logo
روسيا والصين وخط الدفاع الأخير

روسيا والصين وخط الدفاع الأخير

العربي الجديد١٣-٠٥-٢٠٢٥

أكتب من مدينة تشونغتشينغ الصينية في وسط البلاد، وهي العاصمة المؤقّتة للجمهورية إبّان الاحتلال الياباني للصين خلال الحرب العالمية الثانية، فرّت إليها حكومة الحزب الوطني لتحتمي بموقعها الجغرافي الحصين لأنها منطقة جبلية وعرة، استحال على اليابانيين غزوها وإخضاعها. ومن هذه النظرة الأساسية للمدينة، صارت تشونغتشينغ "خطّ الدفاع الأخير عن الصين" في الخطاب السياسي الصيني المعاصر، وهذه الفكرة تردّد وتستعاد اليوم بمناسبة اشتداد النزاع مع الولايات المتحدة.
ينظر الصينيون إلى هذه المدينة باعتبارها مكاناً آمناً لنقل الصناعات إليه، وعلى هذا حوِّلت المنطقة حاضنةً صناعيةً في السنوات الماضية، بما في ذلك صناعة السيارات الصينية الآخذة بالتوسع والسيطرة على مزيد من الحصص في الأسواق العالمية. هذا بينما تعدّ تشونغتشينغ منذ 1997 إحدى أربع مناطق تخضع مباشرةً لإدارة الحكومة المركزية للبلاد، إلى جانب العاصمة السياسية بكّين والعاصمة الاقتصادية شنغهاي ومنطقة تيانجين المحاذية للعاصمة، ما يعكس أهمّيتها المتزايدة في التخطيط لمستقبل الصين. وفضلاً عن موقعها الجبلي الحصين الذي منحها لقب مدينة الجسور، تقع المدينة عند نهر يانغتسي الذي يمكن أن يصير وسيلةً لنقل البضائع إلى موانئ التصدير في حال الطوارئ.
كانت روسيا لا تفوّت فرصة لإبراز حلمها في بناء تحالف شرقي مع الصين يتصدّى للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، على طريقة الحرب الباردة
وبينما يفكّر الصينيون بالطوارئ هذه الأيّام، وينشغلون بالقلق حيالها، اختتم الرئيس الصيني زيارته إلى روسيا للمشاركة في احتفالات موسكو بالذكرى الثمانين للانتصار في الحرب العالمية الثانية. وهكذا بدت الزيارة جزءاً من تفكير الطوارئ هذا، رغم أنها في الوقت نفسه استمرار للعلاقات الوثيقة بين الجانبين الصيني والروسي خلال السنوات الماضية. فكيف يمكن التوفيق بين ما هو طارئ وما هو عادي في هذه "الزيارة التاريخية" على حدّ وصف الإعلام الصيني؟
يمكن القول إن الزيارة شرحت تبادل المواقع بين موسكو وبكّين في إطار تقاربهما الذي تكرّس عقب اندلاع الحرب الروسية والأوكرانية عام 2022، واتجاه الإدارة الأميركية السابقة لحصار الصين وفق مخطّط "الردع المتكامل"، منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض مطلع عام 2021. لقد بات تقارب البلدَين ضرورياً يومها، وهو ضروري اليوم أيضاً، لكن وفق ترتيب مختلف.
ففي السنوات الماضية، وفّرت الصين رئة تنفس للاقتصاد الروسي من خلال ابتياع صادرات الغاز التي أوصدت أوروبا أبوابها في وجهها، ما جعل التبادل التجاري بين البلدَين يرتفع بنسبة هائلة بلغت 68% بين عامي 2021 و2024. لكن بكين كانت يومها تؤكّد أنها لا تسعى لاستعادة سياسة الأحلاف ولغة الحرب الباردة والتكتّلات الدولية، ولا تنشئ مع موسكو كتلةً شرقيةً جديدةً، بينما كانت روسيا لا تفوّت فرصة لإبراز حلمها في بناء تحالف شرقي مع الصين يتصدّى للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، على طريقة الحرب الباردة، ومن أجل بناء توازن دولي يفضي إلى هدم النظام العالمي أحادي القطبية.
