
هل تصلح الأحزاب الدينية للسياسة ؟
ربما كشفت الاندفاعة التي قامت بها حركة حماس قبل أكثر من عام ونصف العام عن طبيعة العقل المغامر الذي تدار به السياسة وصراعاتها لدى الإسلاميين بهذا القدر من التسطيح والتبسيط بعيداً عن إجراء الحد الأدنى للحسابات التي تتطلبها، بقدر ما يتعلق برؤية قاصرة مفعمة بالأيديولوجيا التي لا علاقة لها بواقع السياسة.
أدرك الأوروبيون مبكراً كارثة الحكم الديني حين كان يدير الأرض بالمتخيل الديني ليحكم على القارة بالتخلف فأزاحوا سلطة الدين مرة وإلى الأبد لتبدأ نهضة القارة، أما ثيودور هرتسل الذي كان يراقب العالم من عواصمها مستفيداً من تجربة التاريخ وحالماً بإنشاء دولة لليهود كان واضحاً وحاداً وهو يضع أسس هذه الدولة في كتاب صغير ليطلب «حجر الحاخامات في كنسهم ومنع تدخلهم في السياسة».
بعد ثلاثة أرباع القرن من محاولة إسرائيل إبعاد رجال الدين عن السياسة و»حجرهم في كنسهم» تسلل المتدينون للحكم وأصبح لهم وزراء بمرجعيات حاخامية لتبدأ إسرائيل مشوار هبوطها نحو الدول العالمثالثية، بإلغاء استقلال القضاء والصراعات الداخلية والنبذ الخارجي وأزمة التجنيد وأزمة صدام مكوناتها ومجموعة من الأزمات تتفجر تباعاً وتلك طبيعة الأشياء عندما تصل قوى دينية لمركز القرار.
الدين مجموعة مبادئ ونظم ثابتة أما السياسة فهي حالة متحركة ترتبط بالتغيرات اليومية وانزياحات موازين القوى.
وما بين استاتيكا الدين وديناميكا السياسة لا بد أن تصاب المجتمعات ذات الطبيعة الحية بسكتة الأيديولوجيا الثابتة ما يحكم عليها بالتراجع أو على الأقل بالصدام بين مكوناتها ما بين من يريد السكن في الماضي ومن يريد الذهاب نحو المستقبل، ما بين من يريد قراءة الواقع بوقائعه وما بين من يريد قراءة الواقع بغيبياته وما بين الأرض وبين السماء تكمن أزمة كثير من الشعوب التي حكمتها قوى دينية.
للمرة الثانية يحدث هذا الفعل المغامر، قد سبق السابع من أكتوبر الذي لم يخضع لأي حسابات عقلية أو سياسية فعل مشابه قبل ربع قرن لقوة دينية وهي القاعدة ضربت برجي مركز التجارة العالمي وما بين غزوة بن لادن وغزوة 7 أكتوبر ربما يتضح لدينا طبيعة العقل الديني في فهمه للصراعات وإن كانت النتيجة وبالاً على المخططين، بل وكانت النتيجة مزيداً من الهيمنة الإقليمية والدولية للقوى التي تلقت الضربة فقد احتلت الولايات المتحدة باسم الغضب والانتقام للضربة أفغانستان وأسقطت الرئيس العراقي صدام حسين وأعدمته، أما إسرائيل فقد ضربت حزب الله بقوة وقتلت أمينه العام أيقونة المحور واحتلت غزة وشردت أهلها وقتلت عشرات الآلاف من سكانها ودمرت معالم الحياة فيها لعقود قادمة وها هي تضرب سورية وتهدد إيران وتتصرف كدولة مهيمنة إقليمياً.
لا يتعلق الأمر هنا بطبيعة ما قامت به التنظيمات الإسلامية بقدر ما يتعلق بقراءة موازين القوة وتوقع ردة الفعل وهي الدرس الأول في السياسة ومدى استفادة أبناء المدرسة الدينية من التاريخ وقدرتهم على تحويله إلى ممارسة سياسية ناجحة، وهذا لم يتحقق في ظل الانبهار بالأيديولوجيا وتاريخها ومعاركها فكل صراعات التاريخ وحروبه العالمية ومعاركه الكبرى والصغرى وأسلحته ومناوراته وذكائه الصناعي الذي دخل كجزء من آلة الحرب لا تعني شيئاً لأبناء تلك المدرسة ففي الكثير من النقاشات يفاجئك الإسلاميون باستعادة تجربة معارك ما قبل السلاح، معارك الإرادة والشجاعة وتلك انتهت مع اختراع أول طلق ناري وبتنا أمام عصور مختلفة تتطلب سياسات مختلفة.
