، بعد عرض لوحات فنية تبدو مناصرة للجيش، تعود للفنان الروسي إريك بولاتوف.
وضم معرض يونيو/حزيران في سويسرا لوحتين ضخمتين للفنان، تُصوّران الكلمة الروسية "ВПЕРЁД" التي تعني "إلى الأمام"، واللتين تم تصميمهما بطريقة تشبه أساليب الملصقات الدعائية السوفياتية التقليدية.
تم إنجاز لوحة "فوروارد 2" المزدوجة عام 2016، أي بعد عامين من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
على أية حال، لم يُدلِ بولاتوف، المقيم في باريس منذ 1991 بأي تعليق علني حول الحرب الروسية الأوكرانية، وهي ظاهرة يمكن تفهمها إلى حد ما، إذ إن أي معارضة صريحة لبوتين "قد تُشكل خطرا" حتى على الروس المقيمين في الخارج.
لكن من جهة أخرى، يمكن أيضا أن يفسر تجنب فنانين روس الخوض في أحاديث السياسة، على أنه اتخاذ لموقف "محايد" أو حتى تأييد ضمني للغزو، وهو ما حاولت نيتريبكو على الأرجح فعله في البداية.
لكن العارض السويسري الذي يُمثل بولاتوف، قال إن لوحات الأخير "بعيدة كل البعد عن المواقف الحزبية".
على الرغم من ذلك، اعتبر البعض في معرض "آرت بازل" بأن إشارات لوحاته البصرية ترمز إلى الدعاية العسكرية السوفياتية وللإمبريالية، على أقل تقدير، وهو بالنسبة لهم "إقحام فظ" من قبل المنظمين، لا بل وأيضا، في أسوأ الأحوال، تأييد لمحاولة روسيا احتلال مزيد من الأراضي الأوكرانية.
حتى إن أحد الناشطين الأوكرانيين كتب على لافتة رفعت بجانب هذه الأعمال الفنية: "الطريق الوحيد أمام روسيا هو التراجع". فيما كُتب على أرضية المعرض: "روسيا دولة إرهابية".
"قوة ناعمة"... و"تليين الرأي العام الغربي"
يمكن إرجاع جزء من المخاوف حيال مسألة إعادة فنانين روس بارزين إلى المشهد الثقافي الأوروبي، وخاصة أولئك المرتبطين ببوتين، إلى احتمال أن يفتح ذلك الباب أمام تغلغل النفوذ الروسي في أوروبا. فقد رأت النائبة الأوروبية وعضو الحزب الديمقراطي الإيطالي بينا بيتشيرنو في تصريح لقناة بي بي سي: "غيرغيف هو جزء من استراتيجية متعمدة للكرملين. إنه أحد مبعوثيهم الثقافيين والهدف هو تليين الرأي العام الغربي" حيال موسكو.
باختصار، يحول الترويج لصورة روسيا وبوتين من خلال التميز الثقافي الانتباه عما يفعله جنودها في ساحة المعركة، بما فيها الاتهامات بارتكابهم إبادة ثقافية في أوكرانيا. لكن في نفس الوقت، فإن الحظر الشامل لكافة الفنانين الروس قد يؤدي إلى الخلط بين الثقافة الروسية بشكل عام وبين سياسات الكرملين الحالية، وهو ما يطرح أيضا إشكالية وقد يشكل خطرا، حسب الخبراء.
تعقيبا، اعتبر دان إلفيك بأن "ثمة أسئلة حساسة حيال ما تُحققه المقاطعة الثقافية". يضيف المحاضر بعلم الموسيقى بجامعة لندن بأن "إقحام تشايكوفسكي [بيتر إليتش تشايكوفسكي هو مؤلف موسيقي شهير] لا يخدم المجهود الحربي بشكل ملموس، لكن رفض التعامل مع الفنانين المرتبطين بفلاديمير بوتين يبدو خيارا أكثر فعالية".
لحد اليوم، اتبعت المؤسسات الثقافية الأوروبية نهجا متشددا في هذا الإطار، من خلال تهميش حلفاء بوتين وإبراز الفنانين الروس المعارضين للكرملين. فمثلا، من المقرر أن يقدم المخرج المسرحي الروسي المنفي طوعيا كيريل سيريبرينيكوف في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، عرضا لمسرحية هاملت لشكسبير على مسرح شاتليه بباريس، بلغات متعددة بما فيها الروسية.