اليوم تبدو المعادلة مقلوبةً في شأن التحالف الصيني الروسي. بكين هي التي تريد بناء تحالف استراتيجي مع موسكو، لا مجرّد شراكة استراتيجية قائمة على استغلال حاجة الاقتصاد الروسي إلى الصين، بينما تبدو روسيا أقلّ اهتماماً بذلك. لماذا؟ لأن الصين تواجه هجمةً تجاريةً شرسةً من الولايات المتحدة، تعد بتقلّص أسواقها العالمية، وهي الأداة التي رفعت الاقتصاد الصيني على مدار خمسة عقود، وكان يفترض أن تظلّ أداته الرئيسة حتى منتصف القرن. وهنا، يقدّم التحالف مع روسيا حلّاً بديلاً طارئاً للاقتصاد الصيني الباحث عن أسواق عالمية بديلة، ستكون السوق الروسية واحدة منها بالطبع، وتكاملاً عسكرياً يستعدّ لأيّ طارئ غير متوقّع. أمّا روسيا فثمة مجموعة من الاعتبارات تدفعها اليوم للتلكّؤ أمام الرغبة الصينية، أولها الخشية من إغراق أسواقها بالبضائع الصينية التي ستحلّ بالضرورة محلّ المنتجات الروسية، بما فيها في سوق السيارات، وثانيها عدم الرغبة باستعداء إدارة ترامب كما لم تكن بكين راغبة باستعداء إدارة بايدن من قبل إلى حدّ تفجّر صراع عسكري.
وعلى هذا يرجّح أن تستمرّ العلاقة الروسية الصينية في إطار تبادل المصالح التجارية، والتنسيق السياسي في الشؤون الدولية، من غير استعادة لغة المحاور وسياسة الحرب الباردة. وهكذا تعود البدائل الصينية الأكثر نجاعة إلى الداخل، وتكون بكين ملزمةً بإيجاد حلول بمفردها لهذه المواجهة مع واشنطن، أهمها الاعتماد على السوق الداخلية والاستهلاك المحلّي للتغلّب على عقبات التصدير إلى الأسواق العالمية، والبحث عن شراكات تجارية جديدة مع دول العالم من غير جرّها إلى مربّع التحالف الاستراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة، ثمّ مواصلة التخطيط بشأن "خط ّالدفاع الأخير" في تشونغتشينغ، وفي غيرها من وسائل وأدوات محلّية، لا اعتماد فيها على غير قدرات الصين الداخلية.
يرجّح استمرار العلاقة الروسية الصينية في إطار تبادل المصالح والتنسيق السياسي من غير استعادة لغة المحاور وسياسة الحرب الباردة
في كلّ الأحوال، يبدو أن بكين كانت تعدّ العدّة لكلّ الاحتمالات منذ أن ارتقت في النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة وباتت قوة دولية صاعدة. أمّا أفكار الطوارئ فهي من باب الإضافات التي ستكون مفيدةً في حال توفّرها، وسيكون ممكناً الاستغناء عنها في حال تمنّعها. تحسّبت الصين للاحتمالات التجارية الجارية الآن، وتحسّبت لاندلاع مواجهة عسكرية كُبرى، وتحسّبت لجرّها نحو معركة في شأن جزيرة تايوان. هذا بالضبط ما يفسّر هدوء الصين إزاء سياسة ترامب الحالية، فضلاً عن مراهنتها على إمكانية التفاوض والتفاهم وعقد الصفقات مع هذه الإدارة على نحو أفضل كثيراً ممّا كان متاحاً مع إدارة بايدن. في هذه الأثناء ما تزال بكين تضع أفكار الطوارئ على الطاولة، فتتطلع لصياغة علاقات دولية جديدة تسندها في المواجهة مع واشنطن، وصياغة خطط وطنية تفصيلية، حتى لو اضطرت للاحتماء بجبال تشونغتشينغ الوعرة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يهدد آبل برسوم 25% إن لم تُصنع آيفون داخل أميركا
ترامب يهدد آبل برسوم 25% إن لم تُصنع آيفون داخل أميركا

