
مرافعة أمام الغرفة الجزائية الجنائية لدى محكمة استئناف نواكشوط (2)
المحور الأول: في المحكمة: وأد القانون، وغياب أسس المحاكمة العادلة!
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا}. صدق الله العظيم.
وقال جل من قائل: { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}
سيدي الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
عندما سن المشرع تعدد وتراتب درجات التقاضي كانت غايته تكريسَ وضمانَ إحقاق الحق وإقامةَ العدل بين الناس، وأن تراقب الدرجةُ الأعلى الدرجةَ الأدنى وتتلافى ما أخلت به من إجراءات – والقضاء إجراءات– ومن حُكْمٍ أيضا.
ومن أغرب ما لمسناه أثناء رحلتنا الشاقة مع هذا الملف الكيدي المختلق، في مختلف درجات التقاضي، الحرص على طمس إرادة المشرع فيه، حيث دُئِب على اقتداء الدرجة العليا بما ذهبت إليه الدرجة الدنيا من شطط وحيف، وإقراره وتأكيده فورا. ولذلك نجد أنه لا يوجد فيه من بين أزيد من مائة (100) أمر وقرار تتعلق بموكلنا - دون غيره- أمر أو قرار واحد مارست فيه الدرجة الأعلى رقابتها فألغته وحكمت بالعدل، رغم كثرة ما تحتويه تلك الأوامر والقرارات من حيف ومخالفة لصريح القانون، ومن غش وتدليس وتزوير أيضا.
ومن أمثلة وأد القانون وغياب أسس المحاكمة العادلة في هذه المحاكمة ما يلي:
1. وأد القانون.
والقانون (سواء أكان تشريعا وطنيا أو اتفاقيات صادقت عليها موريتانيا) حسب أحد تعريفاته الدقيقة هو "مجموعة القواعد العامة المجردة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الأشخاص الخاضعين لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها". وتنص المادة 4 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على أن "القانون هو التعبير الأعلى عن إرادة الشعب ويجب أن يخضع له الجميع". ومن المعروف بداهة أن الدستور هو القانون الأسمى من بين جميع القوانين والمهيمنُ عليها، وهو الرباط المقدس والميثاق الذي يجمع الأمة! ومع ذلك فقد تم ما يلي مثالا لا حصرا:
* وأد المادة 93 من الدستور التي تنص على ما يلي: "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى. لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني، وبالأغلبية المطلقة لأعضائها. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية".
فهذه المادة لم تلغ ولم يتم تعديلها باستفتاء أو من طرف البرلمان. ورغم ذلك فقد أُلْغِيَتْ عمليا في هذه المحاكمة، وفي التي سبقتها، وتم تعطيلها خدمة لأهداف آنية انقلابية. وحين نخاطب قاضيا أو وكيلا أو مدعيا عاما من بين من يوجد الملف في عهدتهم أو حتى وزير العدل في موضوعها، يقول لنا إنها لم تلغ، ولكن هكذا فسرها زملاؤكم المحامون ويذكر بعضهم بالاسم. وذلك دون أن يدري من نخاطب أن المواد الدستورية لا تلغى ولا تعطل بمجرد تفسير أو تأويل محام أو غيره؛ بل لا بد لذلك من آلية محددة هي الاستفتاء أو التعديل عن طريق البرلمان، وأن النص الصريح لا يفسر ولا يؤول، وإذا فسر أو أول فإنما يفسر ويؤول لصالح المتهم. وقد جرى الشيء نفسه مع مواد دستورية كثيرة مثل المواد: 4، 15، 24، 43، 87،68، 89، 90، 91.
* وأد قرار المجلس الدستوري رقم 009/2024 بتاريخ 5 دجمبر 2024 الذي ورد في مادتيه الأساسيتين ما يلي:
"المادة الأولى: إن الفقرة ب/1 من المادة 2 من القانون رقم 014/2016 الصادر بتاريخ 15 إبريل 2016 لا تخالف الدستور.