هذه تصلح للقياس في فهم الإسلاميين لإدارة المجتمعات والتي تنتهي عادة بتراجيديا مؤلمة على نمط البطل في الأساطير اليونانية وخسارات فادحة، فالعقل الذي يدير صراعاته في القرن الحادي والعشرين بمنطق الغزوة باعتبار الغزوة مصطلحاً وفعلاً قديم هو عقل لا يصلح لإدارة المجتمعات بل لا تستطيع المجتمعات دفع كلفة بدائيته وتخيلاته على نمط حسابات الأرقام المنفصلة عن واقع السياسة وموازينها وفداحة تكلفتها إذا ما تم ارتكاب أدنى الأخطاء.
انتهت غزوة مانهاتن بالقضاء على مخطِّطِها وتنظيمه وفكرته التي تمت ملاحقتها، ولم تنتهِ تداعيات غزوة السابع من أكتوبر بعد لكن إسرائيل اغتالت مخطِّطها وقضت على قوة تنظيمه وفكرته وحاضنته الاجتماعية لتقف حماس أمام مفترق يشبه النهايات.
فهي غير قادرة على الاستمرار ولا التراجع ولا الثبات في المكان ولا مستقبل لها بعد هذه المغامرة الفادحة، فلا يمكنها العودة لحكم مرفوض من قبل الجميع وأولهم سكان قطاع غزة، ولا هي قادرة على الاختفاء من المشهد بمحض إرادتها لتقف أمام خيارين فإما النصر أو الشهادة، وطالما أن النصر غير متحقق فنحو الشهادة وهنا أيضاً نموذج كيف تقف الأيديولوجيا عائقاً أمام الحل الوسط والانسحاب بمرونة تحفظ ما تبقى من التنظيم أو من أهل غزة.
الإقليم وتجاربه بعد زلزال غزة بحاجة لقراءة أخرى. صحيح أن معظم الأفكار والنظريات فشلت في المنطقة العربية لكن فشل الإسلاميين مختلف ليس فقط لأنه الأكثر فداحة بل لشدة انفصاله عن واقع السياسة، وهذا ما يقرؤه الغزيون في تصريحات زعماء الأحزاب الدينية الذي يحاولون ممارسة السياسة متأخراً ... أو تحت ضغط اللحظة ...!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 2 ساعات
- جريدة الايام
الضغط على إسرائيل في ذروته
يستعد الجيش الإسرائيلي للقتال داخل قطاع غزة. وتنفذ القوات في هذه اللحظة نوعا من الزحف البطيء في داخل المجال الذي تنظم نفسها فيه. وحسب منشورات أجنبية، في صباح يوم أمس عملت قوة خاصة من الجيش الإسرائيلي قرب مستشفى ناصر في جنوب خان يونس. وكان الهدف هو أحمد سرحان رئيس لجان المقاومة في جنوب القطاع. يدور الحديث عن خلية إرهاب متفرعة عن حماس. وحسب المنشورات الأجنبية، فقد شارك في الاجتياح في 7 أكتوبر في الغلاف واحتجز مخطوفين. وكان هدف العملية اعتقال المخرب للتحقيق معه في إسرائيل. استغل الجيش الإسرائيلي حقيقة أن القوات توجد تماماً بمحاذاة أحياء خان يونس، وفي الميدان يوجد عدم استقرار من ناحية حماس، كي ينفذ العملية. غير أن ما كان يفترض على الورق أن يكون عملية هي جزء من دخول مستعرب واعتقال المخرب تعقد إلى معركة في نهايتها قتل المخرب سرحان. زوجته وابنه اعتقلا وجيء بهما للتحقيق في إسرائيل. تحاول إسرائيل في هذه اللحظة تنفيذ بضع خطوات بالتوازي. الأولى: تحسين المواقع قبل الانتقال إلى الهجوم. الثانية: الاستيلاء على ذخائر في حالة فرض على الطرفين وقف القتال قبل أن يبدأ. والثالثة: ممارسة ضغط جسدي غير معتدل على حماس. يعمل المقاتلون في غزة منذ أكثر من سنة وسبعة أشهر. الانهاك واضح. بعد قتال متواصل في ساحات مختلفة، يصعب على الجنود احتمال كل التوتر. لقد أصاب لواء الناحل حين وجه المقاتلين إلى ضابط الأمن بعد أن شرحوا أنه يصعب عليهم الدخول في مسار قتالي آخر في غزة. ليس هذا رفضاً بل انهاك نفسي هو طبيعي في واقع مشوش وغير طبيعي. أمس بدا الأميركيون أقل أدباً. أقوال الناطقة بلسان البيت الأبيض كانت واضحة: الرئيس دونالد ترامب يطلب ويتوقع إنهاء الحرب. مصدر في الجيش قال إن الواقع يدل على أنه عندما يطلب الأميركيون شيئاً ما، فإن الكل يطيع وينفذ. انظروا موضوع إدخال المساعدات إلى غزة. من أراد أن يرى إشارة أخرى عن الضغط الذي يمارس لأجل إنهاء القصة في غزة، تلقى تقارير مدراء شركات الطيران الأجنبية الذين بلغوا بأنهم لن يعيدوا حالياً الرحلات الجوية إلى إسرائيل. ومثلما في كلمات القصيدة – «نحن نبقى في البلاد». بالتوازي، فإن الأحزاب الحريدية هي الأخرى تفهم أن إنهاء القتال في غزة كفيل بأن يقلل الضغط في كل ما يتعلق بالمساواة في العبء. اليوم القريب القادم أو ذاك الذي سيأتي بعده سيحسمان إلى أين نسير: لمواصلة القتال والغرق في الوحل الغزي – أم لخطوة وقف نار وتحرير الـ 58 مخطوفاً.