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

ترامب يهدد آبل برسوم 25% إن لم تُصنع آيفون داخل أميركا

هدّد الرئيس الأميركي اغتيال الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن 14 إبريل 1865 في الرابع عشر من إبريل/ نيسان 1865 اغتيل الرئيس السادس عشر في تاريخ الولايات المتحدة، أبراهام لينكولن، أثناء حضوره هو وزوجته عرضًا خاصًا لإحدى المسرحيات الكوميدية في العاصمة الأميركية واشنطن، وأصبح لينكولن، الذي توفي بعد يوم واحد من الهجوم، أول رئيس أميركي يتعرض للقتل. دونالد ترامب، الجمعة، شركة آبل بفرض رسم جمركي قدره 25%، ما لم تقم بتصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة. وقال ترامب في منشور على منصته "تروث سوشال" إنه أبلغ تيم كوك قبل فترة طويلة أنه يتوقع أن يتم تصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة، وليس في الهند أو أي مكان آخر. وأضاف: "إذا لم يحصل ذلك، فسيتوجب على آبل دفع رسم جمركي قدره 25% على الأقل للولايات المتحدة". أثارت الرسوم الجمركية الواسعة النطاق التي فرضها ترامب على كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة فوضى في التجارة والأسواق العالمية. وتتوافق تصريحاته، اليوم الجمعة، مع تلك التي أدلى بها الأسبوع الماضي أثناء زيارته إلى قطر، حين حضّ شركة آبل على نقل تصنيع هواتف آيفون إلى الولايات المتحدة. وقال ترامب في 15 أيار/مايو: "كانت لدي مشكلة صغيرة مع تيم كوك". وفي السياق، أكد الرئيس أنه قال للرئيس التنفيذي لآبل: "لسنا مهتمين بأن تُصنِّعوا في الهند.. نريدكم أن تصنّعوا هنا، وسوف يزيدون إنتاجهم في الولايات المتحدة". ولدى عرض أرباح الشركة للربع الأول من العام في مطلع أيار/مايو، قال كوك إنه يتوقع أن تكون الهند بلد المنشأ لغالبية أجهزة آيفون المَبِيعة في الولايات المتحدة. وحذّر ترامب من الآثار غير الواضحة للرسوم الجمركية الأميركية البالغة 145% على السلع المستوردة من الصين، رغم الإعفاء المؤقت لسلع عالية التقنية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر. ورغم أن الهواتف الذكية المكتملة البناء معفاة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، لكن المكونات التي تدخل في تركيب أجهزة آبل ليست كلها مستثناة من الرسوم. وتتوقع شركة آبل أن تبلغ تكلفة الرسوم الجمركية الأميركية 900 مليون دولار في الربع الحالي من العام، رغم أن تأثيرها كان "محدوداً" في مطلع هذا العام، وفقاً لكوك. في السياق نفسه، انخفضت أسهم آبل بنسبة 2.5% في تعاملات ما قبل فتح السوق، على خلفية تحذير ترامب، مما أدى إلى انخفاض العقود الآجلة لمؤشر الأسهم الأميركية. ولم يتضح ما إذا كان بوسع ترامب فرض رسوم جمركية على شركة بعينها، ولم ترد شركة آبل حتى الآن، وفقاً لـ"رويترز". اقتصاد دولي التحديثات الحية شركات أميركية تواجه أضراراً كبيرة بسبب رسوم ترامب الجمركية وذكرت "رويترز" الشهر الماضي أن آبل تضع الهند قاعدةَ تصنيع بديلةً في ظل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين، والتي أثارت مخاوف بشأن سلاسل التوريد وارتفاع أسعار هواتف آيفون. وقالت الشركة إن معظم هواتفها الذكية التي تُباع في الولايات المتحدة سيكون مصدرها الهند في ربع السنة الحالي الذي ينتهي في يونيو/حزيران. في المقابل، قد يؤدي هذا التهديد، الذي وجهه ترامب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ارتفاع كبير في أسعار أجهزة آيفون، مما قد يُلحق الضرر بمبيعات وأرباح إحدى شركات التكنولوجيا الأميركية الرائدة. وتنضم الشركة الآن إلى "أمازون"، و"وول مارت" وشركات كبرى أخرى في دائرة اهتمام البيت الأبيض، في محاولتها مواجهة حالة عدم اليقين والضغوط التضخمية الناجمة عن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب. ورداً على تعرفات ترامب الجمركية على الصين ، كانت آبل، بقيادة الرئيس التنفيذي تيم كوك، تتطلع إلى نقل تصنيع هواتف آيفون إلى الهند في إطار تعديلها لسلاسل التوريد. وقد أصبحت هذه الخطة مصدر إحباط متزايد للرئيس الأميركي، الذي أثارها أيضًا الأسبوع الماضي خلال جولته في دول الخليج العربية. وتُعد هذه الخطوة التي اتخذها ترامب ضد شركة آبل الأولى من نوعها ضد شركة محددة، وتأتي في وقت خفّت فيه حدة التوترات المتعلقة بالرسوم الجمركية. ففي نيسان/إبريل الماضي، فرض ترامب رسوماً جمركية على معظم دول العالم، مما هزّ سوق الأسهم وكاد يُدخل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في حالة هبوط. ثم تراجع الرئيس عن أشد الرسوم الجمركية، وأبرم بعض الاتفاقيات الأولية مع المملكة المتحدة والصين، مما أدى إلى انتعاش الأسهم، وعاد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" إلى مستواه السنوي الأسبوع الماضي. لكن المؤشرات الرئيسية تتجه نحو الخسائر هذا الأسبوع، مع ارتفاع عوائد السندات الذي يُقلق المستثمرين، حيث انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 2% حتى إغلاق يوم الخميس، ويتجه مؤشر "داو جونز" نحو الانخفاض بنحو 1.9%، بينما يُتوقع أن يُسجل "ناسداك" انخفاضًا بنسبة 1.5% خلال الأسبوع حتى الآن. ( أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)