المادة 2: إن الفقرة ب/1 من المادة 2 من القانون رقم 014/2016 الصادر بتاريخ 15 إبريل 2016 لا تتعارض مع الحقوق والحريات التي تمنحها المادة 93 من الدستور لرئيس الجمهورية".
ونص في حيثيته الأخيرة الموالية للمنطوق على ما يلي:
"وحيث إن الحماية الممنوحة لرئيس الجمهورية أثناء تأدية مهامه بموجب المادة 93 من الدستور لا تتأثر بما ورد في الفقرة الطعينة".
فهذا القرار الواضح الصريح الذي لا يخدم الانقلاب تجاهلته محكمتكم الموقرة تجاهلا تاما بتحريض وتضليل سافرين من الادعائين، ورفضت العمل به. كما رفضت أيضا الرد على عريضتنا التي طلبنا منها فيها - على أساسه- التخلي عن الملف الذي لم يعد من اختصاصها بقوة المادة 2 من القرار، التي أكد فيها المجلس الدستوري أن دستورية الفقرة ب1 من المادة 2 من قانون محاربة الفساد لا تتعارض مع الحقوق والحريات التي تمنحها المادة 93 من الدستور لرئيس الجمهورية. واكتفت فقط بإعلان صرف النظر عن طلبنا. وصرف النظر غير قانوني ومخالف لصريح المادة 285 إجراءات جنائية، التي توجب على المحكمة البت في جميع طلبات الأطراف.
هذا علما بأن المادة 87 من الدستور تنص على ما يلي: "لا يصدر أو ينفذ حكم أقر المجلس الدستوري عدم دستوريته. تتمتع قرارات المجلس الدستوري بسلطة الشيء المقضي به. لا يقبل أي طعن في قرارات المجلس الدستوري وهي ملزمة للسلطات العمومية وجميع السلطات الإدارية والقضائية".
* وأد وتجاهل وخرق عشرات المواد القانونية الأخرى المتعلقة بالحريات والحقوق وحسن سير العدالة وحقوق الدفاع المقدسة، وتقديم وسائل الدفاع، والعلاج، والزيارات، وإجراء الخِبرات.. إلخ.
فأي شرعية إذن لهيئة قضائية تنتهك الدستور، وترفض تنفيذ قرارات المجلس الدستوري، وتخرق القوانين الإجرائية والموضوعية المكرسة لصيانة الحقوق والحريات، الإجرائية والموضوعية المكرسة لصيانة الحقوق والحريات، وتتسلط على ما ليس من اختصاصها؟
أولا تتشكل المحاكم من قضاة؟ والقاضي ليس مُشرّعا، ولا موظفا للدولة؛ بل هو حَكَمٌ يحكم بين الناس بالقانون، ولا يخضع إلا للقانون ويحميه الدستور - في إطار مهمته المقدسة- من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه (المادة 90). وهو حسب تعريف مونتسكيو: "الفم الذي ينطق بالقانون".
فماذا يَضِير محاكمنا الموقرة لو رفضت الانصياع للأوامر والتعليمات المخالفة للقانون، وحكمت بالقانون واحترمت الدستور؟
ومن الأقوال المأثورة في وجوب الحكم بالقانون وإقامة العدل الذي هو أساس الملك ما يلي:
* قالت سيدة أمريكية لقاض أنهى مرافعاته ونهض ليداول أو يتأمل: "أتمنى أن تحكم بالعدل". فرد عليها قائلا: "لا أعدك بذلك، ولكني أعدك بأن أحكم بالقانون".
* وقال الرئيس المختار ولد داداه - رحمه الله- لأحد وزراء داخليته لما تحدى قرارا قضائيا: "إذا أنت لم تحترم شرعيتك وتخضعْ للقانون، فمن ذا الذي سيحترمها ويصونها بعدك؟
* وقال رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق وانستون تشرشل لما طلبت مدرسة في أوج الحرب العالمية نقل مطار عسكري من جوارها وحَكَمَ لها القضاء بذلك وحاول وزير الدفاع وقف تنفيذ الحكم: "خير لنا أن تخسر بريطانيا الحربَ ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي"!
