logo
وضع وزير العدل في عهد الرئيس السنغالي السابق تحت الإقامة الجبرية

وضع وزير العدل في عهد الرئيس السنغالي السابق تحت الإقامة الجبرية

الجزيرةمنذ 3 أيام

قررت المحكمة العليا في السنغال ، أمس الثلاثاء، وضع وزير العدل السابق إسماعيل ماديور فال تحت الإقامة الجبرية، وذلك في إطار ملاحقات قضائية تتعلّق بشبهات فساد واختلاس أموال عامّة خلال فترة تولّيه المنصب.
وجاء القرار عقب مثول فال أمام لجنة التحقيق الخاصة التي شكّلتها المحكمة العليا للنظر في قضايا الاتهام بالاختلاس وتبديد المملكات العامة، التي تطال عددا من أبرز رموز عهد الرئيس السابق ماكي صال.
ويُعدّ فال واحدا من بين 5 وزراء صادق البرلمان السنغالي على اتهامهم رسميا يوم 8 مايو/أيار الحالي بتهم الإثراء غير المشروع، والتحايل على الممتلكات العامة.
وقد تولّى فال وزارة العدل حقيبة العدل في فترتين، الأولى من سبتمبر/أيلول 2017 حتى مايو/أيار 2019، والثانية من سبتمبر/أيلول 2022 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويواجه وزير العدل السابق تهمة تتعلّق بصفقة تخصّ إنشاء مركز للمراقبة الإلكترونية، حيث أخذ رشوة قيمتها 49 مليون فرنك أفريقي (حوالي 85 ألف دولار)، مقابل منح الصفقة لأحد المطوّرين العقاريين.
وكان الوزير قد أقر خلال مقابلة تلفزيونية سابقة بتلقّي المبلغ المذكور، لكنه قال إنه أعاده إلى صاحبه "بطريقة دبلوماسية"، موضّحا أن الأمر يتعلّق بالتبرع مقابل بناء مركز المراقبة الإلكتروني.
وجاء القرار بوضع فال تحت الإقامة الجبرية بعد مثول وزيرة المرأة والشؤون الاجتماعية السابقة اندي سلّي ديوب أمام المحكمة، ووضعها تحت الرقابة القضائية بعد أن دفعت كفالة مالية 52 مليون أفرنك أفريقي (حوالي 90 ألف دولار).

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الكونغو الديمقراطية تتطلع لإبرام اتفاق معادن مع أميركا بنهاية يونيو
الكونغو الديمقراطية تتطلع لإبرام اتفاق معادن مع أميركا بنهاية يونيو

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

الكونغو الديمقراطية تتطلع لإبرام اتفاق معادن مع أميركا بنهاية يونيو

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز اليوم الأحد أن مسؤولين من جمهورية الكونغو الديمقراطية متفائلون بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع واشنطن الشهر المقبل لتأمين استثمارات أميركية في المعادن الحيوية، فضلا عن دعم الولايات المتحدة لجهود إنهاء الصراع في شرق البلاد. وحسب الصحيفة فإن نطاق مفاوضات كينشاسا مع واشنطن طموح للغاية فهو يجمع بين منح الشركات الأميركية حق الوصول إلى رواسب الليثيوم والكوبالت والكولتان مقابل الاستثمار في البنية التحتية والمناجم، وجهود إنهاء 30 عاما من الصراع في المناطق الحدودية مع رواندا. وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن معادن في الكونغو يمكن تصديرها بشكل قانوني إلى رواندا لمعالجتها بموجب شروط اتفاق سلام يجري التفاوض عليه مع الولايات المتحدة ، وتتهم كينشاسا منذ فترة طويلة رواندا المجاورة باستغلال تلك المعادن بشكل غير قانوني. الموعد المحتمل ونقلت الصحيفة عن مصدرين مقربين من المفاوضات قولهما إن إبرام اتفاق استثمار مع الولايات المتحدة واتفاق سلام منفصل مع رواندا ممكن "بحلول نهاية يونيو (حزيران)"، لكن العقبات المحتملة لا تزال كبيرة. وتأمل الولايات المتحدة في استعادة موطئ قدم لها في قطاع التعدين الذي هيمنت عليه الصين منذ أن توصلت بكين إلى اتفاقيتها الخاصة "المناجم مقابل البنية التحتية" مع كينشاسا عام 2008، والتي بلغت قيمتها مليارات الدولارات. ونقلت الصحيفة أيضا عن وزير المناجم في الكونغو كيزيتو باكابومبا قوله إن إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة سيساعد على "تنويع شراكاتنا"، مما يقلل من اعتماد البلاد على الصين فيما يتعلق باستغلال الثروات المعدنية الهائلة. وترى الكونغو الديمقراطية أن نهب ثرواتها المعدنية محرك رئيسي للصراع بين قواتها ومتمردي حركة 23 مارس/آذار -التي تزعم كينشاسا أن رواندا تدعمها- في شرق البلاد الذي اشتد منذ يناير/كانون الثاني الماضي. وتتهم كيغالي بتهريب معادن بعشرات الملايين من الدولارات عبر الحدود شهريا لبيعها من رواندا. ضغط وقال كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا ، مسعد بولس في وقت سابق من هذا الشهر إن واشنطن تضغط من أجل توقيع اتفاق سلام بين الجانبين هذا الصيف، مصحوبا باتفاقات ثنائية للمعادن مع كل من البلدين بهدف جلب استثمارات غربية بمليارات الدولارات إلى المنطقة. ونقلت فايننشال تايمز عن المتحدث باسم حكومة رواندا، يولاندي ماكولو القول إن الإجراءات الدفاعية التي اتخذتها رواندا على الحدود ضرورية ما دامت التهديدات وسبب انعدام الأمن في جمهورية الكونغو الديمقراطية مستمرين. وكان تقرير نشرته رويترز في مارس/آذار أفاد بأن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت استعداد واشنطن لاستكشاف شراكات في قطاع المعادن الحيوية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتعتبر الكونغو الديمقراطية من أغنى الدول بالمعادن الحيوية، لا سيما الكوبالت والنحاس والليثيوم.