بعد آبل.. ترامب يهدد سامسونغ برسوم على الهواتف غير المصنعة في أميركا
بعد آبل.. ترامب يهدد سامسونغ برسوم على الهواتف غير المصنعة في أميركا

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

بعد آبل.. ترامب يهدد سامسونغ برسوم على الهواتف غير المصنعة في أميركا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 ، إن الرسوم الجمركية التي هدد بفرضها ستشمل شركات مصنّعة كبرى، من بينها "سامسونغ للإلكترونيات"، إلى جانب "آبل"، في خطوة تهدف إلى دفع هذه الشركات لنقل خطوط إنتاجها إلى الولايات المتحدة. وعندما سُئل ترامب في البيت الأبيض عمّا إذا كانت تهديداته ستقتصر على آبل، قال: "سيكون الأمر أوسع من ذلك. سيشمل أيضًا سامسونغ وأي شركة تُصنّع هذا النوع من المنتجات، وإلا فلن يكون الأمر عادلاً". وأضاف أن الرسوم ستُفرض "بشكل مناسب" وستكون جاهزة للتنفيذ بحلول نهاية يونيو، دون تقديم تفاصيل إضافية، وفقاً لـ" بلومبيرغ". ويُعد هذا التهديد تحديًا كبيرًا لشركة سامسونغ الكورية الجنوبية، التي اعتمدت لسنوات طويلة على سلاسل توريد متمركزة في آسيا، والولايات المتحدة لا تمتلك حتى الآن بنية صناعية متكاملة من الموردين والخبرات الهندسية التي توفرها آسيا. كما امتنعت كل من سامسونغ وشركة "ألفابت" (الشركة الأم لغوغل التي يعمل نظامها "أندرويد" على أجهزة سامسونغ) عن التعليق على تصريحات ترامب. أسواق التحديثات الحية إليك حصص أكبر 5 شركات من سوق الهواتف العالمية: سامسونغ تعود للصدارة وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي لتوضّح منشورًا نشره في وقت سابق على وسائل التواصل الاجتماعي، هدّد فيه شركة آبل بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% إذا لم تُحوّل إنتاج هواتف "آيفون" من الخارج إلى الولايات المتحدة. هذا التحذير جاء بعد اجتماع بين ترامب والرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، في البيت الأبيض، بحسب ما أفاد مسؤول أميركي. وقال ترامب عن كوك: "قال لي إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. قلت له: لا بأس بالذهاب إلى الهند، لكنك لن تبيع هنا دون رسوم جمركية، وهذا هو الوضع". وقد هبط سهم شركة آبل بنسبة 3% في تداولات بورصة نيويورك بعد هذه التصريحات. وفي نفس اليوم، هدد ترامب أيضًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، تدخل حيز التنفيذ في الأول من يونيو/حزيران، مما أثر سلبًا على الأسواق المالية الأوسع. وتخطط آبل بالفعل لنقل جزء كبير من إنتاج هواتف آيفون الموجهة إلى السوق الأميركية إلى الهند، في محاولة للحد من تأثير الرسوم على السلع المصنّعة في الصين، لكن هذه الخطوة أثارت غضب ترامب، الذي صرّح خلال زيارة إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي أنه طلب من كوك التوقف عن بناء مصانع في الهند لأجهزة تُباع داخل الولايات