* وكانت وصية الرئيس الحبيب بورقيبة في يوم مشهود بقصر السعادة بقرطاج وبحضور وزير العدل الهادي خفاشه - رحمهما الله- لأول بعثة قضائية موريتانية وفدت إلى تونس هي: "يا أبنائي ستشكلون أساس مَرْفِق العدالة في دولتكم الفتية. والعدل أساس الملك. فإذا انهارت جميع مرافق الدولة، أو تأثرت بالفساد، وبقي مرفق العدل قائما، فستبقى الدولة قائمة ما بقي العدل. أما إذا تسرب الفساد إلى مرفق العدل، ويئس الناس من الحق، فعندها تنهار الدولة وتسود الفوضى والخراب". وأخشى ما أخشاه أن نكون قد وصلنا اليوم إلى تلك المرحلة!
في الحلقة القادمة:
2. غياب أسس المحاكمة العادلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلادي
منذ 2 أيام
- بلادي
الخدمة العسكرية 2025 .. المعايير المعتمدة لاستخراج أسماء المستدعين ترتكز على تحقيق المساواة وضمان التوازن الترابي
الخدمة العسكرية 2025 .. المعايير المعتمدة لاستخراج أسماء المستدعين ترتكز على تحقيق المساواة وضمان التوازن الترابي أكد محمد إدلمغيس، رئيس قسم بالمديرية العامة للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية، أن المعايير التي تم اعتمادها لاستخراج أسماء الشباب الذين يمكن استدعاؤهم لأداء الخدمة العسكرية لسنة 2025، ترتكز على تحقيق المساواة بين المواطنين، وضمان التوازن بين الجهات، وكذا على صعيد العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات والجماعات والمقاطعات المؤلفة لها. وقال إدلمغيس في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذه المعايير التي حددتها اللجنة المركزية للإحصاء الخاص بالخدمة العسكرية، والتي يرأسها قاض، رئيس غرفة بمحكمة النقض، وتضم ممثلين عن القطاعات الحكومية المعنية والمصالح والمؤسسات العسكرية والأمنية والمجالس الحقوقية والاستشارية وهيئات الحكامة، تتم بطريقة تلقائية وآلية، دون تدخل بشري، وتعتمد على معادلة حسابية أتوماتيكية. وأبرز أنه تم خلال اجتماع اللجنة في 17 أبريل الماضي، استخراج لوائح أسماء الشباب المعنيين وإحالتها على مصالح العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات لطبع الإشعارات الخاصة بهؤلاء الشباب وتبليغها إلى أصحابها من أجل دعوتهم إلى ملء الاستمارة الخاصة بالخدمة العسكرية، لافتا إلى أن السلطات الإدارية المحلية قامت بالفعل في جميع عمالات وأقاليم، وعمالات مقاطعات المملكة بتوزيع هذه الإشعارات على الشباب المعنيين بها. وذكر، في هذا السياق، بالإشادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية في الأمر اليومي الموجه للقوات المسلحة الملكية بمناسبة الذكرى الـ 69 لتأسيسها يوم 14 ماي الجاري، بما تحقق من إنجازات محمودة ضمن ورش الخدمة العسكرية، حيث وصف جلالته حفظه الله هذا الورش بأنه مسار وطني نوعي يمكن الشباب المغربي من أداء واجبهم الوطني، ويمنحهم فرصة للانخراط في مؤسسة منضبطة تكرس قيم المثابرة والتضحية والانتماء، فضلا عن تمكينهم من تكوين مهني وتخصصات تفتح أمامهم آفاق الاندماج في سوق الشغل، والمساهمة في بناء ونهضة بلدهم ومجتمعهم معتزين بانتمائهم ومغربيتهم وأوفياء لملكهم وثوابت أمتهم. من جهة أخرى، أوضح