ملايين البنغول و193 ألف فيل.. شبكات الجريمة تقوّض برية أفريقيا
ملايين البنغول و193 ألف فيل.. شبكات الجريمة تقوّض برية أفريقيا

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

ملايين البنغول و193 ألف فيل.. شبكات الجريمة تقوّض برية أفريقيا

كشف تحقيق استقصائي جديد عن حجم وتعقيد الاتجار بالحياة البرية في جميع أنحاء أفريقيا، وعن شبكة متشابكة من الفساد والجريمة المنظمة والإخفاقات النظامية التي تؤدي إلى تآكل جهود الحفاظ على البيئة وتغذية الأسواق غير المشروعة. ويرسم تحقيق "الاضطراب والفوضى: تحليل لحجم حيوان البنغول (آكل النمل) والاتجار بالعاج 2015-2024" صورة معقدة ومقلقة للاتجار بالحياة البرية من أفريقيا إلى آسيا بين عامي 2015 و2024، أي قبل جائحة كوفيد-19 وبعدها. يُعد التقرير الذي أعدته "لجنة العدالة للحياة البرية" أحد أكثر الدراسات شمولا حتى الآن عن كيفية السماح للثغرات القانونية والتدخل السياسي والضعف المؤسسي بالازدهار في التجارة غير المشروعة في الأنواع المهددة بالانقراض. وتثير الأرقام التي وردت في التحقيق الدهشة، فهناك 8 أنواع من البنغول الكبير والصغير. وفي المتوسط، يصل وزن البنغول إلى نحو 5 كيلوغرامات ويحمل البنغول الواحد ما بين 500 و600 غرام من الحراشف الواقية، ويتطلب طن واحد منها قتل أكثر من 1800 بنغول. الاتجار بالطبيعة في عام 2024، ضبطت الجمارك النيجيرية أكثر من 9.4 أطنان مترية من حراشف البنغول في حاويات شحن مظلمة، مخفية تحت طبقات من الأخشاب أو مخبأة داخل أكياس من الكاجو، مع آلاف أنياب الفيلة، ويشير حجم الشحنة إلى أن أكثر من 18 ألف حيوان بنغول قتلت لتأمين هذه الشحنة وحدها. كما يؤكد التقرير أنه في عام 2019 تجاوزت عمليات ضبط حراشف البنغول العالمية 100 ألف طن، ويقدر التقرير أن عمليات الضبط لا تمثل سوى 10% من إجمالي الكميات المُتاجَر بها، وهو ما يفيد عمليا بقتل الملايين من حيوان البنغول. يعد حيوان البنغول -المعروف أيضا باسم أم قرفة- واحدا من أكثر الثدييات البرية تعرضا للاتجار في العالم، وذلك بعد أن أصبحت التجارة غير المشروعة في حراشفه ولحمه أيضا قضية عالمية قبل نحو 10 سنوات. وهناك 8 أنواع معروفة من البنغول، 4 منها في آسيا و4 في أفريقيا. وخلال العقد الثاني من القرن، بدأ تهريب كميات هائلة من حراشف البنغول الأفريقي لتلبية الطلب المتزايد في آسيا، قدرت خلال العشر سنوات الماضية بأكثر من 370 طنا. وفي عام 2019، ضُبطت شحنتان قياسيتان من حراشف البنغول بفارق أيام قليلة في سنغافورة، بلغ مجموعها أكثر من 25 طنا، بينما ضُبطت 3 عمليات ضبط قياسية للعاج في فيتنام وسنغافورة والصين، بلغ مجموعها أيضا أكثر من 25 طنا. وفي الوقت نفسه، شهد عام 2019 أيضا أحد أكبر عمليات عاج الفيلة التي تمت مصادرتها حتى الآن من التجارة غير المشروعة، إذ أفادت التقارير بأنها بلغت نحو 50 طنا، أي أن 50 فيلا تقريبا قتلوا لتوفيرها. ويشير التقرير إلى أنه بين عامي 2015 و2024، تمت مصادرة أكثر من 193 طنا من عاج الأفيال، وإذا مثّل هذا الرقم 10%، فإن إجمالي عدد الأفيال المقتولة جراء ذلك سيبلغ 193 ألف فيل، أي ما يقرب من نصف إجمالي تعداد الأفيال في أفريقيا، حسب التقرير. ويظهر النمو السريع في متوسط حجم الشحنات تورط شبكات الجريمة المنظمة التي تعمل على نطاق صناعي برأس مال كبير وبنية أساسية تجارية وشبكة اتصالات معقدة لنقل شحنات كبيرة عبر القارات بهذا القدر من التواتر. كذلك تشير التقديرات إلى أن الصيد الجائر خلال السنوات الماضية من هذا القرن بغرض الاتجار