المتحدة. وأضاف ترامب: "كانت لدي مشكلة صغيرة مع تيم كوك أمس، إنه يبني في جميع أنحاء الهند، لا أريدك أن تبني في الهند". أسواق التحديثات الحية صدمة في الأسواق بعد تهديد ترامب لأوروبا و"آبل": هبوط الأسهم والعملات وكانت آبل قد أعلنت في وقت سابق من هذا العام عن خطط لاستثمار 500 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، من بينها منشأة جديدة لتصنيع الخوادم في هيوستن، وأكاديمية للموردين في ميشيغان، إلى جانب توسيع التعاون مع مورديها المحليين. لكن كل ذلك لا يرقى إلى مستوى إعادة التصنيع الكامل إلى الأراضي الأميركية الذي يطالب به ترامب. وأثناء حديثه للصحافيين من المكتب البيضاوي، حذر الرئيس الأميركي الشركات من تمرير تكاليف الرسوم الجمركية إلى المستهلكين، قائلاً: "لا أريد أن يدفع المستهلك الثمن". في الوقت الحالي، لا تزال الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والعديد من المنتجات الإلكترونية مستثناة من الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضتها إدارة ترامب على واردات من غالبية شركاء الولايات المتحدة التجاريين. غير أن هذا الاستثناء قد لا يدوم، إذ تدرس الإدارة فرض رسوم شاملة على أشباه الموصلات، ما قد يؤثر على قطاع الإلكترونيات بأكمله. ولا يزال توقيت فرض هذه الرسوم غير واضح، كما لم يتضح بعد ما إذا كانت تصريحات ترامب تشير بشكل مباشر إلى هذه المداولات. وقال المحلل براندون نيسبل من "كي بانك كابيتال ماركتس" في مذكرة تحليلية: "هذا تطور سلبي واضح، بالنسبة لآبل، يبدو أن الشركة مضطرة الآن لرفع أسعار أجهزة آيفون، وهو أمر متوقع مع إطلاق آيفون 17. ومع ذلك، من المرجح أن يؤثر ذلك على هامش الربح الإجمالي في الأجل القريب". ووفقًا لتقديرات "بلومبيرغ إنتليجنس"، فإن هذا التغيير قد يخفض هامش الربح الإجمالي لشركة آبل بنسبة تتراوح بين 3 و3.5 نقطة مئوية في السنة المالية 2026. كما أن تصنيع هواتف آيفون داخل الولايات المتحدة سيبقى، على الأرجح، أكثر تكلفة من دفع الرسوم الجمركية، إذ يتوقع المحللون أن تصل تكلفة الأجهزة المصنعة محليًا إلى آلاف الدولارات بالنسبة للمستهلكين. ويُعدّ قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على شركات مثل سامسونغ وآبل جزءًا من سياسة "أميركا أولًا" التي تهدف إلى إعادة الصناعة التقنية إلى الأراضي الأميركية، لكن هذا المسعى يواجه تحديات كبيرة بسبب نقص البنية التحتية الصناعية والخبرات اللازمة في الولايات المتحدة مقارنةً ب سلاسل التوريد الآسيوية المتطورة. وتشير تحليلات خبراء الاقتصاد إلى أن هذه الخطوة قد ترفع تكلفة التصنيع بشكل كبير، مما سينعكس على أسعار المستهلكين ويُضعف القدرة التنافسية للشركات الأميركية في السوق العالمية، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية على سوق العمل والاقتصاد بشكل عام. (بلومبيرغ، العربي الجديد)

