logo
سوريا... الاختبار القاسي

سوريا... الاختبار القاسي

الشرق الأوسط٢٩-٠٧-٢٠٢٥
سوريا لا تستحق ما يجري فيها الآن من اقتتال، وفتن، واعتداءات إسرائيلية، وتدخلات إقليمية، فكل ذلك سيؤثر على استقرارها أولاً، واستقرار الإقليم ثانياً، ويصنع أزمة مزمنة، كأزمة القضية الفلسطينية التي بدأت هكذا في بداية القرن العشرين الماضي، وانتهت إلى ما نحن فيه.
نعرف أن سوريا غنية بالأعراق، والثقافات، والطوائف، والأفكار، وكل ذلك يعد مصدراً من مصادر الثراء الإنساني، ولا يمكن أن يتحول الغنى إلى مأساة.
في السويداء، وقع الاصطدام، وتاهت البوصلة الوطنية السورية. سقط ضحايا من الطرفين، من أبناء جبل الدروز، والقبائل العربية، على رغم أنهما عاشا معاً مئات السنين في الأرض نفسها، ودائماً ما كان جبل الدروز مدافعاً عن سوريا بالكامل، ضد الغزاة والاستعمار، والتاريخ شاهد حي على دور سلطان باشا الأطرش، وكذلك القبائل العربية التي كانت حصناً منيعاً للهوية والثقافة العربيتين على مدى قرون طويلة. والوطن السوري هو الجامع الكبير.
هل يعقل هذا؟ ترتفع البنادق في وجوه إخوة الدم والوطن، إنه لأمر مقلق وخطير.
على السوريين بشتى أعراقهم وطوائفهم، أن يدركوا أن هناك قوى دولية ترنو إلى سوريا الحالية، كأنها غنيمة حرب، بعضها يريد السيطرة عليها، والبعض الآخر يرغب في تمزيقها بحرب أهلية مفتوحة.
سوريا لم تكن بلداً على هامش التاريخ، ولا فائضاً عن الجغرافيا، بل كانت في قلب الحضارات القديمة الحية، من حضارة أوغاريت، وتدمر، إلى دمشق أقدم مدن العالم المستمرة منذ اثني عشر ألف سنة، دائماً كانت سوريا حاضرة في صناعة العقائد والأديان والأفكار، ومعبراً مفتوحاً للثقافات العالمية.
من ينظر إلى سجلات التاريخ يتوقف أمام محطات صاغت وجدان البشرية بالكامل، ومن دون أن نخوض في التاريخ، فإن كل الحركات السياسية والثقافية، والاجتماعية الحديثة، خرجت من بلاد الشام مع نهاية القرن التاسع عشر، وبصمات سوريا محفورة في كل المدن العربية التي نهضت مع بداية القرن العشرين.
إذا نظرنا إلى الأثر الثقافي السوري على مستوى العالم، فسنجد الشعراء، والكتاب، والروائيين، ورجال الأعمال، جميعاً ينتمون إلى طوائف وأعراق شتى، منهم الدرزي، والعلوي، والمسيحي، والإسماعيلي، والكردي، والسني، والإيزيدي، والآشوري، أعراق وأديان شتى، لكنها أحفاد وطن واحد.
إن ما جرى في السويداء يوم 13 يوليو (تموز) 2025، إنما يمثل إشارة واختباراً قاسياً للتعايش بين أفراد البلد الحضاري الواحد، أعترف أن هناك تاريخياً مماحكات كالتي تجري في جميع أنحاء العالم، مناطقياً وجهوياً، لكنها لا ترقى إلى حمل السلاح بين الإخوة والأشقاء، فقد سقط على مدى ثلاثة أيام ضحايا، يربو عددهم على المئات، وحدث تهجير قسري، وهروب من المناطق التي وقعت فيها الأحداث، وصل إلى الآلاف، حسب تقارير الأمم المتحدة. والأخطر هنا أن إسرائيل تجاوزت جميع الخطوط الحمر، واستغلت الأحداث السورية - السورية، واعتدت على المؤسسات الاستراتيجية للدولة السورية، في محاولة لتفكيك الدولة السورية طائفياً، واستكمال مشروعها التوسعي في الجنوب السوري، بهدف صناعة ممرات تشق الأراضي السورية، إلى أبعد نقطة تصل إليها أحلام إسرائيل، كممر داوود الاقتصادي، وممر صوفا 53 العسكري، والاقتراب من خرائط إسرائيل التوراتية.
وبحق ردت الدولة السورية على هذا المخطط، بأنها لن تسمح بالتقسيم على أساس طائفي، فليس خافياً أن الولايات المتحدة الأميركية تحركت لوقف العدوان الإسرائيلي، وكذلك تحركت دول عربية على عجل، إدراكاً منها أن إسرائيل تخلط الأوراق، وتريد أن تضع سوريا في مأزق وجودي، ينعكس على خرائط المنطقة بالكامل، بل إن إسرائيل تريد خلق قضية مزمنة جديدة، تستقطع بها الوقت لتنفيذ مخططاتها الخطيرة، فهي تستخدم فلسفة التجريب في تركيبة اجتماعية حساسة، مثل الحالة السورية المتعددة، والمختلفة والمتفردة.
وسط هذه الأمواج الدموية، والقلاقل المستقبلية التي تحاك للشعب السوري، فإن ثمة سؤالاً يطرح نفسه: كيف يمكن إنقاذ سوريا من هذا الاختبار القاسي الذي قد يفضي إلى تلاشي وجود الدولة والأمة السورية؟
حقيقة أتذكر مقولة الرئيس السادات حين قال: «ارفعوا أيديكم عن لبنان»، ولعلى هنا أقول بكل ثقة: «ارفعوا أيديكم عن سوريا»، فسوريا الممزقة أخطر على الإقليم العربي والعالم من سوريا الدولة الوطنية لكل الأبناء، ولذا ألمح فرصة للتعامل مع هذا الاختبار القاسي، إذ يتطلب حكمة وسياسة رشيدة، وتحركات سريعة، من جميع الأطراف المنغمسة في الشأن السوري، داخلياً وخارجياً، فسوريا المستقرة علامة على حيوية التاريخ وقوة الجغرافيا، فلا تتركوها فريسة للعبة الأمم.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فلسطين تناشد ترمب وتتوجه لمجلس الأمن لمنع احتلال غزة
فلسطين تناشد ترمب وتتوجه لمجلس الأمن لمنع احتلال غزة