في العاج أدى إلى انخفاض أعداد الأفيال في العالم بنحو 30%، معظمها في القارة الأفريقية. وتعد الصين تقليديا وجهة رئيسية لتجارة العاج والحراشف، لكنها كثفت حملتها على الاتجار بالحياة البرية خلال الجائحة. ففي عام 2020، نفذت السلطات عدة اعتقالات بارزة، وفرضت عقوبات أشد على جرائم الحياة البرية، لا سيما على الأنواع المتورطة في نقل الأمراض الحيوانية المنشأ، وقد أسهم ذلك جزئيا في انخفاض عمليات ضبط العاج وحراشف البنغول الرئيسية داخل الصين نفسها. وتشير إجمالي المضبوطات المقدرة بنحو 176.1 مليون دولار على مدى العقد إلى مقدار الربح الذي يجب أن تحققه الشبكات الإجرامية من عمليات الاستيراد والمبيعات الناجحة للمشترين حتى يكون الأمر يستحق المخاطرة ويستمر في كونه مشروعا تجاريا جذابا. ورغم أنه ليس من المعروف نسبة التجارة غير المشروعة الفعلية التي تمثلها عمليات الضبط، فإن افتراض معدل ضبط بنسبة 10% يعني أن الإيرادات الناتجة عن الشحنات الناجحة على مدى السنوات العشر قد تصل إلى 1.58 مليار دولار. خلال السنوات الأخيرة، وجدت لجنة العدالة للحياة البرية -التي أعدت التقرير- أن الوسطاء الأفارقة يلعبون أدوارا حاسمة في الشبكات الإجرامية الفيتنامية والصينية العاملة في أفريقيا. وغالبا ما تتجاوز هذه الأدوار توريد المنتجات لتشمل تنظيم السفر والاتصالات في الموانئ البحرية والمطارات، واختيار وتأمين حمولات التغطية، وإدارة تخزين الشحنات ونقلها وتعبئتها. عادة ما يتمتع المدير بأكبر قدر من الخبرة وأفضل العلاقات مع الوسطاء في أفريقيا والمشترين في آسيا واتصالات الخدمات اللوجستية في كلا طرفي سلسلة التوريد. إعلان ووُجِد أن شبكات جرائم الحياة البرية الصينية تُظهر خصائص هيكلية وتشغيلية نموذجية لعصابات الجريمة المنظمة المتطورة. ويبدو أن هذه الشبكات مُهيكلة كمجموعة من الأعضاء المُرتَّبين هرميا، وتتمتع بسلطة مركزية. يكرّس كل عضو في الشبكة نفسه لوظيفة محددة، كالتمويل، والتوريد، والخدمات اللوجستية، ونقل الأموال. وغالبا ما تُحدَّد هذه الأدوار رسميا، ويتضح استمرار عضوية الشبكة على مدار عدة سنوات من العمل. كما كشفت تحقيقات مجموعة الحياة البرية عن وجود ترابط وثيق بين الشبكات الإجرامية النيجيرية المتورطة في توريد وتجارة حراشف البنغول والعاج. وتوجد روابط غير رسمية ومؤقتة بين التجار النيجيريين، على عكس العلاقات والهياكل الطويلة الأمد لشبكات الجريمة المنظمة التقليدية. خطوات قانونية وفي حين أحدث الوباء كوفيد-19 صدمة أولية أدت إلى توقف حركات الاتجار بشكل شبه كامل لفترة قصيرة، فقد أسهمت جهود إنفاذ القانون الاستباقية والمستهدفة أيضا في إحداث تغيير جوهري في مشهد الجرائم ضد الحياة البرية على مستوى العالم. وقد حدثت اعتقالات ومحاكمات محورية لتجار رفيعي المستوى في عديد من البلدان على طول سلاسل التوريد خلال فترة هذا التحليل، بما في ذلك فيتنام وماليزيا وموزمبيق. وحسب التقرير، كان لجهود إنفاذ القانون في الصين دور أساسي في هذا السياق. فمنذ دخول حظر تجارة عاج الفيلة حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 2017، وبفضل نهج تحقيقيّ متطور ومنهجي، قضت الصين تقريبا على شبكات إجرامية كاملة متورطة في الاتجار بالعاج. ومع التراجع الكبير في حجم التجارة، يشير برنامج الأمم للبيئة إلى أن البنغول والفيلة ما زالا يحتلان المرتبة الثانية والثالثة تواليا -بعد وحيد القرن- في عمليات القتل وتهريب الحراشف والأنياب، وأن طرقا عديدة -ومن بينها أوروبا- ما زالت ناشطة كمسارات تهريب.