ماذا بعد 80 عاماً على الحرب العالمية الثانية؟
ماذا بعد 80 عاماً على الحرب العالمية الثانية؟

العربي الجديد

timeمنذ 16 ساعات

  • العربي الجديد

ماذا بعد 80 عاماً على الحرب العالمية الثانية؟

فيما لا يعرف أحد إن كان العالم مُنقسمًا إلى قطبين، أم بلغ مرحلة تعدّد الأقطاب، أم لا يزال تحت عباءة نظام القطب الواحد، يحتفل (هذا العالم) بمرور الذكرى الثمانين على انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية والقضاء على النازية والفاشية، في حرب صنعت نظامًا دوليًا استطاعت فيه "القوى العظمى" ألا تدخل في حرب طاحنة في ما بينها لمدة 80 عاما، وهي أطول فترة في التاريخ الحديث والمعاصر. كانت لافتة للغاية العروض العسكرية الضخمة التي أقامتها موسكو في "عيد النصر"، وحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب رؤساء دول حليفة، أهمهم الرئيس الصيني، فيما شاركت جيوش دول أخرى في الاستعراض الضخم، منها مصر، في رسالة واضحة من موسكو للدول الأوروبية والولايات المتحدة، أنّ عزلها غير ممكن، في محاولة للتذكير بدور روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا) التاريخي الذي لن يُمحى من الذاكرة في القضاء على النازية الألمانية. استوعبت العواصم الأوروبية الرسائل الروسية القادمة من ساحر الكرملين جيّدًا، حيث التقى رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، "عدو" الروس، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأخذه بالأحضان، قاصداً بذلك أنّ أوروبا لن تتخلّى عن كييف حتى لو أراد "العم سام" تقديمها للدب الروسي على طبق من ذهب لأجل إنهاء الحرب، خاصة في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات بين موسكو وكييف. العالم مليء بالحروب والدمار، ولا تكاد قارة واحدة تعيش هادئة إلا في ما ندر أما برلين، فلا تزال بعد ثمانين عاما من نهاية الحرب العالمية "تطلب الغفران" عن ذنبها وتتحمّل مسؤوليتها عمّا حدث، ولا تزال تريد أن تدفع المزيد من التعويض لعلّ شعوب الدول المتضرّرة من الحرب تغفر وتنسى ألمانيا النازية. تأتي هذه الاحتفالات الكبرى في عواصم القرار العالمي والأوروبي وتبادل الرسائل، فيما النازية والهولوكوست وأوصاف الحرب العالمية لا تزال موجودة في مكان آخر من الأرض، وفيما لا أحد يريد أن يصف أنّ ما يحدث في بقعة صغيرة من الأرض (غزّة) فاق ما حدث في الحرب العالمية الثانية، وأنّ ما سقط من قنابل وصواريخ وقذائف، وما أُطلق من رصاص هو ضعف ما سقط على برلين وستالينغراد ولندن وهيروشيما وناكازاغي قبل 80 عاما. لقد أنتجت الحرب العالمية الثانية نظامًا دوليًا معقّدًا وغير قابل للضبط أو الانتظام، وقوى دولية عرفت جيّدًا كيف تستغل ضعف دول وشعوب أنهكتها الحروب، كي تبعد شبح الحرب عنها. وإن كان لا بدّ من الحروب، فلتكن بين دول "المستويين الثاني والثالث"، المسمّاة بالقوى الصاعدة والنامية ودول العالم الثالث، أو بين "القوى الكبرى" لكن على أراضي الآخرين، وذلك حتى يبقى نسق ما بعد الحرب العالمية الثانية ثابتًا، وتُرسم الخرائط والمخطّطات بدماء الشعوب الضعيفة فقط. صحيح أن لا حرب عالمية