جريدة الايام
منذ 2 ساعات
- جريدة الايام
مـلامـح انـهـيـار اسـتـراتـيـجـي حـقـيـقـي
"تلة الكابيتول لا تجيب". ذات مرة، قبل وقت غير بعيد، كان هذا الشعار صحيحاً وأليماً، للأصدقاء من القاهرة. الرئيس المصري السيسي كان يجد في الإسرائيليين الموصين الأفضل الذين يمكنه أن يطلبهم لنفسه في واشنطن، في ضوء النقد المستمر الذي يربط بين تحسين وضع حقوق الإنسان في مصر وبين المساعدات الخارجية الأميركية السخية التي تمنح للقاهرة. لكن هذه كانت أزمنة أخرى كانت فيها إسرائيل العنوان المضمون، الأفضل، لمسارات قلب واشنطن. اسألوا بوتين. عالم ونقيضه: الضعف العميق لدرجة الشلل الذي تعاني منه حكومة إسرائيل في مجال العلاقات الخارجية (هل لأحد ما بالمناسبة أن التقى مؤخراً وزير الخارجية ساعر؟) يصبح هذه الأيام انهياراً استراتيجياً حقيقياً. فهذا لم يعد مجرد نقد عابر على سلوك الحكومة: فالأمور قد تصعد إلى ضرر بعيد المدى للأمن القومي وللعلاقات الخارجية لدولة إسرائيل. مثلما وصف بين هذه السطور في الأسابيع الأخيرة فإن الانفجار الإقليمي – بإشراف الرئيس ترامب – يقترب. شرق أوسط جديد يدق أبوابنا. الإماراتيون يلامسون شريحة Nvidia. القطريون منشغلون بالتملق لترامب. ودرة التاج، المملكة السعودية – هذه بداية المحاور لكل شيء: أسلحة متطورة بمئات مليارات الدولارات (بما في ذلك طائرات اف 35، تحد مهم للتفوق العسكري الإسرائيلي)، محادثات نووي مدني، مشروع ذكاء اصطناعي هو الأكبر في العالم بمشاركة سام التمن وتفاهمات إقليمية مخترقة للطريق. في الخلفية، مواصلة مفاوضات النووي مع آيات الله بقدر كبير من فوق رأس إسرائيل، حوار مباشر مع حماس واليمنيين، أردوغان يتثبت في الساحة الشمالية، وحتى لبنان يتغير. وحيال هذا التغيير التكتوني، تصمت حكومة إسرائيل وتواصل ما كانت عليه، محاولة الانقلاب النظامي تحصد إنجازات محدودة (في هذه المرحلة)، المناكفة الزائدة لمحكمة العدل العليا وللمستشارة القانونية للحكومة تتواصل، الغرق في القطاع بلا غاية اقتصادية، في ظل مخاطرة حقيقية على مقاتلي الجيش في ظل التدهور الخطير للوضع الإنساني في القطاع، تعرض خطير لعقوبات دولية وامتناع أميركي عن المعركة في القطاع (في ظل انعدام استعداد نائب الرئيس فانس لان يزور البلاد في هذه اللحظة)، قانون التملص من الخدمة، والمخطوفون؟ كمن تملكه الشيطان، يضطر رئيس الوزراء بصعوبة لأن يتعاطى بصعوبة مع منحى ويتكوف في إطار غمزة اضطرارية عن الاستعداد لإنهاء الحرب. تجبي الرؤية المسيحانية – الجمهورية التي تتصدرها حكومة إسرائيل في هذه الأيام منذ الآن أثماناً باهظة لعدة ساحات. يكفي رؤية الأضرار المتراكمة كي نفهم أن ليس هكذا تدار دولة. فحقيقة أن حماس مثلاً تجري حواراً مباشراً مع الولايات المتحدة هي ضرر من الصعب قياس عمقه. "شروط الرباعية" (2006)، أحد الإنجازات الإسرائيلية القليلة في المعركة السياسية حيال الفلسطينيين، تقضي ألا تكون الدول الغربية، بما فيها الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة وبالطبع إسرائيل – على اتصال مباشر مع منظمة الإرهاب حماس. وهاكم العجب، اليأس المتعمق لدى ترامب من الجمود المتواصل الذي يسيطر على