'زهرة الصحراء'.. جريمة فرنسا النووية في الجزائر التي فاقت قنبلة هيروشيما 5 أضعاف
'زهرة الصحراء'.. جريمة فرنسا النووية في الجزائر التي فاقت قنبلة هيروشيما 5 أضعاف

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

'زهرة الصحراء'.. جريمة فرنسا النووية في الجزائر التي فاقت قنبلة هيروشيما 5 أضعاف

في اجتماعه السنوي الماضي مع سفراء بلاده في قصر الإليزيه، قال الرئيس الفرنسي 'إيمانويل ماكرون' إن القادة الأفارقة نسوا أن يشكروا فرنسا، على الدعم الذي قدمته لهم لمكافحة الإرهاب. يأتي هذا التصريح في ظل توتر العلاقات الفرنسية الأفريقية على عدة أصعدة، في وقت لا تزال شعوب وحكومات القارة تطالب وتنتظر اعتذار باريس عن تاريخها الاستعماري في بعض دول المنطقة، وذلك أمر يرفضه 'ماكرون' منذ سنوات، بحجة أن طلب الصفح لن يغير شيئا، ولن يحل المشكلة، فهو يؤمن بقضية الاعتراف، لكنه لا يُقدم على طلب الاعتذار، وقد ردت دول أفريقية على تصريحاته بعبارة 'لولا تضحياتنا لما تحررتم من الاحتلال النازي'. من يستمع لتصريح 'ماكرون' جاهلا تاريخ فرنسا الإجرامي في أفريقيا، يظن أنها من دعاة السلام ورعاته في العالم، ولكن الواقع يكشف أنها لم تتخل بعد عن عباءة المستعمر، فلا تزال تتدخل في شؤون الدول الأفريقية، وتعاملها وكأنها وصي شرعي، وكأنها محميتها، في حين تتزايد المطالب بضرورة تحمل فرنسا مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والقانونية تجاه الجزائر مثلا، وهو أمر لم تفعله أمام مستعمراتها السابقة من دول القارة أيضا. إصرار على الإنكار وعدم تحمل المسؤولية يعد ملف التفجيرات والتجارب النووية الفرنسية في الجزائر من الملفات الأكثر حساسية التي لا تزال عالقة، ومطلبا شعبيا ورسميا ثابتا للدولة الجزائرية، فهي جريمة إنسانية مكتملة الأركان تسميها الجزائر 'تفجيرات نووية'، وتصر فرنسا على وصفها بأنها 'مجرد' تجارب نووية علمية. وهي في نظر القانون الدولي تعد انتهاكا خطيرا للاتفاقيات والأعراف والمواثيق الدولية، وإبادة جماعية تستوجب عقابا وتعويضا عن الضرر، وبمفهوم الإنسانية هي جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن محوها باعتذار ولا اعتراف ولا تعويض. لا تريد فرنسا الاعتذار عن جرائمها النووية التي حلت بالإنسان، وأثرت على البيئة وكل الكائنات الحية، وترفض تعويض الجزائريين المتضررين من هذه التفجيرات التي امتدت لأكثر من منطقة، ولم تبادر أيضا بتطهير تلك المواقع الملوثة، وما زالت ترفض تسليم الجزائر الخرائط التي تسمح بتحديد منطقة دفن النفايات الملوثة والمشعة أو الكيميائية غير المكتشفة، إلى غاية يومنا هذا. إنها ملفات أو خرائط موجودة إلى اليوم في الأرشيف العسكري الفرنسي، وعليها عبارة 'سري للغاية'، وجدير بالذكر أن السكان المحليين لا يزالون يعانون من آثار تلك التجارب والتفجيرات، ففرنسا منذ غادرت تلك المواقع سنة 1966، أخذت معها كل الإحصائيات والمعلومات الدقيقة والمهمة، التي يمكن أن تقلص حجم الكارثة. تعمل الجزائر على تنظيف تلك الأماكن الملوثة بالإشعاعات، فوراء هذا الملف حقائق كثيرة، يمكن أن تتخذ دليلا لمحاسبة المستعمر على كل الأفعال التي ارتكبها، وسيظل أثرها قائما إلى أجل غير معلوم. لم يحقق أي رئيس فرنسي تقدما في هذا الملف وملفات أخرى، وخان 'ماكرون' وعده الذي قطعه للجزائر منذ ترشحه لولاية أولى، مما يعني رفضه الاعتذار والاعتراف والتعويض، وكل هذه المسائل المتراكمة تجعل العلاقات الجزائرية الفرنسية أكثر تعقيدا. تثمن بعض المنظمات إصرار الجزائر على هذه المطالب الشرعية، فقد طالبت منذ سنوات الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية السلطات الفرنسية بتزويد الجزائر بقائمة الأماكن، التي دفنت فيها تلك النفايات، وتنظيف المواقع التي أجرت فيها التجارب عاجلا، فهي مواقع لا تزال تحتفظ لليوم بالانبعاثات السامة والمواد الملوثة، التي تركت ودفنت عمدا هناك، وهي مليئة بالنشاط الإشعاعي الضار، حسب علماء الفيزياء النووية. جرائم وأكاذيب حول حلم القنبلة الذرية أرادت فرنسا المصابة بعقدة النقص، المنهزمة في أكثر من حرب ومعركة، أن تظهر للعالم قوتها وقدرتها على أن تصبح رابع قوة نووية في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفياتي، وبريطانيا. حظي ذلك بمباركة ومتابعة شخصية من الجنرال 'شارل ديغول'، فبعد تأسيس محافظة الطاقة النووية الفرنسية في أكتوبر/ تشرين الأول 1945، شُرع في إعداد الدراسات العلمية، وجمع الإمكانيات التقنية لصناعة القنبلة النووية، وتلا ذلك إنشاء المركز الصحراوي للتجارب العسكرية سنة 1957، على بعد 40 كلم من بلدة رقان الجزائرية. اختارت السلطات الفرنسية منطقة حمودية، التي تبعد عن رقان نحو 50 كيلومتر، واتخذت مساحة تقدر بـ108 ألف كيلومتر من صحراء الجزائر -وكانت يومئذ مستعمرة- لتنفيذ تجاربها النووية، وبررت انتقاء هذا الموقع لبعده عن السكان، وخلوه