ثالثة يعيشها العالم حاليًا، ولو أنّ روسيا والصين لوّحتا بها أكثر من مرّة، كردّ على "استفزازات أميركا"، لكن العالم مليء بالحروب والدمار، ولا تكاد قارة واحدة تعيش هادئة إلا في ما ندر، ما يعني أنّه أصبحت للحرب أشكال أخرى ومناطق محدّدة، لذا، ربما نعيش الفصل الثالث من الحرب العالمية من دون القدرة على وصفها بـ"الحرب العالمية الثالثة" بشكل صريح. ربما نعيش الفصل الثالث من الحرب العالمية من دون القدرة على وصف ذلك بـ"الحرب العالمية الثالثة" بشكل صريح واليوم، هذا النظام الدولي بعلاقاته ونظرياته ومؤسّساته، بدوله وبأفراده، بقواه الكبرى والمتوسّطة والضعيفة، بمنظماته الدولية، والذي وُلد في سياق الحرب، لا يُريد أن يرى أنّ حربًا في غزّة، وكلّ فلسطين أيضًا، فتكت بالبشر والحجر والشجر، وجوّعت أزيد من مليون إنسان، وقتلت أكثر من خمسين ألفا، مُعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ولا يريد أن يرى أنّ حصار إسرائيل لقطاع غزّة فاق حصار الألمان لمدينة ستالينغراد في السنوات، وفي كلّ شيء، وأنّ المجاعة بسبب الحرب الأخيرة فاقت كلّ مجاعات أوروبا خلال الحرب العالمية، ولا يريد أن يعرف أنّ الهولوكوست الحقيقي هو الذي يحدث اليوم في هذه البقعة. والحديث هنا عن حرب لم تبدأ قبل سنتين، بل عن إبادة مستمرة منذ أزيد من 77 عاما. لقد وُلدت بعد الحرب العالمية الثانية دولة هي عبارة عن برميل بارود متفجّر غير قابل للضبط، اعتبرتها ألمانيا بمثابة كفّارة عن ذنوبها، قائمة على أسس عنصرية دينية وعرقية، ولا يمكن لها الاستمرار إلا على الحروب والدماء في الشرق الأوسط بكامله، وربما في العالم كلّه، وهذه الدولة اليوم هي الخطر الفعلي والحقيقي الحالي والقادم. من المؤكّد أنّ نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحًا لهذا العالم، وأنّ موازين القوى لا بُدّ أن تُضبط وفق قواعد أخرى، كما أنّ استمرار العيش على أطلال المحرقة النازية وعلى مظلومية اليهود في أوروبا (وهما حدثان لا يمكن إنكارهما) بات تجارة مربحة وعملية ابتزاز علنية ومباشرة من إسرائيل لكلّ العالم، فيما هي، ومن معها، ترتكب أفظع المحارق والمجازر التي تُنقل عبر الشاشات، لكن لا أحد، من صُنّاع هذا النظام الدولي، يريد أن يرى أو يسمع. إنّ المشكلة الحقيقية ليست في تشخيص أعطاب النظام الدولي والإقرار بفشله وعجزه وعواره، بل هي في كيفيّة إصلاح هذه الأعطاب، وإعادة ضبط القوى وموازينها، بما يسمح بتحقيق ولو قليل من الشعارات والأحلام التي بُني عليها النظام الدولي بعد الحرب العالمية، وسيكون من الترف والمثالية الحالمة القول إنّ الدبلوماسية والحوار بين الدول الكبرى قادران على خلق نظام دولي جديد في الوقت الحالي. في المقابل، لن تكون هناك أيّة مفاجأة إن تغيّر النظام الدولي عبر حرب عالمية جديدة، من دون أن يدري أحد إن كانت ستكون حربًا لإسقاط قوى عظمى وبناء عالم جديد بأقطاب متعدّدة أو من دون أقطاب، أم حرب نهاية العالم، خاصة أنّ حرب أوكرانيا أعادت التذكير بأنّ الكوكب فيه من السلاح النووي ما يكفي لإبادتنا جميعاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store