نتنياهو جلب الولايات المتحدة إلى حوار مباشر مع حماس، وإن كانت غايته المخطوفين – لكن تداعياته السلبية باتت واضحة، بينما حماس تتباهى منذ الآن بالحوار الجاري الذي تجريه مع "الجانب الأميركي"، على حد تعريفها. توجب الحفرة العميقة التي علقت فيها إسرائيل في أعقاب الشلل التام الذي ألم بالحكومة –إصلاحاً عميقاً بقدر لا يقل. المعنى الفوري هو أنه مع أقل من سنة ونصف السنة حتى انتخابات الكنيست الـ 26، على الأحزاب أن تعرض رؤية إقليمية تستند إلى زعامة إيجابية مفعمة بالأمل والتفاؤل تعرف كيف تأخذ السنتين الأخيرتين للرئيس ترامب في البيت الأبيض كي تجني أرباحاً لدولة إسرائيل. نافذة الفرص التاريخية لتصميم الشرق الأوسط كفيلة بأن تغلق في السنوات القريبة القادمة وعلى الناخب الإسرائيلي أن يأخذ هذا بالحسبان في يوم الأمر: إما قيادة تتجمد في مكانها محشورة بين جدران التطرف، أو عودة إلى رؤية الآباء المؤسسين في شكل صهيونية مبادرة، قوية وواثقة بنفسها – لضمان ازدهار الدولة للأجيال القادمة.


جريدة الايام
منذ 2 ساعات
- جريدة الايام
انقسام بين متابعي المؤثرة "ميس رايتشل" بسبب دفاعها عن أطفال غزة
واشنطن-أ ف ب: عُرفت "ميس رايتشل" لفترة طويلة كشخصية مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي تقدّم بوجهها الطفولي الباسم، أشرطة مصوّرة لتعليم الأطفال وتقديم النصائح لذويهم، إلى أن بدأت برفع الصوت دفاعا عن الأطفال في قطاع غزة، ما أثار انقساما بين ملايين المتابعين وانتقادات بلغت حد المطالبة بفتح تحقيق بحقها في الولايات المتحدة. منذ العام الماضي، بدأت الأميركية رايتشل أكورسو المعروفة بـ"ميس رايتشل" تتحدث عن المآسي التي يواجهها الأطفال في قطاع غزة جراء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، في تغيير جذري عن الصورة التي صنعت شهرتها، وهي التحدث بأسلوب طفولي محبب وهي ترتدي زيّا من الجينز وتلف رأسها بربطة زهرية اللون. وقالت المرأة البالغة 42 عاما، وهي أم لولدين، "أعتقد أن عدم قول أي شيء هو ما يجب أن يثير الجدل"، وذلك في مقابلة أجرتها أخيرا مع الإعلامي الأميركي البريطاني مهدي حسن، وعلّقت خلالها على الانتقادات المتزايدة التي تتعرض لها على خلفية حملات جمع التبرعات والمناصرة التي تقوم بها لمساندة الأطفال في القطاع الفلسطيني. أضافت "من المحزن أن يحاول الناس إثارة الجدل ضد من يرفع الصوت دفاعا عن أطفال يتعرضون لمعاناة لا تقاس. الصمت لم يكن خيارا بالنسبة لي". سلّط هذا الاندفاع الضوء على الشخصية المحبوبة التي دخلت بابتسامتها العريضة ووجها البشوش، قلوب ومنازل ملايين من العائلات في الولايات المتحدة، وأصبحت من أبرز الوجوه على منصات التواصل الاجتماعي التي تقدم النصائح لمرحلة الطفولة المبكرة. ويناهز عدد متابعي "ميس رايتشل" على منصة يوتيوب 15 مليون شخص. ويأتي الجدل حولها في وقت تزداد حدة الأزمة الإنسانية في غزة، مع منع إسرائيل دخول المساعدات الانسانية منذ الثاني من آذار إلى القطاع المحاصر، ما أثار انتقادات دولية لاذعة للدولة العبرية التي قالت إنها ستعاود السماح بدخول "كمية أساسية" من المعونات. لكن الانتقادات المثارة حول فيديوهات "ميس رايتشل" التي