من كل الكائنات التي يمكن أن تتضرر، في حال فشل تجاربها تلك. جميع الخبراء والمختصين وسكان المناطق التي شهدت التفجيرات النووية، ممن أصابتهم والأجيال التي بعدهم أمراض نادرة، وإعاقات، وتشوهات خلقية، وأخطر أنواع السرطانات، يجمعون على فشل التجارب التي استمر التحضير لها بسرية سنوات، ووقوع تفجيرات حقيقية أتت على الأخضر واليابس، ولم يُخبر السكان بما يُحضر له، أو يحصنوا بما يضمن سلامتهم. ففي صباح 13 فبراير/ شباط 1960، وفي تمام الساعة السابعة وأربع دقائق وعشرين ثانية، فجّرت فرنسا أول قنبلة ذرية تحت اسم 'اليربوع الأزرق'، بقوة بلغت 70 كيلو طنا، وفاقت شدتها خمس أضعاف قوة القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما باليابان، وامتد تأثيرها وغبارها النووي إلى عواصم أفريقية وأوروبية، ووصل صداها إلى الجزائر العاصمة بعد 8 أيام، وما زالت أضرارها قائمة إلى يومنا هذا. خرجت السلطات الفرنسية يومئذ لتدعي امتلاكها القنبلة النووية، وتهلل بنجاح تجاربها، وتفتخر بها على أنها منجز القرن، وهي ادعاءات دحضها الخبراء وعلماء الفيزياء والدراسات الجيوفيزيائية، وكذبتها الانعكاسات والتأثيرات السلبية على السكان، وعلى جنودها أيضا، بسبب ما خلفته تلك التفجيرات والتجارب النووية. وقد صرحت فرنسا أن عدد هذه التجارب لا يتجاوز 17 قنبلة نووية، لكن تؤكد الدراسات أنها 57 تجربة نووية، موزعة على منطقة حمودية ورقان بولاية أدرار، وعين إيكر بولاية تمنراست، وتنوعت بين تفجيرات باطنية وأخرى سرية وجوية وتكميلية. كل هذا ترفض فرنسا الاعتذار عنه، وتعويض ضحاياها في الجزائر، مع العلم أن الإشعاع الصادر من النفايات النووية، بسبب المواد التي تحتويها -مثل البلوتونيوم الخطير- لن يزول إلا بعد أكثر من 24,500 سنة. استغلال للسجناء وخفايا أخرى غير معلنة لا تزال الشكوك تحوم حول الأرقام التي قدمتها فرنسا بشأن عدد العمليات والضحايا، وحقائق أخرى تتخذ صفة السرية، ومع ذلك فإن الفشل هو السمة الأكثر وضوحا في الشهادات المتعلقة بتجاربها التي استمرت 6 سنوات كاملة. فقد قال مدير المحافظة الفرنسية للطاقة الذرية سابقا 'إيف روكاد' في مذكراته: كل الإجراءات التي كنا نأمل تطبيقها في اللحظة الصفر، فيما يتعلق بقنبلة 13 فبراير/ شباط 1960 المسماة بـ'اليربوع الأزرق' باءت بالفشل، فقد نتجت عن التجربة الأولى هذه سحابة مشحونة بعناصر مشعة، وصلت إلى نيامي (عاصمة النيجر)، وكان نشاطها الإشعاعي أكثر بـ100 ألف مرة من معدلها، وسُجل تساقط أمطار سوداء في 16 فبراير/ شباط على جنوب البرتغال، وهذه الأمطار كانت تحمل نشاطا إشعاعيا أكبر بـ29 مرة من معدلها. وأكد عدد من المسؤولين أن القياسات التي وقعت في نقطة الصفر وحول قنبلة 'اليربوع الأزرق' قد فشلت، بسبب ضعف خبرة القائمين عليها، مع أنها أعد لها جيدا. كانت حصيلة هذه القياسات مؤسفة جدا، وشهادة المجندين الفرنسيين بعد مرور عشرات السنين على الجريمة، تؤكد أيضا أن تطبيقات الانفجار السلمية لم تكن مضبوطة ولا دقيقة، فكل الاعترافات والأدلة والمخلفات تؤكد عدم اهتمام الطرف الفرنسي بالأضرار التي ألحقتها الإشعاعات المنبعثة بسكان المنطقة، وتكرار التجارب والتفجيرات خير دليل على ذلك. يفوق عدد الجزائريين الذين عُرّضوا للخطر المباشر، واستخدمت أجسادهم تجارب في عملية اليربوع الأزرق 3 آلاف إنسان، مع 150 سجينا اقتيدوا من سجن سيدي بلعباس (غرب الجزائر)، ورُبطوا بأعمدة أمام موقع التفجير، لدراسة سلوكهم اتجاه الإشعاعات النووية. كان ذلك انتهاكا صريحا لحقوق الإنسان، واستغلالهم في تفجيرات شديدة الخطورة تنظر إليها فرنسا نظرة التجريب والمنجز، هو خرق آخر للقوانين والمواثيق الدولية، التي تجرم وتحرم التجريب على الإنسان، فمن خوّل لهم إخراج المساجين والزج بهم في هذه الجريمة في المنطقة الصفر؟ إنها جريمة أخرى تضاف لسجل فرنسا الاستعماري، فأطماعها أعمت بصيرتها، ودفعتها للتضحية بأبنائها من العسكر والمدنيين الذين أبقتهم في المنطقة، وتتحاشى دوما الحديث عنهم، فأول قنبلة ذرية سخّر لها أكثر من 6500 مهندس وجندي وباحث فرنسي، معهم 3500 من العمال الجزائريين. جنود فرنسيون أصبح فخرهم مأساة يفخر أولئك الفرنسيون الذين كانوا بالصحراء الجزائرية التي شهدت تلك التفجيرات بين 1960-1966، لأنهم يقدمون تضحيات وخدمات جليلة لبلادهم ولمجدها، ولكنهم اليوم يحمّلون 'شارل ديغول' مسؤولية الأضرار التي لحقت بهم، وتهدد نسلهم وتفتك بصحتهم، فقد أورثتهم تلك الإشعاعات أمراضا خطيرة ونادرة وانعكاسات كبيرة، كما أن بعضهم يقر بتخلي فرنسا عنهم، بل يتهمونها بأنها جعلتهم فئران تجارب، ولم تهتم بسلامتهم ولا بتعويضهم. وقد تحقق لهم التعويض بعد سنوات من النضال، بسعي ومساعدة من جمعية قدماء المحاربين المشاركين في التجارب النووية، فتوّجت مطالبهم بالقانون الفرنسي لتعويض ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية، الصادر عام 2010، ولكنه