الوئام

timeمنذ 30 دقائق

  • الوئام

فلسطين تناشد ترمب وتتوجه لمجلس الأمن لمنع احتلال غزة

أعربت الرئاسة الفلسطينية، عن رفضها وإدانتها الشديدين للقرارات الخطيرة التي أقرها مجلس الوزراء الأمني المصغر في إسرائيل 'الكابينت'، بإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وتهجير ما يقارب مليون فلسطيني قسرا من مدينة غزة وشمال القطاع إلى الجنوب، مؤكدة أنها قررت التوجه الفوري إلى مجلس الأمن الدولي لطلب تحرك عاجل وملزم لوقف هذه الجرائم. كما حذرت الرئاسة الفلسطينية، من أن 'هذه الخطط الإسرائيلية، القائمة على القتل والتجويع والتهجير القسري، ستقود إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتضاف إلى ما تقوم به قوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية من استيطان وضم للأرض الفلسطينية وإرهاب للمستوطنين واعتداء على المقدسات ودور العبادة المسيحية والإسلامية، وحجز الأموال الفلسطينية، وتقويض تجسيد مؤسسات الدولة الفلسطينية، وهي جرائم ضد الإنسانية تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي'، وفقا لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا). وأكدت، أن 'الشعب الفلسطيني لن يقبل بسياسة الإملاءات أو فرض الوقائع بالقوة، وأنه متمسك بحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية'. وتابعت بالقول 'أمام هذا التصعيد الخطير، قررت دولة فلسطين إجراء الاتصالات العاجلة مع الجهات المعنية في العالم، كما قررت التوجه الفوري إلى مجلس الأمن الدولي لطلب تحرك عاجل وملزم لوقف هذه الجرائم'. كما دعت الرئاسة الفلسطينية إلى عقد اجتماعات طارئة لكل من منظمة التعاون الإسلامي ومجلس جامعة الدول العربية، لتنسيق موقف عربي وإسلامي ودولي موحد، يضمن حماية الشعب الفلسطيني ووقف العدوان، كما ناشدت بشكل خاص الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن يتدخل لوقف تنفيذ هذه القرارات، وبدلا من ذلك الوفاء بوعده وقف الحرب والذهاب للسلام الدائم. وطالبت الرئاسة، المجتمع الدولي، والأمم المتحدة ووكالاتها، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتحرك الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة والوقود دون أي قيود أو شروط، وضمان وصولها إلى جميع أبناء شعبنا في قطاع غزة، وخاصة في ظل التهجير القسري والظروف المأساوية التي يعيشها مئات الآلاف من النازحين. وجددت الرئاسة الفلسطينية تأكيدها، أن السبيل الوحيد لوقف هذه المأساة وضمان الأمن والاستقرار، هو تمكين دولة فلسطين من تولي كامل مسؤولياتها في الحكم والأمن في قطاع غزة، كجزء لا يتجزأ من دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمن حل سياسي شامل ينهي الاحتلال الإسرائيلي وينفذ قرارات الشرعية الدولية.

ألمانيا توقف الصادرات العسكرية لإسرائيل... وتحث على وقف إطلاق النار بغزة
ألمانيا توقف الصادرات العسكرية لإسرائيل... وتحث على وقف إطلاق النار بغزة

الشرق الأوسط

timeمنذ 30 دقائق

  • الشرق الأوسط

ألمانيا توقف الصادرات العسكرية لإسرائيل... وتحث على وقف إطلاق النار بغزة

قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الجمعة، إن الحكومة لن توافق على صادرات أي عتاد عسكري إلى إسرائيل يمكن استخدامها في قطاع غزة حتى إشعار آخر؛ وذلك رداً على خطة إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية هناك. جنود من الجيش الإسرائيلي داخل أحد المنازل خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي) وأضاف ميرتس في بيان أن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والتفاوض على وقف إطلاق النار يتصدران أولويات ألمانيا، معبّراً عن قلقه الشديد إزاء معاناة السكان المدنيين في غزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store