
ضد التيار الأميركي: فرنسا تعترف بدولة فلسطين وتربك الحسابات
قرار يحمل في توقيته ورمزيته أبعادا تتجاوز المسألة الفلسطينية لتضرب مباشرة في قلب المعادلات التي رسختها الولايات المتحدة لعقود في الشرق الأوسط.
ولكن لماذا الآن؟ وهل هو تغير جذري في السياسة الفرنسية أم مجرّد رسالة رمزية؟ وما حدود المخاطرة الفرنسية في تحدي السقف الأميركي والإسرائيلي؟
يبدو أن باريس، وقد ضاقت ذرعا من استمرار المجازر في غزة، وجدت في الاعتراف وسيلة أخلاقية لإعادة التموضع الدولي، ورسالة سياسية لمن يهمه الأمر: أوروبا ليست تابعة بالكامل لواشنطن، ولن تصمت إلى الأبد أمام انزلاق إسرائيل نحو سياسات إقصائية ودموية غير قابلة للتبرير.
لكن ما يُفهم من القرار الفرنسي أنه ليس مجرد تعاطف مع غزة، بل هو تموضع إستراتيجي يلامس خمسة مستويات دفعة واحدة.
أولا، هو رسالة ضغط غير مباشرة على الولايات المتحدة التي فشلت في ضبط سلوك حليفتها الإسرائيلية.
وثانيا، محاولة لإعادة فرنسا إلى قلب المعادلة الشرق أوسطية، بعدما همّشتها واشنطن في ملفات كبرى كالاتفاق النووي الإيراني أو صفقة القرن.
وثالثا، هو استثمار سياسي لامتصاص غضب شعبي داخلي عارم، واحتواء اتّهامات بانفصال النخب الفرنسية عن الواقع الإنساني في غزة.
ورابعا، تحرك محسوب لرد الاعتبار لمبادئ القانون الدولي التي تأسست عليها دبلوماسية فرنسا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وخامسا، وربما الأهم، هو رهان على دور أوروبي بديل في ظل تآكل الهيبة الأميركية في المنطقة.
ومع أن نتنياهو لم يتأخر في مهاجمة الخطوة، معتبرا أنها "تكافئ الإرهاب" وتخلق "وكيلا إيرانيا آخر على غرار غزة"، فإن الرد الفرنسي حمل نبرة سيادية وهادئة، في آنٍ معا، تعكس توازن باريس بين الغضب الأخلاقي والبراغماتية السياسية.
فالاعتراف لا يُلغي حل الدولتين بل يُعيده إلى الطاولة، بعد أن كاد يُدفن تحت أنقاض رفح وجنين وغزة.
صحيح أن الاعتراف بحد ذاته لن يغيّر شيئا ماديا على الأرض، لكنه يكسر احتكار واشنطن لصياغة الشرعية، ويفتح الباب أمام موجة أوروبية جديدة من الاعترافات، قد تُجبر إسرائيل على مراجعة حساباتها. وما يهم اليوم ليس فقط من يعترف، بل متى وكيف ولماذا.
فرنسا اختارت اللحظة الأقسى في الحرب، لتُعلن موقفها. وهذه ليست مجازفة صغيرة، بل قفزة جريئة في بحر من التناقضات. وقد يكون الهدف الأبعد هو توجيه دعوة مبطّنة لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية، حتى لا تبقى خاضعة لأهواء نتنياهو أو حسابات دونالد ترامب.
وبالتالي، قد تكون فرنسا قد وضعت حجرا جديدا في طريقٍ طويل نحو العدالة، لكنه حجر يحمل ثقله الرمزي، ويمنح القضية الفلسطينية دفعة كانت تفتقر إليها.
أما السؤال الأهم، فهو: هل أوروبا على استعداد لتتبع فرنسا، أم أن باريس ستُترك وحيدة في مواجهة العاصفة؟
فرنسا ليست أول دولة أوروبية تعترف بدولة فلسطين، لكنها بالتأكيد أهم دولة في "التيار المركزي" للاتحاد الأوروبي تقدم على هذه الخطوة في هذا التوقيت الحساس.
ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف لا يعني بالضرورة أن أوروبا موحّدة خلفها. فالانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي لا تزال عميقة حول الملف الفلسطيني، لا بسبب الخلاف على شرعية الدولة الفلسطينية، بل نتيجة اختلاف الحسابات السياسية، والضغوط الأميركية، والهواجس الأمنية المرتبطة بإسرائيل.
دول الشمال والشرق الأوروبي مثل ألمانيا وهولندا والنمسا تميل إلى الحذر، وتعتبر الاعتراف غير مفيد من دون إطار تفاوضي شامل.
دول الجنوب الأوروبي مثل إسبانيا والبرتغال كانت أكثر جرأة، وبعضها اعترف بالفعل (مثل إسبانيا)، ما يجعل فرنسا الآن في موقع حلقة الوصل بين "الرمزية السياسية" و"ثقافة الدولة الكبرى" في أوروبا.