تجاهل الجزائريين المتضررين من تفجيراتها النووية. عادة ما تمنع التجارب والمحاولات الفاشلة أصحابها من تكرارها، ومع ذلك لم يكن الفشل كافيا لمنع فرنسا من القيام بالمزيد من التجارب والتفجيرات الشديدة الخطورة حتى عام 1966، أي بعد نيل الجزائر استقلالها في 5 يوليو/ تموز 1962. ولعل السؤال الأبرز الذي ظل يراود الجميع هو سبب استمرار فرنسا في تجاربها وتفجيراتها حتى بعد نيل الجزائر لاستقلالها، ويرد جموع المؤرخين والباحثين بأن بندا في اتفاقيات 'إيفيان' سمح لفرنسا بمزاولة نشاطها، تحت مسمى 'تجارب علمية' لا تجارب نووية، وهنا يؤكد المختصون أن فرنسا ادعت 'وهي كاذبة' بأن ما تفعل لا يتعدى حدود 'تجارب علمية باطنية'. تجارب تلاحق أضرارها أجيال المواليد حتى اليوم كانت عملية 'اليربوع الأزرق' (13 فبراير/ شباط 1960) أول قنبلة ذرية ضمن 57 تجربة، نفذت منها 17 قنبلة نووية فوق الأرض وفي باطنها، وأتبعتها فرنسا بعمليات أخرى، منها: اليربوع الأبيض (1 أبريل/ نيسان 1960). اليربوع الأحمر (27 ديسمبر/ تشرين الأول 1960). اليربوع الأخضر (25 أبريل/نيسان 1961). أغات (07 نوفمبر/ تشرين الثاني 1961). زمرد مصدي (01 مايو/أيار 1962). زمرد (18 مارس/ آذار 1963). جهز (30 مارس/ آذار 1963). الياقوت الأحمر (20 أكتوبر/ تشرين الأول 1963). عين الهر (14 فبراير/ شباط 1964). الياقوت الأصفر (15 يونيو/ حزيران 1964). الفيروز (28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1964). الياقوت الأزرق (27 فبراير/ شباط 1965). يشب (30 مايو/ أيار 1965). قرند (01 أكتوبر/ تشرين الأول 1965). الحجر الكهربائي (01 ديسمبر/ كانون الأول 1965). بجادي (16 فبراير/ شباط 1966). كان انفجار 'بيريل' أو 'زمرد مصدي' الذي حضره عدد من الشخصيات التقنية والرسمية الفرنسية الأخطر والأقوى، فقد قال العلماء والخبراء إن انفجارا ضخما حدث في النفق، أدى إلى خروج حمم ومعادن منصهرة فوقعت على سطح الأرض، وبسرعة تشكلت سحابة على بعد 2600 متر مربع، وأمام ذلك مرت السحابة فوق مركز القيادة وقاعدة عين إيكر النووية، مما يدل على قوة التفجير وخطورته. ومن الأخطاء التي سجلت في الواقعة نسيان 9 أفراد في عزلة المكان بمنطقة التلوث، وقد أصيب هؤلاء بتسرب الإشعاع النووي، وأفاد الفحص الطبي فيما بعد أن الجرعات الإشعاعية قد تطورت داخل أجسامهم. في ولاية رقان التي ارتبط اسمها في ذاكرة الجزائريين بالتجارب النووية الخطيرة، لا تزال الأمهات يلدن لليوم أبناء مصابين بعاهات وتشوهات، وغالبا ما تجد في الأسرة الواحدة أكثر من مصاب بأمراض مختلفة وفتاكة ومتفاوتة الخطورة، ناهيك عن ارتفاع نسب العقم والإجهاض والعمى، وأمراض أخرى نادرة لم يكن لها وجود في المجتمع قبل تلك التفجيرات، مما يؤكد أن ما تضمنته دراسة بريطانية نشرت سابقا أقرب للحقيقة. تذكر الدراسة أن التأثير الجيني على الإنسان يشمل أكثر من 22 جيلا، فحتى الرمال التي تزحف من مناطق الانفجار إلى البلدات المجاورة بسبب الرياح وعوامل طبيعية أخرى -لا سيما في فبراير/شباط- تحمل معها سنويا ذلك التلوث الإشعاعي، مما يؤثر سلبا على صحة ساكنة المنطقة، وهذا الخطر يتجاوز حدود الجزائر إلى دول أخرى. 'زهرة الصحراء'.. أول فيلم روائي عن القنبلة الذرية برقان أنجزت عدة وثائقيات وأعمال مصورة، تناولت التفجيرات النووية الفرنسية في صحراء الجزائر، لا سيما منطقة رقان، لكن فيلم 'زهرة الصحراء' للمخرج أسامة بن حسين يعد أول فيلم سينمائي روائي يتطرق إلى هذه الجريمة الإنسانية، التي خلفت كوارث بيئية وصحية لا يمكن عدّها، بدأت بتجارب وانتهت بتفجيرات ومخلفات لم يشهدها العالم من قبل، وخلفت أكثر من 42 ألف ضحية بين 1960-1966. وبرغم الجهود المبذولة لتوثيق هذه الجرائم -التي تتجنب فرنسا الخوض فيها إلى يومنا هذا، وتتحاشى ذكرها ومواجهتها- تبقى هذه الحقيقة التاريخية أكبر من أن يحتويها أي فيلم أو وثائقي، ففي كل بيت وموقع ومع كل إنسان شهادة تروي قصة إنسانية، تتعلق بهذه المجازر التي ارتكبتها فرنسا بمسؤوليها وجنودها في حق الجزائريين وأرضهم. فما قدمه أسامة بن حسين هو جزء بسيط من إرث أثقل الذاكرة الجماعية، لهذا بدأ في سرد الواقعة وتفاصيل الحياة من خلال الـ48 ساعة الأخيرة، التي سبقت تنفيذ عملية 'اليربوع الأزرق'، والتي ستظل جريمة تروى للأجيال، لا تمحى من الذاكرة ولا يتجاوزها الزمن. يرصد الفيلم (26 دقيقة) تفاصيل يوميات سكان مدينة رقان، من خلال عائلة تتكون من الجد مولود، والأم مباركة، وابنها عباس، الذي يترقب عودة أبيه، ينتظره بلا ملل، ويراسله باستمرار، على أمل أن يتلقى جوابا من المارة على بلدته. وفي يوم من الأيام يجد صدفة صندوقا صغيرا مخبأ في بيت جده، يتضمن صورا ووثائق لوالده المجاهد، عندها يدرك أن أباه الذي ينتظر عودته قد أصبح شهيدا. في بداية الأمر يواجه والدته بالحقيقة ويتهمها بالكذب، لكنه يحتفظ في داخله ببعض الأمل والفرضيات، حول إمكانية أن يكون والده حيا. 