إدلمغيس أن الفئة العمرية المعنية بأداء الخدمة العسكرية هم الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و 25 سنة، مشيرا إلى أن الشباب البالغين أكثر من 25 سنة المضمنة أسماؤهم في قاعدة البيانات الخاصة بالخدمة العسكرية، سواء سبق دعوتهم لملء استمارة الإحصاء خلال عمليات الإحصاء المجراة منذ سنة 2019 أو لم تسبق دعوتهم لذلك، يمكن أيضا استدعاؤهم لأداء هذا الواجب الوطني. وأضاف أنه يمكن، كذلك، استدعاء الشباب الذين سبق إحصاؤهم وتم استدعاؤهم لأداء الخدمة العسكرية واستفادوا من الإعفاء المؤقت، مؤكدا أنه يمكن للشباب غير المدعوين لملء استمارة الإحصاء والمستوفين لشرط السن الذين يرغبون في التطوع لأداء الخدمة العسكرية، أن يقوموا خلال المدة المحددة لعملية الإحصاء (من 25 أبريل إلى 23 يونيو 2025)، بملء استمارة الإحصاء، بصفة تلقائية، عبر الموقع الإلكتروني الخاص بعملية الإحصاء المتعلق بالخدمة العسكرية ( وتابع بالقول إن نفس الإمكانية متاحة كذلك للشابات اللواتي يستوفين شرط السن المطلوب الراغبات في التطوع لأداء الخدمة العسكرية، وأيضا للشباب من الجالية المغربية المقيمة بالخارج الراغبين في أداء الخدمة العسكرية مع الحرص عند ملء استمارة الإحصاء بالموقع الإلكتروني على إدخال المعلومات الخاصة برقم تسجيلهم بالسجل القنصلي.


الصحفيين بصفاقس
منذ 2 أيام
- الصحفيين بصفاقس
رئاسة الحكومة: تحيين معطيات الدفعة الرابعة من عمّال الحضائر دون 45 سنة
رئاسة الحكومة: تحيين معطيات الدفعة الرابعة من عمّال الحضائر دون 45 سنة 19 ماي، 18:15 دعت رئاسة الحكومة، في بلاغ لها، المنتمين إلى الدفعة الرابعة من عملة الحضائر أقلّ من 45 سنة، إلى تحيين معطياتهم الشخصية المدرجة ضمن المنصّة الرقمية وذلك بداية من اليوم 19 ماي وإلى غاية 31 ماي 2025. وفي هذا السياق، اعتبرت المنسّقة الوطنية عن عمّال الحضائر أقلّ من 45 سنة هبة الله السعدي، في تصريح لموزاييك، أنّ هذه الخطوة إيجابية، وطالبت رئاسة الحكومة بضرورة الالتزام بمقتضيات الأمر الحكومي عدد 436 لسنة 2021، والمتعلّق بإنهاء العمل بآلية تشغيل عملة الحضائر عبر فتح منصّة سدّ الشغورات بعد 30 يوم من فتح منصّة تحيين المعطيات الشخصية. ودعت السعدي الحكومة إلى إنهاء ملف عمال الحضائر أقلّ من 45 سنة في الآجال القانونية، أيّ خلال السنة الحالية عبر الانتهاء من تسوية وضعيات الدفعتين المتبقيتين الرابعة والخامسة.


ديوان
منذ 2 أيام
- ديوان
المتحدث العسكري المصري: سقوط طائرة تدريب ومقتل طاقمها
وأضاف أن الطائرة سقطت في إحدى مناطق التدريب نتيجة عطل فني، وأنه جاري إتخاذ الإجراءات اللازمة بمعرفة الجهات المختصة. ولم يذكر المزيد من التفاصيل. وقال المتحدث في بيان إنه ''في إطار تنفيذ النشاط التدريبي للقوات الجوية اليوم الاثنين الموافق 19-5-2025 سقطت طائرة تدريب بإحدى مناطق التدريب نتيجة عطل فني واستشهاد طاقمها، وجاري إتخاذ الإجراءات اللازمة بمعرفة الجهات المختصة''. وأضاف: ''تتقدم القوات المسلحة بخالص التعازي لأسر الشهداء داعين الله عز وجل أن يتغمدهم بواسع الرحمة والمغفرة وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان''.