بمعنى آخر، فرنسا قد لا تُترك وحيدة، لكنها قد تكون في طليعة مجموعة صغيرة فقط. والسبب في هذا التردد الأوروبي العام هو الخوف من الصدام مع الولايات المتحدة في هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه التوترات بين الغرب من جهة، ومحور روسيا – الصين – إيران من جهة أخرى.
كما أن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي حول دور إسرائيل كحليف أمني وتكنولوجي لا يزال عاملا كابحا.
فبعض الدول الأوروبية ترى في إسرائيل حليفا رئيسيا ضد "التهديدات المشتركة" مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية وإيران.
خلاصة القول، فرنسا لن تكون وحيدة تماما، لكنها لن تجد أيضا صفا أوروبيا موحدا خلفها. الاعتراف الفرنسي هو كسر لحاجز سياسي وأخلاقي أكثر منه تأسيسا لتحول أوروبي شامل.
لكن مع استمرار المجازر في غزة، وزيادة التوتر في الضفة والقدس، قد يتحول هذا "الاستثناء الفرنسي" إلى "سُنة أوروبية جديدة"، خاصة إذا تغيرت المعادلة في واشنطن في قادم الأيام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
داخلية غزة: إسقاط المساعدات جوا يوقع قتلى ويزيد الفوضى في ظل المجاعة
أعلنت وزارة الداخلية في غزة -اليوم الأربعاء- أن عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات على القطاع تسببت في سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، إلى جانب تدمير خيام وممتلكات نازحين، متهمة إسرائيل باستغلال هذه العمليات كوسيلة لـ"تعزيز الفوضى" ضمن سياسة "هندسة التجويع" المرتبطة ب الإبادة الجماعية الجارية في القطاع. وأوضحت الوزارة في بيان أن "الاحتلال الإسرائيلي يستغل عمليات الإسقاط الجوي لصناديق المساعدات لتعميق الفوضى والبلطجة، ونشر مجموعات اللصوص وقطاع الطرق"، مشيرة إلى أن هذه العمليات أدت إلى سقوط ضحايا، بينهم نساء وأطفال، نتيجة التدافع أو سقوط المساعدات مباشرة على المنازل والخيام، وكان آخرهم اليوم الأربعاء في شمال القطاع. وأكدت الوزارة أن "المساعدات التي يتم إسقاطها جوا لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية"، معتبرة أنها لا تمثل سوى "قطرة في بحر الحاجة المتفاقمة"، ولا يمكن مقارنتها بقدرة الشاحنات البرية المحملة بالمساعدات على تلبية احتياجات السكان إذا سُمح بدخولها. عمليات الإسقاط الجوي وأشارت الداخلية إلى أن عمليات الإسقاط الجوي الجارية منذ سماح إسرائيل بها في 26 يوليو/تموز الماضي، في إطار ما وصفته بـ"تعليق تكتيكي محلي" للأنشطة العسكرية في بعض المناطق، جاءت كردّ شكلي على الضغوط الدولية المتزايدة، مع تصاعد تحذيرات المنظمات الأممية من مجاعة شاملة تهدد حياة أكثر من 100 ألف طفل. ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، أغلقت إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية، رغم وجود آلاف الشاحنات المتوقفة على حدوده، مما أسهم في تعميق المجاعة والأزمة الإنسانية غير المسبوقة في غزة. وأكد البيان أن "الآثار السلبية لإسقاط المساعدات بالمظلات، من فوضى وخسائر بشرية ومادية، تفوق بكثير أي منفعة قد تحققها"، واعتبر أن "السبيل الوحيد لتجاوز هذه الكارثة هو الفتح الفوري والدائم للمعابر البرية والسماح بتدفق كميات وفيرة من المساعدات الغذائية والدواء". وناشدت وزارة الداخلية الدول المشاركة في عمليات الإسقاط الجوي "إعادة النظر في هذا الإجراء القاتل"، داعية إلى وقفها العاجل حفاظا على أرواح المدنيين. وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، قد صرّح الجمعة بأن عمليات الإسقاط الجوي "غير كافية" وتُكلّف ما لا يقل عن 100 ضعف تكلفة الشحن البري. وتشن إسرائيل حرب إبادة مدمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدعم من الولايات المتحدة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد وإصابة أكثر من 210 فلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين، وسط تفاقم التجويع بسبب الحصار.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تفاصيل لخطة احتلال غزة ومئات القادة الإسرائيليين السابقين يحذرون
كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية جزءا من تفاصيل خطة عسكرية لاحتلال قطاع غزة سيناقشها الكابينت غدا، في حين حذر مئات القادة الإسرائيليين السابقين من احتلال القطاع. ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) في وقت لاحق، لمناقشة خطة احتلال غزة والتي يعارضها رئيس الأركان إيال زامير ، واصفًا إياها بالفخ الإستراتيجي. وقالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن الرقابة العسكرية الإسرائيلية سمحت بنشر المزيد من التفاصيل حول إحدى الخطط العسكرية التي سيناقشها المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) غدا بشأن غزة. وقالت إن الحديث يدور عن ما وصفته بمناورة برية تمتد من 4 إلى 5 أشهر، وفق تقديرات واضعي الخطة، التي سيتولى تنفيذها من 4 إلى 6 فرق عسكرية. وتحدثت عن هدفين رئيسيين للخطة أحدهما يتعلق باحتلال مدينة غزة والمخيمات الواقعة في وسط القطاع، في حين يتمثل الثاني في تهجير السكان، أو ما وصفته بدفع سكان القطاع جنوبا بهدف تشجيعهم على الخروج من القطاع. والثلاثاء، اتخذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للجنائية الدولية، قرارًا بالمضي في احتلال غزة، خلال اجتماع مغلق مع وزراء ومسؤولين أمنيين، بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، عن مصدر مطلع لم تسمه. خلافات وتحذيرات وبشأن المواقف من الخطة التي تثير خلافات بين المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل؛ ذكرت القناة أن وزير الخارجية جدعون ساعر، ورئيس حزب شاس الديني أرييه درعي، يدعمان موقف رئيس الأركان إيال زامير ويرفضان توسيع الحرب على غزة. كما حذر مئات القادة الأمنيين والدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين، من احتلال قطاع غزة، باعتبار ذلك يمثل حكما بالإعدام على الأسرى، وخطوة تجرّ تل أبيب إلى كارثة سياسية واجتماعية واقتصادية. جاء ذلك في بيان لحركة قادة من أجل أمن إسرائيل، التي تضم أكثر من 550 مسؤولا سابقا في الأجهزة الأمنية ودبلوماسيين سابقين، نشرته مساء الأربعاء بحسابها على منصة إكس. وقالت الحركة إنها تحذّر رئيس الوزراء وحكومته من اتخاذ قرار متسرع باحتلال قطاع غزة، خلافًا للتوصية المهنية لرئيس الأركان، وموقف غالبية مواطني إسرائيل، الذين هم أصحاب السيادة. وأضافت أن الاحتلال الكامل للقطاع، حتى لو كان ممكنًا، قد يكون بمثابة حكم بالإعدام على المختطفين، ويعرّض الجنود للخطر، وقد يجرّ إسرائيل إلى كارثة سياسية، واجتماعية واقتصادية. ورأت الحركة، التي تضم رؤساء سابقين للأركان والموساد والأمن العام (الشاباك) والشرطة ومجلس الأمن القومي ومسؤولين سابقين بالخارجية أن هناك بدائل إقليمية ودولية لاحتلال غزة لكن الحكومة ترفض مناقشتها. ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى تغيير الاتجاه وإعادة المختطفين، ووقف الحرب، وإيجاد بديل سلطوي لحماس بروح المبادرة المصرية، والاندماج في تحالف إقليمي، والاستعداد للتحدي الأساسي ممثلا في حرب ثانية مع إيران. وبشأن المواقف الخارجية، أفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الأخير ناقش تطورات الحرب في غزة مع أعضاء جمهوريين بالكونغرس الأميركي خلال لقائه معهم أمس. كما حذّر سفير فرنسا لدى إسرائيل فريدريك جورنيس، من احتلال قطاع غزة، مشددا على أن هذه الخطوة تعني حربا لا نهاية لها. وقال السفير الفرنسي في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية "نحن على مفترق طرق، والمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر يدرس الخيارات المتاحة، ومن المهم بالنسبة لي أن أقول إن هناك خيارات أخرى للتخلص من حماس وتحقيق الأمن لإسرائيل، غير حرب لا نهاية لها". وشدد على أن احتلال قطاع غزة، مثلما يقولون في الجيش الإسرائيلي ، مكلف ومعقد. وخاطب حكومة نتنياهو قائلا: "واصلوا العمل على اتفاق، واستغلوا الفرصة التي نعرضها عليكم للعمل مع شركاء عرب والتخطيط لليوم التالي. لا تنظروا إلى هذا كعداء تجاهكم".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
عضو بالكنيست يدعو لإزالة قبر الشهيد عز الدين القسام من حيفا
كرر عضو في الكنيست دعوته إلى إزالة قبر الشهيد عز الدين القسام من بلدة نيشر المقامة على أنقاض بلدة الشيخ الفلسطينية المهجرة في قضاء حيفا. وقال إسحاق كروزر العضو عن حزب "قوة يهودية" اليميني المتطرف الشريك بالحكومة الإسرائيلية إن لجنة الداخلية في الكنيست ستناقش الأسبوع المقبل نقل القبر من بلدة نيشر. وأضاف في مقابلة مع القناة الـ14 الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، أنه لا ينبغي أن يكون القبر مزارا لمؤيدي الإرهاب حسب تعبيره. وكان هذا النائب اليميني المتطرف قد زار موقع القبر في يوليو/تموز الماضي ودعا لاتخاذ إجراءات فورية لإزالته. ويعد الشيخ الشهيد عز الدين القسام، المولود في جبلة بالساحل السوري، أحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني لفلسطين وقد استشهد في جنين في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، ويحمل اسمَه الجناحُ العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).