'لو كان أبي هنا لما خاف من فرنسا' تتداخل رحلة عباس بين انتظاره لوالده وبحثه المتواصل عن كلبته زينة، التي كانت تؤنس وحدته، فيخرج مرات عدة للبحث عنها، بعدما ركبت بالخطأ صندوق شاحنة الجنود الفرنسيين، وكانت تقل أحد السجناء الذين ستُجرى عليهم أولى التجارب النووية برقان، وبرغم كل محاولاته فإنه لم يجد لها أثرا، فيُشعر جده بالتقصير بقوله: لو كان أبي هنا لما خاف من فرنسا، ولأعاد إلي زينة. يرغب الجد في نقل عائلته من رقان إلى تيميمون فور انتهاء حظر التجوال، ولا يمكن تفسير ملامحه المتعبة المثقلة بالهموم بأنها خوف من العدو، بل هي مخاوف وأسرار ظل يحتفظ بها، بدأت ترهقه وتثقل كاهله حين علم عباس باستشهاد أبيه، لكن علم فرنسا أن زوج ابنته مجاهد أكثر ما كان يخشاه، ولهذا أحرق كل الوثائق والأدلة التي تثبت ذلك، في إشارة إلى الملاحقات ومضايقات قوات المحتل لعائلات المناضلين. وهنا يجب الإشادة بالممثل الراحل عبد الحليم زريبيع، الذي استطاع باحترافية تأدية الشخصية بمخاوفها، ونقل الصراع النفسي الذي كان يعيشه. وفي صباح 13 فبراير/ شباط 1960، لم يكن أمام الأم مباركة -وهي في أشهر حملها الأخيرة- خيار آخر غير الخروج للبحث عن ابنها عباس، الذي راح يبحث في قلب الصحراء عن كلبته زينة، وبالتزامن مع سعيها وقع انفجار عنيف، هز الأرض وسبب هلعا كبيرا للسكان. كان الانفجار أشبه بزلزال قوي ومدمر، فاحتمت مباركة واختبأت داخل شاحنة قديمة، وحاولت استيعاب الكابوس الذي كانت تعيشه أو النجاة منه، ولكن وسط هذا الفزع جاءها المخاض، فصرخت بصوت مدوّ كأي امرأة تضع حملها، لكن صوت جنينها لم يسمع أبدا، وحينها توقفت الحياة، وتحول الترقب إلى حزن وصدمة. يبرز المشهد قسوة الظرف والوضع غير الإنساني الذي عومل به سكان القرية والمدينة، ولم يفرق فيه المحتل بين حامل أو طفل، ولا عجوز أو مريض. جزائريون في قلب الحدث وفرنسيون بلا أقنعة استحضر فيلم 'زهرة الصحراء' مواقف ووقائع حقيقية، سردها من عايشوا التفجيرات النووية الأولى بمدينة رقان. ومنها قصة المساجين الذين جُلبوا من سجن سيدي بلعباس، وأخضعوا للتجارب على بعد أمتار من النقطة صفر، لدراسة تأثير الأشعة النووية عليهم، وقد أظهرت بعض المشاهد هذه الجزئية كما وردت في الشهادات وكتب التاريخ، وهي حادثة معروفة جدا. وتكشف بعض المشاهد قسوة المعاملة، التي كان يخص بها الجنود الفرنسيون المجاهدين والسجناء، واستفزازهم المستمر لهم، ففي أحد المشاهد يخاطب العريف الفرنسي (الممثل إيدير بن عيبوش) أحد المساجين قائلا: لا ينقص سوى عائلتك لحضور العرض ومشاهدته والتصفيق على النجم. فرد عليه السجين الجزائري (الممثل سليمان بن واري) بعبارة تحمل دلالات كثيرة: أنا على الأقل أعرف أبي. يحدث هذا قبل إخضاع المساجين الجزائريين لذلك الخطر والموت غير الرحيم بساعات قليلة. وكما هو مدون في شهادات الجنود والمدنيين الفرنسيين التي أصبحت فيما بعد اتهامات مباشرة للرئيس 'شارل ديغول' ووزرائه، أظهر أسامة بن حسين الأقنعة والألبسة التي وزعتها فرنسا على جنودها، ولم تحمهم من تلك الأشعة الخطيرة، ولم تكن آمنة لهم قط. كما أن بعض الجنود قابلوا ذلك الإشعاع بلباسهم العسكري العادي بلا أقنعة، وفي ذلك تأكيد على أن فرنسا لم تكن تهتم بسلامة جنودها، الذين أرغموا على دخول معركة لم تدرس جيدا بما يكفي. وقائع ولحظات توقف عندها المخرج وتعمد عرضها، مع تركيز على ملامح العريف الفرنسي، الذي أدرك بأن سلطات بلاده ضحت بأبنائها، وستقدمهم بعد دقائق قليلة فئران تجارب في عملية 'اليربوع الأزرق'، التي انتظرت أن تدخل بها التاريخ. ضوء الانفجار الذي أظلمت المنطقة بعده لا صوت يعلو في 'زهرة الصحراء' على صوت الأذان والناس والطبيعة بكل مخلوقاتها، باستثناء مشاهد البداية والنهاية، وبينما يتهيأ الفيلم لاستعراض حياة سكان رقان، والدخول إلى إحدى قراها قبل التفجيرات بـ48 ساعة، اختار المخرج أسامة بن حسين موسيقى مفعمة بالحيوية والأمل مدخلا، مستعينا بأغنية 'تينيري' لفرقة 'تيكوباوين' الشهيرة، وتعني 'الصحراء'. مطلع الأغنية يقول: ساكن في الصحراء بلا ماء، ولا نبات لمَ لا نقف متحدين معا ونخرج للشمس ولا نبقى في الظلال هذا المشهد مع إيقاع الموسيقى يجذب الجمهور إلى عمق الصحراء، ويحيلهم إلى قصص أناس لا تتعارض مع الحياة مقاومتهم للظلم والطغيان، ولا تنفي تمسكهم بالأمل. فمدينة رقان وضواحيها لم تكن على الهامش، بل كانت في قلب ثورة التحرير، فقد أسهم أهلها في كتابة تاريخ البلد والمنطقة، وتحملوا ما تحملته ولايات الجزائر كافة من تقتيل وتضييق وتهجير وتعذيب واستغلال للخيرات والممتلكات، وربما أكثر. حالة الترقب التي تسبق الكارثة، يكسرها ضوء الانفجار، الذي يُفقد البصر ويُؤجل الحياة في رقان وضواحيها، ومع بلوغ القصة والفيلم نهايتهما، يسود الصمت ويطغى الحزن بشكل يوحي بأن القادم أسوأ، وأن الكارثة أعظم على الإنسانية، انتقال في السرد تطلّب