يعد سيريبرينيكوف ناشطا في مجال الدفاع عن حقوق مجتمع الميم، وهو أيضا ناقد صريح للكرملين، حتى إنه انتقد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. تم وضعه لاحقا قيد الإقامة الجبرية لمدة 18 شهرا بتهم احتيال نظر إليها على نطاق واسع ذات دوافع سياسية.
نذير شؤم أم مجرد استثناء؟
لكن مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، كيف سيكون وقع إغراء الأسماء الروسية الكبيرة على المواقف الأوروبية. هل ستكون عودة غيرغيف بمثابة نذير شؤم أو مجرد استثناء؟ الجواب قد يكمن في النجم السابق للباليه العالمي سيرغي بولونين.
فعلى الرغم من أن نجم فرقة الباليه الملكية البريطانية السابق قد ولد في أوكرانيا إلا أنه يعتبر نفسه روسيا. وقد أدرجه الأوروبيون في القائمة السوداء لدعمه الكرملين بعد غزو أوكرانيا بما في ذلك مساعدته على تنظيم حملات تبرع للجنود الروس.
كان بولونين من المؤيدين المخلصين لبوتين حتى إن جسده يحمل ثلاثة وشوم لوجه الزعيم الروسي، وقد مُنح في 2019 أدوارا مرموقة من قبل الكرملين بما فيها إدارة مسرح أوبرا وباليه جديد في سيفاستوبول، أكبر مدينة في شبه جزيرة القرم، كما تم تعيينه أيضا رئيسا لأكاديمية للرقص.
لكن في أغسطس/آب 2024، تمت تنحيته من كلا المنصبين، على الأرجح بسبب منشور على المنصات الاجتماعية قال فيه إنه يشعر "بالأسف الشديد على سكان" قرية تعرضت لقصف عنيف قرب خيرسون حيث نشأت عائلته، وكذلك دعوته بوتين إلى إنهاء القتال.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن بولونين، الذي يحمل أيضا وشما آخر على يده اليسرى، للرمز الوطني الأوكراني وهو الرمح ثلاثي الشعب، أنه سيغادر روسيا بصحبة عائلته، بعد أن قال إنه لم يعد يشعر بالأمان فيها.
لكن هل سيحظى الفنان الذي لم يكن يخفي في السابق إعجابه ببوتين، قبل أن يتخذ موقفا جديدا مؤخرا حيال الحرب في أوكرانيا، بالترحيب على المسارح الأوروبية؟ لم يُعلن النجم بعد عن أي حفلات دولية له.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فرانس 24
منذ ساعة واحدة
- فرانس 24
ترامب: من الممكن عقد اجتماع مع بوتين وزيلينسكي "قريبا جدا"
01:38 07/08/2025 مع بدء فرض الرسوم الجديدة.. مليارات الدولارات تتدفق إلى الولايات المتحدة الأمريكية 07/08/2025 آخر المستجدات بشأن الحريق الهائل في منطقة أود جنوب فرنسا 07/08/2025 روما توافق على بناء أطول جسر معلق في العالم يربط صقلية بالبر الرئيسي 07/08/2025 العلاقات الفرنسية الجزائرية: تصعيد مرحلي ام قطيعة؟ 06/08/2025 ماذا بعد رفض حزب الله تسليم السلاح؟ وماهي التداعيات المتوقعة على لبنان؟ الشرق الأوسط 06/08/2025 الحكومة الإسرائيلية تصادق على مخططات استيطانية جديدة تقسّم الضفة الغربية 06/08/2025 مبعوث ترامب يلتقي بوتين في موسكو والكرملين يصف المحادثات بالبناءة 06/08/2025 تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان "نسمات المتوسط" المتخصص في فنون الشارع 06/08/2025 الناسا تسعى لبناء أول مفاعل نووي على سطح القمر بحلول عام 2030


فرانس 24
منذ 2 ساعات
- فرانس 24
آخر المستجدات بشأن الحريق الهائل في منطقة أود جنوب فرنسا