تتطرق إلى معاناة الأطفال في غزة، والموجهة إلى البالغين من متابعيها وبقيت منفصلة عن أشرطتها التعليمية للصغار، تعكس الانقسام العمودي في الولايات المتحدة بشأن الحرب المستمرة في غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وأثارت هذه الحرب في الولايات المتحدة، الحليفة التاريخية للدولة العبرية، انقسامات عميقة على مستويات مختلفة، من الجامعات إلى المؤسسات الخاصة والمجتمع بشكل عام. في أيار 2024، أطلقت "ميس رايتشل" حملة جمعت خلالها 50 ألف دولار لصالح منظمة "سايف ذا تشيلدرن". وهي تحدثت بتأثر بالغ عن تعليقات قاسية و"تنمّر" تعرضت له عبر منصات التواصل الاجتماعي، واتهام منتقديها لها باتخاذ موقف منحاز مناهض لإسرائيل. وكتبت أكورسو ردا على ذلك أن "الأطفال الفلسطينيين، الأطفال الإسرائيليين، الأطفال في الولايات المتحدة، الأطفال المسلمين، اليهود، المسيحيين. كل الأطفال، في أي بلد كانوا". أضافت "لا أحد مستثنى". ومذ بدأت ترفع الصوت دفاعا عن هؤلاء، تواجه "ميس رايتشل" اتهامات متزايدة بمعاداة السامية أو مناهضة إسرائيل. وطلبت مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل الشهر الماضي من وزيرة العدل الأميركية بام بوندي، فتح تحقيق بشأن ما إذا كانت أكورسو "تتلقى تمويلا من طرف خارجي للترويج لدعاية مناهضة لإسرائيل لتضليل الرأي العام". كما اتهمتها منظمة StopAntisemitism المناهضة لمعاداة السامية، بأنها تعمل على ترويج "دعاية حماس"، وإن أقرّت بأن أكورسو نشرت فيديوهات داعمة لأطفال إسرائيليين منهم أرييل وكفير بيباس، أصغر الرهائن سنا واللذان لقيا حتفهما خلال الأسر في قطاع غزة. وقالت "ميس رايتشل" لصحيفة نيويورك تايمز، إن اتهامها بالترويج لدعاية حماس هو "عبثي" و"كذب صريح". ونقلت عنها الصحيفة قولها "الحقيقة المؤلمة... هي أن آلاف الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة قتلوا وما زالوا يقتلون، ويتعرّضون للتشويه والتضور جوعا. من الخطأ الاعتقاد بأن الاهتمام بمجموعة من الأطفال يحول دون اهتمامنا بمجموعة أخرى من الأطفال". وألغت "ميس رايتشل" إمكانية التعليق على بعض منشوراتها الداعمة لأطفال غزة، لكن مستخدمين لجؤوا إلى منشوراتها الأخرى لتوجيه انتقاداتهم. ويعكس التفاوت في التعليقات الانقسام حولها، إذ كتب أحد المستخدمين "أحب برنامجك وليس سياستك"، بينما اعتبر آخر أن "ميس رايتشل كنز وطني". ودافعت بعض الشخصيات عن "ميس رايتشل"، مثل تومي فيتور الذي كان ضمن فريق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويعمل حاليا كمقدم بودكاست. وكتب فيتور إن "معاداة السامية مشكلة حقيقية، والإدلاء بهذه التعليقات (بحق ميس رايتشل) بشكل خبيث... لغايات سياسية، يجعل الأمور أسوأ". وتمسكت أكورسو بمواقفها على رغم الانتقادات. ونشرت حديثا صورة برفقة الطفلة رهف البالغة ثلاثة أعوام والتي فقدت ساقيها في الحرب. وأرفقت الصورة بتعليق جاء فيه "نعلم أن معاملة الأطفال كما يحصل في غزة ليست أمرا صائبا أخلاقيا. نعلم ذلك في قلوبنا وأرواحنا"، متوجهة بالقول إلى "القادة الملتزمين الصمت ولا يساعدون هؤلاء الأطفال، يجب أن تشعروا بالعار. صمتكم سيبقى في الذاكرة".