دعامة موسيقية قوية، تعبر عن مصير الشخصيات، وتدعم المشاهد المأساوية. كان الاعتماد هنا على أوتار العود، لتعزيز مشاعر الحزن والفقد والألم، واستطاعت الموسيقى التصويرية أن تكمل المشهد، وأن تنقل تلك المعاناة بصريا ووجدانيا. فيلم 'زهرة الصحراء' هو العمل الثاني الذي يتعاون فيه أسامة بن حسين كاتبا مع الموسيقي محمد يونس قماط، والفنان سفيان زيقم على آلة العود بعد مسلسل 'عين الجنة'. يؤكد سكان رقان ومناطق أخرى شهدت التفجيرات -التي يفوق عددها 17 تفجيرا- أن منسوب المياه تراجع، وأن أنواعا كثيرة من الحيوانات قد انقرضت، حتى أن بعض النباتات لم يعد لها وجود، والأشجار لم تعد تثمر كما كانت. تفاصيل كان المخرج وكاتب السيناريو حريصا جدا عليها، فحضور بعض الحيوانات كان طاغيا في أكثر من مشهد، ناهيك عن اهتمامه بجزئيات لا تقل أهمية عما ذكر، سواء ما تعلق بمظاهر الحياة في المنطقة، مثل الكتاتيب القرآنية واختيار الشيخ الفقيه والطلاب تلاوة سورة الزلزلة، أو لباس أهل الجنوب الجزائري، وظهورهم على أنهم أهل علم ودين. تشبه بعض الأفلام أصحابها في أول تجربة إخراجية له، حاول أسامة بن حسين تنويع اللقطات، فكان يتنقل بين اللقطات الواسعة التي تُبرز بيئة القصة والأحداث، مع تركيز أكبر على الشخصيات وعلاقتها بمحيطها، لا سيما الطفل عباس، واللقطات القريبة التي تقترب من تعابير الشخصيات وملامحها في لحظات الفرح والتوتر والحزن والخيبة والصمود، محاولا ترجمة حالتهم النفسية بدقة، كما أن زوايا التصوير مكنته من تقديم كل شخصية حسب أهميتها والموقف الذي كانت تمر به. وعلى مستوى الصورة، استطاع مدير التصوير محمد سعدي نقل تفاصيل مهمة عن البيئة الصحراوية، وخصوصيات المجتمع والأزياء والبيوت التقليدية، التي تجمع بين البساطة والأصالة، واستحوذت لقطاته على الجمال الطبيعي للصحراء واتساعها وامتداد رمالها، وضيق ممرات القرية النابضة بالحياة وروح التعاون، مما أضاف عمقا بصريا للفيلم، وأثرى العمل إثراء كبيرا. تشبه بعض الأفلام أصحابها، كلام ينطبق على أسامة بن حسين، ففيلمه 'زهرة الصحراء' يقترب من البساطة التي يفضل أن يقدم بها أفكاره دوما. بساطة طرح مقترنة بقوة القصة الحقيقية وحسن اختياره للممثلين، الذين كان أداؤهم قويا وصادقا، وأقرب للواقعة التي تشبعت بها أجيال، ولا تزال تتأثر بهول الكارثة. أداء الممثلين.. ظلال الانتماء على ملامح الوجوه كان أداء الممثل الراحل عبد الحليم زريبيع في دور الجد مولود، والممثلة 'تنو خيلولي' في دور الأم مباركة، يوحي بأنهما كانا مرتاحين في أدوارهما، فانتماؤهما للمكان، واقترابهما من اللهجة المحلية، وانسجامهما وجدانيا مع التفاصيل، عزّز صدقهما، وجعل أداءهما أقرب للواقعية التي تطلبتها القصة والفيلم عموما. أما الطفل عباس (الممثل محمد بن شرقي) فقد كان المفاجأة الجميلة التي قدمها أسامة بن حسين، وجعل الفيلم يرتكز عليها، فأبان الفتى قدرات هائلة في التمثيل، لا سيما في انتقاله بين الحزن والفرح في مشهد واحد، مما أضاف عمقا عاطفيا للشخصية التي قدمها، فتمكنه جعل الأنظار تتجه إليه توجها لافتا. أما الممثلان سليمان بن واري وإيدير بن عيبوش، فمع أن دورهما محدود فإنهما قدما أداء استثنائيا وقويا، قوة اللحظات المهمة التي تجسدها كل شخصية في الفيلم. بدا أن أسامة بن حسين الذي كتب وأخرج فيلم 'زهرة الصحراء' وصوره بولاية تيميمون تحت درجة حرارة تتعدى 60 درجة، في انتقاله من قصة لأخرى ومن مشهد لمشهد، كان لديه الكثير ليقوله عن تجاوزات وتجارب لا يسعها فيلم روائي لا يتجاوز 26 دقيقة. ولكنه على الأقل تمكن من إيصال فكرة أن كل الأجيال كان لها موقف، وشاركت في كتابة التاريخ، وكان لها نصيب من النضال، وأن الثورة في الشمال والجنوب واحدة، كما أن فيلمه عند عرضه خارج الجزائر عرّف بهذه الجرائم، التي ظلت مجهولة لدى كثير من الشعوب. وثيقة سينمائية تعيد جرائم فرنسا إلى الواجهة أنجز فيلم 'زهرة الصحراء' عام 2023، في إطار ستينية استقلال الجزائر، التي نظمتها وزارة الثقافة والفنون، عن طريق المركز الوطني لتطوير السينما، وقد تُوج بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الـ13. إنها وثيقة سينمائية مهمة تجرم فرنسا مرة أخرى، وتعيد فتح دفاتر التاريخ المثقل ببطولات أبناء الوطن وتضحياتهم، والمغلف بالتزييف والتهرب والمجازر الفرنسية، التي تشبه مجازر الكيان الصهيوني بحق سكان غزة، فالعدو واحد، وقد اجتمعت فرنسا والكيان في التحضير والتخطيط وإطلاق أول قنبلة ذرية في صحراء الجزائر، حسب شهادات الباحثين والمؤرخين. والمتصفح لتاريخ الاستعمار الفرنسي بالجزائر، قد يجد وهو يتتبع الأحداث انتهاكات وجرائم كثيرة، من مجازر الثامن مايو/ أيار 1945 التي خلّفت أكثر من 45 ألف شهيد، إلى 60 ألف متظاهر خرجوا مطالبين بالاستقلال، فألقت قوات الأمن الفرنسية بهم في نهر السين بباريس، يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store