02:25 07/08/2025 روما توافق على بناء أطول جسر معلق في العالم يربط صقلية بالبر الرئيسي 07/08/2025 العلاقات الفرنسية الجزائرية: تصعيد مرحلي ام قطيعة؟ 06/08/2025 ماذا بعد رفض حزب الله تسليم السلاح؟ وماهي التداعيات المتوقعة على لبنان؟ الشرق الأوسط 06/08/2025 الحكومة الإسرائيلية تصادق على مخططات استيطانية جديدة تقسّم الضفة الغربية 06/08/2025 مبعوث ترامب يلتقي بوتين في موسكو والكرملين يصف المحادثات بالبناءة 06/08/2025 تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان "نسمات المتوسط" المتخصص في فنون الشارع 06/08/2025 الناسا تسعى لبناء أول مفاعل نووي على سطح القمر بحلول عام 2030 06/08/2025 ما حظوظ أن تثمر زيارة ويتكوف إلى روسيا وقفا للحرب في أوكرانيا؟ 06/08/2025 الحرب في غزة: ما حقيقة الخلافات بين الحكومة والجيش في إسرائيل؟


فرانس 24
منذ 2 أيام
- فرانس 24
ديمتري مدفيديف يستفز دونالد ترامب.. تجاوزات "زعيم التحريض" في سلطات بوتين
إنه الرجل الذي دفع بدونالد ترامب، الجمعة 1 أغسطس / أب إلى نشر غواصتين نوويتين فيما أسماه "أماكن مناسبة" غير بعيدة عن روسيا. يعتبر الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف المسؤول الروسي الذي يدفع بالاستفزاز إلى أقصى مدى منذ بداية الغزو الروسي الواسع على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. ويعتبر هذا، تحولا كبيرا بالنسبة لسياسي، كان، قبل عشر سنوات، يجسد الوجه الليبرالي لروسيا. معتاد على التصريحات الاستفزازية مبررا قراره بنشر غواصتين، نشر دونالد ترامب على موقعه الاجتماعي تروث سوشيال "الكلمات تحمل معاني ويمكن أن يكون لها عواقب". للإشارة، سبق لديمتري مدفيديف أن تهور مرات عدة عبر المواقع الاجتماعية ضد المهلة الجديدة المحددة بعشرة أيام الذي منحتها واشنطن لموسكو، لوضع حد لحرب أوكرانيا. وتحدث الرئيس السابق عبر منصة إكس عن احتمال وقوع حرب عالمية ثالثة إذا أصر ترامب على إرغام فلاديمير بوتين ، من جديد على التهديد بالسلاح النووي. يبدو أن ترامب يرى أن الأمر بلغ مداه. إلا أن الوقوع في فخ استفزازات ديمتري مدفيديف قد يكون مدهشا، يرى ستيفن هال، وهو مختص في السياسة الروسية بجامعة باث الإنكليزية. ومن جهتها، تقول جيني ماترس، وهي مختصة في المسائل الأمنية في روسيا، بجامعة أبيريستويث الإنكليزية "إذا أردنا معرفة ما يفكر فيه فلاديمير بوتين وخاصة ما الذي يريد إيصاله للعالم، فلا يجب الاستماع إلى ديمتري مدفيديف، بل إلى سيرغي لافروف، (وزير الخارجية الروسي)." أصبح الرئيس الروسي السابق (2008-2012) معتادا على إصدار التصريحات الاستفزازية في السنوات الأخيرة. حسابه على تليغرام الذي يتابعه أكثر من مليون شخص، يزخر بالاستفزازات التي تكاد أن تبلغ درجة الشتائم. حيث سبق له أن وصف أورسولا فون دير لاين الرئيسة الألمانية للمفوضية الأوروبية على أنها "الجدة الهيستيرية". كما اتهم فرنسا بالحنين لنظام فيشي، واعتبر دول البلطيق حقيرة. كل هذه التصريحات في رسالة واحدة، اطلع عليها أكثر من ثلاثة ملايين مستخدم على تيلغرام. لماذا كل هذه الكراهية؟ علاوة على هذا، مدفيديف فخور بكل ذلك، مؤكدا "الكره سلاح عظيم". وفي هذا السياق، تقول جيني ماترس "الشيء المثير للاهتمام هو أنه لطالما جسد نسخة أكثر تطرفا من ذلك الوجه الذي كان فلاديمير بوتين يريد إظهاره للعالم". مدفيديف ومشواره السياسي عندما وصل ديمتري مدفيديف في 2008 إلى سدة الحكم، كان الأوان قد حان للتقارب بين الولايات المتحدة التي يترأسها حينها باراك أوباما، تقارب كان يريده بوتين. ويقول الباحث ستيفان هال "كان يقدم على أنه سياسي معتدل وليبرالي قادر على التأقلم مع الغرب، لأنه كان يحسن استخدام تويتر وآيباد". وفي نظر فلاديمير بوتين، يمتلك مدفيديف ميزة أخرى، كونه "لم يكن ضمن دائرة "السلوفيكي" أي رجال جهاز أمن الدولة، وكذا تكوينه القانوني يجعله مرشحا جيدا لتجسيد روسيا أكثر حداثة"، يضيف ستيفان هال. تعتبر عودة فلاديمير بوتين إلى رئاسة الدولة في 2012 بمثابة بداية مسار أكثر سلطوية وإمبريالية للنظام الروسي. وفي سياق متصل، تقول جيني ماترس "منذ ذلك الحين، صار مدفيديف يطلق تصريحات أكثر تطرفا من تصريحات بوتين نفسه". بالنسبة للرئيس السابق فإن الأمر يتعلق "جزئيا بالبقاء في المشوار السياسي"، كما يؤكد ستيفين هال. فقد شهدت مسيرة ديمتري مدفيديف السياسية تنازلا منذ 2012، حيث انتقل من أعلى هرم السلطة إلى منصب رئيس الوزراء، لكي ينتهي به الأمر إلى منصب متواضع مثل نائب رئيس مجلس الأمن. وتقول المختصة جيني ماترس "هو ليس حتى رئيس لهذه الهيئة... ولكن يبقى منصبا رسميا يسمح له بالتعبير عن قضايا تمس بالأمن الوطني، يعني تقريبا كل شيء". ومع ذلك "في هذا المنصب، لا يلعب أي دور حاسم، ربما قد يطلب منه، وهو نائب الرئيس، التوقيع على الوثائق، تنظيم الاجتماعات، وتقديم الشاي لمسؤولين مثل نيكولاي باتروشيف وسيرغي شويغو، الأمينين العامين لمجلس الأمن"، يقول ستيفن هال. هل يمكن اعتبار الاستفزاز انتصارا؟ بصراخه بصوت أعلى من الاخرين، يأمل مدفيديف في إثبات وجوده وفائدته. كيف ذلك؟ "يشغل إلى حد ما دور الراحل غلاديمير جيرنوفسكي، الزعيم القومي المتطرف السابق والذي توفي في 2022. فمدفيديف يسير على خطى هذا الأخير ويقدم تصريحات واقتراحات متطرفة واستفزازية، مما يمكن النظام الروسي من فهم ما يمكن تقبله لدى الرأي العام" يفسر المختص ستيفان هال. على الساحة الدولية، يمكن للكرملين أن يدع محرضه الرئيسي يتفاعل "دون مخاطرة كبيرة، فهو ليس في منصب جد مهم، لذلك إذا تجاوز حدوده في تصريح ما، يمكن لفلاديمير بوتين أن يقول إن ذلك لا يعكس الموقف الرسمي للسلطة"، تشير جيني ماترس. وفي انتظار صدور تجاوز مبالغ فيه، يأمل الكرملين أيضا أن تدفع تصريحات ديمتري مدفيديف الاستفزازية المتكررة البلدان الغربية إلى تقليل دعمها لأوكرانيا... إلى حد ما. "موسكو تعلم أن الديمقراطيات الغربية لا يمكن لها أن تتجاهل تماما التهديدات التي يطلقها مدفيديف، حتى وإن كانت تعلم أن 99 بالمئة منها، إنما هي *تبجح صارخ*"، يضيف ستيفن هال. هل تجاوز ديمتري مدفيديف نقطة اللاعودة مع ترامب؟ ليس بالتأكيد، يجمع الخبراء الذين حاورتهم فرانس24. يهدد الرئيس الأمريكي منذ مدة بأنه سيرفع من نبرته ويتحرك بشكل أكثر جدية ضد روسيا. لكن "كان من الصعب عليه مهاجمة فلاديمير بوتين، وجها لوجه، فيما يتعين على واشنطن أن تتفاوض معه من أجل التوصل إلى وقف الحرب في أوكرانيا" يقول ستيفن هال. من هذا المنظور، بدا مدفيديف بمثابة كبش فداء بامتياز لسلوكيات ترامب الغاضب. "لديه ميزة كونه رئيسا سابقا، لذا يمكن أن يظهر كشريك دبلوماسي ملائم لتبادل رسائل دبلوماسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع دونالد ترامب"، يخلص ستيفان هال.